مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : السادس، الصفحة : 26
مذكرة المشروع التمهيدي :
تبدأ سلسلة القيود القانونية التي ترد على حق الملكية بنص يشير إلى القوانين الخاصة وما يلحق بها من مراسيم ولوائح تتعلق بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة ويكون من شأنها التقييد من حق الملكية، وذلك كقانون نزع الملكية وقوانين الآثار وقانون المحلات المقلقة للراحة ولائحة الترع والجسور.
المقرر فى قضاء محكمة النقض أن مؤدى نص المادة 806 من القانون المدني أنه إذا وردت على الحقوق ومنها حق الملكية قيود فُرِضت بأداة قانونية يتعين على مالك الشيء أن يتقيد بها ولا يجوز مخالفتها ، ومن هذه القيود الحراسات الإدارية التي فُرِضت بأداة لها سندها من القانون ومن آثارها غل يد المالك عن أمواله فلا يملك التصرف فيها أو إدارتها .
( الطعن رقم 4394 لسنة 84 ق - جلسة 18 / 6 / 2022 )
2 ـ النص فى المادة 806 من القانون المدنى على أنه على المالك أن يراعى فى إستعمال حقه ما تقضى به القوانين و المراسيم و اللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة مؤداه أنه إذا وردت على الحقوق و منها حق الملكية قيود فرضت بأداة قانونية يتعين على مالك الشئ أن يتقيد بها و لا يجوز مخالفتها و من هذه القيود الحراسات الإدارية التى فرضت بأداة لها سندها من القانون و من آثارها غل يد المالك عن أمواله فلا يملك التصرف فيها أو إدارتها .
(الطعن رقم 1348 لسنة 50 جلسة 1984/04/29 س 35 ع 1 ص 1139 ق 218)
3 ـ الأصل أن لمالك الشىء وحده - فى حدود القانون - حق إستعماله و إستغلاله و التصرف فيه مراعياً فى ذلك ما تقضى به القوانين و المراسيم و اللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة عملاً بنص المادتين 802 ، 806 من القانون المدنى مما مؤداه أن يكون للمالك أن يؤجر الأماكن التى يملكها و إن يطلب إخلاء المكان المؤجر إذا إنتهت المدة المتفق عليها و قام سبب لفسخ عقد الإيجار و أن يختار مستأجره و أن يستعمل العين فى أى وجه مشروع ، لما كان ذلك فإنه يكون للشركة المطعون ضدها بإعتبارها شخصاً معنوياً مالكاً للعقار الكائن به عين النزاع مصلحة فى إقامة الدعوى إذ إعتقدت بوجود سبب لفسخ عقد إيجار تلك العين .
(الطعن رقم 597 لسنة 52 جلسة 1983/11/28 س 34 ع 2 ص 1731 ق 338)
4 ـ الأصل أن لمالك الشيء وحده فى حدود القانون استعمال حقه واستغلاله والتصرف فيه مراعياً فى ذلك ما تقضى به القوانين واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة عملاً بالمادتين 802، 806 من القانون المدني مما مؤداه أن يكون للمالك أن يؤجر الشيء الذي يملكه، وأن يختار مستأجره، وأن يطلب إخلاء المستأجر منه متى انتهت المدة المتفق عليها ، وأن يستعمله فى أي وجه مشروع يراه ، غير أن الشارع رأى بمناسبة إصدار المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 الخاص بالإصلاح الزراعي وما لحقه من تعديلات، الخروج على هذا الأصل فقضى بامتداد عقود الأراضي الزراعية وتقييد حق المالك فى طلب إنهائها و إخلاء المستأجر منها وذلك بالنسبة للحالات التي وردت فى القانون آنف الذكر تحقيقاً للمصلحة العامة الاجتماعية والاقتصادية لمستأجري هذه الأراضي، مما لازمه أنه متى رغب المستأجرون فى ترك الأرض المؤجرة إليهم انتفت القيود التي وضعها الشارع فى هذا القانون استثناءاً من الأصل المقرر لحقوق ملاك الأراضي، وتحقق بالتالي الوجه المقابل المتمثل فى المصلحة العامة الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الملاك فى استرداد أراضيهم من مستأجريها دون مقابل حماية لحقوقهم المتفرعة عن حقهم فى الملكية، ومن ثم لا يجوز للمستأجر الذي يتخلى عن الأرض الزراعية المؤجرة له أن يسلب مالكها حق ملكيته جزء منها لقاء هذا التخلي أو يقاسمه فى ذلك الحق أو أن يتقاضى بأية صورة مقابلاً لتخليه عن الأرض سواء كان المقابل نقداً أم عيناً، و كل اتفاق يخالف ذلك يعتبر باطلاً بطلاناً يقوم على اعتبارات متصلة بالنظام العام.
