loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة : 539 

مذكرة المشروع التمهيدي :

قرر التقنين المصرى (م 507 / 619 ) نقلاً عن التقنين الفرنسي (م 2031) التزاماً على الكفيل بأخبار المدين قبل الوفاء للدائن حتى يعترض عليه إن كان هناك وجه لذلك ، كما أنه يخطره بالمطالبة الحاصلة من الدائن، فإذا أهمل الكفيل في ذلك ووفي الدين دون أن يخطر الدين بعزمه على الوفاء أو بالمطالبة الحاصلة له من الدائن ، مع أنه كانت لدى المدين أسباب تقضى ببطلان الدين أو انقضائه ، كان مسئولاً عن ذلك وقد أخذ المشروع بهذا الحكم في الفقرة الأولى من هذه المادة ، وهي تكاد تكون مجرد تكرار المادة 507 / 619 من التقنين الحالي ، مع شيء من الإيضاح والتبسط في العبارة.

أما الفقرة الثانية ، فقد أضافها المشروع وهي تقرر واجباً عكسياً في جانب المدين، إذ يجب عليه إذا أخطره الكفيل بعزمه على الوفاء أو بالمطالبة الحاصلة له من الدائن أن يعترض على ذلك فإذا لم يعارض المدين في الوفاء ووفي الكفيل الدين فعلاً ، كان له أن يرجع على المدين حتى لو كان هذا الأخير قد دفع الدين أو كانت لديه أسباب تقضي ببطلانه أو بانقضائه.

شرح خبراء القانون

تنص المادة 798 مدني على ما يأتي :

"1- يجب على الكفيل أن يخطر المدين قبل أن يقوم بوفاء الدين ، وإلا سقط حقه في الرجوع على المدين إذا كان هذا قد وفى الدين أو كانت عنده وقت الإستحقاق أسباب تقضي ببطلانه أو بإنقضائه ".

"2- فإذا لم يعارض المدين في الوفاء ، بقى للكفيل حقه في الرجوع عليه ولو كان المدين قد دفع الدين أو كانت لديه أسباب تقضي ببطلانه أو بإنقضائه".

رأينا أن المادة 1/798 مدني توجب "على الكفيل أن يخطر المدين قبل أن يقوم بوفاء الدين ، وإلا سقط حقه في الرجوع على المدين إذا كان هذا قد وفى الدين أو كانت عنده وقت الإستحقاق أسباب تقضي ببطلان الدين أو بإنقضائه ".

فيجب إذن على الكفل أن يخطر المدين قبل أن يقوم بوفاء الدين ، أو كانت عنده وقت الإستحقاق أسباب تقضي ببطلان الدين أو بإنقضائه فيجب إذن على الكفيل أن يخطر المدين قبل أن يقوم بوفاء الدين ، وذلك سواء أراد الكفيل أن يقوم بوفاء الدين من تلقاء نفسه أو طالبه الدائن بالدين مطالبة قضائية ففي الحالتين يجب إخطار المدين قبل الوفاء ، وذلك خشية أن يكون المدين قد وفى الدين قبل أن يوفيه الكفيل فينقضي ويكون وفاء الكفيل للدين بعد ذلك غير ذي فائدة ، أو خشية أن الكفيل بعد أن يفي بالدين دون إخطار المدين بذلك يأتي المدين دون علم منه بوفاء الكفيل يفي بالدين مرة أخرى ، أو خشية أن يكون للمدين وقت إستحقاق الدين أسباب تبطل الدين أو نقضيه من غير الوفاء به وإخطار الكفيل المدين قبل الوفاء بالدين ليس له شكل خاص ، فيصح أن يكون رسمياً على يد محضر ، ويصبح أن يكون بكتاب مسجل أو غير مسجل ، ويصح أن يكون شفوياً على أن يثبت الكفيل أنه قد قام بهذا الإخطار فإذا لم يخطر الكفيل المدين قبل الوفاء وقام بوفاء الدين دون إخطار ، فعل ذلك على مسئوليته ومعنى هذا أن الكفيل لا يفقد حقه في الرجوع على المدين بالدعوى الشخصية ، إلا إذا أثبت المدين أنه كان قد وفى الدين قبل وفاء الكفيل به ، أو أثبت أنه وفى الدين بعد وفاء الكفيل ، أو أثبت أن الدين كان باطلاً أو قابلاً للإبطال وكان المدين يستطيع أن يتمسك بذلك ضد الدائن ، أو أثبت أن الدين قد إنقضى بسبب يرجع إليه هو أي للمدين كمقاصة أو تجديد أو إتحاد ذمة أو إبراء أو تقادم أما إذا كان سبب البطلان أو الإنقضاء مقصوراً على إلتزام الكفيل كأن كانت هناك أسباب تجعل إلتزام الكفيل باطلاً أو قابلاً للإبطال أو منقضياً دون أن ينقضي الإلتزام الأصلي ، ولم يتمسك الكفيل بهذه الأسباب ووفى الدين ، فإن المدين لا شأن له بذلك ، ويبقى للكفيل بعد وفاء الدين الرجوع بالدعوى الشخصية على المدين وقد يفي الكفيل الدين دون إخطار المدين قبل الوفاء ، فلا يستطيع المدين أن يثبت أنه قد وفى الدين قبل أو بعد وفاء الكفيل ، ولا يستطيع كذلك يثبت أن عنده أسباباً تقضي ببطلان الدين أو بإنقضائه ، ولا أن يثبت أنه قد وفى ببعض الدين أو أن الدين في جزء منه باطل أو قابل للإبطال أو منقض ، فعند ذلك يستطيع الكفيل أن يرجع على المدين بالرغم من عدم إخطاره بالوفاء وبالقدر الذي إستفاد به المدين من هذا الوفاء فقد لا يرجع عليه أصلاً ، أو يرجع عليه بجزء من الدين وهو الجزء الذي كان الوفاء به مفيداً للمدين ونرى من ذلك أن جزء عدم الإخطار يس هو إنعدام رجوع الكفيل على المدين بالدعوى الشخصية ، فقد لا ينعدم هذا الرجوع وإنما يكون الكفيل ، إذا لم يخطر المدين ، مجازفاً بوفاء الدين ، بحيث إذا أثبت المدين أن هذا الوفاء لم يفده أصلاً لم يرجع عليه الكفيل بقدر ما أفاد فإذا كان وفاء الكفيل للدين دون إخطار المدين قد أفاد المدين فائدة كاملة ، كان للكفيل أن يرجع على المدين بالدعوى الشخصية كما كان يفعل لو أنه أخطر المدين .

