loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة :  389

مذكرة المشروع التمهيدي :

قارن المواد 40 - 43 من قانون سنة 1930 الفرنسي و 988 - 991 من التقنين اللبناني و 88 من قانون سنة 1908 الألماني و 63 فقرة أخيرة من قانون سنة 1908 السويسري.

وقد تفادي المشروع ، جرياً على نسق التقنين الفرنسي (م 40 من قانون سنة 1930) والتقنين اللبناني (م 988) ، أن يذكر في الفقرة الأولى أن مسئولية المؤمن تكون بنسبة الأضرار الناشئة عن حريق الأشياء المؤمن عليها ، وذلك لأن التأمين قد يمتد إلى كل الأضرار الناشئة عن الحريق سواء بالنسبة للأشياء المؤمن عليها أم بالنسبة لغيرها ، كما هو الحال على الأخص في التأمين ضد مسؤولية المستأجر عن إحتراق العين المؤجرة.

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 1110 من المشروع فوافقت اللجنة عليها بعد حذف كلمة «حتى» وإضافة «واو» قبل «لو» في الفقرة الثالثة.

وأصبح رقم المادة 822 في المشروع النهائي .

 المشروع في مجلس النواب

تقرير لجنة الشئون التشريعية :

استبدلت اللجنة بعبارة « على غير ذلك » عبارة « على غيره » في الفقرة الثالثة .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة ، تحت رقم 822.

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة الثالثة والخمسين

تليت المادة 822 ورأت اللجنة تعديلها بأن تضيف في أول الفقرة الأولى عبارة و في التأمين من الحريق ، إبرازاً لاقتصار حكم النص على هذا النوع من التأمين كما رأت أن تضاف إلى آخر هذه الفقرة عبارة «أو عن خطر حريق يمكن أن يتحقق» حتى يشمل النص فيما يشمل من الصور حالة المشروع في إطفاء حريق وترتب على ذلك تلف شيء آخر مجاور للمكان الذي يحترق ولو لم يكن الحريق امتد إليه فعلاً .

تقرير اللجنة :

أضيفت في أول الفقرة الأولى عبارة « في التأمين من الحريق »، إبرازاً لاقتصار حكم النص على هذا النوع من التأمين ، وأضيفت إلى آخر هذه الفقرة عبارة « أو عن خطر حريق يمكن أن يتحقق » ، حتى يكون النصر شاملاً لحالات لا يبلغ فيها الأمر مبلغ الحريق أو بداية الحريق كما لو هدم جزء من بناء توقياَ لامتداد الحريق إليه  أو كما لو صب الماء على جزء من محصول توقياً للخطر ذاته ، وأصبح رقمها 766.

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .

الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع ، المجلد : الثاني 

ورد هذا النص في الفقرة الأولى من المادة 1110 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : "يكون المؤمن مسئولاً عن كافة الأضرار الناشئة عن حريق أو عن بداية حريق يمكن أن تصبح حريقاً كاملاً "، ووافقت عليها لجنة المراجعة تحت رقم 822/1 في المشروع النهائي ثم وافق عليها مجلس النواب تحت رقم 822/1 . وفي لجنة مجلس الشيوخ أضيفت في أول الفقرة عبارة "في التأمين من الحريق" إبرازاً لاقتصار حكم النص على هذا النوع من التأمين ، وأضيفت إلى آخر الفقرة عبارة " أو عن خطر حريق ، وترتب على ذلك تلف شيء آخر مجاور للمكان الذي يحترق ولو لم يكن الحريق امتد إليه فعلاً " . وجاء في تقرير اللجنة في هذا المعنى ما يأتي : "حتى يكون النص شاملاً لحالات لا يبلغ فيها الأمر مبلغ الحريق أو بداية الحريق ، كما لو هدم جزء من بناء توقياً لإمتداد الحريق إليه ، أو كما لو صب الماء على جزء من محصول توقياً للخطر ذاته" فأصبح النص بذلك مطابقاً لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد ، وصار رقمه 766/1 . ووافق عليه مجلس الشيوخ كما عدلت لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 5 ص 387 - ص396 ) .

وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : "وقد تفادى المشروع ، جرياً على نسق التقنين الفرنسي ( م 40 من قانون سنة 1930 ) والتقنين اللبناني ( م 988 ) ، أن يذكر في الفقرة الأولى أن مسئولية المؤمن تكون بنسبة الأضرار الناشئة عن حريق الأشياء المؤمن عليها ، وذلك لان التأمين قد يمتد إلى كل الأضرار الناشئة عن الحريق ، سواء بالنسبة للأشياء المؤمن عليها أم بالنسبة لغيرها ، كما هو الحال على الأخص في التأمين ضد مسئولية المستأجر عن احتراق العين المؤجرة" ( مجموعة الأعمال التحضيرية 5 ص 390 ) .

الأحكام

1- إذ يبين من الحكم المطعون فيه - الذى قضى برفض دعوى المؤمن لها لإنتفاء شرط إستحقاقها مبلغ التأمين ضد الشركة المؤمن لديها - أنه لم يلتزم قرار النيابة العامة بقيد الواقعة جنحة سرقة ضد مجهول وبألاوجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم معرفة الفاعل و إستند الحكم فى ذلك إلى ما إستخلصه من أقوال الشهود الذين سمعتهم النيابة بهذا الخصوص ومحضر تحريات مباحث الشرطة من أن واقعة سرقة السيارة المؤمن عليها غير صحيحة ، ورأى فى هذا ما يغنى إحالة الدعوى إلى التحقيق ، فإنه لا يكون هناك تناقص فى الحكم ، ذلك أنه لا تثريب على الحكم فى مخالفة قرار النيابة فى قضية السرقة ، وأن يستند فى نفس الوقت إلى التحقيق الذى أجرته فيها و يستخلص منه عدم صحة واقعة السرقة خلافاً للقرار الذى أصدرته النيابة بناء على هذه التحقيقات .

(الطعن رقم 425 لسنة 41 جلسة 1976/03/30 س 27 ع 1 ص 804 ق 155)

2- لا يكفى فى عقد التأمين ضد السرقة - ليستحق المؤمن له مبلغ التأمين - مجرد تحقق إختفاء الأشياء المؤمن عليها ، وإنما يتعين على المؤمن أن يثبت أن هذه الأشياء قد إختفت بسرقتها ، وإذا كان إعمال مبدأ حسن النية فى عقد التأمين ضد السرقة يستوجب عدم التشدد مع المؤمن له ، فلا يتطلب منه أن يقدم دليلاً يقينياً على وقوع الحادث لصعوبة ذلك فى بعض الحالات إذا كانت السرقة مما لم يقم عليها دليل مادى ينبىء عنها ، وعلى تقدير أن الوقت لا يتسع لتقديم هذا الدليل إلاأن ذلك لا يمنع من ناحية أخرى من وجوب مبادرة المؤمن له بالتبليغ وأن يكون دقيقاً فيما يقدمه من بيانات وأن يكون ما أبلغ عنه تقريباً إلى التصديق لتتخذ محكمة الموضوع من مسلكه سنداً لتكوين عقيدتها بشأن صحة وقوع الحادث المبلغ عنه و ذلك حماية للمؤمن الذى يتعرض بسبب تقديم المؤمن له بيانات غير صحيحة إلى تأمين مخاطر وهمية مما يضعف من مقدرته على مواجهة المخاطر الحقيقيةو التى تحدث لسائر المؤمن لهم .

(الطعن رقم 156 لسنة 33 جلسة 1967/01/17 س 18 ع 1 ص 120 ق 19)

شرح خبراء القانون

تنص الفقرة الأولى من المادة 766 من التقنين المدني على ما يأتي : "في التأمين من الحريق ، يكون المؤمن مسئولاً عن كافة الأضرار الناشئة عن حريق ، أو عن بداية حريق يمكن أن يصبح حريقاً كاملاً ، أو عن خطر حريق يمكن أن يتحقق" .

ويخلص من هذا النص أن التأمين من الحريق يشمل جميع الأضرار التي تنشأ عن الحريق ، أي عن اضطرام النار أو اشتعالها أو الاحتراق البسيط . وليس من الضروري أن يشتعل حريق كامل ، بل يكفي أن تكون هناك بداية حريق لم تتحول بعد إلى حريق كامل ، مادامت هذه البداية يمكن أن تصبح حريقاً كاملاً ، فسارع الناس إلى إطفائها ، فنجمت أضرار عن ذلك بل إن النص سالف الذكر شامل ، كما جاء في تقرير لجنة مجلس الشيوخ ، "لحالات لا يبلغ فيها الأمر مبلغ الحريق أو بداية الحريق ، كما لو هدم جزء من بناءً توقياً لامتداد الحريق إليه ، أو كما لو صب الماء على جزء من محصول توقياً للخطر ذاته" ، وكما جاء في محضر لجنة مجلس الشيوخ : "يشمل النص فيما يشمل من الصور حالة الشروع في إطفاء حريق ، وترتب على ذلك تلف شيء آخر مجاور للمكان الذي يحترق ، ولو لم يكن الحريق امتد إليه فعلاً" .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع ، المجلد : الثاني ، الصفحة : 1984)

تنص الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 776 من التقنين المدني على ما يأتي :

ولا يقتصر التزامه التزام المؤمن على الأضرار الناشئة مباشرة عن الحريق، بل يتناول أيضاً الأضرار التي تكون نتيجة حتمية لذلك، وبالأخص ما يلحق الأشياء المؤمن عليها من ضرر بسبب اتخاذ وسائل للإنقاذ أو لمنع امتداد الحريق .

ويكون مسئولاً عن ضياع الأشياء المؤمن عليها أو اختفائها أثناء الحريق ، ما لم يثبت أن ذلك كان نتيجة سرقة . كل هذا ولو اتفق على غيره .

ويلخص من النص المتقدم الذكر أن المؤمن، في التأمين من الحريق، يلتزم بتعويض الأضرار الناشئة عن الحريق والأضرار التي تكون نتيجة حتمية لذلك . ويلتزم أيضاً بالتعويض عن ضياع الأشياء المؤمن عليها أو اختفائها . ويلتزم أخيراً ، طبقاً لأحكام المادة 44 من مشروع الحكومة وسيأتي ذكرها، بالتعويض عن تلف الأشياء المملوكة لأعضاء أسرة المؤمن له والأشخاص الملحقين بخدمته، إذا كانوا مشتركين معه في معيشة واحدة .

الأضرار المباراة والأضرار التي تكون نتيجة حتمية للحريق : إذا وقع الحريق المؤمن منه ، فاحترق المنزل المؤمن عليه مثلاً أو جزء منه مع الأمتعة التي يشتمل عليها المكان المحترق ، وجب على المؤمن تعويض المؤمن له عما تلف من الأبنية والأثاث والأمتعة وغير ذلك بسبب الحريق وذلك في حدود مبلغ التأمين ومع مراعاة قاعدة النسبية التي سيأتي تفصيلها . وسنرى أنه يجوز لكل من المؤمن والمؤمن له ، عند وقوع الحريق ، أن يطلب تقويم الضرر فوراً .

ولا يقتصر المؤمن على التعويض عن الأضرار التي حدثت من الحريق مباشرة ، بل يعوض أيضاً عن الأضرار التي تكون نتيجة حتمية للحريق، "وبالأخص - كما تقول الفقرة الثانية من المادة 766 مدني فيما رأينا - ما يلحق الأشياء المؤمن عليها من ضرر بسبب اتخاذ وسائل للإنقاذ أو لمنع امتداد الحريق" . وهذا نص من النظام العام فلا يجوز الإتفاق على ما يخالفه ، لأن المصلحة العامة تقتضي ، بمجرد شبوب الحريق ، اتخاذ وسائل الإنقاذ وبذل المستطاع في منع امتداد الحريق وفي إطفائها ومن ثم وجب على المؤمن له ، وجاز للمؤمن ، أن يعمل كل منهما على اتخاذ ما من شأنه وقف خطر الحريق أو منع تفاقمها وقد نصت المادة 38 من مشروع الحكومة في هذا الصدد على ما يأتي : "يجب على المؤمن له أو من له الحق ، عند وقوع الخطر ، أن يسارع إلى اتخاذ ما من شأنه وقف الخطر أو منع تفاقمه - فإذا لم يقم أحدهما عن إهمال بما تقضي به أحكام هذه المادة ، كان للمؤمن الحق في خفض قيمة التعويض إلى المبلغ الذي كان يستحق فيما لو وقف الضرر . ويسقط الحق في التعويض إذا تسبب أحدهما في عرقلة الاحتياطات التي اتخذت لوقف الضرر . ويتحمل المؤمن المصروفات التي يتكبدها المؤمن له أو من له الحق في هذا الشأن ، ولو زادت قيمتها بالإضافة إلى قيمة الضرر على مبلغ التأمين ، ولو لم يؤد المجهود الذي بذله المؤمن له إلى نتيجة ما - ويجوز للمحاكم أو المحكمين ، إذا ما التجأ إليه الخصوم ، أن يخفضوا هذه المصروفات أو يرفضوا صرفها ، إذا ما ثبت لهم أنها صرفت كلها أو بعضها بدون تبصر".

ضياع الأشياء المؤمن عليها أو اختفاؤها : وتقول الفقرة الثالثة من المادة 766 مدني فيما رأينا : "ويكون المؤمن مسئولاً عن ضياع الأشياء المؤمن عليها أو اختفائها أثناء الحريق ، ما لم يثبت أن ذلك كان نتيجة سرقة . كل هذا ولو اتفق على غيره" . وهذا النص أيضاً يعتبر من النظام العام فلا يجوز الاتفاق على مخالفته ، وقد ورد ذلك في النص صراحة إذ يقول : "كل هذا ولو اتفق على غيره" . فقد فرض القانون أن الأشياء التي تضيع أو تختفي في أثناء الحريق ، إنما كان ضياعها أو اختفاؤها ناشئاً عن أنها قد التهمها الحريق ، وهذا الذي يفرضه القانون هو الذي يقع عادة . وقد جعل القانون هذه القرينة قابلة لإثبات العكس ، فأباح للمؤن أن يثبت أن ضياع الأشياء أو اختفاءها كان نتيجة سرقة ، كما يقع في بعض الأحيان وللمؤمن أن يثبت ذلك بجميع الطرق ، لأنه يثبت واقعة مادية . ولما كان النص من النظام العام كما قدمنا ، فلا يجوز للمؤمن أن يشترط أنه غير مسئول عما يضيع من الأشياء أو يختفي في أثناء الحريق ، كما لا يجوز له أن ينقل عبء الإثبات إلى عاتق المؤمن له فيشترط عليه أن يثبت هو أن الأشياء التي ضاعت أو اختفت قد التهمها الحريق ولم تسرق .

تلف الأشياء المملوكة لأسرة المؤمن له والملحقين بخدمته : وقد يؤمن الشخص من الحريق على منقولاته جملة واحدة ، دون أن يبين تفصيلاتها ، فتختلط بها عادة منقولات ليست مملوكة له ، بل هي مملوكة لأعضاء أسرته وللأشخاص الملحقين بخدمته إذا كانوا مشتركين معه في معيشة واحدة . فإذا كانت هذه الأشياء موجودة في أثناء الحريق في الأماكن التي تشغلها ، أو أتلفها الحريق، فإن المفروض أن المتعاقدين قد قصدا أن تدخل هذه الأشياء في نطاق التأمين، ويكون التأمين معقوداً لصالح الغير بالنسبة إليها، ومن ثم يجب على المؤمن أن يدفع تعويضاً عنها . وقد نصت المادة 44 من مشروع الحكومة في هذا المعنى على أنه "إذا عقد التأمين من الحريق على منقولات المؤمن له جملة، امتد أثره إلى الأشياء المملوكة لأعضاء أسرته والأشخاص الملحقين بخدمته، إذا كانوا مشتركين معه في معيشة واحدة .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع ، المجلد : الثاني ، الصفحة : 2002)

قد ينشب الحريق بسبب قوة قاهرة أو حادث فجائي أو خطأ من المؤمن له أو من أحد يكون المؤمن له مسئولاً عنه ولو كان عمداً أو عن عيب في الشيء المؤمن عليه أو من صاعقة، فيشمل التأمين كل هذه الأسباب إلا إذا كانت القوة القاهرة حرب ولو أهلية أو مظاهرات و زلازل أو براکین م 768 فلا يشملها التأمين إلا إذا وجد اتفاق خاص على ذلك، ومتى نشب الحريق وتحقق الضرر التزم المؤمن بمبلغ التأمين إلا إذا أثبت أن الحريق حدث بقوة قاهرة أو بسبب ظاهرة طبيعية أو حرب، ولا يجوز الإتفاق على حكم يخالف ذلك لتعلقه بالنظام العام إذ أنه في صالح المؤمن له ومن ثم لا يجوز إعفاء المؤمن من هذا الإثبات.

ويلتزم المؤمن بتعويض المؤمن له عن كل ما تلف بسبب الحريق تهدم بناءً أو إتلاف أثاث أو متاع، فإذا احترقت سيارة التزم بقيمة ترميمها دون نفقات انتقال للمؤمن له مدة الترميم ما لم يتفق على خلاف ذلك، ولا يضمن المؤمن الإصابات التي تحدث بسبب الحريق ولا فوات الإنتفاع بالشيء، وينحصر التزامه في حدود مبلغ التأمين مع مراعاة قاعدة النسبية م 751 والحكم الوارد بها ، كما يضمن كل تلف كان نتيجة حتمية للحريق كما إذا أتلفت مياه الاطفاء الأثاث أو بضائع المتجر أو مشتملات المصنع أو هدم جزء من البناء اذا اضطر رجال الإطفاء إلى ذلك، كما يضمن المؤمن كل ما يفقد أثناء الحريق وافترض الشرع أن ما فقد قد التهمته النيران وتلك قرينة بسيطة فيجوز للمؤمن اثبات عكسها بكافة الطرق، فإن أثبت أنه سرق أو أن المؤمن له أخفاه سقط الالتزام بدفع تعويض عنه. وهذا الحكم متعلق بالنظام العام فلا يجوز الإتفاق على عدم المسؤولية أو نقل عبء الاثبات إلى المؤمن له، فإن كان ما فقد مملوكاً لغير المؤمن له، بأن كان وديعة لديه أو مملوكاً لأحد أفراد أسرته أو لأحد يساكنه وجب على المؤمن أن يعوض هؤلاء ما لم يثبت هو أنها سرقت، أما ما يصيب غير هؤلاء کالجار فيكون الرجوع على المتسبب في الحريق وفقاً لقواعد المسؤولية التقصيرية.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر ، الصفحة : 623)

التأمين من الأضرار هو تأمين يكون فيه الخطر المؤمن منه أمراً يتعلق بمال المؤمن له لا بشخصه ، وذلك بخلاف التأمين علي الأشخاص ، فهو تأمين يكون فيه الخطر المؤمن منه أمراً يتعلق بشخص المؤمن له لا بماله .

