loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : السادس، الصفحة : 43

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- هذه طائفة من النصوص ( م 1171 - 1177) تعرض لقيود الملكية المقررة لمصلحة الري الزراعي، ولا تخفى أهميتها في بلد زراعي کمصر، وتتلخص في حقوق ثلاثة : حق الشرب وحق المجرى وحق المسيل .

2- وقد قسم المشروع في حق الشرب الترع إلى قسمين :

(أ) ترع عامة مملوكة للدولة، وهذه يكون الحق في استعمالها بنسبة مساحة الأراضي التي تروى منها مع مراعاة ما تقتضيه القوانين والمراسيم واللوائح المتعلقة بذلك (م 1171 من المشروع، وهي توافق م 52/31 من التقنين الحالي ) وأهم هذه اللوائح هي لائحة الترع والجسور التي يتضمنها الأمر العالى الصادر في 22 فبراير سنة 1894 وهذه يبقى معمولاً بها منفصلة عن التقنين المدني، ويقتصر هذا التقنين على المبادئ الأساسية في الرى التي يندر أن تتغير.

(ب) ترع خاصة مملوكة للأفراد، والقاعدة أن من أنشأ مسقاة على نفقته الخاصة طبقاً للوائح المتعلقة بذلك كان مالكاً لها، وكان له وحده حق استعمالها، على أنه إذا استوفى حاجته منها و بقي بعد ذلك من الماء ما تحتاج إليه أراضي الملاك المجاورين، فلهؤلاء أن يأخذوا ما هم في حاجة إليه، على أن يشتركوا في نفقات إنشاء المسقاة وصيانتها بنسبة مساحة أراضيهم التي تنتفع منها (م 1172 من المشروع وهی توافق 33/32 من التقنين الحالى و م 8 و 9 من لائحة الترع والجسور ) ويبين من ذلك أن ملكية المياه الفائضة عن الحاجة تنزع من مالكها لا لمصلحة عامة بل لمصلحة خاصة، ويدفع للمالك التعويض المناسب عن ذلك، وهذا قيد على حق الملكية خطير بقدر ما هو عادل ويلاحظ أن مالك المسقاة مفضل على الجيران، فهو الذي يستوفي حاجته من المياه أولاً، ويأتي الجيران بعد ذلك، فإذا تزاحموا قدم من كانت حاجته أشد ويترك تقدير ذلك للجهة الإدارية المختصة .

3- أما حق المجرى فقد أعطاه المشروع لمالك الأرض البعيدة عن مأخذ المياه، فتمر من أرض الجار المياه الكافية لرى أرضه، وهي مياه يأخذها من ترعة عامة أو من ترعة خاصة مملوكة له، أو من ترعة خاصة مملوكة للغير، ولكن تقرر له عليها حق الشرب، وذلك في نظير تعويض عادل يعطى للجار مقدماً ( أنظر م 54/33 من التقنين الحالى، وهي تقتصر على إعطاء حق المجرى للمياه اللازمة للري، أما م 9 من لائحة الجسور فتتوسع في حق المجرى وتجعله للمياه الكافية للري، وبذلك أخذ المشروع) .

4- بقي حق المسيل، وقد أعطاه المشروع لمالك الأرض البعيدة عن المصرف العام فيكون له الحق في أن يستعمل المصرف الخاص المملوك لجاره بعد أن يستوفي الجار حاجته، أو في أن ينشىء مصرفاً خاصاً على نفقته في أرض الجار ليصل إلى المصرف العام وفي الحالة الأولى يشترك مالك الأرض في نفقة المصرف الخاص الذي أنشأه الجار وفي صيانته، بنسبة مساحة أرضه التي تنتفع من المصرف (م 1172 فقرة 2 من المشروع وفي الحالة الثانية يعطى الجار مقدماً التعويض العادل عما إقتطعه من أرضه لإنشاء المصرف (م 1173 من المشروع، وانظر أيضاً م 54 من التقنين المختلط، وم 15 من لائحة الترع والجسور أما المادة 33 من التقنين الأهلى فلم تقرر حق المسيل ) وهناك حق مسيل للمياه الطبيعية عرض له المشروع في المادة 1177، فأوجب على مالك الأرض المنخفضة أن تنزل في أرضه المياه التي تنحدر بفعل الطبيعة من الأراضى المرتفعة عنها، کمياه الأمطار، وليس لمالك الأرض المنخفضة أن يقيم جسراً يسد الماء، كما أنه ليس لمالك الأرض المرتفعة أن يأتي ما من شأنه الزيادة فيما يجب أن تتحمله الأرض من ذلك ( أنظر م 42 / 64 من التقنين الحالى ).

5- وهناك أحكام عامة تنظم حقوق الشرب والمجرى والمسيل جميعاً، نقلها المشروع عن لائحة الترع والجسور فالمادة 1174 تعطى للجار الذي ترتب على أرضه حق مجرى أو مسيل، فأصابه ضرر من المسقاة أو المصرف الذي يمر بأرضه، الحق في أن يطلب تعويضاً كاملاً ممن ينتفع بهذه المسقاة أو المصرف، سواء نشأ الضرر عن عدم التطهير أو عن سوء حالة الجسور أو عن أي سبب آخر ينسب إلى خطأ المالك المنتفع ( أنظر م 16 من لائحة الترع والجسور ) وإذا انتفع بالمسقاة أو المصرف أشخاص متعددون، سواء لأنهم إشتركوا جميعاً في الإنشاء، أو لأن واحدة منهم هو المنشيء وثبت للباقي حق الإنتفاع وفقاً لما تقدم من الأحكام، فإنهم يشتركون جميعاً في الإصلاحات الضرورية، ويجبرون على ذلك بناءً على طلب أي واحد منهم (م 1175 من المشروع، وهي توافق م 18 من لائحة الترع والجسور) وقد أبقي المشروع على إختصاص الجهات الإدارية (وهي رجال الإدارة ورجال الری) المنصوص عليها في لائحة الترع والجسور بالفصل في المنازعات المتعلقة بكل هذه الحقوق، فحسم بذلك خلافاً قائماً في ظل التقنين الحالي، إذ يتنازع الإختصاص القضاء العادي والجهات الإدارية المذكورة، فجعل المشروع الجهات الإدارية وحدها هي المختصة إذ هي أصلح للنظر في مثل هذه المنازعات على أنها تخضع لرقابة المحاكم إذا هي خرجت عن إختصاصها أو خالفت الإجراءات المبينة في اللوائح.

الأحكام

وفقاً للمادة الثانية من لائحة الترع و الجسور الصادرة بالأمر العالى المؤرخ 22 فبراير سنه 1894 تعتبر مسقاة كل قناة أو مجرى معدة لرى أرض بلد واحد أو بلدين أو لرى أرض مالك واحد أو لعائله مشتركة و لو كانت المسقاة فى زمام عده بلاد و تعتبر المساقى جميعها أملاكا خصوصية و المنتفعون بها هم المكلفون بتطهيرها و صيانتها ، و يجوز للحكومة عند التأخير فى تطهيرها أن تطهرها على نفقة هؤلاء المنتفعين .

(الطعن رقم 209 لسنة 36 جلسة 1970/06/11 س 21 ع 2 ص 1049 ق 168)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 810 مدني على ما يأتي :

" إذا أصاب الأرض ضرر من مسقاة أو مصرف يمر بها، سواء أكان ذلك ناشئاً عن عدم التطهير أم عن سوء حالة الجسور، فإن لمالك الأرض أن يطلب تعويضاً كافياً عما أصابه من ضرر.

والمفروض هنا أن الجار هو الذي أنشأ المروى في أرض المالك بموجب حق المجرى، أو أنشأ المصرف بموجب حق المسيل فعليه أن يقوم على نفقته بتطهير المروى أو المصرف، وصيانته، وحفظ جسوره في حالة جيدة ( م 11 ري وصرف ) فإذا قصر في ذلك، وأصاب أرض المالك التي شق فيها المروى أو المصرف ضرر، كأن تلقت زراعته من جراء انسياب المياه لسوء حالة الجسور أو امتنع عليه الزرع أو نحو ذلك، كان على الجار صاحب المروى أو المصرف أن يعوض المالك عن الضرر الذي أصابه، وفقاً للقواعد العامة في المسئولية التقصيرية وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : " فالمادة تعطي الجار الذي ترتب على أرضه حق ري أو مسيل، فأصابه ضرر من المسقاة أو المصرف الذي يمر بأرضه، الحق في أن يطلب تعويضاً كاملاً ممن ينتفع بهذه المسقاة أو المصرف، سواء نشأ الضرر عن عدم التطهير، أو عن سوء حالة الجسور، أو عن أي سبب آخر ينسب إلى خطأ المالك المنتفع ( مجموعة الأعمال التحضيرية 6 ص 45).

ويقترن بالتعويض النقدي التعويض عيني فقد نصت المادة 12 من قانون الري والصرف كما رأينا انظر آنفاً فقرة 449 على أنه " إذا لم يقم أصحاب الأراضي بإجراء ما هو مبين في المادة السابقة ( التطهير والصيانة وحفظ الجسور )، جاز لمفتش الري، بناءً على تقرير الباشمهندس أو على شكوى من ذي شأن، أن يكلفهم بتطهير المسقاة أو المصرف أو بإزالة ما قد يعترض سير المياه من عوائق أو أشجار أو خلافه أو بصيانتهما، أو بترميم جسورهما، أو بإعادة إنشاء الجسور، في موعد معين، وإلا قام التفتيش بإجراء ذلك وتحصل النفقات بالطرق الإدارية من أصحاب الأراضي، كل بنسبة مساحة أرضه التي تنتفع بالمسقاة أو بالمصرف، ويحسب ضمن هذه النفقات قيمة التعويض عن كل أرض تكون قد شغلت بناتج التطهير.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثامن، الصفحة : 974)

تعويض مالك الأرض عن الأضرار التي سببها المجرى أو المسيل :

للجار الذي ترتب على أرضه حتى مجرى أو مسيل أن يطلب تعويضاً کاملاً من ينتفع بالمسقاة أو المصرف عن الضرر الذي لحقه من هذه المسقاة أو المصرف سواء نشأ الضرر عن عدم التطهير أو عن سوء حالة الجسور فانسابت المياه وأتلفت الزرع أو عن أي سبب آخر ينسب إلى خطأ المنتفع، ويقدر التعويض بما أصاب المالك من ضرر وما فاته من کسب وإلى جانب التعويض النقدي تعويض عینی فيكون المفتش الري بناءً على تقرير من المهندس أو شكوى من ذي الشأن أن يكلف المنتفعين بالمجري أو المسيل بأعمال التطهير والصيانة وحفظ الجسور في موعد معین وإلا قام التفتيش بذلك على نفقتهم وتحصل النفقات بالطريق الإداري کل بنسبة مساحة أرضه التي تقتنع بالمجرى أو المصرف ويحسب ضمن هذه النفقات التعويض الذي يدفع لمن شغلت أرضه بسبب أعمال التطهير، وللمفتش إذا وجد أن المجرى أو المصرف أصبح متروکاً غیر ذی فائدة أن يصدر قراراً بسده في موعد يحدده وإلا قام التفتيش بذلك على نفقة الملتزم، وفي هذه الحالة لا يجوز للمنتفع إسترداد التعويض الذي دفعه، إذ كان خلال مقابل تقرير حق ارتفاق له بالمجرى أو السيل، وقد تقرر له هذا الحق، فإن هو لم يستمر في الانتفاع به وتركه لمدة خمس عشرة سنة، انتهى حق الارتفاق بهم الاستعمال، كما يجوز لمالك العقار المرتفق به أن يتحرر من الارتفاق بالمجرى أو بالمسيل، إذا فقد هذا الإرتفاق كل منفعة للعقار المرتفق، ويتحقق ذلك بترك المجري أو المسيل وصيرورتهما غير ذات فائدة للعقار المرتفق، وبالتالي يجوز للمالك العقار المرتفق به أن يتقدم بطلب لتفتيش الرى لإصدار قرار بإعتبار المجري أو المصرف متروکاً وإلزام من تقرر له بسده، فتعود مساحة المجرى والمصرف إلى من نزعت منه .

ولا يلتزم بأعمال الصيانة من قام بانشاء المجرى أو المصرف وحده، وانما يلتزم بذلك كل من تقرر له عليهما حق إرتفاق بالشرب أو المسيل إذ لا ينحصر الانتفاع بالمجرى والمسيل فيمن أنشأهما فقط، وإنما يمتد إلى كل جار في حاجة لرى أرضه من المجرى بموجب حقه في الشرب، ولكل جار في حاجة لصرف مياه زراعته بموجب حقه في المسيل، ولأي من هؤلاء أن ينفرد بإستعمال المجرى أو السيل حتى لو تركه من قام بانشائه، إذ يكفي لاستمرار الحق أن يستعمله أي من ثبت لهم الحق فيه، ولو ثبت ذلك بعد إنشائه، وبالتالي إذا ترك من أنشأ المجري أو المصرف، مجراه أو مصرفه، وظل غيره منتفعاً به بموجب حقه في الشرب أو المسيل، فلا ينقضي حق المجري أو المسيل، كما لا يجوز لمالك العقار المرتفق به أن يتحرر من هذا الارتفاق.

