loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : السادس، الصفحة :  64

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- تعرض هذه النصوص (المواد 1182 - 1186 من المشروع ) للحائط المشترك  ولم يورد التقنين الحالي في هذا الموضوع إلا نصوصاً مقتضية (م 38 / 59 - 60 ) أما المشروع فقد أورد نصوصاً كافية لتنظيم هذه المسألة الهامة، استمدها من التقنين / الحالي، واستكملها من الشريعة الإسلامية، ومن تقنينين أجنبيين هما التقنين الفرنسي والمشروع الإيطالي.

2- والأصل أن الحائط الذي يكون وقت إنشائه فاصلاً بين بناءين يعد مشترکاً حتى مفرقهما، ما لم يقم دليل على العكس (م 1185 من المشروع، وهي تقابل م 69 من المشروع الإيطالي وم 653 من التقنين الفرنسي )  ويشترط حتى تقوم هذه القرينة القانونية شرطان : (أ) أن يكون الحائط فاصلاً بين بناءين فلا يكفي أن يكون فاصلاً بين أرضين، أو بين أرض وبناءً، (ب) وأن يكون الحائط قد فصل بين البناءين منذ إنشائه، فإذا لم يوجد وقت إنشاء الحائط إلا بناءً واحداً، ثم قام بعد ذلك بناء آخر ملاصق استتر بالحائط، فأصبح هذا الحائط جزءاً من البناء الأول، فإن القرينة القانونية لا تقوم، ويعتبر في وضعه الجديد فاصلاً بين بناءين ومملوكاً ملكية خالصة لصاحب هذا البناء.

فإذا توافر الشرطان المتقدمان قامت القرينة القانونية على أن الحائط مشترك حتى مفرق البناءين، إلى أن يقوم الدليل على العكس أما الجزء الذي يعلو المفرق فملكيته خالصة لصاحب البناء الأعلى.

3- ويتبين مما تقدم أن الحائط الفاصل بين بناءين قد يكون مشترکاً وقد يكون غير مشترك فإن كان مشترکاً، جاز لكل شريك أن يستعمله بحسب الغرض الذي أعد له، ومن غير أن يحول ذلك دون إستعمال الشريك الآخر له فلكل شريك أن بنائه، دون أن يحمل الحائط في يضع فوق الحائط سهاماً ليسند عليها سقف طاقته، فإذا إحتاج الحائط إلى ترميم أو تجديد، فإن كان ذلك بسبب خطأ من أحد الشريكين كان هو الملزم وحده بالترميم أو التجديد، وإلا إشترك الجاران في النفقات كل بنسبة حصته في الحائط ( مادة 1182 من المشروع، ولا نظير لها في التقنين الحالى، وانظر مادة 71 من مرشد الحيران) أما إذا اقتضى الأمر تعلية الحائط لمصلحة الجارين، إشتركاً معاً في نفقات التعلية كل بنسبة حصته فإذا كانت التعلية تقتضيها مصلحة جدية لأحد الجارين دون الآخر، كان لهذا الجار أن يعلى الحائط على أن لا يلحق بشریكه ضرراً جسمها، وعلى أن يتحمل نفقة التعلية وصيانة الجزء المعلى، وإجراء ما يلزم لتسكين الحائط من أن يتحمل زيادة العبء الناشئة عن التعلية دون أن يفقد الحائط شيئاً من متانته فإذا اقتضت التعلية إعادة بناء الحائط، كانت نفقة ذلك على الجار الذي له مصلحة في التعلية، وما زاد من سمك الحائط يكون في ناحيته بقدر الإمكان، وإلا دفع تعويضاً لشريكه عما زاد في سمك الحائط من ناحية هذا الشريك ويكون الحائط المجدد مشتركاً في غير الجزء المعلى، ولا يدفع الشريك تعويضة للشريك الذي قام بالتعلية عن الفرق في القيمة ما بين الحائط القديم والحائط الجديد ( مادة 1183 من المشروع، ولا نظير لها في التقنين الحالى، وانظر مادة 70 من مرشد الحيران، ومادة 75 من المشروع الإيطالي، ومادة 659 من التقنين الفرنسي) أما الجزء المعلى سواء على دون تجدید الحائط أو بعد التجديد، فسيبق ملكاً خالصاً للشريك الذي قام بالتعلية لكن إذا أراد الشريك الآخر أن يكون هذا الجزء أيضاً مشتركاً بينهما، جاز ذلك، وعليه أن تقع نصف نفقات التحلية، وقيمة نصف الأرض التي تقوم عليها زيادة السمك، إذا كانت هناك زيادة من ناحية الشريك الذي قام بالتعلية (مادة 1184 من المشروع، ولا نظير لها في التقنين الحالى، وانظر مادة 660 من التقنين الفرنسي ) .  