أما إذا أخطر الكفيل المدين قبل الوفاء ، فإنه يتعين على المدين إذا كان قد وفى الدين أو كانت لديه أسباب تقضي ببطلانه أو بإنقضائه أن يعارض في الوقت المناسب في أن يفي الكفيل بالدين ولا يوجد شكل خاص لهذه المعارضة كما لا يوجد شكل خاص لإخطار الكفيل المدين قبل الوفاء ، فتصح أن تكون هذه المعارضة بورقة رسمية على يد محضر ، ويصح أن تكون بكتاب مسجل أو غير مسجل ، ويصح أن تكون شفوية على أن يقع عبء الإثبات على المدين فإذا تمت المعارضة وجب على الكفيل أن يمتنع عن الوفاء ، وأن يدخل المدين في الدعوى إذا طالبه الدائن قضائياً حتى يتولى للمدين دفع مطالبة الدائن أما إذا لم يعارض المدين في الوفاء ، فإن الكفيل يكون في حل من وفاء الدين للدائن ، إذ أن عدم معارضة المدين في الوفاء يجعل الكفيل يعتقد أن المدين لم يف بالدين وأنه ليس لديه أسباب تقضي ببطلان الدين أو بإنقضائه فإذا وفى الكفيل الدين كان له أن يرجع بالدعوى الشخصية على المدين ، حتى لو ظهر بعد ذلك أن المدين قد وفى الدين أو كان لديه أسباب تقضي ببطلانه أو بإنقضائه وقد نصت المادة 2/798 مدني على هذا الحكم ، إذ تقول : " فإذا لم يعارض المدين في الوفاء ، بقي للكفيل حقه في الرجوع عليه ولو كان المدين قد دفع الدين أو كانت لديه أسباب تقضي ببطلانه أو بإنقضائه ".(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : العاشر، الصفحة : 196)

إذا حل أجل الدين وأراد الكفيل الوفاء طواعية فإنه يتعين عليه أن يخطر المدين قبل أن يقوم بالوفاء ويحدد له أجلاً للوفاء على أن يكون مناسباً، إن لم يعترض المدين وفي الكفيل، أما إذا اعترض تعين على الكفيل عدم الوفاء، فقد يكون المدين وفى الدين أو يكون له التمسك بسبب من أسباب بطلان الدين أو إنقضائه أما أن وفى الكفيل دون أخطار المدين تحمل مسئولية عدم الاخطار ومن ثم يفقد حقه في الرجوع على المدين إذا أثبت الأخير أنه وفى الدين أو أن الدين انقضى بالإبراء أو بالمقاصة أو بإتحاد الذمة أو بالتقادم.

فإن لم يثبت المدين شيئاً من ذلك كان وفاء الكفيل صحيحاً ورجع على المدين بالدين، وليس للإخطار شكل خاص فقد يكون بإنذار على يد محضر أو بخطاب مسجل أو غير مسجل أو شفاهة ويقع عبء إثبات الأخطار على عاتق الكفيل، وكذلك لا يكون لمعارضة المدين في الوفاء شكل خاص على أن يتحمل عبء إثباته، وينصرف الإخطار والمعارضة في الوفاء إلى واقعة مادية، وبالتالي يجوز الإثبات بكافة الطرق المقررة قانوناً ومنها البينة والقرائن.

ويسقط حق الكفيل في الرجوع على المدين بقدر الضرر الذي يعود على المدين بسبب عدم إخطاره بالعزم على الوفاء، فإن كان المدين قد وفى بجزء من الدين، بينما قام الكفيل بالوفاء بكل الدين، فإن حق الكفيل يسقط بالنسبة للجزء الذي قام المدين بالوفاء به أو لانقضاء هذا الجزء بالمقاصة لتوافر مديونية الدائن للمدين بقدر هذا الجزء، أما باقي الدين فلا يسقط حق الكفيل في الرجوع به رغم عدم إخطاره المدين بالوفاء.

ويترتب على اعتراض المدين، إمتناع الكفيل عن الوفاء للدائن في حدود ما تضمنه الاعتراض، فإن إنصراف الإعتراض إلى كل الدين امتنع الكفيل عن الوفاء به، أما إذا انصرف إلى جزء منه، امتنع الكفيل عن الوفاء بهذا الجزء بحيث إذا قبل الدائن الوفاء بالباقى، إلتزم الكفيل به ولو لم يوضح المدين في إعراضه سبب إنقضاء الجزء الذي تضمنه الإعتراض.

وحينئذ يجب على الدائن تسليم الكفيل مستندات الدين ومخالصة تمكيناً لرجوع الكفيل على المدين.

وحتى تتحقق الغاية من الإعتراض، فإنه يتعين توافر العلم اليقيني أو الظني به، وذلك بتسليم الكفيل ورقة الإعتراض سواء بنفسه أو ممن يقيمون معه في موطنه، ولذلك يحسن أن يتم الإعتراض بإنذار على يد محضر أو بكتاب مسجل مصحوب بعلم الوصول، يرسل دائماً إلى موطن الكفيل العام دون موطن الأعمال، بإعتبار أن كفالة عمل مدني، لكن إذا تحقق علم الكفيل بالإعتراض تحققت الغاية منه ولو كان قد أرسل إلى موطن الأعمال، وبالتالي يكون الدفع ببطلان الإعتراض غير منتج، وإذا أعيد الإعتراض لغلق الموطن، وجب على المدين إرساله بورقة من أوراق المحضرين حتى إذا تبين غلق الموطن، تم الإعلان عن طريق الإدارة، وحينئذ يعتبر الإعتراض قد تحقق من تاريخ تسليم الصورة لجهة الإدارة، بحيث إذا قام الكفيل بالوفاء، سقط حقه في الرجوع على المدين، ويجب على الكفيل عند إخطار المدين بالعزم على الوفاء بالدين، أن يحدد للإعتراض مدة مناسبة تتفق واحتمال إعادة الإعتراض للمدين لأي سبب تمكيناً له من إجرائه بعد ذلك بورقة من أوراق المحضرين، فإن حدد مدة لا تسمح بذلك، كان متعسفاً، وبالتالي لا يترتب على إنقضائها ثبوت حق الكفيل في الوفاء، إذ يترتب على هذا التعسف توافر خطأ الكفيل وإعتبار الإخطار كأن لم يكن ، فيتحمل الكفيل تبعة ذلك.

