مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : السادس، الصفحة : 64
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- تعرض هذه النصوص (المواد 1182 - 1186 من المشروع ) للحائط المشترك ولم يورد التقنين الحالي في هذا الموضوع إلا نصوصاً مقتضية (م 38 / 59 - 60 ) أما المشروع فقد أورد نصوصاً كافية لتنظيم هذه المسألة الهامة، استمدها من التقنين / الحالي، واستكملها من الشريعة الإسلامية، ومن تقنينين أجنبيين هما التقنين الفرنسي والمشروع الإيطالي.
2- والأصل أن الحائط الذي يكون وقت إنشائه فاصلاً بين بناءين يعد مشترکاً حتى مفرقهما، ما لم يقم دليل على العكس (م 1185 من المشروع، وهي تقابل م 69 من المشروع الإيطالي وم 653 من التقنين الفرنسي ) ويشترط حتى تقوم هذه القرينة القانونية شرطان : (أ) أن يكون الحائط فاصلاً بين بناءين فلا يكفي أن يكون فاصلاً بين أرضين، أو بين أرض وبناءً، (ب) وأن يكون الحائط قد فصل بين البناءين منذ إنشائه، فإذا لم يوجد وقت إنشاء الحائط إلا بناءً واحداً، ثم قام بعد ذلك بناء آخر ملاصق استتر بالحائط، فأصبح هذا الحائط جزءاً من البناء الأول، فإن القرينة القانونية لا تقوم، ويعتبر في وضعه الجديد فاصلاً بين بناءين ومملوكاً ملكية خالصة لصاحب هذا البناء .
فإذا توافر الشرطان المتقدمان قامت القرينة القانونية على أن الحائط مشترك حتى مفرق البناءين، إلى أن يقوم الدليل على العكس أما الجزء الذي يعلو المفرق فملكيته خالصة لصاحب البناء الأعلى .
3- ويتبين مما تقدم أن الحائط الفاصل بين بناءين قد يكون مشترکاً وقد يكون غير مشترك فإن كان مشترکاً، جاز لكل شريك أن يستعمله بحسب الغرض الذي أعد له، ومن غير أن يحول ذلك دون إستعمال الشريك الآخر له فلكل شريك أن بنائه، دون أن يحمل الحائط في يضع فوق الحائط سهاماً ليسند عليها سقف طاقته، فإذا إحتاج الحائط إلى ترميم أو تجديد، فإن كان ذلك بسبب خطأ من أحد الشريكين كان هو الملزم وحده بالترميم أو التجديد، وإلا اشترك الجاران في النفقات كل بنسبة حصته في الحائط ( مادة 1182 من المشروع، ولا نظير لها في التقنين الحالى، وانظر مادة 71 من مرشد الحيران) أما إذا اقتضى الأمر تعلية الحائط لمصلحة الجارين، اشتركاً معاً في نفقات التعلية كل بنسبة حصته فإذا كانت التعلية تقتضيها مصلحة جدية لأحد الجارين دون الآخر، كان لهذا الجار أن يعلى الحائط على أن لا يلحق بشريكه ضرراً جسمها، وعلى أن يتحمل نفقة التعلية وصيانة الجزء المعلى، وإجراء ما يلزم لتسكين الحائط من أن يتحمل زيادة العبء الناشئة عن التعلية دون أن يفقد الحائط شيئاً من متانته فإذا اقتضت التعلية إعادة بناء الحائط، كانت نفقة ذلك على الجار الذي له مصلحة في التعلية، وما زاد من سمك الحائط يكون في ناحيته بقدر الإمكان، وإلا دفع تعويضاً لشريكه عما زاد في سمك الحائط من ناحية هذا الشريك . ويكون الحائط المجدد مشتركاً في غير الجزء المعلى، ولا يدفع الشريك تعويضة للشريك الذي قام بالتعلية عن الفرق في القيمة ما بين الحائط القديم والحائط الجديد ( مادة 1183 من المشروع، ولا نظير لها في التقنين الحالى، وانظر مادة 70 من مرشد الحيران، ومادة 75 من المشروع الإيطالي، ومادة 659 من التقنين الفرنسي) أما الجزء المعلى سواء على دون تجدید الحائط أو بعد التجديد، فسيبق ملكاً خالصاً للشريك الذي قام بالتعلية لكن إذا أراد الشريك الآخر أن يكون هذا الجزء أيضاً مشتركاً بينهما، جاز ذلك، وعليه أن تقع نصف نفقات التحلية، وقيمة نصف الأرض التي تقوم عليها زيادة السمك، إذا كانت هناك زيادة من ناحية الشريك الذي قام بالتعلية (مادة 1184 من المشروع، ولا نظير لها في التقنين الحالى، وانظر مادة 660 من التقنين الفرنسي ) .
4- إما إذا لم يكن الحائط مشتركاً، بل كانت ملكيته خالصة لأحد الجارين، فليس للجار الآخر أن يجبره على الإشتراك ولو بدفع تعويض على أن له أن يستتر حائط، فلا يجوز لمالكه أن يهدمه دون عذر قوي إذا كان هدمه يضر بالجار المستتر في هذا تطبيق لنظرية التعسف في إستعمال حق الملكية، ورد في التقنين الحالي - (م 38 فقرة 60/2 ) واحتفظ به المشروع (م 1186 فقرة 2) كما إحتفظ المشروع أيضاً من التقنين الحالي بالمادة 38 فقرة 59/1، وهي تقرر أنه لا يجوز للجار أن يجبر جاره على تحويط ملكه، ولا على النزول عن جزء من حائطه أو من الأرض التي عليها الحائط (م 1186 فقرة أولى، وهی توافق م 69 من مرشد الحيران وتخالف المادتين 661 و 663 من التقنين الفرنسي ) .