تنص المادة على أن المخاطر التي يسأل عنها المؤمن هي حدوث حريق أو بداية حريق يمكن أن تصبح حريقاً كاملاً، أو خطر حريق يمكن أن يتحقق.

ولابد لحدوث حريق من اشتعالي الشيء بحادث غیر منتظر وامتداد ألسنة اللهب منه بحيث يخشى من سريان النار إلى الأشياء المجاورة. فإذا لم يكن هناك إشتعال ولا و لهب فإننا لا نكون بصدد حريق، ولو ثبت احتراق بعض الأشياء فعلاً نتيجة اتصالها بمادة حارقة .

وقد يكون التأمين من الإنفجارات تابعة للتأمين من الحريق. وفيه تستبعد حالات الحرب الأهلية أو الخارجية والزلازل.

وليس من الضروري أن يشتعل حريق كامل، بل يكفي أن تكون هناك بداية حريق لم تتحول بعد إلى حريق كامل، مادامت هذه البداية يمكن أن تصبح حريقاً كاملاً ، فسارع الناس إلى إطفائها، فنجمات أضرار عن ذلك.

ويشمل التأمين أيضاً " خطر حريق يمكن أن يتحقق " وهذا يتحقق في حالة الشروع في إطفاء حريق وترتب على ذلك تلف شیء آخر مجاور للمكان الذي يحترق ولو لم يكن الحريق إمتد إليه فعلاً . كما لو هدم جزء من بناءً توقياً لامتداد الحريق إليه أو كما لو صب الماء على جزء من محصول توقياً للخطر ذاته.

تقضى المادة بمسئولية المؤمن " عن كافة الأضرار الناشئة عن حريق " ، كما أضافت أن التزامه لا يقتصر على الأضرار الناشئة مباشرة عن الحريق، بل يتناول أيضاً الأضرار التي تكون نتيجة حتمية لذلك".

ومن شأن هذه العبارات العامة التي استعملها المشرع في هذا النص توهم ما لم يقصد منها . فالقول بأن المؤمن مسئول عن " كافة الأضرار الناشئة عن حريق " يوهم بمسئوليته عن كافة الأضرار التي تصيب الأشخاص أو الأشياء أثناء الحريق، كما لو أصيب المستأمن أو أحد أعضاء أسرته أو تابعيه بسبب تدخلهم المباشر في إخماد النار، أو بسبب مفاجأتهم بشبوبها. والقول بأن التأمين يتناول أيضاً " الأضرار التي تكون نتيجة حتمية للحريق " ، يوهم بدوره بمسئولية المؤمن عن ضمان المستأمن من الأضرار التي تصيبه بسبب هلاك الأشياء المؤمن عليها، كما إذا احترق المتجر المؤمن عليه فإن النتيجة الحتمية لهذه الكارثة حرمان المستأمن من الأرباح التي يجنيها أثناء مزاولته تجارته فيه.

إلا أنه لا يمكن القول بأن الشارع بإستعمال هذه العبارات غير المحددة قد أراد أن يخرج التأمين من الحريق عن نطاقه الطبيعي، فيحمله من النتائج غير ما تحتمله طبيعته فالتأمين العادي من الحريق هو بطبيعته نوع من أنواع التأمين على الأشياء، والنتيجة الطبيعية لذلك أن يكفل هذا التأمين تغطية الأضرار التي تصيب الأشياء فحسب. لذلك حرصت التشريعات على النص بأن المؤمن لا يضمن إلا الأضرار المادية الناجمة مباشرة عن الحريق.

وهكذا يبين أن ضمان المؤمن من الحريق في الأحوال العادية لا يشمل ما قد يصيب الأشخاص من أضرار بسبب الحريق، فذلك يقتضي أن يكون مؤمناً عليهم من الحوادث.

كما أنه لا يمتد إلى الأضرار غير المباشرة الناجمة عن الحريق، ولو كانت نتيجة حتمية لها، كفرات الكسب بسبب الحريق. ولا يتناول أخيراً ما قد يترتب على الحريق من مسئولية المستأمن قبل الغير، إلا أن يكون الأخير قد عقد تأميناً تكميلياً من هذه المسؤولية.

وبالجملة يقتصر الضمان على الأضرار المادية المباشرة التي تصيب الأشياء المؤمن عليها أثناء الحريق. كل هذا ما لم يتفق على غيره.

الأضرار الناشئة بسبب اتخاذ وسائل الإنقاذ :

ذكرت الفقرة الثانية من المادة من الأضرار التي يشملها التأمين من الحريق " ما يلحق الأشياء المؤمن عليها من ضرر بسبب إتخاذ وسائل الإنقاذ أو لمنع إمتداد الحريق " بإعتبارها من الأضرار التي تكون نتيجة حتمية للحريق.

وهو ضرر غير مباشر يكون في حقيقة الأمر جاء استثناء من القاعدة التي ذكرناها في السابق.

ومثال ذلك أن تصيب مياه الإطفاء أثاث المنزل أو بضائع المتجر أو المواد الأولية المختزنة بالمصنع فتتلفها، أو أن يضطر رجال الإطفاء إلى هدم جزء من البناء المؤمن عليه لحصر الحريق في نطاق ضيق، أو أن يلقوا ببعض المنقولات إلى الطريق العام لمنع امتداد النار إليها فتتهشم. ويستوي أن تكون هذه الوسائل قد اتخذت بمعرفة المستأمن أو بمعرفة السلطات المشرفة على الإطفاء ولو لم تصبها النار بسوء مطلقاً.

على أن هذا الضمان لا يشمل إلا الأضرار المادية التي تصيب الأشياء المؤمن عليها، فلا يشمل مصاريف الإنقاذ التي ينفقها المستأمن لمكافأة الأشخاص الذين قاموا بالإطفاء كما لا يشمل المصروفات التي أنفقها المؤمن له بعد الكارثة لحفظ الأشياء التالفة،. كإيجاد مكان لوضعها فيه وأعمال تقوية الأبنية .

وهذا التحديد مستفاد من عبارة النص نفسها التي قصرت الضمان على : " ما يلحق الأشياء المؤمن عليها من ضرر بسبب إتخاذ وسائل الإنقاذ " ، ومن كون هذا النص مخالف لحكم القاعدة العامة التي أوضحناها سلفاً، فهو استثناء لا يجوز التوسع في تفسيره .

ويعتبر هذا الحكم متعلقاً بالنظام العام، وقد نص المشرع صراحة على ذلك في عجز الفقرة الثالثة من المادة بقوله: "كل هذا ولو اتفق على غيره"، ومن ثم لا يجوز الإتفاق على خلافه، سواء بإستبعاده كلياً أو بالتضييق منه، فكل إتفاق من هذا القبيل يعد لغواً لا يعتد به لأن المصلحة العامة تقتضي بمجرد شبوب الحريق، إتخاذ وسائل الإنقاذ وبذل المستطاع في منع امتداد الحريق وفي إطفائها، ومن ثم وجب على المؤمن له وجاز للمؤمن، أن يعمل كل منهما على اتخاذ ما من شأنه وقف خطر الحريق أو منع تفاقمها .

ضياع الأشياء المؤمن عليها أو اختفاؤها أثناء الحريق

تنص الفقرة الثالثة من المادة على أنه: "ويكون مسئولا عن ضياع الأشياء المؤمن عليها أو اختفائها أثناء الحريق ما لم يثبت أن ذلك كان نتيجة سرقة، كل هذا ولو اتفق على غيره .

ولولا وجود هذا النص لما ضمن المؤمن ضياع هذه الأشياء أو اختفاءها إلا بعد أن يثبت المستأمن أن ذلك كان بسبب الحريق، وهو إثبات عسير لما يترتب على الحريق من ضياع معالم الأشياء المؤمن عليها غالباً ، ولما يصحبه عادة من أعمال النهب والسلب التي لا قبل للمستأمن بها وقد أذهله الحادث بتفاديها أو التحرز منها.

إلا أن النص جعل في اختفاء الأشياء المؤمن عليها قرينة على إحتراقها، ولكن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس، بأن يثبت المؤمن أن اختفاء الأشياء كان فتية سرقة، فإذا لم يثبت أنها سرقت فإنه يكون ضامناً لها.

ويشترط، كما هو صريح النص أن تكون الأشياء المؤمن عليها قد ضاعت أو اختفت في أثناء الحريق، فلا يضمن المؤمن الأشياء التي تختفي بعد إطفاء الحريق .

وسبيل المستأمن إلى إثبات توافر هذا الشرط، وبالتالى قيام القرينة القانونية المصلحته، هي أن يقدم الدليل على وجود الأشياء المقول بضياعها عند بدء الحادث. فهو المطالب - وفقاً للقواعد العامة - بإقامة الدليل على الضرر الذي لحقه ومداه، فيتعين عليه أن يتقدم بكشف الموجودات أثناء الحادث ليستدل منه على ما هلك أو ضاع منها فيعوض عنه ويستبعد الباقي من نطاق الضمان.

