loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة : 479

مذكرة المشروع التمهيدي :

الفقرة الأولى اقتبسها المشروع من أحكام القضاء المصري وهي تقرر في جزئها الأول حكماً مجمعاً عليه ، وهو أن الكفيل لاتبرأ ذمته لمجرد تأخر الدائن في إتخاذ الإجراءات ، أو لمجرد أنه لم يتخذها ، لأن للكفيل الحق في الرجوع على المدين بمجرد حلول الأجل حتى لو مد الدائن الأجل له على أنه قد تصدر من الدائن أعمال إيجابية (كتنازله عن حجز تنفيذي أو تحفظي أو حجز مال مدينه لدى الغير أو إجراءات التنفيذ العقاري أو وضع أموال المدين تحت الحراسة ، أو إيداع المبالغ الناتجة من بيع المنقولات في خزينة المحكمة ) أو أعمال سلبية ( كعدم قيامه باتخاذ إجراء تنفيذي أو تحفظى لا يستطيع الكفيل القيام به لجهله إياه أو لعدم وجود المستندات اللازمة لإجرائه ، وكذلك عدم التقدم في التوزيع أو سقوط الحق بسبب التأخر أو الإهمال في القيام بإجراء معين أو إبراز مستند ما ) لا يترتب عليها ضياع التأمينات ، ولكنها مع ذلك تؤثر في حق الكفيل فتضيعه أو تنتقص منه كل ه ذه الأعمال يجب أن يسأل عنها الدائن طبقاً لقواعد المسئولية، مادام قد ترتب عليها ضرر للكفيل والتقنين الحالى لم يتعرض لذلك ، ولكن بعض التقنينات الحديثة أوردت نصوصاً في هذا الصدد ( أنظر مثلاً التقنين الألماني م 776) والمشروع ، قياسا على هذه التقنينات ، أورد هذه الفقرة مقتبساً حكمها من القضاء المصرى (راجع استئناف مختلط 7 ديسمبر 1915 ب 28 ص 46).

والفقرة الثانية استمد المشروع فكرتها من المشروع الفرنسي الإيطالي (م 739).

والتقنين السويسري (م 502) والتقنين البولوني (م 637) .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 1156

( يراجع بشأنها ما قررته اللجنة عن المادة السابقة )

المشروع في مجلس النواب

تقرير لجنة الشئون التشريعية :

( يراجع بشأنها ما جاء في تقرير اللجنة عن المادة السابقة ) - وأصبح رقم المادة 852 .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة الخامسة والثلاثين

تليت المادة 852 التي لا تبریز براءة ذمة الكفيل لمجرد أن الدائن تأخر في إتخاذ الإجراءات أو لمجرد أنه لم يتخذها إلا إذا ترتب على خطئه ضرر للكفيل و بقدر هذا الضرر.

فاعترض معالي حلمي عيسى باشا على النص وطالب بحذفه لأنه سيترتب عليه إشكالات كثيرة في العمل ويجب ترك تقديرها للقضاء لا لنص تشریعی .

فأجاب معالي السنهورى باشا بأن هذا النص تقنين لما استقر عليه القضاء في مصر في هذا الموضوع بعد أن تردد كثيراً في أول الأمر في تقريره بسبب وجود خفاء فيما إذا كان التأخر في اتخاذ إجراءات تحفظية أو تنفيذية يمكن أن يعتبر خطأ تطبيقاً القواعد المسئولية التقصيرية .

ومع ذلك أصر حلمي عيسى باشا على حذف الفقرة الأولى من المادة المذكورة .

قرار اللجنة :

رأت اللجنة إرجاء البت في الفقرة الأولى من المادة 852 والموافقة على الفقرة الثانية منها.

محضر الجلسة الثانية والخمسين

تليت المادة 852 وأعيدت المناقشة فيها فاتجه الرأي إلى حذف عبارة , إلا إذا ترتب على خطئه ضرر للكفيل و بقدر هذا الضرر ، من الفقرة الأولى اكتفاء بالقواعد العامة ، وقد عارض كل من سعادة الرئيس وأحمد رمزي بك الرجوع إلى القواعد العامة في هذا الشأن لأن الكفيل ضامن على كل حال ولكن الأغلبية وافقت على الحذف.

قرار اللجنة :

قررت الأغلبية حذف العبارة المذكورة الأن في القواعد العامة في المسئولية التقصيرية ما يغني عن المعنى الذي قصدت هذه العبارة إلى استظهاره.

تقرير اللجنة :

أخذت اللجنة بالتعديل الذي أقره مجلس النواب إلا أنها حذفت من نهاية الفقرة الأولى عبارة «إلا إذا ترتب على خطئه ضرر للكفيل وبقدر هذا الضرره لأن في القواعد العامة في المسؤولية التقصيرية ما يغني عن المعنى الذي قصدت هذه العبارة إلى استظهاره».

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة

الأحكام

1- إذ تمسك المطعون ضده " الكفيل " بحكم المادة 784 من القانون المدنى وطلب براءة ذمته من دين الضريبة لأن الطاعن وهو الدائن قد أضاع بتقصيره التأمين الخاص المقرر لهذه الضريبة وهو حق الإمتياز المنصوص عليه بالمادة 27 من القانون رقم 56 لسنة 1954 بشأن الضريبة على العقارات المبنية والمقرر على المبانى قبل إزالتها وعلى الأنقاض بعد هدمها ، وكان مفاد المادة 27 سالفة الذكر أن للحكومة حق إمتياز خاص بدين الضريبة على المبانى فإن الحكم المطعون فيه إذ رتب على أن الطاعن " الدائن " هو الذى تسبب بخطئه فى ضياع هذا الضمان الخاص المقرر بحكم القانون لدين الضريبة ، أن ذمة الكفيل  المطعون ضده  تبرأ بقدر ما أضاع الدائن من هذه الضمانات ، فإنه لا يكون قد خالف حكم المادة 784 من القانون المدنى ، ولا محل لما يثيره الطاعن من أن تأخيره فى المطالبة بالضريبة لا يترتب عليه إلا مجرد إضعاف الضمان العام المقرر له على أموال مدينه وهو ما نصت عليهالمادة 785 من القانون المدنى لأنها لا تنطبق على واقعة الدعوى .

(الطعن رقم 78 لسنة 35 جلسة 1969/06/24 س 20 ع 2 ص 1050 ق 163)     

2- لا وجه لما يقوله الطاعن الثالث من أن كفالته قد انقضت لتأخر الدائن فى اتخاذ الإجراءات ضد المدين ذلك لأن قوام هذا النعي التمسك بتطبيق المادة 785 من القانون المدني وهو دفاع قانوني يخالطه واقع لم يسبق التمسك به أمام محكمة الموضوع ولم تكن عناصره الواقعية مطروحة عليها ومن ثم فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 189 لسنة 40 جلسة 1975/03/17 س 26 ع 1 ص 610 ق 122)

3- النص فى الفقرة الثانية من المادة 785 من القانون المدنى على أن " الكفيل يتبرأ إذا لم يقم الدائن باتخاذ الإجراءات ضد المدين خلال ستة أشهر من إنذار الكفيل للدائن ما لم يقدم المدين للكفيل ضماناً كافياً " مؤداه أنه يحق للكفيل عند حلول أجل الدين أن ينذر الدائن إلى وجوب اتخاذ الإجراءات الواجبة قانوناً ضد مدينه خلال ستة أشهر من تاريخ ذلك الإنذار فإذا اتخذ الدائن هذه الإجراءات ضد المدين وسار فى اتخاذها بالعناية اللازمة كان هذا كافياً ويتم ذلك بأن يرفع الدائن دعوى على مدينه يطالبه فيها بدينه إذا كان سند الدين عرفياً أما إذا كان السند تنفيذياً فإنه يجب على الدائن أن يباشر إجراءات التنفيذ على أموال مدينه فإذا لم يتخذ الدائن هذه الإجراءات خلال الستة أشهر من وقت وصول الإنذار إليه ولم يقدم المدين للكفيل ضماناً كافياً برئت ذمة هذا الأخير إذ يعتبر الدائن مخطئاً لمجرد عدم اتخاذ الإجراءات بالرغم من إنذاره بوجوب اتخاذها .

(الطعن رقم 3180 لسنة 79 جلسة 2010/02/08 س 61 ص 185 ق 31)

4- إذ كان البين من الأوراق أن الطاعن باعتباره الكفيل المتضامن مع المطعون ضده الثانى فى الدين المستحق عليه لصالح المصرف المطعون ضده الأول  قد أنذر هذا الأخير بتاريخ 13/8/2003 وبعد حلول أجل الدين بضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة ضد مدينه المذكور خلال ستة أشهر من تاريخ وصول الإنذار إليه وإلا برئت ذمته من هذا الدين إلا أن المطعون ضده الأول قعد عن اتخاذ هذا الإجراء حتى انقضت المدة سالفة البيان ، ولا ينال من ذلك إقامته للدعوى رقم .... لسنة 2003 مستعجل القاهرة بطلب فرض الحراسة القضائية على أعيان لمدينه تمهيداً للمطالبة بدينه ، إذ إن هذه الدعوى فضلاً عن أنها أقيمت قبل الإنذار المؤرخ 13/8/2003 لا تعدو كونها إجراء تحفظياً وقتياً لا يمس الحق أو التنفيذ ولا تعد من الإجراءات الواجب على الدائن اتخاذها قبل مدينه للمطالبة باستيفاء دينه وفقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة 785 مدنى سالفة الإشارة ، فضلاً عن أنه قضى بعدم اختصاص المحكمة نوعياً بنظرها وهو ما يعد بمثابة رفض لها ، وما يترتب عليه من إلغاء كافة الآثار المترتبة على إقامتها ، كما أن مجرد اتفاق المطعون ضده الأول مع مدينه على جدولة دينه لا يعد مبرئاً لهذا الأخير من قالة البطء أو التقصير فى اتخاذ تلك الإجراءات إذ إن مجرد إبرام هذه الجدولة التى لم يكن الطاعن طرفاً فيها لا يفيد فى معنى المطالبة القضائية للدائن بدينه فضلاً عن أنها أبرمت بعد حلول أجل الدين بفترة طويلة ولم تتضمن سوى جدولة الدين المكفول بإطالة مدة سداده بما يثقل كاهل الكفيل بزيادة مدة الكفالة تبعاً لزيادة مدة السداد إذ تضمن عقد الكفالة أنها لا تنقضى إلا بعد سداد كامل الدين المكفول ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ، وجرى فى قضائه باعتبار الحراسة القضائية وجدولة الدين المكفول أمراً كافياً ورفض دعوى الكفيل بإبراء ذمته من هذه الكفالة لمخالفة الدائن حكم الفقرة الثانية من المادة 785 من القانون المدنى ، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 3180 لسنة 79 جلسة 2010/02/08 س 61 ص 185 ق 31)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 785 مدني على ما يأتي :

"1- لا تبرأ ذمة الكفيل لمجرد أن الدائن تأخر في إتخاذ الإجراءات أو لمجرد أنه لم يتخذها " .

"2- على أن ذمة الكفيل تبرأ إذا لم يقم الدائن بإتخاذ الإجراءات ضد المدين خلال ستة أشهر من إنذار الكفيل للدائن ، ما لم يقدم المدين للكفيل ضماناً كافياً ".

ويفترض التقنين هنا أن الدين المكفول قد حل وأن الدائن لم يتخذ الإجراءات للمطالبة بالدين أو أنه تأخر في إتخاذها فنص على حق الكفيل في هذه الحالة في أن ينذر الدائن لإتخاذ الإجراءات ، فإذا لم يتخذها في خلال ستة أشهر من وقت الإنذار ، ولم يقدم المدين للكفيل ضماناً كافياً برئت ذمة الكفيل من الكفالة - وكان التقنين المدني السابق يجعل للكفيل الحق في مطالبة المدين عند حلول الأجل ، إذا منح الدائن للمدين أجلاً جديداً ولم يبرئ الكفيل من الكفالة .

ويبدو أن التقنين المدني الجديد لم ينتظر حتى يمنح الدائن للمدين أجلاً جديداً ، بل أعطى للكفيل الحق في إنذار الدائن في أن يطالب المدين بدينه ، فإذا لم يفعل ذلك في خلال ستة أشهر من وقت إنذار الكفيل إياه برئت ذمة الكفيل ، وذلك ما لم يعطه المدين ضماناً كافياً فنبحث ما يتضمنه هذا الموضوع من مسائل .

لا تبرأ ذمة الكفيل لعدم اتخاذ الدائن إجراءات التنفيذ : إذا حل الدين المكفول ، كان للدائن أن يتخذ إجراءات التنفيذ ، فإذا لم يتخذها ، أو تأخر في اتخاذها ، لم تبرأ ذمة الكفيل لذلك ، بل يبقى ملتزماً بالكفالة ذلك لأن للكفيل ، إذا هو وفى الدين للدائن عند حلول الأجل ، الرجوع على المدين ، حتى لو مد الدائن الأجل للمدين دون رضاء الكفيل .

وجوب إنذار الكفيل للدائن : ولكن الكفيل ، إذا أراد إتخاذ الإحتياطات اللازمة ، وجب عليه أن ينذر الدائن ليتخذ هذا الإجراءات الواجبة قانوناً عند حلول الدين ضد المدين ، وذلك طبقاً لما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 785 مدني سالف الذكر وهذه الفقرة استمدها المشرع من المادة 739 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، ومن المادة 502 من تقنين الإلتزامات السويسري ، ومن المادة 637 من تقنين الإلتزامات البولوني .

ولا يتخذ الكفيل هذا الإحتياط إلا عند حلول أجل الدين المكفول ، أو في أي وقت بعد حلول هذا الأجل ذلك لأن الإنذار يتضمن تنبيه الدائن إلى وجوب إتخاذ الإجراءات الواجبة قانوناً ، ولا يمكن إتخاذ هذه الإجراءات إلا عند حلول أجل الدين .

والعبرة بحلول الأجل الأصلي للدين المكفول.

فإذا حل هذا الأجل ، جاز للكفيل إنذار الدائن ، حتى لو أن الدائن مد للمدين في الأجل المحدد أصلاً.

فالكفيل لا يلتزم باحترام هذا المد إلا إذا كان قد إرتضاه ، فإذا لم يرتضيه جاز له أن يتدرج الدائن عند حلول الأجل الأصلي بأن يتخذ الإجراءات الواجبة قانوناً نحو مطالبة المدين بالمدين .