4- إما إذا لم يكن الحائط مشتركاً، بل كانت ملكيته خالصة لأحد الجارين، فليس للجار الآخر أن يجبره على الإشتراك ولو بدفع تعويض على أن له أن يستتر حائط، فلا يجوز لمالكه أن يهدمه دون عذر قوي إذا كان هدمه يضر بالجار المستتر في هذا تطبيق لنظرية التعسف في إستعمال حق الملكية، ورد في التقنين الحالي - (م 38 فقرة 60/2 ) واحتفظ به المشروع (م 1186 فقرة 2) كما إحتفظ المشروع أيضاً من التقنين الحالي بالمادة 38 فقرة 59/1، وهي تقرر أنه لا يجوز للجار أن يجبر جاره على تحويط ملكه، ولا على النزول عن جزء من حائطه أو من الأرض التي عليها الحائط (م 1186 فقرة أولى، وهی توافق م 69 من مرشد الحيران وتخالف المادتين 661 و 663 من التقنين الفرنسي ) . 

الأحكام

يبين من إستعراض نصوص القانون المدني المصري أنه إعتبر حق الإنتفاع من الحقوق العينية وذلك بإدراجه فى باب الحقوق المتفرعة عن حق الملكية كما أنه فى المادة 83 إعتبر كل حق عيني مالاً عقارياً ثم أنه حدد الحالات التي تعتبر قيوداً على حق الملكية وهي التي تناولتها المواد من 816 إلى 824 والمتعلقة بالقيود الناشئة عن حقوق الجوار وليس منها حق الإنتفاع، ومن ثم فإن حق الإنتفاع فى القانون المصري هو حق مالي قائم فى ذاته ولا يعتبر من القيود الواردة على حق الملكية، وبالتالي فهو مما يجوز الإيصاء به ويمكن تقويمه .

(الطعن رقم 27 لسنة 27 جلسة 1960/05/26 س 11 ع 2 ص 421 ق 66)

شرح خبراء القانون

قد لا يكون الحائط مشتركاً بين الجارين إنما فاصلاً بينهما، فتكون ملكيته خالصة لمن أقامه، فإذا ما نشب نزاع في ذلك، فإن المادة 817 أوجدت قرينة قانونية على أن الحائط الذي يكون وقت إنشائه فاصلاً بين بنائين بعد مشترکاً حتى مفرقهما ما لم يقم الدليل على العكس ويتعين لقيام هذه القرينة :

1- أن يكون الحائط فاصلاً بين بنائين، فلا يكفي أن يكون فاصلا بين بناءً وأرض فضاء أو بين أرضين سواء كانت بهما زراعة أو لم تكن.

2- أن يكون الحائط عند إنشائه فاصلاً بين بنائين، فإن أقيم بناءً ثم بعد ذلك أقيم بناء مجاور أستر بالحائط فلا يكون هناك محل لأعمال القرينة ويكون الحائط فاصلاً بين البنائين فإذا توافر الشرطان، قامت القرينة على أن الحائط مشترك حتى إرتفاع البناء الأقل علواً وهذه قرينة بسيطة يجوز إثبات عكسها.

ومفاد المادة 817 أن يكون البناءان قد أقيما في وقت واحد فاشترك الجاران في الحائط الذي يفصل بناء كل منهما عن الآخر، ومن هذا المفهوم قامت القرينة، ولكن قد لا توجد تلك المشاركة، بإقامة أحد الجارين الحائط على نفقته الخاصة، ويكتفى الجار الآخر بالتستر به، وحينئذ لا يجوز الأخير الإنتفاع بالحائط أو طلب المشاركة في علوه، على نحو ما تقدم .

وتقوم القريئة إذا وجد بناءان متلاصقان وتار خلاف بين الجارين فيما يتعلق بالحائط المقام بين البنائين، وحينئذ يجب اعتباره مشتركة ويكون لكل جار الحق في الانتفاع به على هذا الأساس ما لم يثبت الجار الآخر أنه المالك له ملكية خالصة، وله ذلك بكافة طرق الإثبات، فإن عجز عن ذلك، ظلت للقرينة حجيتها .

وإذا توافرت القرينة، اعتبر الحائط مشترکاً حتى مفرق البنائين، وقد يكون المفرق عند إرتفاع البناء الأقل علواً، وقد يكون عند إنتهاء أحد البنائين، فقد يمتد أحد البنائين إلى نهاية المسافة الفاصلة بين العقارين، بينما يقف البناء الآخر عند جزء من تلك المسافة، مثال ذلك أن يكون طول الحد الفاصل بين العقارين خمسين متراً، فيقيم أحد الجارين بناء على هذا الحد كله، بينما يقيم الجار الأخر بناءً على ثلاثين متراً فقط من الحد ويشغل باقي المساحة بحديقة، وحید تنحصر قرينة المادة 718 من القانون المدني في الحائط الفاصل بين البنائين دون الحائط الفاصل بين باقي البناء والحديقة، بإعتبار أن بدء الحديقة هو مفرق البنائين، فإذا ادعى مالك البناء الذي ألحقت به الحديقة، أن الحائط الأخير مشترکاء وجب عليه إقامة الدليل على ذلك، لأن الواقع يدل على أنه حائط فاصل وليس مشترکاً، كذلك الحال إذا كانت توجد حديقة تفصل بني البناء الملحقة به وبين بناء الجار، فلا يعتبر حائط هذا البناء مشتركاً وإنما فاصلاً، بحيث لو قام صاحب الحديقة بالبناء بها، فليس له الإرتكاز على حائط جاره وإنما التستر به فقط .

ومتى تمسك الجار بأن الحائط مملوك له ملكيته خاصة، جاز للجار الآخر أن شبت، أن هذا الحائط وقت إنشائه كان فاصلاً بين بنائه وبناء جاره، وحينئذ تقوم قرينة قانونية تعفي هذا الجار من إقامة الدليل على أن الحائط مشترك، وتلقى بعبء إثبات أن الحائط غير مشترك على الجار الآخر، ويكون له إثبات ما يخالفها بكافة الطرق ومنها البيئة والقرائن، فيقيم الدليل على أنه وحده الذي أقام الحائط على نفقته دون أن يشارك فيه جاره .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 287)

إذا فصل حائط ما بين بنائين، فإن هذا الحائط قد يكون حائطاً مشتركاً، وقد يكون حائطاً فاصلاً غير مشترك ولكنه مملوك ملكية خالصة لصاحب أحد البنائين .

ويجوز لكل ذى شأن أن يثبت أن الحائط الفاصل هو حائط مشترك فيثبت أحد الجارين مثلاً أنه أقام الحائط مع جاره بنفقات مشتركة، أو أنه كان مملوكاً لجاره ملكية خالصة ثم كسب من هذا الجار الإشتراك فى الحائط فى مقابل عوض دفعه له، أو أن الجار جعل الحائط مشتركاً بينهما بغير عوض كما يجوز للجار أن يثبت الإشتراك فى الحائط بطريق التقادم المكسب، بأن يثبت أنه حاز الحائط حيازة مشتركة مع جاره، وتصرف فيه تصرف المالك للحائط المشترك دون أن يكون ذلك مبنياً على تسامح جاره وبقى كذلك طول المدة اللازمة للتقادم .

وقد وضع القانون قرينة قانونية نيسر إثبات الاشتراك فى الحائط، فنصت المادة 817 مدنى على ما يأتى : الحائط الذى يكون فى وقت إنشائه فاصلاً بين بنائين يعد مشتركاً حتى مفرقهما، ما لم يقم دليل على العكس.

والقرينة كما نرى قابلة لإثبات العكس، وحتى تقوم يجب توافر شرطين :

أولاً - أن يكون الحائط فاصلاً بين بنائين، بأن يكون هناك بناءان متلاصقان يفصل بينهما حائط فإذا لم يكن الحائط يفصل بين بنائين فلا تقوم القرينة ومن ثم لا تقوم القرينة إذا كان هناك أرضان متلاصقان لمالكين مختلفين وقد أقيم فى الحد الفاصل بين الأرضين حائط كذلك لا تقوم القرينة إذا كان هناك بناء مجاور لأرض فضاء أو لفناء أو لحديقة أو لأرض زراعية، وقد أقيم حائط فى الحد الفاصل بينهما .

ثانياً - أن يكون الحائط قد فصل بين البنائين منذ إنشائه فإذا أقيم الحائط ولم يكن هناك إلا بناء واحد، فإن الحائط يكون جزءاً من هذا البناء وحده وإذا أقيم بعد ذلك ملاصق للبناء الأول، فإن الحائط لا يكون مشتركاً، بل يكون حائطاً فاصلاً بين البنائين غير مشترك، وهو ملك خالص لصاحب البناء الأول كما سبق القول.

فإذا توافر الشرطان سالفاً الذكر، قامت القرينة القانونية على أن الحائط مشترك . ولكن هذه القرينة القانونية قابلة كما قدمنا لإثبات العكس فيجوز لأحد الجارين أن يثبت أن الحائط ملك خاص له، كأن يقدم سندا على تملكه إياه، أو كأن يثبت أنه ملك الحائط ملكاً خالصاً بالتقادم، أو كأن يعارض القرينة بقرينة أخرى بأن يثبت مثلاً أن الحائط كله مقام على أرضه " وملكية الأرض تشمل ما فوقها " ( م 803 / 2 ) وإذا تعارضت القرائن رجع قاضى الموضوع بأيها يأخذ .

ومتى ثبت أن الحائط مشترك، وكان أحد البنائين المتلاصقين أعلى من الآخر، فإن الحائط يعتبر مشتركاً إلى الحد الذى يصل إلى قمة البناء الأقل علواً أما الجزء من الحائط الذى يعلو فوق ذلك إلى قمة البناء الأعلى، فيعتبر ملكاً خالصاً لصاحب هذا البناء وهذا هو المعنى المقصود من المادة 817 مدنى سالفة الذكر عندما تقول عن الحائط الذى يكون وقت إنشائه فاصلاً بين بنائين، إنه " يعد مشتركاً حتى مفرقهما .

ويتبين مما تقدم أن الحائط الفاصل بين بنائين قد يكون مشتركاً، قد يكون غير مشترك بل ملكاً خالصاً لصاحب أحد البنائين .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثامن، الصفحة :1311)

يجوز للجار إثبات أن الحائط الذي يفصل بين بنائه وبناء الجار مشترك بينهما وله إثبات ذلك طبقاً للقواعد العامة فيجوز للجار إثبات ملكيته المشتركة بإقامة الحائط مع جاره بنفقات مشتركة، أو أن الجدار كان مملوكاً لجاره وتصرف له في حصة شائعة فيه بأي تصرف قانونی.

