مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة : 474
مذكرة المشروع التمهيدي :
تطابق الفقرة الأولى من هذا النص المادة 510 / 633 وهي تقرر الدفع بإضاعة التأمينات.
ولما كان قد ثار نزاع في العمل بشأن تحديد الضمانات التي يترتب على ضياعها بخطأ الدائن إبراء الكفيل ، فقررت بعض الأحكام أن المقصود هو التأمين الإتفاق کالرهن التأميني أو الحيازي ( أنظر على الأخص إستئناف مختلط 31 يناير سنة 1912 ب 24 ص 118 - 3 ديسمبر سنة 1913 ب 26 ص 76 - 27 يناير سنة 1915 ب 27 ص 137 - 14 أبريل سنة 1915 ب 27 ص 278 - 7 يونيو سنة 1917 ب 29 ص 490) ورأت غالبية الأحكام أن المقصود هو كل تأمين خصص لوفاء الدين حتى لو كان تأميناً قانونياً ( راجع استئناف مختلط 14 مايو سنة 1913 ب 25 ص 376 - 15 مايو سنة 1923 ب 35 ص 445 )، كذلك قام الخلاف بشأن التأمينات التي توجد بعد قيام الكفالة وهل يشملها النص وقد جرى القضاء على أن هذه التأمينات لم يقصدها المشرع ، فلا يترتب على ضياعها بخطأ الدائن إبراء الكفيل ( أنظر إستئناف أهلى 22 مايو سنة 1912 الحقوق 28 ص 51 - إستئناف مختلط 15 يناير سنة 1914 ب 26 ص 156 - 13 مارس سنة 1923 ب 35 ص 376 - 7 مارس سنة 1939 ب 51 ص 186 ) ولكن يعاب على هذا الحل أن مبنى الدفع فكرة الحلول والتبعية ، وأن الكفيل يحل محل الدائن في التأمينات التي تتقرر بعد الكفالة وضياعها مخطئه يحرمه من ذلك الحلول وقد قضى المشروع على كل هذا الخلاف بأن قرر في الفقرة الثانية أن الضمانات المقصودة في هذه المادة تشمل كل تأمين خصص لضمان الدين حتى لو تقرر بعد الكفالة ، وكذلك كل تأمين مقرر بحكم القانون .
1- إذ تمسك المطعون ضده " الكفيل " بحكم المادة 784 من القانون المدنى و طلب براءة ذمته من دين الضريبة لأن الطاعن وهو الدائن قد أضاع بتقصيره التأمين الخاص المقرر لهذه الضريبة وهو حق الإمتياز المنصوص عليه بالمادة 27 من القانون رقم 56 لسنة 1954 بشأن الضريبة على العقارات المبنية والمقرر على المبانى قبل إزالتها وعلى الأنقاض بعد هدمها ، وكان مفاد المادة 27 سالفة الذكر أن للحكومة حق إمتياز خاص بدين الضريبة على المبانى فإن الحكم المطعون فيه إذ رتب على أن الطاعن " الدائن " هو الذى تسبب بخطئه فى ضياع هذا الضمان الخاص المقرر بحكم القانون لدين الضريبة ، أن ذمة الكفيل المطعون ضده تبرأ بقدر ما أضاع الدائن من هذه الضمانات ، فإنه لا يكون قد خالف حكم المادة 784 من القانون المدنى ، ولا محل لما يثيره الطاعن من أن تأخيره فى المطالبة بالضريبة لا يترتب عليه إلا مجرد إضعاف الضمان العام المقرر له على أموال مدينه وهو ما نصت عليه المادة 785 من القانون المدنى لأنها لا تنطبق على واقعة الدعوى .
(الطعن رقم 78 لسنة 35 جلسة 1969/06/24 س 20 ع 2 ص 1050 ق 163)
2- إذ يعتبر الضرر متوافرا - فى حالة المادة 784 من القانون المدنى - بمجرد إضاعة تأمين خاص دون أن يستبدل به تأمين آخر لا يقل عنه فى قيمته فلا على الحكم المطعون فيه إن هو لم يستعرض هذا الضرر أو الدليل عليه بعد أن أوضح أن البلدية " الدائن " هو الذى أضاع الإمتياز الخاص المقرر بالمادة 27 من قانون الضريبة العقارية وذلك بإهمال عمالها فى تحصيل الضريبة عن هذه المبانى و فى المحافظة على حق الإمتياز الخاص المقرر عليها لدين الضريبة .
(الطعن رقم 78 لسنة 35 جلسة 1969/06/24 س 20 ع 2 ص 1050 ق 163)
تنص المادة 784 مدني على ما يأتي :
"1- تبرأ ذمة الكفيل بقدر ما أضاعه الدائن بخطأه من الضمانات" .
"2- ويقصد بالضمانات في هذه المادة كل تامين يخصص لضمان الدين ولو تقرر بعد الكفالة ، وكل تأمين مقرر بحكم القانون" .
يحق له التمس ببراءة ذمة كل كفيل شخصي ، متضامن أو غير متضامن .
فالكفيل غير المتضامن يجوز له التمسك ببراءة ذمته إذا ارتكب الدائن خطأ يضيع التأمينات على الكفيل .
ولا يستطيع الدائن أن يعتبر الكفيل غير المتضامن مسئولاً ، فإن مسئوليته قد إرتفعت بالخطأ الذي ارتكبه الدائن .
وحتى ولو كان الكفيل متضامناً مع المدين ، فانه يستطيع أن يتمسك ببراءة ذمته إذا ارتكب الدائن خطأ أضاع عليه التأمينات ، فالقانون لا يميز بين الكفيل غير المتضامن والكفيل المتضامن في هذا الصدد فيستطيع إذن الكفيل الإحتياطي والكفيل في شؤون الجمارك أن يتمسكا ببراءة منهما ، وكذلك يستطيع التمسك ببراءة الذمة الكفيل الذي نزل عن الدفع بالتجريد، وكذلك يستطيع أن يتمسك ببراءة ذمته الكفيل العيني ، فهو كفيل ركز كفالته في عين معينة بالذات .
ولكن لا يستطيع أن يتمسك ببراءة ذمته الحائز للعقار ، وهو المشتري للعقار الذي رهنه المدين في الدين ، إذ أن هذا المشتري ليس بكفيل .
يجب أن يرتكب الدائن خطأ يترتب عليه إضعاف التأمينات التي له ، كأن يبرئ ذمة أحد الكفلاء ، أو أن ينزل عن رهن ترتب لمصلحته كذلك يعتبر خطأ من الدائن أن يهمل في إتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على رهن ترتب لضمان حقه ، كأن يهمل في تجديد قيد الرهن الرسمي ، أو كأن يبيع بثمن بخس القيم التي ارتهنها ضماناً لحقه ، أو أن يتأخر في استيفاء حقه عن دائنين كان له أن يتقدم عليهم .
