loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة : 542

مذكرة المشروع التمهيدي :

استمد المشروع المادة 1153 من المادة 728 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، مع إضافة الفقرة الخاصة بحالة الوفاء الجزئي وهي تطابق في أحكامها المادة 505 / 617 من التقنين الحالي والكفيل الذي يوفي عند حلول أجل الدين يكون له الحلول محل الدائن في جميع ما له من حقوق قبل المدين فإن كان قد توفي قبل حلول الأجل، بإتفاق مع المدين ، فإنه يكون له كذلك أن يحل محل الدائن قبله فإن كان الوفاء قبل الأجل قد تم بغير رضاء المدين ، فإن الكفيل يعرض نفسه لخطر ضياع حقه في الرجوع على المدين والحلول محل الدائن إذا كان الدين قد انقضى في المدة بين الوفاء وحلول الأجل بسبب المقاصة أو إتحاد الذمة مثلاً ، أو كانت لدى المدين دفوع تری ذمته من الدين فإن كان الوفاء جزئياً ، فإن الكفيل لا يستطيع تطبيقاً لقواعد الحلول (م 465 من المشروع ) الرجوع على المدين و الحلول محل الدائن قبل أن يستوفي هذا الأخير نهائياً ما له .

الأحكام

1- المتبوع وهو فى حكم الكفيل المتضامن لا يستطيع الرجوع على تابعه عند وفائه بالتعويض إلى الدائن المضرور إلا بإحدى دعويين الأولى دعوى الحلول المنصوص عليها فى المادة 799 من القانون المدنى والتى ليست إلا تطبيقاً للقاعدة العامة فى الحلول القانونى المنصوص عليها فى المادة 326 من القانون المذكور والتى تقضى بأن الموفى يحل محل الدائن الذى استوفى حقه إذا كان الموفى ملزماً بوفاء الدين عن المدين وإذ كان للمدين فى حالة الرجوع عليه بهذه الدعوى أن يتمسك فى مواجهة الكفيل بالدفوع التى كان له أن يتمسك بها فى مواجهة الدائن فإن من حق التابع أن يتمسك قبل المتبوع الذى أوفى بالتعويض عنه للمضرور بانقضاء حق الدائن المضرور قبله بالتقادم الثلاثى المقرر فى المادة 172 من القانون المدنى بدعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع على أساس أنه انقضى على علم المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه أكثر من ثلاث سنوات دون أن يرفع المضرور عليه الدعوى بطلب التعويض وعلى أساس أن رفعه الدعوى على المتبوع المطعون ضده لا يقطع التقادم بالنسبة إلى التابع الطاعن والتقادم هنا لا يرد على حق المتبوع فى الرجوع على التابع وإنما على حق الدائن الاصلى (المضرور) فيه الذى انتقل إلى المتبوع بحلوله محل الدائن (المضرور) فيه والذى يطالب به المتبوع تابعه ذلك بأن للمتبوع حين يوفى التعويض للدائن المضرور فإنه يحل محل هذا الدائن فى نفس حقه وينتقل إليه هذا الحق بما يرد عليه من دفوع. وأما الدعوى الثانية التى يستطيع المتبوع الرجوع بها على تابعه فهى الدعوى الشخصية المنصوص عليها فى المادة 324 من القانون المدنى التى تقضى بأنه إذا قام الغير بوفاء الدين كان له حق الرجوع على المدينبقدر ما دفعه وهذه الدعوى سواء كان أساسها الإثراء بلا سبب أو الفضاله فإن المتبوع لا يستطيع الرجوع بها إذا كان قد أوفى التعويض للدائن المضرور بعد أن كان حق الدائن فيه قد سقط بالنسبة للتابع لأن هذا لم يفد شيئاً من هذا الوفاء وليس للمتبوع أن يرجع على تابعه بالتعويض الذى أوفاه بالدعوى الشخصية التى للكفيل قبل المدين والمقررة فى المادة 800 من القانون المدنى وذلك لما هو مقرر من عدم جواز رجوع الكفيل بهذه الدعوى إذا كانت الكفالة لمصلحة الدائن وحده ، وضمان المتبوع لأعمال تابعه هو ضمان قرره القانون لمصلحة الدائن المضرور وحده .

(الطعن رقم 3882 لسنة 64 جلسة 2004/04/20)

2- مفاد المواد 8 ، 1/24 ، 4/25 من قانون العقوبات أن كل حكم يصدر بقوبة جناية يستتبع حتماً و بقوة القانون عدم أهلية المحكوم عليه للتقاضى أمام المحاكم سواء بصفته مدعياً أو مدعى عليه بما يوجب إن لم يعين هو قيماً تقره المحكمة أن تتولى المحكمة المدنية التابع محل إقامته فى غرفة مشورتها تعيين هذا القيم بناء على طلب النيابة العامة أو من له مصلحة فى ذلك ، فإذا إختصم أو خاصم بشخصه فى دعوى خلال فترة تنفيذه للعقوبة الأصلية المقضى بها عليه دون القيم الذى يمثله قانوناً من قبل المحكمة بطلب إجراءات الخصومة بقوة القانون و إعتبرت كأن لم تكن ، و هى قاعدة يتعين أعمال حكمها على الأحكام التى تصدر من المحاكم العسكرية بعقوبة جناية طبقاً لما تقضى به المادتان 123 ، 129 من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 بإعتبارها تتضمن تشديداً للعقوبة الواردة فيه جاءت فى قانون العقوبات ، و ينبنى على ذلك أنه إذا لم يعين المحكوم عليه بعقوبة جناية من المحاكم العسكرية فيما تقره المحكمة فإنه يتعذر على المضرور من الفعل غير المشروع الذى إرتكبه أن يرفع دعواه بالتعويض قبله إلا بعد أن يلجأ إلى المحكمة التى حددتها المادة 4/25 من قانون العقوبات لتعيين القيم ، و من ثم فإن الفترة التى تسبق صدور الحكم بتعيين هذا القيم تعد فى حكم المادة 1/382 من القانون المدنى مانعاً يقف معه سريان التقادم بالنسبة لدعوى المضرور ، لما كان ذلك ، و كان الثابت بالأوراق أن تقادم دعوى المضرور إن عاد إلى السريان من اليوم التالى لتاريخ 1978/4/13 الذى أصبح فيه الحكم الجنائي الصادر من المحكمة العسكرية باتاً إلا أن سريان هذا التقادم أوقف من جديد بتقديم المطعون ضده طلب تعيين قيم على المحكوم عليه بتاريخ 1979/12/30 بعد أن حل محل دائنه - المضرور - فى جميع ما له من حقوق قبله عملاً بالمادة 799 من القانون المدنى و ظل الوقف قائماً حتى صدور الحكم النهائى بتعيين القيم فى 1984/3/15 مما لا تكون معه دعوى المضرور بالتعويض قد سقطت حتى قيام المطعون ضده برفع دعواه بالرجوع بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة فى 1984/7/25.

(الطعن رقم 2013 لسنة 58 جلسة 1990/03/29 س 41 ع 1 ص 897 ق 148)

3- للوارث الرجوع على باقى الورثة بما يخصهم من الدين الذى وفاه - عن التركة - كل بقدر نصيبه بدعوى الحلول أو بالدعوى الشخصية ، فإذا كان رجوعه بدعوى الحلول فإنه يحل محل الدائن فى نفس الدين الذى أداه بحيث يكون له حقه بما لهذا الحق من خصائص وما يلحقه من توابع وما يكفله من تأمينات وما يرد عليه من دفوع عملاً بالمادة 329 من القانون المدنى فإذا كانت الفائدة المقررة للدين 2% فليس له أن يطالب بأكثر من ذلك ، وإن كان رجوعه بالدعوى الشخصية فيكون على أساس الفضالة أو الإثراء بغير سبب فإن آثر الرجوع بدعوى الإثراء بلا سبب فله أقل قيمتى الإفتقار الذى لحقه مقدراً بوقت الحكم والإثراء الذى أصاب المدعى عليه ووقت حصوله فإذا طلب فائدة عما أنفق إستحق الفائدة القانونية من وقت تحديد المبلغ المستحق بحكم نهائى . أما إن رجع بدعوى الفضالة فيستحق طبقاً للمادة 195 من القانون المدنى النفقات الضرورية و النافعة التى سوغتها الظروف مضافاً إليها فوائدها من يوم دفعها أى من وقت الإنفاق وإذ كان الطاعن قد أسس دعواه على أنه قام بسداد الدين الباقى للدائنه بعد أن إتخذت إجراءات نزع الملكية و رفع الدعوى ... لإلزام المطعون ضدها بأن تدفع له نصيبها فى الدين و الفوائد القانونية بواقع 4%من تاريخ المطالبة الرسمية فقضت له المحكمة بالمبلغ المطالب به و أغفلت الفصل فى طلب الفوائد ، فأقام الدعوى المطعون فى حكمها للمطالبة بتلك الفوائد ، وكان المستفاد من جمله ما تقدم أن الطاعن قد إستند فى دعواه إلى الفضاله فهى التى تعطيه الحق فى الفوائد من تاريخ إنفاقه للمبالغ الضرورية والنافعة دل على ذلك أنه لم يتمسك بالفائدة التى كانت تستحقها الدائنة و هى 2% حتى يمكن القول بإستناده لدعوى الحلول ، كما أنه لم يطلب الفوائد من تاريخ الحكم النهائى طبقاً لقواعد الإثراء بلا سبب و أوضح إضطراره لسداد الدين توقياً لإجراءات التنفيذ العقارى بدين لا يقبل الإنقسام بالنسبة للمدينين وهو أحدهم مما تستقيم معه دعوى الفضاله ومؤدى ذلك إستحقاقه للفوائد بواقع 4% من تاريخ الإنفاق وهو سابق على التاريخ الذى جعله بدءاً لطلبها فإن الحكم - إذ خالف ذلك بأن كيف دعوى الطاعن بأنها دعوى حلول مما تستقيم مع طلباته فيها - يكون مخطئاً فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 51 لسنة 43 جلسة 1977/02/23 س 28 ع 1 ص 548 ق 101)

