مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : السادس، الصفحة : 70
مذكرة المشروع التمهيدي :
زاد المشروع على التقنين الحالي أن قيد المطل المنحرف فلا يجوز للجار أن يكون له على جاره مطل منحرف على مسافة تقل عن نصف متر من حرف المطل ويزول هذا القيد إذا كان المطل المنحرف هو في الوقت ذاته مطل مواجه للطريق العام.
1 ـ النص فى المادة 819 من القانون المدنى على أن " لا يجوز للجار أن يكون له على جاره مطل مواجه على مسافة تقل عن متر" ........ وفى المادة 820 من هذا القانون على أن " لا يجوز أن يكون للجار على جاره مطل منحرف على مسافة تقل عن خمسين سنتيمترا من حرف المطل ولكن يرتفع هذا الحظر اذا كان المطل المنحرف على العقار المجاور هو فى الوقت ذاته مطل مواجة للطريق العام" يدل على أن المشرع حرص على تقييد حق المالك فى فتح مطلات على ملك الجار رعاية لحرمة الجوار فحظر أن يكون للجار على جاره مطل مواجه على مسافة تقل عن متر، أو أن يكون له مطل منحرف على مسافة تقل عن خمسين سنتيمترا، ويرتفع قيد المسافة عن كل مطل يفتح على طريق عام. حتى ولو أمكن اعتباره فى الوقت نفسه من المطلات المنحرفة بالنسبة الى ملك الجار.
(الطعن رقم 5895 لسنة 63 جلسة 2002/01/08 س 53 ع 1 ص 121 ق 19)
2 ـ لما كان المشرع قد وضع قيوداً على حق الملكية من بينها ما نص عليه فى المادتين 819 ، 820 من القانون المدنى من أنه " لا يجوز للجار أن يكون له على جاره مطل مواجه عل مسافة تقل عن متر و تقاس المسافة من ظهر الحائط الذى فيه المطل أو من حافة المشربة أو الخارجة ، و لا يجوز له أن يكون له على جاره مطل منحرف على مسافة تقل عن خمسين سنتيمتراً من حرف المطل ، و لكن يرتفع هذا الحظر إذا كان المطل المنحرف على العقار المجاور هو فى الوقت ذاته مطل مواجه للطريق العام " ، مما مفاده أن من حق الجار أن يكون له مطل على جاره شريطة أن تراعى المسافة التى حددها المشرع فى هاتين المادتين ، لما كان ذلك و كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يبين مهية المطلات التى أقامها الطاعن و وجه مخالفتها للقانون ، و لم يعرض لدفاعه الذى تمسك به أمام محكمة الموضوع من تملكه الأرض التى تطل عليها هذه المطلات بوضع يده عليها المدة الطويلة المكسبة للملكية ، و هو دفاع جوهرى من شأنه إن صح أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى ، فإنه يكون معيباً بالقصور .
(الطعن رقم 1562 لسنة 51 جلسة 1988/01/13 س 39 ع 1 ص 89 ق 20)
3 ـ من المقرر أنه إذا كانت الفتحات مطلة مباشرة على ملك الجار عند الحد الفاصل بين العقارين فهى مطلات مقابلة لا منحرفة لأن هذه هى التى لا تسمح بنظر ملك الجار إلا بالالتفات عنها إلى اليمين أو إلى الشمال أو بالانحناء إلى الخارج و إذن فلا شك أن لذلك الجار الحق فى سد تلك الفتحات . لما كان ذلك و كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ما إستخلصه من الثابت بالأوراق و بتقرير الخبير من أن الفتحات محل النزاع التى أجراها الطاعن بمنزله الملاصق لمنزل و أرض المطعون ضدها تطل مباشرة على ملكها عند الحد الفاصل بين العقارين دون ترك المسافات المقررة قانوناً و إنها لذلك تعد مطلات مقابلة للمطعون ضدها و ليست مواجهة للطريق العام و من ثم فإن الطاعن بإقامته لها قد إعتدى على حق مشروع للمطعون ضدها و إذ إنها و قد أقامت على أرضها منزلاً و تركت جزءاً منها كممر لها كان من حقها إلزام جارها - الطاعن - بالقيود التى ترد على حق الملكية ، و إذ كان الثابت فضلاً عن ذلك أن ترخيص البناء الصادر للطاعن قد منعه من فتح تلك المطلات فإن الحكم المطعون فيه إذ إنتهى من كل ذلك إلى القضاء للمطعون ضدها بسد المطلات فإنه يكون قد وافق صحيح القانون و يكون النعى عليه على غير أساس .
(الطعن رقم 1839 لسنة 49 جلسة 1983/05/03 س 34 ع 2 ص 1116 ق 223)
4 ـ يدل نص المواد 819 ، 820 ، 821 من القانون المدنى على أن المشرع حرص على تقييد حق المالك فى فتح مطلات على ملك الجار رعاية لحرمه الجوار فحظر أن يكون للجار على جاره مطل مواجه على مسافة تقل عن متر ، أو أن يكون له مطل منحرف على مسافة تقل عن خمسين سنتيمتراً و يرتفع قيد المسافة عن كل مطل يفتح على طريق عام حتى و لو أمكن إعتباره فى نفس الوقت من المطلات المنحرفة بالنسبة إلى ملك الجار ، و لا يسرى هذا الحظر على المناور و هى تلك الفتحات التى تعلو قاعدتها عن قامة الإنسان المعتادة و أعدت لنفاذ النور و الهواء دون الأطلال منها على العقار المجاور ، و لما كانت مخالفة المالك لحظر فتح مطل على عقار جاره سواء أكان المطل مواجهاً أم منحرفاً تعد من مسائل القانون التى تنبسط إليها رقابة محكمة النقض فإنه يجب على الحكم المثبت لحصول هذه المخالفة و القاضى بإزالة المطلات أو بسدها أن يعرض لشروط تلك المخالفة فيبين بما فيه الكفاية ماهية . . الفتحات ، التى أنشأها الجار المخالف و ما إذا كان ينطبق عليها وصف المطل المواجه أو المنحرف و مقدار المسافة التى تفصله عن عقار الجار ، فإذا خلا الحكم مما يفيد بحث هذه الأمور فإن ذلك يعد قصوراً فى تسبيب الحكم يعجز محكمة النقض عن مراقبة تطبيق القانون ، لما كان ذلك و كان تقرير الخبير الذى أحال إليه الحكم المطعون فيه و أتخذه عماد القضائه لم يستظهر ماهية الفتحات التى أنشأها الطاعنون و مقدار إرتفاع قاعدتها عن سطح أرضية الدور المفتوحة فيه فإن الحكم المطعون فيه إذ إنتهى إلى تأييد قضاء محكمة أول درجة بسد هذه الفتحات دون أن يبين وجه مخالفتها للقانون يكون معيباً بالقصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 331 لسنة 54 جلسة 1990/03/08 س 41 ع 1 ص 716 ق 119)
والمطل إما أن يكون مطلاً مواجهاً يمكن الإطلال منه على ملك الجار مباشرة دون حاجة إلى الإلتفات يميناً أو شمالاً أو مطلاً منحرفاً لا يمكن الإطلاع على ملك الجار إلا بعد الإلتفات يميناً وشمالاً أو إلا بعد الإنحناء إلى الخارج.
ولما كان المطل المواجه هو أشد الفتحات مضايقة للجار ويليه المطل المنحرف ثم المنور فقد جعل القانون لكل حكمة وقيد المطل المواجه بقيد أشد من قيد المطل المنحرف وأطلق المنور من كل قيد .
تنص المادة 819 مدني على ما يأتي :
1- لا يجوز للجار أن يكون له على جاره مطل مواجه على مسافة تقل على متر وتقاس المسافة من ظهر الحائط الذي فيه المطل أو من حافة المشرية أو الخارجة .
2- وإذا كسب أحد بالتقادم الحق في مطل مواجه لملك الجار على مسافة تقل عن متر فلا يحق لهذا الجار أن يبني على أقل من متر يقاس بالطريقة السابق بيانها وذلك على طول البناء الذي فتح فيه المطل .
وتنص المادة 820 مدني على ما يأتي :
لا يجوز أن يكون للجار على جاره مطل منحرف على مسافة تقل عن خمسين سنتيمتراً من حرف المطل ولكن يرتفع هذا الحظر إذا كان المطل المنحرف على العقار المجاور هو في الوقت ذاته مطل مواجه للطريق العام .
ويخلص من هذه النصوص أن المطل مواجهاً كان أو منحرفاً يتقيد فتحه بأن يكون على مسافة معينة ومجال تطبيق قيد المسافة عام فيسري على المباني في المدن والقرى ولكن هناك مطلات كما سنرى معفاة من قيد المسافة فإذا وجب قيد المسافة فالمطلات المستوفية لهذا الشرط تترتب عليها أحكام غير تلك التي تترتب على المطلات غير المستوفية له.
قيد المسافة : هنا يجب التمييز بين المطل المواجهة والمطل المنحرف على النحو الذي قدمناه.
فإذا كان المطل مواجهاً، فهو أكثر مضايقه للجار المفتوح عليه المطل كما سبق القول لذلك تشترط المادة 819 / 1 مدني كما رأينا ألا يفتح على مسافة تقل عن متر وتقاس المسافة من ظهر الحائط الذي فيه المطل أو من حافة المشربة أو الخارجة فإذا كان المطل نافذة أو شباكاً مفتوحاً في حائط من حوائط المبنى أخذ الخط الذي يتلاقى فيه الحائط مع الأرض المقام عليها الحائط كبداية وأخذ الخط الذي يفصل ما بين العقارين كنهاية، فإن كانت المسافة ما بين خط البداية وخط النهاية متراً أو أكثر كان المطل المواجه مفتوحاً في حدود المسافة القانونية وإن كانت هذه المسافة أقل من متر كان المطل المواجه مجاوزاً لحدود المسافة القانونية وإذا كان المطل المواجه خارجة، شرفة كان أو فيراندا أو تيراساً أو بلكوناً أو غير ذلك كانت نقطة البداية هي حافة المشربة أو الخارجة ونقطة النهاية هي دائماً الخط الفاصل ما بين العقارين ويجب أن تكون المسافة ما بين هاتين النقطتين لا تقل عن متر وإذا كان العقاران يفصل فيما بينهما حائط مشترك فالخط الفاصل هو منتصف سمك هذا الحائط وعلى ذلك إذا كان حائط المبنى قائماً على مسافة تقل عن متر من الخط الفاصل أو كان من باب أولي قائماً على مسافة تقل عن متر من الخط الفاصل أو كان من باب أولي قائماً على الخط الفاصل ذاته وهذا جائز فإنه لا يصح في هاتين الحالتين أن تفتح في الحائط مطلات مواجهة .
أما إذا كان المطل منحرفاً فهو أقل مضايقة للجار ولذلك تقل المسافة فتصبح نصف متر بدلاً من متر وتقول المادة 820 مدني كما رأينا في هذا الصدد : لا يجوز أن يكون للجار على جاره مطل منحرف على مسافة تقل عن خمسين سنتيمتراً من حرف المطل فتقاس المسافة إن من حرف النافذة إلى الخط الفاصل ما بين العقارين فإن كانت نصف متر أو أكثر كانت المسافة قانونية وإلا فهي غير قانونية.
المطلات المعفاة من قيد المسافة : على أن هناك مطلات وأهمها ما يأتي :
أولاً - الأبواب ومداخل العقار فهذه لا تعتبر مطلات، إذ هي لا تعد للإطلال منها على الجار، بل هي موجودة أصلاً للدخول إلى العقار والخروج منه .
ثانياً - المطلات التي لا تكشف من العقار المجاور إلا حيطاناً مسدودة ما لم تنهدم هذه الحيطان، أو لا تكشف إلا السطح، أو التي لا يبصر الناظر منها إلا السماء فالحكمة من قيد المسافة هذه الحالات منعدمة، ومن ثم يجوز فتحها على أية مسافة كانت، بل يجوز فتحها في الحائط المقام على الخط الفاصل ما بين العقارين.
ثالثاً - المطلات المواجهة للطريق العام، ولو كانت مطلات منحرفة بالنسبة إلى العقار المجاور وقد نصت العبارة الأخيرة من المادة 820 مدني، كما رأينا، صراحة على هذا الحكم، إذا تقول : ولكن يرتفع هذا الحظر إذا كان المطل المنحرف على العقار المجاور هو في الوقت ذاته مطل مواجه للطريق العام وقد ورد هذا النص في شأن المطل المنحرف الذي يكشف عقاراً مملوكاً ملكية خاصة ولا حاجة لمثل هذا النص في شأن المطل المواجه للطريق العام إذا لم يكن مطلاً منحرفاً كاشفاً لعقار مملوك ملكية خاصة ذلك أن الطريق العام إنما تسري عليه القواعد والنظم التي تضعها السلطة العامة فليس في حاجة إلى قيد المسافة وهذا ما استقر عليه القضاء والفقه في فرنسا دون أن يوجد في التقنين المدني الفرنسي نص صريح في هذا المعنى.
فإذا ظل المطل المفتوح على أقل من المسافة القانونية على هذا النحو مدة خمس عشرة سنة وكانت الحيازة مستوفية لشرائطها وليست على سبيل التسامح وكان المطل غير معفي من قيد المسافة على النحو الذي بيناه فيما تقدم فإن صاحب المطل يكسب حق ارتفاق بالمطل بالتقادم ويكون له الحق في استيفاء مطلة مفتوحاً على أقل من المسافة القانونية كما هو وليس لصاحب العقار أن يعترض، حتى لو كان المطل مفتوحاً في حائط مقام على الخط الفاصل بين العقارين، بل ليس له في هذه الحالة أن يقيم حائطاً في ملكه إلا بعد أن يبتعد عن الخط الفاصل بمسافة متر أو بمسافة نصف متر بحسب الأحوال، وذلك حتى لا يسد المطل المكسوب بالتقادم كلياً أو جزئياً وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 819 مدني، كما رأينا، إذا تقول : " وإذا كسب أحد بالتقادم الحق في مطل مواجه لملك الجار على مسافة تقل عن متر، فلا يجوز لهذا الجار أن يبني على أقل من متر يقاس بالطريقة السابق بيانها، وذلك على طول البناء الذي فتح فيه المطل .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثامن، الصفحة : 1021)
المطلات المنحرفة هي الفتحات التي لا تمت بنظر ملك الجار إلا بالإلتفات إلى اليمين أو إلى الشمال، فيلزم وجود ملك حده زاوية مع حائط الملك الذي به الفتحات أو وجود ملل على مسافة بعيدة من الفتحات فلا يمكن رؤيته منها إلا بالإنحناء إلى خارجها، فإذا كان العقاران يقعان على خط مستقيم واحد فلا توجد بينهما مطلات مواجهة ولكن يمكن في هذه الحالة وجود مطل منحرف وحينئذ يلتزم صاحبه بقيد المسافة، ولاعتبار المطل المنحرف قانونياً يجب أن تكون المسافة من جرفه إلى الخط الفاصل ما بين العقارين لا تقل عن خمسين سنتيمتراً فإن كانت أقل ولو بسنتيمتر واحد كان المطل غير قانوني وتعين سده أو تصحيحه متى كان داخلياً أما أن كان على طريق عام فيسقط قيد المسافة.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 311)
المطل المنحرف هو الذي لا يسمح بالنظر إلى ملك الجار إلا بالإلتفات إلى اليمين أو إلى الشمال أو بالإنحناء إلى الخارج إذ يفتح في حائط يكون زاوية مع الحد الفاصل بين العقارين بحيث يتعين على من ينظر منه إلى ملك الجار أن يلتفت أو ينحني.
والمشروبات والخارجات يحكم عليها فيما يتعلق بنوع المطل الذي تكون بصرف النظر عن النافذة المتصلة بها فقد تكون هذه النافذة مطلاً منحرفاً بالنسبة إلى العقار المجاور وهو الذي يكون زاوية قائمة مع الحائط المفتوحة فيه، في حين أن المشربة أو الخارجة تكون بالنسبة إليه مطلاً مواجهاً لأنه يمكن النظر إليه منها دون الإلتفات أو الإنحناء .
فالمطلات المنحرفة تفترض وجود ملك يكون حده زاوية مع حائط المالك الموجودة فيه الفتحات، أو وجود ملك على مسافة بعيدة عن الفتحات، فلا يمكن رؤيته منها إلا بالإنحناء إلى خارجها.
على أنه يمكن أن تكون نفس الفتحة مطلاً مواجهاً ومنحرفاً في نفس الوقت، وذلك في حالة ما إذا كان ملك الجار يحدث زاوية حادة عند اتصاله بالحائط الذي فيه فتحة المطل. أما إذا كانت الزاوية قائمة أو منفرجة فلا يمكن أن يكون المطل إلا منحرفاً ولكن الخارجات عموماً، سواء أكانت أبراجاً أم شرفات، تكون مطلات مواجهة بالنسبة إلى الأراضي والمباني المواجهة لها من أية جهة من جهاتها ومطلات منحرفة بالنسبة إلى الأملاك المجانبة لها.
قيد المسافة :
قيد النص من فتح المطلات المنحرفة، إذ لا يجوز أن يكون للجار مطل منحرف على مسافة تقل عن خمسين سنتيمتراً من حرف المطل، أي أنه يجب أن يكون بين حرف المطل وملك الجار نصف متر على الأقل على أنه إذا كان المطل المنحرف مواجها في الوقت ذاته للطريق العام فإن القيد يرتفع بمعنى أنه إذا فتح المالك مطلاً مواجهاً على الطريق العام، وكان هذا المطل يعد في الوقت ذاته مطلاً منحرفاً بالنسبة لملك الجار، فلا يتقيد فتح مثل هذا المطل بمسافة معينة من ملك الجار من أي من جانبي المطل.
وقد راعى المشرع في تحديد هذه المسافة، أن المطل المنحرف هو أقل مضايقة للجار من المطل المواجه فأنقص قيد المسافة إلى نصف متر بل أعفي المالك من قيد المسافة إذا كان هذا المطل المنحرف مواجهاً في الوقت ذاته للطريق العام.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 386)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 216
جِوَارٌ
التَّعْرِيف:
1 - الْجِوَارُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - مَصْدَرُ جَاوَرَ، يُقَالُ: جَاوَرَ جِوَارًا وَمُجَاوَرَةً أَيْضًا. وَمِنْ مَعَانِي الْجِوَارِ الْمُسَاكَنَةُ وَالْمُلاَصَقَةُ، وَالاِعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْعَهْدُ وَالأْمَانُ.
وَمِنَ الْجِوَارِ الْجَارُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: الْمُجَاوِرُ فِي الْمَسْكَنِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْعَقَارِ أَوِ التِّجَارَةِ، وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَالْحَلِيفُ، وَالنَّاصِرُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ قَارَبَ بَدَنُهُ بَدَنَ صَاحِبِهِ قِيلَ لَهُ: جَارٌ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْجَارُ: مَنْ يَقْرُبُ مَسْكَنُهُ مِنْكَ، وَهُوَ مِنَ الأْسْمَاءِ الْمُتَضَايِفَةِ؛ فَإِنَّ الْجَارَ لاَ يَكُونُ جَارًا لِغَيْرِهِ إِلاَّ وَذَلِكَ الْغَيْرُ جَارٌ لَهُ، كَالأْخِ وَالصَّدِيقِ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ: وَهُوَ الْمُلاَصَقَةُ فِي السَّكَنِ أَوْ نَحْوِهِ كَالْبُسْتَانِ وَالْحَانُوتِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْجِوَارِ :
أ - حَدُّ الْجِوَارِ :
2 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ أَوِ الْمُقَابِلُ لَهُ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ ضَيِّقٌ لاَ يَفْصِلُهُمَا فَاصِلٌ كَبِيرٌ كَسُوقٍ أَوْ نَهْرٍ مُتَّسِعٍ، أَوْ مَنْ يَجْمَعُهُمَا مَسْجِدٌ أَوْ مَسْجِدَانِ لَطِيفَانِ مُتَقَارِبَانِ، إِلاَّ إِذَا دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْحَدِّ.
وَحَمَلُوا حَدِيثَ: «أَلاَ إِنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ» عَلَى التَّكْرِمَةِ وَالاِحْتِرَامِ، كَكَفِّ الأْذَى، وَدَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْبِشْرِ فِي الْوَجْهِ وَالإْهْدَاءِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ فَقَطْ؛ لأِنَّ الْجَارَ مِنَ الْمُجَاوَرَةِ، وَهِيَ الْمُلاَصَقَةُ حَقِيقَةً. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ هُوَ الْقِيَاسُ.
وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ (أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) إِلَى أَنَّ الْجَارَ هُوَ الْمُلاَصِقُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَجْمَعُهُمُ الْمَسْجِدُ؛ لأِنَّ هُمْ يُسَمَّوْنَ جِيرَانًا عُرْفًا وَشَرْعًا، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ» وَجَاءَ تَفْسِيرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مَوْقُوفًا بِمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِرَّ الْجِيرَانِ فَاسْتِحْبَابُهُ شَامِلٌ لِلْمُلاَصِقِ وَغَيْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الاِخْتِلاَطِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْمُجَاوَرَةِ كَانَ لاَ بُدَّ مِنِ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ لِتَحَقُّقِ الاِخْتِلاَطِ.
ب - حُقُوقُ الْجِوَارِ :
3 - جَاءَتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ تَحُضُّ عَلَى احْتِرَامِ الْجِوَارِ، وَرِعَايَةِ حَقِّ الْجَارِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).
فَالْجَارُ ذُو الْقُرْبَى، هُوَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ. وَالْجَارُ الْجُنُبُ: هُوَ الَّذِي لاَ قَرَابَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. أَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
وَقَوْلُهُ صلوات الله عليه وسلم : «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ. قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَأْكِيدُ حَقِّ الْجَارِ لِقَسَمِهِ صلي الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، وَتَكْرِيرِهِ الْيَمِينَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَفِيهِ نَفْيُ الإْيمَانِ عَمَّنْ يُؤْذِي جَارَهُ بِالْقَوْلِ، أَوْ بِالْفِعْلِ، وَمُرَادُهُ الإْيمَانُ الْكَامِلُ. وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْعَاصِيَ غَيْرُ كَامِلِ الإْيمَانِ.
وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ». وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» هَذَا وَاسْمُ (الْجَارِ) جَاءَ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ، وَغَيْرَ الْمُسْلِمِ، وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ، وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ، وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ، وَالْقَرِيبَ وَالأْجْنَبِيَّ، وَالأْقْرَبَ دَارًا وَالأْبْعَدَ، وَلَهُ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ.
قَالَ أَحْمَدُ: الْجِيرَانُ ثَلاَثَةٌ: جَارٌ لَهُ حَقٌّ، وَهُوَ الذِّمِّيُّ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ. وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الأْجْنَبِيُّ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَحَقُّ الإْسْلاَمِ. وَجَارٌ لَهُ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ: وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الإْسْلاَمِ وَحَقُّ الْقَرَابَةِ.
وَأَوْلَى الْجِوَارِ بِالرِّعَايَةِ مَنْ كَانَ أَقْرَبَهُمْ بَابًا. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ حِينَ قَالَ: بَابٌ: حَقُّ الْجِوَارِ فِي قُرْبِ الأْبْوَابِ. وَأَدْرَجَ تَحْتَهُ حَدِيثَ «عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا».
وَمِنْ حُقُوقِ الْجِوَارِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ حَقُّ الْجِوَارِ كَفَّ الأْذَى فَقَطْ، بَلِ احْتِمَالُ الأْذَى، فَإِنَّ الْجَارَ أَيْضًا قَدْ كَفَّ أَذَاهُ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قَضَاءُ حَقٍّ وَلاَ يَكْفِي احْتِمَالُ الأْذَى، بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ الرِّفْقِ، وَإِسْدَاءِ الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ.. وَمِنْهَا: أَنْ يَبْدَأَ جَارَهُ بِالسَّلاَمِ، وَيَعُودَهُ فِي الْمَرَضِ، وَيُعَزِّيَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَيُهَنِّئَهُ عِنْدَ الْفَرَحِ، وَيُشَارِكَهُ السُّرُورَ بِالنِّعْمَةِ، وَيَتَجَاوَزَ عَنْ زَلاَّتِهِ، وَيَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَارِمِهِ، وَيَحْفَظَ عَلَيْهِ دَارَهُ إِنْ غَابَ، وَيَتَلَطَّفَ بِوَلَدِهِ، وَيُرْشِدَهُ إِلَى مَا يَجْهَلُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.. هَذَا إِلَى جُمْلَةِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ الْمُجَاوَرَةَ تُوجِبُ لِكُلٍّ مِنَ الْحَقِّ مَا لاَ يَجِبُ لأِجْنَبِيٍّ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا لاَ يَحْرُمُ عَلَى الأْجْنَبِيِّ. فَيُبِيحُ الْجِوَارُ الاِنْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْجَارِ الْخَالِي مِنْ ضَرَرِ الْجَارِ، وَيَحْرُمُ الاِنْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْجَارِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِضْرَارٌ.