loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة :  400

مذكرة المشروع التمهيدي :

قارن المادتين 13 من قانون سنة 1930 الفرنسي و 967 من التقنين اللبناني .

ولم ير المشروع حاجة لأن يزيد على النص أن المؤمن لا يكون مسئولاً عن خطأ هؤلاء الأشخاص إلا إذا كان حاصلاً بغير تواطؤ المؤمن عليه ، لأن هذه الحالة تدخل تحت نطاق الفقرة الثانية من المادة السابقة ، وهي تستبعد مسئولية المؤمن عن الخسائر والأضرار التي يحدثها المؤمن عليه عمداً أو غشاً ، بنفسه أو بواسطة غيره.

شرح خبراء القانون

تنص المادة 769 من التقنين المدني على ما يأتي :

"يسأل المؤمن عن الأضرار التي تسبب فيها الأشخاص الذين يكون المؤمن له مسئولاً عنهم ، مهما يكن نوع خطأهم ومداه .

ويخلص من هذا النص أنه يدخل في نطاق التأمين خطأ من يكون المؤمن له مسئولاً عنهم ، مهما يكن نوع خطأهم أو مداه ، أي سواء كان خطأهم عمدياً أو غير عمدي ، وأياً كانت جسامة الخطأ غير العمدي وذلك ما لم يكن الخطأ العمدي صادراً بالتواطؤ مع المؤمن له ، فإن هذا يعتبر غشاً من هذا الأخير لا يدخل في نطاق التأمين .

وقد قدمنا أنه إذا كان الغير الذي صدر منه الخطأ العميد غير أجنبي عن المؤمن له ، بأن كان هذا الأخير مسئولاً عنه كما إذا كان تابعاً له ، فخطأ التابع العمدي يجوز هو أيضاً التأمين منه ، لأن الخطأ المؤمن منه هنا لا يتعلق بمحض إرادة المؤمن له ، وعلاقة التبعية لا تمنع من أن الخطر الذي تعمد التابع تحقيقه قد تحقق بغير إرادة المؤمن له نفسه .

وقد تكون المسئولية عن الغير مسئولية تقصيرية ، فيجوز التأمين من خطأ الولد والتلميذ وصبي الحرفة ونحوهم ، كما يجوز التأمين من خطأ الخادم والمستخدم وأي تابع آخر ، ولو كان الخطأ عمدياً وقد تكون المسئولية عن الغير مسئولية عقدية ، فيجوز أن يؤمن الوكيل من خطأ نائبه وأن يؤمن المقاول الأصلي من خطأ المقاول من الباطن وأن يؤمن صاحب العمارة من خطأ البواب ولكن لا يجوز للشركة أن تؤمن من خطأ مديرها العمدي ، لأن المدير لا يعتبر تابعاً للشركة بل هو أحد أجهزتها ، فخطأه هو خطأ الشركة ، ولا يجوز لأحد أن يؤمن من خطأه العمدي كما قدمنا .

ويلاحظ أن التأمين هنا يكون تأميناً من المسئولية ، لأن المؤمن له يؤمن عادة من مسئوليته عن الغير ولكن يجوز أن يكون التأمين تأميناً على الأشياء ، فيؤمن الشخص من الحريق ولو حدث بخطأ عمدي من خادمه أو ممن يسكنون معه من أتباعه ، ويؤمن السرقة أو التبديد ولو وقع الحادث بخطأ عمدي من خادم أو أي تابع آخر وإذا رجع المؤمن له بمبلغ التأمين على المؤمن ، فإن هذا لا يحل محله في الرجوع على المسئول ، فإن هذا الأخير تابع للمؤمن له أو شخص هو مسئول عنه فيمتنع الحلول طبقاً لأحكام المادة 771 مدني كما سيجئ .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع ، المجلد : الثاني ، الصفحة : 1995)

يكون المؤمن مسئولاً عن الأضرار التي يتسبب فيها الأشخاص الذين يكون المؤمن له مسئولاً عنهم سواء ترتب الضرر على فعل عمدي أو اهمال ولو كان جسيماً طالما انتفى التواطؤ بين الفاعل والمؤمن له على نحو ما أوضحناه بالمادة السابقة، وقد تكون مسئولية المؤمن له عن هؤلاء مسئولية عقدية كما إذا كان هو موکلاً والفاعل وكيلاً فيؤمن من خطئه أو كان مالكاً فيؤمن من خطأ البواب وقد تكون مسئولية تقصيرية كأن يؤمن متولي الأمر أو صاحب الحرفة المتبوع. فيؤمن عن تابعه ولا يعتبر مدير الشركة تابعاً للشركة بل ممثلاً لها ومن ثم لا يجوز لها التأمين عن خطئه .

