loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة : 418

الكفالة

المذكرة الإيضاحية :

نظرة عامة :

احتفظ المشروع بوجه عام في تنظيمه للكفالة بالأحكام المنصوص عليها في التقنين الحالي عدا نص المادة 495 ولكنه عدل في ترتيب هذه الأحكام فتناول في الفصل الأول أركان الكفالة وخصص الفصل الثاني لآثارها ، فتناول فيه العلاقة ما بين الكفيل والدائن ثم العلاقة ما بين الكفيل والمدين .

وقد عدل المشروع بعض الأحكام القائمة ، وأضاف إليها أحكاماً جديدة ، فسد بذلك نقصاً في التقنين الحالي ، وفصل في بعض المسائل الخلافية .

ومن ذلك أنه في الفصل الخاص بأركان الكفالة استحدث نصاً يقضي بوجوب إثبات الكفالة بالكتابة ولو كان الإلتزام المكفول يجوز إثباته بالبينة ، كما نص علي كفالة الدين المستقبل والدين الشرطي والدين التجاري، ونص على أن الملتزم بتقديم كفيل يجوز له أن يقدم عوضاً عن الكفيل تأميناً عينياً كافياً ، ثم استبدل بنص المادة 498 من التقنين الحالي التي تقضي بأن الكفالة لا ترد إلا على أصل الدين ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك نصاً آخر يجعل الكفالة تشمل ملحقات الدين ومصروفات المطالبة الأولى وما يستجد من المصروفات بعد إخطار الكفيل ما لم يكن هناك اتفاق على غير ذلك .

وفي الفصل الخاص بآثار الكفالة نص المشروع على أنه لا يجوز للدائن أن يرجع على الكفيل وحده إلا بعد رجوعه على المدين ، واشترط أن يتمسك الكفيل بهذا الدفع ، كما اشترط أن يتمسك بالدفع بالتجريد، ولكنه لم ينص على أن التمسك بهذه الدفوع يجب أن يكون عند المطالبة الأولى .

وفي الدفع بالتجريد احتفظ المشروع بما أوجبه القانون الحالي على الكفيل من إرشاد الدائن إلى أموال للمدين تفي بالدين كله ، وبين أنه لا عبرة في ذلك بأموال المدين التي تقع خارج الأراضى المصرية أو أمواله المتنازع فيها أو المرهونة في ذات الدين ، وألزم الكفيل بتقديم المصروفات الكافية للتجريد وقرر مسئولية الدائن إذا تهاون في اتخاذ إجراءات التجريد وأصبح المدين معسراً ، ونص على أنه إذا كان الدين المكفول مضموناً بتأمين عینی فلا يجوز التنفيذ على أموال الكفيل غير المتضامن مع المدين إلا بعد التنفيذ على الأموال التي خصصت لهذا التأمين.

وبين المشروع التزامات الدائن إزاء الكفيل عند قيام هذا وفاء الدين ، كما بين حقوق الكفيل قبل المدين ونص صراحة على حقه في الرجوع على المدين سواء كانت الكفالة عقدت بعلم المدين أو بغير علمه ، كما نص على أن يكون للكفيل الحق في الفوائد القانونية عن كل ما قام بدفعه ابتداءً من يوم الدفع .

مذكرة المشروع التمهيدي :

عرف الأستاذان بودری وقال الكفالة بأنها « عقد بمقتضاه يكفل شخص من الغير تنفيذ التزام بأن يتعهد بالوفاء إذا لم يقم به المدين نفسه ، على أن يحتفظ بحق الرجوع على هذا المدين »، ولا شك أن هذا التعريف يفضل التعاريف الواردة بالتقنين المصري أو بالتقنينات الأخرى أو بالمشروع الفرنسي الإيطالي ، لأنه تعریف واف يبرز عناصر الكفالة وخصائصها الأساسية، وينفي على الأخص كل وجه للخلط بينها وبين التضامن ، إذ هو يبين أن الكفيل يضمن تنفيذ إلتزام أصلي وأنه يرجع على المدين إذا قام بالوفاء . ولذلك اتخذ المشروع من هذا التعريف أساساً للتعريف الوارد بالمادة، على أنه مع ذلك أدخل عليه أربعة تعديلات :

(1) أضاف أن الكفيل يتعهد للدائن ، وذلك ليشعر بأن الكفيل يلتزم مباشرة قبل الدائن ، وأن الكفالة تتم بمجرد توافق إرادتي الدائن والكفيل ، دون حاجة لرضاء المدين بها مقدماً.

(2) حذف عبارة « من الغير ، واكتفي بأن يقرر أن الكفيل شخص يضمن تنفيذ التزام . وذلك منعاً لكل التباس ، لأنه إذا كان صحيحاً أن الكفيل هو من الغير بالنسبة للإلتزام الأصلي القائم بين الدائن والمدين ، إلا أنه بالنسبة لعقد الكفالة هو طرف فيه.

(3) استبدل بعبارة « الكفيل يقوم بالوفاء إذا لم يؤده المدين » ، وهي العباره ذاتها التي استعملها التقنين المصري (م 495/ 604)، عبارة عامة تقرر أن الكفيل يضمن تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن « بأن يفي بهذا الإلتزام إذا لم يف به المدين نفسه » وطبقاً لهذه العبارة العامة يمكن أن ترد الكفالة ، كما قال بحق الأستاذ دوهلتس ، على أي التزام مهما كان نوعه ، ما دام يمكن تقديره نقدا أو يترتب على عدم تنفيذه الحكم بتعويضات .

(4) حذف العبارة الأخيرة. « على أن يحتفظ بحق الرجوع على المدين » ، لأن حكمها مفہوم بداهة من سياق النصوص، ما دام المشروع يعرض لرجوع الكفيل على المدين ويحدد شروطه و مداه .

موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر

عرف الأستاذان بودری وقال الكفالة بأنها "عقد بمقتضاه يكفل شخص من الغير تنفيذ التزام بأن يتعهد بالوفاء إذا لم يقم به المدين نفسه، على أن يحتفظ بحق الرجوع على هذا المدين"، ولاشك أن هذا التعريف يفضل التعاريف الواردة بالتقنين المصري أو بالتقنينات الأخرى أو بالمشروع الفرنسي الإيطالي، لأنه تعریف واف يبرز عناصر الكفالة وخصائصها الأساسية، وينفي على الأخص كل وجه للخلط بينها وبين التضامن، إذ هو يبين أن الكفيل يضمن إلتزام أصلي وأنه يرجع على المدين إذا قام بالوفاء ولذلك اتخذ المشروع من هذا التعريف أساساً للتعريف الوارد بالمادة على أنه مع ذلك أدخل عليه أربعة تعديلات :

(1) أضاف أن الكفيل يتعهد للدائن، وذلك ليشعر بأن الكفيل يلتزم مباشرة قبل الدائن، وأن الكفالة تتم بمجرد توافق إرادتي الدائن والكفيل، دون حاجة لرضاء المدين بها مقدماً.

(2) حذف عبارة " من الغير واكتفى بأن يقرر أن الكفيل شخص يضمن تنفيذ التزام وذلك منعاً لكل التباس ، لأنه إذا كان صحيحاً أن الكفيل هو من الغير بالنسبة للإلتزام الأصلي القائم بين الدائن والمدين، إلا أنه بالنسبة لعقد الكفالة هو طرف فيه.

(3) استبدل بعبارة "الكفيل يقوم بالوفاء إذا لم يؤده المدين"، وهي العبارة ذاتها التي استعملها التقنين المصرى (م 604/ 495 )، عبارة عامة تقرر أن الكفيل يضمن تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن "بأن يفي بهذا الإلتزام إذا لم يف به المدين نفسه". وطبقاً لهذه العبارة العامة يمكن أن ترد الكفالة، كما قال بحق الاستاذ دوهلتس، على أي التزام مهما كان نوعه، مادام يمكن تقديره نقداً أو يترتب على عدم تنفيذه الحكم بتعويضات.

(4) حذف العبارة الأخيرة."أن يحتفظ بحق الرجوع على المدين"، لأن حكمها مفهوم بداهة من سياق النصوص، مادام المشروع يعرض الرجوع الكفيل على المدين ويحدد شروطه ومداه .

الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : التاسع

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي لتنقيح القانون المدني أن الكفيل لا يلتزم إلتزاماً معلقاً على شرط واقف ، هو عدم وفاء المدين الأصلي بالدين - كما قد يفهم خطا من التعريف ، بل الكفيل يلتزم التزاماً منجزاً هو وفاء الدين الأصلي ولكن له إذا رجع الدائن عليه قبل أن یرجع على المدين أن يطلب من الدائن تجريد المدين إذا توفرت شروط الدفع بالتجريد ( مجموعة الأعمال التحضيرية جـ 5 ص 421 - 423 ) .

المذكرة الإيضاحية

1- مفاد نص المادة 772 من القانون المدني يدل على أن الكفالة عقد بين الكفيل والدائن يلتزم فيه الكفيل شخصياً بوفاء الدين عند حلول أجله إذا لم يوفه المدين، ولازم ذلك أن التزام الكفيل متضامناً أو غير متضامن ليس التزاماً أصلياً وإنما التزام تابع للالتزام المكفول بحيث إذا التزم المسئول عن دين الغير التزاماً أصلياً فإنه لا يكون كفيلاً بل مديناً أصليا التزامه مستقل عن التزام المدين.

(الطعن رقم 163 لسنة 72 جلسة 2002/12/26 س 53 ع 2 ص 1299 ق 249)

2- استخلاص ما إذا كان الالتزام أصلياً فلا يعتبر الملتزم كفيلاً أو التزاماً تابعاً فيعتبر كفيلاً من سلطة محكمة الموضوع ولا سلطان عليها فى ذلك من محكمة النقض ما دام استخلاصها سائغاً ولا يخالف الثابت بالأوراق ولا خروج فيه على المعنى الظاهر لعبارات العقد.

(الطعن رقم 163 لسنة 72 جلسة 2002/12/26 س 53 ع 2 ص 1299 ق 249)

3- إذا ضمن الكفيل للمشترى نقل ملكية العين التى اشتراها ثم تملك الضامن هذه العين بعقد صادراً له من بائعها فإنه يكون للمشترى بمقتضى هذا الضمان أن يطالب الضامن بهذه العين بعد أن آلت إليه ملكيتها لأته متى صحت الكفالة لا تبرا ذمة الكفيل المتضامن من التزامه نحو الدائن إلا بانقضاء هذا الالتزام بإحدى وسائل الانقضاء التى حددها القانون ومن ثم لا يقبل من الكفيل أن يواجه الدائن بما ينطوى على إنكار حقه فى اقتضاء الوفاء منه بحجة أنه أصبح شخصياً المالك للشيء محل الالتزام دون المدين الأصلى سواء كان هذا الإنكار صريحاً فى صورة دفع لدعوى الدائن التى يطالبه فيها بالوفاء أو ضمناً فى صورة دعوى يرفعها هذا الكفيل ضد الدائن بثبوت ملكيته لهذا الشيء بما يعنى معارضة حق الدائن، إذ أن من التزم بالضمان امتنع عليه التعرض ومن يضمن نقل الملكية لغيره لا يجوز له أن يدعيها لنفسه.

(الطعن رقم 5083 لسنة 63 جلسة 1995/01/29 س 46 ع 1 ص 270 ق 53)

4- إلتزام الكفيل - متضامناً كان أو غير متضامن - هو إلتزام تابع لإلتزام المدين الأصلى و ذلك على خلاف المدين المتضامن مع مدينين آخرين ، فإنه يلتزم إلتزاماً أصلياً مع سائر المدينين ، وإذ كان يبين من الحكم المطعون فيه أن المطعون ضده كان كفيلاً للمدين الأصلى فى تنفيذ إلتزام هذا الأخير قبل الشركة الطاعنة ، ولم يكن مديناً أصلياً معه فى هذا الإلتزام فإن الحكم المطعون فيه - إذ أجرى أحكام الكفالة على إلتزام المطعون ضده - لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 690 لسنة 40 جلسة 1976/03/15 س 27 ع 1 ص 637 ق 127)

5- متى كان الطاعن الكفيل المتضامن قد دفع لدى محكمة الموضوع بإنعدام الكفالة لعدم نشوء الدين فى ذمة المدين ، وإنه وقع على السند قبل حصول نجله المدين على المبلغ الثابت به ، ورفض الحكم المطعون فيه الأخذ بدفاعه إستناداً إلى " أن المستأنف عليه الطاعن بوصفه محامياً على دراية واسعة بالقانون لايقبل منه هذا الدفاع . ولا يمكن أن يتبادر إلى الذهن إلا أنه وقع على السند بعد أن قبض نجله الدين الثابت به ، فضلاً عن أنه ليس للمستأنف عليه أن يتحدى بأنه وقع على البند بإعتباره ضامناً لنجله فى دين مستقل بعد أن وعده المستأنف بأنه سيقوم بدفع هذا المبلغ لنجله المذكور لأن هذه الأقوال المرسلة لا تكفى لهدم ما ثبت فى سند المديونية من أن الدين تم قبضه من المدين الأصلى " فإن هذا الذى قرره الحكم لا يصلح رداً على دفاع الطاعن ، لأن توقيع الطاعن بصفته ضامناً متضامناً على السند المطالب بقيمته والذى خلا من توقيع المدين لا يدل بذاته على وجود الدين المكفول فى ذمة هذا الأخير كما أن القول بدراية الطاعن الواسعة بالقانون لا يصلح تبريراً لقضائه فى هذا الخصوص طالما كان القانون يجيز الكفالة فى الدين المستقبل إذا حدد مقدماً المبلغ المكفول . إذ كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد خلط بين إثبات الإلتزام الأصلى و الإلتزام التابع ، وكانت القرائن التى ساقها لا يؤدى إلى النتيجة التى إنتهى إليها فى خصوص إثبات الدين فإنه يكون مشوباً بالفساد فى الإستدلال والخطأ فى القانون .

(الطعن رقم 227 لسنة 37 جلسة 1972/12/28 س 23 ع 3 ص 1487 ق 232)

6- إذا كان الطاعن باعتباره شريكا فى شركة التضامن يسأل فى أمواله الخاصة عن كافة ديونها بالتضامن مع بقية الشركاء عملاً بالمادة 22 من قانون التجارة فإنه بموجب عقد فتح الإعتماد الرسمى المضمون برهن عقارى - والمبرم بين الشركة المطعون عليها باعتبارها مرتهنة و بين الطاعن بصفته الشخصية باعتباره كفيلا متضامنا وراهنا ، وبين شركة التضامن - سالفة الذكر - والمنفذ بمقتضاه إنما يجمع بين صفة المدين باعتباره شريكا متضامنا فى شركة التضامن الممثلة فى العقد ، وبين صفة الكفيل المتضامن باعتباره راهنا حتى ولو كان الدين محل التنفيذ ثابتا فى ذمة شركة التضامن وحدها .

(الطعن رقم 257 لسنة 36 جلسة 1971/01/19 س 22 ع 1 ص 52 ق 11)

7- الكفالة يمكن أن ترد على أى إلتزام متى كان صحيحاً وأياً كان نوعه أو مصدره ما دام يمكن تقديره نقدا أو يترتب على عدم تنفيذه الحكم بتعويضات ، وليس فى أحكام الكفالة ما يمنع من أن يكفل شخص واحد تنفيذ الإلتزامات المترتبة على عقد فى ذمة عاقديه كليهما بأن يتعهد لكل منهما بأن يفى له بإلتزام المتعاقد الآخر فى حالة تخلف هذا المدين عن الوفاء به ، وفى هذه الحالة ينعقد عقد الكفالة بين الكفيل و بين كل من المتعاقدين بوصف كل منهما دائنا للآخر بالإلتزامات المترتبة له فى ذمته بمقتضى العقد الأصلى المبرم بينهما .

(الطعن رقم 192 لسنة 35 جلسة 1969/04/17 س 20 ع 2 ص616 ق 100)

8- متى كان خطاب الهيئة العليا للأدوية يتضمن ضمان المؤسسة العامة لتجارة وتوزيع الأدوية لدين البنك الطاعن المترتب فى ذمة المطعون ضده المستورد للأدوية بسبب الإعتماد المستندى المفتوح له من البنك المذكور فإن هذا الخطاب يكون قد تضمن كفالة شخصية من هذه المؤسسة لدين البنك وهذه الكفالة لاينقضى بها الدين المكفول .

(الطعن رقم 83 لسنة 34 جلسة 1967/06/22 س 18 ع 2 ص 1339 ق 203)

9- إذا تعاقد الشريك المتضامن غير المدير بإسم الشركة مع الغير فى غير أغراضها فإن تعاقده وإن لم يكن ملزماً للشركة إلا أنه يلزمه شخصياً قبل الغير الذى تعاقد معه . وعلى ذلك فإذا كان الحكم قد قرر مسئولية ذلك الشريك شخصياً عن كفالة عقدها منتحلاً فيها صفة غير صحيحة وهى أنه مدير للشركة حالة كونه غير مدير لها و ليس من أغراض الشركة ضمان الغير فإن الحكم يكون قد أصاب فى القانون .

(الطعن رقم 22 لسنة 23 جلسة 1957/06/27 س 8 ع 1 ص 625 ق 70)

10- إذا اتفق المدين مع ضامنه فى الدين على أن يقوم الضامن بوفاء مبلغ الدين للدائن ثم اتخذ الأخير إجراءات الحجز العقارى ضد مدينه و لم يكن ذلك نتيجة تقصير الضامن فى الوفاء بما التزم به قبل المدين بل كان تنفيذا لحكم صادر ضد هذا الأخير عن دين خاص به و تنفيذا للحكم الآخر الصادر ضد المدين وضامنه عن الدين المضمون وسواء أكان تصرف الدائن على هذا الوجه سليما فى ذاته أو لم يكن كذلك فإن هذا التصرف لا يرتب حقا للمدين قبل الضامن طالما أن إجراءات الحجز العقارى لم تتخذ بسبب تقصير هذا الضامن فى الوفاء بالتزامه ومادام من الثابت قطعا أن بعض الدين الذى كان الدائن يطلب البيع من أجله هو دين خاص بالمدين وحده . ولا يغير من هذا النظر ولا ينال منه القول بأن الضامن كان متفقا مع الدائن على شراء أطيان المدين عند عرضها للبيع إذ ليس ثمة ما يمنع من هذا الاتفاق و شأن الضامن فيه كشأن غيره من الراغبين فى الشراء .

(الطعن رقم 294 لسنة 23 جلسة 1957/10/31 س 8 ع 3 ص 763 ق 83)

11- إن جسامة الخطر الذى ينشأ عنه الإكراه إنما تقدر بالمعيار النفسى للشخص الواقع عليه الإكراه ، وهذا يستدعى مراعاة حالته عملاً بالمادة 135 من القانون المدنى . فإذا كان الكفيل قد دفع ببطلان الكفالة للإكراه قولاً منه بأنه كان له فى ذمة المكفول له دين بسند مستحق وقت الطلب فضاع منه السند فلجأ إلى مدينه ليكتب له بدلاً منه فأبى إلا إذا وقع هو له إقراراً بكفالة أخيه فى دين له قبله فلم يجد مناصاً من القبول ، فرد الحكم على هذا الدفع بأن فقد سند الدين لم يكن ليؤثر فى إرادة الكفيل ، وهو رجل مثقف خبير بالشئون والمعاملات المالية ، إلى الحد الذى يعيب رضاءه بكفالة أخيه ، فهذا رد سديد . و إذا كان الحكم بعد ذلك قد قال بأن فقد السند ، بحكم كونه واقعة لايد للمكفول له فيها ، لا يكون الإكراه المبطل للعقود ، فهذا تزيد منه لا يعيبه أن يكون قد أخطأ فيه .

(الطعن رقم 27 لسنة 17 جلسة 1948/04/01 س ع ع 5 ص 585 ق 294)

12- أن المدعى عليه الثاني - على ما تضمنه التعهد الموقع منه - قد تعهد بوصفه كفيلا للطالب بأن يدفع إلى هيئة البريد نفقات تعليم هذا الطالب وما إليها في حالة فصله من المدرسة لأي من الأسباب المنوه عنها في التعهد، و لما كان الكفيل العادي غير المتضامن بالتطبيق لحكم المادة 772 مدني هو الذي يتعهد اللدائن بأن يفي بالتزام ما إذا لم يف به المدين نفسه، و كان المدعى عليه الثاني قد تعهد بالوفاء بما التزم به دون ثمة قيد أو شرط و دون تعليق تعهده على عدم وفاء الصين الأصلي، فإن كفالته و الحالة هذه تكون كفالة تضامنية حسبما تطلبه كل من القرار الجمهوري رقم 1620 لسنة 1961 و القرار الوزاري رقم 255 لسنة 1991 المشار إليهما، من أن يقدم طالب الالتحاق بالمدرسة كفيلا مقتدرا يتعهد بالتضامن معه برد النفقات أنفة الذكر في حالة الإخلال بالتزاماته .

و من حيث أن مقتضى ما تقدم أن ثمة التزاما أصليا محله استمرار المدعى عليه الأول في الدراسة بالمدرسة إلى أن يتخرج منها، و التزاما بديلا محله دفع جميع ما أنفق عليه إذا لم يف بالتزامه الأصلي، و لما كان المدعى عليه الأول، الذي بلغ سن الرشد و أدخل في الدعوى مثار الطعن المال، قد انقطع عن الدراسة بالمدرسة الثانوية للبريد بمحض إرادته بسبب تطوعه في القوات البحرية - و ليس بسبب تجنيده اجباريا حسبما ذهب إليه دفاع المدعى عليه الثاني - و فصل من المدرسة الانقطاعه عن الدراسة، فأن هيئة البريد تكون على حق في الرجوع على المدعی عليهما متضامنين، الأول بصفته مدينا أصليا و الثاني بصفته كفيلا متضامناء بالمبالغ المستحقة لها و التي لم يجادل المدعى عليهما في مقدارها . و لما كان الأمر كذلك و كان محل الالتزام هو دفع مبلغ من النقود معلوم المقدار تحدد بقيمة النفقات و المصروفات و المكافات التي أنفقت على المدعى عليه الأول خلال السنتين الدراسيتين اللتين قضاهما بالمدرسة، و كان الثابت أن المدعى عليهما قد تأخرا في الوفاء بالمبلغ المشار إليها وقدرها 92.261 جنيها، فانه يستحق على هذا المبلغ فوائد قانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 22 من أبريل سنة 1967 حتى الوفاء .

و من حيث أن الحكم المطعون فيه قد أخذ بغير هذا النظر فأنه يكون قد أخطا في تطبيق القانون، و من ثم يتعين القضاء بالغائه و الحكم على ما تقدم مع الزام المدعى عليهما المصروفات .

(المحكمة الإدارية العليا الطعن رقم 74 لسنة 16 ق جلسة 1976/1/31 س 21 ص 36 )

شرح خبراء القانون

تنص المادة 772 مدني على ما يأتي :

" الكفالة عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ إلتزام ، بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الإلتزام إذا لم يف به المدين نفسه ".

ويؤخذ من هذا التعريف أن الكفالة هي عقد بين الكفيل والدائن، أما المدين الأصلي فليس طرفاً في عقد الكفالة ، بل أن كفالة المدين تجوز بغير علم المدين ، وتجوز أيضاً رغم معارضته والذي يهم في الكفالة هو إلتزام هذا المدين ، إذ أن هذا الإلتزام هو الذي يضمنه الكفيل ، فيجب أن يكون مذكوراً في وضوح ودقة في عقد الكفالة وهذا الإلتزام المكفول أكثر ما يكون مبلغ من النقود ، وقد يكون إعطاء شيء غير النقود ، كما قد يكون عملاً أو إمتناعاً عن عمل فإذا لم يكن الإلتزام المكفول مبلغاً من النقود ، ضمن الكفيل ما عسى أن يحكم على المدين الأصلي من تعويض من جراء إخلاله بالإلتزام بإعطاء شيء غير النقود ، أو من جراء إخلاله بالإلتزام بعمل أو بالامتناع عن عمل .

فالكفالة إذن تفترض وجود إلتزام مكفول ، وهذا الإلتزام يفترض وجود مدين أصلي به ودائن ، كما تفترض الكفالة وجود عقد بين الكفيل والدائن بالإلتزام الأصلي المكفول بموجبه يفي الكفيل بهذا الإلتزام إذا لم يف به المدين الأصلي فالكفالة ترتب إلتزاماً شخصياً في ذمة الكفيل، وإلتزام الكفيل هذا تابع للإلتزام الأصلي كما سنرى في خصائص الكفالة .

أما أن الكفالة ترتب إلتزاماً شخصياً في ذمة الكفيل ، فذلك ظاهر من أن الكفالة تعتبر من التأمينات الشخصية كما سبق القول وعلى ذلك يجب أن يستبعد من نطاق الكفالة المبالغ من النقود أو القيم المنقولة التي تودع ضماناً لدين وتسمى هي أيضاً بالكفالة ، فهذه إنما هي تأمين عيني وهي رهن حيازة يضمن في العادة دين تعويض عن خطأ قد يرتكبه المدين في أثناء عمله . كما لو كان المدين صرافاً عاماً أو مقاولاً ، وتسري على هذا التأمين أحكام الرهن الحيازي كذلك يستبعد من نطاق الكفالة ، وهي تأمين شخصي كما قدمنا ، الكفالة العينية فالكفيل العيني يقدم شيئاً مملوكاً له ، عقاراً كان أو منقولاً ، رهناً لوفاء دين الغير، والرهن هنا إما أن يكون رهناً حيازياً إذا وقع على عقار أو منقول ، أو رهناً رسمياً إذا وقع على عقار، وفي جميع الأحوال لا يكون الكفيل العيني ملتزماً إلتزاماً شخصياً بضمان الدين ، بل الذي يضمن الدين هو الرهن الذي قدمه ، أي أن التأمين هنا تأمين عيني لا تأمين شخصي ، ومن أجل هذا نستبعد الكفالة العينية من نطاق الكفالة الشخصية ولا يكون الكفيل العيني مسئولاً شخصياً عن الدين المضمون ، بل الذي يضمن الدين هي العين التي قدمها رهناً ، سواء كان الرهن رهناً رسمياً أو رهناً حيازياً فإذا انتقلت ملكية العين المرهونة إلى غير الكفيل العيني مسئولاً شخصياً عن الدين كما قدمنا وإذا تخلى الكفيل العيني عن العين المرهونة للدائن ، أو فقد حيازتها بأي سبب فإن كفالته العينية للدين تنتهي ، لأنه غير ملتزم إلا إلتزاماً عينياً وهذا بخلاف الكفيل الشخصي ، فإنه يكون ملتزماً شخصياً بوفاء الدين إذا لم يوفه المدين ، وينتقل هذا الإلتزام الشخصي في 21 تركته إلى ورثته ، ويكون مسئولاً في جميع أمواله لا في مال معين بالذات ولكن لا يكون للدائن في الكفالة الشخصية إلا الضمان العام لكل دائن في أموال مدينة ، ولذلك يزاحمه سائر دائني الكفيل الشخصي ، ولا يتركز الدين في عين معينة بالذات يكون للدائن فيها حق المتقدم وحق التتبع كما تتركز الكفالة العينية،

وأما أن إلتزام الكفيل الشخصي تابع للإلتزام المكفول الأصلي ، فيظهر ذلك فيما إذا إلتزام المسئول عن دين الغير إلتزاماً أصلياً لا إلتزاماً تابعاً ، وعند ذلك لا يكون هذا المسئول كفيلاً شخصياً ولا العقد الذي إلتزام به بعقد كفالة وعلى ذلك لا يعتبر عقد كفالة ما يأتي.

(1) عقد الإنابة ولو كانت غير كاملة ، فإن المناب يلتزم بدفع دين الغير إلتزاماً أصلياً لا إلتزاماً تابعاً ، ولا يستطيع أن يحتج بالدفوع التي يحتج بها المنيب على المناب لديه.

(2) القابل للكمبيالة وموقعها ، وكلهم ملتزمون إلتزاماً أصلياً بدفع قيمة الكمبيالة ، ولذلك لا يعتبرون كفلاء .

(3) المدين المتضامن مع مدينين آخرين ، فإنه يلتزم إلتزاماً أصلياً بالتضامن مع سائر المدينين ، ولذلك لا يعتبر كفيلاً لهم وهذا بخلاف الكفيل المتضامن مع المدين الأصلي ، فإنه يلتزم إلتزاماً تابعاً لإلتزام المدين الأصلي ولذلك يكون كفيلاً له ، وسيأتي الكلام في الكفيل المتضامن.

(4) الوكيل بالعمولة الذي يضمن يسار العميل ، يلتزم إلتزاماً أصلياً ، ولذلك لا يعتبر كفيلاً للعمل.

(5) عقد تأمين يسار المدين لا يعتبر عقد كفالة ، فإن المؤمن لا يضمن يسار المدين ، بل يلتزم إلتزاماً أصلياً بموجب عقد التأمين ، لا بوفاء دين المدين ذاته ، بل بتعويض الدائن عن الضرر الذي يلحقه من جراء إعسار المدين.

(6) عقد التعهد عن الغير لا يعتبر عقد كفالة ، إذ أن المتعهد عن الغير لا يكفل هذا الغير ، بل يلتزم إلتزاماً أصلياً بالحصول على موافقة الغير أن يلتزم فإذا ما وافق الغي على أن يلتزم ، فقد قام المتعهد بإلتزامه ، ولا يكفل بعد ذلك يسار الغير ولذلك لا يعد كفيلاً له. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : العاشر ، الصفحة : 23)

تستعمل كلمة كفالة في معنيين مختلفين : فقد يقصد بها ما يودعه بعض الأشخاص من نقود وسندات بحسب القانون أو الإتفاق ضماناً لما قد ينجم عن خطئهم أثناء قيامهم ببعض الأعمال، كالتأمين الذي يودعه الصيارف ومن يرسو عليه المزاد والمقاولون و المتعهدون ويعتبر هذا الإيداع رهناً حيازياً فيدخل في الرهن الحيازي وقد يقصد بكلمة كفالة معنى آخر، بأن يتعهد شخص لأحد العاقدين بوفاء ما تعهد به المتعاقد الآخر وتلك هي الكفالة الواردة بالمادة 772 مدنی والمعتبرة من التأمينات الشخصية .

والكفالة عقد رضائي لا يشترط فيه إلا أن يكون رضاء الكفيل صريحاً، وهي عقد ملزم لطرف واحد وهو الكفيل، كما أنها عقد تابع للإلتزام المكفول الأصلي، ويترتب على أنها عقد تابع أنها تتأثر بما يشوب العقد الأصلي ويجب ألا تكون شروطها أشد من العقد الأصلي، وهي في الأصل من عقود التبرع.

و عنصر التبعية يميز الكفالة عن غيرها من العقود والإلتزامات، كالإنابة فيلتزم شخص بوفاء دين الغير، وقابل الكمبيالة وموقعوها، والمدين المتضامن مع مدينين آخرين، والوكيل بالعمولة الذي يضمن يسار العميل، وعقد تأمين يسار المدين، وعقد التعهد عن الغير، فكل هذه العقود عقوداً أصلية وليست تابعة لعقد آخر ومن ثم لا تسري عليها أحكام الكفالة وإنما الأحكام المقررة لكل منها.

وتخضع أركان الكفالة للقواعد العامة المتعلقة بأركان العقد على التفصيل الذي أوضحناه في هذا الصدد من قبل بإعتبار أنها عقد بين الدائن والكفيل أو بين المدين والكفيل .

عقد الكفالة من عقود التبرع الملزمة لجانب واحد، وبالتالي يجب لصحة هذا العقد أن تتوافر في الكفيل أهلية التبرع، سواء أبرم العقد بنفسه أو يوكل غيره في إبرامه، وتفويض الكفيل غيره في إبرام الكفالة، يجب أن يتم بموجب توكيل خاص يتضمن تفويض الوكيل في إبرام عقد الكفالة مع الدائن، ويحدد سند الوكالة سعة هذا التفويض بتحديد الدائن الذي يتم التعاقد معه سواء مرة واحدة أو أكثر، ومقدار الدين المكفول، فإن كان الدين دورياً كالإيجار، فتحدد مدة الكفالة فإن لم تحدد شملت مدة الإيجار كلها.

ولا تجوز الكفالة إذا كانت الوكالة عامة إذ تنحصر هذه الوكالة في أعمال الإدارة .

ترد الكفالة على تنفيذ المدين لإلتزامه، سواء كان بدفع مبلغ من النقود أو القيام بعمل، أو الإمتناع عن القيام بعمل، فيضمن الكفيل للدائن أن المدين سوف يقوم بتنفيذ إلتزامه الذي تضمنه العقد المبرم بين الدائن والمدين ، أياً ما كانت طبيعة هذا الإلتزام، بحيث إذا أخل المدين به ، إلتزم الكفل بالتنفيذ الذي كان المدين يقوم به، فإن تعلق بالوفاء بمبلغ نقدی، جاز للدائن تنفيذ هذا الإلتزام جيراً على الكفيل بإستصدار سند تنفيذي واتخاذ إجراءات الحجز على أمواله، وهو ما كان يجوز بالنسبة للمدين. وإن تعلق الإلتزام بالقيام بعمل کرسم لوحة أو إحياء حفلة، وهو مالاً يجوز إجبار المدين على القيام به، ويتم تنفيذ إلتزامه حينئذ بطريق التعويض، فإن هذا التنفيذ هو الذي يتعين اللجوء إليه عند الرجوع على الكفيل، ومثل ذلك الإلتزام بالإمتناع عن القيام بعمل، كالإلتزام بعدم منافسة الدائن في تجارته في منطقة معينة، وهو إلتزام لا يجوز تنفيذه جبراً، وإنما ينفذ بطريق التعويض، ضد المدين أو الكفيل.

ترد الكفالة على ضمان الكفيل تنفيذ الإلتزام المكفول، سواء تعلق بالقيام بعمل أو الإمتناع عن القيام بعمل، ولذلك يجوز كفالة الإلتزامات المتبادلة المترتبة في ذمة أطراف العقد دون حاجة لتعدد الكفلاء، ومن ثم يكفي أن يلتزم كفيل واحد بضمان تنفيذ إلتزام كل متعاقد، كما لو ضمن كفيل تنفيذ الإلتزامات المترتبة على عقد البيع بالنسبة لكل من البائع والمشترى، فيكفل تسليم المبيع ونقل ملكيته للمشترى وعدم تعرض البائع، كما يكفل الوفاء بكامل الثمن، فإن كانت تلك الكفالة تضامنية وامتنع البائع عن نقل الملكية، ثم انتقلت إلى الكفيل بأي طريق من طرق كسب الملكية، التزم الكفيل بنقلها إلى المشتري تنفيذاً لكفالته التضامنية .

إذا وردت الكفالة في صيغة واضحة جلية لا لبس فيها ولا إبهام، كما لو تضمنها عقد أفرد لها ، أو وردت في العقد المبرم بين الدائن والدين في صيغة واضحة جلية، كتوقيع الكفيل على عقد البيع بصفته ضامناً متضامناً لإلتزامات البائع، فإن ذلك يقطع في قيام الكفالة، أما إذا لم يوضح الكفيل الطرف الذي يضمنه، دل ذلك على انصراف الكفالة لإلتزامات البائع والمشتري ما لم يقم الدليل على انصراف قصده وقصدهما إلى كفالة أحدهما فقط، وحينئذ يتعين على المحكمة إستخلاص الكفالة ونطاقها وفقاً لما أوضحناه بالبند السابق.

ولما كانت الكتابة لازمة لإثبات الكفالة، فإن الكفالة يجب أن تكون ثابتة في محرر، أر صدر بها إقرار من الكفيل يكون للمحكمة أن تستخلص منه ما إذا كان قد تضمن كفالة من عدمه، وقد يرد الاقرار في محضر جلسة أو محضر شرطة، ويعتبر الأول إقرار قضائية والثاني غير قضائي .

ينشئ عقد الكفالة إلتزاماً في ذمة الكفيل يوجب عليه تنفيذ إلتزام الدين إذا ما أخل الأخير به، وأن كانت الكفالة في الأصل مقررة لمصلحة الدائن حتی يتمكن من استيفاء حقه من المدين أو الكفيل، فإنها قد تكون أيضاً لمصلحة المدين اذا كان من شأن تنفيذ الكفيل لإلتزامه، درء ضرر أكبر عن المدين، فقد يحول هذا التنفيذ دون الدائن واتخاذ إجراءات نزع ملكية عقار للمدين، وفي هذه الحالة تتحقق مسئولية الكفيل قبل المدين.

الكفالة قد تكون شخصية وقد تكون عينية، وتتحقق الكفالة الشخصية عندما يضمن الكفيل تنفيذ إلتزام المدين، وبموجبها ينشأ الترام شخصی ترتبه الكفالة في ذمة الكفيل بحيث إذا أخل به، جاز للدائن استصدار حكم ضده ينفذ بمقتضاه على أموال الكفيل العقارية والمنقولة على حد سواء.

أما الكفالة العينية، فإنها تنصرف إلى تقديم الكفيل عيناً معينة بالذات تكون ضامنة لتنفيذ إلتزامه إذا ما أخل المدين بتنفيذ إلتزامه فلا يتعدى الضمان تلك العين حتى لو لم يتمكن الدائن من إقتضاء حقه كاملاً بعد التنفيذ عليها، وهو ما يحول دونه والتنفيذ على باقي أموال الكفيل فقد يبرم المدين عقد قرض مع الدائن، ويقدم الكفيل عيناً معينة بالذات، عقاراً أو منقولاً ، تكون ضامنة لتنفيذ إلتزامه، فيقوم برهنها للدائن رهناً رسمياً اذا كانت عقاراً، أو رهن حيازياً إذا كانت منقولاً، بحيث إذا حل الدين ولم يقم المدين بالوفاء، قام الدائن باتخاذ إجراءات التنفيذ التي تتناسب مع الرهن، وبذلك يتم تنفيذ إلتزام الكفيل العيني .

وقد يتم القرض في صورة عقد فتح اعتماد رسمی بين المدين وأحد البنوك أو الشركات، يتمكن بموجبه المدين من إستيراد معدات في حدود المبلغ الوارد بالعقد على أن يقوم بالسداد خلال أجل معين، ويقدم الكفيل عيناً يرونها رهناً رسمياً لضمان عقد فتح الاعتماد، ويشمل التصرفین عقداً واحداً يصاغ في الشكل الرسمى ، فإن حل أجل الوفاء دون القيام به، جاز للدائن التنفيذ على العين المرهونة بموجب العقد الرسمي بإعتباره سنداً تنفيذياً بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه.

يبين من ظاهر نص المادة 772 من القانون المدني، أن الكفيل يلتزم بالوفاء بإلتزام المدين إذا لم يقم الأخير بالوفاء به، ولا يتفق هذا الظاهر مع المراد من النص، إذ أن إلتزام الكفيل غير معلق على شرط واقف هو عدم قيام المدين بتنفيذ إلتزامه، إنما هو إلتزام منجز هو الوفاء بالإلتزام الأصلي إذا ما رجع عليه الدائن، مما يحول دون الكفيل والدفع بعدم قبول الدعوى، قولاً بوجوب الرجوع أولا على المدين، وللكفيل في هذه الحالة، إن كان غير متضامن مع المدين أن يدفع بالتجريد، وإن كان متضامناً طلب أجلاً لإدخال المدين ضامناً للقضاء عليه للكفيل بما عسى أن يقضى به في الدعوى الأصلية.

الوعد بالكفالة :

الوعد بالكفالة، بمثابة كفالة تامة إذا توافرت شروط المادة 102 من القانون المدني، وبالتالي اذا وعد شخص بأن يكفل إلتزام الدين في مبلغ محدد بفائدة محددة على أن يتم الوفاء في ميعاد معين، وحدد هذا الشخص مدة لقبول الدائن هذا الوعد، فإنه يترتب على قبول الدائن الوعد وإعلان رغبته وموافقته عليه خلال للمدة المحددة بالوعد انعقاد الكفالة بحيث إذا قام الدائن بتسليم المدين مبلغ القرض، و حل أجل الوفاء وأخل الأخير به رجع الدائن على الكفيل .

ولما كان عقد الكفالة لا يثبت إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها، فتسري هذه القاعدة على الوعد بالكفالة فلا يثبت إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها.

وإذا انقضت مدة الوعد بالكفالة، سقط إلتزام الكفيل، فلا ينتج قبول الدائن أثراً طالما أعلن بعد المدة المحددة لذلك .

وإذا صدر الوعد من الكفيل للمدين تضمن ذلك إشتراطاً لمصلحة الغير وهو الدائن، فيجوز له التمسك بالوعد وإجبار الكفيل على تنفيذ ما التزم به في وعده. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر الصفحة : 639)

ومن هذا التعريف يبين أن الكفالة عقد يتم بين الدائن والكفيل دون المدين، بل إنه لا يشترط في عقد الكفالة موافقة أو رضاء المدين بل يمكن أن يتم بدون علمه ورغم معارضته (م 775 مدنی)، ومع ذلك فإن المدين ليس بغريب تماماً عن عقد الكفالة حيث إن هذا العقد ما تم إلا ليضمن إلتزام هذا المدين لدائنه، وبالتالي ليوفر له الثقة والائتمان لدى دائنه، ويمنح هذا الأخير الأمن والأمان.

والكفالة ترتكز على إلتزام أصلي وتعمل على ضمان الوفاء به، فالكفالة ترتب إلتزاماً شخصياً في ذمة الكفيل محله الوفاء بالإلتزام الأصلي إذا لم يف به المدين.

و إلتزام الكفيل هذا تابع للإلتزام الأصلي في وجوده أو انقضائه و صحته وبطلانه بل وفي أوصافه.

ويستطيع الكفيل أن يدفع بكل الدفوع المتعلقة بالإلتزام المكفول ويترتب على ذلك أن إلتزام الكفيل لا يجوز أن يكون أشد من الإلتزام المكفول ولكنه يجوز أن يكون أهون كما أن الكفيل يستفيد من كل تغيير طارئ في الإلتزام المكفول ولكنه لا يضار من هذا التغيير.

ويجب عدم الخلط بين الكفالة بهذا المعنى وبين ما اصطلح على تسميته كفالة، خاصة في الأحوال التي يقوم بها بعض الأشخاص بإيداع مبالغ من النقود أو القيم المنقولة ضماناً لما قد يترتب في ذمتهم من إلتزامات إحتمالية ناشئة بسبب قيامهم بوظائفهم أو مهنهم ، كالتأمين الذي يدفعه الصيارف وغيرهم من الموظفين والأمناء على أموال الشركات والجمعيات ومن شابههم، وكذلك في المسائل الجنائية من إيداع مبلغ من النقود في خزانة المحكمة الحاصل من المتهم ضماناً لإطلاق سراحه ففي كل هذه الأحوال لا توجد أمام كفالة بالمعنى القانوني الذي عرفناه أي تأمين شخصي، بل توجد أمام نوع من أنواع التأمينات العينية هو رهن الحيازة .

الكفالة العينية :

قد يحصل أن يجمع بين نوعي التأمينات، الشخصية والعينية معاً لإيجاد نوع مختلط هو الكفالة العينية، بأن يقدم شخص يقال له الكفيل العيني شيئاً مملوكاً له ضماناً لدين على آخر، بترتيب رهن حيازة أو رهن رسمي على هذا الشئ، فهو كفيل، لأنه تدخل لضمان دين على آخر، ولكنه قدم ضماناً عينياً للدائن، ولا يكون مسئولاً إلا بمقداره، فلا يسأل في أمواله الشخصية كالكفيل الشخصي .

للكفالة أهمية كبرى في العمل إذ هي تؤدي وظيفة اقتصادية للدائن والمدين معاً ، فهي إذ تمنح الدائن الأمن والأمان، توفر للمدين الثقة والائتمان وتمكنه من الحصول على ما هو في حاجة إليه من مال، بيد أنه يلاحظ أن أهمية الكفالة قلت الآن عن أهميتها في القدم، ويرجع ذلك إلى تغلب الإئتمان العيني على الائتمان الشخصي، الاسيه في المواد المدنية.

هذا وإذا كانت الكفالة تؤدي خدمات لكل من الدائن والمدين فهي بالنسبة للكفيل تنطوي على خطورة بالغة، إذ هو غالباً ما يضطر إلى وفاء إلتزام المدين من ماله الخاص ثم لا يجد عند رجوعه عليه شيئاً ولذلك قيل بحق إن الضامن غارم

وقد كان لهذا أثره في تنظيم المشرع لعقد الكفالة حيث يحرص عادة على أن يحيط الكفيل بطائفة من الضمانات والدفوع التي تحد من إلتزامه وتخفف العبء الواقع عليه، كاشتراط إثبات الكفالة بالكتابة وعدم التوسع في تفسيرها وحق الكفيل في الدفع بتجريد المدين أو الدفع بتقسيم الدين بينه وبين بقية الكفلاء أو بإبراء ذمته من الكفالة بقدر ما أضاعه الدائن بتقصيره من التأمينات .

خصائص عقد الكفالة :

يتميز عقد الكفالة بالخصائص الآتية :

(أ) - عقد الكفالة عقد رضائي

فيكفي لإنعقاده صحيحاً توافر الإيجاب والقبول، فلا يشترط فيه أي شكل خاص.

(ب) - الكفالة عقد من عقود الضمان الشخصي :

الكفالة إلتزام شخصي للكفيل يضاف إلى إلتزام المدين، أي أنها تمنح الدائن ضماناً شخصياً بإلتزام الكفيل بالوفاء بما إلتزم به المدين عند عدم وفاء هذا الأخير بإلتزامه، وبذلك يكون كل من المدين والكفيل مسئولاً مسئولية شخصية في جميع أمواله عن الوفاء بإلتزام المدين، مع مراعاة أن مسئولية الكفيل مسئولية احتياطية، أي عند عدم وفاء المدين بإلتزامه.

(ج) - الكفالة عقد تابع :

الغرض من الكفالة هو ضمان الوفاء بدين من الديون ولذلك فهي تتبع هذا الدين، وهذه هي خصيصة التأمينات بأنواعها المختلفة الشخصية منها والعينية فإلتزام الكفيل يتبع إلتزام المدين في وجوده وصحته فلا تنشأ الكفالة إلا إذا وجد إلتزام أصلي ولا يكون إلتزام الكفيل صحيحاً إلا إذا كان الإلتزام المكفول صحيحاً.

الكفالة عقد ملزم لجانب واحد :

الأصل أن عقد الكفالة في جوهره من العقود الملزمة لجانب واحد وهو الكفيل، وذلك بالنظر إلى علاقته بالدائن الذي لا يلتزم بشيء قبله.

ولا يغير من طبيعة عقد الكفالة واعتباره عقداً ملزماً لجانب واحد أن القانون قد يفرض على الدائن بعض الإلتزامات ومن ذلك ما يأتي:

إلتزام الدائن بتسليم الكفيل وقت وفائه الدين المستندات اللازمة لاستعمال حقه في الرجوع (مادة 1 / 787) وإذا كان الدين مضمونا بمنقول مرهون أو محبوس وجب على الدائن أن يتخلى عنه للكفيل (مادة 2 / 787 مدنی).

إلتزام الدائن بالمحافظة على التأمينات التي تضمن الحق بجانب الكفالة وإلا وجب أن تبرأ ذمة الكفيل بقدر ما أضاعه الدائن بخطئه من تأمينات (مادة 784 مدنی).

إلتزام الدائن باتخاذ الإجراءات ضد المدين خلال ستة أشهر من إنذار الكفيل له وإلا وجب أن تبرأ ذمة الكفيل ما لم يقدم المدين للكفيل ضماناً كافياً (مادة 785 مدنی).

الكفالة من عقود التبرع:

الأصل أن الكفالة من عقود التبرع بالنسبة للكفيل لأنه يلتزم بالضمان قبل الدائن دون مقابل إلا أن صفة التبرع ليست من جوهر الكفالة أو مستلزماتها، فلا مانع من أن يطلب الكفيل مقابلاً لتدخله بالضمان.

وهذا ما يحدث دائماً إذا ما قام بالكفالة أحد البنوك وبذلك تكون الكفالة من عقود المعاوضات، إذ لا يكون إلتزام الكفيل نحو الدائن في هذه الحالة بقصد التبرع.

الكفالة عقد لا يتوسع في تفسيره :

الكفالة تحمل الكفيل أعباء ثقيلة، والضامن غارم كما يقولون وهو في العمل يتحمل الدين في نهاية الأمر، إذ هو غالباً يضطر إلى وفاء الدائن ثم لا يجني شيئاً من رجوعه على المدين لأنه معسر ويترتب على ذلك أنه يجب دائماً الأخذ بيد الكفيل ومساعدته بقدر الإمكان، وذلك بعدم التوسع في تفسير الكفالة، بل يجب تفسيرها بكل دقة، وفي حالة الشك تفسر لصالح الكفيل.

فالكفالة لا تفترض، كما أنه يجب على القاضي أن يلتزم في تفسيرها الدقة وعدم التوسع من حيث الدين المضمون وبالنسبة للمدين المكفول وكذلك الوقت المحدد لها.

فالكفالة لا تؤخذ على سبيل الفرض، ولذلك يجب أن يكون رضاء الكفيل صريحاً، كما أن إثبات الكفالة لا يكون إلا بالكتابة ولو كان من الجائز إثبات الإلتزام الأصلي بالبينة.

أنواع الكفالة أو مصادرها

تتنوع الكفالة أو تتنوع مصادرها إلى ثلاثة أنواع أو مصادر هي :

(1) - الكفالة الإتفاقية :

الكفالة الإتفاقية هي التي يتفق فيها الدائن مع المدين على أن يقدم له كفيلاً كما إذا اتفق المقرض مع المقترض على تقديم ضامن يكفله فالكفالة هنا تكون اتفاقية لأن المدين يلتزم بتقديمها بناءً على الإتفاق.

وقد يكون تعهد المدين بتقديم كفيل صريحاً، كما يجوز استنتاجه من ظروف الأحوال فمثلاً قد يعقد الدائن القرض والكفالة في وقت واحد أو بورقة واحدة بحيث يستفاد من ذلك أنه ما كان يقبل إقراض المدين بغير الكفالة، ومن ثم يمكن القول بأن المدين قد التزم بتقديم كفيل .

(2) - الكفالة القانونية :

تكون الكفالة قانونية إذا كان مصدر الكفالة هو القانون، وذلك في الحالات التي يلتزم فيها المدين بتقديم كفيل بناءً على نص القانون.

الكفالة القضائية:

إذا كان مصدر إلتزام المدين بتقديم كفيل هو حكم القاضي فإن الكفالة توصف بأنها قضائية، ومن أمثلة ذلك:

(أ) حالات الحكم بالنفاذ المعجل إذ قرن القاضي الحكم بتقديم كفالة وكان في سلطته أن يقرر ذلك أو لا يقرره.

(ب) - ما تنص عليه المادة 829 مدنی - الواردة في الشيوع.

(ج) ما تنص عليه المادة (900) مدني - الواردة في تسوية ديون التركة

تبدو أهمية التفرقة بين أنواع أو مصادر الكفالة الثلاثة فيما تنص عليه المادة 795 مدني من أنه : "في الكفالة القضائية أو القانونية يكون الكفلاء دائماً متضامنين".

أما الكفلاء في الكفالة الاتفاقية فلا يفترض التضامن بينهم، بل لابد من الإتفاق عليه صراحة حتى يوجد.

فلا بد من أن تتوافر في الكفالة أركان العقد بوجه عام وهي ثلاثة : الرضا والمحل والسبب.

ركن الرضا في الكفالة :

الشرط الأول :

شرط الرضا : التعبير عن الإرادة :

يشترط في رضا الطرفين في عقد الكفالة ما يشترط في سائر العقود، وبوجه خاص أن يتم تبادل التعبير عن إرادتين متطابقتين سليمتين صادرتين من طرفین حائزين على الأهلية اللازمة.

وينطبق كل ذلك وبخاصة فيما يتعلق بعيوب الرضا القواعد العامة في العقود والإلتزامات.

وأهم عيوب الإرادة هي الإكراه والتدليس والغلط، والمشاكل التي يمكن أن تثور عملاً بصدد التدليس أو الإكراه هي أن يصدر أي منهما من المدين، ويعتبر في هذه الحالة صادراً من شخص أجنبي عن العقد، ويسرى حكم المادتين 126 ، 128 مدنی، وهما تقرران أن المتعاقد المدلس عليه أو المكره، لا يجوز له طلب إبطال العقد، مالم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا التدليس.

الشرط الثاني :

أن يكون رضا الكفيل صريحاً :

الأصل في التعبير عن الإرادة أن يكون صريحاً أو ضمنياً .

السبب - طبقاً للقواعد العامة - هو الباعث الدافع للتعاقد لا مجرد الغرض المباشر المقصود في العقد فإذا كان الباعث الذي دفع أحد المتعاقدين إلى التعاقد غير مشروع كان العقد باطلاً متى كان المتعاقد الأخر يعلم به أو كان في استطاعته أن يعلم به أما إذا كان الباعث غير المشروع الذي دفع إلى التعاقد غير مذكور في العقد ولم يكن الطرف الآخر يعلم به أو من السهل عليه تبينه فإن العقد يكون صحيحاً.

إذا وعد شخص الدائن بكفالة المدين في إلتزام ما وقبل الدائن منه هذا الوعد، فإنه ينشأ عقد وعد بالكفالة. وتنطبق على الوعد بالكفالة القواعد العامة الواردة بالمادتين 101 ، 102 من التقنين المدنى .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر ، الصفحة : 421)

عرفت المادة 772 مدني الكفالة بأنها «عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ إلتزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الإلتزام إذا لم يف به المدين نفسه» ، وكانت المادة 604/495 مدنی قدیم تعرفها بأنها «عقد به يلتزم إنسان بأداء دین إنسان آخر إذا كان هذا الآخر لا يؤديه».

ويؤخذ من هذا التعريف أن كفالة عقد يلتزم به الكفيل إزاء الدائن ، أي أنها عقد بين الكفيل والدائن فقط فلا يكون المدين طرفاً فيه ، ولكنها تفترض وجود مدين ترد على دينه الكفالة .

ويؤخذ منه أيضاً أن محل الكفالة تنفيذ إلتزام قائم في ذمة غير الكفيل أياً كان محل هذا الإلتزام أي سواء كان مبلغاً من النقود أو القيام بعمل أو الإمتناع عن عمل ، فإن كان محل الإلتزام المكفول مبلغاً من النقود وجب على الكفيل وفاء هذا المبلغ أما إن كان محله عملاً أو إمتناعاً وجب عليه أن يدفع ما عسى أن يحكم به على المدين كتعويض من الإخلال بالإلتزام بعمل أو بإمتناع عن عمل.

ويؤخذ منه أخيراً أنه لا يتعين كما يبدو من تعريف التقنين الملغي أن يكون الكفيل انساناً أي شخصاً طبيعياً لا يجوز أن يكون أي شخص ، معنوياً كان أو طبيعياً، وأنه يجوز كذلك أن يكون المكفول إلتزام أي شخص .

ولا يجوز أن يفهم من عبارة « إذا لم يف به المدين نفسه » الواردة في نهاية التعريف أن إلتزام الكفيل إلتزام شرطی ، بلى أنه إلتزام منجز ينشأ بمجرد إنعقاد الكفالة ويحل بمجرد حلول الإلتزام الأصلي وإنما المقصود بهذه العبارة أن إلتزام الكفيل يكون تابعاً لإلتزام المدين ، فإذا وفي هذا بإلتزامه لم يبق ثمة محل الإلتزام الكفيل ووجب أن ينقضي هذا الإلتزام الأخير تبعاً لوفاء الإلتزام الأول .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : التاسع ، الصفحة : 7)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 145

و- الضّمان:

9 - الضّمان لغةً: الْكفالة والالْتزام بالشّيْء. وهو عنْد بعْض الْفقهاء: الْتزام حقٍّ ثابتٍ في ذمّة الْغيْر أوْ إحْضار منْ هو عليْه. والضّمان عكْس الإْبْراء، فهو يفيد انْشغال الذّمّة

في حين يطْلق الإْبْراء على خلوّها، ولصلة الضّدّيّة هذه وضع الشّافعيّة أكْثر أحْكام الإْبْراء في باب الضّمان.

 

هذا وإنّ للإْبْراء صلةً بالضّمان، وهي أنّه أحد الأْسْباب لسقوطه، بلْ إنّ له مدْخلاً إلى أكْثر الالْتزامات منْ حيْث إنّه يتطرّق له في سقوطها؛ لأنّها إمّا أنْ تسْقط بالْوفاء - أيْ الأْداء - أو الْمقاصّة أو الإْبْراء ونحْو ذلك.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 65

أَصِيلٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الأْصِيلُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ أَصْلٍ، وَأَصْلُ الشَّيْءِ أَسَاسُهُ وَمَا يَسْتَنِدُ وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ إِلَيْهِ، وَيُطْلَقُ الأْصِيلُ عَلَى الأْصْلِ. وَيَأْتِي بِمَعْنَى الْوَقْتِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ اللُّغَوِيَّيْنِ، فَيُطْلِقُونَهُ فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ عَلَى الْمُطَالَبِ ابْتِدَاءً بِالْحَقِّ، وَفِي الْوَكَالَةِ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ ابْتِدَاءً.

الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:

2 - يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ تَبَعًا لِلاِسْتِعْمَالاَتِ الْفِقْهِيَّةِ، فَالْحَوَالَةُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الأْصِيلِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لأِنَّ مَعْنَاهَا نَقْلُ الْحَقِّ، وَذَلِكَ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِفَرَاغِ ذِمَّةِ الأْصِيلِ، َأَمَّا الْكَفَالَةُ فَلاَ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الأْصِيلِ، لأِنَّ مَعْنَاهَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَفِيهَا حُلُولُ الْوَكِيلِ مَحَلَّ الأْصِيلِ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَفْصِيلُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِهِ.

إِضَافَةُ الْكَفَالَةِ:

20 - أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِضَافَةَ الْكَفَالَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي الْمَالِ أَمْ فِي الْبَدَنِ، لأِنَّهَا تَبَرُّعٌ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَضَرْبُ أَجَلٍ لَهَا لاَ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ، فَصَحَّتْ كَالنَّذْرِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تَجُوزُ إِضَافَتُهَا أَوْ تَعْلِيقُهَا إِنْ كَانَتْ فِي الْمَالِ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ فِي الْبَدَنِ عَلَى الأْصَحِّ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا تَجُوزُ وَتَفْصِيلُ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (كَفَالَةٌ).

إِضَافَةُ الْوَقْفِ:

21 - يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِضَافَةُ الْوَقْفِ إِلَى الْوَقْتِ. وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يُجِيزُونَ إِضَافَتَهُ، إِلاَّ أَنَّ الظَّاهِرَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ إِضَافَةَ الْوَقْفِ إِذَا أَشْبَهَ التَّحْرِيرَ، كَمَا لَوْ جَعَلَ دَارَهُ مَسْجِدًا إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، حَيْثُ جَعَلَهَا مُحَرَّرَةً مِنْ كُلِّ مِلْكٍ إِلاَّ لِلَّهِ عزَ وجل .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع ، الصفحة / 32

هَذَا، وَهُنَاكَ عُقُودٌ أُخْرَى تُعْتَبَرُ لاَزِمَةً مِنْ جَانِبِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، جَائِزَةً مِنْ جَانِبِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ، كَعَقْدِ الْكَفَالَةِ، فَهِيَ لاَزِمَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْكَفِيلِ الَّذِي لاَ يَسْتَبِدُّ بِفَسْخِهَا، دُونَ إِذْنِ الْمَكْفُولِ لَهُ، لَكِنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ جَانِبِ الْمَكْفُولِ لَهُ يَسْتَبِدُّ بِفَسْخِهَا. وَكَعَقْدِ الرَّهْنِ، فَهُوَ لاَزِمٌ مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ، جَائِزٌ مِنْ قِبَلِ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي يَسْتَطِيعُ فَسْخَهُ بِدُونِ إِذْنِ الرَّاهِنِ.

أَثَرُ الْمَوْتِ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْكَفَالَةِ:

18 - مَوْتُ الْكَفِيلِ أَوِ الْمَكْفُولِ لاَ تَنْفَسِخُ بِهِ الْكَفَالَةُ، وَلاَ يَمْنَعُ مُطَالَبَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ بِالدَّيْنِ، فَإِذَا مَاتَ الْكَفِيلُ أَوِ الْمَكْفُولُ يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ عَلَى الْمَيِّتِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، تُحَصِّلُ الدَّيْنَ مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى، وَلَوْ مَاتَا خُيِّرَ الطَّالِبُ فِي أَخْذِهِ مِنْ أَيِّ التَّرِكَتَيْنِ. وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ يَحِلُّ الْوَرَثَةُ مَحَلَّهُ فِي الْمُطَالَبَةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ أَوِ الْمَكْفُولِ، وَيَبْقَى مُؤَجَّلاً كَمَا هُوَ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العاشر ، الصفحة / 39

الْكَفَالَةُ:

20 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ تَأْقِيتِ الْكَفَالَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي غَيْرِ الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ - إِلَى جَوَازِ تَأْقِيتِهَا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ كَشَهْرٍ وَسَنَةٍ. وَمَنَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُجِيزُونَ لِذَلِكَ فِي التَّوْقِيتِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ التَّوْقِيتِ بِوَقْتٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ، جَرَى الْعُرْفُ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى التَّوْقِيتِ بِهِ، كَوَقْتِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ الْمَجْهُولُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّاسِ، كَمَجِيءِ الْمَطَرِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ، فَلاَ يَصِحُّ تَأْقِيتُ الْكَفَالَةِ بِهِ.

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ تَوْقِيتَ الْكَفَالَةِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، كَمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْحَمَالَةِ (الْكَفَالَةِ) أَنَّ الْحَمَالَةَ بِالْمَالِ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ، فَكَذَا الْحَمَالَةُ بِهِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، وَالْحَنَابِلَةُ يُجِيزُونَ تَأْقِيتَ الْكَفَالَةِ وَلَوْ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لاَ يَمْنَعُ حُصُولَ الْمَقْصُودِ مِنْهَا كَوَقْتِ الْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ؛ لأَِنَّهَا تَبَرُّعٌ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَتَصِحُّ كَالنَّذْرِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 322

وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ تَفْصِيلاَتٌ مَوْطِنُهَا بَابُ الْحَجْرِ.

ح - التَّسْلِيمُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ:

13 - الْكَفَالَةُ تَكُونُ بِالنَّفْسِ، وَتَكُونُ بِالْفِعْلِ، وَالْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمَكْفُولِ بِهِ فِعْلُ التَّسْلِيمِ، وَعَلَى هَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَتُسَمَّى الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ كَمَا تُسَمَّى الْكَفَالَةَ بِالْوَجْهِ: وَهِيَ الْتِزَامُ إِحْضَارِ الْمَكْفُولِ إِلَى الْمَكْفُولِ لَهُ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا؛ ذَلِكَ لأِنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ كَفَالَةٌ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ، وَفِعْلُ التَّسْلِيمِ مَضْمُونٌ عَلَى الأْصِيلِ فَجَازَتِ الْكَفَالَةُ بِهِ.

وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ جَوَازَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إِذَا كَانَتْ بِسَبَبِ الْمَالِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَهَذَا يَشْمَلُ الْكَفَالَةَ بِنَوْعَيْهَا؛ وَلأِنَّ مَا وَجَبَ تَسْلِيمُهُ بِعَقْدٍ وَجَبَ تَسْلِيمُهُ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ كَالْمَالِ؛ وَلأِنَّ الْكَفِيلَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ الأْصِيلِ، بِأَنْ يُعْلِمَ مَنْ يَطْلُبُهُ مَكَانَهُ فَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، أَوْ يَسْتَعِينُ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي فِي التَّسْلِيمِ .

وَإِذَا اشْتَرَطَ الأْصِيلُ فِي الْكَفَالَةِ تَسْلِيمَ الْمَكْفُولِ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَ الْكَفِيلُ إِحْضَارَ الْمَكْفُولِ بِهِ إِذَا طَالَبَهُ بِهِ فِي الْوَقْتِ، وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ فَبِهَا، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ لاِمْتِنَاعِهِ عَنْ إِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَحْضَرَهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُطَالِبِ بِهِ فِي مَوْضِعٍ يَقْدِرُ عَلَى إِحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي مِصْرٍ مِنَ الأْمْصَارِ بَرِئَ مِنَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ التَّسْلِيمَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ وَالْمَكْفُولِ لَهُ؛ وَلأِنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَهُوَ إِمْكَانُ الْمُحَاكَمَةِ عِنْدَ الْقَاضِي.

وَيَتَعَيَّنُ مَحَلُّ التَّسْلِيمِ بِالتَّعْيِينِ، وَإِنْ أُطْلِقَ وَلَمْ يُعَيَّنْ، وَجَبَ التَّسْلِيمُ فِي مَكَانِ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي ذَلِكَ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 311

- حَبْسُ الْكَفِيلِ لإِخْلاَلِهِ بِالْتِزَامَاتِهِ :

الْكَفَالَةُ نَوْعَانِ بِالْمَالِ وَبِالنَّفْسِ، وَتَتَّصِلُ بِالْحَبْسِ فِيمَا يَلِي:

أَوَّلاً: حَبْسُ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ لاِمْتِنَاعِهِ مِنَ الْوَفَاءِ :

86 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى جَوَازِ حَبْسِ الْكَفِيلِ بِمَالٍ مُسْتَحَقٍّ إِذَا لَمْ يُوفِ الْمَكْفُولُ مَا عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ مُعْسِرًا، وَذَلِكَ لِتَخَلُّفِهِ عَمَّا الْتَزَمَهُ، وَلأِنَّ ذِمَّتَهُ مَضْمُومَةٌ إِلَى ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ بِالْمُطَالَبَةِ، فَلِذَا جَازَ حَبْسُهُ إِلاَّ إِذَا ثَبَتَ إِعْسَارُهُ. وَهَذَا مُقْتَضَى كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، بَلْ نُقِلَ الإْجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ. وَالأْصْلُ فِي هَذَا حَدِيثُ: «الْحَمِيلُ غَارِمٌ». وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي قَوْلُهُ: لاَ يُحْبَسُ الْكَفِيلُ إِذَا غَابَ الْمَكْفُولُ حَيْثُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِحْضَارُهُ.

ثَانِيًا: حَبْسُ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ :

87 - تُعْرَفُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ أَيْضًا بِكَفَالَةِ الْوَجْهِ وَالْبَدَنِ، وَهِيَ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:

النَّوْعُ الأْوَّلُ: الْكَفَالَةُ بِذَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بَعْدَ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يُنْتَظَرُ تَزْكِيَتُهُمَا، وَهَذِهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ بِالإْجْمَاعِ، بَلْ يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لاِسْتِكْمَالِ الإْجْرَاءَاتِ؛ لأِنَّ الْحُدُودَ لاَ تُسْتَوْفَى مِنَ الْكَفِيلِ إِذَا تَعَذَّرَ إِحْضَارُ الْمَكْفُولِ، فَضْلاً عَنْ أَنَّهَا لاَ تَقْبَلُ النِّيَابَةَ.

النَّوْعُ الثَّانِي: الْكَفَالَةُ بِإِحْضَارِ نَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ حَدٌّ لآِدَمِيٍّ، كَقَذْفٍ إِلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَهَذِهِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ لأِنَّ فِيهَا حَقَّ الْعَبْدِ، وَيَحْتَمِلُ إِسْقَاطُهُ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ وَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الأْمْصَارِ، فَيَجُوزُ كَفَالَةُ الْمَحْبُوسِ أَوْ مُسْتَحِقِّ الْحَبْسِ فِي ذَلِكَ.

أَحْوَالُ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ :

88 - تَنْتَظِمُ أَحْوَالُ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ الْحَالاَتِ التَّالِيَةَ:

الْحَالَةَ الأْولَى: إِذَا تَعَهَّدَ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ الْمَالِ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكَفَالَةِ، فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُحْبَسُ لِمُمَاطَلَتِهِ إِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُحْضِرِ الْمَكْفُولَ، وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُ بَذْلُ الْمَالِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاِشْتِرَاطِهِ إِحْضَارَ النَّفْسِ لاَ غَيْرِهَا، وَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ. وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ يُحْبَسُ بَلْ يُلْزَمُ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ، أَوْ يَغْرَمُ الْمَالَ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا تَعَهَّدَ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ وَصَرَّحَ بِضَمَانِهِ الْمَالَ إِذَا تَخَلَّفَ، فَإِنَّهُ لاَ يُحْبَسُ بَلْ يَغْرَمُ الْمَالَ إِذَا لَمْ يُحْضِرِ الْمَكْفُولَ فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ، وَهَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ مَذَاهِبِ الأْمْصَارِ. فَإِنْ مَاطَلَ فِي الدَّفْعِ وَكَانَ مُوسِرًا حُبِسَ؛ لأِنَّ الْحَقَّ شَغَلَ ذِمَّتَهُ كَشَغْلِهِ ذِمَّةَ الْمَكْفُولِ.

وَذَكَرُوا أَنَّ السَّجَّانَ وَنَحْوَهُ مِمَّنِ اسْتُحْفِظَ عَلَى بَدَنِ الْغَرِيمِ بِمَنْزِلَةِ كَفِيلِ الْوَجْهِ، فَيَنْبَغِي عَلَيْهِ إِحْضَارُهُ. فَإِنْ أَطْلَقَهُ وَتَعَذَّرَ إِحْضَارُهُ عُومِلَ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَالَتَيْنِ الآْنِفَتَيْنِ.

الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا تَعَهَّدَ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِ النَّفْسِ الَّتِي كَفَلَهَا فِي الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لآِدَمِيٍّ وَقَصَّرَ فَلَمْ يُحْضِرْهَا فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ يُحْبَسُ إِلَى حُضُورِ الْمَكْفُولِ أَوْ مَوْتِهِ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 236

​الضَّمَانُ فِي عَقْدِ الْكَفَالَةِ:

28 - إِذَا صَحَّ الضَّمَانُ - أَوِ الْكَفَالَةُ بِاسْتِجْمَاعِ شُرُوطِهَا - لَزِمَ الضَّامِنَ أَدَاءُ مَا ضَمِنَهُ، وَكَانَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ (الدَّائِنِ) مُطَالَبَتُهُ، وَلاَ يُعْلَمُ فِيهِ خِلاَفٌ، وَهُوَ فَائِدَةُ الضَّمَانِ ثُمَّ:

إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَدِينِ، وَهُوَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ، رَجَعَ عَلَيْهِ الْكَفِيلُ بِمَا أَدَّى عَنْهُ بِالاِتِّفَاقِ - عَلَى مَا يَقُولُ ابْنُ جُزَيٍّ - فِي الْجُمْلَةِ.

أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، فَفِي الرُّجُوعِ خِلاَفٌ:

فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمُ الرُّجُوعِ، إِذِ اعْتُبِرَ مُتَبَرِّعًا فِي هَذِهِ الْحَالِ .

وَالْمَالِكِيَّةُ قَرَّرُوا الرُّجُوعَ فِي هَذِهِ الْحَالِ إِنْ ثَبَتَ دَفْعُ الْكَفِيلِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِإِقْرَارِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَعَلَّلُوهُ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِذَلِكَ .

وَالشَّافِعِيَّةُ فَصَّلُوا، وَقَالُوا:

إِنْ أَذِنَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ، فِي الضَّمَانِ وَالأْدَاءِ فَأَدَّى الْكَفِيلُ، رَجَعَ.

وَإِنِ انْتَفَى إِذْنُهُ فِيهِمَا فَلاَ رُجُوعَ.

وَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِي الأْدَاءِ، رَجَعَ فِي الأْصَحِّ ، لأِنَّهُ أَذِنَ فِي سَبَبِ الْغُرْمِ.

وَإِنْ أَذِنَ فِي الأْدَاءِ فَقَطْ، مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ، لاَ يَرْجِعُ فِي الأْصَحِّ ، لأِنَّ الْغُرْمَ فِي الضَّمَانِ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ .

وَاعْتَبَرَ الْحَنَابِلَةُ نِيَّةَ الرُّجُوعِ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، فَقَرَّرُوا أَنَّهُ:

إِنْ قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ مُتَبَرِّعًا، لاَ يَرْجِعُ، سَوَاءٌ أَضَمِنَهُ بِإِذْنِهِ أَمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لأِنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِذَلِكَ.

وَإِنْ قَضَاهُ نَاوِيًا الرُّجُوعَ، يَرْجِعُ لأِنَّهُ قَضَاهُ مُبْرِئًا مِنْ دَيْنٍ وَاجِبٍ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ.

وَلَوْ قَضَاهُ ذَاهِلاً عَنْ قَصْدِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ، لاَ يَرْجِعُ، لِعَدَمِ قَصْدِ الرُّجُوعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الضَّمَانُ أَوِ الأْدَاءُ بِإِذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، أَمْ بِغَيْرِ إِذْنٍ .

وَلَهُمْ تَفْصِيلٌ رُبَاعِيٌّ فِي نِيَّةِ الرُّجُوعِ يَقْرُبُ مِنْ تَفْصِيلِ الشَّافِعِيَّةِ . (يُرَاجَعُ فِيهِ مُصْطَلَح: كَفَالَة).

29 - إِذَا مَاتَ الْكَفِيلُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ، فَفِي حُلُولِ الدَّيْنِ وَمُطَالَبَةِ الْوَرَثَةَ بِهِ خِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي: (مُصْطَلَحِ: كَفَالَة).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 287

كَفَالَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْكَفَالَةُ لُغَةً: مِنْ كَفَلَ الْمَالَ وَبِالْمَالِ: ضَمِنَهُ وَكَفَلَ بِالرَّجُلِ يَكْفُلُ وَيَكْفِلُ كَفْلاً وَكُفُولاً، وَكَفَالَةً، وَكَفُلَ وَكَفِلَ وَتَكَفَّلَ بِهِ كُلِّهِ: ضَمِنَهُ، وَأَكْفَلَهُ إِيَّاهُ وَكَفَّلَهُ: ضَمَّنَهُ، وَكَفَلْتُ عَنْهُ الْمَالَ لِغَرِيمِهِ وَتَكَفَّلَ بِدَيْنِهِ تَكَفُّلاً.

وَفِي التَّهْذِيبِ: وَأَمَّا الْكَافِلُ فَهُوَ الَّذِي كَفَلَ إِنْسَانًا يَعُولُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: (الرَّبِيبُ كَافِلٌ) وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ الْيَتِيمِ، كَأَنَّهُ كُفِّلَ نَفَقَةَ الْيَتِيمِ، وَالْمُكَافِلُ: الْمُعَاقِدُ الْمُحَالِفُ، وَالْكَفِيلُ مِنْ هَذَا أُخِذَ .

وَأَمَّا الْكَفَالَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِ الْكَفَالَةِ تَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ أَثَرٍ.

فَعَرَّفَهَا جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا: ضَمُّ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الأْصِيلِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِنَفْسٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ.

وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا: ضَمُّ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الأْصِيلِ فِي الدَّيْنِ.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالأْوَّلُ هُوَ الأْصَحُّ .

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْكَفَالَةَ هِيَ: أَنْ يَلْتَزِمَ الرَّشِيدُ بِإِحْضَارِ بَدَنِ مَنْ يَلْزَمُ حُضُورُهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ.

فَالْحَنَفِيَّةُ يُطْلِقُونَ الْكَفَالَةَ عَلَى كَفَالَةِ الْمَالِ وَالْوَجْهِ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ يَقْسِمُونَ الضَّمَانَ إِلَى ضَمَانِ الْمَالِ وَضَمَانِ الْوَجْهِ، وَيُطْلِقُ الشَّافِعِيَّةُ الْكَفَالَةَ عَلَى ضَمَانِ الأْعْيَانِ الْبَدَنِيَّةِ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: فَالضَّمَانُ يَكُونُ الْتِزَامَ حَقٍّ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ آخَرَ، وَالْكَفَالَةُ الْتِزَامٌ بِحُضُورِ بَدَنِهِ إِلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ.

وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ بِالْحَقِّ ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلاً وَزَعِيمًا وَكَافِلاً وَكَفِيلاً وَصَبِيرًا وَقَبِيلاً وَغَرِيمًا، غَيْرَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الضَّمِينَ يُسْتَعْمَلُ فِي الأْمْوَالِ ، وَالْحَمِيلَ فِي الدِّيَاتِ، وَالزَّعِيمَ فِي الأْمْوَالِ الْعِظَامِ، وَالْكَفِيلَ فِي النُّفُوسِ، وَالْقَبِيلَ وَالصَّبِيرَ فِي الْجَمْعِ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الإْبْرَاءُ:

2 - مِنْ مَعَانِي الإْبْرَاءِ فِي اللُّغَةِ: التَّنْزِيهُ وَالتَّخْلِيصُ وَالْمُبَاعَدَةُ عَنِ الشَّيْءِ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ إِسْقَاطُ الشَّخْصِ حَقًّا لَهُ فِي ذِمَّةِ آخَرَ أَوْ قِبَلَهُ.

فَالإْبْرَاءُ عَكْسُ الْكَفَالَةِ لأِنَّهُ يُفِيدُ خُلُوَّ الذِّمَّةِ، وَهِيَ تُفِيدُ انْشِغَالَهَا (ر: إِبْرَاءٌ ف 1).

ب - الْحَمَالَةُ:

3 - الْحَمَالَةُ بِالْفَتْحِ: مَا يَتَحَمَّلُهُ الإْنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ دِيَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ .

وَوَجْهُ الصِّلَةِ بَيْنَ الْحَمَالَةِ وَالْكَفَالَةِ: أَنَّ الْعُرْفَ خَصَّ الْحَمَالَةَ بِالدِّيَةِ وَالْغُرْمِ لإِصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَأَطْلَقَ الْكَفَالَةَ عَلَى ضَمَانِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَالنَّفْسِ .

ج - الْحَوَالَةُ:

4 - الْحَوَالَةُ فِي اللُّغَةِ: التَّحَوُّلُ وَالاِنْتِقَالُ

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى .

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ أَوِ الضَّمَانِ: أَنَّ الْحَوَالَةَ نَقْلٌ لِلدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى، أَمَّا الْكَفَالَةُ أَوِ الضَّمَانُ فَهُوَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ فِي الاِلْتِزَامِ بِالْحَقِّ، فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ؛ لأِنَّ بِالْحَوَالَةِ تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ، وَفِي الْكَفَالَةِ لاَ تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَكْفُولِ.

د - الْقَبَالَةُ:

5 - الْقَبَالَةُ فِي الأْصْلِ مَصْدَرُ قَبِلَ بِهِ إِذَا كَفَلَ، وَقَبِلَ إِذَا صَارَ كَفِيلاً، وَتَقَبَّلَ لَهُ: تَكَفَّلَ، وَالْقَبِيلُ: الْكَفِيلُ .

وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَسْتَعْمِلُ لَفْظَ الْقَبَالَةِ بِمَعْنَى الْكَفَالَةِ وَوَزْنِهِ، وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ خَصَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ أَوِ الْعَيْنِ، وَعَمَّمَ الْقَبَالَةَ فِي الْمَالِ وَالدِّيَةِ وَالنَّفْسِ وَالْعَيْنِ .

وَالْقَبَالَةُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنَ الْكَفَالَةِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

6 - الْكَفَالَةُ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ.

فَمِنَ الْكِتَابِ قوله تعالي : (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) . أَيْ كَفِيلٌ: ضَامِنٌ وقوله تعالي : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ) أَيْ: كَفِيلٌ .

وَمِنَ السُّنَّةِ: قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: الزَّعِيمُ الْكَفِيلُ، وَالزَّعَامَةُ الْكَفَالَةُ وَمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَإِنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: هُوَ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : بِالْوَفَاءِ؟ قَالَ: بِالْوَفَاءِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ.

وَقَدْ نَقَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الإْجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الْكَفَالَةِ - وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ - لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهَا وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمَدِينِ قَالَ فِي الاِخْتِيَارِ: «بُعِثَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يَتَكَفَّلُونَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ»، وَعَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ لَدُنِ الْمَصْدَرِ الأْوَّلِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ .

وَلِهَذِهِ الأْدِلَّةِ رَأَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الضَّمَانَ الشَّامِلَ لِلْكَفَالَةِ مَنْدُوبٌ لِقَادِرٍ وَاثِقٍ بِنَفْسِهِ أَمِنَ غَائِلَتَهُ .

قَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ:

19 - تَقَدَّمَ فِي صِيغَةِ الْكَفَالَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا يَرَيَانِ أَنَّ الْكَفَالَةَ لاَ تَتِمُّ إِلاَّ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَأَنَّ قَبُولَ الْمَكْفُولِ لَهُ رُكْنٌ فِيهَا؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمَكْفُولُ لَهُ حَقَّ مُطَالَبَةِ الْكَفِيلِ أَوْ حَقًّا فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ، وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ وَجَبَ قَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ، إِذْ لاَ يَمْلِكُ إِنْسَانٌ حَقًّا رَغْمَ أَنْفِهِ، فَكَانَتْ كَالْبَيْعِ تُفِيدُ مِلْكًا، فَلاَ تَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ.

وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَرَوْنَ أَنَّ الْكَفَالَةَ تَتِمُّ وَتَتَحَقَّقُ بِإِيجَابِ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ، فَلاَ تَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ، ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَالَةَ مُجَرَّدُ الْتِزَامٍ صَادِرٍ مِنَ الْكَفِيلِ بِأَنْ يُوَفِّيَ مَا وَجَبَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ مَعَ بَقَاءِ الْمَكْفُولِ لَهُ عَلَى حَقِّهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينِ، وَذَلِكَ الْتِزَامٌ لاَ مُعَاوَضَةَ فِيهِ، وَلاَ يَضُرُّ بِحَقِّ أَحَدِهِمَا أَوْ يَنْقُصُ مِنْهُ، بَلْ هُوَ تَبَرُّعٌ مِنَ الْكَفِيلِ فَيَتِمُّ بِعِبَارَتِهِ وَحْدَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ رضي الله عنه كَفَلَ الْمَيِّتَ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ الدَّائِنَ أَوْ أَنْ يَطْلُبَ قَبُولَهُ فَأَقَرَّ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم كَفَالَتَهُ وَصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ بِنَاءً عَلَيْهَا ».

زَمَانُ وَمَكَانُ وَمَوْضُوعُ الْمُطَالَبَةِ:

35 - يَتَحَدَّدُ الْتِزَامُ الْكَفِيلِ بِمَا كَانَ يَلْتَزِمُ بِهِ الأْصِيلُ مِنْ دَيْنٍ، فَيُؤَدِّيهِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمَا، وَذَلِكَ مَعَ مُرَاعَاةِ مَا تَضَمَّنَهُ عَقْدُ الْكَفَالَةِ مِنَ الشُّرُوطِ، وَمَعَ مُرَاعَاةِ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي صِيغَةِ الْكَفَالَةِ مِنْ تَنْجِيزٍ أَوْ تَعْلِيقٍ أَوْ إِضَافَةٍ إِلَى أَجَلٍ أَوْ تَأْقِيتٍ أَوِ اقْتِرَانٍ بِشَرْطٍ.

وَإِذَا مَاتَ الْكَفِيلُ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ حَلَّ الدَّيْنُ بِمَوْتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا عَدَا زُفَرَ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّ ذِمَّتَهُ خَرِبَتْ، وَثَبَتَ لِلدَّائِنِ حَقُّ مُطَالَبَةِ الْوَرَثَةِ بِالدَّيْنِ مِنْ تَرِكَتِهِ.

وَفِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ: أَنَّ الدَّيْنَ لاَ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ إِذَا مَا وَثَّقَهُ الْوَرَثَةُ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الضَّامِنُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ، انْتَهَى ضَمَانُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَخُيِّرَ الطَّالِبُ بَيْنَ بَقَائِهِ إِلَى حِينِ حُلُولِ الأْجَلِ، وَمِنْ ثَمَّ يُطَالَبُ الأَْصِيلَ، وَبَيْنَ أَنْ يَتَعَجَّلَ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ فَيَأْخُذَهُ مِنْ تَرِكَةِ الضَّامِنِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الأْصِيلُ حَاضِرًا مَلِيئًا لِعَدَمِ حُلُولِ أَجَلِهِ، أَمَّا إِذَا مَاتَ الضَّامِنُ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ أَوْ بَعْدَهُ فَلاَ يُؤْخَذُ الدَّيْنُ مِنَ التَّرِكَةِ إِذَا كَانَ الْمَدِينُ حَاضِرًا مَلِيئًا، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِذَا كَانَ غَائِبًا مُعْدَمًا، أَوْ لاَ يُسْتَطَاعُ الاِسْتِيفَاءُ مِنْهُ بِدُونِ مَشَقَّةٍ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع والثلاوثون ، الصفحة / 302

الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ:

وَتَشْمَلُ هَذِهِ الْعُقُودُ الرَّهْنَ وَالْكَفَالَةَ، إِذِ الرَّهْنُ لاَزِمٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ، وَالْكَفَالَةُ لاَزِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ دُونَ الْمَكْفُولِ لَهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ - الرَّهْنُ:

فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ فِي تَأْثِيرِ الْمَوْتِ عَلَى الْتِزَامِ الرَّاهِنِ بَيْنَ حَالَتَيْنِ:

73 - الْحَالَةُ الأْولَى: مَوْتُ الرَّاهِنِ بَعْدُ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لِلْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ بَعْدُ الْقَبْضِ يَكُونُ لاَزِمًا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا اللُّزُومِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ فَسْخُهُ بِإِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ، فَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْتِزَامَهُ النَّاشِئَ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ لاَ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، لأِنَّ الرَّهْنَ قَدْ لَزِمَ مِنْ جِهَتِهِ، وَلاَ حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِي إِبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، وَإِنْ كَانَ مِيرَاثًا لَهُمْ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَيْنَ تَبْقَى تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ إِلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ، وَإِلاَّ بِيعَتِ الْعَيْنُ لِوَفَاءِ حَقِّهِ إِذَا تَعَذَّرَ الاِسْتِيفَاءُ مِنْ غَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .

74 - الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: مَوْتُ الرَّاهِنِ قَبْلَ الْقَبْضِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَأْثِيرِ الْمَوْتِ عَلَى الْتِزَامِ الرَّاهِنِ بَعْدَ الرَّهْنِ إِذَا مَاتَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ ، وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَيَنْتَهِي الْتِزَامُهُ بِمَوْتِهِ، وَلاَ يَلْزَمُ وَرَثَتَهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَبِذَلِكَ لاَ يَخْتَصُّ الْمُرْتَهِنُ بِالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، بَلْ يَكُونُ فِي دَيْنِهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ .

وَالثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ لاَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، لأِنَّ مَصِيرَ الرَّهْنِ إِلَى اللُّزُومِ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِالْمَوْتِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَيَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي الإْقْبَاضِ إِنْ شَاؤُوا وَلاَ يُجْبَرُونَ عَلَيْهِ، لأِنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ لاَزِمًا فِي حَقِّ مُوَرِّثِهِمْ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَمْ يَلْزَمْ بِمَوْتِهِ، وَيَرِثُ وَرَثَتُهُ خِيَارَهُ فِي التَّسْلِيمِ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ عَدَمِهِ.

غَيْرَ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ وَبَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ نَصُّوا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ لِوَرَثَةِ الرَّاهِنِ أَنْ يَخُصُّوا الْمُرْتَهِنَ بِالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، إِذَا كَانَ عَلَى مُوَرِّثِهِمْ دَيْنٌ آخَرُ سِوَى دَيْنِهِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ .

ب - الْكَفَالَةُ:

75 - الْكَفَالَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ نَوْعَانِ: كَفَالَةٌ بِالْمَالِ، وَكَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ (رَبَّ الْحَقِّ) إِذَا مَاتَ، فَإِنَّ الْكَفَالَةَ لاَ تَسْقُطُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ كَفَالَةً بِالْمَالِ أَوْ بِالنَّفْسِ، وَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ إِلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمَوْرُوثَةِ، فَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ .

أَمَّا عَنْ أَثَرِ مَوْتِ الْكَفِيلِ فِي بُطْلاَنِ عَقْدِ الْكَفَالَةِ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ - الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ:

76 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْتِزَامَ الْكَفِيلِ بِأَدَاءِ الْمَالِ فِيهَا لاَ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، لأِنَّ مَالَهُ يَصْلُحُ لِلْوَفَاءِ بِذَلِكَ، فَيُطَالَبُ بِهِ وَصِيُّهُ أَوْ وَارِثُهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ .

وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ بِهِ مُؤَجَّلاً، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وأحمد فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ يَحِلُّ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ حَالًّا. وَلَكِنَّ وَرَثَتَهُ لاَ تَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إِلاَّ بَعْدَ حُلُولِ الأْجَلِ، لأِنَّ الأْجَلَ بَاقٍ فِي حَقِّ الْمَكْفُولِ لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ .

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَذْهَبِ فَقَالُوا: لاَ يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ بِهِ الْمُؤَجَّلُ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ إِذَا وَثَّقَهُ الْوَرَثَةُ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ لأِنَّ التَّأْجِيلَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمَيِّتِ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ .

ب - الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ:

77 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَأْثِيرِ مَوْتِ الْكَفِيلِ عَلَى الْتِزَامِهِ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلِ الأْوَّلِ : لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْكَرْخِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْتِزَامَ الْكَفِيلِ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ لاَ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَلاَ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَلِكَ، فَيُطَالَبُ وَرَثَتُهُ بِإِحْضَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا أَوْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أُخِذَ مِنَ التَّرِكَةِ قَدْرُ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ .

الْقَوْلِ الثَّانِي: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْكَفَالَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ، لأِنَّ تَسْلِيمَ الْكَفِيلِ الْمَطْلُوبَ بَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ لاَ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ، وَلاَ تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى وَرَثَتِهِ، لأِنَّهُمْ لَمْ يَكْفُلُوا لَهُ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَخْلُفُونَهُ فِيمَا لَهُ لاَ فِيمَا عَلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّهُ لاَ شَيْءَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ فِي تَرِكَتِهِ، لأِنَّ مَالَهُ لاَ يَصْلُحُ لإِيفَاءِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ .

78 - أَمَّا إِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ - فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ - فَإِنَّ الْكَفَالَةَ تَسْقُطُ عَنِ الْكَفِيلِ، وَلاَ يُلْزَمُ بِشَيْءٍ، لأِنَّ النَّفْسَ الْمَكْفُولَةَ قَدْ ذَهَبَتْ، فَعَجَزَ الْكَفِيلُ عَنْ إِحْضَارِهَا، وَلأِنَّ الْحُضُورَ قَدْ سَقَطَ عَنِ الْمَكْفُولِ، فَبَرِئَ الْكَفِيلُ تَبَعًا لِذَلِكَ، لأِنَّ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ أَجْلِهِ سَقَطَ عَنِ الأْصْلِ فَبَرِئَ الْفَرْعُ، كَالضَّامِنِ إِذَا قَضَى الْمَضْمُونُ عَنْهُ الدَّيْنَ أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ، وَبِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ .

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ اللَّيْثُ وَالْحَكَمُ فَقَالُوا: يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ غُرْمُ مَا عَلَيْهِ، لأِنَّ الْكَفِيلَ وَثِيقَةٌ بِحَقٍّ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، اسْتُوْفِيَ مِنَ الْوَثِيقَةِ كَالرَّهْنِ، وَلأِنَّهُ تَعَذَّرَ إِحْضَارُهُ، فَلَزِمَ كَفِيلَهُ مَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ غَابَ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والأربعون ، الصفحة / 9

الْكَفَالَةُ بِالنَّوَائِبِ:

7 - النَّائِبَةُ بِمَعْنَى: مَا يُفْرَضُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مِنْ أَمْوَالٍ إِنْ كَانَتْ بِحَقٍّ كَالَّذِي يَفْرِضُهُ الإْمَامُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، فَهَذِهِ يَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالاِتِّفَاقِ بَيْنَهُمْ؛ لأِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُوسِرٍ بِإِيجَابِ طَاعَةِ وَلِيِّ الأْمْرِ فِيمَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَلْزَمْ بَيْتُ الْمَالِ، أَوْ لَزِمَهُ وَلاَ شَيْءَ فِيهِ .

أَمَّا مَا يُفْرَضُ ظُلْمًا عَلَى النَّاسِ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْكَفَالَةِ بِذَلِكَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ شُرِعَتْ لاِلْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَى الأْصِيلِ شَرْعًا، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ هَاهُنَا شَرْعًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا، وَمِمَّنْ يَمِيلُ إِلَى ذَلِكَ الرَّأْيِ فَخْرُ الإْسْلاَمِ الْبَزْدَوِيُّ، قَالَ: وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَهِيَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنْ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنُوبُهُ، فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا؛ لأِنَّهَا دُيُونٌ فِي حُكْمٍ تُوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا، وَالْعِبْرَةُ فِي الْكَفَالَةِ لِلْمُطَالَبَةِ لأِنَّهَا شُرِعَتْ لاِلْتِزَامِهَا .

هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى لاَ تَأْبَى هَذَا إِنْ كَانَ بِحَقٍّ.

فَقَدْ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَصِحُّ الضَّمَانُ بِدَيْنٍ لاَزِمٍ أَوْ آيِلٍ إِلَى اللُّزُومِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَشْتَرِكُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ حَقًّا ثَابِتًا حَالَ الْعَقْدِ، فَلاَ يَصِحُّ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، سَوَاءٌ أَجْرَى سَبَبَ وُجُوبِهِ أَمْ لاَ؛ لأِنَّ الضَّمَانَ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ فَلاَ يَسْبِقُهُ كَالشَّهَادَةِ، وَصَحَّحَ فِي الْقَدِيمِ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ لأِنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إِلَيْهِ.

كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ مَعْلُومًا جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَعَيْنًا فِي الْجَدِيدِ؛ لأِنَّهُ إِثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ لآِدَمِيٍّ بِعَقْدٍ، فَلاَ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ، وَلاَ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ.

وَصَحَّحَهُ فِي الْقَدِيمِ بِشَرْطِ أَنْ تَتَأَتَّى الإْحَاطَةُ بِهِ، لأِنَّ مَعْرِفَتَهُ مُتَيَسِّرَةٌ .

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ، وَضَمَانُ كُلِّ حَقٍّ مِنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ الْوَاجِبَةِ، أَوِ الَّتِي تَؤُولُ إِلَى الْوُجُوبِ .

(ر: كَفَالَةٌ ف 23).

إِبْرَاءُ الْكَفِيلِ هَزْلاً:

41 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ هَازِلاً لاَ يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ مِمَّا لاَ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لأِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ الْكَفِيلَ عَلَى عَيْنٍ، وَهَلَكَتِ الْعَيْنُ، أَوْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ يَنْفَسِخُ الصُّلْحُ وَتَعُودُ الْكَفَالَةُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَعْمَلُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَمْنَعُهُ مِنَ الثُّبُوتِ، كَالْخِيَارِ .

_________________________________________________________________


مجلة الأحكام العدلية

مادة (612) الكفالة

الكفالة: ضم ذمة إلى ذمة في مطالبة شيء، يعني أن يضم أحد ذمته إلى ذمة آخر ويلتزم أيضاً بالمطالبة التي لزمت في حق ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 199)
الكفالة والحوالة لا يصحان بالإكراه فمن كفل عن غيره كرهاً أو قبل حوالة دين عليه جبرا فلا يلزمه شيء مما التزم به قهراً.

(مادة 232)
الحوالة والكفالة يصح تعليقهما بالشرط الملائم ويصحان مع اقترانهما بالشرط الفاسد ويلغو الشرط وكذلك ما كان من الإطلاقات كالإذن للصبي بالتجارة.

(مادة 233)
ما لا يمكن تمليكه في الحال وما كان من الإسقاطات والإطلاقات والالتزامات يصح إضافته على الزمان المستقبل وذلك كالإجارة وفسخها والمزارعة والمساقاة والمضاربة والوكالة والكفالة والإيصاء والوصية والقضاء والإمارة والطلاق والعتاق والوقف والعارية والإذن في التجارة للصبي ونحوه.

( مادة ۷۲۹)

الكفالة هي ضم ذمة الكفيل الى ذمة الاصيل في المطالبة بنفس أو دين أو عين.

( مادة 730)

لا تصح الكفالة بإيجاب الكفيل وحده مالم يقبل الطالب أونائبه ولو فضولیاً فی مجلس العقد.

( مادة ۷۳۱)

يشترط لصحة الكفالة أن يكون كل من الكفيل والمكفول له عاقلاً بالغاً فلا تصح كفالة مجنون ولا صبي ولو كان تاجراً ولا الكفالة لمجنون أو صبي الا اذا كان تاجراً.