كما يجوز إثبات ذلك بالتقادم، فمضى خمسة عشرة سنة على استعمال الحائط استعمالاً مشتركاً يكسب الملكية المشتركة فيه حتى ولو كان الأصل حائطاً خاصاً أقامه أحد الجارين على نفقته وذلك تطبيقاً لأحكام التقادم المكسب، ويشترط لذلك ألا يكون إستعمال الجار للحائط مبنياً على التسامح.

إلا أن المشرع وضع قرينة قانونية تيسر إثبات إشتراك الجار في الحائط نصت عليها المادة 817 مدنی، ونعرض لهذه القرينة في البند التالي.

القرينة المنصوص عليها بالمادة 817 مدنی :

تنص المادة 817 على أن الحائط الذي يكون وقت إنشائه فاصلاً بين بنائين يعد مشترکاً حتى مفرقهما، ما لم يقم دليل على العكس فيشترط لقيام هذه القرينة شرطان.

الشرط الأول :

أن يكون الحائط فاصلاً بين بنائين، فلا يكفي أن يكون فاصلاً بين أرض وبناء، أو بين أرضين.

الشرط الثاني :

أن يكون الفصل بين البنائين قد تحقق منذ إنشاء الحائط فإذا لم يوجد وقت إنشاء الحائط إلا بناء واحد، ثم قام بعد ذلك بناءً آخر ملاصق استتر بالحائط، فلا تقوم القرينة ويعتبر في وضعه الجديد فاصلاً بين بنائين ومملوكاً ملكية خالصة لصاحب هذا البناء.

وعليه إذا ادعى أحد الجارين، أنه شريك في ملكية الحائط الفاصل فحسبه أن يقيم الدليل على توافر هذين الشرطين فإذا نجح في الإثبات انطبق حكم القرينة، فيعتبر الحائط مشتركاً بينه وبين جاره حتى مفرق البنائين، أي حتى قمة البناء الأقل إرتفاعاً.

أما الجزء الذي يعلو المفرق فيعتبر مملوكاً ملكية خالصة لصاحب البناء الأعلى ويشمل حكم القرينة الحائط والأرض التي يقوم عليها.

وتتأسس هذه القرينة على أن الحائط مادام يحقق فائدة للبنائين فالأرجح أن يكون المالكان قد أقامها معاً على أرض كل منهما بقدر النصف وبنفقات مشتركة.

ويستطيع الجار الآخر أن ينقض القرينة بالدليل العكسي كأن يقدم سنداً يثبت أنه يملك الحائط كله أو يثبت أنه إستعمل الحائط وأنفق على إصلاحه مدة خمس عشرة سنة فتملكه بالتقادم.

أو يستدل بعلامات ظاهرة تفيد أن الحائط قد أعد لإستعمال أحد الجيران فحسب، كما لو أعد الحائط لتحمل سقف أحد البنائين دون الآخر، أو يثبت أن الحائط كله يقوم على أرضه، حيث تنهض على ملكيته له قرينة قانونية أخرى فحواها أن (ملكية الأرض تشمل ما فوقها).

وإذا تعارضت القرائن رجح قاضى الموضوع بينها.

وغني عن البيان أنه في الحالات التي لا تقوم فيها القرينة يجري الإثبات طبقاً للقواعد العامة.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 350)

 

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 216

جِوَارٌ

التَّعْرِيف:

1 - الْجِوَارُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - مَصْدَرُ جَاوَرَ، يُقَالُ: جَاوَرَ جِوَارًا وَمُجَاوَرَةً أَيْضًا. وَمِنْ مَعَانِي الْجِوَارِ الْمُسَاكَنَةُ وَالْمُلاَصَقَةُ، وَالاِعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْعَهْدُ وَالأْمَانُ.

وَمِنَ الْجِوَارِ الْجَارُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: الْمُجَاوِرُ فِي الْمَسْكَنِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْعَقَارِ أَوِ التِّجَارَةِ، وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَالْحَلِيفُ، وَالنَّاصِرُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ قَارَبَ بَدَنُهُ بَدَنَ صَاحِبِهِ قِيلَ لَهُ: جَارٌ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْجَارُ: مَنْ يَقْرُبُ مَسْكَنُهُ مِنْكَ، وَهُوَ مِنَ الأْسْمَاءِ الْمُتَضَايِفَةِ؛ فَإِنَّ الْجَارَ لاَ يَكُونُ جَارًا لِغَيْرِهِ إِلاَّ وَذَلِكَ الْغَيْرُ جَارٌ لَهُ، كَالأْخِ وَالصَّدِيقِ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ: وَهُوَ الْمُلاَصَقَةُ فِي السَّكَنِ أَوْ نَحْوِهِ كَالْبُسْتَانِ وَالْحَانُوتِ.

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْجِوَارِ :

أ - حَدُّ الْجِوَارِ :

2 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ أَوِ الْمُقَابِلُ لَهُ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ ضَيِّقٌ لاَ يَفْصِلُهُمَا فَاصِلٌ كَبِيرٌ كَسُوقٍ أَوْ نَهْرٍ مُتَّسِعٍ، أَوْ مَنْ يَجْمَعُهُمَا مَسْجِدٌ أَوْ مَسْجِدَانِ لَطِيفَانِ مُتَقَارِبَانِ، إِلاَّ إِذَا دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْحَدِّ.

وَحَمَلُوا حَدِيثَ: «أَلاَ إِنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ» عَلَى التَّكْرِمَةِ وَالاِحْتِرَامِ، كَكَفِّ الأْذَى، وَدَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْبِشْرِ فِي الْوَجْهِ وَالإْهْدَاءِ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ فَقَطْ؛ لأِنَّ الْجَارَ مِنَ الْمُجَاوَرَةِ، وَهِيَ الْمُلاَصَقَةُ حَقِيقَةً. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ هُوَ الْقِيَاسُ.

وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ (أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَجْمَعُهُمُ الْمَسْجِدُ؛ لأِنَّ هُمْ يُسَمَّوْنَ جِيرَانًا عُرْفًا وَشَرْعًا، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ» وَجَاءَ تَفْسِيرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مَوْقُوفًا بِمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِرَّ الْجِيرَانِ فَاسْتِحْبَابُهُ شَامِلٌ لِلْمُلاَصِقِ وَغَيْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الاِخْتِلاَطِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْمُجَاوَرَةِ كَانَ لاَ بُدَّ مِنِ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ لِتَحَقُّقِ الاِخْتِلاَطِ.

ب - حُقُوقُ الْجِوَارِ :

3 - جَاءَتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ تَحُضُّ عَلَى احْتِرَامِ الْجِوَارِ، وَرِعَايَةِ حَقِّ الْجَارِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).

فَالْجَارُ ذُو الْقُرْبَى، هُوَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ. وَالْجَارُ الْجُنُبُ: هُوَ الَّذِي لاَ قَرَابَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. أَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».

وَقَوْلُهُ صلوات الله عليه وسلم : «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَأْكِيدُ حَقِّ الْجَارِ لِقَسَمِهِ صلي الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، وَتَكْرِيرِهِ الْيَمِينَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَفِيهِ نَفْيُ الإْيمَانِ عَمَّنْ يُؤْذِي جَارَهُ بِالْقَوْلِ، أَوْ بِالْفِعْلِ، وَمُرَادُهُ الإْيمَانُ الْكَامِلُ. وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْعَاصِيَ غَيْرُ كَامِلِ الإْيمَانِ.

وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ». وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» هَذَا وَاسْمُ (الْجَارِ) جَاءَ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ، وَغَيْرَ الْمُسْلِمِ، وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ، وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ، وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ، وَالْقَرِيبَ وَالأْجْنَبِيَّ، وَالأْقْرَبَ دَارًا وَالأْبْعَدَ، وَلَهُ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ.

قَالَ أَحْمَدُ: الْجِيرَانُ ثَلاَثَةٌ: جَارٌ لَهُ حَقٌّ، وَهُوَ الذِّمِّيُّ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ. وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَحَقُّ الإْسْلاَمِ. وَجَارٌ لَهُ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الإْسْلاَمِ وَحَقُّ الْقَرَابَةِ.

وَأَوْلَى الْجِوَارِ بِالرِّعَايَةِ مَنْ كَانَ أَقْرَبَهُمْ بَابًا. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ حِينَ قَالَ: بَابٌ: حَقُّ الْجِوَارِ فِي قُرْبِ الأْبْوَابِ. وَأَدْرَجَ تَحْتَهُ حَدِيثَ «عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا».

وَمِنْ حُقُوقِ الْجِوَارِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ حَقُّ الْجِوَارِ كَفَّ الأْذَى فَقَطْ، بَلِ احْتِمَالُ الأْذَى، فَإِنَّ الْجَارَ أَيْضًا قَدْ كَفَّ أَذَاهُ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قَضَاءُ حَقٍّ وَلاَ يَكْفِي احْتِمَالُ الأْذَى، بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ الرِّفْقِ، وَإِسْدَاءِ الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ.. وَمِنْهَا: أَنْ يَبْدَأَ جَارَهُ بِالسَّلاَمِ، وَيَعُودَهُ فِي الْمَرَضِ، وَيُعَزِّيَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَيُهَنِّئَهُ عِنْدَ الْفَرَحِ، وَيُشَارِكَهُ السُّرُورَ بِالنِّعْمَةِ، وَيَتَجَاوَزَ عَنْ زَلاَّتِهِ، وَيَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَارِمِهِ، وَيَحْفَظَ عَلَيْهِ دَارَهُ إِنْ غَابَ، وَيَتَلَطَّفَ بِوَلَدِهِ، وَيُرْشِدَهُ إِلَى مَا يَجْهَلُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.. هَذَا إِلَى جُمْلَةِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ الْمُجَاوَرَةَ تُوجِبُ لِكُلٍّ مِنَ الْحَقِّ مَا لاَ يَجِبُ لأِجْنَبِيٍّ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا لاَ يَحْرُمُ عَلَى الأْجْنَبِيِّ. فَيُبِيحُ الْجِوَارُ الاِنْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْجَارِ الْخَالِي مِنْ ضَرَرِ الْجَارِ، وَيَحْرُمُ الاِنْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْجَارِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِضْرَارٌ.

التَّلَفُ بِسُقُوطِ الْحَائِطِ :

6 - إِذَا مَالَ الْحَائِطُ إِلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَطُولِبَ صَاحِبُهُ بِنَقْضِهِ وَأُشْهِدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ؛ لأِنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ إِلَى الطَّرِيقِ فَقَدِ اشْتَغَلَ هَوَاءُ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِمِلْكِهِ، وَدَفْعُهُ فِي يَدِهِ، فَإِذَا تُقُدِّمَ إِلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ صَارَ مُتَعَدِّيًا. بِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ مَنْ بَنَى حَائِطًا ثُمَّ مَالَ إِلَى غَيْرِ مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَصًّا كَهَوَاءِ جَارِهِ، أَوْ مُشْتَرَكًا كَالطَّرِيقِ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ وَطُولِبَ بِهِ؛ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ بِذَلِكَ؛ لأِنَّهُ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَقَطَ مِنْ غَيْرِ مَيَلاَنٍ. وَتُنْظَرُ التَّفَاصِيلُ فِي أَبْوَابِ الضَّمَانِ وَالدِّيَاتِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ أَحْكَامِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ.