مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : السادس، الصفحة : 64
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- تعرض هذه النصوص (المواد 1182 - 1186 من المشروع ) للحائط المشترك ولم يورد التقنين الحالي في هذا الموضوع إلا نصوصاً مقتضية (م 38 / 59 - 60 ) أما المشروع فقد أورد نصوصاً كافية لتنظيم هذه المسألة الهامة، استمدها من التقنين / الحالي، واستكملها من الشريعة الإسلامية، ومن تقنينين أجنبيين هما التقنين الفرنسي والمشروع الإيطالي.
2- والأصل أن الحائط الذي يكون وقت إنشائه فاصلاً بين بناءين يعد مشترکاً حتى مفرقهما، ما لم يقم دليل على العكس (م 1185 من المشروع، وهي تقابل م 69 من المشروع الإيطالي وم 653 من التقنين الفرنسي ) ويشترط حتى تقوم هذه القرينة القانونية شرطان : (أ) أن يكون الحائط فاصلاً بين بناءين فلا يكفي أن يكون فاصلاً بين أرضين، أو بين أرض وبناءً، (ب) وأن يكون الحائط قد فصل بين البناءين منذ إنشائه، فإذا لم يوجد وقت إنشاء الحائط إلا بناءً واحداً، ثم قام بعد ذلك بناء آخر ملاصق استتر بالحائط، فأصبح هذا الحائط جزءاً من البناء الأول، فإن القرينة القانونية لا تقوم، ويعتبر في وضعه الجديد فاصلاً بين بناءين ومملوكاً ملكية خالصة لصاحب هذا البناء.
فإذا توافر الشرطان المتقدمان قامت القرينة القانونية على أن الحائط مشترك حتى مفرق البناءين، إلى أن يقوم الدليل على العكس أما الجزء الذي يعلو المفرق فملكيته خالصة لصاحب البناء الأعلى.
3- ويتبين مما تقدم أن الحائط الفاصل بين بناءين قد يكون مشترکاً وقد يكون غير مشترك فإن كان مشترکاً، جاز لكل شريك أن يستعمله بحسب الغرض الذي أعد له، ومن غير أن يحول ذلك دون إستعمال الشريك الآخر له فلكل شريك أن بنائه، دون أن يحمل الحائط في يضع فوق الحائط سهاماً ليسند عليها سقف طاقته، فإذا إحتاج الحائط إلى ترميم أو تجديد، فإن كان ذلك بسبب خطأ من أحد الشريكين كان هو الملزم وحده بالترميم أو التجديد، وإلا إشترك الجاران في النفقات كل بنسبة حصته في الحائط ( مادة 1182 من المشروع، ولا نظير لها في التقنين الحالى، وانظر مادة 71 من مرشد الحيران) أما إذا اقتضى الأمر تعلية الحائط لمصلحة الجارين، إشتركاً معاً في نفقات التعلية كل بنسبة حصته فإذا كانت التعلية تقتضيها مصلحة جدية لأحد الجارين دون الآخر، كان لهذا الجار أن يعلى الحائط على أن لا يلحق بشریكه ضرراً جسمها، وعلى أن يتحمل نفقة التعلية وصيانة الجزء المعلى، وإجراء ما يلزم لتسكين الحائط من أن يتحمل زيادة العبء الناشئة عن التعلية دون أن يفقد الحائط شيئاً من متانته فإذا اقتضت التعلية إعادة بناء الحائط، كانت نفقة ذلك على الجار الذي له مصلحة في التعلية، وما زاد من سمك الحائط يكون في ناحيته بقدر الإمكان، وإلا دفع تعويضاً لشريكه عما زاد في سمك الحائط من ناحية هذا الشريك ويكون الحائط المجدد مشتركاً في غير الجزء المعلى، ولا يدفع الشريك تعويضة للشريك الذي قام بالتعلية عن الفرق في القيمة ما بين الحائط القديم والحائط الجديد ( مادة 1183 من المشروع، ولا نظير لها في التقنين الحالى، وانظر مادة 70 من مرشد الحيران، ومادة 75 من المشروع الإيطالي، ومادة 659 من التقنين الفرنسي) أما الجزء المعلى سواء على دون تجدید الحائط أو بعد التجديد، فسيبق ملكاً خالصاً للشريك الذي قام بالتعلية لكن إذا أراد الشريك الآخر أن يكون هذا الجزء أيضاً مشتركاً بينهما، جاز ذلك، وعليه أن تقع نصف نفقات التحلية، وقيمة نصف الأرض التي تقوم عليها زيادة السمك، إذا كانت هناك زيادة من ناحية الشريك الذي قام بالتعلية (مادة 1184 من المشروع، ولا نظير لها في التقنين الحالى، وانظر مادة 660 من التقنين الفرنسي ) .