ويجوز للمدين التمسك - في مواجهة الكفيل - بالدفوع التي كان له الحق فيها إذا ما رجع الدائن عليه، واعتبار المدة التي حددها الكفيل لإعتراض المدين، من مسائل الواقع التي يستقل قاضى الموضوع بتقديرها طالما أقام قضاءه على أسباب سائغة.

والأصل أنه لا يجوز للدائن طلب الوفاء من الكفيل غير المتضامن مع المدين، وهذا القيد مقرر لمصلحة الكفيل، وبالتالي يجوز له التنازل عنه والقيام بالوفاء الدائن، وحينئذ يجب عليه إخطار المدين بعزمه على الوفاء، وللمدين الإعتراض على ذلك، أما الكفيل المتضامن ، فإنه يلتزم بالوفاء على إنفراد، ويتعين عليه أيضاً إخطار المدين على نحو ما تقدم.

والوفاء المشار إليه، هو الوفاء الإختياري، فلا ينصرف إلى الوفاء الجبری، بناء على أمر بالأداء أو تنفيذاً لحكم، وذلك على ما أوضحناه بالبند التالي.

إلتزام الكفيل بإخطار المدين برجوع الدائن عليه :

يبين من الأعمال التحضيرية للقانون المدني، أن المشروع التمهيدي كان يوجب على الكفيل أن يخطر الدين قبل أن يقوم بوفاء الدين وإلا سقط حقه في الرجوع على المدين، كما كان يوجب على الكفيل إذا طالبه الدائن قضائية إدخال المدين في الدعوى ، وإلا سقط حقه في الرجوع عليه، وذلك عند مناقشة المادة 798 من القانون المدني.

وأدت المناقشة إلى حصر الإجراء الذي يقوم به الكفيل في حالة عزمه على الوفاء الإختياری، دون أن ينوه إلى حالة رجوع الدائن قضائية، ولم يقصد بهذا الإغفال قصر الأخطار على العزم على الوفاء، وإنما يمتد أيضاً إلى رجوع الدائن قضائياً، وبالتالي يجب على الكفيل في الحالة الأخيرة إخطار المدين بالدعوى التي رفعها عليه الدائن والطلبات فيها وسببها والجلسة المحددة لنظرها، كما يجوز للكفيل إدخال المدين فيها بموجب دعوى ضمان فرعية لإلزامه بما عسى أن يقضى به للدائن، في الحالة التي يرجع فيها الدائن بموجب الدعوى، أما إذا رجع بأمر الأداء، فإن الكفيل يجب عليه أن يخطر المدين بالإجراء الذي اتخذه الدائن ممثلاً في تكليفه بالوفاء، ويعد هذا التكليف بمثابة طلب بالوفاء الإختیاری يجب على الكفيل إخطار المدين به، فإذا تأخر رد المدين أو إعتراض عليه، وتقدم الدائن بعريضة إستصدار أمر الأداء، وهي بمثابة عريضة الدعوى التي يرجع الدائن بها علي الكفيل، فيعتبر الكفيل قد أخطر المدين برجوع الدائن عليه عندما أخطره بما تضمنه التكليف بالوفاء، بحيث إذا صدر أمر الأداء بإلزام الكفيل بالدين، جاز الوفاء تنفيذاً للأمر ثم الرجوع على الدين، أو الإعتراض على الأمر، ثم إدخال الدائن فى الدعوى التي تنظر بناءً على هذا الإعتراض، للحكم عليه بما عسى أن يحكم به للدائن.

فإذا صدر الحكم بالزام الكفيل بأنه يؤدى الدين ، أجبر على تنفيذه، وحينئذ قيد هذا التنفيذ وفاءً إختيارياً ، وبالتالي لا يلتزم الكفيل بإخطار المدين يعزمه على الوفاء بحيث إذا قام بالوفاء عند إعلانه بالسند التنفيذي، فإنه يكون قد قام بالوفاء يوجب هذا السند تفادياً لإجراءات الحجز، ويظل له الحق في الرجوع على الدائن دون أن يكون للأخير التمسك بسقوط حق الكفيل لعدم إخطاره بعزمه في الوفاء، لإنحصار هذا الدفع في الوفاء الإختياري الذي يتم قبل مباشرة الإجراءات القضائية بالرجوع على الكفيل، على نحو ما أوضحناه بالبند السابق.

وإذا لجأ الدائن إلى الإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، فإن إلتزام الكفيل ينحصر في إخطار المدين بقيام الدائن برفع الدعوى على الكفيل، ومتى قام بهذا الإطار، ثبت حقه في الرجوع على الدين بالدين عند تنفيذه الحكم الذي يصدر في الدعوى ، دون إلتزامه بأي إجراء آخر، فلا يلتزم بإخطار المدين قبل قيامه بتنفيذه الحكم الذي بإلزامه بالدين.

وللكفيل الحق في إدخال المدين خصماً في الدعوى بإلزامه بما عسى أن يقضي به عليه للدائن، وذلك وفقاً للإجراءات المقررة لدعوي الضمان الفرعية، ويقوم إعلان صحيفة دعوى الضمان مقام الإخطار المشار إليه، يغني عنه، بإعتبار أن الغاية من الأخطار هو حفظ حق الكفيل في الرجوع على الدين، وهو ما تحقق برفع دعوى الضمان دون حاجة لإنتظار صدور حكم نهائي فيها، لرجوع الكفيل على المدين بعد أن حفظ الأول حقه في ذلك بالإخطار ومحل الرجوع، سواء بين الدائن والكفيل، أو بين الدائن والمدين، أو بين الكفيل والمدين، هو الدين، وإذ تنص المادة 201 من قانون المرافعات على أنه إستثناء من القواعد العامة في رفع الدعاوى إبتداءً، تتبع الأحكام الواردة في المواد التالية إذا كان حق الدائن ثابتاً بالكتابة وحال الآداء وكان كل ما يطالب به ديناً من النقود معين المقدار أو منقولاً معيناً بذاته أو بنوعه أو مقداره وتتبع هذه الأحكام إذا كان صاحب الحق دائناً بورقة تجارية واقتصر رجوعه على الساحب أو المحرر أو القابل أو الضامن الإحتياطي لأحدهم، أما إذا أراد الرجوع على غير هؤلاء وجب إتباع القواعد العامة في رفع الدعوى.

