مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الخامس ، الصفحة : 442
مذكرة المشروع التمهيدي :
هذه المادة مقتبسة من المشروع الفرنسي الإيطالي (م 712) وهي تقرر الحكم الوارد بالتقنين المصرى (م 495 فقرة أخيرة / 605 فقرة أخيرة ) وهو حكم طبیعی تقتضيه القواعد العامة ، مادامت الكفالة عقدة بين الكفيل والدائن يتم بمجرد توافق إرادتيهما دون حاجة لرضاء المدين أو عليه . وقد لا يكون هناك موجب لإيراد النص سوى الرغبة في بيان أن المشرع المصرى خرج في هذا الصدد عن أحكام الشريعة الإسلامية ( م 862 من مرشد الحيران ) ، وهي تحرم الكفيل الذي يضن المدين بدون علمه أو رغم رضاه من حق الرجوع عليه .
الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : العاشر
وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا المعنى : "وهو حكم طبيعي تقتضيه القواعد العامة ، ما دامت الكفالة عقداً بين الكفيل والدائن يتم بمجرد توافق إرادتيهما ، دون حاجة لرضاء المدين أو علمه
وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : " هذه المادة مقتبسة من المشروع الفرنسي الإيطالي ( م 712 )، وهي تقرر الحكم الوارد بالتقنين المصري ( م 495 فقرة أخيرة / 605 فقرة أخيرة ) ، وهو حكم طبيعي تقتضيه القواعد العامة ما دامت الكفالة عقداً بين الكفيل والدائن يتم بمجرد توافق إرادتيهما دون حاجة لرضاء المدين أو علمه، وقد لا يكون هناك موجب لإيراد النص سوى الرغبة في بيان أن المشرع المصري خرج في هذا الصدد عن أحكام الشريعة الإسلامية ( م 862 من مرشد الحيران ) ، وهي تحرم الكفل الذي يضمن المدين بدون علمه أو رغم عدم رضاءه من حق الرجوع عليه ( مجموعة الأعمال التحضيرية 5 ص 442 ) .
موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر
هذه المادة مقتبسة من المشروع الفرنسي الإيطالي (م 712) وهي تقرر الحكم الوارد بالتقنين المصري (م 495 فقرة أخيرة / 605 فقرة أخيرة) وهو حكم طبیعی تقتضيه القواعد العامة، ما دامت الكفالة عقداً بين الكفيل والدائن يتم بمجرد توافق إرادتيهما دون حاجة الرضاء المدين أو علمه وقد لا يكون هناك موجب الإيراد النص سوى الرغبة في بيان أن المشرع المصرى خرج في هذا الصدد عن أحكام الشريعة الإسلامية (م 862 من مرشد الحيران)، وهي تحرم الكفيل الذي يضمن المدين بدون علمه أو رغم رضاه من حق الرجوع عليه" .
1- إلتزام الكفيل - متضامناً كان أو غير متضامن - هو إلتزام تابع لإلتزام المدين الأصلى و ذلك على خلاف المدين المتضامن مع مدينين آخرين ، فإنه يلتزم إلتزاماً أصلياً مع سائر المدينين ، وإذ كان يبين من الحكم المطعون فيه أن المطعون ضده كان كفيلاً للمدين الأصلى فى تنفيذ إلتزام هذا الأخير قبل الشركة الطاعنة ، ولم يكن مديناً أصلياً معه فى هذا الإلتزام فإن الحكم المطعون فيه - إذ أجرى أحكام الكفالة على إلتزام المطعون ضده - لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 690 لسنة 40 جلسة 1976/03/15 س 27 ع 1 ص 637 ق 12 )
2- كفالة المدين وإن كانت تجوز بغير علمه ورغم معارضته إلا أن إلتزام الكفيل يظل بحسب الأصل تابعاً للإلتزام الأصلى ، فلا يقوم إلا بقيامه ، ويكون للكفيل المتضامن أن يتمسك قبل الدائن بكفالة الدفوع المتعلقة بالدين .
(الطعن رقم 227 لسنة 37 جلسة 1972/12/28 س 23 ع 3 ص1487 ق 232)
تنص المادة 775 مدني على ما يأتي :
" تجوز كفالة المدين بغير علمه ، وتجوز أيضاً رغم معارضته.
والسبب في ذلك أن الكفالة عقد طرفاه الكفيل والدائن ، أما المدين فليس طرفاً فيه فالمطلوب إذن هو رضاء الكفيل والدائن طرفي العقد ، ولا حاجة إلى رضاء المدين وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا المعنى : "وهو حكم طبيعي تقتضيه القواعد العامة ، ما دامت الكفالة عقداً بين الكفيل والدائن يتم بمجرد توافق إرادتيهما ، دون حاجة لرضاء المدين أو علمه " فقد تعقد الكفالة بين الكفيل والدائن ، وذلك دون إذن من المدين بل قد تعقد الكفالة بين طرفيها ، دون علم المدين وأخيراً قد تعقد الكفالة بين طرفيها ، وذلك بالرغم من معارضة المدين والفرق ما بين هذه الصور المختلفة لا يكون في انعقاد الكفالة ، فهي تنعقد في جميع هذه الصور بمجرد توافق إرادتي الكفيل والدائن كما سبق القول وإنما يظهر الفرق عند رجوع الكفيل على المدين إذا وفي عنه الدين ، كما سنرى فإذا كانت الكفالة قد عقدت بإذن المدين ، رجع الكفيل عليه بدعوى الوكالة وإذا عقدت بعلم المدين أو بغير علمه ، ولكن دون إذنه ، رجع الكفيل على المدين بدعوى الفضالة وإذا عقدت بالرغم من معارضة المدين ، رجع الكفيل على المدين بدعوى الإثراء بلا سبب.
على أن الكفالة تعقد عادة بإذن المدين ، بل بناء على طلبه إذ أن الكفيل إنما يتقدم لمساعدته بكفالته ، فتسبق الكفالة عادة طلب من المدين يوجهه إلى الكفيل ليكفله فإذا رضي الكفيل بكفالته ، عقد الكفالة مباشرة مع الدائن دون تدخل المدين ، أو كما يقع في كثير من الأحيان ذيل الكفيل سند المديونية بين المدين والدائن بإمضائه بوصف أنه كفيل فإذا ما فعل شيئاً من ذلك ، ثم وفي الدين عن المدين ، رجع عليه بدعوى الوكالة ، إذ أن طلب المدين من الكفيل كفالته يعتبر توكيلاً له في الكفالة وقد تكون العلاقة بين الكفيل والمدين وقت الكفالة أوثق من ذلك ، فيكفل الكفيل المدين متضامناً معه ، والكفيل المتضامن مع المدين أحكام يقتضيها هذا التضامن سيأتي ذكرها والكفيل المتضامن مع المدين غير الكفيل المتضامن مع الكفلاء الآخرين ، وسيأتي أيضاً بيان حكم الكفيل المتضامن مع الكفلاء الآخرين . وقد يكون الكفيل متضامناً مع المدين ومع الكفلاء الآخرين في وقت واحد ، فيكون كل من الكفلاء والمدين متضامناً مع الآخرين ، وفي هذا ضمان قوي للدائن إذ يضم إلى ذمة مدينه ذمم كفلاء متعددين ، ويجعل هذه الذمم جميعاً ومنها ذمة مدينة متضامنة .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : العاشر ، الصفحة : 90)
تبرم الكفالة ما بين الدائن والكفيل، فالمدين ليس طرفاً فيها ومن ثم فلا حاجة لموافقتة عليها أو لإعتراضه وإن كان الغالب أن تتم الكفالة بأن يوقع الكفيل بهذه الصفة على سند المديونية ومن ثم فإذا وفي الدين رجع على المدين بدعوى الوكالة بإعتبار أن المدين وكله في الوفاء وكالة ضمنية مستخلصة من هذا التوقيع، فإن تمت الكفالة بغير علم المدين أو رغم معارضته، رجع الكفيل عليه بدعوى الحلول، ويجب في الكفالة أن يتوفر الرضاء بين الدائن والكفيل فلا يكفى رضاء الكفيل وحده حتى لو كان متبرعاً فالهبة لا تتم إلا برضاء الموهوب له.
ويجب أن يكون رضاء الكفيل واضحاً لا لبس فيه بأن يوقع على سند المديونية بإعتباره كفيلاً أو يرسل خطاباً للدائن يقرر فيه كفالته لدين المدين ويحدده له، ويجوز أن يتم الرضاء على وعد بالكفالة فيكون للدائن إذا ما نشأ الدين ورفض الكفيل تنفيذ وعده بعد أن قبله الدائن جاز للدائن استصدار حكم بإعتبار الواعد كفيلاً فتسري أحكام الكفالة أما إذا كان الوعد للمدين، كان ذلك اشتراطاً لصالح الدائن الذي يجوز له التمسك به وإجبار الكفيل على تنفيذ وعده وإذا أخذت الكفالة شكل ورقة تجارية، كمبيالة أو سند أذني، كان الكفيل متضامناً مع المدين وكانت الكفالة تجارية، فيختص القضاء التجاري وتسرى فوائد التأخير بالسعر التجاري.
ويدل نص المادة 775 من القانون المدني، أن عدم علم الدين أو معارضته لا تأثير له على آثار الكفالة وطبيعتها، فتضل رغم ذلك تابعة لإلتزام المدين، تدور معه وجوداً وعدماً ، بحيث إذا انقضى التزام المدين بأي سبب من أسباب الإنقضاء ، تبعه في الإنقضاء التزام الكفيل ، وبالتالي يجوز للكفيل أن يحتج على الدائن بكافة الدفوع المتعلقة بالدين المكفول، كأنقضائه بالوفاء أو الإبراء أو التجديد أو التقادم ولا ينال من تمسك الكفيل بتقادم التزام المدين، أن يكون هذا التقادم قد إنقطع بالنسبة للكفيل، لأن الكفيل ليس مدينة وإنما ضامناً للوفاء بدين يجوز إجبار المدين على الوفاء به، فإن لم يتمسك الكفيل بالتقادم وقام بالوفاء، فإنه يكون قد وفي التزامه طبيعياً ما كان يجبر المدين عليه لو كان قد اختصم وتمسك بالتقادم.
فإن قام الكفيل الذي وفي إلتزاماً طبيعياً ، رضاء أو قضاء بالرجوع على المدين بدعوى الحلول، وهي التي يجوز للكفيل الرجوع بها إذا عقدت الكفالة بغير علم المدين أو رغم معارضته لإنتفاء الوكالة الضمنية في هذه الحالة، جاز للمدين أن يتمسك بالتقادم وهو دفع كان يجوز له أن يتمسك به في مواجهة الدائن، فإذا تمسك بذلك، قضى بسقوط حق الكفيل في إقامة الدعوى.
ويكون الكفيل في هذه الحالة قد قام بالوفاء بإلتزام ما كان يجوز إجبار المدين عليه، بالمخالفة لنص المادة 780 من القانون المدني التي لا تجيز أن يكون التزام الكفيل أشد من التزام الدين، وحينئذ يجوز للكفيل أن يتمسك في مواجهة الدائن بالغلط في القانون لإبطال الوفاء الذي تم رضاء، أو الطعن في الحكم لهذا السبب أن كان قابلاً للطعن أو لم يكن قد حاز قوة الأمر المقضي، فإن حازها استقر به الحق للدائن، وامتنع رجوع الكفيل عليه أو على المدين لانتفاء الإثراء بالنسبة له.
ويسرى ذلك، إذا كان الكفيل عند إبرام عقد الكفالة يعلم بأنه يضمن التزاماً طبيعياً ، ويرى البعض صحة الكفالة في هذه الحالة استناداً إلى إتجاه إرادة الكفيل إلى رفع الإلتزام الطبيعي إلى مرتبة الإلتزام المدني.
وإذا توافرت الوكالة الضمنية بين الكفيل والمدين، أما بإتفاقهما على الكفالة في عقد مستقل، أو توقيع الكفيل كضامن للمدين في العقد المبرم بين الدائن والمدين، وتقادم التزام المدين ومع ذلك قام الكفيل بالوفاء بالدين رضاء أوقضاء سرت القواعد السابقة .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر ، الصفحة : 658)
تجوز كفالة المدين، بغير علمه أو رغم معارضته، وهذا ليس إلا تطبيق القواعد العامة، لأن المدين ليس طرفاً في عقد الكفالة، ومن ثم لا يلزم رضاؤه، فيجوز لأي شخص ولو لم تكن له مصلحة في ذلك أن يوفي بدين على غيره ولو كان ذلك دون علم المدين أو رغم إرادته وإن صح الوفاء بالالتزام دون علم المدين أو رغم إرادته، فالكفالة في هاتين الحالتين أدعى إلى الصحة، لأن الكفالة إن هي إلا تعهد يقبله الدائن بالقيام بهذا الوفاء.
وإذا كان من الجائز أن تنعقد الكفالة بغير علم المدين أو حتى رغم معارضته، إلا أن ذلك نادر الحصول عملاً لأن الكفيل لا يتقدم عادة للضمان إلا بناءً على طلب المدين ورجائه، فالمدين هو صاحب المصلحة في تقديم الكفالة، إذ قد يتعذر عليه بغيرها الحصول على الثقة والائتمان، ومن ثم يصعب عليه الحصول على ما هو في حاجة إليه من مال .
وسنرى أهمية حصول الكفالة بطلب المدين أو بعلمه فقط أو رغم معارضته عندما نتكلم عن حق الكفيل في الرجوع على المدين بما وفاه عنه للدائن. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر ، الصفحة : 448)
طرفاً الكفالة هما الدائن و الكفيل ، فتنعقد الكفالة بمجرد توافق إرادتهما عليها ، ودون حاجة الى رضا المدين لأنه ليس طرفاً فيها ولكن لا بد في انعقادها من تراضى طرفيها ، فلا يكفي رضا الكفيل وحده ، بل لا بد فيه من رضا الدائن أيضاً ولو رضاءً ضمنياً ويعتبر إتخاذ الدائن الإجراءات ضد الكفيل متضامناً رضاء بالكفالة.
ويجوز كفالة شخص واحد بتنفيذ الإلتزامات المترتبة على عقد معين في ذمة عاقديه كليهما ، فينعقد عقد الكفالة في هذه الحالة بين الكفيل وكل من طرفي ذلك العقد بوصة، كل منهما دائناً للآخر بمقتضى العقد المذكور - المبرم بينهما ، وإذا عقدت الكفالة لمصلحة المدين ، كما هو الغالب فيها ، فإن ذلك لا يجعل المدين طرفاً فيها ، وغاية الأمر أنه يجعله في مركز المنتفع من اشتراط لمصلحة الغير ، خفي جميع الأحوال لا يحتاج في انعقاد الكفالة إلى رضا المدين.
وقد ذهبت لما يتم 775مدني إلى أبعد من ذلك حيث نصت على أنه تجوز كفالة أدمن بغير علمه وتجوز أيضاً رغم معارضته .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : التاسع ، الصفحة : 21)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 290
الْمَكْفُولُ عَنْهُ:
اشْتَرَطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مَعْلُومًا لِلْكَفِيلِ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ رِضَا الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ بِالْمَكْفُولِ بِهِ، وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ الآْتِي:
أَرْكَانُ الْكَفَالَةِ وَشُرُوطُهَا:
أَرْكَانُ الْكَفَالَةِ: الصِّيغَةُ، وَالْكَفِيلُ، وَالْمَكْفُولُ لَهُ، وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ، وَالْمَكْفُولُ بِهِ
الرُّكْنُ الأْوَّلُ - صِيغَةُ الْكَفَالَةِ:
7 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ صِيغَةَ الْكَفَالَةِ تَتِمُّ بِإِيجَابِ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ، وَلاَ تَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ مُجَرَّدُ الْتِزَامٍ مِنَ الْكَفِيلِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ لاَ مُعَاوَضَةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ تَبَرُّعٌ يَنْشَأُ بِعِبَارَتِهِ وَحْدَهُ، فَيَكْفِي فِيهِ إِيجَابُ الْكَفِيلِ .
وَفِي قَوْلٍ ثَانٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُشْتَرَطُ الرِّضَا ثُمَّ الْقَبُولُ، وَالثَّالِثُ يُشْتَرَطُ الرِّضَا دُونَ الْقَبُولِ لَفْظًا.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ صِيغَةَ الْكَفَالَةِ تَتَرَكَّبُ مِنْ إِيجَابٍ يَصْدُرُ مِنَ الْكَفِيلِ، وَقَبُولٍ يَصْدُرُ عَنِ الْمَكْفُولِ لَهُ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمَكْفُولُ لَهُ حَقَّ مُطَالَبَةِ الْكَفِيلِ أَوْ حَقًّا ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَالَةَ لاَ تَتِمُّ بِعِبَارَةِ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ أَوْ بِالْمَالِ، بَلْ لاَ بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ.
وَإِيجَابُ الْكَفِيلِ يَتَحَقَّقُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّعَهُّدُ وَالاْلْتِزَامُ وَالضَّمَانِ، صَرَاحَةً أَوْ ضِمْنًا، كَمَا يَتَحَقَّقُ بِكُلِّ تَعْبِيرٍ عَنِ الإْرَادَةِ يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى .
8 - قَدْ تَكُونُ الْكَفَالَةُ مُنَجَّزَةً أَوْ مُعَلَّقَةً أَوْ مُضَافَةً إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ وَقَدْ تُوصَفُ بِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ أَوْ مُؤَقَّتَةٌ أَوْ مُقْتَرِنَةٌ بِشَرْطٍ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ - الْكَفَالَةُ الْمُنَجَّزَةُ:
9 - وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ صِيغَتُهَا خَالِيَةً مِنَ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ أَوِ الإْضَافَةِ لأِجَلٍ، فَمَعْنَى التَّنْجِيزِ: أَنْ تَتَرَتَّبَ آثَارُ الْكَفَالَةِ فِي الْحَالِ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الصِّيغَةِ مُسْتَوْفِيَةٍ شُرُوطَهَا، فَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لآِخَرَ: أَنَا كَفِيلٌ بِدَيْنِكَ عَلَى فُلاَنٍ وَقَبِلَ الدَّائِنُ الْكَفَالَةَ - عَلَى رَأْيِ مَنْ يُوجِبُ لِتَمَامِ الصِّيغَةِ قَبُولَ الدَّائِنِ - فَإِنَّ الْكَفِيلَ يَصِيرُ مُطَالَبًا بِأَدَاءِ الدَّيْنِ فِي الْحَالِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا.
أَمَّا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلاً فَيَثْبُتُ الدَّيْنُ أَوِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ بِصِفَتِهِ مِنَ الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ مَتَى كَانَتْ صِيغَةُ الْكَفَالَةِ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقْتَرِنَةٍ بِشَرْطٍ يُغَيِّرُ مِنْ وَصْفِ الدَّيْنِ .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْكَفَالَةَ إِذَا أُطْلِقَتِ انْعَقَدَتْ حَالَّةً؛ لأِنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَدْخُلُهُ الْحُلُولُ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ إِطْلاَقِهِ، كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ .
ب - الْكَفَالَةُ الْمُعَلَّقَةُ:
10 - وَهِيَ الَّتِي يُعَلَّقُ وُجُودُهَا عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ آخَرَ، كَمَا إِذَا قَالَ شَخْصٌ لِلْمُشْتَرِي: أَنَا كَفِيلٌ لَكَ بِالثَّمَنِ إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ، فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي عُلِّقَتْ بِهِ الْكَفَالَةُ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ، فَإِنَّ الْكَفَالَةَ تَنْعَقِدُ مُنَجَّزَةً، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ الْكَفِيلُ لِلدَّائِنِ: إِذَا أَفْلَسَ فُلاَنٌ فَأَنَا كَفِيلٌ لَكَ بِهَذَا الدَّيْنِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ فُلاَنًا هَذَا كَانَ قَدْ أَفْلَسَ فِعْلاً وَقْتَ إِنْشَاءِ الْكَفَالَةِ.
11 - وَلِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ الْكَفَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ خِلاَفٌ يُمْكِنُ إِيجَازُهُ فِيمَا يَلِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ الْكَفَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى شَرْطٍ مُلاَئِمٍ، وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ، كَقَوْلِ الْكَفِيلِ لِلْمُشْتَرِي: إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ فَأَنَا ضَامِنُ الثَّمَنِ، أَوِ الشَّرْطِ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لإِمْكَانِ الاِسْتِيفَاءِ، كَقَوْلِ الْكَفِيلِ لِلدَّائِنِ: إِذَا قَدِمَ فُلاَنٌ - أَيِ الْمَكْفُولُ عَنْهُ - فَأَنَا كَفِيلٌ بِدَيْنِكَ عَلَيْهِ، أَوِ الشَّرْطِ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِتَعَذُّرِ الاِسْتِيفَاءِ، كَقَوْلِ الْكَفِيلِ لِلدَّائِنِ: إِذَا غَابَ فُلاَنٌ - الْمَدِينُ - عَنِ الْبَلَدِ فَأَنَا كَفِيلٌ بِالدَّيْنِ .
وَذَهَبُوا كَذَلِكَ إِلَى صِحَّةِ الْكَفَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ بِشَرْطٍ جَرَى بِهِ الْعُرْفُ، كَمَا لَوْ قَالَ الْكَفِيلُ: إِنْ لَمْ يُؤَدِّ فُلاَنٌ مَا لَكَ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ إِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ، لأِنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ فَصَحَّ .
فَأَمَّا إِذَا عُلِّقَتِ الْكَفَالَةُ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مُلاَئِمٍ، كَقَوْلِهِ: إِنْ هَبَّتِ الرِّيحُ أَوْ إِنْ نَزَلَ الْمَطَرُ أَوْ إِنْ دَخَلَتُ الدَّارَ فَأَنَا كَفِيلٌ، فَلاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ ؛ لأِنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مُلاَئِمٍ لاَ يَظْهَرُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ تَصِحُّ إِذَا مَا عُلِّقَتْ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مُلاَئِمٍ، وَيَلْغُو التَّعْلِيقُ .
وَيَبْدُو مِمَّا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ فُرُوعٍ: أَنَّ الْكَفَالَةَ تَكُونُ صَحِيحَةً إِذَا عُلِّقَتْ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُلاَئِمَةِ، وَلاَ تَكُونُ صَحِيحَةً إِذَا عُلِّقَتْ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مُلاَئِمٍ .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَالأْصَحُّ عِنْدَهُمْ عَدَمُ جَوَازِ تَعْلِيقِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ لأِنَّ كُلًّا مِنَ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ عَقْدٌ كَالْبَيْعِ، وَهُوَ لاَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ.
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ: جَوَازُ تَعْلِيقِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ الْقَبُولَ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا، فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا كَالطَّلاَقِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَمْتَنِعُ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ دُونَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَاجَةِ .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَتَانِ تَذْهَبُ أُولاَهُمَا إِلَى بُطْلاَنِ الْكَفَالَةِ مَعَ التَّعْلِيقِ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لأِنَّ فِي التَّعْلِيقِ خَطَرًا فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَالْكَفَالَةُ تُثْبِتُ حَقًّا لآِدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ ثُبُوتِهِ عَلَى شَرْطٍ.
وَتَذْهَبُ الرِّوَايَةُ الأْخْرَى إِلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ مُطْلَقًا، لأِنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ عَلَى شَرْطٍ صَحِيحٍ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ وَقَدْ مَالَ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ؛ لأِنَّهُ أَضَافَ الضَّمَانَ إِلَى سَبَبِ الْوُجُودِ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ كَضَمَانِ الدَّرَكِ .
ج - الْكَفَالَةُ الْمُضَافَةُ:
12 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ إِضَافَةِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ إِلَى أَجَلٍ مُسْتَقْبَلٍ كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ: أَنَا ضَامِنٌ لَكَ هَذَا الْمَالَ أَوْ هَذَا الدَّيْنَ ابْتِدَاءً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْقَادِمِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ يَكُونُ كَفِيلاً إِلاَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلاَ يُعَدُّ كَفِيلاً وَلاَ يُطَالَبُ بِالْمَالِ، وَإِذَا تُوُفِّيَ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ لاَ يُؤْخَذُ الدَّيْنُ مِنْ تَرِكَتِهِ.
وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ إِضَافَةِ الْكَفَالَةِ وَتَأْجِيلِ الدَّيْنِ الْمَكْفُولِ بِهِ، فَالْكَفَالَةُ الْمُضَافَةُ هِيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِدَيْنٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ عِنْدَ إِنْشَائِهَا، وَلَكِنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِهِ بِسَبَبِ إِضَافَتِهَا إِلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ الْكَفِيلُ لِلدَّائِنِ: أَنَا كَفِيلٌ بِمَا سَتُقْرِضُهُ لِفُلاَنٍ مِنَ الْمَالِ، أَوْ بِسَبَبِ تَعْلِيقِهَا بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ أَقْرَضْتُ فُلاَنًا مَبْلَغَ كَذَا فَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْكَفَالَةِ لاَ يَنْعَقِدُ إِلاَّ بَعْدَ وُقُوعِ مَا عُلِّقَ بِهِ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرٌ إِلاَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ مَوْجُودًا عِنْدَ إِنْشَاءِ الْكَفَالَةِ، فَقَدْ يَكُونُ حَالًّا وَقَدْ يَكُونُ مُؤَجَّلاً، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ حَالًّا، وَأُضِيفَتْ كَفَالَتُهُ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ لِلدَّائِنِ: كَفَلْتُ لَكَ دَيْنَكَ الَّذِي عَلَى فُلاَنٍ ابْتِدَاءً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الآْتِي، فَلاَ يَكُونُ لِلْكَفَالَةِ أَثَرٌ إِلاَّ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الآْتِي، وَيَتَأَجَّلُ الدَّيْنُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَفِيلِ وَحْدَهُ بِسَبَبِ إِضَافَةِ الْكَفَالَةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينِ فَلاَ يَتَغَيَّرُ وَصْفُ الدَّيْنِ بَلْ يَظَلُّ حَالًّا؛ إِذْ لاَ يَلْزَمُ مِنْ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ بِسَبَبِ كَفَالَتِهِ الْمُضَافَةِ تَأْجِيلُهُ عَلَى الْمَدِينِ الأْصِيلِ ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَكُونُ الْكَفَالَةُ مُنْعَقِدَةً فِي الْحَالِ، وَلَكِنَّ آثَارَهَا لاَ تَظْهَرُ إِلاَّ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ.
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ مُؤَجَّلاً عِنْدَ إِنْشَاءِ الْكَفَالَةِ، وَكَانَتِ الْكَفَالَةُ مُطْلَقَةً بِأَنْ قَالَ الْكَفِيلُ: كَفَلْتُ لَكَ دَيْنَكَ الَّذِي عَلَى فُلاَنٍ، فَإِنَّ مُطَالَبَةَ الْكَفِيلِ تُرْجَأُ إِلَى وَقْتِ حُلُولِ الدَّيْنِ عَلَى الأْصِيلِ ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ الْمُطْلَقَةَ بِدَيْنٍ تَلْزَمُ بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنَ الْحُلُولِ أَوِ التَّأْجِيلِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا تَكُونُ الْكَفَالَةُ مُنْعَقِدَةً فِي الْحَالِ، وَلَكِنَّ آثَارَهَا لاَ تَظْهَرُ إِلاَّ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ.
وَمِنْ هَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ جُمْهُورَ الْحَنَفِيَّةِ يُجِيزُ إِضَافَةَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَيُرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ إِضَافَتَهَا إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ. أَوْ مَجْهُولٍ جَهَالَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ لاَ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِهَا إِلَى الأْجَلِ الَّذِي ذُكِرَ، وَذَلِكَ كَإِضَافَتِهَا إِلَى الْحَصَادِ أَوْ إِلَى الْمِهْرَجَانِ أَوْ إِلَى النَّيْرُوزِ، أَمَّا إِضَافَةُ الْكَفَالَةِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً فَاحِشَةً - كَنُزُولِ الْمَطَرِ - فَلاَ تَصِحُّ؛ لأِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الآْجَالِ الْمُتَعَارَفَةِ أَوِ الْمُنْضَبِطَةِ، وَإِذَا بَطَلَ الأْجَلُ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ فِيهِ وَعَدَمِ تَعَارُفِهِ، صَحَّتِ الْكَفَالَةُ، وَكَانَتْ مُنَجَّزَةً .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ إِضَافَةِ الْكَفَالَةِ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ مَعْلُومٍ، وَحِينَئِذٍ لاَ يُطَالَبُ الْكَفِيلُ إِلاَّ إِذَا حَلَّ الأْجَلُ، وَكَذَلِكَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ، كَخُرُوجِ الْعَطَاءِ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلاً بِقَدْرِ مَا يَرَى، وَعِنْدَئِذٍ لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْكَفَالَةِ أَثَرُهَا إِلاَّ بِحُلُولِ الأْجَلِ الَّذِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَفَلَ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لأِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ فِيهِ وَهَكَذَا الضَّمَانُ، وَإِنْ جَعَلَهُ إِلَى الْحَصَادِ وَالْجُزَازِ وَالْعَطَاءِ خَرَجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، كَالأْجَلِ فِي الْبَيْعِ، وَالأْوْلَى صِحَّتُهَا هُنَا، لأِنَّهُ تَبَرُّعٌ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ جَعَلَ لَهُ عِوَضًا لاَ يَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ فَصَحَّ، كَالنَّذْرِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَجْهُولٍ لاَ يَمْنَعُ مَقْصُودَ الْكَفَالَةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ نَجَّزَ الْكَفَالَةَ وَشَرَطَ تَأْخِيرَ الْمَكْفُولِ بِهِ شَهْرًا كَضَمِنْتُ إِحْضَارَهُ، وَأَحْضَرَهُ بَعْدَ شَهْرٍ جَازَ، لأِنَّهُ الْتِزَامٌ بِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، فَكَانَ كَعَمَلِ الإْجَارَةِ يَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلاً.
وَخَرَجَ بِشَهْرٍ مَثَلاً التَّأْجِيلُ بِمَجْهُولٍ، كَالْحَصَادِ فَلاَ يَصِحُّ التَّأْجِيلُ إِلَيْهِ، وَالأْصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلاً أَجَلاً مَعْلُومًا؛ إِذْ الضَّمَانُ تَبَرُّعٌ، وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إِلَيْهِ، فَكَانَ عَلَى حَسَبِ مَا الْتَزَمَهُ وَيَثْبُتُ الأْجَلُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ عَلَى الأْصَحِّ ، فَلاَ يُطَالَبُ إِلاَّ كَمَا الْتَزَمَ.
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ : لاَ يَصِحُّ الضَّمَانُ لِلْمُخَالَفَةِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ تَصْحِيحُهُ، قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَالأْصَحُّ مَا فِي بَقِيَّةِ النُّسَخِ وَالْمِنْهَاجِ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ مُؤَجَّلاً بِأَجَلٍ أَطْوَلَ مِنَ الأْوَّلِ فَكَضَمَانِ الْحَالِّ مُؤَجَّلاً .
د - الْكَفَالَةُ الْمُؤَقَّتَةُ:
13 - تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ مَعْنَاهُ: أَنْ يَكْفُلَ الْكَفِيلُ الدَّيْنَ مُدَّةً مَعْلُومَةً مُحَدَّدَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ يَبْرَأُ بَعْدَهَا مِنَ الْتِزَامِهِ وَتَنْتَهِي الْكَفَالَةُ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الْكَفِيلِ: أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلاَنٍ أَوْ بِدِيَتِهِ مِنَ الْيَوْمِ إِلَى نِهَايَةِ هَذَا الشَّهْرِ، فَإِذَا انْقَضَى الشَّهْرُ بَرِئْتُ مِنَ الْكَفَالَةِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ تَوْقِيتِ الْكَفَالَةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي الأَْثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا، فَمَنْ رَأَى أَنَّ ذِمَّةَ الْكَفِيلِ لاَ تُشْغَلُ بِالدَّيْنِ وَإِنَّمَا يُطَالَبُ فَقَطْ بِأَدَائِهِ، أَجَازَ الْكَفَالَةَ الْمُؤَقَّتَةَ، وَقَيَّدَ الْمُطَالَبَةَ بِالْمُدَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، أَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذِمَّةَ الْكَفِيلِ تَصِيرُ مَشْغُولَةً بِالدَّيْنِ إِلَى جَانِبِ ذِمَّةِ الْمَدِينِ، فَلَمْ يُجِزْ تَوْقِيتَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ الْمَعْهُودَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الذِّمَّةَ إِذَا شُغِلَتْ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهَا لاَ تَبْرَأُ مِنْهُ إِلاَّ بِالأْدَاءِ أَوِ الإْبْرَاءِ ، وَقَبُولُ الْكَفَالَةِ لِلتَّوْقِيتِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سُقُوطُ الدَّيْنِ عَنِ الْكَفِيلِ دُونَ أَدَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ، وَتَطْبِيقًا عَلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَغْلَبُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ قَالَ: كَفَلْتُ فُلاَنًا مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَى شَهْرٍ، تَنْتَهِي الْكَفَالَةُ بِمُضِيِّ الشَّهْرِ بِلاَ خِلاَفٍ، وَلَوْ قَالَ: كَفَلْتُ فُلاَنًا شَهْرًا أَوْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.. مِنَ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْكَفِيلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُطَالَبُ فِي الْمُدَّةِ وَيَبْرَأُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ.. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَكُونُ كَفِيلاً أَبَدًا وَيَلْغُو التَّوْقِيتُ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ تَوْقِيتِ الْكَفَالَةِ فِي إِحْدَى حَالَتَيْنِ: أَنْ يَكُونَ الْمَدِينُ مُوسِرًا وَلَوْ فِي أَوَّلَ الأْجَلِ فَقَطْ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا وَالْعَادَةُ أَنَّهُ لاَ يُوسِرُ فِي الأْجَلِ الَّذِي ضَمِنَ الضَّامِنُ إِلَيْهِ، بَلْ بِمُضِيِّ ذَلِكَ الأْجَلِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَإِنْ لَمْ يُعْسِرْ فِي جَمِيعِهِ، بَلْ أَيْسَرَ فِي أَثْنَائِهِ كَبَعْضِ أَصْحَابِ الْغَلاَّتِ وَالْوَظَائِفِ، كَأَنْ يَضْمَنَهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَادَتُهُ الْيَسَارُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ، فَلاَ يَصِحُّ؛ لأِنَّ الزَّمَنَ الْمُتَأَخِّرَ عَنِ ابْتِدَاءِ يَسَارِهِ يُعَدُّ فِيهِ صَاحِبُ الْحَقِّ مُسَلِّفًا، لِقُدْرَةِ رَبِّ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ عِنْدَ الْيَسَارِ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ الْمُتَرَقَّبَ كَالْمُحَقَّقِ، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ لأِنَّ الأْصْلَ اسْتِصْحَابُ عُسْرِهِ .
وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ، كَأَنَا كَفِيلٌ بِزَيْدٍ إِلَى شَهْرٍ وَأَكُونُ بَعْدَهُ بَرِيئًا، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ يَجُوزُ، لأِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَسْلِيمِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ، بِخِلاَفِ الْمَالِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الأْدَاءُ؛ فَلِهَذَا امْتَنَعَ تَأْقِيتُ الضَّمَانِ قَطْعًا .
وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي صِحَّةِ تَوْقِيتِ الْكَفَالَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الأْوَّلُ: أَنَّ الْكَفَالَةَ تَكُونُ صَحِيحَةً، وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي عَيَّنَهَا وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا وَفَاءٌ.
وَالثَّانِي: عَدَمُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ الشَّأْنَ فِي الدُّيُونِ أَنَّهَا لاَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ .
تَقْيِيدُ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ:
14 - إِنْ قَيَّدَ الْكَفَالَةَ بِشَرْطٍ، فَقَدْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَالشَّرْطُ، وَقَدْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ، وَقَدْ تَلْغُو الْكَفَالَةُ وَالشَّرْطُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْوَاعِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ وَأَثَرِ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى الْكَفَالَةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِأَمْرِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ هَذَا الْعَبْدَ رَهْنًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَى الطَّالِبِ، ثُمَّ إِنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ الْعَبْدَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلاَ يَتَخَيَّرُ الْكَفِيلُ بَيْنَ أَنْ يَمْضِيَ فِي الْكَفَالَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ شَرْطَهُ؛ لأِنَّ هَذَا الشَّرْطَ جَرَى بَيْنَ الْكَفِيلِ وَبَيْنَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّالِبِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الطَّالِبِ بِأَنْ قَالَ لِلطَّالِبِ: أَكْفُلُ لَكَ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَنِي الْمَطْلُوبُ بِهَذَا الْمَالِ عَبْدَهُ هَذَا رَهْنًا، فَكَفَلَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، فَأَبَى الْمَطْلُوبُ أَنْ يُعْطِيَهُ الرَّهْنَ فَإِنَّ الْكَفِيلَ يَتَخَيَّرُ.
وَلَوْ ضَمِنَهَا عَلَى أَنْ يَقْضِيَهَا مِنْ ثَمَنِ هَذِهِ الدَّارِ، فَبَاعَ الدَّارَ بِعَبْدٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَالُ، وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ فِي الضَّمَانِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الأْصَحُّ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ إِنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ، كَقَوْلِهِ: كَفَلْتُ بَدَنَهُ بِشَرْطِ الْغُرْمِ، أَوْ عَلَى أَنِّي أَغْرَمُ، بَطَلَتِ الْكَفَالَةُ؛ لأِنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لاَ يَغْرَمُ عِنْدَ الإْطْلاَقِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ أَيْ إِنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ.
وَالأْصَحُّ أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الأْصِيلِ لِمُخَالَفَةِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ.
الثَّانِي: يَصِحُّ الضَّمَانُ وَالشَّرْطُ، لِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ فِي قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ لِلْمَيِّتِ، قَالَ: «فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: هُمَا عَلَيْكَ وَفِي مَالِكَ وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا بَرِيءٌ فَقَالَ: نَعَمْ. فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَصِحُّ الضَّمَانُ فَقَطْ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ قَالَ: كَفَلْتُ بِبَدَنِ فُلاَنٍ عَلَى أَنْ يَبْرَأَ فُلاَنٌ الْكَفِيلُ أَوْ عَلَى أَنْ تُبْرِئَهُ مِنَ الْكَفَالَةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لأِنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ فَيَكُونُ فَاسِدًا، وَتَفْسُدُ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لأِنَّهُ شَرْطُ تَحْوِيلِ الْوَثِيقَةِ الَّتِي عَلَى الْكَفِيلِ إِلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا لاَ تَلْزَمُهُ الْكَفَالَةُ إِلاَّ أَنْ يُبْرِئَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفِيلَ الأَْوَّلَ؛ لأِنَّهُ إِنَّمَا كَفَلَ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَلاَ تَثْبُتُ كَفَالَتُهُ بِدُونِ شَرْطِهِ.
وَإِنْ قَالَ: كَفَلْتُ لَكَ بِهَذَا الْغَرِيمِ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنَ الْكَفَالَةِ بِفُلاَنٍ، أَوْ ضَمِنْتُ لَكَ هَذَا الدَّيْنَ بِشَرْطِ أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ ضَمَانِ الدَّيْنِ الآْخَرِ، أَوْ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنَ الْكَفَالَةِ بِفُلاَنٍ، خَرَجَ فِيهِ الْوَجْهَانِ، وَالأْوْلَى : أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ؛ لأِنَّهُ شَرَطَ فَسْخَ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ فَسْخِ بَيْعٍ آخَرَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَوِ الضَّمَانِ أَنْ يَتَكَفَّلَ الْمَكْفُولُ لَهُ، أَوِ الْمَكْفُولُ بِهِ بِآخَرَ، أَوْ يَضْمَنَ دَيْنًا عَلَيْهِ، أَوْ يَبِيعَهُ شَيْئًا عَيْنَهُ أَوْ يُؤَجِّرَهُ دَارَهُ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِمَا ذُكِرَ .
الْكَفِيلُ:
15 - يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ فِي الْكَفِيلِ أَنْ يَكُونَ أَهْلاً لِلتَّبَرُّعِ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ وَعَلَى ذَلِكَ لاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ مِنَ الْمَجْنُونِ أَوِ الْمَعْتُوهِ أَوِ الصَّبِيِّ، وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا مَأْذُونًا أَوْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ أَوِ الْوَصِيُّ .
إِلاَّ أَنَّ ابْنَ عَابِدِينَ قَالَ: إِلاَّ إِذَا اسْتَدَانَ لَهُ وَلِيُّهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ الْمَالَ عَنْهُ فَتَصِحُّ، وَيَكُونُ إِذْنًا فِي الأْدَاءِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ يُطَالَبُ بِهَذَا الْمَالِ بِمُوجِبِ الْكَفَالَةِ، وَلَوْلاَهَا لَطُولِبَ الْوَلِيُّ، وَلاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ مِنْ مَرِيضٍ إِلاَّ مِنَ الثُّلُثِ .
أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ فَلاَ يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَلاَ كَفَالَتُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ .
وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الْحَنْبَلِيُّ إِلَى أَنَّ كَفَالَةَ السَّفِيهِ تَقَعُ صَحِيحَةً غَيْرَ نَافِذَةٍ وَيُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ، كَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ وَكَذَلِكَ لاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ مَعَ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تَلْزَمُ الْكَفِيلَ الْمُكْرَهَ .
أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِلدَّيْنِ، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ -، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَكْفُلَ؛ لأِنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ، وَالْحَجْرُ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ لاَ بِذِمَّتِهِ، فَيَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ الآْنَ، وَلاَ يُطَالَبُ إِلاَّ إِذَا انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ وَأَيْسَرَ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تَصِحُّ كَفَالَةُ الْمَرِيضِ مِنْ مَرَضِ الْمَوْتِ، بِحَيْثُ لاَ يَتَجَاوَزُ - مَعَ سَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ - ثُلُثَ التَّرِكَةِ، فَإِنْ جَاوَزَتْهُ تَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ، وَتَبَرُّعُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ يَأْخُذُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ ضَمَانَ الْمَرِيضِ يَكُونُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، إِلاَّ إِذَا ضَمِنَ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَاسْتَمَرَّ إِعْسَارُهُ إِلَى وَقْتِ وَفَاتِهِ، أَوْ ضَمِنَ ضَمَانًا لاَ يَسْتَوْجِبُ رُجُوعَهُ عَلَى الْمَدِينِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ، وَإِذَا اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ مَالَ الْمَرِيضِ - وَقَضَى بِهِ - بَطَلَ الضَّمَانُ إِلاَّ إِذَا أَجَازَهُ الدَّائِنُ؛ لأِنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى الضَّمَانِ .
كَفَالَةُ الْمَرْأَةِ:
16 - لاَ يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَلَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّ ضَمَانَ الْمَرْأَةِ - إِذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ - يَنْفُذُ فِي حُدُودِ ثُلُثِ مَالِهَا، أَمَّا إِذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَيَصِحُّ وَلَكِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بِإِجَازَةِ الزَّوْجِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ الأْيِّمُ غَيْرُ ذَاتِ الزَّوْجِ - إِذَا كَانَتْ لاَ يُوَلَّى عَلَيْهَا - فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ فِي الْكَفَالَةِ .
الرُّكْنُ الثَّالِثُ - الْمَكْفُولُ لَهُ:
يُشْتَرَطُ فِي الْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِلْكَفِيلِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ بَالِغًا عَاقِلاً، وَفِي اشْتِرَاطِ رِضَاهُ بِالْكَفَالَةِ وَقَبُولِهِ لَهَا، وَذَلِكَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
1 - كَوْنُ الْمَكْفُولِ لَهُ مَعْلُومًا لِلْكَفِيلِ:
17 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَكْفُولِ لَهُ مَعْلُومًا لِلْكَفِيلِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْكَفَالَةُ مُنَجَّزَةً أَوْ مُعَلَّقَةً أَوْ مُضَافَةً، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولاً لَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ هَذَا الدَّلاَّلِ مِنْ ضَرَرٍ عَلَى النَّاسِ، لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ؛ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِمْ تَشْدِيدًا وَتَسْهِيلاً وَلِيَعْلَمَ الضَّامِنُ هَلْ هُوَ أَهْلٌ لإِسْدَاءِ الْجَمِيلِ إِلَيْهِ أَوْ لاَ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا يَشْتَرِطَانِ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ لَهُ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ - بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ - فَلَوْ كَفَلَ الْكَفِيلُ لِشَخْصٍ غَائِبٍ عَنِ الْمَجْلِسِ، وَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَ، لاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عِنْدَهُمَا إِذَا لَمْ يَقْبَلْ عَنْهُ حَاضِرٌ بِالْمَجْلِسِ؛ لأِنَّ فِي الْكَفَالَةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَالتَّمْلِيكُ لاَ يَحْصُلُ إِلاَّ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، فَلاَ بُدَّ مِنْ تَوَافُرِهِ لإِتْمَامِ صِيغَةِ الْعَقْدِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ: الرَّاجِحَةُ مِنْهُمَا تُجِيزُ الْكَفَالَةَ لِلْغَائِبِ عَنِ الْمَجْلِسِ وَلاَ تَحْتَاجُ إِلَى قَبُولِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدِ اشْتَرَطَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ لَهُ مَعْلُومًا لِلْكَفِيلِ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ شُرِعَتْ لِتَوْثِيقِ الدَّيْنِ، فَإِذَا كَانَ الْمَكْفُولُ لَهُ مَجْهُولاً، فَلاَ يَتَحَقَّقُ مَقْصُودُ الْكَفَالَةِ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَدَا الْقَاضِي مِنْهُمْ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ إِلَى أَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ لاَ تَضُرُّ، وَالْكَفَالَةُ صَحِيحَةٌ، فَإِذَا قَالَ الضَّامِنُ: أَنَا ضَامِنُ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِلنَّاسِ - وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ عَيْنَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ - صَحَّتِ الْكَفَالَةُ، لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْمُتَقَدِّمِ فَقَدْ كَفَلَ أَبُو قَتَادَةَ دَيْنَ الْمَيِّتِ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ الْمَكْفُولَ لَهُ .
اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فِي الْمَكْفُولِ لَهُ:
18 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فِي الْمَكْفُولِ لَهُ ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ تَنْعَقِدُ بِإِيجَابِ الْكَفِيلِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى قَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ، فَلاَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَهْلاً لِلْقَبُولِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ لَهُ بَالِغًا عَاقِلاً؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ تَحْتَاجُ إِلَى إِيجَابٍ مِنَ الْكَفِيلِ وَقَبُولٍ مِنَ الْمَكْفُولِ لَهُ.
وَيَجُوزُ قَبُولُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالسَّفِيهِ، لأِنَّ ضَمَانَ حَقِّهِمَا نَفْعٌ مَحْضٌ، فَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ وَلِيِّهِمَا .
قَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ:
19 - تَقَدَّمَ فِي صِيغَةِ الْكَفَالَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا يَرَيَانِ أَنَّ الْكَفَالَةَ لاَ تَتِمُّ إِلاَّ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَأَنَّ قَبُولَ الْمَكْفُولِ لَهُ رُكْنٌ فِيهَا؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمَكْفُولُ لَهُ حَقَّ مُطَالَبَةِ الْكَفِيلِ أَوْ حَقًّا فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ، وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ وَجَبَ قَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ، إِذْ لاَ يَمْلِكُ إِنْسَانٌ حَقًّا رَغْمَ أَنْفِهِ، فَكَانَتْ كَالْبَيْعِ تُفِيدُ مِلْكًا، فَلاَ تَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ.
وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَرَوْنَ أَنَّ الْكَفَالَةَ تَتِمُّ وَتَتَحَقَّقُ بِإِيجَابِ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ، فَلاَ تَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ، ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَالَةَ مُجَرَّدُ الْتِزَامٍ صَادِرٍ مِنَ الْكَفِيلِ بِأَنْ يُوَفِّيَ مَا وَجَبَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ مَعَ بَقَاءِ الْمَكْفُولِ لَهُ عَلَى حَقِّهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينِ، وَذَلِكَ الْتِزَامٌ لاَ مُعَاوَضَةَ فِيهِ، وَلاَ يَضُرُّ بِحَقِّ أَحَدِهِمَا أَوْ يَنْقُصُ مِنْهُ، بَلْ هُوَ تَبَرُّعٌ مِنَ الْكَفِيلِ فَيَتِمُّ بِعِبَارَتِهِ وَحْدَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ رضي الله عنه كَفَلَ الْمَيِّتَ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ الدَّائِنَ أَوْ أَنْ يَطْلُبَ قَبُولَهُ فَأَقَرَّ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم كَفَالَتَهُ وَصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ بِنَاءً عَلَيْهَا ».
الْمَكْفُولُ عَنْهُ:
اشْتَرَطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مَعْلُومًا لِلْكَفِيلِ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ رِضَا الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ بِالْمَكْفُولِ بِهِ، وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ الآْتِي:
1 - كَوْنُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ مَعْلُومًا لِلْكَفِيلِ:
20 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ ، وَالْحَنَابِلَةِ، إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الْكَفِيلِ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ، لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم أَقَرَّ الْكَفَالَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَ الضَّامِنَ هَلْ يَعْرِفُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ أَوْ لاَ وَلأِنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ بِالْتِزَامِ مَالٍ فَلاَ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مَنْ يَتَبَرَّعُ عَنْهُ بِهِ كَالنَّذْرِ؛ وَلأِنَّ الْوَاجِبَ أَدَاءُ حَقٍّ فَلاَ حَاجَةَ لِمَعْرِفَةِ مَا سِوَاهُ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ إِلَى اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْكَفِيلِ بِالْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِيَعْلَمَ الضَّامِنُ مَا إِذَا كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ أَهْلاً لاِصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ إِلَيْهِ أَوْ لاَ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ اشْتُرِطَ ذَلِكَ لِيَعْرِفَ هَلِ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مُوسِرٌ وَمِمَّنْ يُبَادِرُ إِلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ لاَ، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ: أَنَّ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ مَعْلُومًا لِلْكَفِيلِ هُوَ فِي حَالَةِ مَا إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ مُعَلَّقَةً أَوْ مُضَافَةً، أَمَّا فِي حَالِ التَّنْجِيزِ فَلاَ تَمْنَعُ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لآِخَرَ: مَا بَايَعْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ أَوْ مَا أَقْرَضْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ فَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ، فَإِنَّ الْكَفَالَةَ تَكُونُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ لِشَخْصٍ: كَفَلْتُ لَكَ بِمَالِكَ عَلَى فُلاَنٍ أَوْ فُلاَنٍ، صَحَّتِ الْكَفَالَةُ، وَيَكُونُ لِلْكَفِيلِ حَقُّ تَعْيِينِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ مِنْهُمَا، لأِنَّهُ الْمُلْتَزِمُ بِالدَّيْنِ .
2 - رِضَا الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِالْكَفَالَةِ:
21 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ رِضَا الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَوْ إِذْنُهُ، بَلْ تَصِحُّ مَعَ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ فَفِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ «أَقَرَّ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم كَفَالَةَ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه دَيْنَ الْمَيِّتِ»، وَالْمَيِّتُ لاَ يَتَأَتَّى مِنْهُ رِضَاءٌ وَلاَ إِذْنٌ؛ وَلأِنَّ عَقْدَ الْكَفَالَةِ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ، وَهَذَا الاِلْتِزَامُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَفِيهِ نَفْعٌ لِلطَّالِبِ، وَلاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، لأِنَّ ضَرَرَهُ بِثُبُوتِ الرُّجُوعِ، وَلاَ رُجُوعَ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ عِنْدَ أَمْرِهِ، وَعِنْدَ أَمْرِهِ يَكُونُ قَدْ رَضِيَ بِهِ، وَلأِنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ جَائِزٌ، فَالْتِزَامُهُ أَوْلَى، وَكَمَا يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنِ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً .
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَالَةَ تَصِحُّ إِذَا كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ غَائِبًا؛ لأِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْكَفَالَةِ تَظْهَرُ غَالِبًا فِي مِثْلِ هَذِهِ الأْحْوَالِ .
3 - قُدْرَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ عَلَى تَنْفِيذِ مَحَلِّ الاِلْتِزَامِ:
22 - ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ (مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ، فَيَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ كُلِّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ، حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، مَلِيئًا أَوْ مُفْلِسًا، تَرَكَ كَفِيلاً بِهَذَا الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ، فَفِي الْحَدِيثِ: «أَقَرَّ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم الْكَفَالَةَ عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلاَ كَفِيلاً» وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا صِحَّةُ إِبْرَاءِ الْمُتَوَفَّى عَنْ دَيْنٍ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالاً، وَصِحَّةُ التَّبَرُّعِ بِالأْدَاءِ عَنْهُ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ بِالْمَكْفُولِ بِهِ إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِنَائِبِهِ، فَلاَ يَصِحُّ عِنْدَهُ ضَمَانُ مَيِّتٍ مَدِينٍ تُوُفِّيَ لاَ عَنْ تَرِكَةٍ وَلاَ عَنْ كَفِيلٍ بِالدَّيْنِ؛ لأِنَّ الْمَيِّتَ فِي هَذِهِ الْحَالِ عَاجِزٌ عَنِ الْوَفَاءِ، غَيْرُ أَهْلٍ لِلْمُطَالَبَةِ، وَالضَّمَانُ: ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ فِي الدَّيْنِ أَوْ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَلاَ دَيْنَ هُنَا وَلاَ مُطَالَبَةَ لأِنَّهُ بِالْوَفَاةِ عَنْ غَيْرِ مَالٍ وَلاَ كَفِيلٍ تَصِيرُ ذِمَّتُهُ خَرِبَةً وَغَيْرَ صَالِحَةٍ لأََنْ تُشْغَلَ بِدَيْنٍ، وَعِنْدَهُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ يُحْمَلُ عَلَى الإْقْرَارِ بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ لاَ عَلَى إِنْشَائِهَا، أَوْ أَنَّهُ وَعْدٌ بِالتَّبَرُّعِ وَهُوَ جَائِزٌ عَنِ الْمَيِّتِ .
____________________________________________________________________
مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان.
(مادة 752)
إذا أدى الكفيل ما كفل به من ماله فله الرجوع بما أدى على الأصيل إن كانت الكفالة بأمر الأصيل وكان الأصيل ممن يجوز إقراره على نفسه فلا يرجع على صبي محجور.