4- إما إذا لم يكن الحائط مشتركاً، بل كانت ملكيته خالصة لأحد الجارين، فليس للجار الآخر أن يجبره على الإشتراك ولو بدفع تعويض على أن له أن يستتر حائط، فلا يجوز لمالكه أن يهدمه دون عذر قوي إذا كان هدمه يضر بالجار المستتر في هذا تطبيق لنظرية التعسف في إستعمال حق الملكية، ورد في التقنين الحالي - (م 38 فقرة 60/2 ) واحتفظ به المشروع (م 1186 فقرة 2) كما إحتفظ المشروع أيضاً من التقنين الحالي بالمادة 38 فقرة 59/1، وهي تقرر أنه لا يجوز للجار أن يجبر جاره على تحويط ملكه، ولا على النزول عن جزء من حائطه أو من الأرض التي عليها الحائط (م 1186 فقرة أولى، وهی توافق م 69 من مرشد الحيران وتخالف المادتين 661 و 663 من التقنين الفرنسي ) .
1ـ المقرر- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة _ أنه يتعين على محكمة الموضوع أن تكيف الدعوى بما تتبينه من وقائعها وأن تنزل عليها وصفتها الصحيح فى القانون لما كان ذلك وكان البين من سائر أوراق الدعوى أن حقيقة مطلب الطاعن فيها هو منع الضرر الناجم من جراء إقامة المطعون ضدهما بتعلية عقارهما بما من شأنه كشف منزله وجعله لأبصارهما بما يخضع هذا الطلب لأحكام المادة 807 من القانون المدنى وكان الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا التكييف السليم، وبنى قضاءه برفض الدعوى وفقا لأحكام المادة1/818من ذات القانون على أساس التكييف المستمد من ظاهر طلب الطاعن الذى قصره على إلزام المطعون ضدهما ببناء الحائط الساتر لمنزله لمنع الضرر المقول به، فإن الحكم المطعون فيه يكون بجانب مخالفته القانون والخطأ فى تطبيقه قد تحجب عن تناول وفحص ما تمسك به من قيام ضرر وقع على منزله 00000. ولم يقل كلمته بشان هذا الضرر.
(الطعن رقم 1164 لسنة 60 جلسة 1994/12/21 س 45 ع 2 ص 1636 ق 306)
2 ـ يبين من إستعراض نصوص القانون المدني المصري أنه إعتبر حق الإنتفاع من الحقوق العينية وذلك بإدراجه فى باب الحقوق المتفرعة عن حق الملكية كما أنه فى المادة 83 إعتبر كل حق عيني مالاً عقارياً ثم أنه حدد الحالات التي تعتبر قيوداً على حق الملكية وهي التي تناولتها المواد من 816 إلى 824 والمتعلقة بالقيود الناشئة عن حقوق الجوار وليس منها حق الإنتفاع، ومن ثم فإن حق الإنتفاع فى القانون المصري هو حق مالي قائم فى ذاته ولا يعتبر من القيود الواردة على حق الملكية، وبالتالي فهو مما يجوز الإيصاء به ويمكن تقويمه .
(الطعن رقم 27 لسنة 27 جلسة 1960/05/26 س 11 ع 2 ص 421 ق 66)
إذا أراد المالك تحويط ملكه فله ذلك طوعاً فلا يجبره جاره على ذلك، ويتحمل المالك وحده نفقات هذا التحويط فلا يلزم جاره على المشاركة فيه وعليه أيضاً نفقات صيانته، ومتى أقام المالك الحائط الفاصل على نفقته فليس لجاره الإشتراك فيه جبراً عنه أياً ما كان المقابل الذي يفرضه عوضاً إلا إذا كان هناك حائط مشترك بينهما وتمت تعليته فيكون للجار المشاركة في الحائط المعلى وفقاً المادة 816، ولكن ليس لمالك الحائط الفاصل أن يهدمه بدون عذر قوي إذا كان الجار يستر به، وإلا كان متعسفاً في إستعمال حق الملكية، ويجب الأعمال هذا القيد أن يكون في هدم الحائط ما يكشف عن الجار ومن ثم فان كان في أحدى الجهات غير الملاصقة للحائط مكشوفاً فليس له أن يحتج على الهدم، ولا يوجد عذر قوی يتطلب الهدم ويعد عذراً قوياً الرغبة في إعادة البناء أو في إعادة بناء الحائط بشكل أكثر قوة ليتحمل عبء الطبقات العليا ويخضع تقدير العذر المحكمة الموضوع دون معقب عليها من محكمة النقض .
وللجارين الإتفاق على إقامة حائط على الحد الفاصل بينهما وحينئذ يكون الحائط مشتركاً بينهما يخضع للقواعد المقررة في هذا الصدد من حيث صيانته وتعليته.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الحادي عشر، الصفحة :290)
تنص المادة 818 مدني على ما يأتي :
1- ليس للجار أن يجبر جاره على تحويط ملكه ولا على النزول عن جزء من حائط أو من الأرض التى عليها الحائط إلا فى الحالة المذكورة فى المادة 816 .
2- ومع ذلك فليس لمالك الحائط أن يهدمه مختاراً دون عذر قوي، إن كان هذا يضر الجار الذي يستتر ملكه بالحائط .
وننتقل هنا إلى الحائط الفاصل غير المشترك، وقد قرر القانون فى شأنه أموراً ثلاثة :
1- ليس للجار أن يجبر جاره على إقامة حائط فاصل يحوط به ملكه .
2- وليس للجار أن يطلب من جاره النزول عن جزء من الحائط الفاصل الذي يكون ملكاً خالصاً لهذا الجار .