مفاد ذلك، أن رجوع الدائن بالدين النقدى، يكون بسلوك طريق أمر الأداء سواء رجع على الدين أو على الكفيل، وإذا قام الكفيل بالوفاء للدائن، أصبح دائناً بمقدار الدين الذي قام بالوفاء به، ووجب أن يرجع به على المدين بسلوك طريق أمر الأداء متى قام الدائن بتحويل سند الدين إليه و نفاذ الحوالة في حق الدين بقبوله لها أو إعلانه بها حتى تتوافر الصفة في الرجوع، فإن لم تكن الحوالة قد نفذت في حق المدين، وجب على الكفيل الرجوع عليه بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، وذلك بإيداع صحيفة الدعوى قلم كتاب المحكمة التي يقع بدائرتها موطن الدين، كذلك الحال إذا كان الرجوع شاملة المصاريف إذ ينحصر أمر الأداء في أصل الدين والفوائد دون ما يكون الدائن قد تكبده من مصاريف أو كان قد طلب تعويضاً.

فإذا كان صاحب الحق دائناً بورقة تجارية، وانحصر رجوعه على الساحب أو المحرر أو القابل للورقة أو الضامن الإحتياطي لأحدهم، وجب عليه سلوك طريق أمر الأداء ويكون كل هؤلاء في حكم المدين، ولذلك يجوز للحامل الرجوع على أي منهم منفردة بقيمة الورقة بسلوك طريق أمر الأداء، أما إذا أراد الرجوع عليهم جميعاً أو على بعضهم وجب عليه أن يسلك الطريق العادي المتمثل في الدعوى، كذلك إذا أراد الرجوع على أحدهم أو بعضهم وعلى الكفيل، أما اذا رجع على الكفيل وحده ، وجب أن يسلك في رجوعه طريق أمر الأداء.

ورغم توافر التضامن بين الساحب والقابل والضامن الإحتياطي، إلا أنه لا يجوز الرجوع عليهم مجتمعين إلا بطريق الدعوى تمكينة لكل منهم من إبداء دفوعه ، حتى لو قام الكفيل بالوفاء و أراد الرجوع عليهم، خلافاً للتضامن بين المدينين بموجب سند لا يعتبره القانون من الأوراق التجارية، اذ لو قام الكفيل بالوفاء وجب أن يلتزم في رجوعه عليهم سلوك طريق أمر الأداء.

ومفاد ذلك، أنه يتعين على المدين، عندما يخطره الكفيل بعزمه على وفاء الدين وفاءً اختيارياً أن يعارض في هذا الوفاء، ويترتب على هذه المعارضة، أن يمتنع الكفيل عن الوفاء وإلا سقط حقه في الرجوع على المدين.

وليس للمعارضة في الوفاء شكل خاص، فقد تكون بإنذار على يد محضر أو بخطاب مسجل أو غير مسجل أو شفاهة، ويتحمل المدين إثبات قيامه بالمعارضة بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً ، بإعتبار أن المعارضة واقعة مادية.

ومن ثم فإن سقوط حق الكفيل في الرجوع على المدين مشروط بقيام المدين بالمعارضة في الوفاء، وهذا يتطلب قيام المدين بإجراءً إيجابیاً يفصح بجلاء عن إرادته، بحيث إذا سكت عن الرد على إخطار الكفيل، فإنه يكون قد اتخذ موقفاً سلبياً منه، ودل بذلك على عدم اعتراضه على ما تضمنه إخطار الكفيل بعزمه على الوفاء بالدين، وبالتالي فإن سكوت المدين يدل على موافقته على الوفاء وذلك عملاً بالفقرة الثانية من المادة 98 من القانون المدني التي يجري نصها بأن يعتبر السكوت عن الرد قبولاً إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه، ولا جدال في أن الوفاء بالدين يكون لمصلحة المدين وهو من وجه إليه الاخطار بالوفاء، فضلاً عن دلالة نص الفقرة الثانية من المادة 898 من ذات القانون.

وبالتالي، فإذا أقام الكفيل الدليل على قيامه بإخطار المدين بعزمه على الوفاء بالدين، ولد له مدة مناسبة للإعتراض أو لم يحدد مدة لذلك، وانقضت المدة المناسبة دون أن يخطر الدين، الكفيل بأنه يعارض في الوفاء، كان عدم الرد بمثابة علم معارضة في الوفاء، بحيث إذا قام الكفيل به، ثبت له الحق في الرجوع على المدين، وامتنع على الأخير التمسك في مواجهة الكفيل بأى دفع يتعلق بالدين، كقيامه بالوفاء به أو بطلانه أو بإنقضائه ، شريطة تحقق علم الدين بالأخطار علماً يقينياً أو ظنياً على ما أوضحناه فيما تقدم، وتبعاً لذلك يكون رجوع الكفيل على المدين بموجب الدعوى الشخصية وليس بموجب دعوى الحلول .

نطاق سقوط حق الكفيل في الرجوع على المدين :

أوضحنا فما تقدم، أنه يجب على الكفيل أن يخطر الدين قبل قيامه بالوفاء للدائن، وأن عدم قيامه بهذا الإلتزام، قد يؤدى إلى سقوط حقه في الرجوع على المدين إذا كان أنهي الأخير سبب يقضى التزامه، كما لو كان قد قام بالوفاء للدائن من قبل، أو كان لديه وجه لبطلان التزامه أو تقادمه، إذا ما رجع عليه الدائن، إذ كان يجوز للمدين التمسك بهذه الدفوع في مواجهة الدائن، بإعتبار أن الكفيل يستمد حقه في الرجوع على المدين، من الدائن، وهو ما يتحقق في حالة رجوع الكفيل بموجب دعوى الحلول، إذ يحل بموجبها محل الدائن في نفس الدين الذي أداه، بحيث يكون له حقه بما لهذا الحق من خصائص وما يلحقه من توابع وما يكفله من تأمينات وما يرد عليه من دفوع عملاً بالمادتين 329 ، 799 من القانون المدني، ولذلك ينحصر سقوط حق الكفيل في الرجوع على المدين، في رجوعه بموجب دعوى الحلول، لأنه بموجبها يحل محل الدائن في دينه، فإن كان قد انقضى، فإن ذمة المدين تبرأ منه فلا يلزم بشيء.

أما اذا رجع الكفيل على المدين بالدعوى الشخصية، فإن أساسها يكون نشوء التزام في ذمة الدين يرجع سببه إلى قيام الكفيل بالوفاء بالدين، فلا يستند الكفيل إلى حلوله محل الدائن، وإنما إلى الوفاء الذي قام هو به والذي يستفيد منه المدين إذ يترتب عليه براءة ذمته دون مقابل يكون قد أدى للكفيل، وهو ما يتحقق به إثراء الدين بدون سبب، وينشأ عن ذلك حق للكفيل يجيز له الرجوع على المدين بدعوى الإثراء بلا سبب، وهي دعوى شخصية لتعلقها بشخص الكفيل الذي قام بالوفاء ونشأ عنه حق في الرجوع على المدين لإجباره على الوفاء بإلتزامه للكفيل مباشرة دون اعتداد بعلاقة المدين بالدائن، وبالتالي، لا يلتزم الكفيل لرجوعه بهذه الدعوى الشخصية أن يكون قد أخطر المدين بذلك.

فإن تبين عند رجوع الكفيل بالدعوى الشخصية، أن المدين سبق له الوفاء للدائن بالدين، وأن الدائن قبل الوفاء مرة أخرى من الكفيل، وأن مستندات الدين التي تسلمها الكفيل من الدائن ليست إلا مستندات مزورة، فإن الدائن يكون قد استوفى دیناً غير مستحق له، فتبرأ ذمة الدين، ويرجع الكفيل على الدائن بدعوى غير المستحق.

فإن كان الدين يتقادم بالنسبة للمدين في حالة رجوع الدائن عليه في مدة قصيرة، فإن هذا التقادم لا يسري في مواجهة الكفيل، ولكن يتقادم حقه في الرجوع على المدين بالمدة التي تتقادم بها دعوى الإثراء بلا سبب وفقاً للمادة 180 من القانون المدني .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر ، الصفحة :737)

ويجب على الكفيل أن يخطر المدين قبل أن يقوم بوفاء الدين، وذلك سواء أراد الكفيل أن يقوم بوفاء الدين من تلقاء نفسه أو طالبه الدائن بالدين مطالبة قضائية.

وحكمة ذلك خشية أن يكون المدين قد وفى الدين قبل أن يوفيه الكفيل فينقضي الدين ويكون وفاءً الكفيل للدين بعد ذلك غير ذي فائدة.

وخشية أن يكون للمدين وقت استحقاق الدين أسباب تبطل الدين أو تقضيه من غير الوفاء به.

وليس للإخطار شكل خاص، فقد يكون بإنذار على يد محضر أو بخطاب مسجل أو غير مسجل أو شفاهة ويقع عبء إثبات الإخطار على عاتق الكفيل والإخطار يرد على واقعة مادية، وبالتالي يجوز إثباته بكافة طرق الثبوت القانونية ومنها البينة والقرائن .

إذا قام الكفيل بإخطار المدين قبل أن يقوم بالوفاء، فإن من واجب الأخير أن يعترض على الوفاء إذا كان لديه من الأسباب ما يدعو لذلك.

وليس للإعتراض شكل خاص، بل هو يتم بالنسبة للإخطار.

ويجب أن يصل اعتراضه إلى الكفيل في وقت مناسب فإن سكت ولم يعترض في وقت مناسب فإنه يكون مقصراً ويحق للكفيل الرجوع عليه حتى ولو كان قد دفع الدين من قبل أو كانت لديه أسباب تقضي ببطلانه أو بإنقضائه.

فالكفيل هيأ له فرصة الإعتراض على الوفاء ولكنه لم يعترض رغم ذلك، ومن ثم فهو يتحمل نتيجة تقصيره أما إذا قام بالإعتراض لدى الكفيل في الوقت المناسب، فإنه يجب على هذا الأخير أن يمتنع عن الوفاء وأن يترك الدائن يمضي في الإجراءات، والمدين مسئول أمامه عن كل ضرر يصيبه من ذلك، وله إذا شاء أن يدخله في الدعوى ليبدي ما عنده من دفوع.

فإذا قام الكفيل بالوفاء رغم الإعتراض سقط حقه في الرجوع على المدين إذا أثبت أن أسباب إعتراضه كانت تؤدى إلى رفض مطالبة الدائن كلياً أو جزئياً.

وتقدير الوقت المناسب الذي كان على المدين أن يعترض فيه متروك لقاضى الموضوع.

إذا قام الكفيل بالوفاء دون إخطار المدين بذلك، سقط حقه في الرجوع على المدين إذا ثبت أن المدين كان قد وفى الدين، أو أنه كان عنده وقت الإستحقاق من الأسباب ما يمكن الإستناد إليه في بطلان الدين، كإنعدام المحل أو السبب أو مخالفته للنظام العام والآداب، أو لنقص أهليته أو وجود عيب في رضائه، أو أنه كان قد إنقضى بالمقاصة أو اتحاد الذمة أو مضي المدة أو غير ذلك من أسباب الإنقضاء.

فإذا لم يثبت المدين شيئاً من ذلك إحتفظ الكفيل بحقه في الرجوع عليه كاملاً رغم عدم إخطاره مقدماً.

فإذا أثبت أن الإخطار كان يؤدي إلى إعتراضه على الوفاء بجزء من الدين فقط كان للكفيل الرجوع عليه بالقدر الباقي من الدين. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري،الجزء : العاشر ، الصفحة : 533)

إنعدام الخطأ من جانب الكفيل أو إنعدام الضرر في جانب المدين - خشي المشرع أن يدفع الكفيل الدين دون علم المدين فيدفعه هذا مرة ثانية ، أو أن يدفعه المدين أولاً دون علم الكفيل فيدفعه هذا مرة أخرى ، ورأى أن يتفادى ذلك بإلتزام الكفيل بأن يخطر المدين قبل قيامه بالوفاء بعزمه عليه ، فإن كان المدين قد وفى الدين أو كانت عنده أسباب تقضى ببطلان الدين أو بإنقضائه ، وجب عليه أن يعلم الكفيل بذلك وأن يعارض في قيامه بالوفاء (المادة 798) .

الشرط الثالث إنعدام الخطأ من جانب الكفيل أو انعدام الضرر في جانب المدين - خشي المشرع أن يدفع الكفيل الدين دون علم المدين فيدفعه هذا مرة ثانية ، أو أن يدفعه المدين أولاً دون علم الكفيل فيدفعه هذا مرة أخرى ، ورأى أن يتفادى ذلك بإلتزام الكفيل بأن يخطر المدين قبل قيامه بالوفاء بعزمه عليه ، فإن كان المدين قد وفى الدين أو كانت عنده أسباب تقضى ببطلان الدين أو بإنقضائه ، وجب عليه أن يعلم الكفيل بذلك وأن يعارض في قيامه بالوفاء (المادة 798) .

فاذا أخل الكفيل بواجب الإخطار وقام بالوفاء ، قام به على مسئوليتها أنه إذا ترتب على هذا الإخلال ضرر للمدين تعادل قيمته ما يريد الكفيل الرجوع به سقط حق الكفيل في الرجوع ، كما إذا كان المدين قد وفى الدين قبل أن يوفيه الكفيل ، أو وفاة مرة ثانية بعد وفاة الكفيل وقبل الرجوع عليه ، أو كانت لديه دفوع تبطل الدين أو تجعله منقضياً إنقضاءً كلياً أما إذا لم يترتب على هذا الإخلال ضرر للمدين أو ترتب عليه ضرر جزئي ، فإن حق الكفيل في الرجوع لا يسقط بالرغم من هذا الإخلال أو يسقط منه فقط بقدر ما تحقق من ضرر.

ويلاحظ أن المدين في هذه الحالة لا يتمسك بهذه الدفوع بإعتبارها دفوعاً ترد على دعوى الكفيل ، لأن هذه الدعوى دعوى شخصية للكفيل لا يحتج عليه فيها بالدفوع المتعلقة بالدين المكفول التي كان يجوز التمسك بها ضد الدائن ، وإنما يتمسك بها المدين ويثبت صحتها بإعتبار أن ثبوتها يدل على أن وفاءً الكفيل دين الدائن قد ألحق بالمدين ضرراً من حيث أنه فوت عليه فرصة التمسك بهذه الدفوع ضد الدائن ، أي أن إثبات المدين صحة هذه الدفوع إنما هو إثبات للضرر الذي أصابه بسبب عدم إخطار الكفيل إياه بعزمه على الوفاء ، ولذلك قلنا إن حق الكفيل في الرجوع على المدين لا يسقط كله كما يوحي ظاهر النص ، وإنما يسقط منه بقدر الضرر الذي أصاب المدين بسبب عدم إخطاره فإذا كان المدين قد وفى جزءاً من الدين أو وقعت المقاصة بين دين له وما يقابله من دين الدائن ، لم يمتنع رجوع الكفيل عليه إلا بقدر هذا الجزء فقط.

وإذا قام الكفيل بالإخطار قبل الوفاء ، فإما أن يرد عليه المدين معترضاً على الوفاء مع إبداء أسباب الإعتراض ، وأما أن لا يرد وفي الحالة الأولى ينبغي على الكفيل أن يمتنع عن الوفاء تحت مسئولية الدين ، أي أن يترك الدائن يتخذ الإجراءات ضده ثم يدخل هو فيها المدين إبداء دفوعه في مواجهة الدائن تحت مسئوليته ، ويجوز للكفيل إذا اقتنع بعدم قيام إعتراض المدين على أساس سليم أن يصرف النظر عنه وأن يمضي في الوفاء ولكن تحت مسئوليته الشخصية ، أي أنه يكون معرضاً لأن يفقد حقه كله أو بعضه في الرجوع على المدين إذا أثبت هذا أمام القضاء صحة الأسباب التي بني عليها إعتراضه وكانت هذه الأسباب يترتب عليها براءة ذمته من الدين كله أو بعضه.

وفي الحالة الثانية أي إذا سكت المدين ولم يرد على إخطار الكفيل اياه بعزمه على الوفاء ، يصبح من حق الكفيل المضي في الوفاء والرجوع على المدين بما وفاه ، ولا يجوز للمدين أن يحتج بعد ذلك بأن الوفاء سبب له ضرراً أو فوت عليه فرصة التمسك بدفوع ضد الدائن ، لأنه هو الذي تسبب بتقصيره في مضى الكفيل في الوفاء. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : التاسع ،الصفحة : 168)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 315

عَلاَقَةُ الْكَفِيلِ بِالْمَكْفُولِ عَنْهُ:

39 - إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَدِينِ، فَإِنَّ الْكَفِيلَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَخْلِيصِهِ مِنَ الْكَفَالَةِ، وَكَذَلِكَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّاهُ لِلدَّائِنِ عَلَى التَّفْصِيلِ الآْتِي:

أ - مُطَالَبَةُ الْمَدِينِ بِتَخْلِيصِهِ مِنَ الْكَفَالَةِ:

40 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ إِذَا كَانَتْ بِأَمْرِ الْمَدِينِ، ثَبَتَ لِلْكَفِيلِ الْحَقُّ فِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَخْلِيصِهِ مِنَ الْكَفَالَةِ إِذَا طَالَبَهُ الدَّائِنُ بِالدَّيْنِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ لِلدَّائِنِ، وَيَثْبُتَ لَهُ الْحَقُّ كَذَلِكَ فِي مُلاَزَمَتِهِ إِذَا لاَزَمَهُ الدَّائِنُ، وَالْحَقُّ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحَبْسِهِ إِذَا مَا طَالَبَ الدَّائِنَ بِحَبْسِ الْكَفِيلِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ لأِنَّ الْمَدِينَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِيمَا صَارَ إِلَيْهِ، فَحُقَّ لَهُ أَنْ يُعَامِلَهُ بِمِثْلِ مَا يُعَامَلُ بِهِ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدِينِ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ الْحَقُّ فِي مُطَالَبَتِهِ بِذَلِكَ، لأِنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْكَفَالَةِ وَبِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَلاَ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ إِلْزَامِ غَيْرِهِ بِمَا الْتَزَمَ بِهِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلضَّامِنِ الْحَقَّ فِي مُطَالَبَةِ الْمَضْمُونِ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ إِلَى الدَّائِنِ لِيَخْلَصَ مِنَ الضَّمَانِ، وَيَحِقُّ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ، سَوَاءٌ طَالَبَهُ الدَّائِنُ أَوْ لاَ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِ الْمَدِينِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَيْسَ لِلضَّامِنِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَدِينَ بِتَسْلِيمِ مَا بِهِ الْوَفَاءُ إِلَيْهِ لِيَدْفَعَهُ إِلَى الدَّائِنِ؛ لأِنَّ الْمَدِينَ لاَ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الضَّامِنَ إِذَا ضَمِنَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْمَضْمُونِ، لاَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَخْلِيصِهِ مِنَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الضَّمَانِ بِإِذْنِهِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ تَخْلِيصُهُ مِنْهُ، وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ الْمَدِينِ، ثُمَّ طَالَبَهُ الدَّائِنُ، جَازَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِأَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّهُ إِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُغَرِّمَهُ إِذَا غَرِمَ جَازَ لَهُ كَذَلِكَ أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَخْلِيصِهِ مِنَ الْكَفَالَةِ إِذَا طُولِبَ، وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ الْمَدِينِ، وَلَمْ يُطَالِبْهُ الدَّائِنُ، فَالأْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ مُطَالَبَةَ الْمَدِينِ؛ لأِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُغَرِّمَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْرَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ حَقَّ مُطَالَبَتِهِ بِتَخْلِيصِهِ، لأِنَّهُ شَغَلَ ذِمَّتَهُ بِالدَّيْنِ بِإِذْنِهِ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ مِنْهُ، كَمَا إِذَا أَعَارَهُ عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا، كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُسْتَعِيرَ بِتَخْلِيصِهَا .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِذَا ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ، فَطُولِبَ الضَّامِنُ، فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِتَخْلِيصِهِ؛ لأِنَّهُ لَزِمَهُ الأْدَاءُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُطَالِبَ الضَّامِنَ لَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ لأِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ غَرَامَتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَبْلَ طَلَبِهِ مِنْهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ؛ لأِنَّهُ شَغَلَ ذِمَّتَهُ بِإِذْنِهِ، فَكَانَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَفْرِيغِهَا، كَمَا لَوِ اسْتَعَارَ عَيْنًا فَرَهَنَهَا، كَانَ لِصَاحِبِهَا مُطَالَبَتُهُ بِفِكَاكِهَا وَتَفْرِيغِهَا مِنَ الرَّهْنِ .

ب - رُجُوعُ الضَّامِنِ عَلَى الْمَدِينِ:

41 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الضَّامِنَ لاَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنَ الْمَدِينِ أَنْ يُسَلِّمَهُ مَا بِهِ وَفَاءُ الدَّيْنِ قَبْلَ قِيَامِهِ بِأَدَائِهِ لِلدَّائِنِ .

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الضَّامِنَ إِذَا أَدَّى مَا عَلَى الْمَضْمُونِ بِنِيَّةِ التَّبَرُّعِ عَنِ الْمَدِينِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا أَدَّى الضَّامِنُ حَقَّ الدَّائِنِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَدِينِ، فَفِي حُكْمِ رُجُوعِهِ تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ كَمَا يَلِي:

1 - شُرُوطُ الرُّجُوعِ:

42 - يَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ لِرُجُوعِ الْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ثَلاَثَةَ شُرُوطٍ:

الأْوَّلُ: أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَدِينِ، إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمَدِينُ صَبِيًّا مُمَيِّزًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِعَتَهٍ أَوْ سَفَهٍ، فَلاَ يَثْبُتُ لِلْكَفِيلِ حَقُّ الرُّجُوعِ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ بِالأْمْرِ فِي حَقِّ الْمَكْفُولِ عَنْهُ اسْتِقْرَاضٌ وَاسْتِقْرَاضُ الصَّبِيِّ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَتَضَمَّنَ كَلاَمُ الْمَدِينِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرِ الضَّامِنِ بِأَنْ يَقُومَ بِالضَّمَانِ عَنْهُ، كَأَنْ يَقُولَ: اضْمَنْ عَنِّي، فَإِذَا قَالَ لَهُ: اضْمَنِ الدَّيْنَ الَّذِي فِي ذِمَّتِي لِفُلاَنٍ، دُونَ أَنْ يُضِيفَ الضَّمَانَ لِنَفْسِهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْكَفِيلِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ عِنْدَ الأْدَاءِ؛ لأِنَّ هَذَا الأْمْرَ لاَ يَتَضَمَّنُ طَلَبَ إِقْرَاضٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرْجِعُ مُطْلَقًا؛ لأِنَّ الأْدَاءَ تَمَّ بِنَاءً عَلَى الأْمْرِ بِالضَّمَانِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ فِي الأْدَاءِ مُطْلَقًا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى أَدَاءِ الْكَفِيلِ إِبْرَاءُ ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ؛ لأِنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ قَدْ ثَبَتَ بِنَاءً عَلَى نِيَابَةِ الْكَفِيلِ عَنِ الْمَدِينِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ أَدَّى الْكَفِيلُ الدَّيْنَ لِلدَّائِنِ، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَدِينَ قَدْ قَامَ بِأَدَائِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَدِينِ بِمَا أَدَّى، وَإِنَّمَا يَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَهُ مِمَّنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الضَّامِنَ إِذَا أَدَّى دَيْنَ الْمَضْمُونِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَضْمُونِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ أَمْ كَانَتْ بِدُونِ إِذْنِهِ، حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْ صَغِيرٍ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى فِي مَالِ الصَّغِيرِ، وَذَلِكَ لأِنَّهُ قَامَ بِوَفَاءِ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى الأْصِيلِ ، فَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ فِي هَذِهِ السَّبِيلِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلضَّامِنِ الَّذِي أَدَّى الدَّيْنَ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَضْمُونِ إِنْ وُجِدَ إِذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالأْدَاءِ جَمِيعًا، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ إِنِ انْتَفَى إِذْنُهُ فِيهِمَا، فَإِنْ أَذِنَ الأْصِيلُ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ وَسَكَتَ عَنِ الأْدَاءِ، رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ فِي الأْصَحِّ ؛ لأِنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي سَبَبِ الْغُرْمِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ : لاَ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ؛ لأِنَّ الْغُرْمَ حَصَلَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَإِنْ أَذِنَ الأْصِيلُ فِي الأْدَاءِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِي الضَّمَانِ لاَ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ فِي الأْصَحِّ ؛ لأِنَّ الْغُرْمَ بِالضَّمَانِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ : يَثْبُتُ لِلْكَفِيلِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الأْصِيلِ ؛ لأِنَّهُ أَسْقَطَ الدَّيْنَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الضَّامِنَ الَّذِي أَدَّى الدَّيْنَ الْمَضْمُونَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْمَدِينِ، لَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:

الْحَالَةُ الأْولَى: أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ قَدْ ضَمِنَ بِإِذْنِ الْمَدِينِ، ثُمَّ أَوْفَاهُ كَذَلِكَ، فَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ، سَوَاءٌ قَالَ لَهُ: اضْمَنْ عَنِّي وَأَدِّ عَنِّي، أَوْ أَطْلَقَ الإْذْنَ بِالضَّمَانِ وَالأْدَاءِ فَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى نَفْسِهِ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ قَدْ ضَمِنَ بِإِذْنِ الْمَدِينِ، وَلَكِنَّهُ أَدَّى بِدُونِ إِذْنِهِ، فَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ أَيْضًا؛ لأِنَّ الإْذْنَ فِي الضَّمَانِ يَتَضَمَّنُ الإْذْنَ فِي الأْدَاءِ عُرْفًا.

الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ قَدْ ضَمِنَ بِدُونِ إِذْنِ الْمَدِينِ، وَلَكِنَّهُ أَدَّى الدَّيْنَ بِإِذْنِهِ، فَلَهُ كَذَلِكَ حَقُّ الرُّجُوعِ؛ لأِنَّ إِذْنَ الْمَدِينِ بِالأْدَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ الْكَفِيلُ عَنْهُ فِيهِ.

الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ قَدْ ضَمِنَ بِدُونِ إِذْنِ الْمَدِينِ، ثُمَّ أَدَّى بِدُونِ إِذْنٍ مِنْهُ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى؛ لأِنَّهُ أَدَاءٌ مُبْرِئٌ مِنْ دَيْنٍ وَاجِبٍ، فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَقِيَامُ الإْنْسَانِ بِقَضَاءِ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِهِ يَسْتَلْزِمُ حَقَّ رُجُوعِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا، وَالرِّوَايَةُ الأْخْرَى : لاَ يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لأِنَّ صَلاَةَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم عَلَى الْمَيِّتِ الْمَدِينِ، بَعْدَ ضَمَانِ دَيْنِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ مِنَ الدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ لِلضَّامِنِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَدِينِ بِمُجَرَّدِ ضَمَانِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ مَا بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ .

2 - كَيْفِيَّةُ الرُّجُوعِ:

43 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ الَّذِي لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِمَا أَدَّى، إِذَا كَانَ مَا وَفَّاهُ مِثْلَ الدَّيْنِ وَمِنْ جِنْسِهِ؛ لأِنَّ الْكَفِيلَ - وَقَدْ أَمَرَ بِالضَّمَانِ وَقَامَ بِالْوَفَاءِ بِنَاءً عَلَيْهِ - يَتَمَلَّكُ الدَّيْنَ بِذَلِكَ الْوَفَاءِ، فَإِذَا أَدَّاهُ مِنْ جِنْسِهِ حَلَّ مَحَلَّ الدَّائِنِ فِيهِ، وَإِذَا أَدَّى أَقَلَّ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنَّمَا يَتَمَلَّكُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، تَجَنُّبًا لِلرِّبَا بِسَبَبِ اخْتِلاَفِ الْقَدْرِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، أَمَّا إِذَا أَدَّى بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُطْلَقًا، أَوْ تَصَالَحَ مَعَ الدَّائِنِ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدِينِ بِمَا ضَمِنَ - وَهُوَ الدَّيْنُ - لأِنَّهُ تَمَلَّكَ الدَّيْنَ بِالأْدَاءِ، فَيَرْجِعُ بِمَا تَمَّتِ الْكَفَالَةُ عَلَيْهِ، وَشُبْهَةُ الرِّبَا غَيْرُ وَارِدَةٍ .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الضَّامِنَ - الَّذِي لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ - يَرْجِعُ عَلَى الْمَدِينِ بِمِثْلِ مَا أَدَّى إِذَا كَانَ مَا أَدَّاهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا، لأِنَّ الضَّامِنَ كَالْمُسَلِّفِ، وَفِي السَّلَفِ يَرْجِعُ بِالْمِثْلِ حَتَّى فِي الْمُقَوَّمَاتِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا أَدَّاهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ بِالأْقَلِّ مِنَ الدَّيْنِ وَقِيمَةِ مَا أَدَّى، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الضَّامِنُ قَدِ اشْتَرَى مَا أَدَّى بِهِ، فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي شِرَائِهِ مُحَابَاةٌ، وَإِلاَّ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ، وَإِذَا تَصَالَحَ الْحَمِيلُ وَالدَّائِنُ فَلاَ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَدِينِ إِلاَّ بِالأْقَلِّ مِنَ الأْمْرَ يْنِ، الدَّيْنِ وَقِيمَةِ مَا صَالَحَ بِهِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الضَّامِنَ - إِذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ - فَالأْصَحُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ، لاَ بِمَا لَمْ يَغْرَمْ، فَيَرْجِعُ بِالدَّيْنِ إِنْ أَدَّاهُ، وَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إِنْ كَانَ أَقَلَّ، وَيَرْجِعُ بِالأْقَلِّ مِمَّا أَدَّى وَمِنَ الدَّيْنِ إِنْ صَالَحَ عَنِ الدَّيْنِ بِخِلاَفِ جِنْسِهِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ رُجُوعُهُ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ؛ لأِنَّهُ حَصَلَ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ بِمَا فَعَلَ، وَالْمُسَامَحَةُ جَرَتْ مَعَهُ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الضَّامِنَ يَرْجِعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِأَقَلِّ الأْمْرَ يْنِ مِمَّا قَضَى أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ؛ لأِنَّهُ إِنْ كَانَ الأْقَلُّ الدَّيْنَ فَالزَّائِدُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ أَقَلَّ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ، وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ غَرِيمُهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ. وَإِنْ دَفَعَ عَنِ الدَّيْنِ عَرَضًا رَجَعَ بِأَقَلِّ الأْمْرَ يْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ، فَإِنْ قَضَى الْمُؤَجَّلَ قَبْلَ أَجَلِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ؛ لأِنَّهُ لاَ يَجِبُ لَهُ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ لِلْغَرِيمِ، فَإِنْ أَحَالَهُ كَانَتِ الْحَوَالَةُ بِمَنْزِلَةِ تَقْبِيضِهِ، وَيَرْجِعُ بِالأْقَلِّ مِمَّا أَحَالَ بِهِ أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ، سَوَاءٌ قَبَضَ الْغَرِيمُ مِنَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، أَوْ أَبْرَأَهُ، أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الاِسْتِيفَاءُ لِفَلَسٍ أَوْ مَطْلٍ، لأِنَّ نَفْسَ الْحَوَالَةِ كَالإْقْبَاضِ .