متى كان الحكم النهائى السابق صدوره فى دعوى التعويض التى رفعها الطاعنون على المطعون عليها الأولى لم يقرر مسئولية هذه الأخيرة إلا عن التلف الذى حدث بمنزلهم و الحائط المشترك فى ذلك الوقت وكان أساس دعوى التعويض اللاحقة التى أقامها الطاعنون على المطعون عليها سالفة الذكر ادعاؤهم تزايد التلف و كان الحكم إذ قضى برفض هذه الدعوى قد أقام قضاءه على ما استخلصه من عدم ثبوت حصول تلف جديد أو شروخ غير التى عوينت من قبل فان النعى عليه أنه فصل فى النزاع على خلاف ما قضى به الحكم السابق استنادا الى أنه نفى مسئولية المطعون عليها الأولى التى قررها الحكم السابق - هذا النعى يكون غير صحيح لأن الدعوى اللاحقة مختلفة فى موضوعها عن الدعوى السابقة .
(الطعن رقم 136 لسنة 19 جلسة 1951/01/18 س 2 ع 2 ص 264 ق 51)
قد يرغب الجاران في تعلية بنائهما فيرتفع الحائط المشترك إلى مسافة التعلية التي يشترك فيها الجارات ويظل على هذه المسافة مشتركاً فيما بينهما، فإن كان الحائط قبل التعلية يحتاج إلى صيانة أو إعادة بناءً قسمت النفقات بينهما وكذلك تقسم الزيادة في سمك الحائط إذا تساوت الإنشاءات الجديدة لكل من الجارين في الإرتفاع، أما أن زادت بالنسبة لأحد الجارين وكان ذلك يتطلب نفقات أكثر وسمك أكبر تحمل هذا الجار قدر الزيادة في النفقات والسمك اللازمين للتعلية التي تجاوز تعلية جاره .
فإذا اقتصرت التعلية على أحد الجارين، وكان الحائط المشترك يتحملها فللجار القيام بها على أن يتحمل كافة تكاليف تعلية الحائط المشترك، فإن كان الحائط يحتاج لبعض التقوية تعين على من يرغب في التعلية القيام بما يلزم من تقوية الحائط على نفقته وحله، ومتى تمت التعلية أصيح الجزء الأعلى من الحائط ملكاً خالصاً له وعليه وحده مصاريف صيانته، فاذا كان الحائط المشترك لا يتحمل البناء فوقه تعين على الجار هدمه واعادة بنائه على نفقته دون الرجوع بشيء على جاره على أن تكون الزيادة في السمك داخلة في ملكه فإن بغي علي أرض جاره بجزء من السمك يلتزم بتعويضه عنه ويظل الحائط مشتركاً وبشرط ألا يترتب لجاره ضرر جسيم، فإن كان بناءً الجار يرتكز على هذا الحائط مما يؤدي إلى تهدم البناء إذا هم الحائط فهذا ضرر جسيم يحول دون هدم الحائط ولا يكون أمام الجار الذي يرغب في التعلية إلا إقامة حائط جديد في ملكه تاركاً الحائط القديم.
أما إذا كان يمكن هدم الحائط دون الإضرار بالجار ضرراً جسيماً، وذلك بعمل روافع هندسية يرتكز عليها بناء الجار حتى يعاد بناء الحائط على نحو ما كان عليه، جاز للجار هدمه وإعادة بنائه على مسئوليته. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 285)
تنص المادة 815 مدني على ما يأتي :
1- للمالك إذا كانت له مصلحة جدية فى تعلية الحائط المشترك أن يعليه، بشرط ألا يلحق بشريكه ضرراً بليغاً وعليه وحده أن ينفق على التعلية وصيانة الجزء المعلى، وعمل ما يلزم لجعل الحائط يتحمل زيادة العبء الناشئ من التعلية دون أن يفقد شيئاً من متانته ".
2- فإذا لم يكن الحائط المشترك صالحاً لتحمل التعلية، فعلى من يرغب فيها من الشركاء أن يعيد بناءً الحائط كله على نفقته، بحيث يقع ما زاد من سمكه في ناحيته هو بقدر الاستطاعة ويظل الحائط المجدد في غير الجزء المعلى مشتركاً، دون أن يكون للجار الذى أحدث التعلية حق في التعويض ".
ويؤخذ من هذا النص أن هناك فرضين فى تعلية الحائط المشترك : فإما أن يعليه الشريك دون أن يعيد بناءه، أو يعيد بناءه حتى يتمكن من تعليته وفى الفرضين يبقى الحائط مشتركاً فى غير الجزء المعلى، أما الجزء المعلى فيكون ملكاً خالصاً للشريك الذى قام بتعلية الحائط .
تعلية الحائط دون إعادة بنائه : قد يقتضى الأمر تعلية الحائط المشترك لمصلحة الشريكين معاً، وعند ذلك تكون نفقة التعلية عليهما، ويبقى الحائط - ويدخل فى ذلك الجزء المعلى - مشتركاً على ما كان .
أما إذا اقتضت التعلية مصلحة جدية لأحد الشريكين دون الآخر، كأن كان الشريك الذي تقتضي مصلحته التعلية يريد أن يبنى طابقاً جديداً فوق طبقات بنائه الموجودة فعلاً، وكانت التعلية ممكنة دون حاجة إلى إعادة بناءً الحائط، جاز لهذا الشريك أن يقوم بتعلية الحائط بشرط ألا تضر التعلية بالشريك الآخر ضرراً جسيماً، وعلى الشريك الذى يقوم بالتعلية أن يتحمل وحده نفقتها، وأن يقوم بالأعمال اللازمة لجعل الحائط يتحمل زيادة العبء الناشئ عن التعلية دون أن يفقد شيئاً من متانته وبعد أن تتم التعلية، يكون عليه وحده نفقات صيانة الجزء المعلى لأن هذا الجزء يكون ملكاً خالصاً له، بخلاف الجزء الأسفل فإنه يبقى مشتركاً بين الجارين ويتحملان معاً نفقات صيانته .
تعلية الحائط عن طريق إعادة بنائه :
فإذا لم تكن التعلية ممكنة دون إعادة بناء الحائط، فللجار الذي له مصلحة جدية فى التعلية أن يهدم الحائط ويعيد بناءه معلى – ويشترط هنا أيضاً، قياساً على ما اشترط فى الفرض الأول، ألا يلحق هدم الحائط وإعادة بنائه ضرراً جسيماً بالجار الآخر فإذا كان بناء الجار الآخر معتمداً على الحائط، ولا يمكن هدم الحائط دون هدم بناء الجار أو هدم جزء كبير منه، فإن هذا يعتبر ضرراً جسيماً يلحق الجار، ويمنع من يريد التعلية من القيام بها وعليه فى هذه الحالة أن يترك الحائط المشترك على حاله ويبنى حائطاً آخر إلى جانبه عند الإقتضاء، ويكون هذا الحائط الآخر ملكاً خالصاً له.
أما إذا كانت إعادة بناءً الحائط معلى لا تلحق ضرراً جسيماً بالجار، كان لمن يريد التعلية أن يهدم الحائط ويعيد بناءه، ويكون الهدم وإعادة البناء على نفقته وإذا اقتضى الأمر زيادة سمك الحائط بسبب تعليته، فعليه أن يجعل ما زاد من سمك الحائط فى ناحيته هو بقدر الاستطاعة، وإلا فعليه أن يدفع لجاره تعويضاً عما زاد فى سمك الحائط من ناحية هذا الجار .
وبعد إعادة بناءً الحائط، يظل الحائط المجدد فى غير الجزء المعلى حائطاً مشتركاً بين الجارين، ولا يرجع من أعاد بناءً الحائط على جاره بأى تعويض، كأن يطالبه بالفرق فى القيمة ما بين الحائط الجديد والحائط القديم أما الجزء المعلى من الحائط الجديد فيكون ملكاً خالصاً لمن قام بالتعليه، وعليه وحده نفقة صيانته، ولا يجوز لجاره أن يستعمل هذا الجزء المعلى، إلا إذا استعمل حقه فى أن يكون شريكا فيه على الوجه الذي سنبينه فيما يلي، أو كسب الإشتراك فيه بطريق التقادم بأن استعمله مدة خمس عشرة سنة دون أن يكون ذلك محمولاً على مظنة التسامح من جاره.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثامن، الصفحة : 1320)
للمالك أن يستعمل الحائط المشترك بحسب الغرض الذى أعد له وقد تقتضى الإفادة من الحائط تعليته حتى يستر سطح البناء أو الطبقات الجديدة التي يراد إنشاؤها فإذا اتفق الشريكان على التعلية تحمل كل منهما نصيبه في نفقاتها بحسب حصته في الحائط المشترك حالة وجود مصلحة لأحد المالكين في التعلية إذا لم يتفق الشريكان على تعلية الحائط المشترك وكان لأحدهما مصلحة جدية في التعلية، جاز لهذا الشريك أن يستقل بالقيام بالتعلية، بشرط ألا يلحق بشريكه ضرراً جسيماً وعليه أن يتحمل نفقة التعلية وصيانة الحائط حتى تتم التعلية، ثم صيانة الجزء المعلى، وإجراء ما يلزم لتمكين الحائط من أن يتحمل زيادة العبء الناشئ عن التعلية دون أن يفقد الحائط شيئاًَ من متانته.
ويظل الجار الآخر ملزماً بالإشتراك في نفقة صيانة الجزء الأسفل كلما اقتضى الحال ذلك، حتى ولو كانت الصيانة لازمة بسبب زيادة العبء.
وإذا اقتضت التعلية إعادة بناءً الحائط، كانت نفقة ذلك على الجار الذي له مصلحة في التعلية، وما زاد من سمك الحائط يكون في ناحيته بقدر الإمكان، وإلا نفع لشريكه تعويضاً عما زاد في سمك الحائط من ناحية هذا الشريك.
ويكون الحائط المجدد مشتركاً في غير الجزء المعلى، ولا يدفع الشريك تعويضاً للشريك الذي قام بالتعلية عن الفرق في القيمة ما بين الحائط القديم والحائط الجديد إذا كانت تعلية الحائط المشترك غير ممكنة دون هدم الحائط وإعادة بنائه، كان للجار الذي له مصلحة جدية في ذلك القيام بهدم الجار وإعادة بنائه على نفقته، بشرط ألا يلحق بالجار ضرراً جسيماً كأن يكون بناء الجار الآخر معتمداً على الحائط، ولا يمكن هدم الحائط دون هدم بناءً الجار أو هدم جزء كبير منه أو تصدعه، فإن هذا يعتبر ضرراً جسيماً يلحق الجار، ويمنع من يريد التعلية من القيام بها وعليه في هذه الحالة أن يترك الحائط المشترك على حاله ويبني حائطاً آخر إلى جانبه عند الإقتضاء، ويكون هذا الحائط الآخر ملكاً خالصا له.
أما إذا كانت إعادة البناء لا تلحق ضرراً جسيماً بالبناء، كان للجار هدم الحائط وإعادة بنائه على نفقته وما زاد من سمك الحائط يكون من ناحيته بقدر الإمكان، وإلا دفع تعويضاً لشريكه عما زاد في سمك الحائط من ناحية هذا الشريك.
ويكون الحائط الجديد مشتركاً بين الجارين في غير الجزء المعلى الذي يكون مملوكاً لمن أقامه ويتحمل وحده نفقات صيانته ولا يجوز لمحدث التعلية الحق في مطالبة جاره بتعويض ما كالفرق في القيمة بين الحائط القديم والحائط الجديد لأنه وإن كان سيستفيد من تجديد الحائط، إلا أنه لا يجبر على الإشتراك في نفقات التجديد، لكونها نجمت بسبب حاجة الشريك الآخر إلى التعلية، ولم تستلزمها حالة الحائط.
كما أن محدث التعلية سيراعي في بناء الحائط الجديد، ما يلزم لتحمله عبء التعلية.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 343)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 292
التَّعَلِّي فِي اللُّغَةِ لَهُ مَعَانٍ، مِنْهَا: أَنَّهُ مِنَ الْعُلُوِّ، وَهُوَ: الاِرْتِفَاعُ وَعُلُوُّ كُلِّ شَيْءٍ وَعُلْوُهُ وَعِلْوُهُ: أَرْفَعُهُ. وَعَلاَ الشَّيْءُ عُلُوًّا فَهُوَ عَلِيٌّ: ارْتَفَعَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : فَإِذَا هُوَ يَتَعَلَّى عَنِّي: أَيْ يَتَرَفَّعُ عَلَيَّ. وَتَعَالَى: تَرَفَّعَ. وَتَعَلَّى: أَيْ عَلاَ فِي مُهْلَةٍ .
وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ لاَ يَخْرُجُ عَنْ هَذَا، إِذْ يُرَادُ بِهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: رَفْعُ بِنَاءٍ فَوْقَ بِنَاءٍ آخَرَ.
أَحْكَامُ حَقِّ التَّعَلِّي :
2 - حَقُّ التَّعَلِّي: إِمَّا أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ، وَإِمَّا يَبِيعُهُ لِغَيْرِهِ.
أَمَّا اسْتِعْمَالُهُ لِنَفْسِهِ: فَقَدْ نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1198) مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّ: كُلَّ أَحَدٍ لَهُ التَّعَلِّي عَلَى حَائِطِهِ الْمِلْكِ، وَبِنَاءُ مَا يُرِيدُ، وَلَيْسَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا فَاحِشًا.
وَقَالَ الأْتَاسِيُّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ: وَلاَ عِبْرَةَ بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَسُدُّ عَنْهُ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ، كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ. وَفِي الأْنْقِرَوِيَّةِ: لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى حَائِطِ نَفْسِهِ أَزْيَدَ مِمَّا كَانَ، وَلَيْسَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ وَإِنْ بَلَغَ عَنَانَ السَّمَاءِ .
وَأَمَّا بَيْعُهُ لِغَيْرِهِ فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ): إِلَى جَوَازِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:
أَجَازَهُ الْمَالِكِيَّةُ مَتَى كَانَ الْمَبِيعُ قَدْرًا مُعَيَّنًا، كَعَشْرَةِ أَذْرُعٍ مَثَلاً مِنْ مَحَلِّ هَوَاءٍ، فَوْقَ مَحَلٍّ مُتَّصِلٍ بِأَرْضٍ أَوْ بِنَاءٍ، بِأَنْ كَانَ لِشَخْصٍ أَرْضٌ خَالِيَةٌ مِنَ الْبِنَاءِ أَرَادَ الْبِنَاءَ بِهَا، أَوْ كَانَ لَهُ بِنَاءٌ أَرَادَ الْبِنَاءَ عَلَيْهِ، فَيَشْتَرِي شَخْصٌ مِنْهُ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنَ الْفَرَاغِ الَّذِي يَكُونُ فَوْقَ الْبِنَاءِ الَّذِي أَرَادَ إِحْدَاثَهُ، فَيَجُوزُ مَتَى وَصَفَ الْبِنَاءَ الَّذِي أُرِيدَ إِحْدَاثُهُ أَسْفَل وَأَعْلَى، لِيَقِلَّ الضَّرَرُ؛ لأِنَّ صَاحِبَ الأْسْفَلِ رَغْبَتُهُ فِي خِفَّةِ الأْعْلَى، وَصَاحِبُ الأْعْلَى رَغْبَتُهُ فِي مَتَانَةِ الأْسْفَلِ، وَلِصَاحِبِ الْبِنَاءِ الأْعْلَى الاِنْتِفَاعُ بِمَا فَوْقَ بِنَائِهِ بِغَيْرِ الْبِنَاءِ، إِذْ يَمْلِكُ جَمِيعَ الْهَوَاءِ الَّذِي فَوْقَ بِنَاءِ الأْسْفَلِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الأْسْفَلِ الاِنْتِفَاعُ بِمَا فَوْقَ بِنَاءِ الأْعْلَى، لاَ بِالْبِنَاءِ وَلاَ بِغَيْرِهِ.
وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيَّةُ، مَتَى كَانَ الْمَبِيعُ حَقَّ الْبِنَاءِ أَوِ الْعُلْوِ: بِأَنْ قَالَ لَهُ: بِعْتُكَ حَقَّ الْبِنَاءِ أَوِ الْعُلْوِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا بَاعَهُ وَشَرَطَ أَنْ لاَ يَبْنِيَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ. لَكِنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا عَدَا الْبِنَاءَ مِنْ مُكْثٍ وَغَيْرِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ، تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ.
وَأَجَازَهُ الْحَنَابِلَةُ، وَلَوْ قَبْلَ بِنَاءِ الْبَيْتِ الَّذِي اشْتَرَى عُلْوَهُ، إِذَا وَصَفَ الْعُلْوَ وَالسُّفْلَ لِيَكُونَا مَعْلُومَيْنِ، لِيَبْنِيَ الْمُشْتَرِي أَوْ يَضَعُ عَلَيْهِ بُنْيَانًا أَوْ خَشَبًا مَوْصُوفَيْنِ، وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ لأِنَّ الْعُلْوَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، فَكَانَ لَهُ بَيْعُهُ، وَالاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، كَالْقَرَارِ .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ بَيْعَ حَقِّ التَّعَلِّي غَيْرُ جَائِزٍ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلاَ هُوَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ، بَلْ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ (أَيِ الْفَرَاغِ) وَلَيْسَ الْهَوَاءُ مَا لاَ يُبَاعُ، إِذِ الْمَالُ مَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ وَإِحْرَازُهُ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَكُونَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ، وَعُلْوُهُ لآِخَرَ، فَسَقَطَا أَوْ سَقَطَ الْعُلْوُ وَحْدَهُ فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلْوِ عُلْوَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ لَيْسَ إِلاَّ حَقُّ التَّعَلِّي.
وَعَلَى هَذَا: فَلَوْ بَاعَ الْعُلْوَ قَبْلَ سُقُوطِهِ جَازَ، فَإِنْ سَقَطَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ، لِهَلاَكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ بَعْدَ سُقُوطِهِ بَيْعٌ لِحَقِّ التَّعَلِّي، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ. فَلَوْ كَانَ الْعُلْوُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فَقَالَ: بِعْتُك عُلْوَ هَذَا السُّفْلِ بِكَذَا صَحَّ، وَيَكُونُ سَطْحُ السُّفْلِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ، وَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْقَرَارِ، حَتَّى لَوِ انْهَدَمَ الْعُلْوُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ عُلْوًا آخَرَ، مِثْلُ الأْوَّلِ؛ لأِنَّ السُّفْلَ اسْمٌ لِمَبْنًى مُسَقَّفٍ، فَكَانَ سَطْحُ السُّفْلِ سَقْفًا لِلسُّفْلِ .
أَحْكَامُ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ فِي الاِنْهِدَامِ وَالْبِنَاءِ :
3 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ السُّفْلَ إِنِ انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ بِلاَ صُنْعِ صَاحِبِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبِنَاءِ، لِعَدَمِ التَّعَدِّي، فَلَوْ هَدَمَهُ يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ؛ لأِنَّهُ تَعَدَّى عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ، وَهُوَ قَرَارُ الْعُلْوِ، وَلِذِي الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ السُّفْلَ ثُمَّ يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ إِنْ بَنَى بِإِذْنِهِ أَوْ إِذْنِ قَاضٍ، وَإِلاَّ فَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ يَوْمَ بَنَى.
وَمَتَى بَنَى صَاحِبُ الْعُلْوِ السُّفْلَ: كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَ السُّفْلِ مِنَ السُّكْنَى، حَتَّى يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِثْلَ مَا أَنْفَقَهُ فِي بِنَاءِ سُفْلِهِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا.
فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقٌّ فِي مِلْكِ الآْخَرِ: لِذِي الْعُلْوِ حَقُّ قَرَارِهِ، وَلِذِي السُّفْلِ حَقُّ دَفْعِ الْمَطَرِ وَالشَّمْسِ عَنِ السُّفْلِ، وَلَوْ هَدَمَ ذُو السُّفْلِ سُفْلَهُ وَذُو الْعُلْوِ عُلْوَهُ، أُلْزِمَ ذُو السُّفْلِ بِبِنَاءِ سُفْلِهِ، إِذْ فَوَّتَ عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ حَقًّا أُلْحِقَ بِالْمِلْكِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ فَوَّتَ عَلَيْهِ مِلْكًا.
فَإِذَا بَنَى ذُو السُّفْلِ سُفْلَهُ وَطَلَب مِنْ ذِي الْعُلْوِ بِنَاءَ عُلْوِهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ؛ لأِنَّ لِذِي السُّفْلِ حَقًّا فِي الْعُلْوِ، وَأَمَّا لَوِ انْهَدَمَ الْعُلْوُ بِلاَ صُنْعِهِ فَلاَ يُجْبَرُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، كَمَا لَوِ انْهَدَمَ السُّفْلُ بِلاَ تَعَدٍّ، وَسَقْفُ السُّفْلِ لِذِي السُّفْلِ .
4 - وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ السُّفْلَ إِنْ وَهَى وَأَشْرَفَ عَلَى السُّقُوطِ وَخِيفَ سُقُوطُ بِنَاءٍ عَلَيْهِ لآِخَرَ غَيْرِ صَاحِبِ السُّفْلِ - فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يُعَمِّرَ سُفْلَهُ فَإِنْ أَبَى قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَيْعِهِ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ، فَإِنْ سَقَطَ الأْعْلَى عَلَى الأْسْفَلِ فَهَدَمَهُ أُجْبِرَ رَبُّ الأْسْفَلِ عَلَى الْبِنَاءِ، أَوِ الْبَيْعِ مِمَّنْ يَبْنِي، لِيَبْنِيَ رَبُّ الْعُلْوِ عُلْوَهُ عَلَيْهِ. وَعَلَى ذِي السُّفْلِ التَّعْلِيقُ لِلأْعْلَى - أَيْ حَمْلُهُ عَلَى خَشَبٍ وَنَحْوِهِ - حَتَّى يَبْنِيَ السُّفْلَ، وَعَلَيْهِ السَّقْفُ السَّاتِرُ لِسُفْلِهِ، إِذْ لاَ يُسَمَّى السُّفْلُ بَيْتًا إِلاَّ بِهِ، وَلِذَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ عِنْدَ التَّنَازُعِ. وَأَمَّا الْبَلاَطُ الَّذِي فَوْقَهُ: فَهُوَ لِصَاحِبِ الأْعْلَى.
وَيُقْضَى عَلَى ذِي الْعُلْوِ بِعَدَمِ زِيَادَةِ بِنَاءِ الْعُلْوِ عَلَى السُّفْلِ؛ لأِنَّ هَا تَضُرُّ السُّفْلَ، إِلاَّ الشَّيْءَ الْخَفِيفَ الَّذِي لاَ يَضُرُّ السُّفْلَ حَالاً وَمَآلاً، وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لأِهْلِ الْمَعْرِفَةِ .
5 - وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّهُ لَوِ انْهَدَمَ حِيطَانُ السُّفْلِ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُجْبِرَ صَاحِبَ الْعُلْوِ عَلَى الْبِنَاءِ قَوْلاً وَاحِدًا؛ لأِنَّ حِيطَانَ السُّفْلِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ، فَلاَ يُجْبَرُ صَاحِبُ الْعُلْوِ عَلَى بِنَائِهِ.
وَهَلْ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ إِجْبَارُ صَاحِبِ السُّفْلِ عَلَى الْبِنَاءِ؟ فِيهِ قَوْلاَنِ، فَإِنْ قِيلَ: يُجْبَرُ، أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ - وَلَهُ مَالٌ - بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَالَهُ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ. فَإِذَا بَنَى الْحَائِطَ كَانَ الْحَائِطُ مِلْكًا لِصَاحِبِ السُّفْلِ؛ لأِنَّهُ بُنِيَ لَهُ، وَتَكُونُ النَّفَقَةُ فِي ذِمَّتِهِ، وَيُعِيدُ صَاحِبُ الْعُلْوِ غُرْفَتَهُ عَلَيْهِ، وَتَكُونُ نَفَقَةُ الْغُرْفَةِ وَحِيطَانُهَا مِنْ مِلْكِ صَاحِبِ الْعُلْوِ دُونَ صَاحِبِ السُّفْلِ؛ لأِنَّ هَا مِلْكُهُ، لاَ حَقَّ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فِيهِ.
وَأَمَّا السَّقْفُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَمَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ مَالِهِمَا، فَإِنْ تَبَرَّعَ صَاحِبُ الْعُلْوِ، وَبَنَى مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ، لَمْ يَرْجِعْ صَاحِبُ الْعُلْوِ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ بِشَيْءٍ. ثُمَّ يُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ بَنَاهَا بِآلَتِهَا كَانَتِ الْحِيطَانُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ، لأِنَّ الآْلَةَ كُلَّهَا لَهُ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ مَنْعُهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهَا، وَلاَ يَمْلِكُ نَقْضُهَا؛ لأِنَّ هَا لِصَاحِبِ السُّفْلِ، وَلَهُ أَنْ يُعِيدَ حَقَّهُ مِنَ الْغُرْفَةِ. وَإِنْ بَنَاهَا بِغَيْرِ آلَتِهَا كَانَتِ الْحِيطَانُ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا مِنْ غَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِ الْعُلْوِ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ فِي قَرَارِ السُّفْلِ؛ لأِنَّ الْقَرَارَ لَهُ، وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَنْقُضَ مَا بَنَاهُ مِنَ الْحِيطَانِ؛ لأِنَّهُ لاَ حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهَا، فَإِنْ بَذَلَ صَاحِبُ السُّفْلِ الْقِيمَةَ لِيَتْرُكَ نَقْضَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا؛ لأِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ بِنَاؤُهَا قَوْلاً وَاحِدًا، فَلاَ يَلْزَمُهُ تَبْقِيَتُهَا بِبَذْلِ الْعِوَضِ .
6 - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَالْعُلْوُ لآِخَرَ، فَانْهَدَمَ السَّقْفُ الَّذِي بَيْنَهُمَا، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْمُبَانَاةَ مِنَ الآْخَرِ، فَامْتَنَعَ، فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. كَالْحَائِطِ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ.
وَإِنِ انْهَدَمَتْ حِيطَانُ السُّفْلِ فَطَالَبَهُ صَاحِبُ الْعُلْوِ بِإِعَادَتِهَا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: يُجْبَرُ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ وَحْدَهُ؛ لأِنَّهُ مِلْكُهُ خَاصَّةً.
وَالثَّانِيَةُ: لاَ يُجْبَرُ، وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ بِنَاءَهُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، فَإِنْ بَنَاهُ بِآلَتِهِ فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ، وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُ السُّفْلِ، يَعْنِي حَتَّى يُؤَدِّيَ الْقِيمَةَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يَسْكُنَ، لأِنَّ الْبَيْتَ إِنَّمَا يُبْنَى لِلسَّكَنِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ كَغَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الاِنْتِفَاعَ بِالْحِيطَانِ خَاصَّةً مِنْ طَرْحِ الْخَشَبِ وَسَمْرِ الْوَتَدِ وَفَتْحِ الطَّاقِ، وَيَكُونُ لَهُ السُّكْنَى مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ؛ لأِنَّ السُّكْنَى إِنَّمَا هِيَ إِقَامَتُهُ فِي الْفِنَاءِ بَيْنَ الْحِيطَانِ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ فِيهَا، فَأَشْبَهَ الاِسْتِظْلاَلَ بِهَا مِنْ خَارِجٍ.
فَأَمَّا إِنْ طَالَبَ صَاحِبُ السُّفْلِ بِالْبِنَاءِ، وَأَبَى صَاحِبُ الْعُلْوِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لاَ يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ، وَلاَ مُسَاعَدَتِهِ لأِنَّ الْحَائِطَ مِلْكُ صَاحِبِ السُّفْلِ مُخْتَصٌّ بِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ غَيْرُهُ عَلَى بِنَائِهِ وَلاَ الْمُسَاعَدَةِ فِيهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عُلْوٌ.
وَالثَّانِيَةُ: يُجْبَرُ عَلَى مُسَاعَدَتِهِ وَالْبِنَاءِ مَعَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ؛ لأِنَّهُ حَائِطٌ يَشْتَرِكَانِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِهِ، أَشْبَهَ الْحَائِطَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 216
جِوَارٌ
التَّعْرِيف:
1 - الْجِوَارُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - مَصْدَرُ جَاوَرَ، يُقَالُ: جَاوَرَ جِوَارًا وَمُجَاوَرَةً أَيْضًا. وَمِنْ مَعَانِي الْجِوَارِ الْمُسَاكَنَةُ وَالْمُلاَصَقَةُ، وَالاِعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْعَهْدُ وَالأْمَانُ.
وَمِنَ الْجِوَارِ الْجَارُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: الْمُجَاوِرُ فِي الْمَسْكَنِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْعَقَارِ أَوِ التِّجَارَةِ، وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَالْحَلِيفُ، وَالنَّاصِرُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ قَارَبَ بَدَنُهُ بَدَنَ صَاحِبِهِ قِيلَ لَهُ: جَارٌ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْجَارُ: مَنْ يَقْرُبُ مَسْكَنُهُ مِنْكَ، وَهُوَ مِنَ الأْسْمَاءِ الْمُتَضَايِفَةِ؛ فَإِنَّ الْجَارَ لاَ يَكُونُ جَارًا لِغَيْرِهِ إِلاَّ وَذَلِكَ الْغَيْرُ جَارٌ لَهُ، كَالأْخِ وَالصَّدِيقِ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ: وَهُوَ الْمُلاَصَقَةُ فِي السَّكَنِ أَوْ نَحْوِهِ كَالْبُسْتَانِ وَالْحَانُوتِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْجِوَارِ :
أ - حَدُّ الْجِوَارِ :
2 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ أَوِ الْمُقَابِلُ لَهُ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ ضَيِّقٌ لاَ يَفْصِلُهُمَا فَاصِلٌ كَبِيرٌ كَسُوقٍ أَوْ نَهْرٍ مُتَّسِعٍ، أَوْ مَنْ يَجْمَعُهُمَا مَسْجِدٌ أَوْ مَسْجِدَانِ لَطِيفَانِ مُتَقَارِبَانِ، إِلاَّ إِذَا دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْحَدِّ.
وَحَمَلُوا حَدِيثَ: «أَلاَ إِنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ» عَلَى التَّكْرِمَةِ وَالاِحْتِرَامِ، كَكَفِّ الأْذَى، وَدَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْبِشْرِ فِي الْوَجْهِ وَالإْهْدَاءِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ فَقَطْ؛ لأِنَّ الْجَارَ مِنَ الْمُجَاوَرَةِ، وَهِيَ الْمُلاَصَقَةُ حَقِيقَةً. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ هُوَ الْقِيَاسُ.
وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ (أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَجْمَعُهُمُ الْمَسْجِدُ؛ لأِنَّ هُمْ يُسَمَّوْنَ جِيرَانًا عُرْفًا وَشَرْعًا، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ» وَجَاءَ تَفْسِيرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مَوْقُوفًا بِمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِرَّ الْجِيرَانِ فَاسْتِحْبَابُهُ شَامِلٌ لِلْمُلاَصِقِ وَغَيْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الاِخْتِلاَطِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْمُجَاوَرَةِ كَانَ لاَ بُدَّ مِنِ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ لِتَحَقُّقِ الاِخْتِلاَطِ.
ب - حُقُوقُ الْجِوَارِ :
3 - جَاءَتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ تَحُضُّ عَلَى احْتِرَامِ الْجِوَارِ، وَرِعَايَةِ حَقِّ الْجَارِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).
فَالْجَارُ ذُو الْقُرْبَى، هُوَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ. وَالْجَارُ الْجُنُبُ: هُوَ الَّذِي لاَ قَرَابَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. أَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
وَقَوْلُهُ صلوات الله عليه وسلم : «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَأْكِيدُ حَقِّ الْجَارِ لِقَسَمِهِ صلي الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، وَتَكْرِيرِهِ الْيَمِينَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَفِيهِ نَفْيُ الإْيمَانِ عَمَّنْ يُؤْذِي جَارَهُ بِالْقَوْلِ، أَوْ بِالْفِعْلِ، وَمُرَادُهُ الإْيمَانُ الْكَامِلُ. وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْعَاصِيَ غَيْرُ كَامِلِ الإْيمَانِ.
وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ». وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» هَذَا وَاسْمُ (الْجَارِ) جَاءَ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ، وَغَيْرَ الْمُسْلِمِ، وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ، وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ، وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ، وَالْقَرِيبَ وَالأْجْنَبِيَّ، وَالأْقْرَبَ دَارًا وَالأْبْعَدَ، وَلَهُ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ.
قَالَ أَحْمَدُ: الْجِيرَانُ ثَلاَثَةٌ: جَارٌ لَهُ حَقٌّ، وَهُوَ الذِّمِّيُّ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ. وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَحَقُّ الإْسْلاَمِ. وَجَارٌ لَهُ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الإْسْلاَمِ وَحَقُّ الْقَرَابَةِ.
وَأَوْلَى الْجِوَارِ بِالرِّعَايَةِ مَنْ كَانَ أَقْرَبَهُمْ بَابًا. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ حِينَ قَالَ: بَابٌ: حَقُّ الْجِوَارِ فِي قُرْبِ الأْبْوَابِ. وَأَدْرَجَ تَحْتَهُ حَدِيثَ «عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا».
وَمِنْ حُقُوقِ الْجِوَارِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ حَقُّ الْجِوَارِ كَفَّ الأْذَى فَقَطْ، بَلِ احْتِمَالُ الأْذَى، فَإِنَّ الْجَارَ أَيْضًا قَدْ كَفَّ أَذَاهُ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قَضَاءُ حَقٍّ وَلاَ يَكْفِي احْتِمَالُ الأْذَى، بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ الرِّفْقِ، وَإِسْدَاءِ الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ.. وَمِنْهَا: أَنْ يَبْدَأَ جَارَهُ بِالسَّلاَمِ، وَيَعُودَهُ فِي الْمَرَضِ، وَيُعَزِّيَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَيُهَنِّئَهُ عِنْدَ الْفَرَحِ، وَيُشَارِكَهُ السُّرُورَ بِالنِّعْمَةِ، وَيَتَجَاوَزَ عَنْ زَلاَّتِهِ، وَيَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَارِمِهِ، وَيَحْفَظَ عَلَيْهِ دَارَهُ إِنْ غَابَ، وَيَتَلَطَّفَ بِوَلَدِهِ، وَيُرْشِدَهُ إِلَى مَا يَجْهَلُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.. هَذَا إِلَى جُمْلَةِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ الْمُجَاوَرَةَ تُوجِبُ لِكُلٍّ مِنَ الْحَقِّ مَا لاَ يَجِبُ لأِجْنَبِيٍّ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا لاَ يَحْرُمُ عَلَى الأْجْنَبِيِّ. فَيُبِيحُ الْجِوَارُ الاِنْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْجَارِ الْخَالِي مِنْ ضَرَرِ الْجَارِ، وَيَحْرُمُ الاِنْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْجَارِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِضْرَارٌ.
حَائِطٌ
التَّعْرِيفُ
1 - الْحَائِطُ فِي اللُّغَةِ الْجِدَارُ، وَالْبُسْتَانُ، وَجَمْعُهُ حِيطَانٌ وَحَوَائِطُ. وَالْفُقَهَاءُ أَيْضًا يُطْلِقُونَ: «الْحَائِطَ» بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحَائِطِ :
أَوَّلاً - الْحَائِطُ بِمَعْنَى الْجِدَارِ :
2 - الْجِدَارُ قِسْمَانِ: خَاصٌّ وَمُشْتَرَكٌ.
أَمَّا الْجِدَارُ الْخَاصُّ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ (وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَهُمْ) وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْجَارِ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ، وَلاَ يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ لِخَبَرِ «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ». وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ : عليه الصلاة والسلام «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسِهِ».
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ».
وَإِذَا انْهَدَمَ الْجِدَارُ الْخَاصُّ فَإِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ مَالِكُهُ عَلَى بِنَائِهِ، وَيُقَالُ لِلآْخَرِ: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ إِنْ شِئْتَ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فِي بَابِ الصُّلْحِ وَالْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ.
