loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : السادس، الصفحة :  54 

مذكرة المشروع التمهيدي :

لم يعرض التقنين المدني الحالى لالتزام الجيران بوضع حدود ما بين أملاكهم المتلاصقة ولكن تقنين المرافعات (م 26/ 29) جعل الدعاوى المتعلقة بوضع الحدود من إختصاص القاضي الجزئي فافترض وجودها .

و تنسيقاً للتشريع نص المشروع على هذا الالتزام ودعوى وضع الحدود يراد بها أن تطبق المحكمة مستندات الجيران على الطبيعة، لتعيين الحد الفاصل ما بين الأملاك المتلاصقة، فتضع علامة مادية لهذا الحد وقد جعلت نفقات التجديد شركة ما بين الجيران على حسب الرؤوس، ولو اختلفت مساحات الأراضي، ولكن نفقات مسح الأراضي ذاتها تكون على أصحابها كل بنسبة مساحة الأرض التي يملكها .

 

الأحكام

1 ـ  إذا كان مطلب الدعوى بتعيين الحد الفاصل بين عقارين متجاورين ورد الجزء المغتصب من أحدهما مرده إلى نزاع بين صاحبى هذين العقارين على الملكية ذاتها و مداها فإنه ينبغى على محكمة الموضوع أن تعرض فى قضائها لبحث ملكية كل منهما و سببها فى القانون و محلها و بالتحديد ، و إذ كان الثابت من الأوراق أن النزاع المطروح فى الدعوى ثار بين طرفى التداعى فى شأن نطاق ملكية كل منهما للعقارين المتجاورين ، و كان الخبير الذى إعتنق الحكم المطعون فيه تقريره قد خلص إلى ثبوت ملكية المطعون ضدهم للأرض محل النزاع عن مجرد وجود نقص فى الأرض التى يضعون اليد عليها بموجب عقود بيع عرفية لم يتم تسجيلها و وجود زيادة فى الأرض التى يضع الطاعن الأخير يده عليها عما هو ثابت فى عقود البيع التى يستند إليها ، و دون أن يستظهر أن هذه المساحة بعينها بحسب إبعادها و حدودها تدخل فى نطاق ملكية المطعون ضدهم التى إكتسبوها بأحد من أسباب إكتساب الملكية المقررة فى القانون ، و إذ إعتنق الحكم المطعون فيه هذا التقرير الذى يشوبه النقص و الغموض و أحال إليه و إنتهى إلى تأييد الحكم الإبتدائى القاضى برد المساحة محل النزاع للمطعون ضدهم دون أن يبين سبب إكتسابهم لملكيتها و لم يعن بالرد على ما أثاره الطاعنون من إكتسابهم هم دون هؤلاء لملكية تلك المساحة ، فإنه يكون قد جاء مشوباً بعيب القصور المبطل .

(الطعن رقم 331 لسنة 54 جلسة 1990/03/08 س 41 ع 1 ص 716 ق 119)

2 ـ لما كانت دعوى تعيين الحدود بين العقارات المتجاورة المقصود بها رسم الحد الفاصل فى الطبيعة بين عقارين متجاورين و تقتصر مهمة القاضى فيها على تطبيق مستندات الملكية و بيان الحد الفاصل بين العقارين طالما أنه لا يوجد نزاع جدى حول ملكية كل منهما لعقاره أو حول مساحة العقار .

(الطعن رقم 157 لسنة 51 جلسة 1984/11/06 س 35 ع 2 ص 1795 ق 340)

 

شرح خبراء القانون

تنص المادة 813 مدني على ما يأتي :

لكل مالك أن يجبر جاره على وضع حدود لأملاكهما المتلاصقة، وتكون نفقات التحديد شركة بينهما والمفروض هنا أن أرضين غير مبنيتين متلاصقتان وهما مملوكتان ملكية خاصة لمالكين مختلفين ويكون المالكان مختلفين ويريد أحد المالكين أو كلاهما وضع حدود فاصلة ما بين أرضيهما، حتى تتميز كل أرض عن الأخرى ووجه أن وضع الحدود قيد على الملكية هو أن كل مالك من المالكين المتلاصقين يجير على المساهمة في هذا العمل، فتتقيد بذلك حريته في ملكه بعد أن كان حراً في تحديد هذا الملك أو عدم تحديده، وذلك ما لم يتراض المالكان ويتفقا ودياً على وضع الحدود، فهناك إذن اتفاق ودي على وضع الحدود، فإن تعذر هذا الإتفاق، أما لرغبة أحدهما في تجنب نفقات التحديد أو لخشية من ظهور زيادة في ملكه يكون قد اختصها أو لغير ذلك من الأسباب، جاز للمالك الآخر أن يرفع على المالك الأول دعوى تعيين الحدود .