والمدة التي تسبق هذا الإنذار لا يعتد بها ، فما دام الكفيل لم ينذر الكفيل بإتخاذ الإجراءات الواجبة قانوناً فليس على الدائن إتخاذ هذه الإجراءات ، مع مراعاة ألا يسقط حق الدائن .

ما الذي يترتب على إنذار الكفيل للدائن : تقول الفقرة الثانية من المادة 785 مدني ما يأتي : "على أن ذمة الكفيل تبرأ إذا لم يقم الدائن باتخاذ الإجراءات ضد المدين خلال ستة أشهر من إنذار الكفيل للدائن ، ما لم يقدم المدين للكفيل ضماناً كافياً " يجب إذن ، إذا أنذر الكفيل الدائن ، أن يتخذ الدائن الإجراءات الواجبة ضد المدين ، أو أن يقدم المدين للكفيل ضماناً كافياً في حالة ما إذا لم يتخذ الدائن الإجراءات الواجبة ضد المدين .

فإذا إتخذ الدائن الإجراءات الواجبة قانوناً ضد المدين ، وسار في إتخاذها بالعناية اللازمة كان هذا كافياً ، ويكون ذلك بأن يرفع الدائن الدعوى للمدين يطالبه فيها بالدين ، إذا كان سند الدين عرفياً .

أما إذا كان السند تنفيذياً حكماً كان أو ورقة رسمية ، فانه يجب على الدائن أن يباشر إجراءات التنفيذ على أموال المدين .

فإذا لم يتخذ الدائن الإجراءات الواجبة قانوناً ضد المدين في خلال الستة الأشهر من وقت وصول إنذار الكفيل للدائن ، برئت ذمة الكفيل من الكفالة ، وبذلك ينقضي عقد الكفالة بطريق أصلي ، دون أن ينقضي الدين المكفول .

على أنه يجوز للمدين ، قبل انقضاء الستة الأشهر سالفة الذكر ، أن يقدم للكفيل ضماناً كافياً لما عسى أن يدفعه الكفيل للدائن ويتفق الدائن مع المدين على هذا الضمان الواجب تقديمه للكفيل وقاضي الموضوع هو الذي يقدر ، عند المنازعة ، ما إذا كان الضمان الذي يقدمه المدين للكفيل ضماناً كافياً فإذا قدم المدين للكفيل هذا الضمان الكافي وصل الكفيل إلى ما يبتغيه ، وصار عليه أن ينتظر حتى يطالب الدائن المدين بالدين فإذا دفع المدين الدين للدائن ، وقف الأمر عند هذا الحد ، وبرئت ذمة المدين ، وبرئت ذمة الكفيل تبعاً لذلك أما إذا لم يدفع المدين الدين للدائن ، ورجع الدائن على الكفل بهذا الدين ، كان لدى الكفيل الضمان الكافي الذي قدمه المدين ، فيدفع الدين للدائن ، ويستوفيه من هذا الضمان .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : العاشر ، الصفحة : 296)

يجب على الدائن أن يتخذ إجراءات الرجوع على المدين بمجرد حلول الدين، فإن تأخر في إتخاذها أو إذا لم يتخذها فلا تبرأ ذمة الكفيل الذي له الحق في الرجوع على المدين بمجرد حلول الأجل حتى لو مد الدائن الأجل له، على أنه إذا صدر من الدائن أعمال إيجابية كتنازله عن حجز تنفيذي أو تحفظي أو حجز ما للمدين لدى الغير أو إجراءات التنفيذ العقاري أو وضع أموال المدين تحت الحراسة أو إيداع المبالغ الناتجة من بيع المنقولات في خزينة المحكمة، أو أعمال سلبية كعدم قيامه بإتخاذ إجراء تنفيذي أو تحفظي لا يستطيع الكفيل القيام به لجهله أياه أو لعدم وجود المستندات اللازمة لإجرائه وكذلك التقدم في التوزيع أو سقوط الحق بسبب التأخر أو الإهمال في القيام بإجراء معين أو إبراز مستند ما لا يترتب عليها ضياع التأمينات ولكنها مع ذلك تؤثر في حق الكفيل فتضيعه أو تنقص منه، كل هذه الأعمال يجب أن يسأل عنها الدائن وفقاً لقواعد المسئولية مادام قد ترتب عليها ضرر للكفيل.

يدل ذلك، على أن تأخر الدائن في إتخاذ إجراءات مطالبة الدين، أو عدم إتخاذها، لا يبرئ ذمة الكفيل، وإنما الذي يرتب هذا الأثر، هو أن يترتب على إهمال الدائن، ضرر بالكفيل، إذ لا يكفي الخطأ وحده لتحقق مسئولية الدائن، وإنما يجب أن يترتب عليه ضرر للكفيل ، وفقاً للقواعد العامة في المسئولية المدنية، ويكون الجزاء هو تحمل الدائن وحده الدين وبراءة ذمة الكفيل.

وأقام المشرع قرينة قانونية قاطعة تدل على تحقق الضرر إذا أنذر الكفيل الدائن لإتخاذ إجراءات الرجوع على المدين وإنقضت ستة أشهر دون إتخاذها، وتلك القرينة من شأنها إعفاء الكفيل من عبء إثبات الضرر، وبإعتبارها قاطعة، فإنها تحول دون الدائن ونفي وقوع ضرر للكفيل.

فإن كان الدائن لم يتخذ الإجراءات سالفة الذكر أو تأخر في اتخاذها ظلت الكفالة قائمة بالرغم من ذلك، لكن يجب على الكفيل، حفاظاً على حقه، أن يبادر إلى إنذار الدائن بإتخاذ الإجراءات الكفيلة بإستيفاء الحق بمجرد حلول الدين، أو في وقت لاحق، والعبرة بحلول الأجل الأصلي للدين، فلا يلتزم الكفيل بالاجل الذي منحه الدائن للمدين بعد حلول الأجل الأصلي إلا إذا وافق الكفيل على المد، فإذا لم يتخذ الدائن الإجراءات ضد المدين خلال ستة أشهر من تاريخ الإنذار برئت ذمة الكفيل - سواء كان متضامناً أو غير متضامن م 794 - وتتضمن الإجراءات رفع الدعوى أو استصدار أمر بالأداء للمطالبة بالدين متی كان عند الدين عرفياً، أما إن كان سند الدين تنفيذية كحكم أو سند مذيل بالصيغة التنفيذية، تعيين إتخاذ إجراءات التنفيذ، فإن لم يفعل الدائن ذلك خلال ستة أشهر من وقت وصول الإنذار إليه، برئت ذمة الكفيل وانقضت الكفالة ولكن للمدين قبل إنقضاء هذه الشهور أن يقدم ضمانة كافية للكفيل فإن نازع في هذه الكفاية فصل في ذلك قاضي الموضوع، وفي حالة توفر الكفاية تظل الكفالة ولا ضرر على الكفيل لوجود الضمان الكافي معه.

والستة أشهر، هي مدة سقوط وليست مدة تقادم، ومن ثم لا يرد عليها وقف تو القطاع وتسرى في حق الكافة بمن فيهم الغائب وناقص الأهلية متى استوفى الانذار أوضاعه القانونية، ويكفي في ذلك أن يعلن إعلاناً صحيحاً ، ولم يتطلب القانون بالنسبة له بيانات معينة أو إيضاحاً لقصد الكفيل منه أو إشارة لنص المادة 785 من القانون المدني، إذ يرتب الأنذار أثراً قانونياً أفصحت عنه المادة سالفة الذكر متى أرسل من الكفيل إلى الدائن لحثه على إتخاذ ما يلزم لإستدعاء حقه من المدين.

ولما كان الشريك المتضامن يعتبر مدينة وليس كفيلاً ومن ثم لا يمتد الحكم المتقدم إليه لإنحصاره في الكفلاء .

وقد أراد المشرع بهذا النص حسم الأمر بالنسبة للكفيل حتى لا يظل مهددة المدة طويلة برجوع الدائن عليه ومن ثم كان على الأخير أن يرجع بالدين خلال ستة أشهر من تاريخ الإنذار وإلا قامت قرينة قانونية قاطعة على إبرائه لذمة الكفيل .

فإن كان الكفيل غير متضامن، وجب على الدائن إتخاذ إجراءات الرجوع على الدين أو على المدين والكفيل معاً خلال الأجل سالف البيان أما إن كان الكفيل متضامناً مع المدين، وجب على الدائن إتخاذ إجراءات الرجوع على المدين وحده أو على الكفيل وحده، أو على الاثنين معاً خلال الأجل وإلا سقط حقه في الرجوع على الكفيل . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر ، الصفحة : 698)

وإذا كان الأصل أن تأخر الدائن في الرجوع على المدين أو عدم إتخاذ الإجراءات قبله لا يترتب عليه سقوط حقه في مطالبة الكفيل طبقاً للفقرة الأولى من المادة، إلا أنه ليس معنى ذلك عدم مساءلة الدائن إذا ترتب على تأخره أو عدم قيامه أصلاً بالإجراءات ضد المدين أضرار بالكفيل بل تطبق في هذه الحالة القواعد العامة في المسئولية.

وتطبيق هذه القواعد يؤدي إلى أنه إذا كان تأخر الدائن في إتخاذ الإجراءات، أو عدم إتخاذها أصلاً قبل المدين خطأ ترتب عليه ضرر للكفيل، تبرأ ذمة هذا الأخير بقدر ما أصابه من ضرر.

كما إذا أعسر المدين، وثبت أن هذا الضرر نشأ عن إهمال ارتكبه الدائن .

إنذار الكفيل للدائن :

رأينا في البند السابق أنه إذا تأخر الدائن في إتخاذ الإجراءات أو لم يتخذها أصلاً لا يترتب عليه بمجرده براءة ذمة الكفيل، وإنما يحاسب الدائن عليها وفقاً للقواعد العامة.

أما الفقرة الثانية من المادة فهى تعطى للكفيل وسيلة إيجابية وناجحة في درء تكاسل الدائن أو غشه، ولأن يقى نفسه بها مغبة سلوك طريق النوع المتقدم من المحاسبة فأباحت للكفيل أن ينبه الدائن إلى فعله هذا بحيث إذا قصر بعد ذلك برئت ذمة الكفيل مباشرة ووسيلة تنبيه الدائن هي إنذاره بأن يتخذ إجراءات التنفيذ ضد المدين والمفروض أن يكون في وسع الدائن أن ينفذ وعلى ذلك إذا أنذره الكفيل ولم يكن أجل الدين المكفول قد حل فإن الدائن لا يعتبر - عند عدم تنفيذه - مقصراً ، لأنه لا يجوز التنفيذ أو المطالبة بمقتضى دین مؤجل، وإذن فلكي يقع الإنذار صحيحاً يجب أن يكون أجل الدين قد حل والمقصود بالأجل هنا هو الأجل الأصلي أما الأجل الإضافي الذي يمنحه الدائن للمدين بعد حلول الأجل الأصلي فإنه لا يمنع من صحة إنذار الكفيل.

إذا أنذر الكفيل الدائن عند عدم إتخاذ الإجراءات عند حلول أجل الدين المكفول أو تأخره في ذلك، ترتب على ذلك أن يصبح الدائن ملزماً باتخاذ هذه الإجراءات خلال ستة أشهر من تاريخ وصول الإنذار للدائن، فإن لم يفعل برئت ذمة الكفيل والإجراءات تكون برفع الدعوى ضد المدين إذا لم يكن بيد الدائن سند تنفيذي، أو مباشرة إجراءات التنفيذ ضد المدين إذا كان بيده هذا السند.

فإذا لم يقم الدائن بإتخاذ الإجراءات في خلال المدة المحددة، برئت ذمة الكفيل من الكفالة على أنه يجوز أن يقدم المدين قبل إنقضاء المهلة المحددة آنفاً ضماناً كافياً للكفيل يضمن ما عساه أن يدفعه الكفيل للدائن وكفاية هذا الضمان - عند المنازعة - تخضع بطبيعة الحال لتقدير قاضي الموضوع فإذا قدم هذا الضمان وكان كافياً وجب على الكفيل أن ينتظر، فقد أمن على حقه إذا قام بوفاء الدين من بعد فإذا وفی المدين الدين إنتهى الأمر، أما إذا لم يحدث هذا الوفاء ورجع الدائن على الكفيل فلا ضرر من ذلك فلدى الكفيل الضمان الكافي لإستيفاء حقه.

وللكفيل أن يدفع ببراءة ذمته لعدم اتخاذ الإجراءات في خلال ستة الأشهر إما في صورة دفع أو في صورة دعوی. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر، الصفحة : 486)

الإلتزام بالمطالبة بالدين - الأصل أن المطالبة بالدين حق للدائن وليست واجباً عليه ، غير أنه في الدين المكفول توجد للكفيل مصلحة في استيفاء الدائن حقه في الوقت المناسب حتى تبرأ ذمته من الكفالة بوفاء المدين دينه ، أو حتى يتمكن من الرجوع على المدين قبل إعساره إذا أضطر هو إلى ايفاء الدائن حقه ، كما توجد له مصلحة في أن لا يطالب بالدين المكفول إلا بعد توجيه المطالبة للمدين .

لذلك كانت المادة 613/503 مدنی قدیم تخول الكفيل الحق في مطالبة المدين عند حلول أجل الدين ولو منح رب الدين المدين أجلاً جديداً ولم يبرىء الكفيل من الكفالة فكان الكفيل يستطيع أن يتفادى ضرر تأخر الدائن في مطالبة المدين بأن يطالب هو المدين و غير أنه يلاحظ أن دعوى الكفيل في هذه الحالة لم يكن موضوعها المطالبة بالدين لأن هذه المطالبة لا تثبت للكفيل إلا بعد أن يكون هو قد وفي الدائن حقه ، وانما كان موضوعها مجرد تأمين الكفيل ضد إعمار المدين مستقبلاً ، سواء كان ذلك من طريق تقديم تأمين عيني أو كفيل آخر أو من طريق حمل الدائن بأي وسيلة كانت على إبراء الكفيل .

لذلك رأي المشرع أن يستعيض في التقنين الحالي عن هذه المرخصة المخولة للكفيل بأن يجعل الدائن ملزماً باتخاذ إجراءات المطالبة في الوقت المناسب حتى لا يضر بالكفيل ، بحيث إذا تأخر الدائن عن المطالبة أعتبر ذلك منه خطأ يستوجب مسئوليته إزاء الكفيل إذا ترتب عليه ضرر الأخير وبقدر ما يترتب عليه من ضرر .

ويستفاد قصد المشرع إنشاء هذا الإلتزام في ذمة المدائن من الأعمال التحضيرية المتعلقة بالمادة 780 مدني التي تنص على أنه :

1 - لا تبرأ ذمة الكفيل لمجرد أن الدائن تأخر في إتخاذ الإجراءات أو لمجرد أنه لم يتخذها .

2 - على أن ذمة الكفيل تبرأ إذا لم يقم الدائن بإتخاذ الإجراءات ضد المدين خلال ستة أشهر من إنذار الكفيل الدائن ما لم يقدم المدين الكفيل ضماناً كافياً .

فالفقرة الأولي من هذه المادة ظاهرة الدلالة على أن ذمة الكفيلي لا تبرأ لمجرد أن الدائن تأخر في إتخاذ الإجراءات أو لمجرد أنه لم يتخذها ، ولكنها تشير ضمناً إلى إبراء ذمة الكفيل اذا كان تأخر المدائن في إتخاذ الاجراءات أو عدم اتخاذه اياها يعتبر خطأ ترتب عليه ضرر الكفيل فحينئذ تبرأ ذمة الكفيل بقدر ما أصابه من ضرر بسبب هذا التأخير أو الإمتناع فقد كان نص هذه الفقرة في المشروع التمهيدي (المادة 1156 فقرة ثالثة) يقول إنه «لا تبرأ ذمة الكفيل لمجرد أن الدائن تأخر في إتخاذ الإجراءات أو لمجرد أنه لم يتخذها ، إلا إذا ترتب على خطئه ضرر للكفيل وبقدر هذا الضرر » .

وقد أوضحت المذكرة الإيضاحية لهذا النص المقصود بخطأ الدائن الذي يقع منه في تأخره عن إتخاذ الإجراءات أو في عدم إتخاذها أصلاً ، فقالت : « على أنه قد تصدر عن الدائن أعمال إيجابية (كتنازله عن حجز تنفيذي أو تحفظي أو حجز مال لمدينه لدى الغير أو إجراءات التنفيذ العقاري أو وضع أموال المدين تحت الحراسة أو إيداع المبالغ الناتجة من بيع المنقولات في خزينة المحكمة) أو أعمال سلبية (كعدم قيامه باتخاذ إجراء تنفيذي أو تحفظي لا يستطيع الكفيل القيام به لجهله اياه أو لعدم وجود المستندات اللازمة لإجرائه ، وكذلك عدم التقدم في التوزيع أو سقوط الحق بسبب التأخر أو الإهمال في القيام بإجراء معين أو إبراز مستند ما) لا يترتب عليها ضياع التأمينات ، ولكنها مع ذلك تؤثر في حق الكفيل فتضيعه أو تنتقص منه كل هذه الأعمال يجب أن يسأل عنها الدائن طبقاً لقواعد المسئولية المدنية ما دام قد ترتب عليها ضرر للكفيل .

غير أن لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ رأت حذف العبارة الأخيرة من نص المشروع الآن في القواعد العامة في المسؤولية التقصيرية ما يغني عن المعنى الذي قصدت هذه العبارة إلى إستظهاره، أي أنها أن تحذف هذه العبارة لعدم الموافقة على حكمها بل بالعكس من ذلك لأنها أقرت حكمها ورأت فيه مجرد تطبيق القواعد العامة في المسؤولية المدنية .

وبناءً على ذلك، نستطيع أن نقرر أن المادة 785 فقرة أولى تنشئ في ذمة الدائن إلتزاماً بإتخاذ إجراءات مطالبة المدين في الوقت المناسبه ولكن لا يكون الدائن مسئولاً لمجرد أنه لم يتخذ إجراءً معيناً ، وإنما يشترط في مسئوليته عن ذلك أن يثبت أو أن تأخره في إتخاذ هذا الإجراء يعتبر خطأ أي أنه تأخر أكثر مما يتأخره الرجل المتوسط العناية ، وثانياً أنه قد ترتب على هذا التأخير ضرر الكفيل كأن يكون المدين قد أصبح في هذه الأثناء معسراً بحيث يتعذر على الكفيل أن يرجع عليه بكل ما وفاه الدائن.

فإذا لم يتوافر هذان الشرطان ، خانه لا يترتب على مجرد عدم إتخاذ الدائن إجراءً معيناً أو تأخره بعض الشيء في إتخاذ هذا الإجراء أن تبرأ ذمة الكفيل، من إلتزامه .

ويقع عبء إثبات هذين الشرطين على الكفيل الذي يطلب تقرير براءة ذمته من الكفالة بسبب تأخر الدائن في إتخاذ الإجراءات .

غير أن المشرع قد خفف هذا العبء عن الكفيل بأن أجاز له في الفترة الثانية من المادة 785 أن ينذر الدائن بإتخاذ الإجراءات ضد المدين ، فإذا لم يتم الدائن بذلك خلال ستة أشهر من تاريخ هذا الإنذار ولم يقدم المدين للكفيل ضماناً كافياً ، برأت ذمة الكفيل دون حاجة به الى إثبات أي شيء آخر ، إذ يعتبر الدائن مخطئاً بمجرد عدم إتخاذ الإجراءات بالرغم من إنذاره بوجوب إتخاذها ، ويفرض أن هذا الخطأ قد سبب ضرراً للكفيل. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء / التاسع ، الصفحة / 76)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 76

زِيَادَةُ التَّرِكَةِ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ الْوَفَاةِ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ:

25 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زِيَادَةِ التَّرِكَةِ وَنَمَائِهَا الَّذِي حَدَثَ بَعْدَ وَفَاةِ الْمَدِينِ وَقَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ، كَأُجْرَةِ دَارٍ لِلسُّكْنَى، وَكَدَابَّةٍ وَلَدَتْ أَوْ سَمِنَتْ، وَكَشَجَرٍ صَارَ لَهُ ثَمَرٌ، هَلْ يُضَمُّ إِلَى التَّرِكَةِ لِمَصْلَحَةِ الدَّائِنِينَ أَوْ هُوَ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ.

وَهَذَا الْخِلاَفُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى خِلاَفٍ سَابِقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي انْتِقَالِ تَرِكَةِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ إِلَى وَارِثِهِ، وَحَاصِلُ مَا قَالُوهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ إِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا دُيُونٌ مِنْ حِينِ وَفَاةِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ دَيْنٌ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي انْتِقَالِهَا إِلَى الْوَارِثِ بَعْدَ الْوَفَاةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، أَنَّ أَمْوَالَ التَّرِكَةِ تَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ مَعَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ أَمْ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ لَهَا.

وَالثَّانِي: وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرِقَةً بِالدَّيْنِ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَغْرِقَةٍ بِهِ، فَإِنِ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ أَمْوَالَ التَّرِكَةِ تَبْقَى أَمْوَالُ التَّرِكَةِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَلاَ تَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَالرَّأْيُ الرَّاجِحُ أَنَّ أَمْوَالَ التَّرِكَةِ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، مَعَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَذِهِ الأْمْوَالِ.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ أَمْوَالَ التَّرِكَةِ تَبْقَى عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَى أَنْ يُسَدَّدَ الدَّيْنُ سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لَهَا أَمْ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ.

وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْوَفَاةِ وَقَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ قَالَ: إِنَّ الزِّيَادَةَ لِلْوَارِثِ وَلَيْسَتْ لِلدَّائِنِ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ انْتِقَالِهَا قَالَ: تُضَمُّ الزِّيَادَةُ إِلَى التَّرِكَةِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ انْتَقَلَ إِلَى الْوَرَثَةِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَرِكَةٍ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 309

آثَارُ الْكَفَالَةِ:

أَوَّلاً: عَلاَقَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ بِالْكَفِيلِ:

يَخْتَلِفُ الأْمْرُ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ أَوْ بِالنَّفْسِ.

أ - كَفَالَةُ الْمَالِ:

قَدْ يَكُونُ الْمَالُ الْمَكْفُولُ بِهِ دَيْنًا، وَقَدْ يَكُونُ عَيْنًا.

1 - كَفَالَةُ الدَّيْنِ:

يَتَعَلَّقُ بِكَفَالَةِ الدَّيْنِ أَحْكَامٌ هِيَ:

حَقُّ الْمُطَالَبَةِ:

33 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الدَّائِنَ الْمَكْفُولَ لَهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَ حُلُولِهِ دُونَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِتَعَذُّرِ مُطَالَبَةِ الأْصِيلِ الْمَكْفُولَ عَنْهُ، كَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُطَالِبَ الأَْصِيلَ بِهِ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ ذِمَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَشْغُولَةٌ بِالدَّيْنِ جَمِيعِهِ، فَكَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ أَيِّهِمَا شَاءَ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا .

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ رِوَايَةٌ - جَرَى عَلَيْهَا الْعَمَلُ فِي بَعْضِ الْبِلاَدِ - وَهُوَ الأْظْهَرُ، تُقَرِّرُ نَفْسَ الْحُكْمِ.

وَعِنْدَهُمْ رِوَايَةٌ أُخْرَى لاَ تُجِيزُ لِلدَّائِنِ الْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ بِالدَّيْنِ الْمَكْفُولِ بِهِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَالأْصِيلُ حَاضِرٌ مُوسِرٌ لَيْسَ ذَا لَدَدٍ فِي الْخُصُومَةِ وَلاَ مُمَاطِلاً فِي الْوَفَاءِ، أَوْ كَانَ الأْصِيلُ غَائِبًا وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الاِسْتِيفَاءُ مِنْهُ بِدُونِ بُعْدٍ وَمَشَقَّةٍ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدِ اشْتَرَطَ فِي عَقْدِ الْكَفَالَةِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَقِّ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ إِنَّمَا وَجَبَ ابْتِدَاءً عَلَى الأْصِيلِ ، وَالْكَفَالَةُ وَثِيقَةٌ فَلاَ يُسْتَوْفَى الْحَقُّ مِنْهَا إِلاَّ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنَ الأْصِيلِ ، كَالرَّهْنِ .

حُقُوقُ الْكَفِيلِ قَبْلَ الدَّائِنِ:

36 - إِذَا كَانَ الضَّمَانُ بِإِذْنِ الأْصِيلِ كَانَ لِلْكَفِيلِ الْحَقُّ فِي مُطَالَبَةِ الدَّائِنِ - إِذَا مَا تُوُفِّيَ الأْصِيلُ قَبْلَ الْوَفَاءِ - أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تَرِكَةِ مَدِينِهِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ، أَوْ مَا يَخُصُّهُ مِنْهَا عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ، أَوْ يُبْرِئَهُ، لِيَتَجَنَّبَ بِذَلِكَ احْتِمَالَ تَلَفِهَا وَعَدَمَ الرُّجُوعِ فِيهَا إِذَا مَا وَفَّى الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ، وَيَثْبُتُ هَذَا الْحَقُّ لِلضَّامِنِ عِنْدَمَا يُفَلِسُ الأْصِيلُ ، فَيَطْلُبُ الدَّائِنُ بَيْعَ مَالِ الأْصِيلِ لِيَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ أَوْ مَا يَخُصُّهُ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلضَّامِنِ - إِذَا مَا طَالَبَهُ الدَّائِنُ بِالدَّيْنِ - أَنْ يَدْفَعَ طَلَبَهُ بِأَنَّ الْمَدِينَ حَاضِرٌ مُوسِرٌ فَيَجِبُ مُطَالَبَتُهُ أَوَّلاً، أَوْ بِأَنَّ لِلْمَدِينِ مَالاً حَاضِرًا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ مِنْهُ بِدُونِ مَشَقَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَدِينُ حَاضِرًا، وَلِلضَّامِنِ - عِنْدَهُمْ - حَقُّ الاِعْتِرَاضِ عَلَى تَأْجِيلِ الدَّائِنِ الدَّيْنَ لِلْمَدِينِ عِنْدَ يَسَارِهِ، فَيُخَيَّرُ الدَّائِنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا عُدُولُهُ عَنِ التَّأْجِيلِ، وَإِمَّا إِمْضَاؤُهُ التَّأْجِيلَ وَإِبْرَاؤُهُ مِنَ الْكَفَالَةِ.

كَذَلِكَ لِلضَّامِنِ أَنْ يُلْزِمَ الدَّائِنَ بِمُطَالَبَةِ الْمَدِينِ بِالدَّيْنِ إِذَا مَا حَلَّ أَجَلُهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُفْلِسَ إِذَا كَانَ الْمَدِينُ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ، وَإِلاَّ أَسْقَطَ الْكَفَالَةَ .

2 - كَفَالَةُ الْعَيْنِ:

37 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ إِذَا كَفَلَ عَيْنًا مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا - فَإِنَّهُ يَلْتَزِمُ بِتَسْلِيمِهَا مَا دَامَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ هَلَكَتْ أُلْزِمَ بِرَدِّ الْمِثْلِ إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً أَوْ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ إِنْ كَانَتْ قِيَمِيَّةً.

وَإِذَا كَفَلَ عَيْنًا مَضْمُونَةً بِغَيْرِهَا، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِلاَّ تَسْلِيمُهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ هَلَكَتْ سَقَطَتِ الْكَفَالَةُ وَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.

وَإِذَا كَفَلَ أَمَانَةً وَاجِبَةَ التَّسْلِيمِ، فَإِنَّهُ يَلْتَزِمُ

بِتَسْلِيمِهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ هَلَكَتْ لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِذَا كَفَلَ بِأَمَانَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةِ التَّسْلِيمِ فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ إِذَا ضَمِنَ الْعَيْنَ عَلَى أَنَّهَا إِذَا تَلِفَتْ بِتَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٍ الْتَزَمَ بِرَدِّ الْمِثْلِ أَوْ دَفْعِ الْقِيمَةِ، يَكُونُ مُلْزَمًا بِهَذَا الضَّمَانِ، أَمَّا إِذَا ضَمِنَ تَسْلِيمَهَا بِذَاتِهَا، فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ كَفَالَةِ الأْعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ إِلَى أَنَّ الضَّامِنَ يَلْتَزِمُ بِتَسْلِيمِهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنْ هَلَكَتْ فَعِنْدَهُمْ وَجْهَانِ: أَوَّلُهُمَا يُوجِبُ ضَمَانَهَا عَلَى الْكَفِيلِ، وَالآْخَرُ لاَ يَضْمَنُهُ وَتَنْتَهِي الْكَفَالَةُ .

ب - كَفَالَةُ النَّفْسِ:

38 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وُجُوبُ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَكْفُولِ فِي مَوْضِعٍ يَقْدِرُ الطَّالِبُ فِيهِ عَلَى إِحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ، إِذْ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَقْصُودُ الْعَقْدِ، وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ أَمَامَ الْقَاضِي، فَإِذَا قَامَ بِذَلِكَ انْتَهَتِ الْكَفَالَةُ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ: لَوْ سَلَّمَ الْكَفِيلُ الْمَطْلُوبَ فِي صَحْرَاءَ، فَلاَ يَكُونُ قَدْ أَوْفَى بِالْتِزَامِهِ، وَلَكِنْ لَوْ سَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِهَذَا التَّسْلِيمِ مِنَ الْكَفَالَةِ، حَتَّى لَوْ قُيِّدَتْ بِالتَّسْلِيمِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، إِذِ الْغَرَضُ مِنَ الْكَفَالَةِ تَسْلِيمُ الْمَطْلُوبِ فِي مَكَانٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ إِحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْقَاضِي، فَلاَ يَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ خِلاَفَ مَجْلِسِهِ؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ مِنَ التَّقْيِيدِ.

وَلَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي مِصْرٍ مُعَيَّنٍ، فَسَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ، خَرَجَ مِنَ الْكَفَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْوُصُولُ إِلَى الْحَقِّ أَمَامَ قَاضٍ مُخْتَصٍّ، فَلاَ يَتَقَيَّدُ بِقَاضٍ دُونَ آخَرَ، وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ لاَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ التَّسْلِيمِ مِنَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ الطَّالِبَ وَضَعَ شَرْطًا مُعْتَبَرًا وَهُوَ يَقْصِدُ الإِْلْزَامَ بِهِ، فَقَدْ تَكُونُ حُجَّتُهُ وَبَيِّنَتُهُ فِي هَذَا الْمِصْرِ دُونَ غَيْرِهِ.

وَلَوْ تَعَدَّدَ الْكُفَلاَءُ بِالنَّفْسِ فَأَحْضَرَ الْمَطْلُوبَ أَحَدُهُمْ، بَرِئَ الْجَمِيعُ إِنْ كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لأِنَّ الْمَكْفُولَ فِيهَا فِعْلٌ وَاحِدٌ - هُوَ إِحْضَارُهُ - فَيَتِمُّ بِأَحَدِهِمْ، وَإِنْ كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِعُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِعَدَدِهِمْ، لَمْ يَبْرَأْ إِلاَّ مَنْ يُحْضِرُ الْمَطْلُوبَ؛ لأِنَّ الْمَكْفُولَ حِينَئِذٍ أَفْعَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ بِعَدَدِهِمْ، فَفِعْلُ أَحَدِهِمْ لاَ يُعَدُّ فِعْلاً لِغَيْرِهِ.

وَيَلْتَزِمُ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِ الْمَطْلُوبِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَلاَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مُهْلَةً إِذَا كَانَ مَحَلُّ الْمَطْلُوبِ مَعْلُومًا، فَإِذَا لَمْ يُحْضِرْهُ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ؛ لأِنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ حَقٍّ لاَزِمٍ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لاَ يَلْزَمُهُ دَيْنُ الْمَطْلُوبِ؛ لأِنَّ مُقْتَضَى كَفَالَةِ الْبَدَنِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - مُجَرَّدُ الاِلْتِزَامِ بِالإْحْضَارِ، إِلاَّ إِذَا شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ كَأَنْ يَقُولَ: إِنْ لَمْ أُحْضِرْهُ. فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، فَيَلْزَمُهُ الدَّيْنُ، وَلاَ يَبْرَأُ مِنَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى إِحْضَارِهِ، وَإِذَا رَفَضَ الْمَطْلُوبُ مُطَاوَعَةَ الْكَفِيلِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ، كَانَ لَهُ مُرَاجَعَةُ الْحَاكِمِ لِيُعِينَهُ بِأَعْوَانِهِ، وَهَذَا إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِأَمْرٍ مِنَ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِهِ، فَلاَ يَمْلِكُ الْكَفِيلُ إِلاَّ إِرْشَادَ الْمَكْفُولِ لَهُ إِلَى مَكَانِهِ، ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَهُمَا.

وَإِذَا ارْتَدَّ الْمَكْفُولُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، لَمْ يَخْرُجِ الْكَفِيلُ مِنَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ لَحَاقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ إِنَّمَا اعْتُبِرَ كَمَوْتِهِ حُكْمًا فِي حَقِّ أَمْوَالِهِ وَقِسْمَتِهَا بَيْنَ وَرَثَتِهِ، أَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ وَتَسْلِيمِ نَفْسِهِ إِلَى خَصْمِهِ، فَيَبْقَى الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ، وَيُمْهِلُهُ الْقَاضِي مُدَّةً مُنَاسَبَةً.

وَإِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ مِنَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّهُ عَجَزَ عَنْ إِحْضَارِهِ؛ وَلأِنَّهُ سَقَطَ الْحُضُورُ عَنِ الأْصِيلِ فَيَسْقُطُ الإْحْضَارُ عَنِ الْكَفِيلِ، وَكَذَا إِذَا مَاتَ الْكَفِيلُ لأِنَّهُ لَمْ يَعُدْ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ، وَمَالُهُ لاَ يَصْلُحُ لإِيفَاءِ هَذَا الْوَاجِبِ بِخِلاَفِ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ، وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِوَارِثِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ بِضَمَانِ الْوَجْهِ يَلْتَزِمُ بِتَسْلِيمِ الْمَطْلُوبِ بَعْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فِي مَكَانٍ يَقْدِرُ فِيهِ الطَّالِبُ عَلَى خَلاَصِ دَيْنِهِ مِنْهُ أَمَامَ الْقَضَاءِ، فَيَبْرَأُ مِنَ الْكَفَالَةِ إِذَا سَلَّمَهُ فِي مَكَانٍ بِهِ حَاكِمٌ أَوْ قَاضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ الَّذِي حَدَثَ بِهِ الضَّمَانُ، كَمَا يَبْرَأُ إِذَا سَلَّمَ الْمَطْلُوبُ نَفْسَهُ لِلدَّائِنِ بَعْدَ حُلُولِ دَيْنِهِ إِنْ أَمَرَهُ الضَّامِنُ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ التَّسْلِيمُ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ، أَوْ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْكَفِيلِ، لَمْ يَبْرَأَ الضَّامِنُ مِنَ الْكَفَالَةِ.

وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُحْضِرَ الضَّامِنُ الْمَضْمُونَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّهُ يُلْزَمُ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ مِنْ بَعْدِ تَلَوُّمٍ (إِمْهَالٍ) خَفِيفٍ - كَالْيَوْمِ - إِنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ الْغَرِيمِ، وَبِلاَ تَلَوُّمٍ إِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ، وَذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إِلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَأَنَّهُ لاَ يَلْتَزِمُ إِلاَّ بِإِحْضَارِهِ.

وَإِذَا أَثْبَتَ الْكَفِيلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ كَانَ مُعْسِرًا عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ خِلاَفًا لاِبْنِ رُشْدٍ، وَكَذَلِكَ لاَ يَلْتَزِمُ بِالضَّمَانِ إِذَا أَثْبَتَ أَنَّ الْمَكْفُولَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ؛ لأِنَّ النَّفْسَ الْمَضْمُونَةَ قَدْ ذَهَبَتْ، أَمَّا إِنْ ثَبَتَ مَوْتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ فَالْغُرْمُ مَاضٍ.

أَمَّا ضَمَانُ الطَّلَبِ: فَلاَ يَلْتَزِمُ فِيهِ الْكَفِيلُ إِلاَّ بِطَلَبِ الْغَرِيمِ بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ صُدِّقَ، وَحَلَفَ أَنَّهُ مَا قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ وَلاَ يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ، فَإِذَا نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ غَرِمَ.

وَكَذَلِكَ يَغْرَمُ إِذَا فَرَّطَ فِي الإِْتْيَانِ بِهِ، أَوْ فِي الدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ عِنْدَ عِلْمِهِ بِمَوْضِعِهِ حَتَّى تَمَكَّنَ مِنَ الْهَرَبِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ بِالْبَدَنِ يَلْتَزِمُ بِإِحْضَارِ الْغَرِيمِ وَتَسْلِيمِهِ فِي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ إِنْ كَانَ صَالِحًا، وَإِلاَّ تَعَيَّنَ مَكَانُ الْكَفَالَةِ إِنْ صَلَحَ، وَقَيْدُ بَلَدِ التَّسْلِيمِ مُعْتَبَرٌ تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ، وَيَجُوزُ لِلْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَرْفُضَ التَّسْلِيمَ فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ عُيِّنَ مَكَانٌ مُحَدَّدٌ فِي الْبَلَدِ فَفِي الْمُهَذَّبِ: إِنْ أَحْضَرَهُ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ التَّسْلِيمُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ بِقَبُولِهِ فِيهِ، أَوْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي رَدِّهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَلَيْسَ لَهُ غَرَضٌ وَجَبَ قَبُولُهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَسَلَّمْهُ أَحْضَرَ الْكَفِيلُ الْمَطْلُوبَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيَتَسَلَّمَ عَنْهُ وَيَبْرَأَ.

وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ إِذَا سَلَّمَ الْغَرِيمَ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ بِلاَ حَائِلٍ يَمْنَعُ الطَّالِبَ مِنْهُ، كَمُتَغَلِّبٍ يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَبْرَأُ.

وَكَذَلِكَ يَبْرَأُ مِنَ الْكَفَالَةِ إِذَا سَلَّمَ الْمَكْفُولُ نَفْسَهُ، مُظْهِرًا أَنَّهُ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ بَرَاءَةً لِلْكَفِيلِ، وَلاَ يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ دُونَ إِظْهَارِ ذَلِكَ.

وَإِذَا غَابَ الْمَطْلُوبُ لَمْ يُلْزَمِ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِهِ إِنْ جُهِلَ مَكَانُهُ لِقِيَامِ عُذْرِهِ، فَإِنْ عُلِمَ مَكَانُهُ لَزِمَهُ إِحْضَارُهُ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ، وَيُمْهَلُ مُدَّةَ الذَّهَابِ وَالإْيَابِ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ مَا لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ لأِنَّهُ مُقَصِّرٌ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ مَسَافَةَ قَصْرٍ لَمْ يُلْزَمْ إِحْضَارَهُ، وَالأْصَحُّ : أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ أَوْ هَرَبَ أَوْ تَوَارَى وَلَمْ يُعْرَفْ مَكَانُهُ لَمْ يُطَالَبَ الْكَفِيلُ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ : أَنَّهُ يَغْرَمُ، وَالأْصَحُّ : أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ تَغْرِيمَ الْكَفِيلِ الْمَالَ عِنْدَ عَدَمِ إِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بَطَلَتْ؛ لأِنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ : أَنَّ الْكَفَالَةَ تَصِحُّ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ .

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ إِذَا وَقَعَتْ مُطْلَقَةً عَنِ الْمَكَانِ تَعَيَّنَ إِحْضَارُ الْمَكْفُولِ فِي مَحَلِّ الْكَفَالَةِ، فَإِنْ تَعَيَّنَ الْمَكَانُ بِالْعَقْدِ وَجَبَ إِحْضَارُهُ فِيهِ، وَإِذَا سَلَّمَ الْمَكْفُولُ نَفْسَهُ فِي زَمَانِ التَّسْلِيمِ وَمَكَانِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِذَلِكَ كَمَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ.

وَإِذَا غَابَ الْمَكْفُولُ، وَعَلِمَ الْكَفِيلُ بِمَكَانِهِ، أُمْهِلَ بِقَدْرِ مَا يَمْضِي إِلَى هَذَا الْمَكَانِ وَيُحْضِرُهُ، فَإِنْ مَضَى إِلَيْهِ وَلَمْ يُحْضِرْهُ لِتَوَارِيهِ أَوْ هَرَبِهِ أَوِ امْتِنَاعِهِ، لَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، إِلاَّ إِذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنَ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ لَزِمَهُ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ مِنَ الدَّيْنِ لِتَقْصِيرِهِ فِي تَقَصِّي حَالِهِ، فَكَانَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مُتْلِفًا.

وَإِذَا ضَمِنَ شَخْصٌ لآِخَرَ مَعْرِفَةَ إِنْسَانٍ، كَأَنْ جَاءَ إِنْسَانٌ إِلَى آخَرَ يَسْتَدِينُ مِنْهُ - مَثَلاً - فَقَالَ لَهُ: لاَ أَعْرِفُكَ فَلاَ أُعْطِيكَ، فَجَاءَ شَخْصٌ وَضَمِنَ لَهُ مَعْرِفَتَهُ، فَدَايَنَهُ، ثُمَّ غَابَ الْمُسْتَدِينُ أَوْ تَوَارَى، أَخَذَ الضَّامِنَ بِالدَّيْنِ، مَا لَمْ يُعَرِّفِ الدَّائِنَ بِالْمَدِينِ .

انْتِهَاءُ الْكَفَالَةِ:

44 - انْتِهَاءُ الْكَفَالَةِ يَعْنِي بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ مِمَّا الْتَزَمَ بِهِ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ، وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْبَرَاءَةُ تَابِعَةً لاِنْتِهَاءِ الْتِزَامِ الْمَدِينِ؛ لأِنَّ الْتِزَامَ الْكَفِيلِ تَابِعٌ لاِلْتِزَامِ الأْصِيلِ ، وَإِذَا سَقَطَ الأْصْلُ سَقَطَ التَّبَعُ، كَمَا تَكُونُ هَذِهِ الْبَرَاءَةُ بِصِفَةٍ أَصْلِيَّةٍ، فَتَنْتَهِي الْكَفَالَةُ وَيَبْقَى الْتِزَامُ الأْصِيلِ ، إِذْ لاَ يَلْزَمُ مِنَ انْتِهَاءِ الاِلْتِزَامِ التَّابِعِ انْتِهَاءُ الاِلْتِزَامِ الأْصْلِيِّ، وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ لاِنْتِهَاءِ الْكَفَالَةِ حَالَتَانِ: انْتِهَاؤُهَا تَبَعًا لاِنْتِهَاءِ الْتِزَامِ الأْصِيلِ ، وَانْتِهَاؤُهَا بِصِفَةٍ أَصْلِيَّةٍ.

____________________________________________________________________

 

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 749)

إذا كان الدين مؤجلاً على الأصيل وكفل به أحد تأجل على الكفيل أيضاً.