(الطعن رقم 494 لسنة 55 جلسة 1991/03/14 س 42 ع 1 ص 756 ق 120)
(الطعن رقم 2763 لسنة 56 جلسة 1989/05/25 س 40 ع 2 ص 388 ق 224)
5 ـ مؤدى نص المادة 806 من القانون المدنى أن حق الملكية ليس حقاً مطلقاً و أن المالك فى إستعماله أياه يجب أن يعمل فى حدود القوانين و اللوائح فإذا أخل بأى إلتزام فرضته عليه القوانين و اللوائح كان الإخلال بهذا الإلتزام خطأ يستوجب المسئولية التقصيرية و من ثم فإن الجار الذى يخالف القيود القانونية يرتكب خطأ ، فإذا ترتب على خطئه هذا ضرر للجار فإنه يلتزم بتعويض الجار عن هذا الضرر مهما ضئول و يستوى فى ذلك أن يكون الضرر مادياً أصاب الجار فى مصلحة مالية أو أدبية أصاب الجار فى معنوياته و مها شعوره بالإعتداء على حق له .
(الطعن رقم 2233 لسنة 51 جلسة 1982/11/21 س 33 ع 2 ص 983 ق 177)
6 ـ الأصل أن لمالك الشىء وحده فى حدود القانون حق إستعماله و إستغلاله و التصرف فيه ، مراعياً فى ذلك ما تقضى به القوانين و المراسيم و اللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو المصلحة الخاصة عملاً بالمادتين 802 ، 806 من القانون المدنى مما مؤداه أن يكون للمالك أن يؤجر الأماكن التى يملكها ، و أن يطلب إخلاء المكان المؤجر إذا إنتهت المدة المتفق عليها ، أو قام سبب لفسخ عقد الإيجار ، و أن يختار مستأجره ، أو يستعمل العين فى أى وجه مشروع يراه ، غير أن المشرع بمناسبة أزمة الإسكان تقييد حق المؤجر فى طلب الإخلاء لإنتهاء المدة المتفق عليها ، أو لفسخ العقد إلا لأحد الأسباب التى نص عليها فى المادة 31 من القانون رقم 49 لسنة 1977 .
(الطعن رقم 787 لسنة 49 جلسة 1980/05/21 س 31 ع 2 ص 1464 ق 277)
7 ـ الأصل أن لمالك الشىء وحده - فى حدود القانون - حق إستعماله و إستغلاله و التصرف فيه ، مراعياً فى ذلك ما تقضى به القوانين و المراسيم و اللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة ، أو بالمصلحة الخاصة عملاً بالمادتين 802 ، 806 من القانون المدنى ، مما مؤاه أن يكون للمالك أن يؤجر الأماكن التى يملكها ، و أن يطلب إخلاء المكان المؤجر إذا إنتهت المدة المتفق عليها ، أو قام سبب لفسخ عقد الإيجار و أن يختار مستأجره ، و أن يستعمل العين فى أى وجه مشروع يراه ، غير أن المشرع رأى بمناسبة أزمة الإسكان ، تقييد حق المؤجر فى طلب الإخلاء ، لانتهاء المدة المتفق عليها أو لفسخ العقد الذى نشأ صحيحاً و لم يبطل أو ينفسخ بقوة القانون أثناء مدته ، إلا للأسباب التى نص عليها فى المادة 31 من القانون رقم 49 لسنة 1977 الذى يحكم واقعة الدعوى لنفاذه قبل أن تستقر المراكز القانونية للخصوم بصدور حكم نهائى و لتعلقه بالنظام العام فيما أورده من نصوص آمره ، فتسرى بأثر فورى على آثار العقود حتى إذا كانت قد أبرمت قبل سريان القانون .
(الطعن رقم 1213 لسنة 49 جلسة 1980/05/14 س 31 ع 2 ص 1365 ق 260)
8 ـ الأصل أن لمالك الشىء وحده فى حدود القانون حق إستعماله و إستغلاله و التصرف فيه ، مراعياً فى ذلك ما تقضى به القوانين و المراسيم و اللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو المصلحة الخاصة عملاً بالمادتين 802 و 806 من القانون المدنى ، مما مؤداه أن يكون للمالك أن يؤجر الأماكن التى يملكها و أن يطلب إخلاء المكان المؤجر إذا إنتهت المدة المتفق عليها ، أو قام سبب لفسخ عقد الإيجار ، و أن يختار مستأجره أو يستعمل العين فى أى وجه مشروع يراه ، غير أن المشرع رأى ، بمناسبة أزمة الإسكان ، تقييد حق المؤجر فى طلب الإخلاء لإنتهاء المدة المتفق عليها أو لفسخ العقد ، إلا لأحد الأسباب التى نص عليها فى المادة 23 من القانون 52 لسنة 1969 ، كما نص فى المادة الخامسة من ذات القانون و على أنه " لا يجوز لشخص أن يحتجز فى البلد الواحد أكثر من مسكن دون مقتض " مما يدل على أن المشرع قد حظر على كل من المالك أو المستأجر أن يحتفظ بأكثر من مسكن فى البلد الواحد دون مبرر و نص فى المادة 44 على عقاب كل من يخالف الحظر المذكور ، و هذا ما يجعل قيام الإيجار مخالفاً للنظام العام فيبطل إذا توافر سبب الحظر عند التعاقد بأن تعاقد المستأجر قاصداً إحتجاز المسكن دون مقتض يقره القانون ، أما إذا كان توافره فى وقت لاحق بأن زال المقتضى لإحتجاز المسكن أثناء مدة العقد و مع ذلك ظل المستأجر محتجزاً له ففى هذه الحالة ينفسخ العقد ، و يكون للمؤجر أن يطلب إخلاء المخالف بإعتباره المتعاقد الأخر و تتوافر له مصلحة قائمة يقرها القانون فى إخراج المستأجر الذى بطل عقده أو إنفسخ و لو لم يكن طالب سكنى حتى يسترد حريته فى إستغلال العين على الوجه الذى يراه ، و لا يتعارض هذا و ما نصت عليه المادة 23 من القانون 52 لسنة 1969 التى تنص على أسباب لإنهاء عقد إيجار قائم و منتج لآثاره ، فى حين أن مخالفة حظر الإحتفاظ بأكثر من مسكن يترتب عليها زوال العقد بمجرد وقوع المخالفة ، و إذ إلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون قد وافق صحيح القانون .
(الطعن رقم 220 لسنة 46 جلسة 1980/04/30 س 31 ع 1 ص 1264 ق 240)
9 ـ النص فى المادتين 802 ، 806 من القانون المدنى على أن " لمالك الشئ فى حدود القانون حق إستعماله و إستغلاله و التصرف فيه . و أن يراعى فى ذلك ما تقضى به القوانين و المراسيم و اللوائح ... " يدل على أن إستعمال حق الملكية كان و ما يزال مقيداً بمراعاة أحكام القانون و من ثم فلا يكون للقيود التى أوجبها قانون الإصلاح الزراعى أى تأثير على عقود بيع الأراضى الزراعية القائمة وقت صدوره .