دعوى تعيين الحدود – خصائصها :

دعوى تعيين الحدود دعوى عينية عقارية إذا هي تتعلق بقيد أو بحق عيني على عقار ليس بحق إرتفاق كما قدمنا وهي دعوى غير قابلة للتقادم، ما دام سببها قائماً وهو التلاصق ما بين الأراضي المتجاورة ولكننا سنرى أنه إذا انطمست الحدود التي تعينت ومضى على انطماسها خمس عشرة سنة، تقادمت دعوى إعادة هذه الحدود إلى أصلها ووجب رفع دعوى من جديد بتعيين الحدود كذلك إذا قامت حيازة متعارضة مع الحدود التي تعينت، جاز كسب ما يتعارض مع هذه الحدود بالتقادم المكسب وتختلف دعوى تعيين الحدود عن دعوى الاستحقاق وعن دعوى الحيازة .

تختلف عن دعوى الإستحقاق في أن ملكية الأراضي المتلاصقة محل النزاع بين أطراف الدعوى، وكل ما يطلب فيها هو تعيين الحدود الفاصلة ما بين هذه الأراضي، لا تثبت ملكية أرض أو جزء من الأرض لأحد المتخاصمين كما هو الأمر في دعوى الاستحقاق فإذا ما تخلل دعوى تعيين الحدود نزاع جدي على ملكية الأراضي المتلاصقة أو على ملكية بعض أجزائها فإن الدعوى تتحول إلى دعوى استحقاق وتصبح من إختصاص محكمة أخرى كما سنرى والحيازة تلعب دوراً كبيراً في دعوى تعيين الحدود، في حين أنها تلعب دوراً بالغ الأهمية في دعوى الاستحقاق على ما رأينا فالحائز في دعوى الاستحقاق هو المدعى عليه، وغير الحائز هو الذي يتحمل عبء الإثبات أما في دعوى تعيين الحدود، فكل من الطرفين مدع ومدعى عليه ومن ثم يكلف كل منهما بإثبات ملكيته ويكون ذلك لا عن طريق مستندات التمليك والحيازة فحسب، بل أيضاً عن طريق العلامات الظاهرة في الأرض، وموقع الأرض، وشكلها وتعرجاتها، مما لا يعتد به في دعوى الاستحقاق إذا تعارض مع الحيازة، و دعوى تعيين الحدود من إختصاص القضاء الجزئي كما سنرى، أما دعوى الاستحقاق فهي من اختصاص القضاء الكلي أو القضاء الجزئي بحسب قيمتها .

وتختلف دعوى تعيين الحدود عن دعوى الحيازة في أن المطلوب في دعوى الحيازة هو تثبيت الحيازة مؤقتاً للحائز الذي توافرت فيه الشروط إلى أن ترفع دعوى الإستحقاق، فهي دعوى تمهيدية لهذه الدعوى الأخيرة وترفع دعوى الحيازة في مواعيد معينة لا بد من مراعاتها، وإلا كان قبولها غير جائز أما دعوى تعيين الحدود فلا شأن لها بالحيازة، بل أن الحدود التي تعين قد تكون متعارضة مع الحيازة وليست دعوى تعيين الحدود بدعوى تمهيدية لدعوى الإستحقاق بل على النقيض من ذلك دعوى الاستحقاق هي التمهيد لدعوى تعيين الحدود، فإذا ما استقرت الملكية لكل من المالكين المتلاصقين عينت الحدود الفاصلة ما بين أرضيهما طبقاً لما استقر عليه أمر الملكية وليس هناك ميعاد لرفع دعوى تعيين الحدود، فهي ترفع في أي وقت، وقد قدمنا أنها غير قابلة للتقادم .

