مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : السادس، الصفحة : 64
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- تعرض هذه النصوص (المواد 1182 - 1186 من المشروع ) للحائط المشترك ولم يورد التقنين الحالي في هذا الموضوع إلا نصوصاً مقتضية (م 38 / 59 - 60 ) أما المشروع فقد أورد نصوصاً كافية لتنظيم هذه المسألة الهامة، استمدها من التقنين / الحالي، واستكملها من الشريعة الإسلامية، ومن تقنينين أجنبيين هما التقنين الفرنسي والمشروع الإيطالي.
2- والأصل أن الحائط الذي يكون وقت إنشائه فاصلاً بين بنائين يعد مشترکاً حتى مفرقهما، ما لم يقم دليل على العكس (م 1185 من المشروع، وهي تقابل م 69 من المشروع الإيطالي وم 653 من التقنين الفرنسي ) ويشترط حتى تقوم هذه القرينة القانونية شرطان : (أ) أن يكون الحائط فاصلاً بين بناءين فلا يكفي أن يكون فاصلاً بين أرضين، أو بين أرض وبناءً، (ب) وأن يكون الحائط قد فصل بين البناءين منذ إنشائه، فإذا لم يوجد وقت إنشاء الحائط إلا بناءً واحداً، ثم قام بعد ذلك بناء آخر ملاصق استتر بالحائط، فأصبح هذا الحائط جزءاً من البناء الأول، فإن القرينة القانونية لا تقوم، ويعتبر في وضعه الجديد فاصلاً بين بناءين ومملوكاً ملكية خالصة لصاحب هذا البناء .
فإذا توافر الشرطان المتقدمان قامت القرينة القانونية على أن الحائط مشترك حتى مفرق البناءين، إلى أن يقوم الدليل على العكس أما الجزء الذي يعلو المفرق فملكيته خالصة لصاحب البناء الأعلى .
3- ويتبين مما تقدم أن الحائط الفاصل بين بناءين قد يكون مشترکاً وقد يكون غير مشترك فإن كان مشترکاً، جاز لكل شريك أن يستعمله بحسب الغرض الذي أعد له، ومن غير أن يحول ذلك دون إستعمال الشريك الآخر له فلكل شريك أن بنائه، دون أن يحمل الحائط في يضع فوق الحائط سهاماً ليسند عليها سقف طاقته، فإذا إحتاج الحائط إلى ترميم أو تجديد، فإن كان ذلك بسبب خطأ من أحد الشريكين كان هو الملزم وحده بالترميم أو التجديد، وإلا اشترك الجاران في النفقات كل بنسبة حصته في الحائط ( مادة 1182 من المشروع، ولا نظير لها في التقنين الحالى، وانظر مادة 71 من مرشد الحيران) أما إذا اقتضى الأمر تعلية الحائط لمصلحة الجارين، اشتركاً معاً في نفقات التعلية كل بنسبة حصته فإذا كانت التعلية تقتضيها مصلحة جدية لأحد الجارين دون الآخر، كان لهذا الجار أن يعلى الحائط على أن لا يلحق بشريكه ضرراً جسمها، وعلى أن يتحمل نفقة التعلية وصيانة الجزء المعلى، وإجراء ما يلزم لتسكين الحائط من أن يتحمل زيادة العبء الناشئة عن التعلية دون أن يفقد الحائط شيئاً من متانته فإذا اقتضت التعلية إعادة بناء الحائط، كانت نفقة ذلك على الجار الذي له مصلحة في التعلية، وما زاد من سمك الحائط يكون في ناحيته بقدر الإمكان، وإلا دفع تعويضاً لشريكه عما زاد في سمك الحائط من ناحية هذا الشريك . ويكون الحائط المجدد مشتركاً في غير الجزء المعلى، ولا يدفع الشريك تعويضة للشريك الذي قام بالتعلية عن الفرق في القيمة ما بين الحائط القديم والحائط الجديد ( مادة 1183 من المشروع، ولا نظير لها في التقنين الحالى، وانظر مادة 70 من مرشد الحيران، ومادة 75 من المشروع الإيطالي، ومادة 659 من التقنين الفرنسي) أما الجزء المعلى سواء على دون تجدید الحائط أو بعد التجديد، فسيبق ملكاً خالصاً للشريك الذي قام بالتعلية لكن إذا أراد الشريك الآخر أن يكون هذا الجزء أيضاً مشتركاً بينهما، جاز ذلك، وعليه أن تقع نصف نفقات التحلية، وقيمة نصف الأرض التي تقوم عليها زيادة السمك، إذا كانت هناك زيادة من ناحية الشريك الذي قام بالتعلية (مادة 1184 من المشروع، ولا نظير لها في التقنين الحالى، وانظر مادة 660 من التقنين الفرنسي ) .
4- إما إذا لم يكن الحائط مشتركاً، بل كانت ملكيته خالصة لأحد الجارين، فليس للجار الآخر أن يجبره على الإشتراك ولو بدفع تعويض على أن له أن يستتر حائط، فلا يجوز لمالكه أن يهدمه دون عذر قوي إذا كان هدمه يضر بالجار المستتر في هذا تطبيق لنظرية التعسف في إستعمال حق الملكية، ورد في التقنين الحالي - (م 38 فقرة 60/2 ) واحتفظ به المشروع (م 1186 فقرة 2) كما إحتفظ المشروع أيضاً من التقنين الحالي بالمادة 38 فقرة 59/1، وهي تقرر أنه لا يجوز للجار أن يجبر جاره على تحويط ملكه، ولا على النزول عن جزء من حائطه أو من الأرض التي عليها الحائط (م 1186 فقرة أولى، وهی توافق م 69 من مرشد الحيران وتخالف المادتين 661 و 663 من التقنين الفرنسي ) .
1 ـ المقرر فى قضاء محكمة النقض-أن استخلاص ثبوت الضرر أو نفيه من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع ما دام الدليل الذى اخذ به مقبولا قانونا،ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض طلب إخلاء الشقتين محل النزاع المؤسس على الإضرار بسلامة المبنى الكائنين به على قوله " 0000 " وكان ما استخلصه الحكم من انتفاء الضرر بسلامة المبنى نتيجة هدم الحائط المشترك بين الشقتين موضوع النزاع سائغا ومستمدا مما له أصل ثابت بالأوراق ومن شأنه أن يؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها بما يكفى حمل قضائه فى هذا الصدد فان النعى عليه بهذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فى تقدير محكمة الموضوع للدليل بغية الوصول إلى نتيجة أخرى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض،يجدى الطاعن ما يتحدى به من عدم صدور ترخيص بهدم ذلك الحائط من الجهة القائمة على شئون التنظيم لانتفاء التلازم الحتمى بين هذا الأمر والإضرار بسلامة المبنى كسب للاخلاء.
(الطعن رقم 2905 لسنة 61 جلسة 1993/11/21 س 44 ع 3 ص 236 ق 331)
2 ـ إذ كان الثابت من الأوراق أن الحائط الذى أجريت به الفتحات مملوك للطاعن والمطعون ضده مناصفة على الشيوع بينهما وكان الطاعن قد تمسك لدى محكمة الاستئناف بموافقة المطعون ضده على الفتحات التى أجراها وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ذلك وهو منه دفاع جوهرى من شأنه- لو صح - أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض طلب الإحالة إلى التحقيق على سند من مجرد قولة بأنه غير مجد ثم أقام قضاءه بسد الفتحات على سند من أنها تلحق ضررا بالمطعون ضده دون أن يعنى بتمحيص ما تمسك به الطاعن من موافقة المطعون ضده على إجرائها يكون معيباً بالقصور.
(الطعن رقم 2391 لسنة 59 جلسة 1994/02/03 س 45 ع 1 ص 297 ق 62)
3 ـ متى كان الحكم النهائى السابق صدوره فى دعوى التعويض التى رفعها الطاعنون على المطعون عليها الأولى لم يقرر مسئولية هذه الأخيرة إلا عن التلف الذى حدث بمنزلهم و الحائط المشترك فى ذلك الوقت وكان أساس دعوى التعويض اللاحقة التى أقامها الطاعنون على المطعون عليها سالفة الذكر ادعاؤهم تزايد التلف و كان الحكم إذ قضى برفض هذه الدعوى قد أقام قضاءه على ما استخلصه من عدم ثبوت حصول تلف جديد أو شروخ غير التى عوينت من قبل فان النعى عليه أنه فصل فى النزاع على خلاف ما قضى به الحكم السابق استنادا الى أنه نفى مسئولية المطعون عليها الأولى التى قررها الحكم السابق - هذا النعى يكون غير صحيح لأن الدعوى اللاحقة مختلفة فى موضوعها عن الدعوى السابقة .
(الطعن رقم 136 لسنة 19 جلسة 1951/01/18 س 2 ع 2 ص 264 ق 51)
4 ـ متى كان الحكم الابتدائى قد قرر أن للطاعن حق ارتفاق يبيح له الارتكاز على حائط منزل المطعون عليه واستعمال خزان المياه استنادا الى أن هذا الحق قد استمده من المالك الاصلى لأرض الطاعن ومنزل المطعون عليه ( رب الأسرة ) وكان هذا التقرير لم يكن من الحكم فى صدد الفصل فى موضوع حق الارتفاق ذاته ، وانما ليستمد منه الدليل على نفى حصول التعرض الذى نسبه المطعون عليه الى الطاعن فى العقار محل النزاع . و كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه . إذ الغى الحكم الابتدائى وقضى بمنع تعرض الطاعن للمطعون عليه . قد نفى قيام حق الارتفاق الآنف ذكره ، وقرر أن الطاعن قد تعرض للمطعون عليه فى تاريخ لم تمض عليه سنه قبل رفع الدعوى وكانت الدعوى بوصفها القانونى هى من دعاوى الحيازة التى لايصح فيها الاستناد الى ثبوت حق الارتفاق أو عدم ثبوته . وكان الحكم المطعون فيه قد اعتمد فى قضائه على عدم ثبوت حق الارتفاق للطاعن ، مغفلا الرد على مااستند اليه الحكم الابتدائى فى تقريره بعدم حصول تعرض من الطاعن للمطعون عليه ، ودون أن يحقق حيازة المطعون عليه وسندها ومدتها ومظهرها ودون أن يبين العناصر الواقعية التى استخلص منها حصول التعرض ، وأن حيازة المطعون عليه قد توافرات شروطها القانونية . فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه مشوبا بالبطلان لفقده الأساس القانونى الذى يتعين أن يقام عليه ، مما يستوجب نقضه.
(الطعن رقم 353 لسنة 21 جلسة 1952/12/04 س 4 ع 1 ص 171 ق 27)
الحائط المشترك هو الذي يكون مملوكاً للجارين معاً فلا يستقل به أحدهما وقد يقيمه الجاران مشاركة أو يقيمه أحدهما ثم يشاركه الآخر في نفقاته وقد یكب الجار حق الاشتراك فيه بالتقادم إذا باشر فيه أعمالاً تستند إلى حق الماركة كأن يكون أقام عليه عوارضاً فلا يكفي مجرد التستر بالحائط مهما طال الأمد فهذا من قبيل الرخص التي لا تكتب بالتقادم م 949 ويجب أن نتفق مظنة التسامح، ويجب على الجار أن يستعمل الحائط وفقاً للغرض المعد له وهو التستر ومن ثم لا يجوز له فتح مطل أو منور به، فإذا وجد مطل أو منور به قبل أن يحتاج الجار الآخر إلى هذا الحائط كما لو كانت أرضه فضاء، ثم أقام بناء عليها وشارك في الحائط فإنه يحق له في هذه الحالة المطالبة بسد المطل أو المنور ما لم يكن صاحبه قد كسب هذا الحق بالتقادم، كذلك إذا كان الحائط مشترکاً وقام الجار بفتح مطل أو مستور به رغم إرادة جاره وظل مفتوحاً المدة اللازمة للتقادم فإنه يكسب هذا الحق بالتقادم ويمتنع على الجار أن يطالب بسده بعد ذلك كما يمتنع ذلك على خلفه، أما إذا كان الجار قد ترك مطل أو منور جاره على سبيل التسامح فيكون له أن يطلب سده مهما طال الزمن.
كما يجب على الجار وهو يضع العوارض على الحائط أن يراعى طاقته وأن يترك مكاناً لعوارض الجار الآخر ولكل أن يضع عوارضه يطول سمك الحائط كله وليس إلى نصفه، وإذا نشب خلاف في ذلك رفع الأمر للقضاء وله الاستعانة بخبير ليحدد لكل جار الاستعمال الواجب، وتسرى على الحائط المشترك، أحكام الملكية المشتركة، فيكون مملوكاً للشريكين معاً ملكية تامة بكاملة، فلا تكون لكل منهما حصة شائعة فيه وإنما ملكية كاملة مشتركة بينهما تبقى ما بقي الغرض منها قائماً، وبالتالي فهي تأبى القسمة العقارية، فان تهدم البناء جاز قسمة الأنقاض کمنقول. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 278)
تنص المادة 814 مدني على ما يأتي :
1- لمالك الحائط المشترك أن يستعمله بحسب الغرض الذى أعد له وأن يضع فوقه عوارض ليسند عليها السقف دون أن يحمل الحائط فوق طاقته.
2- فإذا لم يعد الحائط المشترك صالحاً للغرض الذي خصص له عادة، فنفقة إصلاحه أو تجديده على الشركاء كل بنسبة حصته فيه .
ويخلص من هذا النص :
1- أن لمالك الحائط المشترك إستعماله بحسب الغرض الذى أعد له .
2- فلا يجوز له فتح مناور فى هذا الحائط بدون إذن المالك الآخر .
3- ونفقات الصيانة والإصلاح تكون على الشركاء، كل بنسبة حصته .
إستعمال الحائط المشترك بحسب الغرض الذى أعد له : لكل شريك فى الحائط المشترك أن يستعمله، ويتقيد في إستعماله هذا الحق بقيدين :
(القيد الأول) أن يكون الإستعمال بحسب الغرض الذى أعد له الحائط والغرض الذى أعد له الحائط المشترك هو من جهة استتار كل شريك به بحيث يستند إليه بناؤه، ومن جهة أخرى إقامة عوارض فوق الحائط المشترك ليسند عليها كل شريك سقف بنائه .
(والقيد الثاني) ألا يحمل الحائط فوق طاقته فى استعماله للغرض الذى أعد له، وألا يحول دون استعمال الشريك الآخر للحائط على الوجه المتقدم الذكر .