4- إذا كان أساس دعوى رجوع الكفيل على المدين بما أوفاه عنه هو حلول الكفيل محل الدائن فى الرجوع على المدين - حلولاً مستمداً من عقد الحلول المبرم بين الدائن والكفيل ومستنداً إلى المادتين 1/326 و 329 من القانون المدنى اللتين تقضيان بأنه إذا قام بالوفاء شخص غير المدين حل الموفى محل الدائن الذى إستوفى حقه إذا كان الموفى ملزماً بالدين مع المدين أو ملزماً بوفائه عنه و أن من حل قانوناً أو إتفاقاً محل الدائن كان له حقه بما لهذا الحق من خصائص وما يلحقه من توابع و ما يكفله من تأمينات وما يرد عليه من دفوع و كان القرض - المكفول - عملاً تجاريا بالنسبة لطرفيه فإن الكفيل الموفى يحل محل الدائن الأصلى فيه بما له من خصائصه ومنها صفته التجارية وبالتالى يكون للكفيل أن يرفع دعواه على المدين أمام المحكمة التجارية المتفق بين الدائن والمدين على إختصاصها .

(الطعن رقم 289 لسنة 31 جلسة 1968/01/25 س 19 ع 1 ص 116 ق 19)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 799 مدني على ما يأتي :

إذا وفى الكفيل الدين ، كان له أن حل محل الدائن في جميع ما له من حقوق قبل المدين ولكن إذا لم يوف إلا بعض الدين ، فلا يرجع بما وفاه إلا بعد أن يستوفي الدائن كل حقه من الدين .

أي كفيل يرجع بدعوى الحلول على المدين : كل كفيل يرجع بدعوى الحلول على المدين ، يستوي في ذلك الكفيل الذي عقد الكفالة لمصلحة المدين سواء كان بأمر المدين أو بعلمه أو بغير علمه ، والكفيل الذي عقد الكفالة لمصلحة المدين بالرغم من معارضة هذا الأخير ، والكفيل عقد الكفالة لمصلحة الدائن ويستوي في ذلك أيضاً أن تكون الكفالة قد عقدت لمصلحة المدين وحده ، أو لمصلحة الدائن وحده ، أو لمصلحة الاثنين معاً ، أو لمصلحة المدين والكفيل ، أو لمصلحة الدائن والكفيل وعلى ذلك يستوي الكفيل غير المأجور ، والكفيل المأجور  ويستوي أخيراً الكفيل غير المتضامن مع المدين ، والكفيل المتضامن مع المدين.

والأصل في ذلك ما نصت عليه المادة 326 مدني من أنه "إذا قام بالوفاء شخص غير المدين ، حل الموفي محل الدائن الذي استوفى حقه في الأحوال شخص غير المدين ، حل الموفى محل الدائن الذي استوفى حقه في الأحوال الآتية إذا كان الموفي ملزماً بالدين مع المدين أو ملزماً بوفائه عنه . 

 فالكفيل ملزم بوفاء الدين عن المدين ، ومن ثم إذا وفى الدين للدائن كان أن يحل محل الدائن في جميع ما لهذا الأخير من حقوق قبل المدين فليست المادة 799 مدني سالفة الذكر إلا تطبيقاً تشريعياً للمادة 326 مدني ، وقد أعطت دعوى الحلول للكفيل في عبارة عامة مطلقة ، بخلاف الدعوى الشخصية المنصوص عليها في المادة 800 مدني فإنها أعطيت للكفيل إذا عقد الكفالة بعلم المدين أو بغير علمه دون الكفل الذي عقد الكفالة بالرغم من معارضة المدين ويكون حلول الكفيل محل الدائن القانون ، دون حاجة لأن يطلب الكفيل ذلك .

الشروط الواجب توافرها لرجوع الكفيل على المدين بدعوى الحلول : رأينا أنه يجب توافر شروط ثلاثة لرجوع الكفيل على المدين بالدعوى الشخصية : قيام الكفيل بوفاء الدين عن المدين ، وفاء المدين بالدين عند حلول أجله ، وإخطار الكفيل المدين قبل الوفاء مع عدم معارضة المدين .

و الشرطان الأولان من هذه الشروط الثلاثة يجب توافرهما لرجوع الكفيل على المدين بدعوى الحلول ، أما الشرط الثالث المتعلق بإخطار المدين فليس ضرورياً للرجوع بهذه الدعوى .

وعلى ذلك يجب توافر شرطين لرجوع الكفيل على المدين بدعوى الحلول ، وهما :

الشرط الأول قيام الكفيل بوفاء الدين عن المدين : فيجب على الكفيل حتى يرجع على المدين بدعوى الحلول ، أن يكون قد قام بوفاء الدين عن المدين وقد رأينا المادة 799 تقول : " إذا وفى الكفيل الدين ، كان له أن يحل محل الدائن والكفيل لا يقوم بوفاء الدين عن المدين إلا إذا كان متضامناً معه وإلا إذا لم يدفع بالتجريد أو فشل في هذا الدفع ، فعندئذ يضطر إلى وفاء الدين للدائن ويحل محله في رجوعه إلى المدين ، وقد يقضي الكفيل الدين بما يقوم مقام الوفاء ، كما إذا وفى الدين بمقابل ، أو جدد الدين بتغيير المدين مثلاً ، أو قضى الدين بطريق المقاصة ، فكل هذه أسباب تقوم مقام الوفاء فينقضي بها الدين ، ومن ثم يحل الكفيل محل الدائن بمجرد إنقضاء الدين أما إذا لم يف الكفيل الدين أو يقضه بسبب يقوم مقام الوفاء ، كما إذا أبرأ الدائن الكفيل من الكفالة أو تقادم دين الكفيل ، فإن هذا لا يعتبر وفاء للدين ، فلا يحل الكفل محل الدائن وقد يعمد الدائن إلى التنفيذ على أموال كل من المدين والكفيل ، فعلى الكفيل في هذه الحالة أن يتقدم في التوزيع المفتوح بالنسبة إلى أموال المدين ، حتى إذا استوفى الدائن حقه من أموال المدين وأموال الكفيل معاً ، حل الكفيل محل الدائن ودخل في توزيع أموال المدين بنسبة ما استوفاه الدائن من أمواله هو .

الشرط الثاني وفاء الكفيل بالدين عند حلول أجله : فإذا تعجل الكفيل الوفاء بغير رضاء الدائن قبل حلول الأجل الأصلي ، لم يكن له أن يرجع بدعوى الحلول إلا عند حلول هذا الأجل ، أو لم يرجع أصلاً إذا جد ما بين وفاء الكفيل بالدين وحلول الأجل سبب لإنقضاء الدين وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : " فإن كان الوفاء قبل الأجل قد تم بغير رضاء المدين ، فإن الكفيل يعرض نفسه لخطر ضياع حقه في الرجوع على المدين والحلول محل الدائن إذا كان الدين قد إنقضى في المدة بين الوفاء وحلول الأجل بسبب المقاصة أو إتحاد الذمة مثلاً ، أو كانت لدى المدين دفوع تبرئ ذمته من الدين".

رأينا أن المادة 799 مدني تنص على ما يأتي : "ولكن إذا لم يوف  الكفيل  إلا بعض الدين ، فلا يرجع بما وفاه إلا بعد أن يستوفي الدائن كل حقه من المدين" وليس هذا النص إلا تطبيقاً تشريعياً لبعض ما جاء في المادة 330 مدني التي تنص على ما يأتي :

1 - إذا وفى الغير الدائن جزءاً من حقه وحل محله فيه ، فلا يضار الدائن بهذا الوفاء ، ويكون في إستيفاء ما بقي له من حق مقدماً على من وفاه ، ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك .

2 - فإذا حل شخص آخر محل الدائن فيما بقى له من حق ، رجع من حل أخيراً هو ومن تقدمه في الحلول كل بقدر ما هو مستحق له وتقاسماً قسمة الغرماء" .