ويكون الدائن مسئولاً إذا هو جعل المدين يضعف من أثر الرهن المترتب على عقار مملوك له ، فتبرأ ذمة الكفيل بقدر ما أضعف المدين من أثر هذا الرهن كذلك يكون الدائن مسئولاً إذا هو انقص من قيمة العقار ، بأن إستأجره لمدة طويلة .
ولا يكون الدائن مسئولاً عن الخطأ الذي يرتكبه الغير .
ولا عن الخطأ الذي يرتكبه الكفيل نفسه ، ولا يكون مسئولاً عن الخطأ الذي يرتكبه هو إذا اشترك الكفيل في هذا الخطأ ، كما لا يكون مسئولاً عن الخطأ الذي يرتكبه في إهماله الحصول على ضمان جديد .
الشروط الواجب توافرها لبراءة ذمة الكفيل : وحتى تبرأ ذمة الكفيل ، يجب عليه أن يثبت أنه قد أصابه ضرر من عمل الدائن ، وأن يتمسك ببراءة ذمته ، وألا يكون هناك اتفاق على عدم حلول الكفيل محل الدائن .
فيجب ، أولاً : أن يثبت الكفيل أنه قد أصابه ضرر من عمل الدائن فلا يجوز للكفيل أن يتمسك ببراءة ذمته إذا نزل الدائن عن رهن متأخر في المرتبة بحيث لا يسعفه أصلاً في تقاضي حقه ، أو نزل عن كفيل في نظير أن يحل محله كفيل آخر يماثله في اليسار كذلك لا يجوز للكفيل أن يطلب براءة ذمته ، إذا رضي الدائن يبيع أشياء مرهونة له بثمن لا يقل عن قيمتها الحقيقة ، ولو بيعت هذه الأشياء دون إتباع الإجراءات التي رسمها القانون ويجب أن يثبت الكفيل أن يثبت الكفيل أن الضرر الذي أصابه عمل الدائن ضرر محقق ، وليس مجرد ضرر محتمل ويطلب الكفيل براءة ذمته بمقدار ما أصابه من ضرر ، فلو كان للدائن رهنان رسميان على منزلين قيمة كل منها 1000 جنيه ، وكان حقه يبلغ 2000 جنيه ، ونزل الدائن عن رهنه على أحد هذين المنزلين ، فالكفيل لم يصبه من الضرر إلا بمقدار النصف ، فيطلب براءة ذمته بهذا المقدار فحسب .
والكفيل هو الذي يثبت مقدار ما أصابه من ضرر بعمل الدائن ، لأنه هو الذي يطلب براءة ذمته فعليه أن يثبت ما يبرر ذلك .
ويجب ، ثانياً : أن يتمسك الكفيل ببراءة ذمته ، فلا يعطي الحق في براءة الذمة إلا إذا طلب ذلك ومن ثم لا يجوز للكفيل أن يتمسك ببراءة ذمته ، إلا إذا رفع الدائن عليه الدعوى وتمسك هو ببراءة المذمة ، أو بدعوى يرفعها هو على الدائن ولكن يجوز ، إذا رفع الدائن عليه الدعوى ، أن يتمسك ببراءة ذمته في أي وقت حتى تحجز القضية للحكم وله أن يتمسك ببراءة ذمته أمام محكمة استئناف لأول مرة ، ولكن لا يجوز له أن يتمسك بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأن التمسك ببراءة الذمة هنا لا يعتبر من النظام العام بل هو من حق الكفيل .
ويجب ، ثالثاً ، ألا يكون هناك إتفاق بين الدائن والكيل على ألا يتمسك الكفيل ببراءة الذمة أي على عدم حلول الكفيل محل الدائن فإذا وجب هذا الإتفاق ، إمتنع على الكفيل أن يتمسك ببراءة الذم لأنه لا يحل محل الدائن فيما أضاعه هذا من التأمينات .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : العاشر ، الصفحة : 285)
يجوز لجميع الكفلاء التمسك ببراءة الذمة بقدر ما أضاعه الدائن بخطئه من الضمانات، سواء كان الكفيل متضامناً أو غير متضامن، شخصياً أو عينياً وهو من قدم عينياً لكفالة الدين ويختلف عن حائز العقار المرهون، وذلك متى ارتكب الدائن خطأ أن يبرئ أحد الكفلاء ويعتبر كذلك تسبب الدائن في إبطال احدى الكفالات التي كان يوقعها شخص نيابة عن الكفيل دون أن يكون موكلاً في ذلك، أو ينزل عن رهن أو يهمل في إتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على رهن ترتب لضمان حقه بأن لم يجدد قيد الرهن الرسمي أو بيع القيم المقدمة کرهن حيازی بثمن بخس أو تخليه عن حيازتها لإعتماد الكفيل على هذه التأمينات أو تأخره عند إستيفاء حقه عن دائن متأخر عنه، ولكن إذا إشترك الكفيل مع الدائن في الخطأ ظل الكفيل مسئولاً مسئولية كاملة نحو الدائن وقد يتقرر التأمين بحكم القانون حقوق الإمتياز وقد يتقرر بحكم القضاء كحق الإختصاص كما يعتبر حق الحبس تأميناً للدين م 787 ، ويلتزم الدائن بالمحافظة على كافة التأمينات التي له سواء ما وجد منها وقت الكفالة أو ما وجد منها بعد ذلك ولا تبرأ ذمة الكفيل إلا بقدر ما أضاعه الدائن من التأمينات الضامنة للدين بشرط أن يثبت الكفيل الضرر الذي أصابه من خطأ الدائن كما في الحالات السابقة وينتفي الضرر إذا كان عمل الدائن لم يترتب عليه ضرر للكفيل كأن ينزل عن وهن متأخر في المرتبة، كما يشترط أن يتمسك الكفيل ببراءة ذمته أما بدعوى مبتدئة يرفعها على الدائن أو بدفع في الدعوى التي يرفعها الدائن عليه فيتمسك ببراءة ذمته ويكون له هذا الدفع في أي وقت حتى قفل باب المرافعة، كما يجوز له ذلك أمام محكمة الإستئناف لأول مرة، ولكن لا يجوز ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، ويشترط أخيراً إلا يكون الدائن قد اشترط على الكفيل علم التمسك ببراءة ذمته بالنسبة لما أضاعه من التأمينات، إذ يسقط بذلك خيار الكفيل .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر، الصفحة :695)
قد يكون الدين الأصلي مضموناً بتأمينات أخرى، ولهذا يكون على الدائن المحافظة على تلك التأمينات حتى يتسنى للكفيل أن يحل محله فيها بعد الوفاء فإذا لم يقم الدائن بالمحافظة عليها، وبذل العناية اللازمة لذلك – وهي عناية الشخص المعتاد - كان مسئولاً عما ضاع بتقصيره، وتبرأ ذمة الكفيل بقدر ما أضاعه الدائن، لأنه فوت عليه فرصة إستيفاء حقه منها، ويكون للكفيل أن يتمسك قبل الدائن ببراءة ذمته بقدر ما أضاعه الدائن من تأمينات خاصة.