(الطعن رقم 142 لسنة 37 جلسة 1973/12/20 س 24 ع 3 ص 1320 ق 227)
10 ـ متى كان قرار وزير التموين رقم 504 لسنة 1945 المعدل بالقرار رقم 519 لسنة 1946 والصادر تنفيذاً للمرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 قد تضمن الاستيلاء استيلاءاً عاماً على جميع ما يوجد من بذرة القطن وكذلك على جميع ما ينتج أو ما يرد منها فى المستقبل سواء أكانت تجارية أم للتقاوى وسواء أكانت فى المحالج أو فى شون البنوك أو فى المحال التجارية أو فى حيازة الأفراد أو الهيئات بأية صفة كانت ، فإن تقرير الاستيلاء مجرداً على هذا النحو لايعدو أن يكون إجراءاً تنظيمياً قصد به تحقيق العدالة فى التوزيع وتنظيم تداول البذرة ومنع المضاربة فيها بعد تحديد سعرها والكميات الواجب صرفها وليس من شأن هذا الاستيلاء أن ينقل ملكية البذرة أو حيازتها إلى الحكومة ، يؤكد ذلك صدور قرارات بعد ذلك القرار بتنظيم تداول هذه البذرة وبيان كيفية التصرف فيها وتحديد أسعارها ، وفرض مثل هذه القيود على التصرف فى البذرة وتحديد سعر جبرى لها لا ينفيان ملكية صاحبها لها إذ أن تقييد حق الملكية بقيود قانونية تتضمنها تشريعات خاصة مراعاة للمصلحة العامة أمر جائز وقد أقرت ذلك المادة 806 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 348 لسنة 28 جلسة 1963/12/12 س 14 ع 3 ص 1139 ق 163)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع والثلاوثون ، الصفحة / 39
الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْمِلْكِ:
تَرِدُ عَلَى الْمِلْكِ قُيُودٌ تَتَعَلَّقُ إِمَّا بِالأْسْبَابِ أَوْ بِالاِسْتِعْمَالِ أَوْ بِالاِنْتِقَالِ، وَكَذَلِكَ الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الأْمْرِ وَلِلْمُتَعَاقِدِ.
أَوَّلاً - الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى أَسْبَابِ الْمِلْكِ
10 - تَظْهَرُ هَذِهِ الْقُيُودُ مِنْ خِلاَلِ كَوْنِ أَسْبَابِ كَسْبِ الْمِلْكِ فِي الشَّرِيعَةِ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً، وَلَيْسَتْ مُطْلَقَةً، وَلِذَلِكَ فَالْوَسَائِلُ الْمُحَرَّمَةُ مِنْ سَرِقَةٍ، وَغَصْبٍ، أَوِ اسْتِغْلاَلٍ، أَوْ قِمَارٍ، أَوْ رِبًا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَيْسَتْ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ، حَيْثُ قَطَعَتِ الشَّرِيعَةُ الطَّرِيقَ بَيْنَ الأْسْبَابِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمِلْكِ، وَمَنَعَتْهَا مَنْعًا بَاتًّا، وَطَالَبَتِ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا أَنْ تَكُونَ أَمْوَالُهُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا، وَبِذَلِكَ وَرَدَتِ الآْيَاتُ وَالأْحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ، مِنْهَا قوله تعالي : (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) . حَيْثُ مَنَعَ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ إِلاَّ عَنْ طَرِيقِ الرِّضَا وَالإْرَادَةِ.
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ فَقَالَ تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) .
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».
ثَانِيًا - الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمِلْكِ
11 - وَضَعَتِ الشَّرِيعَةُ قُيُودًا عَلَى الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ الاِسْتِعْمَالِ فَأَوْجَبَتْ عَلَى الْمَالِكِ:
أ - أَنْ لاَ يَكُونَ مُبَذِّرًا مُسْرِفًا، وَلاَ مُقَتِّرًا بَخِيلاً، قَالَ تَعَالَى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) وَقَالَ سُبْحَانَهُ (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) .
وَالآْيَاتُ وَالأْحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَجَالِ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الإْسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ وَتَضْيِيعِ الْمَالِ بِدُونِ فَائِدَةٍ حَتَّى فِي مَجَالِ الأْكْلِ، يَقُولُ مُحَمَّدٌ بْنِ حَسَنٍ الشَّيْبَانِيُّ: ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ فِيمَا اكْتَسَبَهُ مِنَ الْحَلاَلِ الإْفْسَادُ، وَالسَّرَفُ، وَالتَّقْتِيرُ... ثُمَّ السَّرَفُ فِي الطَّعَامِ أَنْوَاعٌ: وَمِنْهُ الاِسْتِكْثَارُ فِي الْمُبَاحَاتِ وَالأْلْوَانِ .
ب - أَلاَّ يَسْتَعْمِلَ الْمَالِكُ مَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ، وَمِنْ ذَلِكَ حُرْمَةُ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ وَاسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ لَهُمْ وَاسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
ج - وُجُوبُ الاْسْتِنْمَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَعَدَمِ تَعْطِيلِ الأْمْوَالِ حَتَّى تُؤَدِّيَ دَوْرَهَا فِي التَّدَاوُلِ وَالتَّعْمِيرِ، تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الآْيَاتُ وَالأْحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي تُطَالِبُ بِالْعَمَلِ وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالزِّرَاعَةِ بِصِيَغِ الأْوَامِرِ، وَمِنْهَاقوله تعالي : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأْرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأْرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) وَمِنَ الأْحَادِيثِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلاَ يَتْرُكُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ» . كَمَا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ مَا لاَ تَتِمُّ مَصَالِحُ الأْمَّةِ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الْحِرَفَ وَالصَّنَائِعَ وَالتِّجَارَةَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ لأِنَّ قِيَامَ الدُّنْيَا بِهَا، وَقِيَامَ الدِّينِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا، حَتَّى لَوِ امْتَنَعَ الْخَلْقُ مِنْهُ أَثِمُوا، وَكَانُوا سَاعِينَ فِي إِهْلاَكِ أَنْفُسِهِمْ، لَكِنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ، فَلاَ تَحْتَاجُ إِلَى حَثٍّ عَلَيْهَا وَتَرْغِيبٍ فِيهَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ: ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْكَسْبَ بِقَدْرِ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ فَرِيضَةٌ .
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (إِنْمَاءٌ ف 10 - 17).
د - عَدَمُ الإْضْرَارِ بِالْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ فِي اسْتِعْمَالِهِ مِلْكَهُ أَنْ يَقْصِدَ الإْضْرَارَ بِالْغَيْرِ، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الإْضْرَارِ بِأَحَدٍ لاَ فِي مَالِهِ، وَلاَ فِي نَفْسِهِ وَلاَ فِي عِرْضِهِ.
وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ مُقَابَلَةُ الضَّرَرِ بِالضَّرَرِ وَالإْتْلاَفِ بِالإْتْلاَفِ، فَكُلُّ تَصَرُّفٍ - وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الْمَالِكِ - يُمْنَعُ إِذَا أَدَّى إِلَى الإْضْرَارِ بِالآْخَرِينَ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ الْفُقَهَاءُ الْمَالِكَ مِنْ إِشْعَالِ النَّارِ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، مَا دَامَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِحْرَاقُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِ الْجِيرَانِ، حَيْثُ يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّيًا، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ .
12 - وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مَنْعِ الْجَارِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الإْضْرَارُ بِالْجَارِ عَلَى ثَلاَثَةِ مَذَاهِبَ:
فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَهُمْ مُتَقَدِّمُو الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ مَا دَامَ فِيهِ قَصْدُ الإْضْرَارِ، أَوْ كَانَ الضَّرَرُ فَاحِشًا، وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ فَيُمْنَعُ، وَغَيْرُ الْفَاحِشِ الَّذِي لاَ يُمْنَعُ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ، وَمُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ .
وَكَمَا مَنَعَتِ الشَّرِيعَةُ الإْضْرَارَ بِالأْفْرَادِ مَنَعَتِ الإْضْرَارَ بِالْمُجْتَمَعِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَتِ الاِحْتِكَارَ وَالرِّبَا، وَالْمُتَاجَرَةَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى الْفَسَادِ.
ثَالِثًا - الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عِنْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ
13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لاِنْتِقَالِ الْمِلْكِ شُرُوطًا وَضَوَابِطَ، وَجَعَلَتِ الشَّرِيعَةُ وَسَائِلَ الاِنْتِقَالِ - كَقَاعِدَةٍ عَامَّةٍ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ - فِي الرِّضَا وَالإْرَادَة، بَلِ اشْتَرَطَتْ أَنْ يَكُونَ الرِّضَا غَيْرَ مَشُوبٍ بِعُيُوبِ الرِّضَا وَعُيُوبِ الإْرَادَة، مِنَ الْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ وَالاِسْتِغْلاَلِ وَالإْكْرَاهِ وَالْغَلَطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) وَلِقَوْلِ الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» وَقَوْلِهِ: «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ».
وَلِلتَّفْصِيلِ ر: مُصْطَلَحَ (رِضًا ف 13 وَمَا بَعْدَهَا).
كَذَلِكَ حَدَّدَ الْفُقَهَاءُ إِرَادَةَ الْمَالِكِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ بِالثُّلُثِ إِذَا كَانَتْ تَصَرُّفَاتُهُ عَطَاءً وَهِبَةً، أَوْ مُحَابَاةً، أَوْ وَصِيَّةً .
ر: مُصْطَلَحَ (مَرَضُ الْمَوْتِ).
وَقَدْ قَيَّدَتِ الشَّرِيعَةُ إِرَادَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي فِيهَا ضَرَرٌ، أَوْ مِنْ شَأْنُهَا الضَّرَرُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُرَاجَعُ فِيهِ مُصْطَلَحُ: (حَجْرٌ، سَفَهٌ ف 26 وَمَا بَعْدَهَا).
وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ فَإِنَّ جَمِيعَ أَمْوَالِ الْمَيِّتِ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ حَسَبَ قَوَاعِدِ الْفَرَائِضِ، كَمَا أَنَّ وَصِيَّتَهُ تُنَفَّذُ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ، وَتَنْتَقِلُ إِلَى الْمُوصَى إِلَيْهِمْ.
وَلِلتَّفْصِيلِ يُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ (إِرْثٌ ف 14، وَصِيَّةٌ).
رَابِعًا - الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الأْمْرِ:
أَعْطَتِ الشَّرِيعَةُ الإْسْلاَمِ يَّةُ وَلِيَّ الأْمْرِ حَقَّ وَضْعِ قُيُودٍ عَلَى الْمِلْكِ وَمِنْ ذَلِكَ:
الأْوَّلُ - تَقْيِيدُ الْمِلْكِ الْخَاصِّ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
14 - تُقِرُّ الشَّرِيعَةُ الْمِلْكَ لِلأْفْرَادِ وَتَحْمِيهِ وَتَصُونَهُ، وَمِعْيَارُ تَقْيِيدِهِ فِيهَا يَقُومُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي لاَ تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَإِنَّمَا تَعُمُّ الْمُجْتَمَعَ، يَقُولُ الشَّاطِبِيُّ: لأِنَّ الْمَصَالِحَ الْعَامَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ .
فَحَقُّ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِصَاحِبِهِ، وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ كَمَا يَشَاءُ، إِلاَّ أَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ مَصُونٌ وَمُحَافَظٌ عَلَيْهِ شَرْعًا، فَمُرَاعَاةُ مَصَالِحِ الآْخَرِينَ قَيْدٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحُقُوقِ وَمِنْهَا الْمِلْكُ، يَقُولُ الشَّاطِبِيُّ: لأِنَّ طَلَبَ الإْنْسَانِ لِحَظِّهِ حَيْثُ أُذِنَ لَهُ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْمَخْلُوقِينَ .
وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْعِ الْعَامِّ.
الثَّانِي - الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الأْمْرِ عَلَى حَقِّ التَّمَلُّكِ:
وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهَا مَا يَلِي:
أ - إِحْيَاءُ الأْرْضِ الْمَوَاتِ:
15 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَمَلُّكِ الأْرْضِ الْمَوَاتِ بِالإْحْيَاءِ دُونَ إِذْنِ الإْمَامِ ، أَوْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إِذْنُ الإْمَامِ لِتَمَلُّكِهَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الإْحْيَاءِ إِذْنُ الإْمَامِ .
وَخَالَفَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 14).
ب - تَمَلُّكُ الْمَعَادِنِ
16 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَعَادِنَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ جَامِدَةً أَمْ سَائِلَةً، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ ظَاهِرَةً أَمْ فِي بَاطِنِ الأْرْضِ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ مِلْكًا خَاصًّا أَمْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ فَهِيَ مِلْكٌ لِلدَّوْلَةِ (جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ) تَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمَا يُحَقِّقُ الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ بِتَأْجِيرِهَا لِمُدَّةِ مَعْلُومَةٍ، أَوْ إِقْطَاعِهَا لاَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ .
وَكَذَلِكَ الأْمْرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ فِي أَرْضِ الْمَوَاتِ، حَيْثُ لاَ تُمْلَكُ عِنْدَهُمْ بِالإْحْيَاءِ، لأِنَّ فِي ذَلِكَ إِضْرَارًا بِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ، فَلاَ تُمْلَكُ بِالإْحْيَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَى أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 29)
ج - الْحِمَى:
17 - الْحِمَى حَيْثُ هُوَ قَيْدٌ عَلَى الإْحْيَاءِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمُوا لأِنْفُسِهِمْ شَيْئًا، وَلَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا مَوَاضِعَ لِتَرْعَى فِيهَا خَيْلُ الْمُجَاهِدِينَ، وَنَعَمُ الْجِزْيَةِ وَإِبِلُ الصَّدَقَةِ وَضَوَالُّ النَّاسِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَتَضَرَّرُ بِهِ مَنْ سِوَاهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ الْحِمَى نَفْسَهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ فَلاَ يَجُوزُ التَّوَسُّعُ فِيهِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 21، وَحِمًى ف 6).
الثَّالِثُ - الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الأْمْرِ عَلَى حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي الْمِلْكِ:
لِوَلِيِّ الأْمْرِ الْحَقُّ فِي تَقْيِيدِ تَصَرُّفَاتِ الْمَالِكِ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ دُونَ ضَرَرٍ وَلاَ ضِرَارٍ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أ - التَّسْعِيرُ:
18 - التَّسْعِيرُ هُوَ تَقْدِيرُ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ لِلنَّاسِ سِعْرًا وَإِجْبَارُهُمْ عَلَى التَّبَايُعِ بِمَا قَدَّرَهُ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الأْصْلَ فِي التَّسْعِيرِ هُوَ الْحُرْمَةُ، أَمَّا جَوَازُ التَّسْعِيرِ فَمُقَيَّدٌ عِنْدَهُمْ بِشُرُوطِ مُعَيَّنَةٍ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَسْعِيرٌ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا).
ب - الاِحْتِكَارُ:
19 - الاِحْتِكَارُ هُوَ شِرَاءُ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ، وَحَبْسُهُ إِلَى الْغَلاَءِ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاِحْتِكَارَ بِالْقُيُودِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ مَحْظُورٌ، لِمَا فِيهِ مِنَ الإْضْرَارِ بِالنَّاسِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُ الْمُحْتَكِرَ بِإِخْرَاجِ مَا احْتَكَرَ إِلَى السُّوقِ وَبَيْعِهِ لِلنَّاسِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (احْتِكَارٌ ف 12).
مَدَى سُلْطَانِ الدَّوْلَةِ فِي نَزْعِ الْمِلْكِ
20 - لِلدَّوْلَةِ الْحَقُّ فِي نَزْعِ الْمِلْكِ اسْتِثْنَاءً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ إِنْسَانٍ طَعَامٌ وَاضْطُرَّ النَّاسُ إِلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً - اسْتِمْلاَكُ الأْرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ مِلْكًا خَاصًّا لأِجْلِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ:
21 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ بِالنَّاسِ فَيَجُوزُ تَوْسِعَتُهُ عَلَى حِسَابِ الأْرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ مِلْكًا خَاصًّا وَكَذَلِكَ الأْمْرُ إِذَا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى شَقِّ طُرُقٍ عَامَّةٍ أَوْ تَوْسِعَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَكِنْ لاَ بُدَّ مِنْ تَعْوِيضٍ عَادِلٍ يَقُومُ بِتَقْدِيرِهِ ذَوُو الْخِبْرَةِ.
وَقَدْ نَصَّتْ مَجَلَّةُ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ: لَدَى الْحَاجَةِ يُؤْخَذُ مِلْكُ كَائِنٍ مَنْ كَانَ بِالْقِيمَةِ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ وَيُلْحَقُ بِالطَّرِيقِ، لَكِنْ لاَ يُؤْخَذُ مِنْ يَدِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ لَهُ الثَّمَنَ وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالي عنهم لَمَّا ضَاقَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَخَذُوا أَرَضِينَ بِكُرْهٍ مِنْ أَصْحَابِهَا بِالْقِيمَةِ وَزَادُوا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَبِفِعْلِ عُثْمَانَ رضي الله تعالي عنه فِي تَوْسِيعِهِ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم .
ثَانِيًا - نَزْعُ الْمِلْكِيَّةِ لأِجْلِ مَصْلَحَةِ الأْفْرَادِ:
22 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةٌ فَرْدِيَّةٌ مَعَ مَصْلَحَةٍ فَرْدِيَّةٍ أُخْرَى فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ تُقَدِّمُ أَقْوَاهُمَا وَأَوْلاَهُمَا بِالاِعْتِبَارِ وَأَكْثَرِهِمَا دَرْءًا لِلْمَفْسَدَةِ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَجَازَتِ الشَّرِيعَةُ نَزْعَ الْمِلْكِ الْخَاصِّ، أَوِ التَّمَلُّكَ الْقَهْرِيَّ لأِجْلِ مَصْلَحَةٍ فَرْدِيَّةٍ فِي عِدَّةِ صُوَرٍ، مِنْهَا:
أ - الشُّفْعَةُ:
23 - الشُّفْعَةُ لُغَةً: الضَّمُّ، وَشَرْعًا: تَمْلِيكُ الْبُقْعَةِ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَامَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ إِذَا كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلاَّ فَبِقِيمَتِهِ .
وَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ لِلشَّرِيكِ بِالاِتِّفَاقِ، وَلِلْجَارِ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، حَيْثُ ذَهَبَ جُمْهُورُهُمُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِهَا لِلْجَارِ، فِي حِينِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِهَا لِلْجَارِ الْمُلاَصِقِ .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (شُفْعَةٌ ف 4 وَمَا بَعْدَهَا).
ب - بَيْعُ أَمْوَالِ الْمَدِينِ لِصَالِحِ الدَّائِنِ جَبْرًا عَلَيْهِ
24 - أَجَازَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - مَا عَدَا أَبَا حَنِيفَةَ - بَيْعَ أَمْوَالِ الْمَدِينِ لأِدَاءِ دُيُونِ الْغُرَمَاءِ مَا دَامَ لَهُ مَالٌ، حَيْثُ يَحْجُرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ إِذَا طَلَبُوا ذَلِكَ، ثُمَّ يَبِيعُ الْقَاضِي مَالَهُ وَيُوَزِّعُهُ عَلَيْهِمْ حَسَبَ حِصَصِ دُيُونِهِمْ إِذَا امْتَنَعَ الْمَدِينُ عَنْ بَيْعِهِ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ يَشْمَلُ جَمِيعَ الدُّيُونِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ دُيُونَ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ تَعْوِيضٍ .
ج - بَيْعُ الْمَرْهُونِ لأِدَاءِ الدَّيْنِ
25 - لِلْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَ الرَّاهِنَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ، أَوْ بَيْعِ الْمَرْهُونِ، فَإِنْ أَبَى يَقُومُ الْحَاكِمُ بِبَيْعِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (رَهْنٌ ف 24).
د - الأْشْيَاءُ الَّتِي لاَ تَنْقَسِمُ أَوْ فِي قِسْمَتِهَا ضَرَرٌ:
26 - يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ مَنْ أَبَاهُ إِذَا طَلَبَ الْبَيْعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الأْشْيَاءِ الَّتِي لاَ تَنْقَسِمُ أَوْ فِي قِسْمَتِهَا ضَرَرٌ فَإِذَا امْتَنَعَ بَاعَ عَنْهُ الْحَاكِمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ اللاَّحِقِ بِالطَّالِبِ، لأِنَّهُ إِذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مُفْرَدًا نَقَصَ ثَمَنُهُ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (قِسْمَةٌ ف 12 وَمَا بَعْدَهَا).