وَأَمَّا الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ فَالْكَلاَمُ فِيهِ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ :
الْمَوْضِعُ الأْوَّلُ: الاِنْتِفَاعُ بِهِ :
3 - يَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يُمْنَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ مِمَّا يُغَيِّرُ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ كَغَرْزِ وَتَدٍ، وَفَتْحِ كَوَّةٍ، أَوْ وَضْعِ خَشَبَةٍ لاَ يَتَحَمَّلُهَا إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ كَسَائِرِ الأْمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَتَصَرُّفٌ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ بِهِ، فَلاَ يَسْتَقِلُّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِالاِنْتِفَاعِ.
وَأَمَّا الاِسْتِنَادُ إِلَيْهِ وَإِسْنَادُ شَيْءٍ إِلَيْهِ لاَ يَضُرُّهُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَيُرْجَعُ لِتَفْصِيلِ ذَلِكَ إِلَى مَوَاطِنِهِ فِي أَبْوَابِ الصُّلْحِ وَالْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ.
الْمَوْضِعُ الثَّانِي: قِسْمَةُ الْجِدَارِ :
4 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ إِذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِلاَ ضَرَرٍ فَأَرَادَ الشُّرَكَاءُ قِسْمَتَهُ جَازَ. وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ الْقِسْمَةَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ وَأَبَاهَا الآْخَرُ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ وَآرَاءٍ يُرْجَعُ لِتَفْصِيلِهَا إِلَى مُصْطَلَحِ: (قِسْمَةٌ).
الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: الْعِمَارَة:
5 - إِذَا تَهَدَّمَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ فَطَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ تَعْمِيرَهُ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُجْبَرُ الشَّرِيكُ الآْخَرُ عَلَى الاِشْتِرَاكِ فِي عِمَارَتِهِ إِذَا تَعَذَّرَ قِسْمَةُ أَسَاسِهِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ يَحْتَمِلُ أَسَاسُهُ الْقِسْمَةَ بِأَنْ كَانَ عَرِيضًا جَازَ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْقَدِيمُ لَدَى الشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لأِنَّ فِي تَرْكِ بِنَائِهِ إِضْرَارًا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ؛ لأِنَّهُ بِنَاءُ حَائِطٍ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ كَالاِبْتِدَاءِ.
التَّلَفُ بِسُقُوطِ الْحَائِطِ :
6 - إِذَا مَالَ الْحَائِطُ إِلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَطُولِبَ صَاحِبُهُ بِنَقْضِهِ وَأُشْهِدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ؛ لأِنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ إِلَى الطَّرِيقِ فَقَدِ اشْتَغَلَ هَوَاءُ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِمِلْكِهِ، وَدَفْعُهُ فِي يَدِهِ، فَإِذَا تُقُدِّمَ إِلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ صَارَ مُتَعَدِّيًا. بِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ مَنْ بَنَى حَائِطًا ثُمَّ مَالَ إِلَى غَيْرِ مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَصًّا كَهَوَاءِ جَارِهِ، أَوْ مُشْتَرَكًا كَالطَّرِيقِ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ وَطُولِبَ بِهِ؛ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ بِذَلِكَ؛ لأِنَّهُ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَقَطَ مِنْ غَيْرِ مَيَلاَنٍ. وَتُنْظَرُ التَّفَاصِيلُ فِي أَبْوَابِ الضَّمَانِ وَالدِّيَاتِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ أَحْكَامِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1210) بناء بيت في العرصة
أحد شريكي الحائط ليس له أن يعليه ولا أن يركب عليه بقصر ولا بغيره بدون إذن الآخر سواء كان ما يفعله مضراً بالآخر أو لا، لكن إذا أراد أحدهما بناء بيت في عرصته فله أن يضع رؤوس جذوعه، لكن إن وضع عشر أخشاب ليس له أن يتجاوزها وإن كان على ذلك الحائط ركوب لهما على التساوي وأراد أحدهما أن يزيد في أخشابه فللآخر منعه.
مادة (1318) حصول وهن للحائط المشترك
إذا حصل للحائط المشترك بين جارين وهن وخيف من سقوطه وأراد أحدهما نقضه وامتنع الآخر فيجبر على النقض والهدم بالاشتراك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 64)
إذا كان لأحد علو ولآخر سفل فلصاحب العلو حق القرار في السفل والسقف ملك لصاحب السفل ولصاحب العلو حق الانتفاع بسطحه انتفاعاً معتاداً ولصاحب السفل حق في العلو يستره من الشمس ويقيه من المطر.
(مادة 65)
إذا كان باب السفل والعلو واحداً فلكل من صاحبيهما استعماله مشتركاً فلا يسوغ لأحدهما أن يمنع الآخر من الانتفاع به دخولاً وخروجاً.
(مادة 66)
إذا هدم صاحب السفل سفله تعديا يجب عليه تجديد بنائه ويجبر على ذلك.
(مادة 67)
إذا أنهدم السفل بلا صنع صاحبه فعليه بناؤه بلا جبر عليه فإن امتنع صاحب السفل من تعميره وعمره صاحب العلو بإذن صاحبه أو بإذن القاضي فله الرجوع على صاحب السفل بما أنفقه على العمارة بالغاً ما بلغ قدره.
وأن عمره بلا إذن صاحبه أو أذن القاضي فليس له الرجوع إلا بقيمة البناء وتقدر القيمة بمعرفة أرباب الخبرة زمن البناء لا زمن الرجوع.
ولصاحب العلو أن يمنع في الحالتين صاحب السفل من سكناه والانتفاع به حتى يوفيه حقه وله أن يؤجر بإذن القاضي ويستخلص حقه من أجرته.
(مادة 68)
لا يجوز لذي العلو أن يبني في علوه بناء جديداً ولا أن يزيد في ارتفاعه بغير إذن صاحب السفل إلا إذا علم أنه لا يضر بالسفل فله ذلك بغير إذن صاحب السفل.
(مادة 70)
إذا كان الحائط مشتركاً بين اثنين فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف فيه بتعلية أو زيادة في البناء عليه بلا إذن الآخر سواء كان تصرفه مضراً بالآخر أم لا.