شروط براءة ذمة الكفيل :
يجب التمسك الكفيل بالدفع بإضاعة التأمينات توافر شروط ثلاثة هي :
الشرط الأول :
أن يكون الدائن قد أضاع تأميناً خاصاً :
رأينا أن الفقرة الثانية من المادة (784) تقضي في فقرتها الثانية بأنه :
يقصد بالضمانات في هذه المادة كل تأمين يخصص لضمان الدين.
فيجب إذن أن يكون الدائن قد أضاع تأميناً خاصاً ، أياً كان مصدر هذا التأمين سواء كان ، الإتفاق : كالرهن الرسمي والرهن الحيازي أو القانون : كحقوق الإمتياز أو حكم القضاء، كحق الإختصاص وأياً كان نوعه شخصياً كالكفالة أو عينياً كالرهن أو كان حقاً في الحبس.
وأياً كان تاریخ وجوده، أي سواء وجد هذا التأمين قبل إنعقاد الكفالة أم بعدها.
أما إذا كان الضمان ينحصر في مجرد حق الضمان العام المقرر لكل دائن على أموال مدينه فإن النص لا ينصرف إليه ولا يجوز بالتالى الدفع بإضعاف التأمينات المجرد أن الدائن أهمل أو قصر في المحافظة على الضمان العام .
وبناءً على ذلك إذا تباطأ الدائن في مطالبة المدين حتى أعسر أو قصر في رفع الدعوى البوليصية أو الدعوى غير المباشرة أو منح المدين أجلاً جديداً أو تنازل عن إجراء تنفيذي أو تحفظى أو أهمل في إتخاذه فإنه لا يكون قد أضاع تأميناً خاصاً.
ولا ينطبق النص إذا لم يكن هناك تأمين خاص، ولكن الدائن أهمل فقط في إكتساب تأمين خاص.
وإضاعة التأمين الخاص تكون بأية وسيلة تنشأ بخطأ الدائن وتقصيره، وعدم المحافظة على هذا التأمين مثل ذلك إهمال قيد الرهن أو تجديده، وهلاك الشي المحمل برهن حيازي أو بإمتياز بفعل الدائن نفسه.
وقد تكون إضاعة التأمين عن طريق عدم الإفادة منه الإفادة الطبيعية، مثل التنازل عن أولويته في مرتبة الرهن، بل قد تكون إضاعة التأمين الخاص بإبراء الدائن أحد الكفلاء أو تنازله عن حقه في الحبس أو عن الرهن .
الشرط الثاني :
أن تكون إضاعة التأمينات بخطأ الدائن :
وهذا الخطأ قد يكون بفعل إيجابي كإبراء أحد الكفلاء أو التنازل عن الرهن، كما قد يكون بفعل سلبي مثل عدم قيد الرهن أو عدم تجديده.
ويعتبر الدائن مخطئاً في جميع الحالات متى خرج في سلوكه عن سلوك الشخص المعتاد.
وعلى الكفيل أن يثبت أن ضياع التأمين الخاص كان بخطأ الدائن.
والخطأ في هذه الحالة قد يقع من الدائن شخصياً أو قد يقع ممن يسأل الدائن عن أعماله كالوكيل أو التابع.
وبالترتيب على ذلك إذا كانت إضاعة التأمينات بسبب آخر، كما إذا هلك الشيء محل الرهن بسبب القوة القاهرة أو بفعل الغير أو بفعل المدين أو الكفيل فلا يكون الدائن مسئولاً، وبالتالي لا يكون للكفيل أن يدفع بإضاعة التأمينات.
الشرط الثالث :
حصول ضرر للكفيل بسبب إضاعة التأمينات :
يشترط أن يترتب على إضاعة التأمينات حدوث ضرر للكفيل.
ويعتبر الضرر متحققاً في هذا الشأن بمجرد ضياع تأمين منتج ولو كان المدين موسراً أو كان الدين المكفول مضموناً أيضاً بتأمينات أخرى كافية لوفاء الدين، لأن مجرد ضياع تأمين منتج من شأنه أن ينقص ضمانات الدين ويزيد إحتمالات عدم تحصيله وليس للدائن أن يعترض على ذلك بيسار المدين أو بأن التأمينات الباقية تجاوز قيمة الدين المكفول، لأن إعتراضه يكون مردوداً بأنه لا مصلحة له إذن والحال هذه في أن يتمسك بالكفالة.
ليس لغير الكفيل أن يتمسك بالدفع بإضاعة التأمينات، سواء أكان كفيلاً متضامناً أم كفيلاً عادياً.
ويجوز للكفيل الذي نزل عن حق التجريد أن يتمسك بهذا الدفع.
أما الكفيل العيني فيرى معظم الشراح أن له حق التمسك بالدفع، لأنه كالكفيل الشخصي لم يلتزم إلا بصفة تبعية وأنه مثله لم يتعهد إلا مع مراعاة الضمانات الموجودة وقت تعهده.
ولكن البعض يرى أنه ليس له الحق في التمسك بالدفع، لأن الكفيل العيني لم يتعهد شخصيا بدفع الدين، وهذا فرق بينه وبين الكفيل الشخصي، وبما أن المادة لم تقرر إلا لمصلحة الكفيل الشخصي، وهي تقرر حكماً إستثنائياً فيجب عدم التوسع فيه.
يترتب على توافر الشروط اللازمة لصحة الدفع بإضاعة الدائن التأمينات بخطئه أن تبرأ ذمة الكفيل بقدر ما أضاعه الدائن بخطئه من تأمين خاص.
ويجب على الكفيل التمسك في مواجهة الدائن ببراءة ذمته لاضعافه التأمينات، لأن ذلك لا يقع بقوة القانون، فالدفع لا يتعلق بالنظام العام.
ويجوز له التمسك به ولو أمام محكمة الإستئناف، إلا أنه لا يجوز له التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر، الصفحة : 478)
الإلتزام بالمحافظة على التأمينات الخاصة وإحلال الكفيل فيها عند وفائه الدين - إذا كان الدين المكفول مضموناً أيضاً بتأمينات أخرى خاصة ، وجبه على الدائن أن يحافظ على هذه التأمينات حتى يستطيع أن يحل فيها الكفيل إذا ما وفي الدين المكفول ، وعليه أن يبذل في المحافظة على هذه التأمينات ما يبذله الرجل المعتاد من عناية ، وإلا كان مسئولاً عما أضاعه من هذه التأمينات بتقصيره، ووقعت المقاصة بين إلتزامه بالتعويض و إلتزام الكفيل .
ولذلك نصت المادة 784 مدنی فقرة أولى على أن « تبرأ ذمة الكفيل بقدر ما أضاعه الدائن بخطئه من الضمانات وهي تقابل المادة 633/510 مدني قديم ، وكان هذا النص الأخير قد أثار خلافاً بشأن الضمانات التي يلتزم الدائن بالمحافظة عليها وإحلال الكفيل فيها عند وفائه بالدين ، فقررت بعض الأحكام أن المقصود هو التأمين الإتفاقي كالرهن التأميني أو الرهن الحيازي ، وذهبت الكثرة الى أن المقصود هو كل تأمين خصص لوفاء الدين ولو كان تأميناً قانونياً، كما ثار الخلاف أيضاً بشأن التأمينات التي توجد بعد قيام الكفالة وهل يشملها النص وقد جرى القضاء على أن هذه التأمينات لم يقصدها المشرع فلا يترتب على ضياعها بخطط الدائن إبراء الكفيل ، ولكن أخذ على هذا الرأي أن التزام الدائن بالمحافظة على التأمينات يقابل حق الكفيل في الحلول محل الدائن في الرجوع على المدين ، وأنه من المسلم أن الكفيلة يحل محل الدائن في كل ما له من تأمينات ولو تقررت بعد الكفالة ، فيجب على الدائن أن يحافظ على هذه التأمينات كما يجب عليه أن يحافظ على التأمينات التي كانت موجودة وقت الكفالة وقد قضى التقنين الحالي على كل هذه الخلافات بالنص في المادة 784 فقرة ثانية منه على أنه " يقصد بالضمانات في هذه المادة كل تأمين يخصص لضمان الدين ولو تقرر بعد الكفالة وكل تأمين مقرر بحكم القانون ".
وليس يكفي أن يحافظ الدائن على هذه الضمانات محافظة الرجل المعتاد ، بل يجب أيضاً أن يقوم بكل ما يلزم ليحل الكفيل محله فيها بمجرد إستيفاء حقه منه.
فإذا كان الدين مضموناً بمنقول مرهون أو محبوس ، وجب على الدائن أن يتخلى عنه الكفيل ( المادة 787 فقرة ثانية ).
أما اذا كان الي بين مضموناً بتأمين عقاري ، فإن الدائن يلتزم أن يقوم بالإجراءات اللازمة لنقل هذا التأمين ، ويتحمل الكفيل مصروفاته النقل على أن ميرجع بها على المدين (المادة 787 فقرة ثالثة).
الدفع بإضاعة التأمينات - وتقدم في نبذة 51 أن الدائن ملتزم بالمحافظة على التأمينات الخاصة الضامنة للدين المكفول وبإحلال الكفيل فيها عند وفائه الدين ، فيقابل هذا الإلتزام المفروض على الدائن حق للكفيل في التعويض عما أضاعه الدائن بخطئه من التأمينات الخاصة ، ويجوز له بمقتضى هذا الحق أن يدفع مطالبة الدائن إياه بالقدر الذي يستحق به تعويضاً عن التأمينات التي ضاعت ويثبت هذا الحق للكفيل ولو كان متضامناً مع المدين ، والراجح أنه يثبت للكفيل العيني كما يثبت للكفيل الشخصي .
ويشترط في ثبوت هذا الدفع الكفيل قوافي ثلاثة شروط :
(1) أن يكون الدين المكفول مضموناً أيضاً بتأمينات خاصة.
(2) أن يضيع الدائن شیئاً من هذه التأمينات الخاصة بخطأ منه.
(3) أن يترتب على إضاعة هذه التأمينات ضرر للكفيل.
الشرط الأول - وجود تأمينات خاصة - يشترط أولاً في ثبوت هذا الدفع أن يكون الدين المكفول مضموناً أيضاً بتأمينات خاصة ، وقد صرحت بذلك المادة 784 مدني فانها بعد أن قررت في فقرتها الأولى مبدأ براءة ذمة الكفيل بقدر ما أضاعه الدائن بخطئه من الضمانات ، أوضحت في فقرتها الثانية المقصود بهذه الضمانات بأنه كل تأمين يخصص الضمان الدين ولو تقرر بعد الكفالة وكل تأمین مقرر بحكم القانون.
فإذا كان الدين المكفول ليس مضموناً فيما عدا الكفالة بغير حق الضمان العام المقرر للدائن على جميع أموال مدينه ، فلا يثبت هذا الدفع الكفيل ولو أهمل انوائن في إستعمال حق الضمان بأن تهاون في مطالبة المدين حتى أعسر أو بأن قصر في الطعن في بعض تصرفات المدين بعدم نفاذها في حقه أو في إستعمال حقوق المدين من طريق الدعوى غير المباشرة ، لأن الدائن في جميع هذه الأحوال لا يكون قد أضاع تأمينات خاصة فلا تنطبق عليه المادة 784 ، وإذا جازت مؤاخذته على ما قد يكون وقع منه من إهمال أو تقصير ، فلن يكون ذلك بمقتضى هذه المادة بل بمقتضى المادة 785 التي توجب عليه أن لا يتأخر في إتخاذ إجراءات المطالبة أكثر مما يتأخر في ذلك الرجل المتوسط العناية وسنرى أن ثمة فرقاً مهما في شروط تطبيق كل من هاتين المادتين فيما يتعلق بركن الضرر ( انظر ما سيجيء في نبذة 71 ) .
وبناء على ذلك فلا بد في التمسك بالدفع باضاعة التأمينات من أن يكون الدين المكفول مضمونا أيضا أما بكفالة أخرى شخصية أو عينية ، وأما برهن رسمي أو حيازی ، وأما بحق اختصاص أو حق إمتياز ، و اما بحق حبس أو بتضامن مع مدين آخر إلخ ، أي أنه لا يشترط أن يكون التأمين الخاص تأميناً عينياً ، بل يجوز أن يكون تأميناً شخصياً كالكفالة والتضامن أو أية وسيلة أخرى من وسائل الضمان الحق في الحبس ولا يشترط أن يكون تأميناً اتفاقياً بل يجوز أن يكون قضائيا كحق الإختصاص أو قانونياً كحق الإمتياز ، ولا يشترط أن يكون مقرراً على مال للمدين بل يجوز أن يكون مقرراً على مال غيره كالكفيل العيني والحائز ، ولا يلزم أن يكون مقرراً وقت نشوء الدين المكفول أو وقت الكفالة بل يكفي أن يكون قد تقرر قبل براءة ذمة الكفيل .
ولا عبرة في ذلك بنقص الضمان العام المقرر للدائن على جميع أموال مدينه ، ولا بإغفال الدائن إتخاذ إجراء تحفظي على بعض أموال مدينه.
الشرط الثاني - إضاعة تأمين خاصی بخطأ الدين - متى كان الدين المكفول مضموناً أيضاً بتأمين خاص ، وجب على الدائن المحافظة على هذا التأمين الخاص ، ولزمه أن يبذل في ذلك من العناية ما يبذله الرجل المعتاد، أي أن التزامه بالمحافظة على هذا التأمين يعتبر إلتزاماً بوسيلة ، فلا يعتبر مجرد ضياع التأمين خطأ من الدائن يستوجب مساءلته ، بل يجب على الكفيل أن يثبت أن الضياع كان نتيجة سلوك الدائن مسلكاً ما كان يسلكه الرجل المعتاد ، أي أنه نتيجة مسلك من الدائن يعتبر خطأ .