3- ولكن لا يجوز للجار، دون عذر قوى، أن يهدم الحائط الفاصل الذى يكون ملكاً خالصاً له إذا كان جاره مستتراً به .
ليس للجار أن يجبر جاره على تحويطه ملكه : وهذا ما نصت عليه العبارة الأولى من المادة 818/ 1 مدنى فيما رأينا، وقد جاء هذا النص على خلاف ما يقضى به التقنين المدنى الفرنسى، إذا تقضى المادة 663 من هذا التقنين بأنه يجوز للجيران، فى المدن وضواحيها، أن يجبروا جيرانهم على إقامة ما يحوطون به مساكنهم وأفنيتهم وحدائقهم الموجودة فى هذه المدن والضواحي . وقد رأى المشرع الفرنسى أن السكان فى المدن وضواحيها فى حاجة إلى تحويط مساكنهم وأفنيهم وحدائقهم، حتى يأمنوا فضول الناس وعبث العابثين وسطو اللصوص فأجاز للجار إجبار على المساهمة فى ذلك، وهذا ما يسمى بالتحويط الجبرى على أن هذه القاعدة فى القانون الفرنسى ليست من النظام العام، فيجوز للجار أن ينزل عن حقه فى إلزام جاره بذلك، بشرط أن يكون هذا النزول صريحاً، وإذا أقام أحد الملاك على نفقته حائطا فاصلا بينه وبين جاره، لم يجز له أن يطلب من الجار أن يساهم فى هذه النفقات، وإنما يجوز لهذا الأخير، كما سنرى، أن يطلب الاشتراك فى هذا الحائط فيكون حائطا مشتركا بينهما كما يجوز للجار، قبل أن يقيم الحائط الفاصل، أن يجبر جاره على المساهمة معه فى إقامته كما سبق القول .
ولم يرد فى التقنين المدنى المصرى، لا السابق ولا الجديد، نص يلزم الجار بتحويط ملكه بل ورد على العكس من ذلك، فى كل من التقنينيين كما رأينا، نص صريح يقضى بأنه " ليس للجار أن يجبر جاره على تحويط ملكه " ولمن يريد تحويط ملكه أن يفعل، دون أن يجبر جاره على المساهمة معه فى ذلك فإذا بنى حائطاً فاصلاً بينه وبين جاره، بناء على نفقته دون أن يلزم جاره بالاشتراك معه فى هذه النفقات . وعليه هو وحده أن يقوم بصيانة هذا الحائط، وبترميمه إذا اقتضى الأمر ذلك.
ليس للجار أن يطلب الإشتراك فى حائط جاره :
وكما لا يجوز للجار أن يجبر جاره على المساهمة فى الحائط الفاصل الذى أقامه على نفقته كذلك لا يجوز للجار الآخر أن يجبر الجار الذى أقام الحائط على الاشتراك معه فى هذا الحائط ولو عرض عليه أن يدفع له نصف النفقات أو كلها أنظر آنفاً فقرة 608 وتقول العبارة الأخيرة من المادة 818 / 1 مدنى، كما رأينا، فى هذا المعنى إنه ليس للجار أن يجبر جاره على النزول عن جزء من حائط أو من الأرض التى عليها الحائط إلا فى الحالة المذكورة فى المادة 816 والحالة المذكورة فى المادة 816 مدنى هى كما رأينا حالة ما إذا قام الجار بتعلية الحائط المشترك على نفقته فيجوز لجاره أن يطلب الإشتراك فى الجزء المعلى ويصبح الحائط كله مشتركاً ولكن يشترط فى ذلك أن يكون الحائط منذ بدايته حائطاً مشتركاً وعلاه أحد الجارين على نفقته فحتى يتيسر إبقاء الحائط كله حائطاً مشتركاً حتى بعد التعلية أجاز المشرع المصرى للجار الذى لم يقم بالتعلية أن يطلب الإشتراك فى الجزء المعلى على التفصيل الذي سبق بيانه.
ليس لمالك الحائط الذى يستتر به الجار أن يهدمه دون عذر قوي :
ولما كان القانون المصرى لا يعطى للجار حقاً فى أن يطلب الإشتراك فى الحائط الفاصل المملوك لجاره ملكاً خالصاً كما قدمنا فإنه عوض على الجار عن ذلك الحق بحق آخر فإذا كان هناك حائط فاصل مملوك لصاحبه ملكاً خالصاً فإن الجار إذا كان لا يستطيع إلزام جاره بالإشتراك فيه يملك على الأقل أن يمنعه من هدم هذا الحائط الذى يستتر به إذا لم يكن هناك عذر قوي لهدمه وتنص الفقرة الثانية من المادة 818 مدنى فى هذا الصدد كما رأينا أنظر آنفاً فقرة 609 على ما يأتى : ومع ذلك فليس لمالك الحائط أن يهدمه مختاراً دون عذر قوى، إن كان هذا يضر الجار الذي يستتر ملكه بالحائط .
وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي فى خصوص هذا النص : " وفي هذا تطبيق لنظرية التعسف فى استعمال حق الملكية، ورد فى التقنين الحالى ( السابق ) واحتفظ به المشروع.
ويجب، حتى تتقيد سلطة المالك فى هدم حائطه، أن يكون جاره مستتراً بهذا الحائط، فيكون ملك هذا الجار مسوراً من جهات ثلاث، والجهة الرابعة هي التي يستتر فيها بالحائط أما إذا كان ملك الجار غير مسور إلا من جهتين أو من جهة واحدة، أو كان غير مسور أصلاً فلا يمكن أن يقال إنه مستتر بالحائط الفاصل .
ثم يجب أن يكون هدم الحائط دون عذر قوي فإذا كان لدى صاحب الحائط عذر قوى لهدمه كأن كان يريد إعادة تشييد بنائه على وضع يختلف عن وضعه السابق وتقتضي إعادة البناء هدم الحائط فمن حقه أن يهدمه حتى ولو كان جاره يستتر به لأن له مصلحة ظاهرة فى الهدم ولا يمكن أن يقال فى هذه الحالة إنه متعسف فى استعمال حقه فى هدم الحائط.
ويجب أخيراً أن يعود هدم الحائط بضرر محسوس على الجار الذي يستتر به فإذا كان هذا الجار له أرفض فضاء سورها من جهات ثلاث واستتر بحائط جاره فى الجهة الرابعة فهدم الجار لحائطه لا يعود فى هذه الحالة بضرر محسوس على صاحب الأرض الفضاء .
وظاهر مما تقدم أن منع صاحب الحائط من هدمه إذا توافرت الشروط الثلاثة سالفة الذكر ليس إلا تطبيقاً من تطبيقات نظرية التعسف في استعمال الحق كما تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فيما قدمناه إذ يكون صاحب الحائط قد رمى من هدمه إلى تحقيق مصلحة قليلة الأهمية لا تتناسب البتة مع ما يصيب الجار من ضرر بسببها ( م 5 فقرة ب مدنى ).
وكل ما للجاز من حق هو عدم هدم الحائط الذى يستتر به فلا يكون له أى حق فى الحائط غير هذا القيد السلبى ولذلك عد هذا الحكم ضمن القيود التى ترد على حق الملكية ومن ثم لا يكون للجار حق ملكية مشتركة فى الحائط الذى يستتر به، إذ يبقى الحائط مملوكاً ملكاً خالصاً لصاحبه، ولا يجوز للجار استعماله في غير الاستتار به إلا بإذن المالك ولا يكون للجار كذلك حق ارتفاق على الحائط، وليس إلتزام صاحب الحائط بعدم هدمه إلا قيداً وارداً على حقه في إستعمال ملكه كما سبق القول ولكن لا يوجد ما يمنع من أن يكسب الجار الاشتراك فى الحائط أو حق ارتفاق عليه بسبب قانونى، كأن يشترى هذا الحق أو أن يكسبه بالتقادم. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثامن، الصفحة : 1326)
المقصود بتحويط الملك إنشاء المالك سياج فاصل بين ملكه وبين ملك الجار فهو يختلف عن وضع الحدود بالمعنى المتقدم ذكره وإذ كان للجار - أن يجبر جاره على وضع حدود لأملاكهما المتلاصقة فليس له أن يجبره على تحويط ملكه.
لا يجوز إجبار الجار عن النزول عن جزء من حائط أو من الأرض التي عليها الحائط :
إذا كان الحائط الفاصل بين البنائين مملوكاً لأحد الجارين فليس للجار الآخر أن يجبره على مشاركته في هذا الحائط أو في الأرض التي عليها الحائط حتى لو كان ذلك في مقابل تعویض يدفع إليه فمالك الحائط الفاصل له مطلق الحرية في قبول إشتراك الجار الآخر معه في الحائط أو عدم قبوله.
ولا يستثنى من ذلك إلا الحالة التي ينفرد فيها أحد الشركاء بتعلية الحائط المشترك طبقاً لحكم المادة 816 مدنی سالفة الذكر.
غير أن للجار أن يستتر بالحائط الفاصل.
ولا يوجد ما يمنع من جواز تملك الحائط على الشيوع بوضع اليد المدة القانونية، لأنه كان في وسع المالك الأصلى إرغام الجار على عدم انتفاعه بالحائط إنتفاعاً يؤدي إلى تملكه بوضع اليد ويصير الحائط بتملك الجار له بوضع اليد مشتركاً بين الفريقين في الجزء الذي يستر فيه هذا الحائط منزل الجار واضع اليد.
فالأصل أن الجار الذي يملك الحائط الفاصل ملكية خالصة يكون له وحده حق استعماله والتصرف فيه، سواء كان هذا التصرف مادياً أو تصرفاً قانونياً غير أن الشارع أورد قيداً على حق هذا الجار في أن يتصرف في الحائط بالهدم وكانت المادة .
ويبين من النص أن المالك يمتنع عليه أن يهدم الحائط الفاصل إذا توافرت شروط ثلاثة وهي :
1- أن يكون ملك الجار مستتراً بالحائط وذلك بأن يكون الملك مسوراً من جهاته الثلاث وأن يكون الحائط حده الرابع.
ولا ينفي الاستتار أن يكون ملك الجار غير مسقوف.
فإذا كان ملك الجار غير مسور إلا من جهتين أو من جهة واحدة أو كان غير مسور أصلاً فلا يمكن أن يقال أنه مستتر بالحائط الفاصل.
2- أن يكون من شأن هدم الحائط أن يضر بالجار، والمقصود بالضرر، الضرر المحسوس الذي يلحق بالجار الذي يستتر بالحائط فإذا كان هذا الجار له أرض فضاء فسورها من جهات ثلاث واستتر بحائط جاره في الجهة الرابعة فهدم الجار لحائطه لا يعود في هذه الحالة بضرر محسوس على صاحب الأرض الفضاء .
3- ألا يكون بالمالك حاجة ملحة إلى هدم الحائط وهذا هو المقصود بالضرر القوى.
ويعتبر من قبيل الحاجة الملحة أو العذر القوى رغبة المالك في هدم منزل مخصص لسكناه، ليقيم مكانه عمارة للاستغلال ويعتبر كذلك من باب أولى أيلولة الحائط للسقوط لقدمه أو لعيب في بنائه ولقاضي الموضوع مطلق الحرية في تقدير قيمة الأعذار التي يبديها المالك لهدم الحائط.
يعتبر منع مالك الحائط الفاصل من هدمه بالشروط التي تضعها المادة تطبيقاً لمبدأ عدم التعسف في استعمال الحق وفقاً للمعيار الوارد في الفقرة (ب) من المادة الخامسة من القانون المدني أي على أساس أن هدم الحائط إذا كان لا يبرره عذر قوي وكان يسبب للجار الذي يستتر ملكه بهذا الحائط الفاصل ضرراً يكون استعمالاً للحق يرمي إلى تحقيق مصالح قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
حقوق الجار على الحائط الفاصل :
يقتصر حق الجار على الاستتار بالحائط الفاصل دون أن يدخل فيه أبنية أو يجري فيه حفراً أو غير ذلك مما يضر به إذ ليس للجار من الحائط سوي الإنتفاع السلبي الناشئ عن وجوده.
ولا يجوز للمالك إلزام الجار بنصيب في نفقات صيانة الحائط.
حق الجار في اللجوء إلى القضاء المستعجل :
لما كان الإعتراض على هدم الحائط الفاصل حقاً مقرراً للجار المستتر ملكه به فلهذا الجار أن يلجأ إلى قاضي الأمور المستعجلة ليأمر بوقف أعمال الهدم التي بدأها المالك دون موافقة جاره وعلى المالك في مثل هذه الحالة أن يلجأ إلى القضاء ليستصدر في مواجهة الجار حكماً بجواز هدم الحائط دون أن يكون له حق المطالبة بتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب إعتراض الجار علی الهدم لأنه إنما يستعمل حقه القانوني في الإعتراض .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار / محمد عزمي البكري، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 353)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع عشر ، الصفحة / 203
تَوَهُّمٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّوَهُّمُ فِي اللُّغَةِ: الظَّنُّ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ: تَجْوِيزُ وُجُودِ الشَّيْءِ فِي الذِّهْنِ تَجْوِيزًا مَرْجُوحًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّوَهُّمُ يَجْرِي مَجْرَى الظُّنُونِ، يَتَنَاوَلُ الْمُدْرَكَ وَغَيْرَ الْمُدْرَكِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّصَوُّرُ:
2 - التَّصَوُّرُ هُوَ حُصُولُ صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْلِ، وَإِدْرَاكُ الْمَاهِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهَا بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ . وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوَهُّمِ وَالتَّصَوُّرِ: أَنَّ تَصَوُّرَ الشَّيْءِ يَكُونُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ، وَتَوَهُّمَهُ لاَ يَكُونُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ؛ لأِنَّ التَّوَهُّمَ مِنْ قَبِيلِ التَّجْوِيزِ، وَالتَّجْوِيزُ يُنَافِي الْعِلْمَ.
ب - الظَّنُّ:
3 - الظَّنُّ هُوَ الاِعْتِقَادُ الرَّاجِحُ مَعَ احْتِمَالِ النَّقِيضِ، وَيُسْتَعْمَلُ أَيْضًا فِي الْيَقِينِ وَالشَّكِّ.
وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْوَهْمَ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ مُطْلَقًا
وَقِيلَ: الظَّنُّ أَحَدُ طَرَفَيِ الشَّكِّ بِصِفَةِ الرُّجْحَانِ
وَقِيلَ: الظَّنُّ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ، الْوَهْمُ: الطَّرَفُ الرَّاجِحُ غَيْرُ الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ .
ج - الشَّكُّ:
4 - الشَّكُّ هُوَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ بِلاَ تَرْجِيحٍ لأِحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ عِنْدَ الشَّاكِّ
وَقِيلَ: الشَّكُّ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ، وَهُوَ الْوُقُوفُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لاَ يَمِيلُ الْقَلْبُ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَإِذَا تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُطْرَحِ الآْخَرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ.
د - الْيَقِينُ:
5 - الْيَقِينُ فِي اللُّغَةِ: الْعِلْمُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: اعْتِقَادُ الشَّيْءِ بِأَنَّهُ كَذَا، مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ كَذَا، مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ غَي ْرَ مُمْكِنِ الزَّوَالِ.
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
6 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ التَّوَهُّمَ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ لاَ عِبْرَةَ لَهُ فِي الأَْحْكَامِ، فَكَمَا لاَ يَثْبُتُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ اسْتِنَادًا عَلَى وَهْمٍ، لاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الشَّيْءِ الثَّابِتِ بِصُورَةٍ قَطْعِيَّةٍ بِوَهْمٍ طَارِئٍ.
مِثَالُ ذَلِكَ: إِذَا تُوُفِّيَ الْمُفْلِسُ، تُبَاعُ أَمْوَالُهُ وَتُقْسَمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ تُوُهِّمَ أَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ جَدِيدٌ؛ لأِنَّهُ لاَ عِبْرَةَ لِلتَّوَهُّمِ .
وَكَمَا إِذَا ظَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ مِنْ صَلاَةٍ، وَتَوَهَّمَ شَغْلَهَا بِهَا فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ. إِذْ لاَ عِبْرَةَ لِلْوَهْمِ .
وَيُذْكَرُ التَّوَهُّمُ وَيُرَادُ بِهِ مَا يُقَابِلُ الْيَقِينَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ: فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ فَقْدَ الْمَاءِ تَيَمَّمَ بِلاَ طَلَبٍ وَإِنْ تَوَهَّمَهُ (أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِهِ: أَيْ ذِهْنِهِ، بِأَنْ جَوَّزَ وُجُودَ ذَلِكَ تَجْوِيزًا رَاجِحًا وَهُوَ الظَّنُّ، أَوْ مَرْجُوحًا وَهُوَ الْوَهْمُ، أَوْ مُسْتَوِيًا وَهُوَ الشَّكُّ) طَلَبَهُ .
وَقَدْ يُعْمَلُ بِالْوَهْمِ فِي حَالِ شَغْلِ الذِّمَّةِ وَتَوَهُّمِ بَرَاءَتِهَا، وَهِيَ لاَ تَبْرَأُ إِلاَّ بِالْيَقِينِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ: «إِذَا ظَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ مِنْ صَلاَةٍ، وَتَوَهَّمَ شَغْلَهَا بِهَا، فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، بِخِلاَفِ مَنْ ظَنَّ تَمَامَ صَلاَتِهِ، وَتَوَهَّمَ بَقَاءَ رَكْعَةٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالْوَهْمِ» .
وَتَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَنْ قَاعِدَةِ «لاَ عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ» . وَقَاعِدَةِ «لاَ عِبْرَةَ بِالتَّوَهُّمِ» وَفَرَّعُوا عَلَيْهِمَا مَسَائِلَ كَثِيرَةً يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا بِاخْتِلاَفِ الْمَوَاطِنِ، وَلاَ يُمْكِنُ حَصْرُهَا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فَيُرْجَعُ إِلَى مَظَانِّهَا فِي كُلِّ مَذْهَبٍ.
قَالَ صَاحِبُ دُرَرِ الْحُكَّامِ شَرْحِ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ عِنْدَ قَاعِدَةِ (لاَ عِبْرَةَ لِلتَّوَهُّمِ) مَا نَصُّهُ:
يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ كَمَا لاَ يَثْبُتُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ اسْتِنَادًا عَلَى وَهْمٍ لاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الشَّيْءِ الثَّابِتِ بِصُورَةٍ قَطْعِيَّةٍ بِوَهْمٍ طَارِئٍ.
مِثَالُ ذَلِكَ: إِذَا تُوُفِّيَ الْمُفْلِسُ تُبَاعُ أَمْوَالُهُ وَتُقْسَمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ تُوُهِّمَ أَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ جَدِيدٌ، وَالْوَاجِبُ مُحَافَظَةً عَلَى حُقُوقِ ذَلِكَ الدَّائِنِ الْمَجْهُولِ، أَلاَّ تُقْسَمَ، وَلَكِنْ لأِنَّهُ لاَ اعْتِبَارَ لِلتَّوَهُّمِ تُقْسَمُ الأْمْوَالُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَمَتَى ظَهَرَ غَرِيمٌ جَدِيدٌ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُمْ حَسَبَ الأْصُولِ الْمَشْرُوعَةِ.
كَذَا إِذَا بِيعَتْ دَارٌ وَكَانَ لَهَا جَارَانِ لِكُلٍّ حَقُّ الشُّفْعَةِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَادَّعَى الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ فِيهَا يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ إِرْجَاءُ الْحُكْمِ بِدَاعِي أَنَّ الْغَائِبَ رُبَّمَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِي الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ. كَذَلِكَ إِذَا كَانَ لِدَارِ شَخْصٍ نَافِذَةٌ عَلَى أُخْرَى لِجَارِهِ تَزِيدُ عَلَى طُولِ الإْنْسَانِ فَجَاءَ الْجَارُ طَالِبًا سَدَّ تِلْكَ النَّافِذَةِ بِدَاعِي أَنَّهُ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُ النَّافِذَةِ بِسُلَّمِ وَيُشْرِفَ عَلَى مَقَرِّ النِّسَاءِ فَلاَ يُلْتَفَتُ لِطَلَبِهِ. وَكَذَا لاَ يُلْتَفَتُ لِطَلَبِهِ فِيمَا لَوْ وَضَعَ جَارُهُ فِي غُرْفَةٍ مُجَاوِرَةٍ لَهُ تِبْنًا وَطَلَبَ رَفْعَهُ بِدَاعِي أَنَّهُ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ تَعْلَقَ بِهِ النَّارُ فَتَحْتَرِقَ دَارُهُ.
كَذَا: إِذَا جَرَحَ شَخْصٌ آخَرَ ثُمَّ شُفِيَ الْمَجْرُوحُ مِنْ جُرْحِهِ تَمَامًا وَعَاشَ مُدَّةً ثُمَّ تُوُفِّيَ فَادَّعَى وَرَثَتُهُ بِأَنَّهُ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ وَالِدُهُمْ مَاتَ بِتَأْثِيرِ الْجُرْحِ فَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 216
جِوَارٌ
التَّعْرِيف:
1 - الْجِوَارُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - مَصْدَرُ جَاوَرَ، يُقَالُ: جَاوَرَ جِوَارًا وَمُجَاوَرَةً أَيْضًا. وَمِنْ مَعَانِي الْجِوَارِ الْمُسَاكَنَةُ وَالْمُلاَصَقَةُ، وَالاِعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْعَهْدُ وَالأْمَانُ.
وَمِنَ الْجِوَارِ الْجَارُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: الْمُجَاوِرُ فِي الْمَسْكَنِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْعَقَارِ أَوِ التِّجَارَةِ، وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَالْحَلِيفُ، وَالنَّاصِرُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ قَارَبَ بَدَنُهُ بَدَنَ صَاحِبِهِ قِيلَ لَهُ: جَارٌ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْجَارُ: مَنْ يَقْرُبُ مَسْكَنُهُ مِنْكَ، وَهُوَ مِنَ الأْسْمَاءِ الْمُتَضَايِفَةِ؛ فَإِنَّ الْجَارَ لاَ يَكُونُ جَارًا لِغَيْرِهِ إِلاَّ وَذَلِكَ الْغَيْرُ جَارٌ لَهُ، كَالأْخِ وَالصَّدِيقِ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ: وَهُوَ الْمُلاَصَقَةُ فِي السَّكَنِ أَوْ نَحْوِهِ كَالْبُسْتَانِ وَالْحَانُوتِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْجِوَارِ :
أ - حَدُّ الْجِوَارِ :
2 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ أَوِ الْمُقَابِلُ لَهُ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ ضَيِّقٌ لاَ يَفْصِلُهُمَا فَاصِلٌ كَبِيرٌ كَسُوقٍ أَوْ نَهْرٍ مُتَّسِعٍ، أَوْ مَنْ يَجْمَعُهُمَا مَسْجِدٌ أَوْ مَسْجِدَانِ لَطِيفَانِ مُتَقَارِبَانِ، إِلاَّ إِذَا دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْحَدِّ.
وَحَمَلُوا حَدِيثَ: «أَلاَ إِنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ» عَلَى التَّكْرِمَةِ وَالاِحْتِرَامِ، كَكَفِّ الأْذَى، وَدَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْبِشْرِ فِي الْوَجْهِ وَالإْهْدَاءِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ فَقَطْ؛ لأِنَّ الْجَارَ مِنَ الْمُجَاوَرَةِ، وَهِيَ الْمُلاَصَقَةُ حَقِيقَةً. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ هُوَ الْقِيَاسُ.
وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ (أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَجْمَعُهُمُ الْمَسْجِدُ؛ لأِنَّ هُمْ يُسَمَّوْنَ جِيرَانًا عُرْفًا وَشَرْعًا، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ» وَجَاءَ تَفْسِيرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مَوْقُوفًا بِمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِرَّ الْجِيرَانِ فَاسْتِحْبَابُهُ شَامِلٌ لِلْمُلاَصِقِ وَغَيْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الاِخْتِلاَطِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْمُجَاوَرَةِ كَانَ لاَ بُدَّ مِنِ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ لِتَحَقُّقِ الاِخْتِلاَطِ.
ب - حُقُوقُ الْجِوَارِ :
3 - جَاءَتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ تَحُضُّ عَلَى احْتِرَامِ الْجِوَارِ، وَرِعَايَةِ حَقِّ الْجَارِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).
فَالْجَارُ ذُو الْقُرْبَى، هُوَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ. وَالْجَارُ الْجُنُبُ: هُوَ الَّذِي لاَ قَرَابَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. أَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
وَقَوْلُهُ صلوات الله عليه وسلم : «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَأْكِيدُ حَقِّ الْجَارِ لِقَسَمِهِ صلي الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، وَتَكْرِيرِهِ الْيَمِينَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَفِيهِ نَفْيُ الإْيمَانِ عَمَّنْ يُؤْذِي جَارَهُ بِالْقَوْلِ، أَوْ بِالْفِعْلِ، وَمُرَادُهُ الإْيمَانُ الْكَامِلُ. وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْعَاصِيَ غَيْرُ كَامِلِ الإْيمَانِ.
وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ». وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» هَذَا وَاسْمُ (الْجَارِ) جَاءَ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ، وَغَيْرَ الْمُسْلِمِ، وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ، وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ، وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ، وَالْقَرِيبَ وَالأْجْنَبِيَّ، وَالأْقْرَبَ دَارًا وَالأْبْعَدَ، وَلَهُ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ.
قَالَ أَحْمَدُ: الْجِيرَانُ ثَلاَثَةٌ: جَارٌ لَهُ حَقٌّ، وَهُوَ الذِّمِّيُّ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ. وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَحَقُّ الإْسْلاَمِ. وَجَارٌ لَهُ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الإْسْلاَمِ وَحَقُّ الْقَرَابَةِ.
وَأَوْلَى الْجِوَارِ بِالرِّعَايَةِ مَنْ كَانَ أَقْرَبَهُمْ بَابًا. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ حِينَ قَالَ: بَابٌ: حَقُّ الْجِوَارِ فِي قُرْبِ الأْبْوَابِ. وَأَدْرَجَ تَحْتَهُ حَدِيثَ «عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا».
وَمِنْ حُقُوقِ الْجِوَارِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ حَقُّ الْجِوَارِ كَفَّ الأْذَى فَقَطْ، بَلِ احْتِمَالُ الأْذَى، فَإِنَّ الْجَارَ أَيْضًا قَدْ كَفَّ أَذَاهُ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قَضَاءُ حَقٍّ وَلاَ يَكْفِي احْتِمَالُ الأْذَى، بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ الرِّفْقِ، وَإِسْدَاءِ الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ.. وَمِنْهَا: أَنْ يَبْدَأَ جَارَهُ بِالسَّلاَمِ، وَيَعُودَهُ فِي الْمَرَضِ، وَيُعَزِّيَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَيُهَنِّئَهُ عِنْدَ الْفَرَحِ، وَيُشَارِكَهُ السُّرُورَ بِالنِّعْمَةِ، وَيَتَجَاوَزَ عَنْ زَلاَّتِهِ، وَيَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَارِمِهِ، وَيَحْفَظَ عَلَيْهِ دَارَهُ إِنْ غَابَ، وَيَتَلَطَّفَ بِوَلَدِهِ، وَيُرْشِدَهُ إِلَى مَا يَجْهَلُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.. هَذَا إِلَى جُمْلَةِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ الْمُجَاوَرَةَ تُوجِبُ لِكُلٍّ مِنَ الْحَقِّ مَا لاَ يَجِبُ لأِجْنَبِيٍّ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا لاَ يَحْرُمُ عَلَى الأْجْنَبِيِّ. فَيُبِيحُ الْجِوَارُ الاِنْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْجَارِ الْخَالِي مِنْ ضَرَرِ الْجَارِ، وَيَحْرُمُ الاِنْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْجَارِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِضْرَارٌ.
هَدْمُ الْحَائِطِ :
11 - مَتَى هَدَمَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْحَائِطَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا: فَإِنْ خِيفَ سُقُوطُهُ وَوَجَبَ هَدْمُهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَى هَادِمِهِ، وَيَكُونُ كَمَا لَوِ انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ؛ لأِنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ وَأَزَالَ الضَّرَرَ الَّذِي قَدْ يَحْصُلُ بِسُقُوطِهِ. وَإِنْ هَدَمَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ إِعَادَتُهُ سَوَاءٌ هَدَمَهُ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَسَوَاءٌ الْتَزَمَ إِعَادَتَهُ أَوْ لَمْ يَلْتَزِمْ؛ لأِنَّ الضَّرَرَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ فَلَزِمَ إِعَادَتُهُ. وَمَنْ هَدَمَ حَائِطَ غَيْرِهِ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الْبِنَاءِ كَمَا كَانَ؛ لأِنَّ الْحَائِطَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الأْمْثَالِ. وَاسْتَثْنَى بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ حَائِطَ الْمَسْجِدِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 65)
إذا كان باب السفل والعلو واحداً فلكل من صاحبيهما استعماله مشتركاً فلا يسوغ لأحدهما أن يمنع الآخر من الانتفاع به دخولاً وخروجاً.
(مادة 66)
إذا هدم صاحب السفل سفله تعديا يجب عليه تجديد بنائه ويجبر على ذلك.
(مادة 67)
إذا أنهدم السفل بلا صنع صاحبه فعليه بناؤه بلا جبر عليه فإن امتنع صاحب السفل من تعميره وعمره صاحب العلو بإذن صاحبه أو بإذن القاضي فله الرجوع على صاحب السفل بما أنفقه على العمارة بالغاً ما بلغ قدره.
وأن عمره بلا إذن صاحبه أو أذن القاضي فليس له الرجوع إلا بقيمة البناء وتقدر القيمة بمعرفة أرباب الخبرة زمن البناء لا زمن الرجوع.
ولصاحب العلو أن يمنع في الحالتين صاحب السفل من سكناه والانتفاع به حتى يوفيه حقه وله أن يؤجر بإذن القاضي ويستخلص حقه من أجرته.
(مادة 68)
لا يجوز لذي العلو أن يبني في علوه بناء جديداً ولا أن يزيد في ارتفاعه بغير إذن صاحب السفل إلا إذا علم أنه لا يضر بالسفل فله ذلك بغير إذن صاحب السفل.
(مادة 69)
لا يجز للجار أن يجبر جاره على إقامة حائط أو غيره على حدود ملكه ولا على أن يعطيه جزأ من حائطه أو من الأرض القائم عليها الحائط.