والمفروض هنا أن الكفيل وفي جزءاً من الدين ، فحل محل الدائن فيه فإذا كان المدين قد رهن عقاراً في الدين وكان العقار لا يفي بكل الدين ، وليس للمدين أموال أخرى ، فإن الكفيل وقد حل في الرهن بمقدار ما وفاه والدائن ولا يزال دائناً بالجزء الباقي لا يجدان أمامهما سوى هذا العقار ليستوفي كل حقه منه ، ويتقدمان معاً على سائر الغرماء بما لهما من حق الرهن ، وكان ينبغي أن يتعادلاً فإن كلا منهما دائن بجزء من دين واحد ، فلا محل لتفصيل أحدهما على الآخر ، ولكن النص ، وهو في ذلك يترجم عن الإرادة المحتملة للطرفين ، يفترض أن الدائن لم يكن ليرضى بإستيفاء جزء من حقه من الكفيل إلا على أساس أن يتقدم عليه في إستيفاء الجزء الباقي . 

فيتقدم الدائن على الكفيل ويستوفي أولاً الجزء الباقي من الدين ، وما بقي بعد ذلك من ثمن العقار يأخذه الكفيل فلا يستوفي به إلا بعض حقه . 

فالكفيل وقد حل محل الدائن في جزء من حقه لم يعامل معاملة الدائن ، بل فضل الدائن عليه على أن هذه القاعدة يحد منها قيدان :

1 - وأنها ليست إلا إفتراضاً لما أراده الدائن والكفيل ، فهي ليست قاعدة من النظام العام ومن ثم يجوز للدائن والكفيل أن يتفقا على غير ذلك ، فلهما أن يتفقا على أنهما يتعادلان فيقتسمان مال المدين اقتسام الغرماء ، بل لهما أن يتفقا على أن الكفيل هو الذي يتقدم على الدائن وما بقي بعد ذلك يأخذه الدائن .

2 - وحتى لو لم يتفق الدائن والكفيل على شيء يخالف القاعدة المتقدمة الذكر وتقدم الدائن على الكفيل ، فهذه ميزة شخصية للدائن وحده ، لا تنتقل منه إلى شخص آخر يفي له بالجزء الباقي من حقه ويحل فيه وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 330 مدني صراحة على هذا الحكم قضت بأنه " إذا حل شخص آخر محل الدائن فيما بقى له من حق ، رجع من حل أخيراً هو ومن تقدمه في الحلول كل بقدر ما هو مستحق له ، وتقاسما قسمة الغرماء ولا يستطيع الدائن ، وهو يستوفي الجزء الباقي من حقه من هذا الشخص الآخر أن يتفق معه على أن يجعله متقدماً على الكفيل ، إذ أن الكفيل ليس طرفاً في هذا الإتفاق فلا يسري في حقه وإنما يجوز للدائن ، عند إستيفاء جزء من حقه من الكفيل ، أن يشترط عليه أنه هو أو من يخلفه في الجزء الباقي يتقدم على الكفيل وعند ذلك يكون للدائن ، وهو يستوفي الجزء الباقي ، أن يتفق مع الوفي الثاني أن يتقدم هذا على الكفيل ، وهذا ما رضي به الكفيل مقدماً عند اتفاقه مع الدائن .

وما قدمناه من أن الكفيل الذي وفى بجزء من الدين يتأخر عن الدائن عند ما يريد هذا استيفاء الجزء الباقي ، إنما يصح إذا رجع الكفيل على المدين بدعوى الحلول أما إذا رجع بالدعوى الشخصي ، فقد رأينا أنه لا وجه لتفضيل الدائن عليه فإذا فرض في المثل المتقدم أن المدين لم يرهن عقاراً لضمان الدين ، ووفى الكفيل الدائن جزءاً من حقه ، ولم يكن عند المدين مال يفي بكل الدين ، فإن رجوع الكفيل بالدعوى الشخصية على المدين يجعله يزاحم الدائن في رجوعه على المدين بما بقي من حقه ، ويقتسمان مال المدين اقتسام الغرماء. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : العاشر ، الصفحة : 221)

وضع المشرع القاعدة العامة لدعوى الحلول بالمادة 326 من القانون المدني التي يجري نصها بأنه «إذا قام بالوفاء شخص غير المدين، حل الموفي محل الدائن الذي استوفى حقه في الأحوال الآتية : (أ) إذا كان الموفي ملزماً بالدين مع المدين أو ملزماً بوفائه عنه ثم جاء بتطبيق لهذه القاعدة بالنسبة للكفالة بما نص عليه في المادة 799 من القانون المدني، من حلول الكفيل محل الدائن متى وفي الكفيل بالدين تنفيذاً لإلتزامه بالوفاء عن المدين، سواء كانت الكفالة قد عقدت بعلم المدين أو بغير علمه، أو لمصلحته أو لمصلحة الدائن وحده، أو رغم معارضته كأن يكون الكفيل أراد تأمين الدائن فإنه يحل محل الدائن في الرجوع على المدين بموجب دعوى الحلول وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب أي بقدر ما افتقر به الكفيل واثرى به المدين وكل ما يشترط في هذا الحلول أن يكون الكفيل قد وفی الدين المكفول کاملاً سواء نقداً أو بما يقوم مقام الوفاء أو بالتجديد أو بالمقاصة ولما كان الإبراء والتقادم يقضيان الدين ولكنهما ليسا وفاء ومن ثم لا يكون للكفيل أن يحل محل الدائن إذا إنقضى الدين بأحد هذين السببين كما يشترط أن يكون الوفاء عند حلول أجل الدين، فإن كان الوفاء قبل الأجل قد تم بغير رضاء الدين فإن الكفيل يعرض نفسه لخطر ضياع حقه في الرجوع على المدين والحلول محل الدائن إذا كان الدين قد إنقضى في المدة بين الوفاء وحلول الأجل بسبب المقاصة أو إتحاد الذمة مثلاً أو كانت لدى المدين دفوع تبريء ذمته من الدين.

أما إن تم الوفاء قبل الأجل بموافقة المدين، فإن الكفيل يحل محل الدائن ويجوز له الرجوع على المدين بدعوى الحلول، بإعتبار أن الأجل مقرر لمصلحة للدين وبالتالي يجوز له التنازل عنه، على أن يراعي الكفيل في هذه الحالة أن يخصم من الدين الفوائد التي تستحق عن المدة التي تنازل المدين عنها إذا كانت هناك فوائد مقررة.

ومتى توافر الشرطان، الوفاء بكامل الدين وحلول أجل الوفاء حل الكفيل محل الدائن في الحق بذات خصائصه وتوابعه وتأميناته ودفوعه بقوة القانون، فإن كان الحق مجاريه إنتقل للكفيل بذات الصفة من حيث الإثبات والاختصاص وسعر الفائدة، وأن كان يتقادم بمدة قصيرة ظل خاضعة لها ولا يؤدى الوفاء إلى قطعها، وهذا خلافاً لحكم الدعوى الشخصية إذ يبدأ سريان التقادم من وقت الوفاء وأن كان الدين ثابتاً بسند تنفيذي إنتقل بذات السند، كما يحل الكفيل محل الدائن في آخر إجراء في الدعوى التي كان يباشرها ضد المدين كما ينتقل للحق توابعه كالفوائد وكالحق في الفسخ إذا كان الكفيل كفيل المشتري في الثمن فإنه يحل محل البائع في طلب الفسخ، وكذلك للكفيل أن يطعن في تصرف المدين بالدعوى البوليصية، وينتقل إليه الحق في الحبس عندما يتسلم العين المحبوسة من الدائن، كما يستفيد الكفيل من الشرط الجزائي وتنتقل تأمينات الدين للكفيل کالراهن وحق الإختصاص وحق الإمتياز وذلك بحكم القانون، كما ينتقل الحق للكفيل بما يرد عليه من دفوع إذا كان لم يخطر المدين قبل الوفاء (م 798) خلافاً لما إذا رجع بالدعوى الشخصية على نحو ما تقدم.

ويرجع الكفيل على المدين بقدر ما وفاه للدائن وبفوائد هذا الدين أن وجدت فوائد اتفاقية أو قانونية وبالمصاريف التي أنفقها الدائن ورجع بها على الكفيل وكل ما كان مستحقاً للدائن ودفعه له، ولكنه لا يرجع بالفوائد القانونية عما دفعه ولا بالمصروفات التي أنفقها للوفاء بالتزامه وكل ما حكم عليه به من المصروفات للدائن ولا مصروفات العرض والإيداع أو التي أنفقها للإرشاد عن أموال المدين بصدد الدفع بالتجريد ومصروفات الدعوى التي رجع بها الدائن عليه ولا بالتعويض عن ضرر تسبب عن خطئه، وذلك خلافاً للدعوى الشخصية إذ يرجع فيها الكفيل على المدين بهذه المبالغ.

أما إذا وفى الكفيل جزء من الدين، فإنه لا يستطيع الرجوع بهذا القدر على المدين إلا بعد أن يستكمل الدائن الوفاء، وهذا قاصر على الدائن فإن أحال الأخير هذا الباقي إلى آخر، كان الكفيل والمحال إليه في مركز واحد فيقسم عليهما مال المدين قسمة غرماء، ولكن يجوز الإتفاق بين الدائن والكفيل على ما يخالف ذلك، ولا يسري هذا القيد إذا رجع الكفيل بالدعوى الشخصية فلا يتقدم الدائن عليه فيقتسمان مال الدين قسمة الغرماء ، ويجوز للكفيل الذي قام بوفاء جزئی الرجوع بالدعوى الشخصية على المدين بهذا الوفاء.

يجوز للكفيل بعد قيامه بالوفاء بالدين، أن يرجع على الدين، أما بدعوى الحلول على ما أوضحناه فيما تقدم، أو بالدعوى الشخصية، إذ يترتب على الوفاء قیام علاقة دهنية من الموفي والدين، أساسها الإثراء بغير سبب أو الفضالة، عملاً بالمادتين 324 ، 800 من القانون المدنى.

ولما كانت الآثار المترتبة على أي من الدعويين تختلف بالنسبة للأخرى، إذ يرجع المونی بذات الدين الذي كان ثابتاً للدائن، في حالة رجوعه بدعوى الطول، بينما يرجع بحق خاصی به نشأ من تصرف قانوني أبرمه مع الدائن إن طرأ على الوفاء، ولذلك يجب على المحكمة أن تنزل بدعوى الرجوع التكييف الصحيح لها، فإن اعتبرتها دعوى حلول، التزمت أحكامها، وإن اعتبرتها دعوى شخصية انصرفت إلى الإثراء بدون سبب أو الفضالة، أعملت أحكامها.

وتستخلص المحكمة هذا التكييف من شروط العقد المبرم بين الدائن والمدين ومن طلبات الكفيل، فإذا تبين أنها ذات الطلبات التي كان يرجع بها الدائن على الدين من حيث طبيعة الدين وسعر الفائدة المتفق عليه والشرط الجزائي الوارد بالعقد والحقوق والإلتزامات الأخرى، كيفت الدعوى بأنها دعوى حلول.

أما إن تبين أن الكفيل يرجع الى المدين بشروط مغايرة، وأنه يستند إلى قواعد الإثراء بلا سبب أو الفضالة في تحديد طلباته، كيفت الدعوى بأنها دعوی شخصية.

ولا تقضى المحكمة للكفيل بطلباته إلا إذا كانت الدعوى التي رجع بها على المدين قد إستوفت شروطها، فإن رجع بالدعوى الشخصية، وتبين للمحكمة أن الكفالة إنما تقررت لمصلحة الدائن وحده كما في كفالة المتبوع لتابعة إذ تقررت المصلحة الدائن الذي أضر به التابع ولم تتقرر لغيره، أو أن الكفالة أبرمت رغم إعتراض الدين، فإنها تقضي بعدم قبول الدعوى، إذ كان يتعين على الكفيل أن يرجع بدعوى الحلول بدات دين الدائن . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر،  الصفحة : 745)

وإذا وفى الكفيل الدين، كان له أن يحل محل الدائن في جميع ما له من حقوق قبل المدين، أي أنه يرجع على الدائن بدعوى الحلول.

ويعتبر هذا النص تطبيقاً للقاعدة العامة في دعوى الحلول المنصوص عليها بالمادة 326 من التقنين المدني .

شرطاً رجوع الكفيل بدعوى الحلول :

يشترط لرجوع الكفيل بدعوى الحلول توافر الشرطين التاليين :

الشرط الأول :

أن يقوم الكفيل بوفاء الدين عن المدين :

ولكن لا يهم طريقة الوفاء، فقد يكون الوفاء نقداً أو مقاصة أو وفاء بمقابل أو تجديد.

ويجب أن يكون الكفيل قد وفى الدين كله سواء كان ضمنه كله أم ضمن جزءاً منه فقط فإذا كان الكفيل قد وفي بجزء من الدين فلا يرجع بدعوى الحلول إلا بعد أن يستوفي الدائن كل حقه من المدين وهذا الحكم يتفق مع القواعد العامة التي تقضي بها الفقرة الأولى من المادة 330 مدني.

الشرط الثاني :

أن يتم الوفاء عند حلول الأجل :

يجب أن يتم الوفاء بالدين عند حلول الأجل، فإذا قام الكفيل بوفاء الدين قبل حلول أجله وبغير رضاء الدائن، لم يكن له أن يرجع بدعوى الحلول إلا عند حلول الأجل وقد يحدث أن يجد سبب لإنقضاء الدين بين وفاء الكفيل بالدين وبين حلول الأجل، فلا يرجع الكفيل بدعوى الحلول عندئذ، كما إذا كان الدين قد انقضى في المدة بين الوفاء وحلول الأجل بسبب المقاصة أو اتحاد الذمة مثلاً، أو كانت لدي المدين دفوع تبرئ ذمته من الدين.

ما يرجع به الكفيل على المدين في دعوى الحلول :

تنص الفقرة الأولى من المادة على أن : "إذا وفى الكفيل الدين، كان له أن يحل محل الدائن في جميع ما له من حقوق قبل المدين" وهذا الإيجاز تفسره القاعدة العامة الواردة في المادة 329 .

وبالترتيب على ذلك يرجع الكفيل على المدين بما يأتي:

(أ) الحق الذي كان للدائن إذا هو حل محله فيه : وعلى ذلك إذا لم يكن هذا الحق قائما فإن الكفيل لا يستطيع الرجوع وقد نبهت مذكرة المشروع التمهيدي إلى صورة من ذلك فقالت : " فإن كان قد وفي قبل حلول الأجل، بإتفاق مع المدين، فإنه يكون له كذلك أن يحل محل الدائن قبله، فإن كان الوفاء قبل الأجل قد تم بغير رضاء المدين، فإن الكفيل يعرض نفسه لخطر ضياع حقه في الرجوع على المدين والحلول محل الدائن. إذا كان الدين قد انقضى في المدة بين الوفاء وحلول الأجل بسبب المقاصة أو إتحاد الذمة مثلاً، أو كانت لدى المدين دفوع تبرئ ذمته من الدين".

(ب) الرجوع بالحق بماله من خصائص، سواء نشأت من اتفاق الدائن والمدين، أم نص عليها القانون.

وعلى ذلك لا يحق للكفيل أن يرجع قبل حلول الأجل المضروب لوفاء الدين، بل ولا حتى قبل فوات الأجل الذي منحه القاضي.

كما يكون حق الكفيل خاضعاً لنوع التقادم الذي خضع له حق الدائن، فالحق ان من هذه الناحية عبارة عن شيء واحد، وتظل الصفة المدنية أو التجارية قائمة كذلك، فلو كان الدين المكفول تجارياً كان كذلك حق الكفيل . 

بكل ما تستتبعه هذه الصفة من نتائج، من حيث الإختصاص وسعر الفائدة والإثبات.

وإذا كان دين الدائن ثابتاً بسند تنفيذى استعمل الكفيل هذا السند ولم يكن به حاجة للحصول على سند آخر.

وأخيراً إذا اتفق الدائن والمدين على عقد الإختصاص لمحكمة معينة لزم أن يرجع الكفيل إليها.

(ج) - يحل الكفيل محل الدائن في حقه بما يلحقه من توابع، فيستفيد من الفائدة إذا كان متفقاً عليها بين الدائن والمدين، ولكنه يلتزم بسعرها أما إذا لم يكن الدين منتجاً الفوائد، فلا يستحق الكفيل شيئاً منها غير ما تعطيه له القواعد العامة من فوائد قانونية تبدأ من وقت المطالبة القضائية.

ويعتبر تابعاً للحق دعوى الفسخ، فلو ضمن الكفيل المشتري في دفع الثمن، ثم دفع الكفيل الثمن للبائع وفاء الدين المشتري، إنتقل إلى الكفيل حق البائع بما يتبعه من دعوى الفسخ لعدم وفاء المشتري بالثمن.

ويعتبر كذلك من التوابع الشرط الجزائي الذي اشترطه الدائن على المدين .

(د) يحل الكفيل محل الدائن في حقه بما يكفله من تأمينات.

وعلى ذلك فإن جميع التأمينات التي كانت تضمن للدائن الوفاء بدينه تنتقل إلى الكفيل لتضمن له رجوعه بما دفع على المدين.

والعبرة هنا بالتأمينات الموجودة وقت قيام الكفيل بالوفاء، وبالحالة التي كانت عليها وقت هذا الوفاء.

فالرهن ينتقل بمرتبته ولايحتاج الكفيل إلى اتفاق خاص مع الدائن لإحلاله محله في هذه التأمينات.

ولا يجوز للدائن أن ينزل عن الرهن أو عن مرتبته إضراراً بحق الكفيل الذي حل محله في هذا الرهن .

ويستوي أن يكون مصدر هذه التأمينات الإتفاق أو القضاء أو القانون وعلى ذلك فإن الكفيل يحل محل الدائن في الرهن الرسمي والحيازي وحق الاختصاص وحقوق الإمتياز.

ويستوي أن تكون هذه التأمينات عينية أو شخصية. 

(هـ) يتعين رجوع الكفيل بما يرد علي حق الدائن من دفوع فيحق للمدين أن يدفع رجوع الكفيل بكل ما كان يستطيع دفع رجوع الدائن به كالدفع ببطلان الإلتزام أو إبطاله أو إنقضائه لأي سبب من الأسباب.

أما إذا كان الدائن قاصراً وجاز للمدين لذلك أن يمتنع عن الوفاء له شخصياً لعدم صحة الوفاء في هذه الحالة فإنه لا يستطيع أن يدفع بهذا الدفع الخاص بشخص الدائن تجاه الكفيل إذا كان هذا متوافر فيه.

إذا لم يوف الكفيل إلا ببعض الدين، فإن ذلك لا يمنعه من الحلول قانوناً محل الدائن بقدر ما وفاه، ولكن لا يجوز له مباشرة دعوى الحلول قبل أن يستوفي الدائن باقی حقه وأن يستغني بذلك عن الدعوى بهذا الحق وعن التأمينات الضامنة له.

ولا يشترط في مباشرة الكفيل دعوى الحلول أن يكون الدائن قد استوفى باقى حقه من الكفيل نفسه، بل يكفي أن يكون قد استوفى حقه من المدين أو من أي شخص آخر، لأن المعول عليه إنما هو إستغناء الدائن عن الدعوى المتعلقة بحقه وعن تأمينات ذلك الحق.

فإذا استوفى الدائن باقی حقه من المدين، جاز للكفيل مباشرة دعوى الحلول والانتفاع بكل تأمينات الدين في استيفاء الجزء الذي وفاه منه.

وكذلك إذا استوفى الدائن باقي حقه من شخص غير المدين ليس له أي حق إتفاقي أو قانوني في الحلول محل الدائن.

أما إذا استوفى الدائن باقی حقه من شخص له حق الحلول عومل هذا الشخص والكفيل الذي وفى جزءاً من الدين على قدم المساواة، وجاز لهما مباشرة دعوى الحلول في الوقت ذاته وكان لهما أن يقتسما الناتج من هذه الدعوى قسمة غرماء،

ولأن الغرض من اشتراط استيفاء الدائن كامل حقه قبل مباشرة الكفيل الذي لم يوف إلا بعض الدين دعوى الحلول إنما هو ضمان له، فيجوز للدائن النزول عن هذا الشرط والسماح للكفيل الذي وفى جزءاً فقط من الدين بمباشرة دعوى الحلول قبل أن يستوفي الدائن كامل حقه ولذلك يعتبر حكم الفقرة الأولى من المادة 330 حكماً مقرراً يجوز الإتفاق على ما يخالفه وقد نصت المادة المذكورة على ذلك صراحة.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر، الصفحة : 536)

الدعاوى التي يرجع بها الكفيل على الدين - متى وفى الكفيل الدين المكفول للدائن ، فإنه يكون قد وفى بإلتزامه الناشئ من الكفالة ، ولكن إلتزامه هذا إنما هو إلتزام بوفاء دين المدين ، أي أن الكفيل يكون قد وفى بإلتزامه الناشئ من الكفالة وبين المدين أيضاً .

غير أن إلتزام الكفيل إلتزام لا يقوم إلا في علاقته بالدائن ، وهو التزام تابع وإحتياطي لم يقصد به إلا ضمان تحصيل الدائن حقه من الكفيل إذا لم يحصله من المدينة فيكون المواقع من الأمر أن الكفيل إذا وفي الدين إنما يوفي ديناً على غيره ولو أنه ملزم بذلك غير مخير ، فيكون له الرجوع على المدين بما وفاه عنه ، وبفوائده القانونية ، بل بتعويض الضرر الذي سببه له الوفاء بالدين الذي ألزم بوفائه بسبب عدم وفاء المدين إياه ، وهكذا يلزم الكفيل بأكثر مما كان المدين ملزماً به . 

وقد نصت المادة 324 مدني على أنه « إذا قام الغير بوفاء الدين ، كان له حق الرجوع على المدين بقدر ما دفعه ، ومع ذلك يجوز للمدين الذي حصل الوفاء بغير إرادته أن يمنع رجوع الموفي بما وفاه عنه كلاً أو بعضاً ، إذا أثبت أن له أية مصلحة في الإعتراض على الوفاء » وهذا النص يقرر قاعدة عامة مقتضاها أن موفي دين غيره بإرادة ذلك الغير يكون له الرجوع بقدر ما دفع فإذا كان الوفاء بغير إرادة المدين لم يكن للموفي إلا الرجوع بأقل القيمتين ، كما في دعوى الإثراء دون سبب : قيمة ما دفعه هو ، أو قيمة ما أفاده المدين من هذا الوفاء الذي حصل دون إرادته.

وقد نصت المادة 326 مدني على قاعدة عامة أخرى مؤداها أنه إذا كان الموفي ملزماً بالدين مع المدين أو ملزماً بوفائه عنه ، حل قانوناً محل الدائن الذي وفاه في حقوقه قبل المدين.

على أن هذه القاعدة لا تجب القاعدة السابقة بل تضاف إليها ، أي أنه إذا كان موفي دين غيره ليس ملزماً بوفائه ثبتت له الدعوى الشخصية المبينة أحكامها في المادة 324 فإذا كان ملزماً بالوفاء ثبت له فوق ذلك حق الحلول محل الدائن (المادة 326).

وقد طبق المشرع في الكفالة حكم المادة 326 حيث نص في المادة 799 مدني على حق الكفيل الذي وفى الدين في الحلول محل الدائن في جميع الأحوال ، ولكنه فيما يتعلق بالدعوى الشخصية لم يكتف بمجرد تطبيق المادة 324 بل نص في المادة 800 على منح الكفيل في أكثر الأحوال دعوی شخصية مختلفة عن الدعوى المنصوص عليها في المادة 334 في شروطها وأحكامها. 

وبناءً على ذلك فالكفيل الذي وفى الدين يكون له في جميع الأحوال دعوى الحلول ، ويكون له فوق ذلك دعوى شخصية مستندة إلى الكفالة وهي التي بينت أحكامها المادة 800 مدني اذا توافرت فيه شروطها ، والا فالدعوى الشخصية المستندة إلى القواعد العامة والمنصوص عليها في المادة 324.

والفصل في حق الكفيل في الرجوع على المدين بما أوفاه عنه يعتبر قضاءً قطعياً في أصل الحق المتنازع عليه يجوز الطعن فيه على استقلال وفقاً للمادة 378 مرافعات ولو أحال الدعوى إلى خبير ليبان المبلغ الذي إستفاده المدين المكفول بما أداه عنه الكفيل . 

رجوع الكفيل في حالة الوفاء الجزئي - إذا وفى الكفيل جزءاً من الدين فقط فلا يرجع على المدين إلا بقدر ما وفاء مع الفوائد والمصاريف ، ولو كان قد حصل في مقابل الجزء الذي وفاء على إبراء المدين من كل الدين نتيجة لمصلح مثلاً بينه وبين الدائن .

غير أنه إذا أثبت أن الدائن قد اكتفى بالجزء الذي دفعه الكفيل ونزل للأخير شخصياً عن الجزء الباقي تبرعاً منه إليه ، كان الكفيل حق الرجوع بما دفع بدعوى الكفالة وبما حصل التبرع له به بإعتباره محالاً إليه .

وقد نصت المادة 799 المتعلقة بدعوى الحلول على أنه إذا لم يوف الكفيل إلا بعض الدين فلا يرجع بما وفاه إلا بعد أن يستوفي الدائن كل حقه من المدين ، ولم يرد مثل هذا النص في المادة 800 المتعلقة بالدعوى الشخصية المستندة إلى الكفالة ولا في المادة 374 المتعلقة بالدعوى الشخصية المستندة إلى القواعد العامة ، فيؤخذ من ذلك أن الكفيل إذا وفي بعض الدين فإن رجوعه بالدعوى الشخصية لا يتقيد بما يتقيد به رجوعه بدعوى الحلول ، أي أنه يجوز له مباشرة الدعوى الشخصية قبل أن يستوفي الدائن منه حقه من الذين فيجوز له أن يسبق الدائن في التنفيذ على أموال المدين أو أن يزاحمه في توزيع الناتج من هذه الأموال غير أنه يجوز في هذه الحالة المدائن إذا كان الكفيل ملتزماً بضمان باقي الدين أن يوقع الحجز على ما يصيب الكفيل، في توزيع أموال المدين وأن يستوفي منه حقه ، فيتمكن بذلك عملياً من استيفاء حقه قبل أن يستوفي الكفيل شيئاً أما إذا كان الكفيل غير ضامن إلا الجزء الذي وفاه الدائن ، فليس للأخير أن يلجأ إلى هذه الوسيلة ولا إلى ای وسيلة أخرى يمنع بها الكفيل من الرجوع بما وفاه إلى أن يستوفي هو كامل حقه من المدين.

أساس دعوى الحلول وشروطها - نصت المادة 799 مدنی على أنه « إذا وفى الكفيل الدين ، كان له أن يحل محل الدائن في جميع ما له من حقوق قبل المدين»، وهي في ذلك لا تعدو أن تكون تطبيقاً للمادة 326 فقرة التي تقضي بحلول الموفي محل الدائن بقوة القانون « إذا كان الموفي ملزماً بالدين مع المدين أو ملزماً بوفائه عنه ، إذ أن الكفيل ملزم بوفاء الدين عن المدين ، وهذا وحده يكفي لإحلاله بمجرد الوفاء محل الدائن الذي استوفى حقه ».

فأساس دعوى الحلول هو تلك القاعدة العامة المنصوص عليها في القانون ، ولم تشرع هذه القاعدة رعاية لكل من يوفي دين غيره ولو كان ذلك بإختياره ، وإنما شرعت لمصلحة من يوفي دين غيره وهو ملزم بذلك كالكفيل  فحسب الكفيل أنه ملزم بالوفاء بدين المدين لكي يكون له إذا ما وخاصة أن يحل بقوة القانون محل الدائن في حقوقه ، أياً كانت الظروف التي عقدت فيها الكفالة ، أي بقطع النظر عما اذا كانت الكفالة قد عقدت المصلحة الدائن وجده أو لمصلحة المدين ، أو إذا كانت قد عقدت بعلم المدين أو دون علمه ، وبرضاه أو رغم إعتراضه ففي جميع الأحوال ما دامت الكفالة صحيحة ، أي ما دام قد نشأ عنها إلتزام الكفيل بوفاء دين غيره، فإن وفاء الكفيل بدين المدين بناء على هذا الإلتزام الناشيء من الكفالة يكفي في ذاته لإحلال الكفيل محل الدائن في حقوقه بقوة القانون .

ويبين من ذلك أنه إذا كان يشترط في حلول الوفي بوجه عام محل الدائن بقوة القانون أن يكون موفي دين غيره ملزماً بالدين مع ذلك الغير أو عنه ، فان هذا الشرط متوفر دائماً في الكفيل ، ولا يبقى إلا أن يقوم الكفيل بوفاء الدين حتى يثبت له هذا الحلول القانوني ، ولذلك يعتبر وفاء الكفيل دين المدين هو الشرط الوحيد لحلوله قانوناً محل الدائن .

على أنه لا يجوز للكفيل بالرغم من حلوله محل الدائن بمجرد الوفاء أن يباشر دعوى الحلول إلا إذا كان الدائن قد استوفي حقه كاملاً وكان أجل الدين قد حل ، والأ وجب على الكفيل أن ينتظر في مباشرة دعوى الحلول أن يحل أجل الدين وأن يستوفي الدائن كامل حقه .

أثر حلول الكفيل محل الدائن - اكتفت المادة 799 مدنی بأن تنص على أنه « إذا وفى الكفيل الدين ، كان له أن يحل محل الدائن في جميع ما له من حقوق قبل المدين … ، وقد تقدم أن حكمها لايخرج عن القواعد العامة فيجب تكملته بها وقد نصت المادة 329 في باب الوفاء مع الحلول على أن « من حل قانوناً أو إتفاقاً محل الدائن ، كان له حقه بما لهذا الحق من خصائص ، وما يلحقه من توابع ، وما يكفله من تأمينات ، وما يرد عليه من دفوع ، ويكون هذا الحلول بالقدر الذي أداه من ماله من حل محل الدائن » ومؤدي ذلك أن الكفيل يحل محل الدائن في حقه ذاته ، وتترتب على ذلك النتائج الآتية .

(1) أن الحلول لا يتم إلا إذا ظل حق المدائن قائماً وقت الوفاء الذي قام به الكفيل ، أما اذا كان هذا الحق قد انقضى أو تقرر بطلانه قبل ذلك فلا محل لحلول الكفيل فيه ، ويجوز حينئذ للكفيل أن يرجع على الدائن بدعوي إسترداد ما دفع دون حق ، ويجوز له أيضاً إذا كان قد أخطر المدين قبل الوفاء ولم يخبره المدين بإنقضاء الدين أو ببطلانه أن يرجع عليه بالدعوى الشخصية .

(2) أن الكفيل يحل محل الدائن في حقه بما لهذا الحق من خصائص ومن توابع ، فإذا كان الدين تجارياً كان الكفيل أن يتمسك بهذه الصفة وبخاصة فيما يتعلق بالإختصاص وبالإثبات وبسعر الفوائد القانونية وإذا كان الدين ثابتاً بسند تنفيذى جاز للكفيك أن يباشر التنفيذ ضد المدين بهذا السند ذاته دون حاجة به للحصول على سند تنفيذي بإسمه خاصة وإذا كان الدائن لم يطالب المدين بعد حلول الأجل فإن المدة التي أنقصت قبل وفاء الكفيل تهسب للمدين اذا ما تمسك بالتقادم بعد ذلك في مواجهة الكفيل ، وإذا كان الدين مما يتقادم بمدة أقل من مدة التقادم العام ، بقيت له هذه الصفة أيضاً في مواجهة الكفيل وإذا كان الدين منتجاً فوائد لمصلحة الدائن ينتجها أيضاً لمصلحة الكفيل وبالسعر ذاته ، وإلا فلا يكون للكفيل حق في فوائد إلا وفقاً للقواعد العامة .

(3) أن الكفيل يحل محل الدائن في حقه بكل ما يرد عليه من دفوع، فإذا كانت للمدين دفوع يجوز له التمسك بها ضد الدائن ، سواء كانت تلك الدفوع متعلقة بالدين أو خاصة بشخصه، كالدفع ببطلان الدين السبب متعلق بالنظام العام أو النقص في الأهلية أو لعيب في الرضا أو بإنقضائه بالمقاصة أو التقادم إلخ ، جاز له التمسك بهذه الدفوع ذاتها في مواجهة الكفيل ، ويستوي في ذلك أن يكون المدين قد أخطر بها الكفيل قبل الوفاء أو لم يخطره لأنه ما دام الكفيل قد حل في حق الدائن بجميع خصائصه ، فإن هذه الدفوع ترد عليه كما كانت ترد في حق الدائن.

(4) أن الكفيل يحل محل الدائن في حقه وفيما كان يكفله من تأمينات سواء كانت تلك التأمينات شخصية أو عينية ، وسواء كانت مقدمة من المدين نفسه أو من غيره ، وسواء كانت موجودة وقت الكفالة أو قدمت بعد ذلك ، فإذا كان التأمين عينياً ومقدمة من المدين ، كان الكفيل أن يستوفي حقه من قيمة هذا التأمين حسب مرتبة الدائن في هذا التأمين وإذا تصرف المدين في المال والموارد عليه هذا التأمين ، كان للكفيل أن يتبعه في يد المتصرف إليه وفقاً للقواعد العامة .

غير أن حلول الكفيل محل الدائن في التأمينات العينية لا يسري في حق الغير إلا إذا إتخذت بشأنه الإجراءات اللازمة لسريانه عليهم ففى الرهن الحيازي لا بد من نقل الحيازة إلى الكفيل وثبوت الوفاء مع الحلول في ورقة ثابتة التاريخ إذا كان المرهون منقولاً ، وفي رهن الحيازة العقاري والرهن الرسمي والإختصاص والإمتياز العقاري لابد من التأشير بالحلول في هامش قيد هذه الحقوق ، وقد نصت المادة 787 فقرة 2  و 3 على أنه  إذا كان الدين مضموناً بمنقول مرهون أو محبوس وجب على الدائن أن يتخلى عنه للكفيل أما إذا كان الدين مضموناً بتأمين عقاري ، فإن الدائن يلتزم بأن يقوم بالإجراءات اللازمة لنقل هذا التأمين ، ويتحمل الكفيل مصروفات، النقل ، على أن يرجع بها على المدين.

أما اذا كانت التأمينات الضامنة للدين كفالة عينية أو شخصية ، فقد تقدم حكم تمدد الكفلاء من حيث إنقسام الدين بينهم أو عدمه ، فاذ وفي أحدهم كل الدین حل محل الدائن قبل الكفلاء الآخرين، ولكنه لو استعمل حقه في الحلول لمطالبة أي منهم بكل الدين ، فإن الأخير يكون له بدوره الرجوع على الأول ، ولذلك سنرى في علاقة الكفلاء فيما بينهم أن الموفي منهم لا يكون له رجوع على الآخرين إلا بقدر نصيبهم في الدين .

وإذا كان التأمين الشخصي تضامناً بين المدينين ، حل فيه الكفيل الموفي مثل الدائن قبل جميع المدينين المتضامنين ولو كان هو لم يكفل الا بعضهم ، وجاز له أن يرجع على أي ممن كفلهم بكل الدين الذي وفاه ، أو على أي واحد من المدينين الآخرين بكل الدين ناقصاً نصیب المدينين الذين كفلهم أو على الأقل نصيب من أعسر منهم  .

حكم الوفاء الجزئي - إذا لم يوف الكفيل إلا بعض الدين ، فإن ذلك لا يمنعه من الحلول قانوناً محل الدائن بقدر ما وفاه ، ولكن لا يجوز له مباشرة دعوى الحلول قبل أن يستوفي الدائن باقي حقه وأن يستغني بذلك عن الدعوى بهذا الحق وعن التأمينات الضامنة له .

وقد نصت المادة 799 مدني على أنه إذا لم يوف الكفيل إلا بعض الدين، فلا يرجع بها وفاء إلا بعد أن يستوفي الدائن كل حقه من المدينة ويعتبر نصها تطبيقاً للمادة 230 فقرة أولى التي تقضي بأنه « إذا وفي الغير الدائن جزءاً من حقه وحل محله فيه »، لا يضار الدائن بهذا الوفاء ، ويكون في استيفاء ما بقى له من حق مقدماً على من وفاه ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك .

ولا يشترط في مباشرة الكفيل دعوى الحلول أن يكون الدائن قد استوفي باقي حقه من الكفيل نفسه ، بل يكفي أن يكون قد استوفي حقه من المدين أو من أي شخص آخر ، لأن المعول عليه إنما هو إستغناء الدائن عن الدعوى المتعلقة بحقه وعن تأمينات ذلك الحق. 

فإذا استوفى الدائن باقى شقه من المدين ، جاز للكفيل مباشرة دعوى الحلول والإنتفاع بكل تأمينات الدين في استيفاء الجزء الذي وفاه منه وكذلك إذا استوفى الدائن باقی حقه من شخص غير المدين ليس له أي حق إتفاقي أو قانوني في الحلول معمل الدائن وإما إذا إستوفى الدائن باقی حقه من شخص له حق المحلول عومل هذا الشخص والكفيل الذي وفي جزء من الدين على قدم المساواة ، وجاز لهما مباشرة دعوى الحلول في الوقت ذاته وكان لهما أن يقتسما الناتج من هذه الدعوى قسمة غرماء ، وقد نصت المادة 330 فقرة ثانية على ذلك حيث قضت بأنه " إذا حل شخص آخر محل الدائن فيما بقي له من حق رجع من هل أخيراً هو ومن تقدمه في الحلول كل بقدر ما هو مستحق له وتقاسماً قسمة الغرماء " .

ولأن الغرض من اشتراط استيفاء الدائن كامل حقه قبل مباشرة الكفيل الذي لم يوقف الا بعض الدين دعوى الحلول انما هو ضمان له فيجوز للدائن النزول عن هذا الشرط والسماح للكفيل الذي هو جزء فقط من الدين بمباشرة دعوى الحلول قبل أن يستوفي المدائن كامل حقه ، ولذلك يعتبر حكم المادة 330 فقرة أولى حكماً مقرراً يجوز الإتفاق على ما يخالفه وقد نصت المادة المذكورة على ذلك صراحة. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : التاسع، الصفحة :161)

تعويض - مسئولية - إذا كان يحق للمتبوع أن يرجع على تابعه محدث الضرر بما يفي من التعويض للمضرور، فإن ذلك يقتضي أن يكون المتبوع قد وفي فعلاً المضرور بمبلغ التعويض المقضي به .(التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2015، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء : الثاني ، الصفحة : 1176)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 315

عَلاَقَةُ الْكَفِيلِ بِالْمَكْفُولِ عَنْهُ:

39 - إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَدِينِ، فَإِنَّ الْكَفِيلَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَخْلِيصِهِ مِنَ الْكَفَالَةِ، وَكَذَلِكَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّاهُ لِلدَّائِنِ عَلَى التَّفْصِيلِ الآْتِي:

أ - مُطَالَبَةُ الْمَدِينِ بِتَخْلِيصِهِ مِنَ الْكَفَالَةِ:

40 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ إِذَا كَانَتْ بِأَمْرِ الْمَدِينِ، ثَبَتَ لِلْكَفِيلِ الْحَقُّ فِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَخْلِيصِهِ مِنَ الْكَفَالَةِ إِذَا طَالَبَهُ الدَّائِنُ بِالدَّيْنِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ لِلدَّائِنِ، وَيَثْبُتَ لَهُ الْحَقُّ كَذَلِكَ فِي مُلاَزَمَتِهِ إِذَا لاَزَمَهُ الدَّائِنُ، وَالْحَقُّ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحَبْسِهِ إِذَا مَا طَالَبَ الدَّائِنَ بِحَبْسِ الْكَفِيلِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ لأِنَّ الْمَدِينَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِيمَا صَارَ إِلَيْهِ، فَحُقَّ لَهُ أَنْ يُعَامِلَهُ بِمِثْلِ مَا يُعَامَلُ بِهِ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدِينِ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ الْحَقُّ فِي مُطَالَبَتِهِ بِذَلِكَ، لأِنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْكَفَالَةِ وَبِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَلاَ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ إِلْزَامِ غَيْرِهِ بِمَا الْتَزَمَ بِهِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلضَّامِنِ الْحَقَّ فِي مُطَالَبَةِ الْمَضْمُونِ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ إِلَى الدَّائِنِ لِيَخْلَصَ مِنَ الضَّمَانِ، وَيَحِقُّ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ، سَوَاءٌ طَالَبَهُ الدَّائِنُ أَوْ لاَ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِ الْمَدِينِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَيْسَ لِلضَّامِنِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَدِينَ بِتَسْلِيمِ مَا بِهِ الْوَفَاءُ إِلَيْهِ لِيَدْفَعَهُ إِلَى الدَّائِنِ؛ لأِنَّ الْمَدِينَ لاَ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الضَّامِنَ إِذَا ضَمِنَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْمَضْمُونِ، لاَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَخْلِيصِهِ مِنَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الضَّمَانِ بِإِذْنِهِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ تَخْلِيصُهُ مِنْهُ، وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ الْمَدِينِ، ثُمَّ طَالَبَهُ الدَّائِنُ، جَازَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِأَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّهُ إِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُغَرِّمَهُ إِذَا غَرِمَ جَازَ لَهُ كَذَلِكَ أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَخْلِيصِهِ مِنَ الْكَفَالَةِ إِذَا طُولِبَ، وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ الْمَدِينِ، وَلَمْ يُطَالِبْهُ الدَّائِنُ، فَالأْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ مُطَالَبَةَ الْمَدِينِ؛ لأِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُغَرِّمَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْرَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ حَقَّ مُطَالَبَتِهِ بِتَخْلِيصِهِ، لأِنَّهُ شَغَلَ ذِمَّتَهُ بِالدَّيْنِ بِإِذْنِهِ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ مِنْهُ، كَمَا إِذَا أَعَارَهُ عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا، كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُسْتَعِيرَ بِتَخْلِيصِهَا .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِذَا ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ، فَطُولِبَ الضَّامِنُ، فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِتَخْلِيصِهِ؛ لأِنَّهُ لَزِمَهُ الأْدَاءُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُطَالِبَ الضَّامِنَ لَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ لأِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ غَرَامَتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَبْلَ طَلَبِهِ مِنْهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ؛ لأِنَّهُ شَغَلَ ذِمَّتَهُ بِإِذْنِهِ، فَكَانَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَفْرِيغِهَا، كَمَا لَوِ اسْتَعَارَ عَيْنًا فَرَهَنَهَا، كَانَ لِصَاحِبِهَا مُطَالَبَتُهُ بِفِكَاكِهَا وَتَفْرِيغِهَا مِنَ الرَّهْنِ .

ب - رُجُوعُ الضَّامِنِ عَلَى الْمَدِينِ:

41 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الضَّامِنَ لاَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنَ الْمَدِينِ أَنْ يُسَلِّمَهُ مَا بِهِ وَفَاءُ الدَّيْنِ قَبْلَ قِيَامِهِ بِأَدَائِهِ لِلدَّائِنِ .

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الضَّامِنَ إِذَا أَدَّى مَا عَلَى الْمَضْمُونِ بِنِيَّةِ التَّبَرُّعِ عَنِ الْمَدِينِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا أَدَّى الضَّامِنُ حَقَّ الدَّائِنِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَدِينِ، فَفِي حُكْمِ رُجُوعِهِ تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ كَمَا يَلِي:

1 - شُرُوطُ الرُّجُوعِ:

42 - يَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ لِرُجُوعِ الْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ثَلاَثَةَ شُرُوطٍ:

الأْوَّلُ: أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَدِينِ، إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمَدِينُ صَبِيًّا مُمَيِّزًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِعَتَهٍ أَوْ سَفَهٍ، فَلاَ يَثْبُتُ لِلْكَفِيلِ حَقُّ الرُّجُوعِ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ بِالأْمْرِ فِي حَقِّ الْمَكْفُولِ عَنْهُ اسْتِقْرَاضٌ وَاسْتِقْرَاضُ الصَّبِيِّ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَتَضَمَّنَ كَلاَمُ الْمَدِينِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرِ الضَّامِنِ بِأَنْ يَقُومَ بِالضَّمَانِ عَنْهُ، كَأَنْ يَقُولَ: اضْمَنْ عَنِّي، فَإِذَا قَالَ لَهُ: اضْمَنِ الدَّيْنَ الَّذِي فِي ذِمَّتِي لِفُلاَنٍ، دُونَ أَنْ يُضِيفَ الضَّمَانَ لِنَفْسِهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْكَفِيلِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ عِنْدَ الأْدَاءِ؛ لأِنَّ هَذَا الأْمْرَ لاَ يَتَضَمَّنُ طَلَبَ إِقْرَاضٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرْجِعُ مُطْلَقًا؛ لأِنَّ الأْدَاءَ تَمَّ بِنَاءً عَلَى الأْمْرِ بِالضَّمَانِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ فِي الأْدَاءِ مُطْلَقًا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى أَدَاءِ الْكَفِيلِ إِبْرَاءُ ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ؛ لأِنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ قَدْ ثَبَتَ بِنَاءً عَلَى نِيَابَةِ الْكَفِيلِ عَنِ الْمَدِينِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ أَدَّى الْكَفِيلُ الدَّيْنَ لِلدَّائِنِ، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَدِينَ قَدْ قَامَ بِأَدَائِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَدِينِ بِمَا أَدَّى، وَإِنَّمَا يَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَهُ مِمَّنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الضَّامِنَ إِذَا أَدَّى دَيْنَ الْمَضْمُونِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَضْمُونِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ أَمْ كَانَتْ بِدُونِ إِذْنِهِ، حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْ صَغِيرٍ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى فِي مَالِ الصَّغِيرِ، وَذَلِكَ لأِنَّهُ قَامَ بِوَفَاءِ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى الأْصِيلِ ، فَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ فِي هَذِهِ السَّبِيلِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلضَّامِنِ الَّذِي أَدَّى الدَّيْنَ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَضْمُونِ إِنْ وُجِدَ إِذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالأْدَاءِ جَمِيعًا، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ إِنِ انْتَفَى إِذْنُهُ فِيهِمَا، فَإِنْ أَذِنَ الأْصِيلُ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ وَسَكَتَ عَنِ الأْدَاءِ، رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ فِي الأْصَحِّ ؛ لأِنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي سَبَبِ الْغُرْمِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ : لاَ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ؛ لأِنَّ الْغُرْمَ حَصَلَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَإِنْ أَذِنَ الأْصِيلُ فِي الأْدَاءِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِي الضَّمَانِ لاَ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ فِي الأْصَحِّ ؛ لأِنَّ الْغُرْمَ بِالضَّمَانِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ : يَثْبُتُ لِلْكَفِيلِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الأْصِيلِ ؛ لأِنَّهُ أَسْقَطَ الدَّيْنَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الضَّامِنَ الَّذِي أَدَّى الدَّيْنَ الْمَضْمُونَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْمَدِينِ، لَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:

الْحَالَةُ الأْولَى: أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ قَدْ ضَمِنَ بِإِذْنِ الْمَدِينِ، ثُمَّ أَوْفَاهُ كَذَلِكَ، فَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ، سَوَاءٌ قَالَ لَهُ: اضْمَنْ عَنِّي وَأَدِّ عَنِّي، أَوْ أَطْلَقَ الإْذْنَ بِالضَّمَانِ وَالأْدَاءِ فَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى نَفْسِهِ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ قَدْ ضَمِنَ بِإِذْنِ الْمَدِينِ، وَلَكِنَّهُ أَدَّى بِدُونِ إِذْنِهِ، فَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ أَيْضًا؛ لأِنَّ الإْذْنَ فِي الضَّمَانِ يَتَضَمَّنُ الإْذْنَ فِي الأْدَاءِ عُرْفًا.

الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ قَدْ ضَمِنَ بِدُونِ إِذْنِ الْمَدِينِ، وَلَكِنَّهُ أَدَّى الدَّيْنَ بِإِذْنِهِ، فَلَهُ كَذَلِكَ حَقُّ الرُّجُوعِ؛ لأِنَّ إِذْنَ الْمَدِينِ بِالأْدَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ الْكَفِيلُ عَنْهُ فِيهِ.

الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ قَدْ ضَمِنَ بِدُونِ إِذْنِ الْمَدِينِ، ثُمَّ أَدَّى بِدُونِ إِذْنٍ مِنْهُ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى؛ لأِنَّهُ أَدَاءٌ مُبْرِئٌ مِنْ دَيْنٍ وَاجِبٍ، فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَقِيَامُ الإْنْسَانِ بِقَضَاءِ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِهِ يَسْتَلْزِمُ حَقَّ رُجُوعِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا، وَالرِّوَايَةُ الأْخْرَى : لاَ يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لأِنَّ صَلاَةَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم عَلَى الْمَيِّتِ الْمَدِينِ، بَعْدَ ضَمَانِ دَيْنِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ مِنَ الدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ لِلضَّامِنِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَدِينِ بِمُجَرَّدِ ضَمَانِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ مَا بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ .

2 - كَيْفِيَّةُ الرُّجُوعِ:

43 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ الَّذِي لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِمَا أَدَّى، إِذَا كَانَ مَا وَفَّاهُ مِثْلَ الدَّيْنِ وَمِنْ جِنْسِهِ؛ لأِنَّ الْكَفِيلَ - وَقَدْ أَمَرَ بِالضَّمَانِ وَقَامَ بِالْوَفَاءِ بِنَاءً عَلَيْهِ - يَتَمَلَّكُ الدَّيْنَ بِذَلِكَ الْوَفَاءِ، فَإِذَا أَدَّاهُ مِنْ جِنْسِهِ حَلَّ مَحَلَّ الدَّائِنِ فِيهِ، وَإِذَا أَدَّى أَقَلَّ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنَّمَا يَتَمَلَّكُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، تَجَنُّبًا لِلرِّبَا بِسَبَبِ اخْتِلاَفِ الْقَدْرِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، أَمَّا إِذَا أَدَّى بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُطْلَقًا، أَوْ تَصَالَحَ مَعَ الدَّائِنِ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدِينِ بِمَا ضَمِنَ - وَهُوَ الدَّيْنُ - لأِنَّهُ تَمَلَّكَ الدَّيْنَ بِالأْدَاءِ، فَيَرْجِعُ بِمَا تَمَّتِ الْكَفَالَةُ عَلَيْهِ، وَشُبْهَةُ الرِّبَا غَيْرُ وَارِدَةٍ .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الضَّامِنَ - الَّذِي لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ - يَرْجِعُ عَلَى الْمَدِينِ بِمِثْلِ مَا أَدَّى إِذَا كَانَ مَا أَدَّاهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا، لأِنَّ الضَّامِنَ كَالْمُسَلِّفِ، وَفِي السَّلَفِ يَرْجِعُ بِالْمِثْلِ حَتَّى فِي الْمُقَوَّمَاتِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا أَدَّاهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ بِالأْقَلِّ مِنَ الدَّيْنِ وَقِيمَةِ مَا أَدَّى، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الضَّامِنُ قَدِ اشْتَرَى مَا أَدَّى بِهِ، فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي شِرَائِهِ مُحَابَاةٌ، وَإِلاَّ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ، وَإِذَا تَصَالَحَ الْحَمِيلُ وَالدَّائِنُ فَلاَ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَدِينِ إِلاَّ بِالأْقَلِّ مِنَ الأْمْرَ يْنِ، الدَّيْنِ وَقِيمَةِ مَا صَالَحَ بِهِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الضَّامِنَ - إِذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ - فَالأْصَحُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ، لاَ بِمَا لَمْ يَغْرَمْ، فَيَرْجِعُ بِالدَّيْنِ إِنْ أَدَّاهُ، وَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إِنْ كَانَ أَقَلَّ، وَيَرْجِعُ بِالأْقَلِّ مِمَّا أَدَّى وَمِنَ الدَّيْنِ إِنْ صَالَحَ عَنِ الدَّيْنِ بِخِلاَفِ جِنْسِهِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ رُجُوعُهُ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ؛ لأِنَّهُ حَصَلَ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ بِمَا فَعَلَ، وَالْمُسَامَحَةُ جَرَتْ مَعَهُ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الضَّامِنَ يَرْجِعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِأَقَلِّ الأْمْرَ يْنِ مِمَّا قَضَى أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ؛ لأِنَّهُ إِنْ كَانَ الأْقَلُّ الدَّيْنَ فَالزَّائِدُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ أَقَلَّ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ، وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ غَرِيمُهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ. وَإِنْ دَفَعَ عَنِ الدَّيْنِ عَرَضًا رَجَعَ بِأَقَلِّ الأْمْرَ يْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ، فَإِنْ قَضَى الْمُؤَجَّلَ قَبْلَ أَجَلِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ؛ لأِنَّهُ لاَ يَجِبُ لَهُ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ لِلْغَرِيمِ، فَإِنْ أَحَالَهُ كَانَتِ الْحَوَالَةُ بِمَنْزِلَةِ تَقْبِيضِهِ، وَيَرْجِعُ بِالأْقَلِّ مِمَّا أَحَالَ بِهِ أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ، سَوَاءٌ قَبَضَ الْغَرِيمُ مِنَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، أَوْ أَبْرَأَهُ، أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الاِسْتِيفَاءُ لِفَلَسٍ أَوْ مَطْلٍ، لأِنَّ نَفْسَ الْحَوَالَةِ كَالإْقْبَاضِ .

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 752)

إذا أدى الكفيل ما كفل به من ماله فله الرجوع بما أدى على الأصيل إن كانت الكفالة بأمر الأصيل وكان الأصيل ممن يجوز قراره على نفسه فلا يرجع على صبي محجوراً.

(مادة 753)

ليس للكفيل مطالبة الأصيل بالدين المكفول به قبل أن يؤديه للدائن المكفول له ولو كانت الكفالة بأمر الأصيل.

(مادة 754)

إذا كان المكفول به ديناً مؤجلاً فدفعه الكفيل للدائن معجلاً فلا يرجع به على الأصيل لو كانت الكفالة بأمره إلا عند حلول الأجل.