وإذا انحصر الانتفاع في البعض فقط، تحمل هؤلاء نفقات الصيانة دون من تخلى عن الانتفاع، لكن إذا عاد من كان قد تخلى وإنتفع بالمجري أو المسيل، التزم بدفع ما يخصه من النفقات التي أداها الآخرون من قبل.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 256)

المالك الذي يتقرر على أرضه حق شرب أو حق مجرى أو حق مسيل يستحق تعويضاً عن تقرير الحق، وأن هذا التعويض يختلف بحسب ما إذا كان الحق حق شرب من ناحية أو حق مجرى أو مسيل من ناحية أخرى.

غير أنه بجانب هذا التعويض، فإن المالك يستحق تعويضاً آخر عن الأضرار التي تنشأ عن استعمال الحق وهو قاصر على حالتي المجرى والمسيل، إذ هو غير متصور بالنسبة لحق الشرب ويستوي أن يكون هذا الضرر قد نشأ عن عدم التطهير أو عن سوء حالة الجسور.

ذلك أن منشئ المسقاة أو المصرف يلتزم بأن يقوم بأعمال التطهير وتقوية الجسور الكفيلة بمنع انسياب المياه في الأرض التي تقرر له عليها حق الرى أو الصرف، فإن هو قصر في شيء من ذلك وكان من نتيجة ذلك فيضان المياه بحيث أتلفت زراعة مالك الأرض، أو امتنع عليه زرعها، أو أصابها ضرر من أي نوع كان، أصبح على صاحب المسقاة أو المصرف أن يعوض مالك الأرض عن الضرر الذي أصابه وحسب هذا الأخير أن يثبت أن ما أصاب أرضه من ضرر كان بسبب سوء التطهير أو رداءة حالة الجسور، ليقرر حقه في التعويض .

وعلى مالك العقار الذي فيه المسقاة أو المصرف أن يسهل للجار المستفيد الوصول لإجراء التعمير والصيانة.

تقدير التعويض :

التعويض المنصوص عليه بالمادة يجري وفق قواعد المسئولية التقصيرية وهو يكون كافياً - كما صرحت المادة - فيغطي جميع الأضرار سواء كانت تلف زراعة الإنسياب المياه أو إمتناع الزرع أو غير ذلك.

ويستوي أن يكون فعل صاحب الأرض هو عدم التطهير أو سوء حالة الجسور أو أي سبب آخر ينسب إلى خطأ المالك المنتفع وبداهة لا يلزم في هذه الحالة تعجيل التعويض إذ لا يستحق التعويض إلا بعد حصول الضرر.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 281)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس عشر ، الصفحة / 73

أثر الجائحة في الإجازة :

11 - لو اكْترى أرْضًا للزّراعة ففسد الزّرْعُ بجائحةٍ فلا يُحطُّ شيْءٌ من الأْجْرة عنْد الشّافعيّة ولا شيْء على الْمُؤجّر فيما قبضهُ من الأْجْرة عنْد الْحنابلة، وصرّح الْحنابلةُ أنّهُ إنْ لمْ يكُن الْمُؤجّرُ قبضها فلهُ طلبُها؛ لأنّها تسْتقرُّ بمُضيّ الْمُدّة انْتفع الْمُسْتأْجرُ أوْ لمْ ينْتفعْ.

ولوْ فسدت الأْرْضُ في أثْناء مُدّة الإْجارة بجائحةٍ ثبت الرّدُّ عنْد الشّافعيّة فإنْ أجاز الْمُسْتأْجرُ الإْجارة أجازها بجميع الأْجْرة كما في الْبيْع، وإنْ فسخ رجع بأُجْرة باقي الْمُدّة واسْتقرّتْ أُجْرةُ ما اسْتوْفاهُ من الْمُدّة على الأْصحّ، ويُوزّعُ الْمُسمّى على الْمُدّتيْن باعْتبار الْقيمة لا باعْتبار الْمُدّة. وجاء في كشّاف الْقناع منْ كُتُب الْحنابلة عن ابْن تيْميّة في الأْجْوبة الْمصْريّة أنّهُ لو اسْتأْجر بُسْتانًا أوْ أرْضًا وساقاهُ على الشّجر بجُزْءٍ منْ ألْف جُزْءٍ إذا أُتْلف الثّمرُ بجرادٍ ونحْوه من الآْفات السّماويّة فإنّهُ يجبُ وضْعُ الْجائحة عن الْمُسْتأْجر صُورةً الْمُشْتري حقيقةً فيحُطُّ عنْهُ من الْعوض بقدْر ما تلف من الثّمرة سواءٌ كان الْعقْدُ فاسدًا أوْ صحيحًا لعُمُوم حديث جابرٍ الّذي ورد فيه الأْمْرُ بوضْع الْجوائح . أيْ لأنّهُ شراءٌ للثّمرة حقيقةً وإنْ كان في الصُّورة إجارةً ومُساقاةً .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 216

جِوَارٌ

التَّعْرِيف:

1 - الْجِوَارُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - مَصْدَرُ جَاوَرَ، يُقَالُ: جَاوَرَ جِوَارًا وَمُجَاوَرَةً أَيْضًا. وَمِنْ مَعَانِي الْجِوَارِ الْمُسَاكَنَةُ وَالْمُلاَصَقَةُ، وَالاِعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْعَهْدُ وَالأْمَانُ.

وَمِنَ الْجِوَارِ الْجَارُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: الْمُجَاوِرُ فِي الْمَسْكَنِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْعَقَارِ أَوِ التِّجَارَةِ، وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَالْحَلِيفُ، وَالنَّاصِرُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ قَارَبَ بَدَنُهُ بَدَنَ صَاحِبِهِ قِيلَ لَهُ: جَارٌ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْجَارُ: مَنْ يَقْرُبُ مَسْكَنُهُ مِنْكَ، وَهُوَ مِنَ الأْسْمَاءِ الْمُتَضَايِفَةِ؛ فَإِنَّ الْجَارَ لاَ يَكُونُ جَارًا لِغَيْرِهِ إِلاَّ وَذَلِكَ الْغَيْرُ جَارٌ لَهُ، كَالأْخِ وَالصَّدِيقِ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ: وَهُوَ الْمُلاَصَقَةُ فِي السَّكَنِ أَوْ نَحْوِهِ كَالْبُسْتَانِ وَالْحَانُوتِ.

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْجِوَارِ :

أ - حَدُّ الْجِوَارِ :

2 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ أَوِ الْمُقَابِلُ لَهُ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ ضَيِّقٌ لاَ يَفْصِلُهُمَا فَاصِلٌ كَبِيرٌ كَسُوقٍ أَوْ نَهْرٍ مُتَّسِعٍ، أَوْ مَنْ يَجْمَعُهُمَا مَسْجِدٌ أَوْ مَسْجِدَانِ لَطِيفَانِ مُتَقَارِبَانِ، إِلاَّ إِذَا دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْحَدِّ.

وَحَمَلُوا حَدِيثَ: «أَلاَ إِنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ» عَلَى التَّكْرِمَةِ وَالاِحْتِرَامِ، كَكَفِّ الأْذَى، وَدَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْبِشْرِ فِي الْوَجْهِ وَالإْهْدَاءِ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ فَقَطْ؛ لأِنَّ الْجَارَ مِنَ الْمُجَاوَرَةِ، وَهِيَ الْمُلاَصَقَةُ حَقِيقَةً. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ هُوَ الْقِيَاسُ.

وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ (أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَجْمَعُهُمُ الْمَسْجِدُ؛ لأِنَّ هُمْ يُسَمَّوْنَ جِيرَانًا عُرْفًا وَشَرْعًا، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ» وَجَاءَ تَفْسِيرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مَوْقُوفًا بِمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِرَّ الْجِيرَانِ فَاسْتِحْبَابُهُ شَامِلٌ لِلْمُلاَصِقِ وَغَيْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الاِخْتِلاَطِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْمُجَاوَرَةِ كَانَ لاَ بُدَّ مِنِ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ لِتَحَقُّقِ الاِخْتِلاَطِ.

ب - حُقُوقُ الْجِوَارِ :

3 - جَاءَتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ تَحُضُّ عَلَى احْتِرَامِ الْجِوَارِ، وَرِعَايَةِ حَقِّ الْجَارِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).

 

فَالْجَارُ ذُو الْقُرْبَى، هُوَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ. وَالْجَارُ الْجُنُبُ: هُوَ الَّذِي لاَ قَرَابَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. أَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».

وَقَوْلُهُ صلوات الله عليه وسلم : «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَأْكِيدُ حَقِّ الْجَارِ لِقَسَمِهِ صلي الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، وَتَكْرِيرِهِ الْيَمِينَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَفِيهِ نَفْيُ الإْيمَانِ عَمَّنْ يُؤْذِي جَارَهُ بِالْقَوْلِ، أَوْ بِالْفِعْلِ، وَمُرَادُهُ الإْيمَانُ الْكَامِلُ. وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْعَاصِيَ غَيْرُ كَامِلِ الإْيمَانِ.

وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ». وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» هَذَا وَاسْمُ (الْجَارِ) جَاءَ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ، وَغَيْرَ الْمُسْلِمِ، وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ، وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ، وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ، وَالْقَرِيبَ وَالأْجْنَبِيَّ، وَالأْقْرَبَ دَارًا وَالأْبْعَدَ، وَلَهُ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ.

قَالَ أَحْمَدُ: الْجِيرَانُ ثَلاَثَةٌ: جَارٌ لَهُ حَقٌّ، وَهُوَ الذِّمِّيُّ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ. وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَحَقُّ الإْسْلاَمِ. وَجَارٌ لَهُ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الإْسْلاَمِ وَحَقُّ الْقَرَابَةِ.

وَأَوْلَى الْجِوَارِ بِالرِّعَايَةِ مَنْ كَانَ أَقْرَبَهُمْ بَابًا. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ حِينَ قَالَ: بَابٌ: حَقُّ الْجِوَارِ فِي قُرْبِ الأْبْوَابِ. وَأَدْرَجَ تَحْتَهُ حَدِيثَ «عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا».

وَمِنْ حُقُوقِ الْجِوَارِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ حَقُّ الْجِوَارِ كَفَّ الأْذَى فَقَطْ، بَلِ احْتِمَالُ الأْذَى، فَإِنَّ الْجَارَ أَيْضًا قَدْ كَفَّ أَذَاهُ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قَضَاءُ حَقٍّ وَلاَ يَكْفِي احْتِمَالُ الأْذَى، بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ الرِّفْقِ، وَإِسْدَاءِ الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ.. وَمِنْهَا: أَنْ يَبْدَأَ جَارَهُ بِالسَّلاَمِ، وَيَعُودَهُ فِي الْمَرَضِ، وَيُعَزِّيَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَيُهَنِّئَهُ عِنْدَ الْفَرَحِ، وَيُشَارِكَهُ السُّرُورَ بِالنِّعْمَةِ، وَيَتَجَاوَزَ عَنْ زَلاَّتِهِ، وَيَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَارِمِهِ، وَيَحْفَظَ عَلَيْهِ دَارَهُ إِنْ غَابَ، وَيَتَلَطَّفَ بِوَلَدِهِ، وَيُرْشِدَهُ إِلَى مَا يَجْهَلُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.. هَذَا إِلَى جُمْلَةِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ الْمُجَاوَرَةَ تُوجِبُ لِكُلٍّ مِنَ الْحَقِّ مَا لاَ يَجِبُ لأِجْنَبِيٍّ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا لاَ يَحْرُمُ عَلَى الأْجْنَبِيِّ. فَيُبِيحُ الْجِوَارُ الاِنْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْجَارِ الْخَالِي مِنْ ضَرَرِ الْجَارِ، وَيَحْرُمُ الاِنْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْجَارِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِضْرَارٌ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والعشرون ، الصفحة / 370

شِرْب

التَّعْرِيفُ:

1 - الشِّرْبُ فِي اللُّغَةِ: الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ مِنَ الْمَاءِ.

قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ صَالِحٍ عليه الصلاة والسلام: ) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) .

وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَاءِ عَيْنِهِ، وَعَلَى النَّوْبَةِ. وَهِيَ الْوَقْتُ الْمُحَدَّدُ لاِسْتِحْقَاقِ الشُّرْبِ، وَعَلَى الْمَوْرِدِ، وَالْجَمْعُ أَشْرَابٌ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ: نَوْبَةُ الاِنْتِفَاعِ، أَوْ زَمَنُ الاِنْتِفَاعِ بِالشِّرْبِ لِسَقْيِ الشَّجَرِ أَوِ الزَّرْعِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الشَّفَةُ:

2 - وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُهُ الإْنْسَانُ مِنَ الْمَاءِ لِدَفْعِ عَطَشٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ لِلطَّبْخِ أَوِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِسَقْيِ الْمَوَاشِي وَالدَّوَابِّ لِدَفْعِ الْعَطَشِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُنَاسِبُهَا .

الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:

أَنْوَاعُ الْمِيَاهِ بِالنِّسْبَةِ لِحَقَّيِ الشِّرْبِ وَالشَّفَةِ:

تَنْقَسِمُ الْمِيَاهُ بِالنَّظَرِ إِلَى تَمَلُّكِهَا وَالاِنْتِفَاعِ بِهَا إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

الْقِسْمُ الأْوَّلُ: الْمَاءُ الْعَامُّ:

3 - وَهُوَ النَّابِعُ فِي مَوْضِعٍ لاَ يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَلاَ صُنْعَ لِلآْدَمِيِّينَ فِي إِنْبَاطِهِ وَإِجْرَائِهِ كَالأْنْهَارِ الْكَبِيرَةِ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وَسَائِرِ أَوْدِيَةِ الْعَالَمِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ، فَهَذَا النَّوْعُ حَقٌّ لِلنَّاسِ جَمِيعًا وَلَيْسَ لأِحَد مِلْكٌ فِي الْمَاءِ وَلاَ فِي الْمَجْرَى.

وَلِكُلِّ وَاحِدٍ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِهِ بِالشَّفَةِ وَالشِّرْبِ، وَلَهُ شَقُّ الْجَدَاوِلِ مِنَ الأْنْهَارِ وَنَحْوِهَا، وَنَصْبُ آلاَتِ السَّقْيِ عَلَيْهَا لإِجْرَاءِ الْمِيَاهِ لأِرْضِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وَسَائِلِ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَاءِ.

وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ وَلاَ لِغَيْرِهِ مَنْعُ أَحَدٍ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ بِكُلِّ الْوُجُوهِ، إِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى فِعْلِهِ ضَرَرٌ عَلَى النَّهْرِ أَوِ الْجَمَاعَةِ .

لِخَبَرِ «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ فِي الْكَلأَ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ» . فَإِنْ أَضَرَّ فِعْلُهُ بِالْعَامَّةِ فَلِلْحَاكِمِ إِزَالَةُ الْقَدْرِ الضَّارِّ مِنْ فِعْلِهِ؛ لأِنَّهُ حَقٌّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِبَاحَةُ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِمْ مَشْرُوطَةٌ بِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ لِحَدِيثِ «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» وَلِلْعَامَّةِ أَيْضًا مَنْعُهُ مِنَ الإْضْرَارِ بِحَقِّهِمْ .

وَإِنْ حَضَرَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا شَاءَ.

وَإِنْ قَلَّ الْمَاءُ أَوْ ضَاقَ الْمَشْرَعُ قُدِّمَ السَّابِقُ، فَإِنْ جَاءَا مَعًا أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنِ احْتَاجَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْمَاءِ لِسَقْيِ الأْرْضِ، وَالْبَعْضُ الآْخَرُ لِلشُّرْبِ لِدَفْعِ الْعَطَشِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ دَوَابِّهِ قُدِّمَ الْمُحْتَاجُ لِلشُّرْبِ.

قِسْمَةُ الْمِيَاهِ الْعَامَّةِ:

4 - إِذَا أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَاضِيهِمْ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمِيَاهِ، فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ عَظِيمًا وَالْمَشْرَعُ وَاسِعًا يَفِي بِالْجَمِيعِ سَقَى مَنْ شَاءَ مَتَى شَاءَ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا شَاءَ.

وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلاً أَوْ ضَاقَ الْمَشْرَعُ، سَقَى الأْوَّلُ أَرْضَهُ ثُمَّ يُرْسِلُهُ إِلَى الثَّانِي، ثُمَّ الثَّانِي إِلَى الثَّالِثِ، وَهَكَذَا.

هَذَا إِذَا كَانَ الأْوَّلُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الإْحْيَاءِ عَلَى الأْسْفَلِ، أَوْ تَسَاوَيَا فِي الإْحْيَاءِ، أَمَّا إِنْ تَقَدَّمَ الأْسْفَلُ فَيُقَدَّمُ هُوَ .

فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنِ الأْوَّلِ شَيْءٌ أَوْ عَنِ الثَّانِي أَوْ عَنْ مَنْ يَلِيهِمْ فَلاَ شَيْءَ لِلْبَاقِينَ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِلاَّ مَا فَضَلَ فَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ كَالْعَصَبَةِ فِي الْمِيرَاثِ . وَالأْصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما - قَالَ: «إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأْنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ صلي الله عليه وسلم : اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الأْنْصَارِيُّ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجُدُرِ وَقَالَ الزُّبَيْرُ فَوَاَللَّهِ إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ ) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَظَرْنَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الْجُدُرِ فَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ».

5 - وَإِنِ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْقُرْبِ مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ اقْتَسَمَا الْمَاءَ بَيْنَهُمَا إِنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَيُقَدَّمُ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ، فَإِنْ كَانَ لاَ يَفْضُلُ عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَى مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ تَرَكَهُ لِلآْخَرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَ جَمِيعَ الْمَاءِ؛ لأِنَّ الآْخَرَ يُسَاوِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقْدِيمِ فِي الاِسْتِيفَاءِ أَوَّلاً. لاَ فِي أَصْلِ الْحَقِّ بِخِلاَفِ الأْعْلَى مَعَ الأْسْفَلِ.

فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْضِ الآْخَرِ قُسِمَ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الأَْرْضِ، لأِنَّ الزَّائِدَ مِنْ أَرْضِ أَحَدِهِمَا مُسَاوٍ فِي الْقُرْبِ، فَاسْتَحَقَّ جُزْءًا مِنَ الْمَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ ثَالِثٍ .

6 - وَإِنْ كَانَ لِجَمَاعَةٍ حَقُّ الشُّرْبِ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ أَوْ سَيْلٍ وَأَحْيَا غَيْرُهُمْ أَرْضًا مَوَاتًا أَقْرَبَ إِلَى رَأْسِ النَّهْرِ مِنْ أَرْضِهِمْ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ قَبْلَهُمْ لأِنَّهُمْ أَسْبَقُ مِنْهُ إِلَى النَّهْرِ، وَ لأِنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَهَا بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا، وَالْمَاءُ أَهَمُّ الْمَرَافِقِ، فَلاَ يَمْلِكُ إِبْطَالَ حُقُوقِهَا، وَالشُّرْبُ مِنْ حُقُوقِهَا .

كَرْيُ الأَنْهَارِ الْعَامَّةِ:

7 - الْكَرْيُ: إِخْرَاجُ الطِّينِ مِنْ أَرْضِ النَّهْرِ وَحَفْرُهُ وَإِصْلاَحُ ضِفَّتَيْهِ، وَمُؤْنَةُ الْكَرْيِ وَجَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الإْصْلاَحِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، لأِنَّهُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ، أَجْبَرَ الْحَاكِمُ النَّاسَ عَلَى إِصْلاَحِ النَّهْرِ إِنِ امْتَنَعُوا عَنْهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَتَحْقِيقًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ .

الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمِيَاهُ الْجَارِيَةُ فِي أَنْهَارٍ وَسَوَاقِي مَمْلُوكَةٍ:

8 - مَنْ يَحْفِرُ نَهْرًا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنَ النَّهْرِ الْعَظِيمِ أَوْ مِنْ نَهْرٍ مُتَفَرِّعٍ مِنْهُ، فَالْمَاءُ فِي هَذَا بَاقٍ عَلَى إِبَاحَتِهِ، وَلَكِنْ مَالِكُ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّيْلِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ، وَلِغَيْرِهِ حَقُّ الشِّرْبِ مِنْهُ وَالاِسْتِعْمَالِ، وَسَقْيِ الدَّوَابِّ لاَ سَقْيِ أَرْضِهِ وَشَجَرِهِ، فَإِنْ أَبَى صَاحِبُهُ كَانَ لِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ جَبْرًا، وَلَهُ إِنْ مَنَعَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ وَلَوْ بِالسِّلاَحِ لأِنَّ الْمَاءَ فِي النَّهْرِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بِشَرْطِ أَلاَّ يَجِدَ الْمُضْطَرُّ مَاءً مُبَاحًا . لأِثَرِ عُمَرَ - رضي الله عنه - رَوَى أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ، فَلَمْ يَدُلُّوهُمْ عَلَيْهَا فَقَالُوا: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ تَتَقَطَّعُ مِنَ الْعَطَشِ، فَدُلُّونَا عَلَى الْبِئْرِ، وَأَعْطُونَا دَلْوًا نَسْتَقِي، فَلَمْ يَفْعَلُوا فَذُكِرَ ذَلِكَ - لِعُمَرِ رضي الله عنه - فَقَالَ: هَلاَّ وَضَعْتُمِ السِّلاَحَ فِيهِمْ».

 

وَيَجُوزُ لِغَيْرِ مَالِكِ النَّهْرِ أَنْ يَحْفِرَ فَوْقَ نَهْرِهِ نَهْرًا إِنْ لَمْ يُضَيِّقْ عَلَيْهِ، فَإِنْ ضَيَّقَ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.

فَإِنِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الْحَفْرِ اشْتَرَكُوا فِي الْمِلْكِ عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمْ، فَإِنِ اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ النَّهْرُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ مِنَ الأْرْضِ يَكُونُ عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ أَرْضِهِ، فَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرْضِهِ مُتَطَوِّعًا فَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَى الْبَاقِينَ. فَإِنْ أُكْرِهَ أَوْ شَرَطُوا لَهُ عِوَضًا رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِأُجْرَةِ مَا زَادَ، وَلَيْسَ لِلأْعْلَى حَبْسُ الْمَاءِ عَنِ الأْسْفَلِ.

وَإِذَا اقْتَسَمُوا الْمَاءَ بِالأْيَّامِ وَالسَّاعَاتِ جَازَ؛ لأِنَّهُ حَقَّهُمْ لاَ يَخْرُجُ عَنْهُمْ، وَإِنْ تَشَاحُّوا فِي قِسْمَتِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَمْلاَكِهِمْ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمْلِكُ مِنَ النَّهْرِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْصِبَ خَشَبَةً فِي عَرْضِ النَّهْرِ فِيهَا ثُقُوبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ. وَلَيْسَ لأِحَدهِمُ التَّصَرُّفُ فِي النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ بِتَوْسِيعِ فَمِ النَّهْرِ أَوْ تَضْيِيقِهِ وَلاَ بِنَاءِ قَنْطَرَةٍ عَلَيْهِ إِلاَّ بِرِضَاهُمْ. وَعِمَارَتُهُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ الْمِلْكِ لاِشْتِرَاكِهِمْ فِي الْمِلْكِ وَالاِنْتِفَاعِ، وَلَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوا مُهَايَأَةً بِأَنْ يَسْقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ يَوْمًا أَوْ بَعْضُهُمْ يَوْمًا فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ حِصَّتِهِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمُ الرُّجُوعُ عَنِ الْمُهَايَأَةِ مَتَى شَاءَ، وَلَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوا بِكُلِّ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ لإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنَ الْمَاءِ .

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَنْبَعُ مَمْلُوكًا:

9 - كَأَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ، أَوِ انْفَجَرَتْ فِي مِلْكِهِ عَيْنٌ. فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْمَاءَ لأِنَّهُ نَمَاءٌ مَلَكَهُ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنَ الْمَاءِ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ، وَبَذْلُ مَا فَضَلَ عَنْ مَاشِيَتِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: فِي الْكَلأَ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ» بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ كَلأَ تَرْعَى الْمَاشِيَةُ مِنْهُ، وَلاَ يَجِدُ مَاءً مُبَاحًا أَوْ مَمْلُوكًا يَبْذُلُهُ صَاحِبُهُ لَهُ مَجَّانًا.

وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ، وَلاَ يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِ الْمَاءِ لِزَرْعِهِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَهُ مَنْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَبَيْعُهُ، وَهِبَتُهُ، وَالتَّصَدُّقُ بِهِ، إِلاَّ مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ هَلاَكٌ أَوْ ضَرَرٌ شَدِيدٌ، وَلاَ ثَمَنَ مَعَهُ حِينَ الْخَوْفِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ، فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَنْعُهُ وَلاَ بَيْعُهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ لَهُ مَجَّانًا، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ فَلاَ يَبْذُلُ لَهُ إِلاَّ بِالثَّمَنِ. وَكَذَا يَجِبُ عَلَى مَالِكِ الْمَاءِ بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنَ الْمَاءِ لِزَرْعِ جَارِهِ، بِشَرْطِ أَنْ يَظُنَّ هَلاَكَ الزَّرْعِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ فَاضِلاً عَنْ زَرْعِ مَالِكِ الْمَاءِ، وَأَنْ يَزْرَعَ الْجَارُ زَرْعَهُ عَلَى مَاءٍ لَهُ، وَأَنْ يَشْرَعَ فِي إِصْلاَحِ بِئْرِهِ.

فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ زَرْعِهِ شَيْءٌ، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْمَاءِ لِغَيْرِهِ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَزْرَعِ الْجَارُ زَرْعَهُ عَلَى مَاءِ لِمُخَاطَرَتِهِ وَتَعْرِيضِهِ زَرْعَهُ لِلْهَلاَكِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ قَدْ زَرَعَ عَلَى مَاءٍ فَعَطِبَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي إِصْلاَحِهِ .

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَاءَ الآْبَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْعُيُونِ لاَ يُمْلَكُ، بَلْ هُوَ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ، سَوَاءٌ حُفِرَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، وَلَكِنْ لِحَافِرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ، أَوْ فِي مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ، وَلِمَنْ نَبَعَتِ الْعَيْنُ فِي أَرْضٍ يَمْلِكُهَا حَقُّ الاِخْتِصَاصِ؛ لأِنَّ الْمَاءَ فِي الأْصْلِ خُلِقَ مُبَاحًا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: الْكَلأَ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ» وَالشَّرِكَةُ تَقْتَضِي الإْبَاحَةَ لِجَمِيعِ الشُّرَكَاءِ إِلاَّ إِذَا حَصَلَ فِي إِنَاءٍ وَأَحْرَزَهُ بِهِ، فَيَصِيرُ مَمْلُوكًا، لأِنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لأِحَد كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الإْبَاحَةِ الثَّابِتَةِ بِالشَّرْعِ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لأِنَّ الْبَيْعَ لاَ يَصِحُّ فِي مَالٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنَ الشُّرْبِ بِأَنْفُسِهِمْ وَسَقْيِ دَوَابِّهِمْ مِنْهُ لأِنَّهُ مُبَاحٌ .

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَمْنَعَ نَقْعَ الْبِئْرِ» وَهُوَ فَضْلُ مَائِهَا الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهَا، فَلِلنَّاسِ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهَا وَيَسْقُوا مِنْهَا دَوَابَّهُمْ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَلِصَاحِبِهَا أَنْ يَمْنَعَ مِنَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ؛ لأِنَّ فِي الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إِضْرَارًا بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ. وَإِنِ اضْطُرُّوا إِلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَجِدُوا مَاءً غَيْرَهُ وَخَافُوا الْهَلاَكَ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ أَوْ يُخْرِجَ الْمَاءَ لَهُمْ، وَلَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُ عَلَى ذَلِكَ بِالسِّلاَحِ لِيَأْخُذُوهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ .

حَفْرُ بِئْرٍ لِلاِرْتِفَاقِ لاَ لِلتَّمَلُّكِ:

10 - إِنْ حَفَرَ بِئْرًا لِلاِرْتِفَاقِ فِي مَوَاتٍ اخْتَصَّ بِهِ وَبِمَائِهِ كَالْمَالِكِ مَا دَامَ مُقِيمًا عَلَيْهِ، لِخَبَرِ «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» وَلَكِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مَنْعَ مَا فَضَلَ مِنْهُ عَنِ الْمُحْتَاجِ لِشُرْبٍ وَسَقْيِ دَوَابَّ وَمَوَاشِي، وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. فَإِنِ ارْتَحَلَ عَنْهَا بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ. فَإِنْ عَادَ مَرَّةً أُخْرَى فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَعُودُ لَهُ الاِخْتِصَاصُ.

وَإِنْ حَفَرَهَا لِلْمَارَّةِ فَهُوَ فِيهَا كَأَحَدِهِمْ.

وَإِنْ حَفَرَهَا بِلاَ قَصْدِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ فَكَذَلِكَ.

وَالْقَنَاةُ الْمَمْلُوكَةُ كَالْبِئْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحْكَامٍ .

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْمَاءُ الْمُحْرَزُ بِالأْوَانِي وَالظُّرُوفِ:

11 - وَهَذَا مَمْلُوكٌ لِمُحْرِزِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَلاَ حَقَّ لأِحَد فِيهِ؛ لأِنَّ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي الأْصْلِ فَإِنَّ الْمُبَاحَ يُمْلَكُ بِالاِسْتِيلاَءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ. وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي سَائِرِ الأْعْصَارِ عَلَى بَيْعِ السَّقَّائِينَ الْمِيَاهَ الْمُحْرَزَةَ فِي الظُّرُوفِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَلاَ يَحِلُّ لأِحَد أَخْذُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ مُحْرِزِهِ، إِلاَّ أَنْ يَخَافَ الْهَلاَكَ، وَعِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ لَهُ، فَإِنِ امْتَنَعَ أَنْ يُقَدِّمَهُ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَيْهِ .

شَرْطُ وُجُوبِ الاِنْتِفَاعِ بِالأْنْهَارِ الْخَاصَّةِ وَنَحْوِهَا:

12 - يَجِبُ عَلَى الْمُنْتَفِعِ بِالأْنْهَارِ وَالسَّوَّاقِي وَالآْبَارِ الْخَاصَّةِ أَلاَّ يَضُرَّ الْمَالِكَ فِي مِلْكِهِ، بِأَنْ يُحَافِظَ عَلَى حَافَّةِ النَّهْرِ وَالسَّاقِيَّةِ، وَالْبِئْرِ مِنَ التَّخْرِيبِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلِصَاحِبِ الْمَجْرَى الْمَنْعُ مِنْهُ؛ إِذْ لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ .

رَفْعُ الدَّعْوَى لِلشِّرْبِ:

13 - مَنْ كَانَ لَهُ شِرْبٌ فِي مَاءٍ فَلَهُ رَفْعُ الدَّعْوَى عَلَى مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ؛ لأِنَّ الشِّرْبَ مَرْغُوبٌ فِيهِ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَيُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ بِغَيْرِ أَرْضٍ بِالإْرْثِ وَالْوَصِيَّةِ؛ وَ لأِنَّهُ قَدِ ابْتَاعَ الأْرْضَ دُونَ حَقِّ الشِّرْبِ، فَيَبْقَى الشِّرْبُ وَحْدَهُ، فَإِنِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الظُّلْمَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ، صَرَّحَ بِهَذَا الْحَنَفِيَّةُ وَهُمْ لاَ يُجِيزُونَ التَّصَرُّفَ فِي الشِّرْبِ بِالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْعُقُودِ وَغَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ أَوْلَى بِإِجَازَةِ رَفْعِ الدَّعْوَى لِكَوْنِهِمْ يُجِيزُونَ بَيْعَ حَقِّ الشِّرْبِ. كَمَا سَيَأْتِي.

التَّصَرُّفُ فِي الشِّرْبِ:

14 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الشِّرْبِ بِالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ وَالصُّلْحِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.

فَإِنْ صَالَحَ رَجُلاً عَلَى مَوْضِعِ قَنَاةٍ فِي أَرْضِهِ يَجْرِي فِيهَا مَاءٌ وَبَيَّنَا مَوْضِعَهَا وَعَرْضَهَا وَطُولَهَا جَازَ؛ لأِنَّ ذَلِكَ بَيْعُ مَوْضِعٍ مِنْ أَرْضِهِ، وَلاَ حَاجَةَ إِلَى بَيَانِ عُمْقِهِ لأِنَّهُ إِذَا مَلَكَ الْمَوْضِعَ كَانَ لَهُ إِلَى تُخُومِهِ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي سَاقِيَةٍ مِنْ أَرْضِ رَبِّ الأْرْضِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا، جَازَ، وَهُوَ إجَارَةٌ لِلأْرْضِ فَيُشْتَرَطُ تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ؛ لأِنَّ هَذَا شَأْنُ الإْجَارَةِ .

أَمَّا الشِّرْبُ بِمَعْنَى الْمَاءِ فَقَدْ جَوَّزَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْعَهُ مُطْلَقًا فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شِرْبَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ أَصْلِ الْمَاءِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنِ اشْتَرَى شِرْبَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مِنْ نَهْرِ رَجُلٍ أَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَقُدِّرَ بِشَيْءٍ يُعْلَمُ بِهِ. قَالَ الْقَاضِي: لاَ يَجُوزُ لأِنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلاَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ لأِنَّهُ مَجْهُولٌ. وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى سَهْمٍ مِنَ الْعَيْنِ أَوِ النَّهْرِ كَالرُّبُعِ وَالثُّلُثِ جَازَ، وَكَانَ بَيْعًا لِلْقَرَارِ وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهُ. قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ الصُّلْحُ عَلَى الشِّرْبِ مِنْ نَهْرِهِ أَوْ قَنَاتِهِ، لأِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ. وَالْمَاءُ مِمَّا يَجُوزُ الْعِوَضُ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَخَذَهُ فِي إِنَاءٍ أَوْ قِرْبَةٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْقِصَاصِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَاءِ إِنْ وَجَبَ بَذْلُهُ. وَإِنْ لَمْ يَجِبْ بَذْلُهُ بِأَنْ وَجَدَ مُحْتَاجُ الشُّرْبِ مَاءً آخَرَ فَلَهُ بَيْعُ الْمَاءِ، مُقَدَّرًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَلاَ يَجُوزُ مُقَدَّرًا بِرَيِّ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشِّرْبِ مُنْفَرِدًا بِأَنْ بَاعَ شِرْبَ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ لأِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِّ الشِّرْبِ وَالسَّقْيِ، وَالْحُقُوقُ لاَ تَحْتَمِلُ الإِفْرَادَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَوْ اشْتَرَى الشِّرْبَ بِدَارٍ وَقَبَضَهَا لَزِمَهُ رَدُّ الدَّارِ لأِنَّهَا مَقْبُوضَةٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ، فَكَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا انْتَفَعَ بِهِ مِنَ الشِّرْبِ، وَإِنْ بَاعَ الشِّرْبَ مَعَ الأْرْضِ جَازَ تَبَعًا لِلأْرْضِ؛ لِجَوَازِ كَوْنِ الشَّيْءِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تَجْعَلْهُ التَّبَعِيَّةُ مَقْصُودًا بِذَاتِهِ، وَلاَ يَجُوزُ جَعْلُهُ أُجْرَةً لِدَارٍ، وَلاَ إجَارَتُهُ مُنْفَرِدًا لأِنَّ الْحُقُوقَ لاَ تَحْتَمِلُ الإْجَارَةَ كَمَا لاَ تَحْتَمِلُ الْبَيْعَ .

وَإِنْ بَاعَ الأْرْضَ وَلَمْ يَذْكُرِ الشِّرْبَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ. وَإِنْ أَجَّرَهَا وَلَمْ يَذْكُرِ الشِّرْبَ لَمْ يَدْخُلْ قِيَاسًا وَيَدْخُلُ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الذِّكْرِ دَلاَلَةً؛ لأِنَّ الإْجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَلاَ يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِالأْرْضِ بِدُونِ الشِّرْبِ فَيَكُونُ مَذْكُورًا بِذِكْرِ الأْرْضِ دَلاَلَةً بِخِلاَفِ الْبَيْعِ، لأِنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ تَحْتَمِلُ الْمِلْكَ بِدُونِ الْمَنْفَعَةِ، وَلاَ تَجُوزُ هِبَةُ الشِّرْبِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ تَمْلِيكٌ وَالْحُقُوقُ الْمُفْرَدَةُ لاَ تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ، وَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ لأِنَّ الصُّلْحَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَلاَ يَصْلُحُ مَهْرًا وَلاَ بَدَلَ خُلْعٍ .

النِّزَاعُ فِي اسْتِحْقَاقِ الشِّرْبِ:

15 - قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا وُجِدَتْ أَرْضٌ لَمْ يَكُنْ سَقْيُهَا مِنَ النَّهْرِ الْعَامِّ، وَوُجِدَتْ سَاقِيَةٌ لَهَا مِنَ النَّهْرِ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهَا شِرْبٌ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، حَكَمْنَا عِنْدَ التَّنَازُعِ بِأَنَّ لَهَا شِرْبًا مِنْهُ. وَلَوْ تَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ فِي قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ يُجْعَلُ عَلَى قَدْرِ الأْرْضِينَ لأِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والأربعون ، الصفحة / 387

النَّهْرُ الصَّغِيرُ وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِهِ:

7 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ النَّهْرُ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ صَغِيرًا يَتَزَاحَمُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَيَتَشَاحُّونَ فِي مَائِهِ فَلِمَنْ فِي أَوَّلِ النَّهْرِ (أَيْ أَعْلاَهُ) أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ إِلَى الْكَعْبِ، ثُمَّ يُرْسِلَ الْمَاءَ إِلَى الَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ مِنَ الثَّانِي إِلَى الثَّالِثِ، وَهَكَذَا إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ سَقْيُ الأْرَاضِي كُلِّهَا .

وَالأْصْلُ فِي هَذَا مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأْنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلي الله عليه وسلم - فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأْنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلي الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلي الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَغَضِبَ الأْنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صلي الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم ).

وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صلي الله عليه وسلم - الزُّبَيْرَ - رضي الله عنه - أَنْ يَسْقِيَ ثُمَّ يُرْسِلَ الْمَاءَ تَسْهِيلاً عَلَى غَيْرِهِ، فَلَمَّا قَالَ الأْنْصَارِيُّ مَا قَالَ اسْتَوْعَى النَّبِيُّ - صلي الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ .

وَقَدْ رَوَى عُبَادَةُ - رضي الله عنه - «أَنَّ النَّبِيَّ - صلي الله عليه وسلم - قَضَى فِي شُرْبِ النَّخْلِ مِنَ السَّيْلِ أَنَّ الأْعْلَى فَالأْعْلَى يَشْرَبُ قَبْلَ الأْسْفَلِ ، وَيُتْرَكُ الْمَاءُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَاءُ إِلَى الأْسْفَلِ الَّذِي يَلِيهِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَوَائِطُ أَوْ يَفْنَى الْمَاءُ» .

وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلي الله عليه وسلم - قَضَى فِي سَيْلٍ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِبٍ، أَنَّ الأْعْلَى يُرْسَلُ إِلَى الأْسْفَلِ وَيُحْبَسُ قَدْرَ كَعْبَيْنِ» .

وَإِذَا سَقَى الأْوَّلُ وَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ، أَوْ سَقَى الثَّانِي وَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ، فَلاَ شَيْءَ لِمَنْ بَعْدَهُ، لأِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ مَا فَضَلَ، فَهُوَ كَالْعُصْبَةِ مَعَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ .

وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ أَحَدِهِمَا انْخِفَاضٌ وَارْتِفَاعٌ، أَيْ كَانَ بَعْضُهَا مُرْتَفِعًا وَبَعْضُهَا مُنْخَفِضًا فَإِنَّهُ يَسْقِي كُلَّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ لأِنَّ هُمَا لَوْ سَقَيَا مَعًا لَزَادَ الْمَاءُ فِي الأْرْضِ الْمُنْخَفِضَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ، وَطَرِيقَةُ ذَلِكَ أَنْ يَسْقِيَ الْمُنْخَفِضُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَسُدَّهُ ثُمَّ يَسْقِيَ الْمُرْتَفِعُ .

وَإِذَا سَقَى الأْعْلَى ، ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى سَقْيِ أَرْضِهِ مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ انْتِهَاءِ سَقْيِ الأْرَاضِي كُلِّهَا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ سَقْيُ الأْرَاضِي لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ .

هَذَا هُوَ الأْصْلُ فِي هَذَا وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ مَنْ فِي أَعْلاَ النَّهْرِ بِالسَّقْيِ فَيَسْقِيَ أَرْضَهُ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى كَعْبِهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ إِلَى مَنْ يَلِيهِ، وَهَكَذَا كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، إِذَا كَانَ إِحْيَاؤُهُمْ مَعًا، أَوْ أَحْيَا الأْعْلَى قَبْلَ غَيْرِهِ، أَوْ جَهِلَ الْحَالَ .

8 - أَمَّا لَوْ كَانَ مَنْ فِي أَسْفَلِ النَّهْرِ هُوَ الَّذِي سَبَقَ بِالإْحْيَاءِ فَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي السَّقْيِ، ثُمَّ مَنْ أَحْيَا بَعْدَهُ، وَهَكَذَا لأِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّقْيِ هُوَ السَّبْقُ إِلَى الإْحْيَاءِ لاَ إِلَى أَوَّلِ النَّهْرِ .

بَلْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ الأْسْفَلُ أَسْبَقَ إِحْيَاءً فَهُوَ الْمُقَدَّمُ، بَلْ لَهُ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ إِحْيَاءَ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلَى النَّهْرِ وَسَقْيَهُ مِنْهُ عِنْدَ الضِّيقِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلاَمُ الرَّوْضَةِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ، لِئَلاَّ يُسْتَدَلَّ بِقُرْبِهِ بَعْدُ عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ مَنْ وَلِيَهُ فِي الإْحْيَاءِ وَهَكَذَا، وَلاَ عِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِالْقُرْبِ مِنَ النَّهْرِ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالأْعْلَى : الْمُحْيِي قَبْلَ الثَّانِي وَهَكَذَا، لاَ الأْقْرَبُ إِلَى النَّهْرِ .

وَقَيَّدَ سَحْنُونُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَحَلَّ تَقْدِيمِ الأْسْفَلِ السَّابِقِ فِي الإْحْيَاءِ عَلَى الأْعْلَى الْمُتَأَخِّرِ فِي الإْحْيَاءِ إِذَا خِيفَ عَلَى زَرْعِ الأْسْفَلِ الْهَلاَكُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فِي السَّقْيِ، وَإِلاَّ قُدِّمَ الأْعْلَى الْمُتَأَخِّرُ فِي الإْحْيَاءِ عَلَى الأْسْفَلِ ، وَالَّذِي حَقَّقَهُ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيِّ أَنَّ الأْسْفَلَ يُقَدَّمُ إِذَا تَقَدَّمَ فِي الإْحْيَاءِ وَلَوْ لَمْ يُخَفْ عَلَى زَرْعِهِ بِتَقْدِيمِ الأْعْلَى .

قَدْرُ مَا يُحْبَسُ مِنَ الْمَاءِ:

9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُحْبَسُ مِنَ الْمَاءِ قَبْلَ إِرْسَالِهِ إِلَى الآْخَرِ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَظَرْنَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صلي الله عليه وسلم -: «ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ» فَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ .

وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِيمَا يُحْبَسُ مِنَ الْمَاءِ وَجْهَيْنِ:

قَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي قَدْرِ السَّقْيِ إِلَى الْعَادَةِ وَالْحَاجَةِ، وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ التَّقْدِيرُ بِالْكَعْبَيْنِ فِي كُلِّ الأْزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ، لأِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأْرْضِ وَبِاخْتِلاَفِ مَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ وَشَجَرٍ، وَبِوَقْتِ الزِّرَاعَةِ وَبِوَقْتِ السَّقْيِ .

وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى أَسْنَى الْمَطَالِبِ ذَكَرَ أَنَّ كَلاَمَ الْجُمْهُورِ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ (وَهُوَ أَنْ يُحْبَسَ الْمَاءُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ) مَحْمُولٌ عَلَى أَرْضٍ يَكْفِيهَا ذَلِكَ، أَمَّا الأْرْضُ الَّتِي لاَ تَكْفِيهَا إِلاَّ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ كَغَالِبِ مَزَارِعِ الْيَمَنِ فَتُسْقَى إِلَى حَدِّ كِفَايَتِهَا عَادَةً مَكَانًا وَزَمَانًا، وَقَدِ اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، قَالَ الأْذْرُعِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّيُّ.

10 - وَهَلِ الْمُرَادُ بِالْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ يُحْبَسُ الْمَاءُ إِلَيْهِمَا الأْسْفَلُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ أَوِ الأْعْلَى كَمَا قَالُوا فِي آيَةِ الْوُضُوءِ؟ الظَّاهِرُ الأْوَّلُ، وَالْمَرْجِعُ إِلَى الْقَدْرِ الْمُعْتَدِلِ أَوِ الْغَالِبِ، لأِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَرْتَفِعُ كَعْبُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْخَفِضُ وَيَدْنُو مِنْ أَسْفَلِ الرِّجْلِ وَالأْقْرَبُ الأْوَّلُ .

وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يَحْبِسُ الأْعْلَى مِنَ الْمَاءِ مَا بَلَغَ الْكَعْبَ وَيُرْسِلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِلَّذِي يَلِيهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الأْظْهَرُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرْسِلُ جَمِيعَ الْمَاءِ وَلاَ يَحْبِسُ شَيْئًا مِنْهُ (أَيْ بَعْدَ سَقْيِ أَرْضِهِ ).

ثَانِيًا: النَّهْرُ الْخَاصُّ (الْمَمْلُوكُ) وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ

11 - إِذَا كَانَ النَّهْرُ مَمْلُوكًا لِشَخْصٍ، كَأَنْ شَقَّ شَخْصٌ لِنَفْسِهِ نَهْرًا مِنَ الأْنْهَارِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ أَصْبَحَ مَالِكًا لَهُ وَكَانَ أَحَقَّ بِهِ لِسَقْيِ أَرْضِهِ وَدَوَابِّهِ، وَلَيْسَ لأِحَدٍ مُزَاحَمَتُهُ أَوْ سَقْيُ أَرْضٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ مِنْهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، لأِنَّ الْحَقَّ لَهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنِهِ .

فَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَنْ سَقَى أَرْضَهُ أَوْ زَرَعَهُ مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ - سَوَاءٌ اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ أَوْ لاَ- لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَذَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يُؤَدِّبْهُ السُّلْطَانُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ إِنْ رَأَى ذَلِكَ .

وَلَكِنْ لِلْغَيْرِ حَقُّ الشُّرْبِ لِنَفْسِهِ وَدَوَابِّهِ إِلاَّ إِذَا خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ بِكَثْرَةِ الدَّوَابِّ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالشَّفَةُ إِذَا كَانَتْ تَأْتِي عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ جَدْوَلاً صَغِيرًا وَفِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوَاشِي كَثْرَةٌ تَقْطَعُ الْمَاءَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يَمْنَعُ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: يَمْنَعُ لِلضَّرَرِ وَجُزِمَ بِالثَّانِي فِي الْمُلْتَقَى .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لِمَالِكِ النَّهْرِ أَنْ يَمْنَعَ مَا لِلشُّرْبِ وَالاِسْتِعْمَالِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ وَلَوْ بِدَلْوٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ لاَ يُدْلِي أَحَدٌ فِيهِ دَلْوًا .

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ مِنَ الْجَدَاوِلِ وَالأْنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ إِذَا كَانَ السَّقْيُ لاَ يَضُرُّ بِمَالِكِهَا جَائِزٌ، إِقَامَةً لِلإْذْنِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ اللَّفْظِيِّ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ النَّهْرُ لِمَنْ لاَ يُعْتَبَرُ إِذْنُهُ كَالْيَتِيمِ وَالأْوْقَافِ الْعَامَّةِ فَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنَ الْمَاءِ الْجَارِي لِشُرْبِهِ وَغَسْلِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ إِلَيْهِ فِي مَكَانٍ مَحُوطٍ عَلَيْهِ، وَلاَ يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ الْمَنْعُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلي الله عليه وسلم -: «ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ».. .. «وَعَنْ بُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: الْمَاءُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: الْمِلْحُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ» . فَأَمَّا مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَاءِ كَسَقْيِ الْمَاشِيَةِ الْكَثِيرَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ: فَإِنْ فَضَلَ الْمَاءُ عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْ بَذْلُهُ .

ثَالِثًا: النَّهْرُ دَاخِلُ الْمِلْكِ:

12 - إِذَا كَانَ النَّهْرُ دَاخِلَ مِلْكِ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنَ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ .

وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ بَيَانُهُ كَالآْتِي:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْمَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحِيَاضِ وَالآْبَارِ وَالْعُيُونِ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِصَاحِبِهِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ، لَكِنْ لَهُ حَقٌّ خَاصٌّ فِيهِ، لأِنَّ الْمَاءَ فِي الأْصْلِ خُلِقَ مُبَاحًا لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ» وَالشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ تَقْتَضِي الإْبَاحَةَ، فَلَوْ كَانَ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ مِنَ الشُّرْبِ لِنَفْسِهِ أَوْ مَاشِيَتِهِ مِنَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ، لأِنَّ الدُّخُولَ إِلَى أَرْضِهِ إِضْرَارٌ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ يَجِدُ مَاءً بِقُرْبِهِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً بِقُرْبِهِ وَاضْطُرَّ لِلدُّخُولِ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ الْهَلاَكَ فَيُقَالُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ: إِمَّا أَنْ تَأْذَنَ بِالدُّخُولِ لِيَأْخُذَ الْمَاءَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَكْسِرَ ضَفَّةَ النَّهْرِ، وَإِمَّا أَنْ تُخْرِجَ الْمَاءَ إِلَيْهِ وَتُعْطِيَهُ بِنَفْسِكَ. فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ وَمَنَعَهُ مِنَ الدُّخُولِ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلاَحِ لِيَأْخُذَ قَدْرَ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْهَلاَكُ، وَالأْصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، وَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا فَأَبَوْا، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا كَادَتْ تُقْطَعُ فَأَبَوْا، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِسَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَقَالَ: هَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَا كَانَ مِنَ الْمَاءِ فِي أَرْضٍ مُتَمَلَّكَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِثْلَ بِئْرٍ يَحْفِرُهَا أَوْ عَيْنٍ يَسْتَخْرِجُهَا، أَوْ غَيْرَ مُسْتَنْبَطٍ غَدِيرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَحِلُّ لَهُ بِيعُهُ وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْهُ إِلاَّ بِثَمَنٍ، إِلاَّ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ لاَ ثَمَنَ مَعَهُمْ وَيَخَافُ عَلَيْهِمُ الْهَلاَكَ إِنْ مَنَعَهُمْ فَحَقَّ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَمْنَعَهُمْ.

فَإِنْ مَنَعَهُمْ فَعَلَيْهِمْ مُجَاهَدَتُهُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خَافَ عَلَى مُسْلِمٍ الْمَوْتَ أَنْ يُحْيِيَهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ عَلَى أَصْحَابِ الْمِيَاهِ بَيْعُهَا مِنَ الْمُسَافِرِينَ بِمَا تُسَاوِي، وَلاَ يَشْتَطُّوا عَلَيْهِمْ فِي ثَمَنِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُونَ لاَ ثَمَنَ مَعَهُمْ وَجَبَتْ مُوَاسَاتُهُمْ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِمْ وَلاَ يُتْبِعُوا بِالثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ بِبَلَدِهِمْ، لأِنَّ هُمُ الْيَوْمَ أَبْنَاءُ سَبِيلٍ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِوُجُوبِ مُوَاسَاتِهِمْ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْمِيَاهُ الْمُخْتَصَّةُ بِبَعْضِ النَّاسِ وَهِيَ مِيَاهُ الآْبَارِ وَالْقَنَوَاتِ، كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوِ انْفَجَرَ فِيهِ عَيْنٌ مَلَكَهَا وَمَلَكَ مَاءَهَا فِي الأْصَحِّ، إِذِ الْمَاءُ يُمْلَكُ، وَهُوَ نَمَاءُ مِلْكِهِ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنْهُ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ مِنَ الآْدَمِيِّينَ وَعَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ .

وَفِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ: أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْمَاءَ، لِخَبَرِ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ» وَسَوَاءٌ مَلَكَ الْمَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ لاَ، لاَ يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِزَرْعٍ وَشَجَرٍ، وَيَجِبُ بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنْهُ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ مِنَ الآْدَمِيِّينَ وَالْفَاضِلِ عَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بَذْلُهُ لِلْمَاشِيَةِ دُونَ الزَّرْعِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، وَقِيلَ: يَجِبُ بَذْلُهُ لِلزَّرْعِ كَالْمَاشِيَةِ، وَقِيلَ: لاَ يَجِبُ لِلْمَاشِيَةِ كَالْمَاءِ الْمُحْرَزِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْبَذْلُ لِلْمَاشِيَةِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ كَلأَ مُبَاحٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً مَبْذُولاً لَهُ وَلَمْ يُحْرِزْهُ فِي إِنَاءٍ وَنَحْوِهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ بَذْلُهُ. وَحَيْثُ وَجَبَ الْبَذْلُ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِ فَإِنْ صَحَّ بَيْعُ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ، لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ.

وَيُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَاءِ التَّقْدِيرُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لاَ بِرَيِّ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْمَاءَ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ»، وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ الَّذِي لَمْ يُحْرِزْهُ عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ عِيَالِهِ وَحَاشِيَتِهِ وَدِرْعِهِ يَجِبُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ وَزَرْعِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لاَ تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الْكَلإَ» .

وَهَذَا مَا لَمْ يَجِدْ رَبُّ الْبَهَائِمِ أَوِ الزَّرْعِ مَاءً مُبَاحًا فَيَسْتَغْنِي بِهِ فَلاَ يَجِبُ الْبَذْلُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَكَذَا إِذَا كَانَ الْبَاذِلُ لِلْمَاءِ يَتَضَرَّرُ فَلاَ يَلْزَمُهُ الْبَذْلُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ طَالِبُ الْمَاءِ يُؤْذِي صَاحِبَهُ بِدُخُولِهِ فِي أَرْضِهِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَهُ دَفْعًا لِلأْذَى .

رَابِعًا: النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِهِ:

13 - إِذَا كَانَ النَّهْرُ مَمْلُوكًا لأِكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَلَيْسَ لأِحَدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ أَنْ يَشُقَّ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى أَوْ دَالِيَةً أَوْ جِسْرًا أَوْ قَنْطَرَةً أَوْ يُوَسِّعَ فَمَ النَّهْرِ أَوْ يَسُوقَ نَصِيبَهُ إِلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى إِلاَّ بِرِضَا شُرَكَائِهِ لأِنَّ هُمْ قَدْ يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ .

وَلاَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَانِيَّةِ أَنَّ النَّهْرَ إِذَا كَانَ خَاصًّا بِقَوْمٍ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَسْقِيَ بُسْتَانَهُ أَوْ أَرْضَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ، فَإِنْ أَذِنُوا إِلاَّ وَاحِدًا أَوْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ غَائِبٌ لاَ يَسَعُ الرَّجُلَ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ أَرْضَهُ أَوْ زَرْعَهُ .

وَفِي الأْمِّ: لَوْ أَنَّ جَمَاعَةً كَانَ لَهُمْ مِيَاهٌ بِبَادِيَةٍ فَسَقَوْا مِنْهَا وَاسْتَقَوْا وَفَضَلَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَجَاءَ مَنْ لاَ مَاءَ لَهُ يَطْلُبُ أَنْ يَشْرَبَ أَوْ يَسْقِيَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ مَعَهُ فَضْلٌ مِنَ الْمَاءِ- وَإِنْ قَلَّ- مَنْعُهُ إِيَّاهُ إِنْ كَانَ فِي عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ، لأِنَّهُ فَضْلُ مَاءٍ يَزِيدُ وَيُسْتَخْلَفُ .

كَيْفِيَّةُ قِسْمَةِ مَاءِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ:

14 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي حَفْرِ النَّهْرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَاءِ هَذَا النَّهْرِ فِي شُرْبِهِ وَسَقْيِ أَرْضِهِ، فَإِنْ تَرَاضَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى كَيْفِيَّةٍ خَاصَّةٍ فِي الاِنْتِفَاعِ جَازَ ذَلِكَ لأِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمَ الشُّرَكَاءُ مَاءَ النَّهْرِ بِالْمُهَايَأَةِ إِذَا تَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعْلُومًا، مِثْلَ أَنْ يَجْعَلُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ حِصَّةً يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَوْ أَنْ يَجْعَلُوا لِوَاحِدٍ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ، وَلِلآْخَرِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْغُرُوبِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوِ اقْتَسَمُوهُ بِالسَّاعَاتِ وَأَمْكَنَ ضَبْطُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ جَازَ إِذَا تَرَاضَوْا بِهِ، لأِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لاَ يَتَجَاوَزُهُمْ، أَوْ أَنْ يَسْقِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَوْمًا، أَوْ بَعْضُهُمْ يَسْقِي يَوْمًا وَبَعْضُهُمْ يَسْقِي أَكْثَرَ بِحَسَبِ حِصَّتِهِ وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) .

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَإِذَا اقْتَسَمُوا بِالْمُهَايَأَةِ جَازَ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ رَجَعَ وَقَدْ أَخَذَ نَوْبَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الآْخَرُ نَوْبَتَهُ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ نَوْبَتِهِ مِنَ النَّهْرِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي أَخَذَ نَوْبَتَهُ فِيهَا .

وَقِيلَ: تَلْزَمُ الْمُهَايَأَةُ لِيَثِقَ كُلُّ وَاحِدٍ بِالاِنْتِفَاعِ، وَقِيلَ: لاَ تَصِحُّ الْقِسْمَةُ بِالْمُهَايَأَةِ، لأِنَّ الْمَاءَ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ، وَتَخْتَلِفُ فَائِدَةُ السَّقْيِ بِالأْيَّامِ .

15 - وَإِنْ تَشَاحَّ الشُّرَكَاءُ فِي قِسْمَةِ الْمَاءِ أَوْ ضَاقَ عَنْهُمْ قَسَمَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ.

وَطَرِيقَةُ ذَلِكَ- كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ -بِنَصْبِ نَحْوِ خَشَبَةٍ أَوْ حَجَرٍ فِي عُرْضِ النَّهْرِ مُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ، مَوْضُوعَةٍ بِمُسْتَوٍ مِنَ الأْرْضِ ، وَفِيهَا ثُقُبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ مِنَ النَّهْرِ، لأِنَّهُ طَرِيقٌ فِي اسْتِيفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ.

فَإِنْ كَانَتْ أَمْلاَكُهُمْ مُسْتَوِيَةً فَوَاضِحٌ.

وَإِنْ كَانَتْ أَمْلاَكُهُمْ مُخْتَلِفَةً قَسَّمَ الْمَاءَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ النِّصْفُ وَلآِخَرَ الثُّلْثُ وَلآِخَرَ السُّدْسُ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ فِي الْخَشَبَةِ سِتَّ ثُقُبٍ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلاَثَةُ ثُقُوبٍ تَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ، وَلِصَاحِبِ الثُّلْثِ اثْنَانِ يَصُبَّانِ فِي سَاقِيَتِهِ، وَلِصَاحِبِ السُّدْسِ وَاحِدٌ يَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ .

وَإِنْ كَانَ لِوَاحِدٍ الْخُمُسَانِ، وَالْبَاقِي لاِثْنَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ، جَعَلَ فِي الْخَشَبَةِ عَشَرَةَ ثُقُوبٍ، لِصَاحِبِ الْخَمْسِينَ أَرْبَعَةٌ تَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الآْخَرِينَ ثَلاَثَةٌ تَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ.

وَإِنْ كَانَ النَّهْرُ لِعَشَرَةٍ، لِخَمْسَةٍ مِنْهُمْ أَرَاضٍ قَرِيبَةٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ، وَلِخَمْسَةٍ أَرَاضٍ بَعِيدَةٌ جَعَلَ لأِصْحَابِ الأْرْضِ الْقَرِيبَةِ خَمْسَةَ ثُقُوبٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُقْبٌ، وَجَعَلَ لِلْبَاقِينَ خَمْسَةً تَجْرِي فِي النَّهْرِ حَتَّى تَصِلَ إِلَى أَرْضِهِمْ، ثُمَّ تُقَسَّمَ بَيْنَهُمْ قِسْمَةً أُخْرَى .

وَمَا حَصَلَ لأِحَدِهِمْ فِي سَاقِيَتِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَصْنَعُ بِنَصِيبِهِ مَا شَاءَ .

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَاخْتَصَمُوا فِي الشُّرْبِ كَانَ الشُّرْبُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهِمْ، لأِنَّ الْمَقْصُودَ الاِنْتِفَاعُ بِسَقْيِ الأْرَاضِي فَيُتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الأْعْلَى مِنْهُمْ لاَ يَشْرَبُ حَتَّى يَسْكَرَ النَّهْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْبَاقِينَ وَلَكِنَّهُ يَشْرَبُ بِحِصَّتِهِ .

فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ الأْعْلَى النَّهْرَ حَتَّى يَشْرَبَ بِحِصَّتِهِ أَوِ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ لأِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِلَوْحٍ فَلاَ يَسْكُرُ بِمَا يَنْكَبِسُ بِهِ النَّهْرُ كَالطِّينِ وَغَيْرِهِ، لِكَوْنِهِ إِضْرَارًا بِهِمْ بِمَنْعِ مَا فَضَلَ مِنَ السَّكْرِ عَنْهُمْ، إِلاَّ إِذَا رَضُوا بِذَلِكَ.

فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمُ الشُّرْبُ إِلاَّ بِالسَّكْرِ وَلَمْ يَصْطَلِحُوا عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِأَهْلِ الأْسْفَلِ حَتَّى يَرْوُوا، ثُمَّ بَعْدَهُ لأِهْلِ الأْعْلَى أَنْ يَسْكُرُوا.

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «أَهْلُ أَسْفَلِ النَّهْرِ أُمَرَاءٌ عَلَى أَهْلِ أَعْلاَهُ حَتَّى يَرْوُوا». لأِنَّ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا أَهْلَ الأْعْلَى مِنَ السَّكْرِ، وَعَلَيْهِمْ طَاعَتُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ لَزِمَكَ طَاعَتُهُ فَهُوَ أَمِيرُكَ.

وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: قَالَ شَيْخُ الإْسْلاَمِ: وَاسْتَحْسَنَ مَشَايِخُ الأْنَامِ قَسْمَ الإْمَامِ بِالأَْيَّامِ، أَيْ إِذَا لَمْ يَصْطَلِحُوا وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِلاَ سَكْرٍ يَقْسِمُ الإْمَامُ بَيْنَهُمْ بِالأْيَّامِ فَيَسْكُرُ كُلٌّ فِي نَوْبَتِهِ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: فِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَقَطْعُ التَّنَازُعِ وَالْخِصَامِ، إِذْ لاَ شَكَّ أَنَّ لِكُلِّ شَرِيكٍ فِي هَذَا الْمَاءِ حَقًّا، فَتَخْصِيصُ أَهْلِ الأْسْفَلِ بِهِ حِينَ قِلَّةِ الْمَاءِ فِيهِ ضَرَرٌ لأِهْلِ الأْعْلَى ، كَذَا تَخْصِيصُ أَهْلِ الأْعْلَى بِهِ فِيهِ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ، فَلِذَا اسْتَحْسَنُوا مَا ذَكَرُوا وَارْتَضَوْهُ .

وَلَوْ كَانَتْ قِسْمَةُ الْمَاءِ وَقَعَتْ بِالْكِوَى -بِكَسْرِ الْكَافِ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِهَا: الثُّقْبُ- فَأَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَقْسِمَ بِالأْيَّامِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلأِنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى قِدَمِهِ لِظُهُورِ الْحَقِّ فِيهِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ عَلَى إِجْرَاءِ الْمَاءِ بِأَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ أَرْضِهِمُ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمْ أَوْ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ قُسِّمَ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ أَعْمَالِهِمْ بِقِلْدٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى إِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَإِذَا قُسِّمَ الْمَاءُ بِالْقِلْدِ فَإِنَّهُ يُرَاعَى اخْتِلاَفُ كَثْرَةِ الْجَرْيِ وَقِلَّتِهِ، فَإِنَّ جَرْيَهُ عِنْدَ كَثْرَتِهِ أَقْوَى مِنْ جَرْيِهِ عِنْدَ قِلَّتِهِ، فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لأِهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ تَشَاحُّوا فِي التَّبْدِئَةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ بِالتَّقْدِيمِ قُدِّمَ .

مُؤْنَةُ كِرَى الأْنْهَارِ (عِمَارَتُهَا وَإِصْلاَحُهَا):

16 - الأْنْهَارُ إِمَّا عَامَّةٌ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لأِحَدٍ أَوْ خَاصَّةٌ مَمْلُوكَةٌ لِشَخْصٍ أَوْ أَكْثَرَ.

وَيَخْتَلِفُ مَنْ يَتَحَمَّلُ كِرَى الأْنْهَارِ وَإِصْلاَحَهَا بِاخْتِلاَفِ نَوْعِ النَّهْرِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: الأْنْهَارُ الْعَامَّةُ:

17 - كَرْيُ الأْنْهَارِ الْعَامَّةِ كَالنِّيلِ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ يَكُونُ عَلَى السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، لأِنَّ مَنْفَعَةَ الْكَرْيِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلي الله عليه وسلم -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» .

وَتَكُونُ الْمُؤْنَةُ مِنْ مَالِ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ دُونَ الْعُشُورِ وَالصَّدَقَاتِ، لأِنَّ الْعُشُورَ وَالصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْخَرَاجَ وَالْجِزْيَةَ لِلنَّوَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ يَكُونُ كَرْيُهُ عَلَى النَّاسِ، فَإِنِ امْتَنَعُوا أَجْبَرَ الإْمَامُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ إِحْيَاءً لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، إِذْ هُمْ لاَ يُقِيمُونَهَا بِأَنْفُسِهِمْ، قَالَ عُمَرُ - رضي الله تعالي عنه -: لَوْ تُرِكْتُمْ لَبِعْتُمْ أَوْلاَدَكُمْ .

إِلاَّ أَنَّ الإْمَامَ يُخْرِجُ لِلْكَرْيِ مَنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَيُطِيقُهُ، وَيَجْعَلُ مُؤْنَتَهُ عَلَى الْمَيَاسِيرِ الَّذِينَ لاَ يُطِيقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ، كَمَا يَفْعَلُ فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ، لأِنَّهُ يُخْرِجُ مَنْ كَانَ يُطِيقُ الْقِتَالَ، وَيَجْعَلُ مُؤْنَتَهُ عَلَى الأْغْنِيَاءِ، كَذَا هَاهُنَا.

وَلَوْ خِيفَ مِنْ هَذِهِ الأْنْهَارِ الْغَرَقُ فَعَلَى السُّلْطَانِ إِصْلاَحُ مَسَنَاتِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .

ثَانِيًا: الأْنْهَارُ الْمَمْلُوكَةُ:

18 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الأْنْهَارَ الْمَمْلُوكَةَ يَكُونُ كَرْيُهَا وَإِصْلاَحُهَا وَعِمَارَتُهَا عَلَى مَنْ يَمْلِكُونَهَا، لأِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَالْمَنْفَعَةَ تَعُودُ عَلَيْهِمْ عَلَى الْخُصُوصِ وَالْخُلُوصِ .

كَيْفِيَّةُ الْكَرْيِ وَالإْصْلاَحِ:

19 - يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَإِصْلاَحِهِ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي:

عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَكُونُ كَرْيُ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَإِصْلاَحُهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِحَسَبِ مِلْكِهِمْ فِيهِ.

وَيُوَضِّحُ الْحَنَابِلَةُ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي يَتِمُّ بِهَا الإْصْلاَحُ فَيَقُولُونَ: إِذَا كَانَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ أَقْرَبَ إِلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ اشْتَرَكَ الْكُلُّ فِي كَرْيِهِ وَإِصْلاَحِهِ حَتَّى يَصِلُوا إِلَى الأْوَّلِ ، ثُمَّ إِذَا وَصَلُوا فَلاَ شَيْءَ عَلَى الأْوَّلِ بَعْدَ ذَلِكَ لاِنْتِهَاءِ اسْتِحْقَاقِهِ، لأِنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَيَشْتَرِكُ الْبَاقُونَ حَتَّى يَصِلُوا إِلَى الثَّانِي ثُمَّ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ يَشْتَرِكُ مِنْ بَعْدِ الثَّانِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الثَّالِثِ، ثُمَّ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا كُلَّمَا انْتَهَى الْعَمَلُ إِلَى مَوْضِعِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَهُ شَيْءٌ لأِنَّهُ لاَ مِلْكَ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِهِ.

فَإِنْ كَانَ يَفْضُلُ عَنْ جَمِيعِهِمْ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَى مَصْرَفٍ فَمُؤْنَتُهُ عَلَى جَمِيعِهِمْ، لاِشْتِرَاكِهِمْ فِي الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِلاِنْتِفَاعِ بِهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُمْ عَلَيْهِ كَأَوَّلِهِ .

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مُؤْنَةُ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْلاَهُ فَإِذَا جَاوَزُوا أَرْضَ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَرِئَ مِنْ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ، وَيُوَضِّحُ ابْنُ عَابِدِينَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ عَشَرَةً فَعَلَى كُلٍّ عُشْرُ الْمُؤْنَةِ فَإِذَا جَاوَزُوا أَرْضَ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَهِيَ عَلَى التِّسْعَةِ الْبَاقِينَ أَتْسَاعًا لِعَدَمِ نَفْعِ الأْوَّلِ فِيمَا بَعْدَ أَرْضِهِ، وَهَكَذَا فَمَنْ فِي الآْخِرِ أَكْثَرُهُمْ غَرَامَةً لأِنَّهُ لاَ يَنْتَفِعُ إِلاَّ إِذَا وَصَلَ الْكَرْيُ إِلَى أَرْضِهِ وَدُونَهُ فِي الْغَرَامَةِ مَنْ قَبْلَهُ إِلَى الأْوَّلِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .

وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْكَرْيَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ فِي الأْعْلَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ مِنْ فُوَّهَةِ النَّهْرِ إِلَى مَشْرَبِ أَوَّلِهِمْ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْكُلِّ، فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلاَ مِلْكَ لِصَاحِبِ الأْعْلَى فِيهِ إِنَّمَا لَهُ حَقٌّ، وَهُوَ حَقُّ تَسْيِيلِ الْمَاءِ فِيهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْمِلْكِ لاَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ، وَلِهَذَا كَانَتْ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ عَلَى أَصْحَابِ النَّهْرِ .

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ: الْكَرْيُ عَلَى جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ إِلَى آخِرِهِ لاِشْتِرَاكِهِمْ وَانْتِفَاعِهِمْ بِهِ، وَقَالَ الصَّاحِبَانِ بِحِصَصِ الشُّرْبِ وَالأْرَضِينَ كَمَا يَسْتَوُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ لأِنَّ لِصَاحِبِ الأْعْلَى حَقًّا فِي الأْسْفَلِ لاِحْتِيَاجِهِ إِلَى تَسْيِيلِ مَا فَضَلَ مِنَ الْمَاءِ فِيهِ .

20 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الشَّفَةِ مِنَ الْكَرْيِ شَيْءٌ، لأِنَّ الْكَرْيَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَلاَ مِلْكَ لأِهْلِ الشَّفَةِ فِي رَقَبَةِ النَّهْرِ، بَلْ لَهُمْ حَقُّ شُرْبِ الْمَاءِ وَالسَّقْيِ لِلدَّوَابِّ فَقَطْ، وَلأِنَّ هُمْ لاَ يُحْصُونَ، لأِنَّ هُمْ أَهْلُ الدُّنْيَا جَمِيعًا .

امْتِنَاعُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْكَرْيِ وَالإْصْلاَحِ:

21 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَا يَحْتَاجُهُ النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ كَرْيٍ وَإِصْلاَحٍ وَعِمَارَةٍ يَكُونُ عَلَى جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ. لَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِ مَا إِذَا امْتَنَعَ حَدُّ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْكَرْيِ وَالإْصْلاَحِ.

وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الآْبِيَ يُجْبَرُ عَلَى الْمُشَارَكَةِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْجَدِيدِ لاَ يُجْبَرُ الآْبِي وَلِكُلِّ مَذْهَبٍ تَفْصِيلٌ خَاصٌّ يَخْتَلِفُ عَنْ غَيْرِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

22 - قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ النَّهْرَ الْمَمْلُوكَ إِلَى قِسْمَيْنِ: عَامٍّ، وَخَاصٍّ.

وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ خَاصٌّ، وَمَا لاَ تُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ عَامٌّ. وَاخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ، فَقِيلَ: الْخَاصُّ مَا كَانَ لِعَشَرَةٍ فَمَا دُونَهَا، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَرْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ النَّهْرُ لِمَا دُونَ الأْرْبَعِينَ فَهُوَ خَاصٌّ، وَإِنْ كَانَ لأِرْبَعِينَ فَهُوَ نَهْرٌ عَامٌّ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الْحَدَّ الْفَاصِلَ فِي الْمِائَةِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الأْلْفِ وَغَيْرُ ذَلِكَ عَامٌّ، وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ: أَنَّهُ يُفَوَّضُ إِلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ فَيَخْتَارُ مِنَ الأْقَاوِيلِ أَيَّ قَوْلٍ شَاءَ، وَقِيلَ: الْخَاصُّ مَا لاَ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، وَمَا تَجْرِي فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ.

قَالَ الإْتْقَانِيُّ: وَلَكِنَّ أَحْسَنَ مَا قِيلَ فِيهِ: إِنْ كَانَ النَّهْرُ لِدُونِ مِائَةٍ فَالشَّرِكَةُ خَاصَّةٌ وَإِلاَّ فَعَامَّةٌ .

23 - وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ عَامًّا وَأَبَى بَعْضُ الشُّرَكَاءِ مِنَ الْكَرْيِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْكَرْيِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ وَهُوَ ضَرَرُ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ، وَضَرَرُ الآْبِي خَاصٌّ وَيُقَابِلُهُ عِوَضٌ فَلاَ يُعَارَضُ بِهِ.

وَإِذَا أَرَادَ الشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ الْعَامِّ أَنْ يُحَصِّنُوهُ خِيفَةَ الاِنْبِثَاقِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَامٌّ كَغَرَقِ الأْرَاضِي وَفَسَادِ الطُّرُقِ يُجْبَرُ الآْبِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَامٌّ فَلاَ يُجْبَرُ الآْبِي لأِنَّهُ مَوْهُومٌ، بِخِلاَفِ الْكَرْيِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ.

24 - أَمَّا النَّهْرُ الْخَاصُّ فَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي إِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ عَنِ الْكِرَى.

فَإِنْ كَانَ الْمُمْتَنِعُ بَعْضَ الشُّرَكَاءِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْكِفَايَةِ: قِيلَ: يُجْبَرُ الآْبِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الإْسْكَافِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: أُجْبِرَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ، وَقِيلَ: لاَ يُجْبَرُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَلْخِيِّ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.

وَإِنْ كَانَ الْمُمْتَنِعُ كُلَّ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْكَرْيِ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لاَ يُجْبِرُهُمُ الإْمَامُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَوِ امْتَنَعُوا عَنْ عِمَارَةِ أَرَاضِيهِمْ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يُجْبِرُهُمُ الإْمَامُ عَلَى ذَلِكَ لِحَقِّ أَصْحَابِ الشَّفَةِ فِي النَّهْرِ

25 - وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَبْرِ الآْبِي إِذَا أَبَى بَعْضُ الشُّرَكَاءِ مِنَ الْكَرْيِ وَقَامَ الْبَاقُونَ بِالْكَرْيِ، فَهَلْ يَرْجِعُونَ عَلَى الآْبِي بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ مُؤْنَةِ مَا أَنْفَقُوا؟ قَالُوا: إِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعُوا عَلَى الآْبِي.

نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الذَّخِيرَةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا أَمَرَ الْبَاقِينَ بِكَرْيِ نَصِيبِ الآْبِي عَلَى أَنْ يَسْتَوْفُوا مُؤْنَةَ الْكَرْيِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الشُّرْبِ مِقْدَارَ مَا يَبْلُغُ قِيْمَةَ مَا أَنْفَقُوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الآْبِي بِذَلِكَ.

وَإِنْ لَمْ يَرْفَعُوا الأْمْرَ إِلَى الْقَاضِي، هَلْ يَرْجِعُونَ عَلَى الآْبِي بِقِسْطِهِ مِنَ النَّفَقَةِ وَيُمْنَعُ الآْبِي مِنْ شُرْبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، وَقِيلَ: لاَ.

وَذُكِرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الأْوَّلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمَثَلُهُ فِي التَّتَارَخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لاَ تَرْجِيحَ لأِحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّ مَفْهُومَ كَلاَمِ الدُّرِّ كَالْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمَا تَرْجِيحُ عَدَمِ الرُّجُوعِ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي .

26 - وَالأْصْلُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ أَنْ يُعَمِّرَ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ جَمِيعَ حِصَّتِهِ إِنْ أَبَى التَّعْمِيرَ.

لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الشُّرَكَاءَ فِي الْبِئْرِ أَوِ الْعَيْنِ أَوِ النَّهْرِ فَإِنَّ مَنْ أَبَى الْعِمَارَةَ مِنَ الشُّرَكَاءِ لاَ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْبِئْرِ أَوِ الْعَيْنِ زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ فِيهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ أَمْ لاَ، وَيُقَالُ لِلشَّرِيكِ: عَمِّرْ إِنْ شِئْتَ وَلَكَ مَا حَصَلَ مِنَ الْمَاءِ بِعِمَارَتِكَ، وَقَالَ الدُّسُوقِيُّ: هُوَ إِمَّا كُلُّ الْمَاءِ إِنْ كَانَ التَّخْرِيبُ أَذْهَبَ كُلَّ الْمَاءِ وَحَصَلَ الْمَاءُ بِالتَّعْمِيرِ، أَوْ مَا زَادَ مِنْهُ بِالْعِمَارَةِ، وَذَلِكَ إِلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ قَدْرَ مَا أَنْفَقْتَ، أَوْ إِلَى أَنْ يَأْتِيَكَ صَاحِبُكَ الآْبِي بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ النَّفَقَةِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْبَيْعِ إِنْ أَبَى الْعِمَارَةَ إِنْ كَانَ عَلَى الْبِئْرِ أَوِ الْعَيْنِ زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ فِيهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَرَجَّحَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ .

وَجَاءَ فِي مَوَاهِبِ الْجَلِيلِ: إِذَا احْتَاجَتْ بِئْرٌ أَوْ قَنَاةٌ بَيْنَ شُرَكَاءَ لِسَقْيِ أَرْضِهِمْ إِلَى الْكَنْسِ لِقِلَّةِ مَائِهَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمُ الْكَنْسَ وَأَبَى الآْخَرُونَ. - وَفِي تَرْكِ الْكَنْسِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَاءِ وَانْتِقَاصٌ، وَالْمَاءُ يَكْفِي أَوْ لاَ يَكْفِي إِلاَّ الَّذِينَ أَرَادُوا الْكَنْسَ خَاصَّةً- فَلِلَّذِينِ أَرَادُوا الْكَنْسَ أَنْ يَكْنِسُوا ثُمَّ يَكُونُوا أَوْلَى بِالَّذِي زَادَ فِي الْمَاءِ لِكَنْسِهِمْ دُونَ مَنْ لَمْ يَكْنِسْ حَتَّى يُؤَدُّوا حِصَّتَهُمْ مِنَ النَّفَقَةِ فَيَرْجِعُوا إِلَى أَخْذِ حِصَّتِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْمَاءِ

27 - وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا امْتَنَعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْعِمَارَةِ فِي النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ فَفِي الْجَدِيدِ لاَ إِجْبَارَ عَلَيْهِ كَمَا لاَ يُجْبَرُ عَلَى زَرْعِ الأْرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَلأِنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَضَرَّرُ أَيْضًا بِتَكْلِيفِهِ الْعِمَارَةَ وَالضَّرَرُ لاَ يُزَالُ بِالضَّرَرِ.

وَفِي الْقَدِيمِ يُجْبَرُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَصِيَانَةً لِلأْمْلاَكِ الْمُشْتَرَكَةِ عَنِ التَّعْطِيلِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَالأْظْهَرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الأْصْحَابِ هُوَ الْجَدِيدُ.

وَصَحَّحَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْقَدِيمَ وَأَفْتَى بِهِ الشَّاشِيُّ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى: الأْقْيَسُ أَنْ يُجْبَرَ الْمُمْتَنِعُ، وَقَالَ: وَالاِخْتِيَارُ إِنْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّ امْتِنَاعَهُ مَضَارَّةٌ أَجْبَرَهُ، وَإِنْ كَانَ لإِعْسَارٍ أَوْ غَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ.

 

وَلَوْ أَنْفَقَ الشَّرِيكُ عَلَى تَعْمِيرِ النَّهْرِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ الشَّرِيكِ الْمُمْتَنِعِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَاءِ لِسَقْيِ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِالدُّولاَبِ وَالْبَكَرَةِ وَالآْلاَتِ الَّتِي أَحْدَثَهَا .

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَإِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ- وَهُوَ إِجْبَارُ الْمُمْتَنِعِ- فَأَصَرَّ عَلَى الاِمْتِنَاعِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ، أَوْ أُذِنَ لِلشَّرِيكِ فِي الإْنْفَاقِ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ، فَلَوِ اسْتَقَلَّ بِهِ الشَّرِيكُ فَلاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: قَوْلاَنِ: الْقَدِيمُ: نَعَمْ، وَالْجَدِيدُ: لاَ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي الْقَدِيمِ، وَفِي الْجَدِيدِ قَوْلاَنِ .

28 - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنَ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْعِمَارَةِ لِحَقِّ شُرَكَائِهِ أَيْ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ وَيَأْخُذُ مِنْ مَالِ الْمُمْتَنِعِ النَّقْدَ وَيُنْفِقُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُمْتَنِعِ نَقْدٌ بَاعَ الْحَاكِمُ عَرْضَهُ وَأَنْفَقَ مِنْ ثَمَنِهِ مَعَ شَرِيكِهِ بِالْمُحَاصَّةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ لِنَحْوِ تَغْيِيبِ مَالِهِ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ كَنَفَقَةٍ نَحْوَ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ عَمَّرَ الشَّرِيكُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْمُنْفَقِ عَنْهُ .

وَإِذَا أَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يُعَمِّرَ فَلَيْسَ لِلشُّرَكَاءِ مَنْعُهُ وَالْمَاءُ بَيْنَهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلاَ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُعَمِّرُ لأِنَّ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ مِلْكِهِمَا وَإِنَّمَا أَثَّرَ أَحَدُهُمَا فِي نَقْلِ الطِّينِ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ عَيْنُ مَالٍ، وَرُجُوعُ الْمُعَمِّرِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى مَا سَبَقَ .

حُكْمُ مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الْمَاءُ:

29 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الأْرْضِ الَّتِي يَنْكَشِفُ عَنْهَا مَاءُ النَّهْرِ هَلْ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ تَكُونُ لِمَنْ يَلِي هَذِهِ الأْرْضَ ؟ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ تَكُونُ لِمَنْ يَلِي الأْرْضَ الَّتِي انْكَشَفَ عَنْهَا النَّهْرُ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلِكُلِّ مَذْهَبٍ تَفْصِيلٌ خَاصٌّ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لَوْ جَزَرَ مَاءُ الأْنْهَارِ الْعِظَامِ كَسَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ عَنْ أَرْضٍ فَلَيْسَ لِمَنْ يَلِيهَا أَنْ يَضُمَّهَا إِلَى أَرْضِ نَفْسِهِ، لأِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ مَاؤُهَا إِلَى مَكَانِهِ وَلاَ يَجِدَ إِلَيْهِ سَبِيلاً فَيُحْمَلُ عَلَى جَانِبٍ آخَرَ فَيَضُرُّ، حَتَّى لَوْ أَمِنَ الْعَوْدَ، أَوْ كَانَ بِإِزَائِهَا مِنَ الْجَانِبِ الآْخَرِ أَرْضٌ مَوَاتٌ لاَ يَسْتَضِرُّ أَحَدٌ بِحَمْلِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَيُمَلَّكُهُ إِذَا أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الإْمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ عَلَى الاِخْتِلاَفِ فِي اشْتِرَاطِ إِذْنِ الإْمَامِ فِي الإْحْيَاءِ أَوْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ .

وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْحُكْمِ، فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَرْضٍ انْكَشَفَ عَنْهَا الْبَحْرُ هَلْ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِمَنْ تَلِيهِ أَوْ لِمَنْ دَخَلَ الْبَحْرُ أَرْضَهُ؟ أَنَّهَا تَكُونُ لِمَنْ تَلِيهِ ثُمَّ قَالَ: وَذَلِكَ هُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَعَلَيْهِ حَمْدِيسُ، وَبِهِ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ وَمُطَرِّفٌ: تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ الْبَحْرُ .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوِ انْحَسَرَ مَاءُ النَّهْرِ عَنْ جَانِبٍ مِنْهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إِقْطَاعُهُ لأِحَدٍ كَالنَّهْرِ وَحَرِيمِهِ.

وَلَوْ زَرَعَهُ أَحَدٌ لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ إِنْ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ.

نَعَمْ، لِلإْمَامِ دَفْعُهُ لِمَنْ يَرْتَفِقُ بِهِ بِمَا لاَ يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ.

وَمِثْلُهُ مَا يَنْحَسِرُ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْجَزَائِرِ فِي الْبَحْرِ، وَيَجُوزُ زَرْعُهُ وَنَحْوَهُ لِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ إِحْيَاءَهُ، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَلاَ الْغِرَاسُ وَلاَ مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ .

وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ ثُمَّ نَضَبَ عَنْهَا وَبَيْنَ أَرْضٍ نَضَبَ عَنْهَا الْمَاءُ وَلَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لأِحَدٍ.

جَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: وَلاَ يُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ مَا نَضَبَ أَيْ غَارَ عَنْهُ الْمَاءُ مِمَّا كَانَ مَمْلُوكًا وَغَلَبَ الْمَاءُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَضَبَ الْمَاءُ عَنْهُ، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُلاَّكِهِ قَبْلَ غَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَلَهُمْ أَخْذُهُ؛ لأِنَّ هَا لاَ تُزِيلُ مِلْكَهُمْ عَنْهُ.

أَمَّا مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْجَزَائِرِ وَالرَّقَاقِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا فَلِكُلِّ أَحَدٍ إِحْيَاؤُهُ بَعُدَتْ أَوْ قَرُبَتْ كَمَوَاتٍ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: لاَ يُمْلَكُ بِالإْحْيَاءِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى: إِذَا نَضَبَ الْمَاءُ مِنْ جَزِيرَةٍ إِلَى فِنَاءِ رَجُلٍ لَمْ يَبْنِ فِيهَا، لأِنَّ فِيهَا ضَرَرًا، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَإِذَا وَجَدَهُ مَبْنِيًّا رَجَعَ إِلَى الْجَانِبِ الآْخَرِ فَأَضَرَّ بِأَهْلِهِ، وَلأِنَّ الْجَزَائِرَ مَنْبَتُ الْكَلأَ وَالْحَطَبِ فَجَرَتْ مَجْرَى الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ .

وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: يُرْوَى عَنْ عُمَرَ - رضي الله تعالي عنه - أَنَّهُ أَبَاحَ الْجَزَائِرَ يَعْنِي أَبَاحَ مَا يَنْبُتُ فِي الْجَزَائِرِ مِنَ النَّبَاتِ، قَالَ: إِذَا نَضَبَ الْفُرَاتُ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ نَبَتَ فِيهِ نَبَاتٌ فَجَاءَ رَجُلٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدٌ، فَعَمَرَهُ رَجُلٌ عِمَارَةً لاَ تَرُدُّ الْمَاءَ، مِثْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَزْرَعَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لأِنَّهُ مُتَحَجِّرٌ لِمَا لَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِيهِ حَقٌّ .

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ (إِحْيَاء ف 11).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 4)
الحقوق التي بها يكون التصرف والانتفاع بالأعيان على ثلاثة أنواع
الأول- حق ملك رقبة العين ومنفعتها
الثاني- حق ملك الانتفاع بالعين دون الرقبة
الثالث- حق الشرب والمسيل والمرور والتعلى ونحو ذلك من الحقوق

(مادة 51)
من كان له مجرى أو سياق ماء جار بحق قديم في ملك شخص آخر فليس لصاحبه منعه.
(مادة 52)
إذا كان لدار مسيل مطر على دار الجار من القديم فليس للجار منعه.
(مادة 53)
إذا كان لأحد مجرى أو سياق ماء في دار آخر فحصل به خلل تسبب عنه للجار ضرر فللجار أن يجبر صاحبه على دفع الضرر عنه بتعميره وإصلاحه أو عدم الإجراء فيه وإذا أراد صاحبه إصلاحه فمنعه الجار من الدخول في داره يخير صاحبه الدار بين أن يتركه يدخل ويصلح وبين أن يفعل صاحب الدار ذلك بماله.
(مادة 54)
إذا كان لدار مسيل قذر في الطريق الخاص وكان مضراً بأهله يرفع ضرره ولو كان قديماً ولا يعتبر قدمه.
(مادة 55)
لا يجوز لأحد أن يجرى مسيل محله المحدث إلى دار آخر بدون إذنه إن لم يكن له حق في ذلك.
(مادة 56)
لا يجوز لأحد إحداث شيء من الميازيب ولا حفر بالوعة في طريق العامة إذا كان يضر بالعامة وأن أحدث ذلك في زقاق غير نافذ لا يجوز إلا بإذن أهله سواء أضربهم أم لا.