عدم جواز فتح مناور فى الحائط المشترك :
ولما كان الغرض الذى أعد له الحائط المشترك يتعارض مع فتح مناور أو فتحات أخرى فيه، لأن الحائط المشترك إنما أعد للاستتار به وهذا يتنافى مع إحداث فتحات فيه لذلك لا يجوز لأى شريك أن يفتح فى الحائط المشترك مناور أو فتحات أخرى تنفذ إلى ملك جاره دون موافقة هذا الجار وقد ورد بهذا الحكم نص صريح فى التقنين المدنى الفرنسى (م 675)، ويمكن تطبيق الحكم دون نص فى القانون المصرى لأنه يتفق مع القاعدة التي تقضي بقصر استعمال الحائط المشترك على الغرض الذى أعد له.
نفقات الصيانة والإصلاح والتجديد : وصيانة الحائط المشترك يتحمل نفقتها الشركاء كل بنسبة حصته وقد يصبح الحائط المشترك غير صالح للغرض الذى أعد له، فيحتاج إلى إصلاح، أو إلى هدم وإعادة بناءً ونفقات الإصلاح وتجديد الحائط كنفقات الصيانة يتحملها الشركاء، كل بنسبة حصته .
أما إذا كان إصلاح الحائط المشترك أو إعادة بنائه ليس ضرورياً ليقوم الحائط بالغرض الذى أعد له، ومع ذلك قام الشريك بإصلاحه أو إعادة بنائه لمصلحته الخاصة، فإن هذا الشريك وحده هو الذى يتحمل نفقات الإصلاح أو التجديد.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثامن، الصفحة : 1315)
الحائط المشترك، هو ذلك الذي يفصل بين بنائين مملوكين لمالكين، وليس المالك واحد وقد تكون ملكية الحائط المشترك مشتركة بين المالكين، أو تكون ملكية خالصة لأحدهما، وفي هذه الحالة ينعت بالحائط الفاصل.
ويعتبر إشتراك الجارين في ملكية الحائط الفاصل صورة خاصة للملكية الشائعة، إذ هو من قبيل الشيوع الإجباري.
ومعنى ذلك أن لكل شريك في ملكية الحائط المشترك الحق في استعماله.
غير أن هذا الإستعمال مقيد بقیدین :
القيد الأول :
أن يكون الاستعمال بحسب الغرض الذي أعد له الحائط المشترك.
والغرض من إنشاء الحائط المشترك هو ستر كل من العقارين اللذين يفصل بينهما، وكذلك وضع عوارض فوق الحائط المشترك ليسند عليه المالك سقف بنائه.
كما أن لكل شريك أن يسند إلى الحائط ما يشاء من الأمتعة والأثاث، وله أن يحدث حفراً في الحائط لكي يهيئ فيه مكاناً لدولاب أو مدفأة أو أنبوبة مياه أو نحو ذلك.
ولكن ليس له أن يفتح في الحائط مطلات أو مناور، لأن هذا يتعارض مع الغرض الذي أعد له الحائط وهو ستر كل من العقارين اللذين يفصل بينهما.
وإحداث هذه الفتحات لا يؤدي في الأصل إلى اكتساب حق المطل على الجار بالتقادم، لأن حيازتها تكون مشوبة بمظنة العفو والتسامح إذ يجب لإكتساب مطل من الحائط المشترك بالتقادم أن يكون من شأن هذه الفتحات مضايقة الجار مضايقة جدية تنتفي معها شبهة التسامح.
ولما كان شيوع الحائط المشترك شيوعاً إجبارياً نظراً للغرض الذي أعد له الحائط، فإنه لا يجوز لأي من الشريكين أن يطلب قسمة الحائط، كما لا يجوز له التصرف في حصته الشائعة مستقلة عن العقار الذي يملكه، ولا يجوز لدائنيه الحجز على هذه الحصة الشائعة إستقلالاً.
وللجار أن يلجأ إلى دعوى وقف الأعمال الجديدة ليحول دون إستمرار جاره في عمل يرى أن فيه إخلالاً بالغرض الذي أعد له الحائط، أو أن من شأنه إلحاق الضرر به أما بعد إتمام العمل فيكون له أن يطالب إما بإزالته أو بإدخال تعديلات عليه، مع عدم الإخلال بحقه في تعويض الضرر الذي لحق به وللقاضي أن يأمر بما يراه لازماً بحسب تقديره لظروف الحالة وملابساتها .
القيد الثاني :
ألا يحمل الحائط فوق طاقته في إستعماله للغرض الذي أعد له، وألا يحول دون إستعمال الشريك الآخر للحائط.
ويجب أن يراعى فيما يسنده إلى الحائط من الأمتعة والأثاث طاقة الحائط واحتماله، وألا يكون فيما يجريه من حفر في الحائط ما يقلل من متانته.
ولئن كان يجوز للشريك أن يضع عوارض على الجدار ولو تجاوزت نصف السمك، أو يجرى فتحات تجاوز هذا الحد، تأسيساً على أن كل شريك يملك على الشيوع فيرد حقه على الحائط كله، إلا أنه لا يجوز أن يحول ذلك دون إستعمال الشريك الآخر للحائط في وضع أعمدة عليه أو إجراء حفر به، إذ أن في هذه الحالة يجب إلتزام كل شريك بنصف سمك الحائط.
نفقات صيانة وإصلاح وتجديد الحائط المشترك :
صيانة الحائط المشترك يتحمل نفقتها الشركاء كل بنسبة حصته في الحائط.
وقد يصبح الحائط المشترك غير صالح للغرض الذي خصص له عادة، فيحتاج إلى ترميم أو إلى هدم وإعادة بناءً.
فإذا كان ذلك يرجع إلى خطأ أحد الشركاء كان هو الملزم بنفقات الترميم أو نفقات الهدم وإعادة البناء.
أما إذا كان ذلك لا يرجع إلى خطأ أي من الشركاء، فإن هذه النفقات يتحملها الشركاء بنسبة حصة كل منهما في ملكية الحائط المشترك.
ويجوز لأي منهم أن يجبر الآخرين على المساهمة في هذه النفقات.
أما إذا كان الإصلاح أو التجديد غير مفيد إلا للشريك الذي يطلبه فعليه أن يتحمل وحده نفقاته كأن يحتاج أحد الشريكين إلى تقوية الحائط أو إلى هدمه وإعادة بنائه لتعلية مبانيه المسندة إليه أو للتعديل فيها .
وإذا كان إصلاح الحائط المشترك أو إعادة بنائه ليس ضرورياً ليقوم الحائط بالغرض الذي أعد له، ومع ذلك قام الشريك بإصلاحه أو إعادة بنائه لمصلحته الخاصة، فإن هذا الشريك وحده هو الذي يتحمل نفقات الإصلاح أو التجديد.
والإلتزام بتحمل مصاريف الصيانة والإصلاح والتجديد إلتزام عینی، ومن ثم يجوز للشريك التخلص من هذا الإلتزام بالتخلي عن ملكيته الشائعة في الحائط.
وإذا تخلى الشريك عن ملكيته الشائعة، أصبح الشريك الآخر هو وحده الذي له حق إستعمال الحائط بشرط أن يقوم بترميمه وصيانته. فإن لم يرممه، وسقط الحائط، كانت الأنقاض وأرض الحائط ملكاً للشريكين وقسماها بينهما على أن حق الشريك في التخلي عن الحائط على النحو الذي قدمناه يشترط فيه ألا يكون بناءً هذا الشريك مستنداً إلى الحائط، وإلا فإنه سيظل منتفعاً بالحائط بل يجب أن يهدم البناء أولاً ثم يتخلى عن الحائط ولا يكفي أن يتعهد بهدم البناء، لأنه قبل أن يتهدم البناء فعلاً يظل شريكاً في الحائط ولا يستطيع التخلي عنه.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 338)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 216
جِوَارٌ
التَّعْرِيف:
1 - الْجِوَارُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - مَصْدَرُ جَاوَرَ، يُقَالُ: جَاوَرَ جِوَارًا وَمُجَاوَرَةً أَيْضًا. وَمِنْ مَعَانِي الْجِوَارِ الْمُسَاكَنَةُ وَالْمُلاَصَقَةُ، وَالاِعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْعَهْدُ وَالأْمَانُ.
وَمِنَ الْجِوَارِ الْجَارُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: الْمُجَاوِرُ فِي الْمَسْكَنِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْعَقَارِ أَوِ التِّجَارَةِ، وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَالْحَلِيفُ، وَالنَّاصِرُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ قَارَبَ بَدَنُهُ بَدَنَ صَاحِبِهِ قِيلَ لَهُ: جَارٌ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْجَارُ: مَنْ يَقْرُبُ مَسْكَنُهُ مِنْكَ، وَهُوَ مِنَ الأْسْمَاءِ الْمُتَضَايِفَةِ؛ فَإِنَّ الْجَارَ لاَ يَكُونُ جَارًا لِغَيْرِهِ إِلاَّ وَذَلِكَ الْغَيْرُ جَارٌ لَهُ، كَالأْخِ وَالصَّدِيقِ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ: وَهُوَ الْمُلاَصَقَةُ فِي السَّكَنِ أَوْ نَحْوِهِ كَالْبُسْتَانِ وَالْحَانُوتِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْجِوَارِ :
أ - حَدُّ الْجِوَارِ :
2 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ أَوِ الْمُقَابِلُ لَهُ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ ضَيِّقٌ لاَ يَفْصِلُهُمَا فَاصِلٌ كَبِيرٌ كَسُوقٍ أَوْ نَهْرٍ مُتَّسِعٍ، أَوْ مَنْ يَجْمَعُهُمَا مَسْجِدٌ أَوْ مَسْجِدَانِ لَطِيفَانِ مُتَقَارِبَانِ، إِلاَّ إِذَا دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْحَدِّ.
وَحَمَلُوا حَدِيثَ: «أَلاَ إِنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ» عَلَى التَّكْرِمَةِ وَالاِحْتِرَامِ، كَكَفِّ الأْذَى، وَدَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْبِشْرِ فِي الْوَجْهِ وَالإْهْدَاءِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ فَقَطْ؛ لأِنَّ الْجَارَ مِنَ الْمُجَاوَرَةِ، وَهِيَ الْمُلاَصَقَةُ حَقِيقَةً. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ هُوَ الْقِيَاسُ.
وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ (أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَجْمَعُهُمُ الْمَسْجِدُ؛ لأِنَّ هُمْ يُسَمَّوْنَ جِيرَانًا عُرْفًا وَشَرْعًا، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ» وَجَاءَ تَفْسِيرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مَوْقُوفًا بِمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِرَّ الْجِيرَانِ فَاسْتِحْبَابُهُ شَامِلٌ لِلْمُلاَصِقِ وَغَيْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الاِخْتِلاَطِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْمُجَاوَرَةِ كَانَ لاَ بُدَّ مِنِ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ لِتَحَقُّقِ الاِخْتِلاَطِ.
ب - حُقُوقُ الْجِوَارِ :
3 - جَاءَتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ تَحُضُّ عَلَى احْتِرَامِ الْجِوَارِ، وَرِعَايَةِ حَقِّ الْجَارِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).
فَالْجَارُ ذُو الْقُرْبَى، هُوَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ. وَالْجَارُ الْجُنُبُ: هُوَ الَّذِي لاَ قَرَابَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. أَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
وَقَوْلُهُ صلوات الله عليه وسلم : «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَأْكِيدُ حَقِّ الْجَارِ لِقَسَمِهِ صلي الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، وَتَكْرِيرِهِ الْيَمِينَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَفِيهِ نَفْيُ الإْيمَانِ عَمَّنْ يُؤْذِي جَارَهُ بِالْقَوْلِ، أَوْ بِالْفِعْلِ، وَمُرَادُهُ الإْيمَانُ الْكَامِلُ. وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْعَاصِيَ غَيْرُ كَامِلِ الإْيمَانِ.
وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ». وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» هَذَا وَاسْمُ (الْجَارِ) جَاءَ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ، وَغَيْرَ الْمُسْلِمِ، وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ، وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ، وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ، وَالْقَرِيبَ وَالأْجْنَبِيَّ، وَالأْقْرَبَ دَارًا وَالأْبْعَدَ، وَلَهُ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ.
قَالَ أَحْمَدُ: الْجِيرَانُ ثَلاَثَةٌ: جَارٌ لَهُ حَقٌّ، وَهُوَ الذِّمِّيُّ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ. وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَحَقُّ الإْسْلاَمِ. وَجَارٌ لَهُ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الإْسْلاَمِ وَحَقُّ الْقَرَابَةِ.
وَأَوْلَى الْجِوَارِ بِالرِّعَايَةِ مَنْ كَانَ أَقْرَبَهُمْ بَابًا. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ حِينَ قَالَ: بَابٌ: حَقُّ الْجِوَارِ فِي قُرْبِ الأْبْوَابِ. وَأَدْرَجَ تَحْتَهُ حَدِيثَ «عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا».
وَمِنْ حُقُوقِ الْجِوَارِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ حَقُّ الْجِوَارِ كَفَّ الأْذَى فَقَطْ، بَلِ احْتِمَالُ الأْذَى، فَإِنَّ الْجَارَ أَيْضًا قَدْ كَفَّ أَذَاهُ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قَضَاءُ حَقٍّ وَلاَ يَكْفِي احْتِمَالُ الأْذَى، بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ الرِّفْقِ، وَإِسْدَاءِ الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ.. وَمِنْهَا: أَنْ يَبْدَأَ جَارَهُ بِالسَّلاَمِ، وَيَعُودَهُ فِي الْمَرَضِ، وَيُعَزِّيَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَيُهَنِّئَهُ عِنْدَ الْفَرَحِ، وَيُشَارِكَهُ السُّرُورَ بِالنِّعْمَةِ، وَيَتَجَاوَزَ عَنْ زَلاَّتِهِ، وَيَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَارِمِهِ، وَيَحْفَظَ عَلَيْهِ دَارَهُ إِنْ غَابَ، وَيَتَلَطَّفَ بِوَلَدِهِ، وَيُرْشِدَهُ إِلَى مَا يَجْهَلُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.. هَذَا إِلَى جُمْلَةِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ الْمُجَاوَرَةَ تُوجِبُ لِكُلٍّ مِنَ الْحَقِّ مَا لاَ يَجِبُ لأِجْنَبِيٍّ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا لاَ يَحْرُمُ عَلَى الأْجْنَبِيِّ. فَيُبِيحُ الْجِوَارُ الاِنْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْجَارِ الْخَالِي مِنْ ضَرَرِ الْجَارِ، وَيَحْرُمُ الاِنْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْجَارِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِضْرَارٌ.
حُكْمُ الاِنْتِفَاعِ بِالْجِدَارِ بَيْنَ جَارَيْنِ :
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الشَّرِيكَ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ يَنْتَفِعُ بِمِقْدَارِ نَفْعِ شَرِيكِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِرِضَاءِ شَرِيكِهِ.
أَمَّا الْجِدَارُ الْمَمْلُوكُ لأِحَدِ الْجَارَيْنِ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْجَارِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِدَارِ جَارِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلاَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ صُوَرِ الاِنْتِفَاعِ كَالْبِنَاءِ وَفَتْحِ كَوَّةٍ وَغَرْزِ خَشَبَةٍ وَنَحْوِهِ. لِحَدِيثِ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» وَلأِنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَلَكِنْ يُنْدَبُ لِصَاحِبِ الْجِدَارِ تَمْكِينُ جَارِهِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ».
وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْجَارِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِدَارِ جَارِهِ وَيُجْبَرُ مَالِكُهُ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ ذَلِكَ بِشَرْطِ عَدَمِ الإْضْرَارِ بِالْجِدَارِ وَبِشَرْطِ قِيَامِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ تَفْصِيلٌ فِي الشُّرُوطِ وَهِيَ: أَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُ الْجِدَارِ عَنْهُ، وَأَنْ لاَ يَزِيدَ الْجَارُ فِي ارْتِفَاعِ الْجُدْرَانِ، وَأَنْ لاَ يَبْنِيَ عَلَيْهِ سَقْفًا، وَأَنْ تَكُونَ الأْرْضُ لَهُ وَأَنْ لاَ يَمْلِكَ شَيْئًا مِنْ جُدْرَانِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ تَسْقِيفَهَا، أَوْ لاَ يَمْلِكَ إِلاَّ جِدَارًا وَاحِدًا. وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (ارْتِفَاقٌ) (وَحَائِطٌ).
حَائِطٌ
التَّعْرِيفُ
1 - الْحَائِطُ فِي اللُّغَةِ الْجِدَارُ، وَالْبُسْتَانُ، وَجَمْعُهُ حِيطَانٌ وَحَوَائِطُ. وَالْفُقَهَاءُ أَيْضًا يُطْلِقُونَ: «الْحَائِطَ» بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحَائِطِ :
أَوَّلاً - الْحَائِطُ بِمَعْنَى الْجِدَارِ :
2 - الْجِدَارُ قِسْمَانِ: خَاصٌّ وَمُشْتَرَكٌ.
أَمَّا الْجِدَارُ الْخَاصُّ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ (وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَهُمْ) وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْجَارِ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ، وَلاَ يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ لِخَبَرِ «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ». وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ : عليه الصلاة والسلام «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسِهِ».
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ».
وَإِذَا انْهَدَمَ الْجِدَارُ الْخَاصُّ فَإِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ مَالِكُهُ عَلَى بِنَائِهِ، وَيُقَالُ لِلآْخَرِ: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ إِنْ شِئْتَ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فِي بَابِ الصُّلْحِ وَالْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ.
وَأَمَّا الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ فَالْكَلاَمُ فِيهِ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ :
الْمَوْضِعُ الأْوَّلُ: الاِنْتِفَاعُ بِهِ :
3 - يَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يُمْنَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ مِمَّا يُغَيِّرُ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ كَغَرْزِ وَتَدٍ، وَفَتْحِ كَوَّةٍ، أَوْ وَضْعِ خَشَبَةٍ لاَ يَتَحَمَّلُهَا إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ كَسَائِرِ الأْمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَتَصَرُّفٌ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ بِهِ، فَلاَ يَسْتَقِلُّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِالاِنْتِفَاعِ.
وَأَمَّا الاِسْتِنَادُ إِلَيْهِ وَإِسْنَادُ شَيْءٍ إِلَيْهِ لاَ يَضُرُّهُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَيُرْجَعُ لِتَفْصِيلِ ذَلِكَ إِلَى مَوَاطِنِهِ فِي أَبْوَابِ الصُّلْحِ وَالْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ.
الْمَوْضِعُ الثَّانِي: قِسْمَةُ الْجِدَارِ :
4 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ إِذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِلاَ ضَرَرٍ فَأَرَادَ الشُّرَكَاءُ قِسْمَتَهُ جَازَ. وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ الْقِسْمَةَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ وَأَبَاهَا الآْخَرُ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ وَآرَاءٍ يُرْجَعُ لِتَفْصِيلِهَا إِلَى مُصْطَلَحِ: (قِسْمَةٌ).
الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: الْعِمَارَة:
5 - إِذَا تَهَدَّمَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ فَطَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ تَعْمِيرَهُ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُجْبَرُ الشَّرِيكُ الآْخَرُ عَلَى الاِشْتِرَاكِ فِي عِمَارَتِهِ إِذَا تَعَذَّرَ قِسْمَةُ أَسَاسِهِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ يَحْتَمِلُ أَسَاسُهُ الْقِسْمَةَ بِأَنْ كَانَ عَرِيضًا جَازَ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْقَدِيمُ لَدَى الشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لأِنَّ فِي تَرْكِ بِنَائِهِ إِضْرَارًا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ؛ لأِنَّهُ بِنَاءُ حَائِطٍ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ كَالاِبْتِدَاءِ.
التَّلَفُ بِسُقُوطِ الْحَائِطِ :
6 - إِذَا مَالَ الْحَائِطُ إِلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَطُولِبَ صَاحِبُهُ بِنَقْضِهِ وَأُشْهِدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ؛ لأِنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ إِلَى الطَّرِيقِ فَقَدِ اشْتَغَلَ هَوَاءُ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِمِلْكِهِ، وَدَفْعُهُ فِي يَدِهِ، فَإِذَا تُقُدِّمَ إِلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ صَارَ مُتَعَدِّيًا. بِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ مَنْ بَنَى حَائِطًا ثُمَّ مَالَ إِلَى غَيْرِ مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَصًّا كَهَوَاءِ جَارِهِ، أَوْ مُشْتَرَكًا كَالطَّرِيقِ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ وَطُولِبَ بِهِ؛ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ بِذَلِكَ؛ لأِنَّهُ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَقَطَ مِنْ غَيْرِ مَيَلاَنٍ. وَتُنْظَرُ التَّفَاصِيلُ فِي أَبْوَابِ الضَّمَانِ وَالدِّيَاتِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ أَحْكَامِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ.
________________________________________________________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1210) بناء بيت في العرصة
أحد شريكي الحائط ليس له أن يعليه ولا أن يركب عليه بقصر ولا بغيره بدون إذن الآخر سواء كان ما يفعله مضراً بالآخر أو لا، لكن إذا أراد أحدهما بناء بيت في عرصته فله أن يضع رؤوس جذوعه، لكن إن وضع عشر أخشاب ليس له أن يتجاوزها وإن كان على ذلك الحائط ركوب لهما على التساوي وأراد أحدهما أن يزيد في أخشابه فللآخر منعه.
مادة (1211) التغيير في الحائط المشترك
ليس لأحد الشريكين في الحائط المشترك أن يحوَّل محل أخشابه التي على الحائط يميناً أو شمالاً ولا من أسفل إلى أعلى، أما إذا كانت رؤوس أخشابه عالية وأراد تسفيلها فله ذلك.
مادة (1318) حصول وهن للحائط المشترك
إذا حصل للحائط المشترك بين جارين وهن وخيف من سقوطه وأراد أحدهما نقضه وامتنع الآخر فيجبر على النقض والهدم بالاشتراك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 64)
إذا كان لأحد علو ولآخر سفل فلصاحب العلو حق القرار في السفل والسقف ملك لصاحب السفل ولصاحب العلو حق الانتفاع بسطحه انتفاعاً معتاداً ولصاحب السفل حق في العلو يستره من الشمس ويقيه من المطر.
(مادة 65)
إذا كان باب السفل والعلو واحداً فلكل من صاحبيهما استعماله مشتركاً فلا يسوغ لأحدهما أن يمنع الآخر من الانتفاع به دخولاً وخروجاً.
(مادة 66)
إذا هدم صاحب السفل سفله تعديا يجب عليه تجديد بنائه ويجبر على ذلك.
(مادة 67)
إذا أنهدم السفل بلا صنع صاحبه فعليه بناؤه بلا جبر عليه فإن امتنع صاحب السفل من تعميره وعمره صاحب العلو بإذن صاحبه أو بإذن القاضي فله الرجوع على صاحب السفل بما أنفقه على العمارة بالغاً ما بلغ قدره.
وأن عمره بلا إذن صاحبه أو أذن القاضي فليس له الرجوع إلا بقيمة البناء وتقدر القيمة بمعرفة أرباب الخبرة زمن البناء لا زمن الرجوع.
ولصاحب العلو أن يمنع في الحالتين صاحب السفل من سكناه والانتفاع به حتى يوفيه حقه وله أن يؤجر بإذن القاضي ويستخلص حقه من أجرته.
(مادة 68)
لا يجوز لذي العلو أن يبني في علوه بناء جديداً ولا أن يزيد في ارتفاعه بغير إذن صاحب السفل إلا إذا علم أنه لا يضر بالسفل فله ذلك بغير إذن صاحب السفل.
(مادة 70)
إذا كان الحائط مشتركاً بين اثنين فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف فيه بتعلية أو زيادة في البناء عليه بلا إذن الآخر سواء كان تصرفه مضراً بالآخر أم لا.
(مادة 71)
لكل من الشريكين في الحائط أن يضع عليه أخشاباً بقدر ما لشريكه بشرط أن لا يتجاوز كل منهما ما يتحمله الحائط وليس لأحد منهما أن يزيد في أخشابه بدون إذن الآخر كما أنه لا يجوز لأحد منهما أن يحول محل أخشابه التي على الحائط يميناً أو شمالاً ولا من أسفل إلى أعلى ولو من أعلى إلى أسفل جاز وإذا كان لكل منهما عليه أخشاب فلصاحب الأسفل أن يرفع أخشابه بحذاء صاحب الأعلى أن لم يضر بالحائط وكذا لصاحب الأعلى أن يسفل أخشابه أن لم يضر بالحائط.