والغالب أن يسمح له بإثبات ذلك بكل طرق الإثبات بالغاً ما بلغت قيمة الأشياء المطالب بالتعويض عنها، إذ كثيراً ما يؤدى الحريق بالمستندات التي كان المستأمن يعتمد عليها لإثبات حقه. ولذلك يمكن الإعتماد على قائمة الخسائر المقدمة منه كقرينة على وجود هذه الأشياء أثناء الحريق حتى يثبت العكس. ولكنها قرينة بسيطة خاضعة ، لمطلق تقدير قاضي الموضوع، فله أن يأخذ بها أو يطرحها وفق ما يستشفه من ظروف الدعوى وملابساتها.

فإذا لم يكن في وقائع الدعوى ما يدل على كذب المستأمن، فإن المؤمن لا يفلت من الضمان إلا إذا أثبت عدم وجود هذه الأشياء أثناء الحريق، أو سرقتها .

وهذا الحكم مما يتعلق بالنظام العام، إذ جاء بالنص "كل هذا ولو اتفق على غيره " .

تلف الأشياء المملوكة لأسرة المؤمن له والملحقين بخدمته :

يحدث أن المؤمن له قد يؤمن من الحريق على منقولاته جملة واحدة، دون أن يبين تفصيلاتها، فتختلط بها عادة منقولات لیست مملوكة له، بل هي مملوكة لأعضاء أسرته وللأشخاص الملحقين بخدمته إذا كانوا مشتركين معه في معيشة واحدة.

فإذا كانت هذه الأشياء موجودة في أثناء الحريق في الأماكن التي تشغلها وأتلفها الحريق. فإن المفروض أن المتعاقدين قد قصدا أن تدخل هذه الأشياء في نطاق التأمين، ويكون التأمين معقوداً لصالح الغير بالنسبة إليها ومن ثم يجب على المؤمن أن يدفع تعويضاً عنها.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر ، الصفحة : 256)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والثلاثون ، الصفحة / 149

غَرَر

التَّعْرِيفُ:

1 - الْغَرَرُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ التَّغْرِيرِ، وَهُوَ الْخَطَرُ، وَالْخُدْعَةُ، وَتَعْرِيضُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ لِلْهَلَكَةِ، يُقَالُ: غَرَّهُ غَرًّا وَغُرُورًا وَغُرَّةً فَهُوَ مَغْرُورٌ وَغَرِيرٌ: خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِلِ، وَغَرَّتْهُ الدُّنْيَا غُرُورًا: خَدَعَتْهُ بِزِينَتِهَا، وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ تَغْرِيرًا وَتَغِرَّةً: عَرَّضَهَا لِلْهَلَكَةِ.

وَالتَّغْرِيرُ: حَمْلُ النَّفْسِ عَلَى الْغَرَرِ .

وَعَرَّفَهُ الْجُرْجَانِيُّ: بِأَنَّهُ مَا يَكُونُ مَجْهُولَ الْعَاقِبَةِ لاَ يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لاَ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْجَهَالَةُ:

2 - الْجَهَالَةُ لُغَةً: أَنْ تَفْعَلَ فِعْلاً بِغَيْرِ عِلْمٍ .

وَاصْطِلاَحًا: هِيَ الْجَهْلُ الْمُتَعَلِّقُ بِخَارِجٍ عَنِ الإِْنْسَانِ كَمَبِيعٍ وَمُشْتَرًى وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ وَغَيْرِهَا.

(ر: جَهَالَة ف 1 – 3)

وَفَرَّقَ الْقَرَافِيُّ بَيْنَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَقَالَ: أَصْلُ الْغَرَرِ هُوَ الَّذِي لاَ يُدْرَى هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لاَ؟ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ، وَأَمَّا مَا عُلِمَ حُصُولُهُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ فَهُوَ الْجَهُولُ، كَبَيْعِهِ مَا فِي كُمِّهِ، فَهُوَ يَحْصُلُ قَطْعًا، لَكِنْ لاَ يُدْرَى أَيْ شَيْءٍ هُوَ؟ فَالْغَرَرُ وَالْمَجْهُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنَ الآْخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَيُوجَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الآْخَرِ وَبِدُونِهِ

أَمَّا وُجُودُ الْغَرَرِ بِدُونِ الْجَهَالَةِ: فَكَشِرَاءِ الْعَبْدِ الآْبِقِ الْمَعْلُومِ قَبْلَ الإِْبَاقِ لاَ جَهَالَةَ فِيهِ، وَهُوَ غَرَرٌ، لأِنَّهُ لاَ يُدْرَى هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لاَ؟

وَالْجَهَالَةُ بِدُونِ الْغَرَرِ: كَشِرَاءِ حَجَرٍ يَرَاهُ لاَ يَدْرِي أَزُجَاجٌ هُوَ أَمْ يَاقُوتٌ، مُشَاهَدَتُهُ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِحُصُولِهِ فَلاَ غَرَرَ، وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِ يَقْتَضِي الْجَهَالَةَ بِهِ.

وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَكَالْعَبْدِ الآْبِقِ، الْمَجْهُولِ الصِّفَةِ قَبْلَ الإْبَاقِ

ب - الْغَبْنُ:

3 - الْغَبْنُ فِي اللُّغَةِ: النُّقْصَانُ، يُقَالُ: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ غَبْنًا أَيْ: نَقَصَهُ، وَغَبَنَ رَأْيَهُ غَبْنًا: قَلَّتْ فِطْنَتُهُ وَذَكَاؤُهُ.

قَالَ الْفِيْرُوزُ آبَادِيُّ.: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ يَغْبِنُهُ غَبْنًا - وَيُحَرَّكُ - أَوْ بِالتَّسْكِينِ فِي الْبَيْعِ وَبِالتَّحْرِيكِ فِي الرَّأْيِ: خَدَعَهُ .

وَيُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْغَبْنَ إِلَى فَاحِشٍ وَيَسِيرٍ، وَالْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا - كَمَا يَقُولُ صَاحِبُ الْكُلِّيَّاتِ - هُوَ الدُّخُولُ تَحْتَ التَّقْوِيمِ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ بَعْضِ الْمُقَوِّمِينَ، فَالْفَاحِشُ مَا لاَ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَالْيَسِيرُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ بَعْضِ الْمُقَوِّمِينَ .

ج - التَّدْلِيسُ:

4 - التَّدْلِيسُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: كَتْمُ عَيْبِ السِّلْعَةِ، قَالَ الأْزْهَرِيُّ : سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: لَيْسَ لِي فِي الأْمْرِ وَلْسٌ وَلاَ دَلْسٌ أَيْ: لاَ خِيَانَةٌ وَلاَ خَدِيعَةٌ .

وَالْغَرَرُ أَعَمُّ مِنَ التَّدْلِيسِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ

5 - الْغَرَرُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ خَدِيعَةً أَوْ تَدْلِيسًا حَرَامٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَمِنْهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ».

قَالَ النَّوَوِيُّ: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ كِتَابِ الْبُيُوعِ، يَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ، وَقَالَ: وَبَيْعُ مَا فِيهِ غَرَرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ وَلاَ تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ بَاطِلٌ .

أَقْسَامُ الْغَرَرِ:

6 - يَنْقَسِمُ الْغَرَرُ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُهُ عَلَى الْعَقْدِ إِلَى: غَرَرٍ مُؤَثِّرٍ فِي الْعَقْدِ وَغَرَرٍ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى مُؤَثِّرٍ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِ مُؤَثِّرٍ .

شُرُوطُ الْغَرَرِ الْمُؤَثِّرِ:

يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا الشُّرُوطَ الآْتِيَةَ:

أ - أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ كَثِيرًا:

7 - يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا، أَمَّا إِذَا كَانَ الْغَرَرُ يَسِيرًا فَإِنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لَهُ عَلَى الْعَقْدِ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ - أَيْ فِي الْبَيْعِ - ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: كَثِيرٌ مُمْتَنِعٌ إِجْمَاعًا، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَقَلِيلٌ جَائِزٌ إِجْمَاعًا، كَأَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ، وَمُتَوَسِّطٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ يُلْحَقُ بِالأْوَّلِ أَمْ بِالثَّانِي؟ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ الْكَثِيرَ فِي الْمَبِيعَاتِ لاَ يَجُوزُ وَأَنَّ الْقَلِيلَ يَجُوزُ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: نَقَلَ الْعُلَمَاءُ الإْجْمَاعَ فِي أَشْيَاءَ غَرَرُهَا حَقِيرٌ، مِنْهَا: أَنَّ الأْمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوُهَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا شَهْرًا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلاَثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِأُجْرَةٍ، وَعَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ بِعِوَضٍ مَعَ اخْتِلاَفِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ مُكْثِهِمْ فِي الْحَمَّامِ، قَالَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَدَارُ الْبُطْلاَنِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ وَالصِّحَّةِ مَعَ وُجُودِهِ هُوَ أَنَّهُ إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى ارْتِكَابِ الْغَرَرِ، وَلاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ إِلاَّ بِمَشَقَّةٍ، أَوْ كَانَ الْغَرَرُ حَقِيرًا جَازَ الْبَيْعُ، وَإِلاَّ فَلاَ .

وَقَدْ وَضَعَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ ضَابِطًا لِلْغَرَرِ الْكَثِيرِ فَقَالَ: الْغَرَرُ الْكَثِيرُ هُوَ مَا غَلَبَ عَلَى الْعَقْدِ حَتَّى أَصْبَحَ الْعَقْدُ يُوصَفُ بِهِ

ب - أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَصَالَةً:

8 - يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَصَالَةً. أَمَّا إِذَا كَانَ الْغَرَرُ فِيمَا يَكُونُ تَابِعًا لِلْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ فَإِنَّهُ. لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ. وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُقَرَّرَةِ: أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:

1 - أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا مُفْرَدَةً، لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَلَكِنْ لَوْ بِيعَتْ مَعَ أَصْلِهَا جَازَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ الإْجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ، وَقَالَ: وَلأِنَّهُ إِذَا بَاعَهَا مَعَ الأْصْلِ حَصَلَتْ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ يَضُرَّ احْتِمَالُ الْغَرَرِ فِيهَا .

2 - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمَجْرِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالنَّوَوِيُّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى بُطْلاَنِ بَيْعِ الْجَنِينِ؛ لأِنَّهُ غَرَرٌ، لَكِنْ لَوْ بَاعَ حَامِلاً بَيْعًا مُطْلَقًا صَحَّ الْبَيْعُ، وَدَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ بِالإْجْمَاعِ .

3 - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: لاَ تَشْتَرُوا اللَّبَنَ فِي ضُرُوعِهَا، وَلاَ الصُّوفَ عَلَى ظُهُورِهَا وَلأِنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ، لأِنَّهُ قَدْ يُرَى امْتِلاَءُ الضَّرْعِ مِنَ السِّمَنِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ اللَّبَنِ، وَلأِنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ، لأِنَّهُ قَدْ يَكُونُ اللَّبَنُ صَافِيًا وَقَدْ يَكُونُ كَدِرًا، وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ، لَكِنْ لَوْ بِيعَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ مَعَ الْحَيَوَانِ جَازَ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ حَيَوَانٍ فِي ضَرْعِهِ لَبَنٌ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مَجْهُولاً؛ لأِنَّهُ تَابِعٌ لِلْحَيَوَانِ، وَدَلِيلُهُ مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ .

وَنَقَلَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَ لَبَنِ الْغَنَمِ أَيَّامًا مَعْدُودَةً إِذَا كَانَ مَا يُحْلَبُ فِيهَا مَعْرُوفًا فِي الْعَادَةِ، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ، وَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ لَبَنِ الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً، وَضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلاً شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي إِبَّانِ لَبَنِهَا وَعُلِمَ أَنَّ لَبَنَهَا لاَ يُقْطَعُ إِلَى ذَلِكَ الأَْجَلِ، إِذَا كَانَ قَدْ عُرِفَ وَجْهُ حِلاَبِهَا.

ج - أَلاَّ تَدْعُوَ لِلْعَقْدِ حَاجَةٌ:

9 - يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي الْعَقْدِ: أَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ حَاجَةٌ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ لِلنَّاسِ حَاجَةٌ لَمْ يُؤَثِّرِ الْغَرَرُ فِي الْعَقْدِ، وَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ: إِنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِلْحَالِ فَكَانَ شَرْطًا مُغَيِّرًا مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فِي الأْصْلِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنَّمَا جَازَ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَا وَرَدَ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ رضي الله عنه كَانَ يُغْبَنُ فِي التِّجَارَاتِ، فَشَكَا أَهْلُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ» وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ تَبْتَاعُهَا بِالْخِيَارِ ثَلاَثَ لَيَالٍ» وَلِلْحَاجَةِ إِلَى دَفْعِ الْغَبْنِ بِالتَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ .

وَقَالَ الْكَمَالُ عَنْ عَقْدِ السَّلَمِ: وَلاَ يَخْفَى أَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ. إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ وَالإْجْمَاعِ لِلْحَاجَةِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْتَاجُ إِلَى الاِسْتِرْبَاحِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ، وَهُوَ بِالسَّلَمِ أَسْهَلُ، إِذْ لاَ بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْبَيْعِ نَازِلاً عَنِ الْقِيمَةِ فَيُرْبِحُهُ الْمُشْتَرِي، وَالْبَائِعُ قَدْ يَكُونُ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْحَالِ إِلَى السَّلَمِ، وَقُدْرَةٌ فِي الْمَالِ عَلَى الْبَيْعِ بِسُهُولَةٍ، فَتَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ الْحَالِيَّةُ إِلَى قُدْرَتِهِ الْمَآلِيَّةِ، فَلِهَذِهِ الْمَصَالِحِ شُرِعَ .

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّمَا جُوِّزَ الْجُعْلُ فِي الْعَمَلِ الْمَجْهُولِ وَالْغَرَرُ لِلضَّرُورَةِ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الأْصْلُ أَنَّ بَيْعَ الْغَرَرِ بَاطِلٌ. لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه أَنَّ «النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . وَالْمُرَادُ مَا كَانَ فِيهِ غَرَرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ، فَأَمَّا مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ. وَلاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ كَأَسَاسِ الدَّارِ، وَشِرَاءِ الْحَامِلِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْحَمْلَ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَكَامِلُ الأْعْضَاءِ أَوْ نَاقِصُهَا، وَكَشِرَاءِ الشَّاةِ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالإْجْمَاعِ .

وَبَعْدَ أَنْ قَرَّرَ ابْنُ قُدَامَةَ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ قَالَ: وَأَمَّا لَبَنُ الظِّئْرِ فَإِنَّمَا جَازَ لِلْحَضَانَةِ؛ لأِنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ .

د - أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ فِي عَقْدٍ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ:

10 - وَقَدِ اشْتَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ الْمَالِكِيَّةُ فَقَطْ، حَيْثُ يَرَوْنَ أَنَّ الْغَرَرَ الْمُؤَثِّرَ هُوَ مَا كَانَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَأَمَّا عُقُودُ التَّبَرُّعَاتِ فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهَا الْغَرَرُ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: فَصَلَ مَالِكٌ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَنْمِيَةِ الأْمْوَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُهَا، وَقَاعِدَةِ مَا لاَ يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لِذَلِكَ .

وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي التَّبَرُّعَاتِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، لَكِنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ الْوَصِيَّةَ مِنْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ

الْغَرَرُ فِي الْعُقُودِ:

أَوَّلاً - الْغَرَرُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ:

أ - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ:

الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ، أَوْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ.

1 - الْغَرَرُ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ:

11 - قَدْ يَنْعَقِدُ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَى صِفَةٍ تَجْعَلُ فِيهِ غَرَرًا، بِمَعْنَى أَنَّ الْغَرَرَ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ - الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ - لاَ بِمَحَلِّهِ - الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ - وَيَدْخُلُ فِي الْغَرَرِ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ عِدَّةُ بُيُوعٍ نَهَى الشَّارِعُ عَنْهَا صَرَاحَةً، مِنْهَا الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ».

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَة ف 1 وَمَا بَعْدَهَا)

وَمِنْهَا بَيْعُ الْحَصَاةِ، كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: إِذَا رَمَيْتَ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَهَذَا الثَّوْبُ مَبِيعٌ مِنْكَ بِكَذَا، وَذَلِكَ بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّمْيَ صِيغَةَ الْبَيْعِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ».

(ر: بَيْعُ الْحَصَاةِ ف 4).

وَمِنْهَا بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ».

(ر: بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ ف 3 و 4، وَبَيْعُ الْمُنَابَذَةِ ف 2).

وَيَدْخُلُ أَيْضًا فِي الْغَرَرِ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ تَعْلِيقُ الْبَيْعِ وَإِضَافَتُهُ لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ . قَالَ الشِّيرَازِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَمَجِيءِ الشَّهْرِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ؛ لأِنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. فَلَمْ يَجُزْ .

2 - الْغَرَرُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ:

12 - مَحَلُّ الْعَقْدِ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ يَشْمَلُ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ.

وَالْغَرَرُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ يَرْجِعُ إِلَى الْجَهَالَةِ بِهِ، لِذَا شَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ الْعِلْمَ بِالْمَحَلِّ .

وَالْغَرَرُ فِي الْمَبِيعِ يَرْجِعُ إِلَى أَحَدِ الأْمُورِ التَّالِيَةِ: الْجَهْلُ بِذَاتِ الْبَيْعِ أَوْ جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ مِقْدَارِهِ أَوْ أَجَلِهِ، أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، أَوِ التَّعَاقُدِ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَعْدُومِ، أَوْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ.

13 - فَمِثَالُ الْجَهْلِ بِذَاتِ الْمَبِيعِ: بَيْعُ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ، أَوْ ثَوْبٍ مِنْ ثِيَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَالْمَبِيعُ هُنَا - وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ - إِلاَّ أَنَّهُ مَجْهُولُ الذَّاتِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى حُصُولِ نِزَاعٍ فِي تَعْيِينِهِ . وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ الْبَيْعَ إِنْ جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ التَّعْيِينِ، وَيُسَمَّى عِنْدَهُمْ بَيْعَ الاِخْتِيَارِ، وَكَذَا أَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ إِنْ جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ التَّعْيِينِ وَكَانَ اخْتِيَارُهُ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَمَا دُونَ.

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِجِنْسِ الْمَحَلِّ: بَيْعُ الْحَصَاةِ عَلَى بَعْضِ التَّفَاسِيرِ، وَبَيْعُ الْمَرْءِ مَا فِي كُمِّهِ وَأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ سِلْعَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَهَا .

(ر: بَيْعُ الْحَصَاةِ ف 3). وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِنَوْعِ الْمَحَلِّ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ كُرًّا - وَهُوَ كَيْلٌ - مِنْ حِنْطَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ الْكُرِّ فِي مِلْكِهِ بَطَلَ، وَلَوْ بَعْضُهُ فِي مِلْكِهِ بَطَلَ فِي الْمَعْدُومِ وَفَسَدَ فِي الْمَوْجُودَةِ، وَلَوْ كُلُّهُ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ فِي مَوْضِعَيْنِ، أَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لاَ يَجُوزُ، وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُضِفِ الْبَيْعَ إِلَى تِلْكَ الْحِنْطَةِ .

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ يَقَعَانِ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ، ثُمَّ قَالَ: رَابِعُهَا النَّوْعُ، كَعَبْدٍ لَمْ يُسَمِّهِ .

وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ إِذَا جُهِلَ جِنْسُهَا أَوْ نَوْعُهَا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»، وَفِي بَيْعِ مَا لاَ يُعْرَفُ جِنْسُهُ أَوْ نَوْعُهُ غَرَرٌ كَثِيرٌ .

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِصِفَةِ الْمَحَلِّ. بَيْعُ الْحَمْلِ، وَبَيْعُ الْمَضَامِينِ، وَبَيْعُ الْمَلاَقِيحِ، وَبَيْعُ الْمَجْرِ، وَبَيْعُ عَسْبِ الْفَحْلِ.

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 5، 6، 69)

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِمِقْدَارِ الْمَبِيعِ: بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَبَيْعُ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ.

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِالأْجَلِ. بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ.

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 5)

وَمِثَالُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَحَلِّ: بَيْعُ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَبَيْعُ الإْنْسَانِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ، وَبَيْعُ الْمَغْصُوبِ.

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 32 وَمَا بَعْدَهَا)

وَمِثَالُ التَّعَاقُدِ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَعْدُومِ: بَيْعُ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ، وَبَيْعُ الْمُعَاوَمَةِ وَالسِّنِينَ، وَبَيْعُ نِتَاجِ النِّتَاجِ .

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 72، 88).

14 - كَمَا أَنَّ الْغَرَرَ فِي الثَّمَنِ يَرْجِعُ إِلَى الْجَهْلِ بِهِ.

وَالْجَهْلُ بِالثَّمَنِ قَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِالذَّاتِ، كَمَا لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِمِائَةِ شَاةٍ مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ، فَلاَ يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِالنَّوْعِ قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ بِدِينَارٍ فِي ذِمَّتِكَ أَوْ قَالَ: بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِكَ، أَوْ أَطْلَقَ الدَّرَاهِمَ، فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِنَوْعِهَا .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِصِفَةِ الثَّمَنِ، فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الصِّفَةِ؛ لأِنَّ الصِّفَةَ إِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً تَحْصُلُ الْمُنَازَعَةُ، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الأْدْوَنِ وَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الأْرْفَعَ، فَلاَ يَحْصُلُ مَقْصُودُ شَرْعِيَّةِ الْبَيْعِ، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِلاَ مُنَازَعَةٍ .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ، إِذْ يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ الْعِلْمَ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إِلَيْهِ. فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ اتِّفَاقًا .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِأَجَلِ الثَّمَنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ . وَقَالَ الْكَمَالُ: جَهَالَةُ الأْجَلِ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ فِي التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ، فَهَذَا يُطَالِبُهُ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ وَذَاكَ فِي بِعِيدِهَا، وَلأِنَّهُ عليه الصلاة والسلام فِي مَوْضِعِ شَرْطِ الأْجَلِ - وَهُوَ السَّلَمُ - أَوْجَبَ فِيهِ التَّعْيِينَ، حَيْثُ قَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».

وَعَلَى كُلِّ ذَلِكَ انْعَقَدَ الإْجْمَاعُ

ب - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الإْجَارَةِ:

15 - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الإْجَارَةِ قَدْ يَرِدُ عَلَى صِيغَةِ الْعَقْدِ، وَقَدْ يَرِدُ عَلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ.

فَمِنَ الْغَرَرِ فِي صِيغَةِ عَقْدِ الإْجَارَةِ: التَّعْلِيقُ، فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدْ آجَرْتُكَ، بِسَبَبِ أَنَّ انْتِقَالَ الأْمْلاَكِ يَعْتَمِدُ الرِّضَا، وَالرِّضَا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْجَزْمِ، وَلاَ جَزْمَ مَعَ التَّعْلِيقِ، فَإِنَّ شَأْنَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَرِضَهُ عَدَمُ الْحُصُولِ، وَفِي ذَلِكَ غَرَرٌ .

وَأَمَّا الْغَرَرُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ فَلاَ يَخْتَلِفُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ، لِذَا يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ فِي مَحَلِّ الإْجَارَةِ مَا يَشْتَرِطُونَهُ فِي مَحَلِّ الْبَيْعِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الأْجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَتَيْنِ؛ لأِنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله تعالي عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنِ اسْتِئْجَارِ الأْجِيرِ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ أَجْرَهُ».

وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الإْجَارَةِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلاَ تَجُوزُ إِجَارَةُ مُتَعَذِّرِ التَّسْلِيمِ حِسًّا، كَإِجَارَةِ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ، أَوْ شَرْعًا كَإِجَارَةِ الْحَائِضِ لِكَنْسِ الْمَسْجِدِ، وَالطَّبِيبِ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحٍ، وَالسَّاحِرِ عَلَى تَعْلِيمِ السِّحْرِ .

ج - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ السَّلَمِ:

16 - الْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ السَّلَمِ، إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَإِنَّمَا جَوَّزَهُ الشَّارِعُ لِلْحَاجَةِ.

قَالَ الْكَمَالُ: وَلاَ يَخْفَى أَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ وَالإْجْمَاعِ لِلْحَاجَةِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي .

وَيُشْتَرَطُ فِي السَّلَمِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ.

وَزَادَ الْفُقَهَاءُ شُرُوطًا أُخْرَى لِتَخْفِيفِ الْغَرَرِ فِيهِ مِنْهَا: تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: مِنْ شَرَائِطِهِ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ جَبْرًا لِلْغَرَرِ فِي الْجَانِبِ .

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ إِلَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَّ الْوُجُودِ عِنْدَ مَحَلِّهِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَمْكَنَ تَسْلِيمُهُ عِنْدَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَامَّ الْوُجُودِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ، فَلَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ الآْبِقِ بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّ السَّلَمَ اُحْتُمِلَ فِيهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ، فَلاَ يُحْتَمَلُ فِيهِ غَرَرٌ آخَرُ؛ لِئَلاَّ يَكْثُرَ الْغَرَرُ فِيهِ .

وَمِنْهَا: مَعْرِفَةُ أَوْصَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: لأِنَّ الْبَيْعَ لاَ يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ عَيْنٌ، فَلأََنْ لاَ يَحْتَمِلَهَا السَّلَمُ وَهُوَ دَيْنٌ كَانَ أَوْلَى.

وَعَلَّلَ ابْنُ عَابِدِينَ ذَلِكَ بِنَفْسِ الْعِلَّةِ، فَقَالَ: لأِنَّهُ دَيْنٌ وَهُوَ لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ بِالْوَصْفِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُ بِهِ يَكُونُ مَجْهُولاً جَهَالَةً تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَلاَ يَجُوزُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ .

د - الْغَرَرُ فِي الْجَعَالَةِ:

17 - الْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ عَقْدِ الْجَعَالَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ؛ لِجَهَالَةِ الْعَمَلِ وَجَهَالَةِ الأْجَلِ حَيْثُ إِنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْعَمَلِ، وَهُوَ وَقْتٌ مَجْهُولٌ، إِلاَّ أَنَّهُ جُوِّزَ اسْتِثْنَاءً لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ فِي الْقِيَاسِ غَرَرٌ، إِلاَّ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَوَّزَهُ .

لَكِنْ مُنِعَتْ بَعْضُ الصُّوَرِ مِنَ الْجَعَالَةِ، مِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: بِعْ لِي ثَوْبِي وَلَكَ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ دِرْهَمٌ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّهُ لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا يَبِيعُهُ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ مَعْلُومًا كَأَنْ جَعَلَ الْعَامِلَ مَجْهُولاً، إِذْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجَهَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ مَعْلُومًا. قَالَ مَالِكٌ: كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ فِي حَقِّهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ، فَهَذَا غَرَرٌ لاَ يَدْرِي كَمْ جُعِلَ لَهُ .

وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لآِخَرَ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهُوَ لَكَ فَلاَ يَجُوزُ، قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَجُوزُ لأِنَّ الْجُعْلَ مَجْهُولٌ قَدْ دَخَلَهُ غَرَرٌ .

ثَانِيًا - الْغَرَرُ فِي عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ:

أ - عَقْدُ الْهِبَةِ:

18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَأْثِيرِ الْغَرَرِ عَلَى عَقْدِ الْهِبَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْهِبَةِ، كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ، يَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُمُ اشْتَرَطُوا فِي الْمَوْهُوبِ مَا اشْتَرَطُوهُ فِي الْمَبِيعِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الشَّرَائِطُ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى الْمَوْهُوبِ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْهِبَةِ، فَلاَ تَجُوزُ هِبَةُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَقْتَ الْعَقْدِ، بِأَنْ وَهَبَ مَا يُثْمِرُ نَخْلُهُ الْعَامَ، وَتَلِدُهُ أَغْنَامُهُ السَّنَةَ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ هِبَتُهُ، وَمَا لاَ - كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ وَضَالٍّ - فَلاَ .

وَعَرَّفَ الْحَنَابِلَةُ الْهِبَةَ: بِأَنَّهَا التَّبَرُّعُ بِتَمْلِيكِ مَالِهِ الْمَعْلُومِ الْمَوْجُودِ فِي حَيَاتِهِ غَيْرَهُ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: خَرَجَ بِالْمَالِ نَحْوُ الْكَلْبِ، وَبِالْمَعْلُومِ الْمَجْهُولُ، وَبِالْمَوْجُودِ الْمَعْدُومُ، فَلاَ تَصِحُّ الْهِبَةُ فِيهَا .

كَمَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ عَقْدِ الْهِبَةِ فِي حَالَةِ التَّعْلِيقِ وَالإِْضَافَةِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْغَرَرَ لاَ تَأْثِيرَ لَهُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْهِبَةِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلاَ خِلاَفَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ الْمُتَوَقَّعِ الْوُجُودُ، وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ جِهَةِ الْغَرَرِ.

وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لِلْغَرَرِ عَلَى عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: انْقَسَمَتِ التَّصَرُّفَاتُ فِي قَاعِدَةِ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَمَا لاَ يُجْتَنَبُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ، فَالطَّرَفَانِ:

أَحَدُهُمَا: مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ، فَيُجْتَنَبُ فِيهَا ذَلِكَ إِلَى مَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ عَادَةً،

وَثَانِيهُمَا: مَا هُوَ إِحْسَانٌ صِرْفٌ لاَ يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالإْبْرَاءِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لاَ يُقْصَدُ بِهَا تَنْمِيَةُ الْمَالِ، بَلْ إِنْ فَاتَتْ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ بِهَا لاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، بِخِلاَفِ الْقِسْمِ الأْوَّلِ إِذَا فَاتَ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالاَتِ ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ مَنْعَ الْجَهَالَةِ فِيهِ، أَمَّا الإِْحْسَانُ الصِّرْفُ فَلاَ ضَرَرَ فِيهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ وَحَثُّهُ عَلَى الإِْحْسَانِ التَّوْسِعَةَ فِيهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ قَطْعًا، وَفِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى تَقْلِيلِهِ، فَإِذَا وُهِبَ لَهُ عَبْدُهُ الآْبِقُ جَازَ أَنْ يَجِدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَجِدْهُ، لأِنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّ الأْحَادِيثَ لَمْ يَرِدْ فِيهَا مَا يَعُمُّ هَذِهِ الأْقْسَامَ حَتَّى نَقُولَ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ نُصُوصِ صَاحِبِ الشَّرْعِ، بَلْ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ النِّكَاحُ .

ب - الْوَصِيَّةُ:

19 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لِلْغَرَرِ عَلَى الْوَصِيَّةِ، لِذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْمُوصَى بِهِ مَا اشْتَرَطُوهُ فِي الْمَبِيعِ، وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ؛ لأِنَّ الْوَصِيَّةَ - كَمَا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ - لاَ تَمْتَنِعُ بِالْجَهَالَةِ، وَلأِنَّ هَا - كَمَا قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ - احْتَمَلَ فِيهَا وُجُوهٌ مِنَ الْغَرَرِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَتَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ.

وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةَ بِمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ .

ثَالِثًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ:

20 - مَنَعَ الشَّافِعِيَّةُ شَرِكَةَ الأْبْدَانِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْغَرَرِ، إِذْ لاَ يَدْرِي أَنَّ صَاحِبَهُ يَكْسِبُ أَمْ لاَ . وَمَنَعُوا أَيْضًا شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ تَكُنْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةً فَلاَ بَاطِلَ أَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا. يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى كَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْغَرَرِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لِلْغَرَرِ؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ عَاوَضَ صَاحِبَهُ بِكَسْبٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ بِصِنَاعَةٍ وَلاَ عَمَلٍ مَخْصُوصٍ .

كَمَا يَرَى كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لاَ تَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الْقِيَاسُ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لاَ تَجُوزُ؛ لأِنَّ هَا اسْتِئْجَارٌ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ - بَلْ مَعْدُومٍ - وَلِعَمَلٍ مَجْهُولٍ، لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ . وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: الْقِرَاضُ جَائِزٌ مُسْتَثْنًى مِنَ الْغَرَرِ وَالإْجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ .

وَقَدِ اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ عِدَّةَ شُرُوطٍ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ بِاخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهَا مَنْعًا لِوُقُوعِ الْغَرَرِ فِيهَا.

وَلِلْوُقُوفِ عَلَى تَعْرِيفِ الشَّرِكَاتِ وَمَا يَعْتَرِيهِ الْغَرَرُ مِنْهَا وَمَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (شَرِكَة)

رَابِعًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ:

21 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ لاَ يَصِحُّ رَهْنُهُ؛ لأِنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ يَرَوْنَ أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الرَّهْنِ، لِذَا يَشْتَرِطُونَ فِي الْمَرْهُونِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَمَوْجُودًا وَمَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ .

وَجَوَّزَ الْمَالِكِيَّةُ الْغَرَرَ فِي الرَّهْنِ. فَقَدْ نَصُّوا عَلَى جَوَازِ رَهْنِ مَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ فِي وَقْتِ الاِرْتِهَانِ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ، وَلاَ يُبَاعُ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ إِلاَّ إِذَا بَدَا صَلاَحُهُ، وَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ .

وَقَيَّدَ الدَّرْدِيرُ الْغَرَرَ الَّذِي يَجُوزُ فِي الرَّهْنِ بِالْغَرَرِ الْيَسِيرَةِ وَمَثَّلَ لَهُ بِالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ الْغَرَرُ - كَالْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ - فَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ .

خَامِسًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْكَفَالَةِ:

22 - تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ الْمَجْهُولِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّ هَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّوَسُّعِ، كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ .

وَلأِنَّ هَا الْتِزَامُ حَقٍّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ، قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ .

وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ إِذَا كَانَ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ، نَحْوَ: كَفَلْتُ مَالَكَ عَلَى فُلاَنٍ أَوْ فُلاَنٍ وَيَكُونُ التَّعْيِينُ لِلْكَفِيلِ، وَنَحْوُ: إِنْ غَصَبَ مَالَكَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فَأَنَا ضَامِنٌ.

أَمَّا لَوْ عَمَّمَ فَقَالَ: إِنْ غَصَبَكَ إِنْسَانٌ شَيْئًا فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ لاَ يَصِحُّ، كَمَا لاَ تَصِحُّ عِنْدَهُمُ الْكَفَالَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ الضَّمَانِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ نَحْوُ: أَنَا ضَامِنٌ زَيْدًا فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ لِلنَّاسِ .

وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ الْعِلْمَ بِالْمَضْمُونِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَعَيْنًا، فَلاَ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ .

وَالْحَنَابِلَةُ لاَ يَشْتَرِطُونَ مَعْرِفَةَ الضَّامِنِ لِلْمَضْمُونِ وَلاَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ .

سَادِسًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ:

23 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ، فَأَجَازَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى مَنْعِ الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ؛ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهَا.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَفِي كُلِّ أُمُورِي، أَوْ فَوَّضْتُ إِلَيْكَ كُلَّ شَيْءٍ، لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهِ .

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّ فِي هَذَا غَرَرًا عَظِيمًا وَخَطَرًا كَبِيرًا؛ لأِنَّهُ تَدْخُلُ فِيهِ هِبَةُ مَالِهِ وَطَلاَقُ نِسَائِهِ وَإِعْتَاقُ رَقِيقِهِ وَتَزَوُّجُ نِسَاءٍ كَثِيرَةٍ، وَيَلْزَمُهُ الْمُهُورُ الْكَثِيرَةُ وَالأْثْمَانُ الْعَظِيمَةُ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ .

وَأَمَّا الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِهَا.

وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِيهَا الْعِلْمَ بِالْمُوَكَّلِ بِهِ عِلْمًا تَنْتَفِي بِهِ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ وَالْمُتَوَسِّطَةُ، أَمَّا الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ فَلاَ تَضُرُّ وَالْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ هِيَ جَهَالَةُ الْجِنْسِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دَابَّةٍ لَمْ يَصِحَّ، لأِنَّ الدَّابَّةَ تَشْمَلُ الْفَرَسَ وَالْحِمَارَ وَالْبَغْلَ،

وَالْجَهَالَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ هِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ الَّذِي تَتَفَاوَتُ قِيَمُ آحَادِهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، كَأَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ دَارٍ، فَهَذِهِ الْوَكَالَةُ لاَ تَصِحُّ أَيْضًا إِلاَّ إِذَا بَيَّنَ الثَّمَنَ أَوِ الصِّفَةَ لِتَقِلَّ الْجَهَالَةُ.

وَالْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ هِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ الْمَحْضِ - النَّوْعُ الَّذِي لاَ تَتَفَاوَتُ قِيَمُ آحَادِهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا - كَأَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَصِحُّ .

وَتَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ وَيُعَيِّنُهُ الْعُرْفُ .

وَيَشْتَرِطُ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. لأِنَّ تَجْوِيزَ الْوَكَالَةِ لِلْحَاجَةِ يَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ، فَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا عِلْمًا يَقِلُّ مَعَهُ الْغَرَرُ.

وَيَشْتَرِطُونَ فِي الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ بَيَانَ النَّوْعِ، وَإِذَا تَبَايَنَتْ أَوْصَافُ نَوْعٍ وَجَبَ بَيَانُ الصِّنْفِ أَيْضًا، وَلَكِنْ لاَ يُشْتَرَطُ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ الأْوْصَافِ، وَهَذَا فِيمَا يُشْتَرَى لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، أَمَّا مَا يُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فَلاَ يَجِبُ فِيهِ ذِكْرُ النَّوْعِ وَلاَ غَيْرُهُ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: اشْتَرِ لِي مَا شِئْتَ مِنَ الْعُرُوضِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي فَرَسًا بِمَا شِئْتَ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ حَتَّى يَذْكُرَ النَّوْعَ وَقَدْرَ الثَّمَنِ؛ لأِنَّهُ مَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ وَالشِّرَاءُ بِهِ يَكْثُرُ، فَيَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ، فَإِنْ ذَكَرَ النَّوْعَ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ صَحَّ لاِنْتِفَاءِ الْغَرَرِ، وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي عَلَى ذِكْرِ النَّوْعِ؛ لأِنَّهُ إِذَا ذَكَرَ نَوْعًا فَقَدْ أَذِنَ فِي أَعْلاَهُ ثَمَنًا فَيَقِلُّ الْغَرَرُ.

وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ مَالِهِ كُلِّهِ صَحَّ؛ لأِنَّهُ يَعْرِفُ مَالَهُ فَيَقِلُّ الْغَرَرُ .

سَابِعًا: الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الزَّوَاجِ:

24 - يَرِدُ الْغَرَرُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَهْرِ، وَلاَ يُؤَثِّرُ عَلَى الْعَقْدِ؛ لأِنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لاَ يَبْطُلُ بِجَهَالَةِ الْعِوَضِ .

وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ صُوَرًا لِلْغَرَرِ فِي الْمَهْرِ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ جَهَالَةَ نَوْعِ الْمَهْرِ تُفْسِدُ التَّسْمِيَةَ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَارٍ، فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَيَجِبُ حِينَئِذٍ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ.

كَمَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ ثُبُوتِ الأْجَلِ إِذَا كَانَتْ جَهَالَتُهُ مُتَفَاحِشَةً، وَيَجِبُ الْمَهْرُ حَالاً، وَذَلِكَ كَالتَّأْجِيلِ إِلَى هُبُوبِ الرِّيَاحِ أَوْ إِلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ، أَوْ إِلَى الْمَيْسَرَةِ .

وَقَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ - كَمَا سَبَقَ - التَّصَرُّفَاتِ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُ الْغَرَرِ فِيهَا وَعَدَمُهُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ. فَالطَّرَفَانِ: مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ، فَيُجْتَنَبُ فِيهَا الْغَرَرُ، إِلاَّ مَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ عَادَةً.

وَإِحْسَانٌ صِرْفٌ لاَ يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ، فَيُغْتَفَرُ فِيهِ الْغَرَرُ.

وَأَمَّا الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ النِّكَاحُ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَالَ فِيهِ لَيْسَ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا مَقْصِدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالأْلْفَةُ وَالسُّكُونُ، يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ اشْتَرَطَ فِيهِ الْمَالَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) الآْيَةُ. يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ فِيهِ، فَلِوُجُودِ الشَّبَهَيْنِ تَوَسَّطَ مَالِكٌ فَجَوَّزَ فِيهِ الْغَرَرَ الْقَلِيلَ دُونَ الْكَثِيرِ، نَحْوُ عَبْدٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَشُورَةِ بَيْتٍ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الْعَبْدِ الآْبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ؛ لأِنَّ الأْوَّلَ يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى الْوَسَطِ الْمُتَعَارَفِ، وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ فَامْتَنَعَ، وَصَرَّحُوا بِعَدَمِ جَوَازِ تَأْجِيلِ الْمَهْرِ إِلاَّ لِزَمَنٍ مُحَدَّدٍ، فَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمُ التَّأْجِيلُ لِلْمَوْتِ أَوِ الْفِرَاقِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا تَأْجِيلَ الْمَهْرِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مَلِيًّا .

وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ فِي الصَّدَاقِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَالثَّمَنِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: لأِنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ فِي حَقِّ مُعَاوَضَةٍ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ؛ وَلأِنَّ غَيْرَ الْمَعْلُومِ مَجْهُولٌ لاَ يَصِحُّ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ كَالْمُحَرَّمِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لاَ يَضُرُّ الْجَهْلُ الْيَسِيرُ وَالْغَرَرُ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ، وَمَثَّلُوا لِذَلِكَ بِالزَّوَاجِ عَلَى الآْبِقِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَدَيْنِ السَّلَمِ، وَالْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَوْ مَكِيلاً وَنَحْوَهُ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: لأِنَّ الصَّدَاقَ لَيْسَ رُكْنًا فِي النِّكَاحِ، فَاغْتُفِرَ الْجَهْلُ الْيَسِيرُ وَالْغَرَرُ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَهْرِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، لِذَا يَشْتَرِطُونَ فِي الْمَهْرِ شُرُوطَ الْمَبِيعِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَا صَحَّ مَبِيعًا صَحَّ صَدَاقًا.

وَلَوْ سَمَّى صَدَاقًا فَاقِدًا لأِحَدِ شُرُوطِ الْمَبِيعِ فَسَدَ الصَّدَاقُ وَتَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ لِلزَّوْجَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ .

الْغَرَرُ فِي الشُّرُوطِ:

25 - يُمْكِنُ تَقْسِيمُ الشُّرُوطِ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُ الْغَرَرِ فِيهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، وَشَرْطٌ يُحْدِثُ غَرَرًا فِي الْعَقْدِ، وَشَرْطٌ يَزِيدُ مِنَ الْغَرَرِ الَّذِي فِي الْعَقْدِ.

أَوَّلاً - الشَّرْطُ الَّذِي فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ:

26 - قَالَ الْكَاسَانِيُّ: مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْخُلُوُّ عَنِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ، مِنْهَا شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، نَحْوُ مَا إِذَا اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ؛ لأِنَّ الْمَشْرُوطَ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَلاَ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ، لأِنَّ عِظَمَ الْبَطْنِ وَالتَّحَرُّكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعَارِضِ دَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَكَانَ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، فَيُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ .

وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي قَوْلٍ - الْحَنَفِيَّةَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ .

وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلاً بِالصِّحَّةِ؛ لأِنَّ كَوْنَهَا حَامِلاً بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ كَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا أَوْ خَيَّاطًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَذَا جَائِزٌ فَكَذَا هَذَا، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَمِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي فِي وُجُودِهَا غَرَرٌ، مَا لَوِ اشْتَرَى نَاقَةً وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى أَنَّهَا تَضَعُ حَمْلَهَا إِلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لأِنَّ فِي وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ غَرَرًا، وَكَذَا لَوِ اشْتَرَى بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا وَكَذَا رِطْلاً . قَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا تُدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنَ اللَّبَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأِنَّ ذَلِكَ لاَ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَضَبْطُهُ فَلَمْ يَصِحَّ .

ثَانِيًا - الشَّرْطُ الَّذِي يُحْدِثُ غَرَرًا فِي الْعَقْدِ:

27 - مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تُحْدِثُ غَرَرًا فِي الْعَقْدِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَيَسْتَثْنِيَ بَعْضَهُ غَيْرَ الْمَعْلُومِ، وَهُوَ مَا يُعْرَفُ بِبَيْعِ الثُّنْيَا.

وَبَيْعُ الثُّنْيَا مِنَ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ».

وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الثُّنْيَا إِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولاً؛ لأِنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولِ مِنَ الْمَعْلُومِ يَجْعَلُ الْبَاقِي مَجْهُولاً .

وَمِنْ أَمْثِلَةِ بَيْعِ الثُّنْيَا: أَنْ يَبِيعَ الشَّاةَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا فِي بَطْنِهَا، فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ لاَ يَصِحُّ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ النَّاشِئِ عَنْ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً أَوْ شَاةً وَهُنَّ حَوَامِلُ، وَاسْتَثْنَى مَا فِي بُطُونِهَا، فَإِنَّ الْبَيْعَ عَلَى هَذَا فَاسِدٌ لاَ يَجُوزُ .

ثَالِثًا - الشَّرْطُ الَّذِي يَزِيدُ الْغَرَرَ فِي الْعَقْدِ

28 - هَذَا الشَّرْطُ يَكُونُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي فِي أَصْلِهَا غَرَرٌ، وَالأْصْلُ مَنْعُهَا، لَكِنَّهَا جَازَتِ اسْتِثْنَاءً وَذَلِكَ كَعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: أَجْمَعُوا بِالْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَقْتَرِنُ بِهِ - أَيِ الْقِرَاضِ - شَرْطٌ يَزِيدُ فِي مَجْهَلَةِ الرِّبْحِ أَوْ فِي الْغَرَرِ الَّذِي فِيهِ .

ر: (مُضَارَبَة).