المحكمة المختلطة بدعوى تعيين الحدود :

تنص المادة 46 من تقنين المرافعات على أن " تختص محكمة المواد الجزئية كذلك بالحكم ابتدائياً مهما تكن قيمة الدعوى، وانتهائياً إذا لم تتجاوز قيمتها خمسين جنيها فيما يأتي : … 2- دعاوى تعيين الحدود وتقدير المسافات المقررة بالقوانين واللوائح أو العرف فيما يتعلق بالأبنية أو المنشآت الضارة أو الغرس، إذا لم تكن الملكية أو الحق محل نزاع … ".

وخلص من هذا النص أن دعوى تعيين الحدود، إذا لم تكن الملكية فيها محل النزاع، تكون من إختصاص القضاء الجزئي، مهما تكن قيمة الأراضي المتلاصقة المطلوب تعيين الحدود الفاصلة فيما بينهما، فقد تبلغ هذه القيمة مقداراً كبيراً، ومع حكمه فيها نهائياً إذا لم تجاوز قيمة الأراضي – هذا نادر – خمسين جنيهاً، فإذا جاوزت هذا المقدار كان حكم القاضي الجزئي إبتدائياً يستأنف أمام المحكمة الكلية والسبب في النزول بالاختصاص إلى أدنى مراتبه هو أن دعوى تعيين الحدود لا تتعرض لنزاع في الملكية كما قدمنا، إذا المفروض أن الملكية ثابتة، وكل ما ثبت فيه المحكمة هي مسألة مادية يمكن في يسر بالالتجاء إلى خبرة مهندس المساحة التحقيق منها، وهي التعرف على المعالم والحدود الفاصلة ما بين أرضين متلاصقتين، ووضع علامات بارزة لهذه الحدود، وتحرير محضر بالتحديد وتكون المحكمة الجزئية المختصة هي المحكمة الكائن فى دائرتها الأراضي المتلاصقة .

نفقات التحديد : رأينا أن المادة 813 مدني تنص في آخرها على ما يأتي : " وتكون نفقات التحديد شركة بينهما " أي بين المالكين المتلاصقين . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : " وقد جعلت نفقات التحديد شركة ما بين الجيران على حسب الرؤوس، ولو اختلفت مساحات الأراضي ولكن نفقات مسح الأراضي ذاتها تكون على أصحابها، كل بنسبة مساحة الأرض التي يملكها .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثامن الصفحة : 977)

دعوى تعيين الحدود :

قد يتفق المالكان المتلاصقان على وضع الحدود الفاصلة بين ملكيهما ولهما الاستعانة بخبير لمسح الأرض من واقع مستندات الملكية ووضع علامات على الحد الفاصل ويحرر محضراً بهذا التحديد يوقع عليه المالكان ويكون بمثابة عقد فيحاج به المتعاقدان ولا يجوز الطعن فيه الا لنقص في الأهلية أو لعيب من عيوب الرضاء وخاصة الغلط، فإذا تعذر الإتفاق، كان لأي من المالكين رفع دعوى بتعيين الحدود أمام المحكمة الجزئية ويكون حكمها إبتدائياً مهما تكن قيمة الدعوى وإنتهائياً إذا لم يتجاوز قيمتها أي قيمة الأراضي ألفي جنيه إذا لم تكن الملكية أو الحق محل نزاع .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 273)

المقصود بدعوى وضع الحدود - ويطلق عليها قانون المرافعات دعوى تعيين الحدود - هو طلب وضع علامات مادية ظاهرة تبين معالم كل من الملكين المتلاصقين، كوضع فواصل من الطوب أو من الحديد بين بعضها والبعض مسافات، فلا يبقى إلا مد خطوط مستقيمة بين هذه الفواصل ليبين حد الملكية على وجه الدقة .

تعتبر دعوى وضع الحدود قيداً على حق الملكية، لأن الأصل أن المالك حر في ملكه له أن يحدده أو لا يحدده طبقاً لإرادته ولكنه في دعوى وضع الحدود يجبر على المساهمة في وضع الحدود، فتتقيد بذلك حريته في ملكه .

وبما أن وضع الحدود قید وارد على الملكية العقارية، فإن الدعوى المتصلة به أي دعوى وضع الحدود تعتبر بداهة من الدعاوى العينية العقارية .

وليس هناك ميعاد لرفع هذه الدعوى، فهي ترفع في أي وقت، إذ لا يرد عليها التقادم، مادام سببها قائماً وهو التلاصق ما بين الأراضي المتجاورة، وذلك بعكس ما إذا انطمست الحدود التي تعينت ومضى على إنطماسها خمس عشرة سنة، إذ تسقط إعادة الحدود إلى ما كانت عليه بالتقادم المسقط.

الاتفاق بين الطرفين على وضع الحدود :

يحدث أن يكون المالكان المتلاصقان على إتفاق على ملكية كل منهما لملكه المتلاصق ومساحته، وإنما يثور شك في حدود الملكين فيرغبان رفعاً لأي نزاع في ذلك الإتفاق على وضع حدود للملكين وقد يستعينان في ذلك بخبير مساحی لقياس الملكين على أساس مستندات الملكية التي يقدمها كل منهما، وتحديد الحدود الفاصلة بين الملكين، ووضع علامات ظاهرة تفصل الملكين. ويحرر بذلك محضر يوقع عليه من الطرفين يسمى (محضر تحديد).

وهذا المحضر هو عقد ملزم للطرفين بمقتضى القوة الملزمة للعقد، ولا يستطيعان الطعن فيه إلا بأحد أسباب الطعن في العقود كالغلط أو التدليس أو الإكراه، والطرفان يرجعان دائما إلى هذا المحضر كلما حدث طمس للحدود التي اتفقا عليها.

وعلى كل فإن هذا الإتفاق لا يخضعه القانون لشكل معين.

أما إذا تعذر على المالكين الإتفاق على تعيين حدود ملكيهما المتلاصقين، فلا سبيل أمامهما سوى رفع دعوى وضع الحدود.

فيجب لرفع الدعوى أن يكون هناك ملكان متلاصقان مملوكان ملكية فردية المالكين مختلفين.

فإذا كان الملكان المتجاوران منفصلين بطريق عام أو مجری عام، فلا يقبل من أحد المالكين أن يطالب الآخر بوضع الحدود بين أملاكهما ولكن تكون الدعوى مقبولة إذا كان الفاصل بين الملكين طريقاً خاصاً أو مسقاة خاصة، ولا يحول دون تحقق التلاصق بين الملكين أن يكون هناك سور قائم بين الملكين، إلا إذا كان هذا السور قد أقيم بناء على محضر، تم بين الطرفين لتعيين الحدود.

ولا يشترط لقبول دعوى وضع الحدود أن تكون الأملاك المتصلة من الأراضي الزراعية، بل إن المادة 813 ذكرت الأملاك المتلاصقة، فينطوي تحت هذه العبارة العامة العقارات المبنية إذا كان التلاصق بينها من ناحية تركت فضاءً كفناء أو بستان أما إذا كان التلاصق من ناحية المباني، أي بحائط فاصل، فلا يكون ثمة مجال لوضع الحدود، إذ أن قيام هذا الحائط على الحد الفاصل بين الملكين يعد تحديداً كافياً لها، فلا يتصور أن يثور النزاع على الحدود في هذه الحالة، إنما يتصور النزاع على ملكية الحائط الفاصل، فتكون الدعوى من قبيل الإستحقاق لا وضع الحدود.

أما بالنسبة إلى الأراضى الخاصة الملاصقة لأرض من الأموال العامة، كطريق عام أو مجری عام، فلا تقبل دعوى تعيين الحدود أمام المحاكم العادية، فإذا كانت الإدارة قد أدخلت في نطاق المال العام جزءاً من أرض خاصة دون مراعاة القواعد التي يقررها القانون في هذا الخصوص جاز للمالك أن يطالب أمام القضاء الإداري بإلغاء قرار التحديد الذي أصدرته الإدارة، فيصل من هذا الطريق إلى تعيين حدود ملكه، ويجوز له، بدلاً من ذلك أن يطالب بالتعويض أمام المحاكم العادية.

رغم أن المادة 813 تنص على أن : "لكل مالك أن يجبر جاره... إلخ" أي أنها تخول المالك رفع دعوى وضع الحدود، إلا أن الإجماع قد انعقد على أن طلب وضع الحدود ليس قاصراً على المالك فقط، بل يجوز أن يتقدم به كل من له حق عيني على العقار کالمنتفع وصاحب حق الاستعمال أو السكنی أو المحتكر لأن حقوقهم تنصب مباشرة على العقار ويكون لكل منهم مصلحة في بیان حدود العقار الذي يزاولون عليه حقهم لا تقل عن مصلحة المالك ولذلك يكون طلب وضع الحدود منهم مقبولاً، حتى ولو لم يدخل المالك في الدعوى، ولكن يكون من مصلحة الطرف الآخر في هذه الحالة أن يدخل المالك فى الدعوى حتى يصدر الحكم في مواجهته، فلا يتجدد النزاع بينهما.

ويسري هذا الحكم على الدائن المرتهن الحائز للعقار على أساس أن له حقاً عينياً في القانون المصري.

أما صاحب حق الارتفاق فلا صفة له في رفع الدعوى.

وكذلك لا تقبل دعوى وضع الحدود من أصحاب الحقوق الشخصية كالمستأجر أو المزارع لأن حقوقهم لا تنصب على العقار.

ويتعين عليهم الاستعانة بالمالك لرفع الدعوى.

الأهلية اللازمة لرفع دعوى وضع الحدود :

الأهلية اللازمة لرفع دعوى وضع الحدود، هی أهلية الإدارة، لأن وضع الحدود يعتبر من قبيل الإجراءات التحفظية التي لا يلزم لاتخاذها أهلية التصرف.

وبناءً على ذلك يجوز للوصي أو القيم ومن في حكمهما أن يرفع دعوى وضع الحدود دون الحصول على إذن سابق من محكمة الأحوال الشخصية.

كما يجوز للوكيل العام مباشرة هذه الدعوى وكذلك بالنسبة للقاصر المأذون له في الإدارة ومن في حكمه، كالمحجور عليه للسفه أو الغفلة إذا أذنته محكمة الأحوال الشخصية بالإدارة (م 67 من قانون الولاية على المال ).

المحكمة المختصة بنظر دعوى وضع الحدود :

1-تنص المادة 43 من قانون المرافعات على أن : " تختص محكمة المواد الجزئية كذلك بالحكم ابتدائياً مهما تكن قيمة الدعوى وانتهائياً إذا لم تجاوز قيمتها خمسة آلاف جنيه فيما يلي :

2 - دعاوى تعيين الحدود وتقدير المسافات فيما يتعلق بالمباني والأراضي والمنشآت الضارة إذا لم تكن الملكية أو الحق محل نزاع.

3-.......... الخ.

فالمحكمة الجزئية تختص نوعياً بنظر دعاوى تعيين الحدود أياً كانت قيمة الأراضي المتلاصقة أى ولو تجاوزت حدود نصاب المحكمة الجزئية طبقاً للقواعد العامة، طالما لم تكن الملكية محل نزاع، على النحو الذي تريد تفصيلاً في موضعه وتختص محلياً بنظر هذه الدعاوى المحكمة الكائن في دائرتها الأراضي المتلاصقة.

ويكون حكم المحكمة الجزئية نهائياً إذا لم تجاوز قيمة الأراضي خمسة آلاف جنيه، فإذا جاوزت هذا المقدار كان حكم القاضي الجزئي إبتدائياً يجوز استئنافه أمام المحكمة الابتدائية.

ويفسر منح الإختصاص بهذه الدعوى إلى المحكمة الجزئية أياً كانت قيمتها لأن القاضي في هذه الدعوى لا يتعرض للنزاع في الملكية، لأن الفرض أن الملكية ثابتة، وكل ما تبت فيه المحكمة مسألة مادية تخلص في مطابقة مستندات ملكية الطرفين على حدود الملكين المتلاصقين ووضع علامات بارزة فاصلة بينهما كما سنرى وهي عملية يستعان فيها عادة بخبير مساحي أو هندسی.

أما إذا ثار في الدعوى نزاع جدي في ملكية أحد الطرفين، فسنرى أن الإختصاص في هذه الحالة بالفصل في الملكية يكون للمحكمة المختصة قيمياً طبقاً للقواعد العامة.

ويجب التمييز بين نوعين من النفقات :

النوع الأول :

النفقات التي تقتضيها الإجراءات التنفيذية لتحديد أي عملية وضع الحدود كثمن الأوتاد ومصاريف تثبيتها، وكذا نفقات تحرير محضر التحديد وهي نفقات ضئيلة في ذاتها وهذه النفقات تكون شركة بين المالكين وتقسم مناصفة بينهما وإذا كان الملاك أكثر من ثلاثة قسمت بالتساوي بينهم على حسب الرؤوس، بصرف النظر عن مساحة الأراضي المتلاصقة، لأن الفائدة التي تعود من وضع الحدود متساوية بالنسبة للجيران.

النوع الثاني :

نفقات بحث المستندات وتطبيقها على الطبيعة ومسح الأراضي المتلاصقة، رسم الحدود الفاصلة بينهما، وهذه تقضى العدالة أن تكون على أصحابها بنسبة مساحة الأرض التي يملكها كل من الجيران .

وإذا استدعى الأمر إدخال ملاك آخرين في دعوى وضع الحدود بالتفصيل السابق - فإن هؤلاء الملاك يشتركون في النفقات لأن وضع الحدود واجب فرضه المشرع على كل مالك، ولاشك أنهم يستفيدون في النهاية من نتيجة الحكم في الدعوى المرفوعة، وذلك بالوقوف على الحدود الصحيحة لأملاكهم.

مصاريف الدعوى :


المقرر بالمادة 1/184 مرافعات أنه يلزم بمصاريف الدعوى خاسرها وخاسر دعوى وضع الحدود، هو الذي يتضح من المرافعة أنه ادعى لأرضه مساحة غير مساحتها الحقيقية، فاضطر جاره بذلك إلى التقاضي لإجباره على التسليم بالحدود الحقيقية التي تتفق مع ظاهر مستندات الملكية.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 324)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 216

جِوَارٌ

التَّعْرِيف:

1 - الْجِوَارُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - مَصْدَرُ جَاوَرَ، يُقَالُ: جَاوَرَ جِوَارًا وَمُجَاوَرَةً أَيْضًا. وَمِنْ مَعَانِي الْجِوَارِ الْمُسَاكَنَةُ وَالْمُلاَصَقَةُ، وَالاِعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْعَهْدُ وَالأْمَانُ.

وَمِنَ الْجِوَارِ الْجَارُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: الْمُجَاوِرُ فِي الْمَسْكَنِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْعَقَارِ أَوِ التِّجَارَةِ، وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَالْحَلِيفُ، وَالنَّاصِرُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ قَارَبَ بَدَنُهُ بَدَنَ صَاحِبِهِ قِيلَ لَهُ: جَارٌ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْجَارُ: مَنْ يَقْرُبُ مَسْكَنُهُ مِنْكَ، وَهُوَ مِنَ الأْسْمَاءِ الْمُتَضَايِفَةِ؛ فَإِنَّ الْجَارَ لاَ يَكُونُ جَارًا لِغَيْرِهِ إِلاَّ وَذَلِكَ الْغَيْرُ جَارٌ لَهُ، كَالأْخِ وَالصَّدِيقِ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ: وَهُوَ الْمُلاَصَقَةُ فِي السَّكَنِ أَوْ نَحْوِهِ كَالْبُسْتَانِ وَالْحَانُوتِ.

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْجِوَارِ :

أ - حَدُّ الْجِوَارِ :

2 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ أَوِ الْمُقَابِلُ لَهُ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ ضَيِّقٌ لاَ يَفْصِلُهُمَا فَاصِلٌ كَبِيرٌ كَسُوقٍ أَوْ نَهْرٍ مُتَّسِعٍ، أَوْ مَنْ يَجْمَعُهُمَا مَسْجِدٌ أَوْ مَسْجِدَانِ لَطِيفَانِ مُتَقَارِبَانِ، إِلاَّ إِذَا دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْحَدِّ.

وَحَمَلُوا حَدِيثَ: «أَلاَ إِنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ» عَلَى التَّكْرِمَةِ وَالاِحْتِرَامِ، كَكَفِّ الأْذَى، وَدَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْبِشْرِ فِي الْوَجْهِ وَالإْهْدَاءِ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ فَقَطْ؛ لأِنَّ الْجَارَ مِنَ الْمُجَاوَرَةِ، وَهِيَ الْمُلاَصَقَةُ حَقِيقَةً. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ هُوَ الْقِيَاسُ.

وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ (أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَجْمَعُهُمُ الْمَسْجِدُ؛ لأِنَّ هُمْ يُسَمَّوْنَ جِيرَانًا عُرْفًا وَشَرْعًا، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ» وَجَاءَ تَفْسِيرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مَوْقُوفًا بِمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِرَّ الْجِيرَانِ فَاسْتِحْبَابُهُ شَامِلٌ لِلْمُلاَصِقِ وَغَيْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الاِخْتِلاَطِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْمُجَاوَرَةِ كَانَ لاَ بُدَّ مِنِ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ لِتَحَقُّقِ الاِخْتِلاَطِ.