ويكون التأمين في هذه الحالة، تأميناً من المسئولية وتأميناً على الأشياء ، فيؤمن من الحريق أو السرقة أو التبديد ولو كان بسبب عمدی من أحد تابعيه أو ممن يساکنه، ولا يجوز للمؤمن، بعد دفع مبلغ التأمين، أن يرجع على أحد هؤلاء، لأنهم تابعين للمؤمن له م 771 .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر ، الصفحة : 632)

التأمين من المسئولية هو عقد يلتزم بمقتضاه المؤمن، أن يضمن للشخص مسئوليته عما يترتب على ما يصدر عنه من ضرر للغير، وذلك مقابل ما يؤديه من أقساط دورية.

وقد يبرم التعاقد لتأمين شخص مما يصيب ماله، وفيها يقدر ما يلزم المؤمن بدفعه بقدر الضرر.

كما قد يكون التأمين مما يحدث للحياة أو سلامة الجسم، وفي هذه الحالة يقوم المؤمن بدفع المبلغ المتفق عليه، كيفما كان قدر الضرر.

ونطاق هذا النوع من التأمين هو في المسئولية المدنية دون المسئولية الجنائية، إذ العقوبة فيها شخصية.

والتأمين من المسئولية هو تأمين من الأضرار شأنه شأن التأمين على الأشياء، وإن اختلف عنه في محله، لأن محل التأمين على الأشياء هو ما للمؤمن له من مال، أما محل التأمين من المسئولية فهو ما على المؤمن له من مال.

صور التأمين من المسؤولية :

قد يتعلق التأمين من المسئولية بشيء معين.

وفي هذه الحالة توجد ثلاث صور منه، وهي :

التأمين التكميلي للتأمين من الحريق في حالة تأمين الخطأ الإجباري المنصوص عليها في المادة (584) مدني التي تجعل المستأجر مسئولاً عن حريق العين، وتأمين رجوع الجيران، وتأمين رجوع المستأجر على المالك.

وقد يتعلق التأمين من المسئولية بمجموعة من الأشخاص، كالتأمين الذي يعقده رب العمل عن مسئوليته عن حوادث العمل.

وقد يكون التأمين من المسئولية عن أخطار الحرفة أو عن حوادث السيارات.

ويقرن الشراح من حيث محل المسئولية المضمونة بين التأمين المعين والتأمين غير المعين أو المطلق.

فيوجد تأمين من المسئولية معين، إذا كان ضمان المؤمن للمؤمن له عن مسئوليته يمكن تحديد نتائجه مقدماً، ويكون مداه قابلاً للتعيين وهذا حال التأمين الذي ي ضمن مسؤولية الحائز من أجل الشيء الذي يجب رده إلى المالك، فإذا هلك الشيء أو تلف بين يدي الحائز، فإن الحائز يكون في الأصل مسئولاً لحد قيمة الشئ.

وهذا أيضاً حال المستأجر الذي يؤمن الخطر الإيجاری وحال المودع لديه الذي يؤمن على الأشياء المودعة من السرقة، وحال الناقل الذي يؤمن على البضائع التي ينقلها من الضياع أو العوار (التلف).

والتأمين من المسئولية غير المعين أو المطلق هو الذي لا تكون فيه نتائج المسئولية التي يتعرض لها المؤمن والتي هي محل التأمين قابلة للتقدير مقدماً، لأنه لا يمكنه أن يعرف الأشخاص، ولا الأشياء محل الضرر، ولا يستطيع مقدماً تعيين مبلغ التعويض الذي يطالب به، وهذا حال التأمين من رجوع الجيران عليه في حالة الحريق، والتأمين من مسئولية السيارات والتأمين من مسئولية الحرفة.

وتظهر أهمية هذا التقسيم عند تحديد إلتزام المؤمن بضمان مسئولية المستأمن، وما يستتبعه هذا التحديد من تطبيق قاعدة النسبية عند اشتراط تطبيقها .

نطاق التأمين :

لا يضمن التأمين من المسئولية إلا المسئولية المدنية، أما المسئولية الجنائية فمستبعدة من نطاقه، حتى بالنسبة لنتائجها المالية كالغرامات، إذ يتعارض التأمين عليها مع مبدأ شخصية العقوبة.

وفي حدود المسئولية المدنية، لا يضمن التأمين الخطأ العمد أو الغش، ذلك أنه طالما لا يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسئولية التي تترتب على الخطأ العمد في الأحوال التي يجوز فيها الإتفاق على الإعفاء من المسئولية، فكذلك لا يجوز الإتفاق على تأمين المسئولية الناشئة عن خطأ عمد.

على أن ما يحظر من التأمين محل المسئولية التي تترتب على الخطأ العمد، إنما يقتصر على ما يقترفه الشخص من أعماله الشخصية، أما المسئولية عن عمل الغير، ولو كان خطأ هذا الغير عمداً ، فإنه يجوز التأمين على ما يترتب عليه من مسئولية، وهذا على نحو ما يجيزه القانون من الاتفاق على الإعفاء من المسئولية الناشئة عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه (م 2 / 217 مدنی) وذلك سواء كانت المسئولية تعاقدية أم تقصيرية كذلك ما تقضى به المادة 769 عن التأمين من الحريق من أنه يسأل المؤمن عن الأضرار التي تسبب فيها الأشخاص الذين يكون المؤمن مسئولاً عنهم، مهما يكن نوع خطئه ومداه .

وفيما عدا الخطأ العمدي، يضمن التأمين كل أنواع المسئولية الناشئة عن الخطأ بمختلف صوره ودرجاته، أي بصرف النظر عن كونه يسيراً أو جسيماً ، فلا حد إذن للتأمين من المسئولية في حدود التأمين من الخطأ .

وفي نطاق المسئولية المدنية، فإن ما يسأل عنه المؤمن يحدده إتفاق الطرفين، فقد تكون مسئولية المؤمن غير محدودة يعينها مقدار التعويض فيما بعد، وقد يتفق علی مبلغ يسأل المؤمن في حدوده، فيسأل عما يسأل عنه المؤمن، بشرط ألا يجاوز ذلك المبلغ المتفق عليه .

وبالإضافة إلى ذلك يمتد ضمان المؤمن أيضاً إلى أمرين :

الأمر الأول :

مصروفات الدعوى التي يلزم بها المؤمن له، إلا إذا اتفق على خلاف ذلك، وكذلك المصروفات التي تستلزمها الأعمال القضائية التي يقوم فيها.

والأصل أن الضمان لا يشمل إلا المصروفات بمعناها الحقيقي، كما هي معرفة في قانون المرافعات، أي باستبعاد أتعاب المحاماة،وإن كان بعض الشراح يرى - بحق - أنها تدخل فيها على أنه لا يوجد ما يمنع الإتفاق على أن يشمل الضمان هذه النفقات.

كما يدخل هذا البعض أتعاب الخبراء ضمن المصاريف .

وإذا كان المؤمن له قد أنفق مصروفات في أعمال قضائية قام بها بناءً على طلب المؤمن أو بموافقته، فإن المؤمن له يرجع على المؤمن بهذه المصروفات ولو جاوز بها مضافة إلى التعويض مبلغ التأمين لأنها مصروفات ارتضى المؤمن أن يتحملها بموافقته عليها .

وإذا تأخر المؤمن في الوفاء، وتسبب عن تأخره أن استحقت فوائد للمضرور، أو طالب المؤمن له المؤمن بالوفاء وبالفوائد مطالبة قضائية، فيجوز للمؤمن له أن يرجع بهذه الفوائد على المؤمن ولو جاوز مبلغ التأمين لأن المؤمن هو المتسبب فيها بخطئه أما الفوائد التي يحكم بها على المؤمن له للمضرور في دعوى المسئولية، فيرجع بها المؤمن له على المؤمن ولكن في حدود التأمين .

أما الفوائد التي يحكم بها على المؤمن له للمضرور في دعوى المسئولية، سواء كانت فوائد تعويضية أو فوائد تأخيرية، فيرجع بها المؤمن له على المؤمن ولكن في حدود مبلغ التأمين .

ويدخل في ضمان المؤمن مصروفات كل دعاوى المسئولية الموجهة إلى المؤمن له ليس فقط في الحالة التي يقضي فيها بمسئولية المؤمن له ويحكم عليه بمصروفات الدعوى، بل أيضاً في الحالة التي ترفض فيها دعوى المسئولية المرفوعة على المؤمن له من المضرور، فإذا كانت المصروفات التي أنفقها المؤمن له لا يمكن الحصول عليها من المصاب ألزم بها المؤمن فالتأمين يحمي المؤمن له، ليس فقط من مسئوليته، بل من الرجوع عليه بدعوى المسئولية سواء كانت مبنية على أساس أم لا ويضمن التأمين المصروفات، سواء رفعت عليه دعوى المسئولية أمام المحاكم المدنية أو أمام المحاكم الجنائية بأن دخل المضرور مدعياً مدنياً في الدعوى الجنائية فمصروفات دعوى المسئولية المدنية تكون على عاتق المؤمن .

الأمر الثاني :

إذا كان التأمين من المسئولية الناشئة عن تولى أعمال تجارية أو صناعية.

فإن ضمان المؤمن يمتد لا فحسب إلى مسئولية من ينيبه المؤمن له عنه في تولى العمل، بل أيضاً إلى مسئولية من يعهد إليهم في إدارة العمل أو الإشراف عليه حال تأدية العمل المعهود به إليهم.

وبذلك يكون لدينا عقد تأمين من المسئولية لمصلحة المؤمن له، واشتراط لمصلحة تابعة يعوضهما أيضاً وبطريق مباشر من مسؤوليتهما عن فعلهما الشخصي. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر ، الصفحة : 293)