فإذا ضاعت التأمينات بسبب أجنبي عن الدائن كالقوة القاهرة أو خطا الغير أو خطأ المدين أو خطأ الكفيل نفسه ، فلا محل لمساءلة الدائن عن ذلك ولا يثبت الكفيل الدفع بإضاعة التأمينات.
أما إذا ضاعت التأمينات الخاصة بخطأ الدائن أو خطأ شخص ممن هو مسئول عنهم سواء كان هذا الخطأ فعلاً إيجابياً أو تركاً ، فإن الدائن يكون مسئولاً ويثبت للكفيل الحق في براءة ذمته بقدر ما ضاع من التأمينات الخاصة ومثل ذلك أن يبرىء الدائن أحد الكفلاء ، أو ينزل عن حق رهن أو عن إستعمال حق التقدم الذي تخوله إياه مرتبة رهنه أو يهمل في قيد الرهن أو تجديده أو في استئناف حكم صادر بالغائه ، أو يقصر في المحافظة على الشيء المحبوس لديه أو المرهون حيازياً فيتسبب في هلاكه ، أو يقصر في إسترداد الشيء المرهون حيازياً إذا خرج من حيازته أو في توقيع الحجز الاستحقاقي على المنقولات التي نقلت من العين المؤجرة إلخ .
الشرط الثالث - حصول ضرر الكفيل بسبب اضاعة التأمينات - تقدم أن الدفع بإضاعة التأمينات مبني على أساس إلتزام الدائن بالمحافظة على هذه التأمينات و مسئوليته عن الإخلال بهذا الإلتزام إذا ترتب عليه ضرر للكفيل فحصول ضرر للكفيل بسبب إضاعة التأمينات يعتبر شرطاً أساسياً المسئولية المدائن ولثبوت الحق للكفيل في الدفع بإضاعة التأمينات.
ويعتبر ركن الضرر متحققاً في هذا الشأن بمجرد ضياع تأمین منتج ، ولو كان المدين موسراً أو كان الدين المكفول مضموناً أيضاً بتأمينات أخرى كافية لوفاء الدين ، لأن مجرد ضياع تأمین منتج من شأنه أن ينقص ضمانات الدين ويزيد إحتمالات عدم تحصيله وليس للدائن أن يعترض على ذلك بيسار المدين أو بأن التأمينات الباقية تجاوز قيمة الدين المكفول ، لأن إعتراضه يكون مردوداً بأنه لا مصلحة له إذن و الحال هذه في أن يتمسك بالكفالة.
أما إذا كان التأمين الذي أضاعه الدائن غير منتج ككفالة شخص أصبح معسراً ، أو رهن متأخر على عقار مثقل بديون تجاوز قيمته ، فلا يترتب على إضاعته ضرر الكفيل ولا يثبت بضياعه حق للكفيل في براءة ذمته .
ويلاحظ أن ركن الضرر في هذا الدفع يختلف عنه في الدفع بتأخر الدائن في مطالبة المدين ، ذلك أن الضرر في الدفع الأول يتوافر بمجرد نقص التأمينات الخاصة ولو كان المدين موسراً أو كان الباقي من التأمينات الخاصة يفي بالدين المكفول ، أما في الدفع الثاني فإن رکن الضرر لا يتوافر إلا اذا ترتب على تأخر الدائن تعذر تحصيل الدين المكفول كله أو بعضه من المدين بسبب ما طرأ على المدين في أثناء فترة التأخير من إعسار أو زيادة في الأعمار أو ما طرأ على التأمينات الخاصة من نقص لا تفي بكل الدين المكفول .
إثبات هذه الشروط يقع على الكفيل الذي يتمسك بهذا الدفع إثبات شروطه - فيجب عليه أولاً أن يثبت أن الدين المكفول كان مضموناً أيضاً بتأمين خاص معين ، وأن يثبت ثانياً أن هذا التأمين قد ضاع أو فقد ، وثالثاً أن ضياعه أو فقده كان بخطأ الدائن أو خطأ ممن يسأل عنهم الدائن ، ومتى أثبت الكفيل كل ذلك فرض في التأمين الذي ضاع أنه كان منتجاً ، وذلك جرياً مع الغالب ، فلا يكلف الكفيل بإثبات ركن الضرر ، بل يفرض توافره إلى أن يثبت الدائن أن التأمين الذي ضاع لم يكن منتجاً ، فينفي بذلك قرينة توافر الضرر ويدفع المسئولية عن نفسه ويجعل الدفع بإضاعة التأمينات على غير أساس .
حكم إضاعة التأمينات - متى توافرت شروط الدفع بإضاعة التأمينات ، ثبت الكفيل حق مؤاخذة الدائن على إضاعتها سواء من طريق الدفع في المطالبة الموجهة إليه أو من طريق الدعوى الأصلية ولكن لا يترتب على توافر هذه الشروط براءة ذمة الكفيل بقوة القانون .
والغالب أن يستعمل الكفيل حقه في ذلك من طريق الدفع بإضاعة التأمينات وهو دفع موضوعی يجوز للكفيل التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الإستئناف .
على أنه لا مانع من أن يستعمل الكفيل حقه في ذلك من طريق الدعوى ودون إنتظار مطالبة الدائن إياه ، فيرفع هو على الدائن دعوى يطلب فيها تقرير براءة ذمته من الكفالة بسبب إضاعة الدائن التأمينات.
وفي كلتا الحالين لا يحكم ببراءة ذمة الكفيل إلا بقدر قيمة ما أضاعه الدائن من التأمينات ، فإذا ضاع من التأمينات ما يساوي قيمة الدين كله حكم ببراءة ذمة الكفيل براءة تامة ، وإذا كان ما ضاع من التأمينات أقل من قيمة الدين حكم ببراءة الكفيل براءة جزئية أي بقدر قيمة ما ضاع من التأمينات فقط .
على أن حق الكفيل في براءة ذمته لإضاعة التأمينات يعتبر حقاً خالصاً له غیر متعلق بالنظام العام ، فيجوز له أن ينزل عنه ، ويعتبر رضاه بذلك بمثابة إتفاق على إعفاء الدائن من المسئولية عن إضاعة التأمينات ، يسري هذا الإتفاق إذا كان الغرض منه إعفاء الدائن من مسئوليته عن خطئه اليسير ولكنه لا يسري لإعفاء الدائن من مسئوليته عن غشه أو عن خطئه الجسيم (المادة 217 فقرة ثانية مدنى). (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : التاسع ، الصفحة :81)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 309
آثَارُ الْكَفَالَةِ:
أَوَّلاً: عَلاَقَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ بِالْكَفِيلِ:
يَخْتَلِفُ الأْمْرُ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ أَوْ بِالنَّفْسِ.
أ - كَفَالَةُ الْمَالِ:
قَدْ يَكُونُ الْمَالُ الْمَكْفُولُ بِهِ دَيْنًا، وَقَدْ يَكُونُ عَيْنًا.