ب - حُقُوقُ الْجِوَارِ :

3 - جَاءَتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ تَحُضُّ عَلَى احْتِرَامِ الْجِوَارِ، وَرِعَايَةِ حَقِّ الْجَارِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).

فَالْجَارُ ذُو الْقُرْبَى، هُوَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ. وَالْجَارُ الْجُنُبُ: هُوَ الَّذِي لاَ قَرَابَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. أَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».

وَقَوْلُهُ صلوات الله عليه وسلم : «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَأْكِيدُ حَقِّ الْجَارِ لِقَسَمِهِ صلي الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، وَتَكْرِيرِهِ الْيَمِينَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَفِيهِ نَفْيُ الإْيمَانِ عَمَّنْ يُؤْذِي جَارَهُ بِالْقَوْلِ، أَوْ بِالْفِعْلِ، وَمُرَادُهُ الإْيمَانُ الْكَامِلُ. وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْعَاصِيَ غَيْرُ كَامِلِ الإْيمَانِ.

وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ». وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» هَذَا وَاسْمُ (الْجَارِ) جَاءَ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ، وَغَيْرَ الْمُسْلِمِ، وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ، وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ، وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ، وَالْقَرِيبَ وَالأْجْنَبِيَّ، وَالأْقْرَبَ دَارًا وَالأْبْعَدَ، وَلَهُ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ.

قَالَ أَحْمَدُ: الْجِيرَانُ ثَلاَثَةٌ: جَارٌ لَهُ حَقٌّ، وَهُوَ الذِّمِّيُّ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ. وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَحَقُّ الإْسْلاَمِ. وَجَارٌ لَهُ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الإْسْلاَمِ وَحَقُّ الْقَرَابَةِ.

وَأَوْلَى الْجِوَارِ بِالرِّعَايَةِ مَنْ كَانَ أَقْرَبَهُمْ بَابًا. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ حِينَ قَالَ: بَابٌ: حَقُّ الْجِوَارِ فِي قُرْبِ الأْبْوَابِ. وَأَدْرَجَ تَحْتَهُ حَدِيثَ «عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا».

وَمِنْ حُقُوقِ الْجِوَارِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ حَقُّ الْجِوَارِ كَفَّ الأْذَى فَقَطْ، بَلِ احْتِمَالُ الأْذَى، فَإِنَّ الْجَارَ أَيْضًا قَدْ كَفَّ أَذَاهُ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قَضَاءُ حَقٍّ وَلاَ يَكْفِي احْتِمَالُ الأْذَى، بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ الرِّفْقِ، وَإِسْدَاءِ الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ.. وَمِنْهَا: أَنْ يَبْدَأَ جَارَهُ بِالسَّلاَمِ، وَيَعُودَهُ فِي الْمَرَضِ، وَيُعَزِّيَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَيُهَنِّئَهُ عِنْدَ الْفَرَحِ، وَيُشَارِكَهُ السُّرُورَ بِالنِّعْمَةِ، وَيَتَجَاوَزَ عَنْ زَلاَّتِهِ، وَيَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَارِمِهِ، وَيَحْفَظَ عَلَيْهِ دَارَهُ إِنْ غَابَ، وَيَتَلَطَّفَ بِوَلَدِهِ، وَيُرْشِدَهُ إِلَى مَا يَجْهَلُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.. هَذَا إِلَى جُمْلَةِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ الْمُجَاوَرَةَ تُوجِبُ لِكُلٍّ مِنَ الْحَقِّ مَا لاَ يَجِبُ لأِجْنَبِيٍّ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا لاَ يَحْرُمُ عَلَى الأْجْنَبِيِّ. فَيُبِيحُ الْجِوَارُ الاِنْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْجَارِ الْخَالِي مِنْ ضَرَرِ الْجَارِ، وَيَحْرُمُ الاِنْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْجَارِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِضْرَارٌ.

حَائِطٌ

التَّعْرِيفُ

1 - الْحَائِطُ فِي اللُّغَةِ الْجِدَارُ، وَالْبُسْتَانُ، وَجَمْعُهُ حِيطَانٌ وَحَوَائِطُ. وَالْفُقَهَاءُ أَيْضًا يُطْلِقُونَ: «الْحَائِطَ» بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ.