1 - كَفَالَةُ الدَّيْنِ:
يَتَعَلَّقُ بِكَفَالَةِ الدَّيْنِ أَحْكَامٌ هِيَ:
حَقُّ الْمُطَالَبَةِ:
33 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الدَّائِنَ الْمَكْفُولَ لَهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَ حُلُولِهِ دُونَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِتَعَذُّرِ مُطَالَبَةِ الأْصِيلِ الْمَكْفُولَ عَنْهُ، كَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُطَالِبَ الأَْصِيلَ بِهِ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ ذِمَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَشْغُولَةٌ بِالدَّيْنِ جَمِيعِهِ، فَكَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ أَيِّهِمَا شَاءَ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ رِوَايَةٌ - جَرَى عَلَيْهَا الْعَمَلُ فِي بَعْضِ الْبِلاَدِ - وَهُوَ الأْظْهَرُ، تُقَرِّرُ نَفْسَ الْحُكْمِ.
وَعِنْدَهُمْ رِوَايَةٌ أُخْرَى لاَ تُجِيزُ لِلدَّائِنِ الْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ بِالدَّيْنِ الْمَكْفُولِ بِهِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَالأْصِيلُ حَاضِرٌ مُوسِرٌ لَيْسَ ذَا لَدَدٍ فِي الْخُصُومَةِ وَلاَ مُمَاطِلاً فِي الْوَفَاءِ، أَوْ كَانَ الأْصِيلُ غَائِبًا وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الاِسْتِيفَاءُ مِنْهُ بِدُونِ بُعْدٍ وَمَشَقَّةٍ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدِ اشْتَرَطَ فِي عَقْدِ الْكَفَالَةِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَقِّ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ إِنَّمَا وَجَبَ ابْتِدَاءً عَلَى الأْصِيلِ ، وَالْكَفَالَةُ وَثِيقَةٌ فَلاَ يُسْتَوْفَى الْحَقُّ مِنْهَا إِلاَّ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنَ الأْصِيلِ ، كَالرَّهْنِ .
حُقُوقُ الْكَفِيلِ قَبْلَ الدَّائِنِ:
36 - إِذَا كَانَ الضَّمَانُ بِإِذْنِ الأْصِيلِ كَانَ لِلْكَفِيلِ الْحَقُّ فِي مُطَالَبَةِ الدَّائِنِ - إِذَا مَا تُوُفِّيَ الأْصِيلُ قَبْلَ الْوَفَاءِ - أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تَرِكَةِ مَدِينِهِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ، أَوْ مَا يَخُصُّهُ مِنْهَا عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ، أَوْ يُبْرِئَهُ، لِيَتَجَنَّبَ بِذَلِكَ احْتِمَالَ تَلَفِهَا وَعَدَمَ الرُّجُوعِ فِيهَا إِذَا مَا وَفَّى الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ، وَيَثْبُتُ هَذَا الْحَقُّ لِلضَّامِنِ عِنْدَمَا يُفَلِسُ الأْصِيلُ ، فَيَطْلُبُ الدَّائِنُ بَيْعَ مَالِ الأْصِيلِ لِيَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ أَوْ مَا يَخُصُّهُ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلضَّامِنِ - إِذَا مَا طَالَبَهُ الدَّائِنُ بِالدَّيْنِ - أَنْ يَدْفَعَ طَلَبَهُ بِأَنَّ الْمَدِينَ حَاضِرٌ مُوسِرٌ فَيَجِبُ مُطَالَبَتُهُ أَوَّلاً، أَوْ بِأَنَّ لِلْمَدِينِ مَالاً حَاضِرًا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ مِنْهُ بِدُونِ مَشَقَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَدِينُ حَاضِرًا، وَلِلضَّامِنِ - عِنْدَهُمْ - حَقُّ الاِعْتِرَاضِ عَلَى تَأْجِيلِ الدَّائِنِ الدَّيْنَ لِلْمَدِينِ عِنْدَ يَسَارِهِ، فَيُخَيَّرُ الدَّائِنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا عُدُولُهُ عَنِ التَّأْجِيلِ، وَإِمَّا إِمْضَاؤُهُ التَّأْجِيلَ وَإِبْرَاؤُهُ مِنَ الْكَفَالَةِ.
كَذَلِكَ لِلضَّامِنِ أَنْ يُلْزِمَ الدَّائِنَ بِمُطَالَبَةِ الْمَدِينِ بِالدَّيْنِ إِذَا مَا حَلَّ أَجَلُهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُفْلِسَ إِذَا كَانَ الْمَدِينُ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ، وَإِلاَّ أَسْقَطَ الْكَفَالَةَ .
2 - كَفَالَةُ الْعَيْنِ:
37 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ إِذَا كَفَلَ عَيْنًا مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا - فَإِنَّهُ يَلْتَزِمُ بِتَسْلِيمِهَا مَا دَامَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ هَلَكَتْ أُلْزِمَ بِرَدِّ الْمِثْلِ إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً أَوْ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ إِنْ كَانَتْ قِيَمِيَّةً.
وَإِذَا كَفَلَ عَيْنًا مَضْمُونَةً بِغَيْرِهَا، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِلاَّ تَسْلِيمُهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ هَلَكَتْ سَقَطَتِ الْكَفَالَةُ وَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
وَإِذَا كَفَلَ أَمَانَةً وَاجِبَةَ التَّسْلِيمِ، فَإِنَّهُ يَلْتَزِمُ
بِتَسْلِيمِهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ هَلَكَتْ لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِذَا كَفَلَ بِأَمَانَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةِ التَّسْلِيمِ فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ إِذَا ضَمِنَ الْعَيْنَ عَلَى أَنَّهَا إِذَا تَلِفَتْ بِتَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٍ الْتَزَمَ بِرَدِّ الْمِثْلِ أَوْ دَفْعِ الْقِيمَةِ، يَكُونُ مُلْزَمًا بِهَذَا الضَّمَانِ، أَمَّا إِذَا ضَمِنَ تَسْلِيمَهَا بِذَاتِهَا، فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ كَفَالَةِ الأْعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ إِلَى أَنَّ الضَّامِنَ يَلْتَزِمُ بِتَسْلِيمِهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنْ هَلَكَتْ فَعِنْدَهُمْ وَجْهَانِ: أَوَّلُهُمَا يُوجِبُ ضَمَانَهَا عَلَى الْكَفِيلِ، وَالآْخَرُ لاَ يَضْمَنُهُ وَتَنْتَهِي الْكَفَالَةُ .
ب - كَفَالَةُ النَّفْسِ:
38 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وُجُوبُ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَكْفُولِ فِي مَوْضِعٍ يَقْدِرُ الطَّالِبُ فِيهِ عَلَى إِحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ، إِذْ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَقْصُودُ الْعَقْدِ، وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ أَمَامَ الْقَاضِي، فَإِذَا قَامَ بِذَلِكَ انْتَهَتِ الْكَفَالَةُ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ: لَوْ سَلَّمَ الْكَفِيلُ الْمَطْلُوبَ فِي صَحْرَاءَ، فَلاَ يَكُونُ قَدْ أَوْفَى بِالْتِزَامِهِ، وَلَكِنْ لَوْ سَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِهَذَا التَّسْلِيمِ مِنَ الْكَفَالَةِ، حَتَّى لَوْ قُيِّدَتْ بِالتَّسْلِيمِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، إِذِ الْغَرَضُ مِنَ الْكَفَالَةِ تَسْلِيمُ الْمَطْلُوبِ فِي مَكَانٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ إِحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْقَاضِي، فَلاَ يَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ خِلاَفَ مَجْلِسِهِ؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ مِنَ التَّقْيِيدِ.
وَلَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي مِصْرٍ مُعَيَّنٍ، فَسَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ، خَرَجَ مِنَ الْكَفَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْوُصُولُ إِلَى الْحَقِّ أَمَامَ قَاضٍ مُخْتَصٍّ، فَلاَ يَتَقَيَّدُ بِقَاضٍ دُونَ آخَرَ، وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ لاَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ التَّسْلِيمِ مِنَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ الطَّالِبَ وَضَعَ شَرْطًا مُعْتَبَرًا وَهُوَ يَقْصِدُ الإِْلْزَامَ بِهِ، فَقَدْ تَكُونُ حُجَّتُهُ وَبَيِّنَتُهُ فِي هَذَا الْمِصْرِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَلَوْ تَعَدَّدَ الْكُفَلاَءُ بِالنَّفْسِ فَأَحْضَرَ الْمَطْلُوبَ أَحَدُهُمْ، بَرِئَ الْجَمِيعُ إِنْ كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لأِنَّ الْمَكْفُولَ فِيهَا فِعْلٌ وَاحِدٌ - هُوَ إِحْضَارُهُ - فَيَتِمُّ بِأَحَدِهِمْ، وَإِنْ كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِعُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِعَدَدِهِمْ، لَمْ يَبْرَأْ إِلاَّ مَنْ يُحْضِرُ الْمَطْلُوبَ؛ لأِنَّ الْمَكْفُولَ حِينَئِذٍ أَفْعَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ بِعَدَدِهِمْ، فَفِعْلُ أَحَدِهِمْ لاَ يُعَدُّ فِعْلاً لِغَيْرِهِ.
وَيَلْتَزِمُ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِ الْمَطْلُوبِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَلاَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مُهْلَةً إِذَا كَانَ مَحَلُّ الْمَطْلُوبِ مَعْلُومًا، فَإِذَا لَمْ يُحْضِرْهُ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ؛ لأِنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ حَقٍّ لاَزِمٍ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لاَ يَلْزَمُهُ دَيْنُ الْمَطْلُوبِ؛ لأِنَّ مُقْتَضَى كَفَالَةِ الْبَدَنِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - مُجَرَّدُ الاِلْتِزَامِ بِالإْحْضَارِ، إِلاَّ إِذَا شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ كَأَنْ يَقُولَ: إِنْ لَمْ أُحْضِرْهُ. فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، فَيَلْزَمُهُ الدَّيْنُ، وَلاَ يَبْرَأُ مِنَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى إِحْضَارِهِ، وَإِذَا رَفَضَ الْمَطْلُوبُ مُطَاوَعَةَ الْكَفِيلِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ، كَانَ لَهُ مُرَاجَعَةُ الْحَاكِمِ لِيُعِينَهُ بِأَعْوَانِهِ، وَهَذَا إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِأَمْرٍ مِنَ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِهِ، فَلاَ يَمْلِكُ الْكَفِيلُ إِلاَّ إِرْشَادَ الْمَكْفُولِ لَهُ إِلَى مَكَانِهِ، ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَهُمَا.
وَإِذَا ارْتَدَّ الْمَكْفُولُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، لَمْ يَخْرُجِ الْكَفِيلُ مِنَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ لَحَاقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ إِنَّمَا اعْتُبِرَ كَمَوْتِهِ حُكْمًا فِي حَقِّ أَمْوَالِهِ وَقِسْمَتِهَا بَيْنَ وَرَثَتِهِ، أَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ وَتَسْلِيمِ نَفْسِهِ إِلَى خَصْمِهِ، فَيَبْقَى الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ، وَيُمْهِلُهُ الْقَاضِي مُدَّةً مُنَاسَبَةً.
وَإِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ مِنَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّهُ عَجَزَ عَنْ إِحْضَارِهِ؛ وَلأِنَّهُ سَقَطَ الْحُضُورُ عَنِ الأْصِيلِ فَيَسْقُطُ الإْحْضَارُ عَنِ الْكَفِيلِ، وَكَذَا إِذَا مَاتَ الْكَفِيلُ لأِنَّهُ لَمْ يَعُدْ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ، وَمَالُهُ لاَ يَصْلُحُ لإِيفَاءِ هَذَا الْوَاجِبِ بِخِلاَفِ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ، وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِوَارِثِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ بِضَمَانِ الْوَجْهِ يَلْتَزِمُ بِتَسْلِيمِ الْمَطْلُوبِ بَعْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فِي مَكَانٍ يَقْدِرُ فِيهِ الطَّالِبُ عَلَى خَلاَصِ دَيْنِهِ مِنْهُ أَمَامَ الْقَضَاءِ، فَيَبْرَأُ مِنَ الْكَفَالَةِ إِذَا سَلَّمَهُ فِي مَكَانٍ بِهِ حَاكِمٌ أَوْ قَاضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ الَّذِي حَدَثَ بِهِ الضَّمَانُ، كَمَا يَبْرَأُ إِذَا سَلَّمَ الْمَطْلُوبُ نَفْسَهُ لِلدَّائِنِ بَعْدَ حُلُولِ دَيْنِهِ إِنْ أَمَرَهُ الضَّامِنُ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ التَّسْلِيمُ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ، أَوْ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْكَفِيلِ، لَمْ يَبْرَأَ الضَّامِنُ مِنَ الْكَفَالَةِ.
وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُحْضِرَ الضَّامِنُ الْمَضْمُونَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّهُ يُلْزَمُ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ مِنْ بَعْدِ تَلَوُّمٍ (إِمْهَالٍ) خَفِيفٍ - كَالْيَوْمِ - إِنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ الْغَرِيمِ، وَبِلاَ تَلَوُّمٍ إِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ، وَذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إِلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَأَنَّهُ لاَ يَلْتَزِمُ إِلاَّ بِإِحْضَارِهِ.
وَإِذَا أَثْبَتَ الْكَفِيلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ كَانَ مُعْسِرًا عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ خِلاَفًا لاِبْنِ رُشْدٍ، وَكَذَلِكَ لاَ يَلْتَزِمُ بِالضَّمَانِ إِذَا أَثْبَتَ أَنَّ الْمَكْفُولَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ؛ لأِنَّ النَّفْسَ الْمَضْمُونَةَ قَدْ ذَهَبَتْ، أَمَّا إِنْ ثَبَتَ مَوْتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ فَالْغُرْمُ مَاضٍ.
أَمَّا ضَمَانُ الطَّلَبِ: فَلاَ يَلْتَزِمُ فِيهِ الْكَفِيلُ إِلاَّ بِطَلَبِ الْغَرِيمِ بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ صُدِّقَ، وَحَلَفَ أَنَّهُ مَا قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ وَلاَ يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ، فَإِذَا نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ غَرِمَ.
وَكَذَلِكَ يَغْرَمُ إِذَا فَرَّطَ فِي الإِْتْيَانِ بِهِ، أَوْ فِي الدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ عِنْدَ عِلْمِهِ بِمَوْضِعِهِ حَتَّى تَمَكَّنَ مِنَ الْهَرَبِ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ بِالْبَدَنِ يَلْتَزِمُ بِإِحْضَارِ الْغَرِيمِ وَتَسْلِيمِهِ فِي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ إِنْ كَانَ صَالِحًا، وَإِلاَّ تَعَيَّنَ مَكَانُ الْكَفَالَةِ إِنْ صَلَحَ، وَقَيْدُ بَلَدِ التَّسْلِيمِ مُعْتَبَرٌ تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ، وَيَجُوزُ لِلْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَرْفُضَ التَّسْلِيمَ فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ عُيِّنَ مَكَانٌ مُحَدَّدٌ فِي الْبَلَدِ فَفِي الْمُهَذَّبِ: إِنْ أَحْضَرَهُ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ التَّسْلِيمُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ بِقَبُولِهِ فِيهِ، أَوْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي رَدِّهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَلَيْسَ لَهُ غَرَضٌ وَجَبَ قَبُولُهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَسَلَّمْهُ أَحْضَرَ الْكَفِيلُ الْمَطْلُوبَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيَتَسَلَّمَ عَنْهُ وَيَبْرَأَ.
وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ إِذَا سَلَّمَ الْغَرِيمَ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ بِلاَ حَائِلٍ يَمْنَعُ الطَّالِبَ مِنْهُ، كَمُتَغَلِّبٍ يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَبْرَأُ.
وَكَذَلِكَ يَبْرَأُ مِنَ الْكَفَالَةِ إِذَا سَلَّمَ الْمَكْفُولُ نَفْسَهُ، مُظْهِرًا أَنَّهُ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ بَرَاءَةً لِلْكَفِيلِ، وَلاَ يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ دُونَ إِظْهَارِ ذَلِكَ.
وَإِذَا غَابَ الْمَطْلُوبُ لَمْ يُلْزَمِ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِهِ إِنْ جُهِلَ مَكَانُهُ لِقِيَامِ عُذْرِهِ، فَإِنْ عُلِمَ مَكَانُهُ لَزِمَهُ إِحْضَارُهُ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ، وَيُمْهَلُ مُدَّةَ الذَّهَابِ وَالإْيَابِ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ مَا لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ لأِنَّهُ مُقَصِّرٌ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ مَسَافَةَ قَصْرٍ لَمْ يُلْزَمْ إِحْضَارَهُ، وَالأْصَحُّ : أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ أَوْ هَرَبَ أَوْ تَوَارَى وَلَمْ يُعْرَفْ مَكَانُهُ لَمْ يُطَالَبَ الْكَفِيلُ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ : أَنَّهُ يَغْرَمُ، وَالأْصَحُّ : أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ تَغْرِيمَ الْكَفِيلِ الْمَالَ عِنْدَ عَدَمِ إِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بَطَلَتْ؛ لأِنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ : أَنَّ الْكَفَالَةَ تَصِحُّ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ .
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ إِذَا وَقَعَتْ مُطْلَقَةً عَنِ الْمَكَانِ تَعَيَّنَ إِحْضَارُ الْمَكْفُولِ فِي مَحَلِّ الْكَفَالَةِ، فَإِنْ تَعَيَّنَ الْمَكَانُ بِالْعَقْدِ وَجَبَ إِحْضَارُهُ فِيهِ، وَإِذَا سَلَّمَ الْمَكْفُولُ نَفْسَهُ فِي زَمَانِ التَّسْلِيمِ وَمَكَانِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِذَلِكَ كَمَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ.
وَإِذَا غَابَ الْمَكْفُولُ، وَعَلِمَ الْكَفِيلُ بِمَكَانِهِ، أُمْهِلَ بِقَدْرِ مَا يَمْضِي إِلَى هَذَا الْمَكَانِ وَيُحْضِرُهُ، فَإِنْ مَضَى إِلَيْهِ وَلَمْ يُحْضِرْهُ لِتَوَارِيهِ أَوْ هَرَبِهِ أَوِ امْتِنَاعِهِ، لَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، إِلاَّ إِذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنَ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ لَزِمَهُ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ مِنَ الدَّيْنِ لِتَقْصِيرِهِ فِي تَقَصِّي حَالِهِ، فَكَانَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مُتْلِفًا.
وَإِذَا ضَمِنَ شَخْصٌ لآِخَرَ مَعْرِفَةَ إِنْسَانٍ، كَأَنْ جَاءَ إِنْسَانٌ إِلَى آخَرَ يَسْتَدِينُ مِنْهُ - مَثَلاً - فَقَالَ لَهُ: لاَ أَعْرِفُكَ فَلاَ أُعْطِيكَ، فَجَاءَ شَخْصٌ وَضَمِنَ لَهُ مَعْرِفَتَهُ، فَدَايَنَهُ، ثُمَّ غَابَ الْمُسْتَدِينُ أَوْ تَوَارَى، أَخَذَ الضَّامِنَ بِالدَّيْنِ، مَا لَمْ يُعَرِّفِ الدَّائِنَ بِالْمَدِينِ .
انْتِهَاءُ الْكَفَالَةِ:
44 - انْتِهَاءُ الْكَفَالَةِ يَعْنِي بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ مِمَّا الْتَزَمَ بِهِ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ، وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْبَرَاءَةُ تَابِعَةً لاِنْتِهَاءِ الْتِزَامِ الْمَدِينِ؛ لأِنَّ الْتِزَامَ الْكَفِيلِ تَابِعٌ لاِلْتِزَامِ الأْصِيلِ ، وَإِذَا سَقَطَ الأْصْلُ سَقَطَ التَّبَعُ، كَمَا تَكُونُ هَذِهِ الْبَرَاءَةُ بِصِفَةٍ أَصْلِيَّةٍ، فَتَنْتَهِي الْكَفَالَةُ وَيَبْقَى الْتِزَامُ الأْصِيلِ ، إِذْ لاَ يَلْزَمُ مِنَ انْتِهَاءِ الاِلْتِزَامِ التَّابِعِ انْتِهَاءُ الاِلْتِزَامِ الأْصْلِيِّ، وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ لاِنْتِهَاءِ الْكَفَالَةِ حَالَتَانِ: انْتِهَاؤُهَا تَبَعًا لاِنْتِهَاءِ الْتِزَامِ الأْصِيلِ ، وَانْتِهَاؤُهَا بِصِفَةٍ أَصْلِيَّةٍ.