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحَائِطِ :

أَوَّلاً - الْحَائِطُ بِمَعْنَى الْجِدَارِ :

2 - الْجِدَارُ قِسْمَانِ: خَاصٌّ وَمُشْتَرَكٌ.

أَمَّا الْجِدَارُ الْخَاصُّ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ (وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَهُمْ) وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْجَارِ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ، وَلاَ يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ لِخَبَرِ «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ». وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ : عليه الصلاة والسلام «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسِهِ».

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ».

وَإِذَا انْهَدَمَ الْجِدَارُ الْخَاصُّ فَإِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ مَالِكُهُ عَلَى بِنَائِهِ، وَيُقَالُ لِلآْخَرِ: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ إِنْ شِئْتَ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فِي بَابِ الصُّلْحِ وَالْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ.

وَأَمَّا الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ فَالْكَلاَمُ فِيهِ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ :

الْمَوْضِعُ الأْوَّلُ: الاِنْتِفَاعُ بِهِ :

3 - يَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يُمْنَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ مِمَّا يُغَيِّرُ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ كَغَرْزِ وَتَدٍ، وَفَتْحِ كَوَّةٍ، أَوْ وَضْعِ خَشَبَةٍ لاَ يَتَحَمَّلُهَا إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ كَسَائِرِ الأْمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَتَصَرُّفٌ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ بِهِ، فَلاَ يَسْتَقِلُّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِالاِنْتِفَاعِ.

وَأَمَّا الاِسْتِنَادُ إِلَيْهِ وَإِسْنَادُ شَيْءٍ إِلَيْهِ لاَ يَضُرُّهُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَيُرْجَعُ لِتَفْصِيلِ ذَلِكَ إِلَى مَوَاطِنِهِ فِي أَبْوَابِ الصُّلْحِ وَالْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ.

الْمَوْضِعُ الثَّانِي: قِسْمَةُ الْجِدَارِ :

4 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ إِذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِلاَ ضَرَرٍ فَأَرَادَ الشُّرَكَاءُ قِسْمَتَهُ جَازَ. وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ الْقِسْمَةَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ وَأَبَاهَا الآْخَرُ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ وَآرَاءٍ يُرْجَعُ لِتَفْصِيلِهَا إِلَى مُصْطَلَحِ: (قِسْمَةٌ).

الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: الْعِمَارَة:

5 - إِذَا تَهَدَّمَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ فَطَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ تَعْمِيرَهُ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُجْبَرُ الشَّرِيكُ الآْخَرُ عَلَى الاِشْتِرَاكِ فِي عِمَارَتِهِ إِذَا تَعَذَّرَ قِسْمَةُ أَسَاسِهِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ يَحْتَمِلُ أَسَاسُهُ الْقِسْمَةَ بِأَنْ كَانَ عَرِيضًا جَازَ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْقَدِيمُ لَدَى الشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لأِنَّ فِي تَرْكِ بِنَائِهِ إِضْرَارًا.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ؛ لأِنَّهُ بِنَاءُ حَائِطٍ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ كَالاِبْتِدَاءِ.

التَّلَفُ بِسُقُوطِ الْحَائِطِ :

6 - إِذَا مَالَ الْحَائِطُ إِلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَطُولِبَ صَاحِبُهُ بِنَقْضِهِ وَأُشْهِدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ؛ لأِنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ إِلَى الطَّرِيقِ فَقَدِ اشْتَغَلَ هَوَاءُ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِمِلْكِهِ، وَدَفْعُهُ فِي يَدِهِ، فَإِذَا تُقُدِّمَ إِلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ صَارَ مُتَعَدِّيًا. بِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ مَنْ بَنَى حَائِطًا ثُمَّ مَالَ إِلَى غَيْرِ مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَصًّا كَهَوَاءِ جَارِهِ، أَوْ مُشْتَرَكًا كَالطَّرِيقِ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ وَطُولِبَ بِهِ؛ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ بِذَلِكَ؛ لأِنَّهُ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَقَطَ مِنْ غَيْرِ مَيَلاَنٍ. وَتُنْظَرُ التَّفَاصِيلُ فِي أَبْوَابِ الضَّمَانِ وَالدِّيَاتِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ أَحْكَامِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ.