مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : السادس، الصفحة : 101
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- أدخل المشروع من المرونة على الحق في طلب القسمة ما يجعل هذا الحق يتمشى مع مصلحة الشركاء ولا يقبل فيه التحكم والأصل أن كل شريك من حقه أن يطلب القسمة حتى يتخلص من الشيوع على أنه قد يجبر على البقاء في الشيوع بمقتضى نص في القانون كما هو الحال في الشيوع الإجباري إذا تبين من الغرض الذي أعد له المال أنه يجب أن يبقى دائماً على الشيوع (م 1221 من المشروع ) وكما هو الحال في الأجزاء المشتركة في ملكية الطبقات (م 1227 من المشروع ) وقد يكون البقاء في الشيوع متفق عليه بين الشركاء كما هو الحال في ملكية الأسرة (م 1222 وما بعدها من المشروع ) وقد يتفق الشركاء في الشيوع المعتاد على البقاء فيه إلى أجل يجب ألا يزيد على خمس سنين فإن زاد أنقص إلى المدة المنصوص عليها في هذه المادة .
(أنظر م 711/621 ) من تقنين المرافعات ونصها مقصور على العقار دون المنقول.
2- على أن المحكمة تملك حرية التقدير في كل ذلك بما يتفق مع مصالح الشركاء كما تقدم فلها أن تلزم الشركاء أن يبقوا في الشيوع دون أن يكون هناك سابق إتفاق على ذلك إذا رأت أن القسمة في الحال ضارة بمصلحتهم ولها من باب أولى أن تبقى الشيوع حتى بعد إنتهاء الأجل المحدد للبقاء فيه بين الشركاء وعلى العكس عن ذللك لها أن تأمر بالقسمة حتى قبل انتهاء الأجل المحدد للبقاء في الشيوع كل هذا إذا كان هناك سبب قوي يبرره وتتوخى المحكمة في تقدير الظروف مصالح الشركاء جميعاً.
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 1202 من المشروع واقترح حذف الفقرة الثانية منها لعدم الموافقة على حكمها فوافقت اللجنة وأصبح نصها :
لكل شريك أن يطالب بقسمة المال الشائع ما لم يكن مجبر على البقاء في الشيوع بمقتضى نص أو إتفاق، ولا يجوز بمقتضى الاتفاق أن تمنع القسمة إلى أجل يجاوز خمس سنين فإذا كان الأجل لا يجاوز هذه المدة نفذ الاتفاق في حق الشريك وفي حق من يخلفه .
وأصبح رقمها 905 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
تقرير لجنة الشئون التشريعية :
وافقت اللجنة على المادة بعد إضافة فقرة ثانية إليها وأصبح نصها :
1- لكل شريك أن يطالب بقسمة المال الشائع ما لم يكن مجبراً على البقاء في الشيوع بمقتضى نص أو إتفاق، ولا يجوز بمقتضى الاتفاق أن تمنع القسمة إلى أجل يجاوز خمس سنين، فإذا كان الأجل لا يجاوز هذه المدة نفذ الاتفاق في حق الشريك وفي حق من يخلفه .
2- ومع هذا فللمحكمة بناءً على طلب أحد الشركاء أن تأمر بإستمرار الشيوع حتى إلى ما بعد الأجل المتفق عليه وحتى لو لم يوجد أي إتفاق على البقاء في الشيوع وذلك متى كانت القسمة العاجلة ضارة بمصالح الشركاء كما لها أن تأمر بالقسمة في الحال حتى قبل إنقضاء الأجل المتفق عليه إذا وجد سبب قوي يبرر ذلك .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة - تحت رقم 903 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة السابعة والثلاثين
تليت المادة 903 فقرة أولى وهي الخاصة بحق كل شريك في طلب قسمة المال الشائع ما لم يكن مجبراً على البقاء في الشيوع بمقتضى نص أو إتفاق و بعدم جواز منع القسمة بمقتضى الإتفاق إلى أجل يجاوز خمس سنين ووافقت عليها اللجنة .
ولما تليت الفقرة الثانية التي أضافها مجلس النواب وهي الخاصة بالرخصة التي أعطى بمقتضاها للقاضي أن يأمر بناءً على طلب أحد الشركاء بإستمرار الشيوع إقترح الرئيس حذف هذه الفقرة بحجة أن القاعدة القانونية هي أن الاتفاق قانون المتعاقدين، ولذا لا يصح الخروج عليها إلا لسبب يتعلق بالنظام العام ويجب احترام اتفاقات الشركاء في هذا الشأن لأنه قد تكون لهم ظروف قوية في البقاء أو عدم البقاء في الشيوع.
وقد عارض العشماوي باشا هذا الإقتراح قائلاً إن من المصلحة إعطاء القاضى شيئاً من السلطة ليتدخل في بعض حالات الشيوع الضارة فالرخصة المنصوص عليها في هذه الفقرة لها قيمتها والمفروض أن القاضي سيستعملها إستعمالاً معقولاً وسيخضع في ذلك لرقابة محكمة الإستئناف إلا أن سعادته يخشى من إطلاق تلك السلطة التي تجيز للقاضي أن يأمر بإستمرار الشيوع إلى ما بعد الأجل المعين في الفقرة الأولى .
وقد ذكر معالي السنهورى باشا أن المسألة ترجع إلى تقدير القاضي للاتفاقات التي تقع على الشيوع ومع ذلك فلا بأس من تحديد المدة التي يأمر فيها القاضي بإستمرار البقاء في الشيوع بمدة معقولة أو بثلاث سنوات أو بخمس .
قرار اللجنة :
رأت اللجنة إرجاء البت في هذه الفقرة لجلسة مقبلة .
محضر الجلسة الثانية والخمسين
تليت المادة 903 فأعادت اللجنة مناقشة الفقرة الثانية منها بما لا يخرج عما سبق أن دون في المحضر السابق .
ووافقت بالأغلبية على حذف هذه الفقرة إحتراماً للاتفاق وحتى لا يفتح باب للمنازعات أي أن اللجنة لم توافق على الإضافة التي أضافها مجلس النواب إلى المادة 903 توخياً لاستقرار التعامل .
تقرير اللجنة :
لم تر اللجنة الأخذ بالإضافة التي أقرها مجلس النواب توخياً لاستقرار التعامل .
وأصبح رقم المادة 834
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .
مفاد النص فى المادة 834 من القانون المدنى أن لكل شريك أن يطالب بقسمة المال الشائع ما لم يكن مجبراً على البقاء فى الشيوع بمقتضى نص أو أتفاق وأنه لا يجوز أن تمنع القسمة بمقتضى الشركاء المشتاعين إلى أجل يجاوز خمس سنين وهو ما يجعل الأصل فى حالة الشيوع بحسب التنظيم القانونى لها التأقيت وليس الدوام .
(الطعن رقم 6027 لسنة 74 جلسة 2014/07/01)
تنص المادة 834 مدني على ما يأتي :
لكل شريك أن يطالب بقسمة المال الشائع ما لم يكن مجبراً على البقاء في الشيوع بمقتضى نص أو إتفاق ولا يجوز بمقتضى الاتفاق أن تمنع القسمة إلى أجل يجاوز خمس سنين فإذا كان الأجل لا يجاوز هذه المدة نفذ الاتفاق في حق الشريك وفي حق من يخلفه.
ويتبين من هذا النص أن كل شريك ما لم يكن في شيوع إجباري بموجب نص في القانون وما لم يكن قد اتفق مع سائر الشركاء على البقاء في الشيوع لمدة معينة من حقه في أي وقت ما دام الشيوع قائماً أن يطلب قسمة المال الشائع فإذا كان الشيوع قد زال بالقسمة لم يجز طلب قسمة المال مرة أخرى بعد القسمة الأولى إذ ثبت أن القسمة الأولي باطلة أو أن بها عيباً يجيز إبطالها فأبطلت أو أنها فسخت أو زالت بأي وجه كذلك لا يثبت الحق في القسمة قبل إبتداءً الشيوع فإتفاق الورثة قبل موت مورثهم على قسمة ما سيؤول إليهم من تركته يكون باطلاً باعتباره تعاملاً في تركة مستقبله .
كذلك لا يجوز للشريك أن يطلب القسمة إذا كان قد تقيد بإتفاق مع سائر الشركاء على البقاء في الشيوع لمدة معينة وطوال هذه المدة والذي يدعو الشركاء إلى الإنفاق على البقاء في الشيوع دواع متنوعة فقد يكون بينهم من هو ناقص الأهلية تقتضي القسمة معه إجراءات معينة قد تطول ويكون ناقص الأهلية ستستكمل أهليته بعد زمن غير طويل فيتفق الشركاء ويتفق معهم النائب عن ناقص الأهلية على أن يبقوا جميعاً في الشيوع إلى أن يستكمل ناقص الأهلية أهليته وقد يكون بين الشركاء في الشيوع غائب يتوقعون قدومه بعد مدة معينة فيتفق باقي الشركاء على البقاء في الشيوع هذه المدة حتى يقدم الغائب وقد يكون أمام الشركاء في الشيوع مشروع لإستغلال المال أو لإجراء إصلاحات فيه وهو في حالة الشيوع فيتفق الشركاء على البقاء في الشيوع المدة اللازمة للقيام بهذا المشروع أو لإنجاز الإصلاح المطلوب وقد تقتضي القسمة بيع بعض أعيان شائعة وبيعها فوراً يعود عليهم بخسارة فيستبقون بالاتفاق الشيوع لمدة معينة حتى تواني فرصة ملائمة ليبيع هذه الأعيان.
وهكذا نرى أن هناك أسباباً متنوعة قد تقتضي من الشركاء أن يبقوا في الشيوع مدة معينة فيعمدون إلى الاتفاق فيما بينهم على البقاء في الشيوع طوال هذه المدة ولا يوجد ما يمنع من أن يكون الاتفاق على البقاء في الشيوع مقصوراً على بعض الأموال الشائعة دون البعض الآخر.
والاتفاق على البقاء في الشيوع يقع عادة بين جميع الشركاء ولما كان البقاء في الشيوع عملاً من أعمال الإدارة فالاتفاق عليه لا يقتضي من الشريك إلا أن يكون متوافراً على أهلية الإدارة فلا تلزم أهلية التصرف وليس من الضروري أن يدخل في الاتفاق جميع الشركاء فقد يتفق بعض الشركاء على البقاء في الشيوع فيكون هذا الاتفاق ملزماً لهم دون غيرهم من الشركاء الذين يدخلوا في الاتفاق.
وقد رأينا مثلاً لذلك فيما قدمناه من الاتفاق على البقاء في الشيوع بين الشركاء إذا كان بينهم غائبون فلا يدخل هؤلاء في الاتفاق ولا يكون ملزماً لهم والاتفاق على البقاء في الشيوع ملزم للشريك الذي دخل فيه وخلفه العام والخاص أي للوارث وللمشتري حصة الشريك ونص المادة 834 مدني صريح كما رأينا في إلزام الخلف ولما كان النص مطلقاً فإن الخلف الخاص ( المشتري ) يلتزم بالاتفاق سواء كان يعلم وقت الشراء بوجود الاتفاق أو لم يعلم وهذا على خلاف القاعدة العامة في الخلف الخاص الذي لا ينتقل إليه إلتزام سلفه إلا إذا كان عالماً به وقت التعاقد مع هذا السلف .
وقد رأينا أن المادة 834 مدني تعيين للإتفاق على البقاء في الشيوع حداً أقصى للمدة هو خمس سنوات حتى لا يجير الشركاء على البقاء في الشيوع إلا مدة معقولة فإذا حدد الشركاء المدة التي يبقون فيها علي الشيوع بسنة أو بأقل أو بأكثر جاز ذلك بشرط إلا تزيد المدة على خمس سنوات فإن حدد الشركاء مدة أطول من خمس سنوات أو جعلوا الاتفاق مؤبداً أو حددوا مدة غير معينة ومثل تحديد مدة غير معينة أن يتفق الشركاء على البقاء في الشيوع حتى موت أحدهم ( الأم أو الأب مثلاً ) كذلك تكون المدة خمس سنين إذا لم يحدد الشركاء في الاتفاق على البقاء في الشيوع مدة أصلاً، كانت المدة ففي جميع هذه الفروض خمس سنوات لا تزيد وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : " وقد يتفق الشركاء في الشيوع المعتاد على البقاء فيه إلى أجل يجب إلا يزيد على خمس سنين فإن زاد أنقص إلى المدة المنصوص عليها في هذه المادة وجاء في المادة 1070 مدني عراقي : " فإذا اتفق الشركاء على البقاء في الشيوع مدة أطول أو مدة غير معينة فلا يكون الاتفاق معتبراً إلا لمدة خمس سنين ".
أما إذا تبين أن الشركاء وقد تعاقدوا على مدة أطول من خمس سنوات ما كانوا ليتعاقدوا لو أن المدة كانت خمس سنوات فقط فعند ذلك يكون التعاقد كله باطلاً تطبيقاً للمادة 143 مدني .
على أنه من الجائز إذا اتفق الشركاء على البقاء في الشيوع مدة خمس سنوات وانقضت هذه المدة أن يجددوا الاتفاق لمدة خمس سنوات ثانية ثم لمدة خمس سنوات ثالثة وهكذا ولكن إذا كان قد انقضى من إحدى هذه المدد وقت يقل عن خمس سنوات كأن انقضى ثلاث سنوات وعمد الشركاء إلى التجديد فإن التجديد في هذه الحالة لا يجوز أن يكون إلا لمدة لا تزيد على خمس سنوات من وقت نهاية ثلاث السنوات التي انقضت لا من وقت انقضاء خمس السنوات التي كان الاتفاق قد تم عليها فتجديد المدة معناه هنا إذن إستبدال المدة الجديدة بالباقي من المدة القديمة ولو قلنا بغير ذلك لأمكن الشركاء بطريق غير مباشر أن يتعاقدوا على مدة أطول من خمس سنوات بأن يتعاقدوا أولاً على خمس سنوات وفي اليوم التالي مثلاً يتعاقدون على خمس سنوات أخرى فيصلوا بذلك إلى التعاقد على عشر سنوات ويترتب على ذلك أن الاتفاق على البقاء في الشيوع لمدة خمس سنوات إذا تضمن شرطاً يقضي بتجديد المدة بعد انقضائها لا يسري إلا لمدة خمس سنوات دون تجديد تلقائي فإذا انقضت مدة خمس السنوات جاز للشريك أن يعارض في التجديد وبذلك لا يكون ملزماً لمدة تزيد على خمس سنوات أما إذا كانت المدة الأصلية ثلاث سنوات مثلاً وتضمن الاتفاق شرطاً بالتجديد سنتين أخرين جاز ذلك إذ كان في الإمكان الاتفاق على خمس سنوات منذ البداية فيصلوا بذلك الى التعاقد على عشر سنوات .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثامن، الصفحة : 1168)
لكل شريك أن يطالب بقسمة المال الشائع في أي وقت فلا يسقط هذا الحق بالتقادم ويتقيد هذا الحق إذا وجد نص في القانون يجعل الشيوع إجبارياً أو إتفاق على بقائه مدة معينة يجب ألا يتجاوز خمس سنوات من وقت الاتفاق ولما كان البقاء في الشيوع يعد عملاً من أعمال الإدارة فيلزم له أهلية الادارة ويرى عبد الباقي أن الأهلية اللازمة للبقاء في الشيوع هي أهلية التصرف وإن اتفق على عدة أطول من خمس سنوات بطل الاتفاق فيما جاوزها ولا يوجد ما يمنع من تكرار الاتفاق على مدد متعاقبة كل منها لا يجاوز خمس سنوات على أن يكون كل جديد بعقد جديد وينفذ هذا الاتفاق في حق الشركاء وفي حق خلفهم ويجوز التمسك بالاتفاق ضد حالی الشركاء وللشركاء أن يتفقوا جميعاً على قسمة المال الشائع قبل إنقضاء هذه المادة ونصت المادة 41 من المرسوم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال على أن للمحكمة أن توقف القسمة مدة لا تجاوز خمس سنوات إذا ثبت لها في التعجيل بها ضرر جسيم إذا كانت دعوى القسمة مرفوعة على القاصر أو المحجور عليه أو الغائب من وارث آخر وطلب ذلك من ينوب عنه أو النيابة العامة ويدفع الشركاء إلى الاتفاق وجود مشروع يلزم لحسن استغلاله أن يقي مدة معينة دون قسمة أو يكون هناك إحتمال أفضل إذا تمت القسمة بعد مدة معينة ويكون الشيوع إجبارياً كما في الحائط المشترك والطريق المشترك والناقع المشتركة في ملكية الطبقات فيما بعد .
ويعرض الشريك رغبته في القسمة قاموا علي باقي الشركاء فإذا وافقوا جميعاً على القسمة قاموا بتحرير عقد قسمة وبذلك تتم القسمة الرضائية أو الاتفاقية أما إذا لم يوافقوا أو لم يوافق أحدهم فلا تتم القسمة وحينئذ يجوز للشريك الراغب في القسمة اللجوء للقسيمة القضائية.
إذا انعقد إجماع الشركاء على البقاء في الشيوع وجب أن يكون ذلك لمدة لا تجاوز خمس سنين فإن مجاوزته جاز لكل شريك أن يطلب إجراء القسمة رضاءً أو قضاءً وإذا إنقضت المدة وظل الشركاء ينتفعون بالمال باعتباره شائعاً فيما بينهم وثار خلاف في شأن الإنتفاع به فليس للمحكمة من تلقاء نفسها أن تقضي بانقضاء الشيوع وإذا طلبه أحد الشركاء فلا تقضى به المحكمة إذا تبين لها أن إرادة الشركاء اجتمعت على البقاء في الشيوع وحينئذ يستمر الشيوع لمدة خمس سنوات أخرى من تاريخ إنقضاء الخمس سنوات السابقة أو لمدة مماثلة للمدة التي تضمنها الاتفاق السابق إعمالاً للإرادة الضمنية للشركاء فلا يلزم الاتفاق مسبقاً قبل إنقضاء المدة على عدم الالتزام بالاتفاق إذ تنتج الإرادة الضمنية آثارها مثلها في ذلك مثل الإرادة الظاهرة طالما اتجهت لإحداث هذا الأثر .
وإذا إنقضت المدة وأخطر أحد الشركاء بعدم رغبته في البقاء في الشيوع دلت هذه الإرادة الظاهرة على إحداث هذا الأثر مما يحول دون قيام الإرادة الضمنية بحيث إذا لم يطلب القسمة رغم إنقضاء الوقت فلا يترتب على ذلك سقوط حقه فيها والإلتزام بالبقاء في الشيوع لمدة مماثلة للمدة التي تضمنها الاتفاق.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 469)
قسمة المال الشائع هي إجراء يختص بموجبه كل شريك في المال الشائع بجزء مفرز من المال الشائع يتناسب مع حصته الشائعة في هذا المال.
والقسمة بهذا المعنى يطلق عليها (القسمة النهائية) وهو المعنى الذي يقصد من لفظ القسمة إذا أطلق فهي ترد على الملكية وينتهي بها الشيوع.
وهناك نوع آخر من القسيمة يطلق عليه (قسمة المهايأة) وهي عبارة عن تقسيم المنافع الشيء الشائع بين الشركاء فهي قسمة انتفاع لا قسمة ملكية ومن ثم لا ينتهى بها الشيوع وإنما تكون عملية مؤقتة تكفل تنظيم الانتفاع بالمال الشائع.
ويتضح من هذا النص أن من حق كل شريك في الشيوع أياً كان مقدار نصيبه في المال الشائع أن يطلب قسمة المال الشائع في أي وقت مادام الشيوع قائماً.
والشريك في الشيوع هو المالك لنصيب في المال الشائع فإذا لم تكن الملكية قد إستقرت لأحد الشركاء في المال الشائع فلا يجوز له طلب القسمة.
وبالترتيب على ذلك لا يجوز للأشخاص الآتي ذكرهم طلب القسمة :
المشترى لحصة شائعة بمقتضى عقد بيع عرفي لأن الملكية في المواد العقارية لا تنتقل - سواء بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير- إلا بالتسجيل.
فإذا لجأ المشتري بموجب عقد بيع عرفي إلى القسمة القضائية برفع دعواه أمام المحكمة الجزئية المختصة كانت دعواه غير مقبولة لرفعها قبل الأوان.
المشتري بعقد بيع عرفي صدر له حكم بصحة ونفاذ عقده دون أن يسجل هذا الحكم المستأجر لجزء من المال الشائع.
وليس لطلب القسمة أجل معين فيمكن طلب القسمة مهما كانت مدة بقاء الشريك فلا يسقط حق طلب القسمة بعدم الاستعمال أي بالتقادم المسقط لأن الشيوع حالة متجددة وهو ما يؤدى إلى تجدد الحق في طلب القسمة باستمرار طوال مدة بقاء الشيوع كل ذلك ما لم يوجد اتفاق بين الشركاء على البقاء في الشيوع خلال المدة التي يحددها القانون.
فالبقاء في الشيوع إما أن يكون بموجب نص في القانون أو بموجب اتفاق ونعرض لهاتين الحالتين فيما يأتي :
أولاً : البقاء في الشيوع بمقتضى نص في القانون :
قد يكون الشريك في المال الشائع مجبراً على البقاء في الشيوع بموجب نص في القانون سواء في القانون المدني أو غيره من التشريعات وهو ما يطلق عليه الشيوع الإجباري إذا يجب عليه التزام ما يقضي به النص الذي يفرض الشيوع فلا يجوز له طلب القسمة.
ومن أمثلة ذلك :
(1) - الشيوع الإجباري مراعاة للغرض الذي أعد له المال الشائع وفقاً لنص المادة 850 مدنی والتي تجري على أن : " ليس للشركاء في مال شائع أن يطلبوا قسمته إذا تبين من الغرض الذي أعد له المال أنه يجب أن يبقى دائماً على الشيوع " فالعبرة في هذا الشأن بالغرض الذي أعد له المال الشائع فإذا كان هذا الغرض يقتضي أن يبقى المال دائماً على الشيوع ولا يمكن الانتفاع به إلا مع بقائه على هذه الحال كان الشيوع إجبارياً وهذه مسألة موضوعية فقاضى .
الموضوع هو الذي يقدر ما إذا كان المال الشائع ضرورياً للاستعمال المشترك وما إذا كانت القسمة من شأنها أن تعوق استعمال هذا المال أو تجعل الانتفاع به على النحو الذي أعد له مستحيلاً.
ويمكن أن ترد حالات الشيوع الإجباري إلى نوعين :
أ- الشيوع الإجباري أصلياً بمعنى أن الأشياء الشائعة لا تكون تابعة العقار وإنما توجد مستقلة فهي توجد مستقلة وتكون مخصصة بطبيعتها لخدمة أو استعمال جماعة من الأفراد على وجه دائم كمباني المدافن العائلية وكصور ووثائق الأسرة.
ب- الشيوع الإجبارى تبعاً وهو الذي تكون الأشياء الشائعة فيه تابعة العقارات يملكها ملاك مختلفون لكل منهم ملكية مفرزة وتعتبر من الملحقات الضرورية المخصصة لخدمة هذه العقارات.
وهذا النوع من الشيوع يفوق في أهميته النوع الأول وتتعدد حالاته في العمل ومثل ذلك حالة المسقاة المملوكة لعدة ملاك على الشيوع فيما بينهم مع تخصيصها لرى الأراضي التي يملكها كل منهم ملكية مفرزة ويتحقق ذلك عملاً إذا شق مالك أرض مسقاة خاصة فيها ثم يتوفى عن عدة ورثة فقد يرى الورثة عند قسمة الأرض أن يبقوا المسقاة شائعة بينهم مع تخصيصها لرى الأجزاء التي يختص بها كل منهم ومثل ذلك أيضاً الممر أو الفناء الذي يبقيه الشركاء في الشيوع بعد اقتسام الأراضي المحيطة به.
وقد خص الشارع بعض حالات الشيوع التبعي هذه بتنظيم تفصیلی نظراً لأهميتها ومن أمثلة ذلك :
1- حالة الحائط المشترك، وهو يفصل بين عقارين مملوك كل منهما ملكية مفرزة لأحد الشريكين في الحائط وهو مخصص لخدمة هذين العقارين (المواد من 814 - 817 مدنی).
2- حالة ملكية الأسرة فقد نصت المادة 853/1 مدني على أنه ليس الشركاء أن يطلبوا القسمة ما دامت ملكية الأسرة قائمة والاتفاق على إنشاء ملكية الأسرة يكون لمدة لا تزيد على خمس عشرة سنة (م 1/852 مدنی).
3- ما تنص عليه المادة 41 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال من أنه إذا رفعت دعوى (قسمة) على القاصر أو المحجور عليه أو الغائب من وارث آخر جاز للمحكمة بناءً على طلب من ينوب عنه أو بناءً على طلب النيابة العامة أن توقف القسمة مدة لا تجاوز خمس سنوات إذا ثبت لها أن في التعجيل بها ضرراً جسيماً.
ثانياً : البقاء في الشيوع بموجب إتفاق :
إن الحق في طلب القسمة ليس متعلقاً - بحسب المبدأ - بالنظام العام ومن ثم يجوز الاتفاق على تعطیله تعطيلاً مؤقتاً فيتفق الشركاء في المال الشائع على البقاء في الشيوع مدة معينة وهذا الاتفاق يمنعهم طوال هذه المدة من طلب قسمة المال الشائع.
ويدفع الشركاء إلى هذا الاتفاق تحقيق مصلحة لهم في البقاء بالشيوع مدة معينة مثل ذلك أن يكون بين الشركاء غائب يتوقعون عودته بعد فترة معينة أو يكون بين الشركاء ناقص الأهلية سيبلغ سن الرشد بعد مدة ليست طويلة فيتفقون مع النائب عن ناقص الأهلية على البقاء في الشيوع مدة معينة حتى يبلغ سن الرشد.
وقد تقتضى القسمة بيع بعض أعيان المال الشائع ويؤدى بيعها في الحال إلى خسارة لهم فيتفقون على البقاء في الشيوع حتى تسنح لهم الفرصة ببيع هذه الأطيان بما يحقق صالحهم.
ونعرض لأحكام البقاء في الشيوع بموجب اتفاق تفصيلاً على النحو الآتي :
أحكام خاصة بالاتفاق على البقاء في الشيوع :
(أ) – الاتفاق على البقاء في الشيوع من أعمال الإدارة :
يخضع الاتفاق على البقاء في الشيوع من حيث انعقاده وصحته لحكم القواعد العامة.
غير أنه يجب مراعاة أن الاتفاق على البقاء في الشيوع من أعمال الإدارة وليس من أعمال التصرف.
ويترتب على ذلك أنه يكفي أن تتوافر في الشريك أهلية الإدارة دون أهلية التصرف.
(ب) يجوز أن يكون الاتفاق على البقاء في الشيوع من بعض الشركاء :
لا يلزم أن يكون الاتفاق على البقاء في الشيوع من جميع الشركاء في المال الشائع وإنما يجوز أن يتفق بعض الشركاء في المال الشائع دون البعض الآخر على البقاء في الشيوع كأن يكون من بين الشركاء غائبون فيتفق الشركاء الحاضرون على البقاء في الشيوع ويكون اتفاقهم صحيحاً ملزماً لمن وافق عليه فلا يجوز لأيهم خلال المدة المتفق عليها أن يطلب القسمة.
أما من لم يوافق فلا شك أنه يجوز له في أي وقت أن يطلب القسمة كما يجوز له أن ينضم إلى الاتفاق الذي أبرمه البعض.
ويجب عدم الخلط في هذا المجال إذ ربما يقال إنه متى كان هذا الاتفاق عملاً من أعمال الإدارة فإنه يجوز للأغلبية التي حددها القانون أن تعقده فتلتزم الأقلية به لأن عمل الإدارة الذي يجوز للأغلبية أن تقرر القيام به متعلق باستغلال المال وليس بمنع قسمته.
(ج) الحد الأقصى لمدة البقاء في الشيوع :
أوضحنا سلفا أن المادة 834 مدني تنص على أنه :
ولا يجوز بمقتضى الاتفاق أن تمنع القسمة إلى أجل يجاوز خمس سنين.
فهذه المادة وضعت حداً أقصى للاتفاق على البقاء في الشيوع هو مدة خمس سنوات.
والحكمة من تحديد المدة المذكورة حدا أقصى للاتفاق على البقاء في الشيوع ألا يجبر الشركاء على البقاء في الشيوع إلا مدة معقولة ولكن يظل الشيوع حالة استثنائية فيكون لكل شريك الحق في طلب إنهائها لكي تعود الملكية إلى وضعها الطبيعي فلا يجوز أن تزيد مدة البقاء في الشيوع على خمس سنوات أو أن تكون مدة البقاء في الشيوع مؤبدة أو مدة غير معينة كأن ترتبط المدة بواقعة غير معلومة سلفاً بأن يتفق الشركاء مثلاً على الاستمرار في الشيوع حتى وفاة أحدهم أو شخص من الغير.
فإذ كانت مدة البقاء في الشيوع مؤبدة أو غير معينة فإن هذه المدة تكون خمس سنوات وكذلك إذا اتفق الشركاء على مدة تزيد على خمس سنوات انقضت هذه المدة إلى خمس سنوات، ما لم يتبين أن المدة المتفق عليها لا تنفصل عن جملة التعاقد بمعنى أن الشركاء ما كانوا ليرتضوا الاتفاق بدون هذه المدة كلها إذا أنه حينئذ يبطل الاتفاق كله طبقاً للقاعدة العامة .
في انتقاص العقد التي نصت عليها المادة 143 مدني بقولها :
إذا كان العقد في شق منه باطلاً أو قابلاً للإبطال فهذا الشق وحده هو الذي يبطل إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلاً أو قابلاً للإبطال فيبطل العقد كله " غير أن تحريم زيادة مدة الاتفاق على البقاء في الشيوع على خمس سنوات لا يمنع من الاتفاق من جديد على مدة أخرى ولعدد غير محدد من المرات.
والاتفاق على التجديد لكي ينتج أثره کاملاً يجب أن يتم بعد انقضاء مدة خمس السنوات السابقة أما إذا اتفق الشركاء المشتاعون على تجديد اتفاقهم لمدة خمس سنوات أخرى قبل انقضاء المدة الأولى فإن خمس السنوات الجديدة يبدأ سريانها في الحال من وقت الاتفاق عليها دون انتظار انتهاء المدة الأصلية إذ أن القول بغير ذلك يجعل الشركاء في الشيوع ملتزمين من وقت الاتفاق الجديد بالبقاء في الشيوع مدة تزيد على خمس سنوات وهذا لا يجوز .
وإذا تضمن الاتفاق شرطاً يقضي بتجديد المدة بعد انقضائها لا يسرى الاتفاق إلا لمدة خمس سنوات دون تجديد تلقائي أما إذا كانت المدة الأصلية أقل من خمس سنوات كأن كانت ثلاث سنوات وتضمن الاتفاق شرطاً بالتجديد مدة سنتين أخريين جاز ذلك إذ كان في الإمكان الاتفاق على خمس سنوات من البداية .
غير أن هناك وسيلة عملية يستطيع بها الشركاء الشائعون التوصل إلى عدم التقيد بالحد الأقصى المنصوص عليه بالمادة 834 وذلك بإنشاء شركة يكون رأس مالها من حصصهم في الشيء فتنطبق في هذه الحالة قواعد الشركة لا قواعد الشيوع فيصح الاتفاق على أن تستمر الشركة مدة تزيد على خمس سنوات .
الاتفاق الذي يعقده الشركاء على البقاء في الشيوع كما يكون ملزماً لأشخاصهم فإنه يكون ملزماً لخلفهم العام كالورثة أو الدائنين ولخلفهم الخاص كالمشترين.
إن حق طلب قسمة المال الشائع مقرر لكل من الشركاء إلا أن هذا الحق كغيره من الحقوق يخضع في استعماله لنظرية التعسف في استعمال الحق المنصوص عليها بالمادة الخامسة من التقنين المدني ولذلك يجب ألا ينطوي استعمال الشريك المشتاع لهذا الحق على تعسف في استعماله فإذا كان طلب القسمة لا يحقق لطالبه ثمة مصلحة أو يحقق له مصلحة تافهة لا تتناسب مع الضرر الكبير الذي يحيق ببقية الشركاء كان القاضي أن يرفض الطلب فيظل الشيوع إلى وقت تصبح فيه القسمة غير ذات ضرر كبير على الشركاء ومثل ذلك أن تكون قسمة المال عيناً غير ممكنة ولابد من أن يباع المال وتكون الأسعار في حالة انخفاض كبير وطارئ.
إذا اتفق الشركاء على كيفية اقتسام المال الشائع بينهم تمت القسمة بموجب هذا الاتفاق فتكون القسمة حينئذ قسمة اتفاقية وإذا لم يتفق الشركاء على ذلك تولى القضاء إجراء القسمة بناءً على طلب أحد الشركاء المشتاعين فتكون القسمة حينئذ قسمة قضائية.
وهذه القسمة ترد على الملك ومن ثم فهي دائمة وتسمى بالقسمة النهائية.
ولا تكون القسمة النهائية قابلة للزوال إلا إذا كانت معلقة على شرط فاسخ أو شرط واقف وتحقق الشرط الفاسخ أو الشرط الواقف إذ يترتب على تحقق هذا الشرط زوال القسمة بأثر رجعي فتعتبر كأنها لم تكن.
ولذلك تسمى القسمة المعلقة على شرط فاسخ أو واقف القسمة غير الباتة.
والقسمة النهائية سواء اتفاقية أو قضائية إما أن تكون قسمة كلية أو قسمة جزئية وإما أن تكون قسمة عينية أو قسمة تصفية.
فالقسمة الكلية أو الكاملة هي القسمة التي تشمل كل الأموال الشائعة ليحصل كل شريك على نصيب مفرز منها وهذا هو الأصل في القسمة النهائية.
أما القسمة الجزئية فهي التي تتناول مالاً من الأموال الشائعة أو أكثر وتبقى باقي الأموال شائعة بين الشركاء وذلك إما بإخراج شريك أو أكثر من حالة الشيوع ويبقى باقي الشركاء كما كانوا ملاكاً على الشيوع لما تبقى بعد إفراز نصيب من تم إخراجه من حالة الشيوع أو تتناول بعض الأموال الشائعة فتقسم بين الشركاء بينما تبقى باقي الأموال شائعة كما هي.
وإما بتقسيم الأموال الشائعة إلى قسمين أو أكثر بحيث تختص كل مجموعة من الشركاء بقسم منها شائعاً بينهم.
وهذه الصورة الأخيرة وإن لم يترتب عليها إفراز نصيب لكل شريك أو لبعض الشركاء إلا أنها تفرز حقوق كل مجموعة من الشركاء عن حقوق غيرهم ويطلق البعض عليها اصطلاح (قسمة طبقات) أو اصطلاح (قسمة فئات).
والقسمة العينية هي التي تؤدي إلى إفراز نصيب الشريك في الأموال الشائعة وهذا هو الأصل في القسمة. ويكون الإفراز إما بطريقة التجنيب أو بطريق القرعة.
وتكون القسمة العينية بدون معدل أو بمعدل إذا لم يمكن إجراء القسمة إلا إذا نال أحد الشركاء نصيباً أكثر من حصته فيدفع للشركاء الآخرين الذين نالوا نصيباً أقل مبلغاً من النقود يعادل أنصبتهم فتكون معادلة لحصصهم.
والقسمة بطريق التصفية تجرى إذا لم يمكن تقسيم الأموال عيناً فتباع الأموال الشائعة بالمزاد ويجوز بيعها بالممارسة إذا اتفق الشركاء على ذلك ويوزع الثمن المحصل من البيع على الشركاء بنسبة حصصهم الشائعة.
وهنا لا يخلو الأمر من أحد فرضين :
1- أن يتفق الشركاء على أن ينحصر المزاد فيهم، وهذا حق لهم عملاً بالمادة 841 مدنی وفي هذه الحالة فإن المزاد يرسو على واحد منهم ويكون رسو المزاد قسمة بطريق التصفية.
2- ألا يتفق الشركاء على أن ينحصر المزاد فيهم. وفي هذا الفرض قد يرسو المزاد على واحد منهم فيعتبر هذا الرسو قسمة بطريقة التصفية وقد يرسو المزاد على أجنبي فيعتبر رسو المزاد بيعاً من جميع الشركاء إلى هذا الأجنبي.
وقد ترد القسمة على المنفعة وتسمى بقسمة المهايأة وهي قسمة مؤقتة لها صورتان : قسمة المهايأة المكانية وقسمة المهايأة الزمانية.
ففي الصورة الأولى يتفق الشركاء على أن يختص كل منهم بمنفعة جزء مفرز يوازي حصته في المال الشائع متنازلاً في مقابل ذلك عن الانتفاع بباقي الأجزاء.
وفي الصورة الثانية يتفق الشركاء على أن يتناوبوا الانتفاع بجميع المال المشترك كل منهم لمدة تتناسب مع حصته.
وهذه القسمة قسمة منفعة - كما قلنا - لا قسمة ملك، ولا تدوم أكثر من خمس سنوات.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 545)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 290
قِسْمَةُ الْمُشَاعِ:
8 - يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ قِسْمَةُ الْمِلْكِ الْمُشَاعِ بِطَلَبِ الشُّرَكَاءِ، أَوْ بِطَلَبِ بَعْضِهِمْ؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ مُنْتَفِعٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِنَصِيبِ غَيْرِهِ، فَإِذَا طَلَبَ مِنَ الْحَاكِمِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ، وَيَمْنَعَ الْغَيْرَ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إِجَابَةُ طَلَبِهِ، إِلاَّ إِذَا بَطَلَتِ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ فِي الْمَقْسُومِ بِالْقِسْمَةِ.
فَإِنْ كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ تَفُوتُ بِالْقِسْمَةِ، فَلاَ يُجَابُ طَلَبُهُمُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلاَ يُمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ تَبْطُلُ كُلِّيَّةً؛ لأِنَّهُ سَفَهٌ، وَإِتْلاَفُ مَالٍ بِلاَ ضَرُورَةٍ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنِ اقْتَسَمُوا بِالتَّرَاضِي لاَ يَمْنَعُ الْقَاضِي مِنْ ذَلِكَ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَمْنَعُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى إِتْلاَفِ مَالِهِ بِالْحُكْمِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِسْمَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 244
الضَّمَانُ فِي عَقْدِ الْقِسْمَةِ:
42 - تَشْتَمِلُ الْقِسْمَةُ عَلَى الإْفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ.
وَالإْفْرَازُ: أَخْذُ الشَّرِيكِ عَيْنَ حَقِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمِثْلِيَّاتِ.
وَالْمُبَادَلَةُ: أَخْذُهُ عِوَضَ حَقِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ .
وَلِوُجُودِ وَصْفِ الْمُبَادَلَةِ فِيهَا، كَانَتْ عَقْدَ ضَمَانٍ.
وَيَدُ كُلِّ شَرِيكٍ عَلَى الْمُشْتَرَكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، يَدُ أَمَانَةٍ، وَبَعْدَهَا يَدُ ضَمَانٍ.
وَإِذَا قَبَضَ كُلُّ شَرِيكٍ نَصِيبَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، مَلَكَهُ مِلْكًا مُسْتَقِلًّا، يُخَوِّلُهُ حَقَّ التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ فِيهِ، وَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ ضَمَانِهِ هُوَ فَقَطْ .
(انْظُرْ: قِسْمَة).
الضَّمَانُ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ عَنِ الْمَالِ بِمَالٍ:
43 - يُعْتَبَرُ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الصُّلْحِ بِمَثَابَةِ الْبَيْعِ، لأِنَّهُ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ وَلِهَذَا قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الأْصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ، يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ وَمَا لاَ فَلاَ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى (بِهِ) بَيْعٌ فَتُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطَ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ أَبْرَزُ عُقُودِ الضَّمَانِ، فَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنِ الْمَالِ بِمَالٍ.
فَإِذَا قَبَضَ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَدَلُ الصُّلْحِ، وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ، هَلَكَ مِنْ ضَمَانِهِ، كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ قَبْضِهِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 205
قِسْمَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقِسْمَةُ لُغَةً: النَّصِيبُ، جَعْلُ الشَّيْءِ أَوِ الأْشْيَاءِ أَجْزَاءً أَوْ أَبْعَاضًا مُتَمَايِزَةً.
قَالَ الْفَيُّومِيُّ: قَسَمْتُهُ قَسْمًا، مِنْ بَابِ ضَرَبَ: فَرَزْتُهُ أَجْزَاءً فَانْقَسَمَ، وَالْمَوْضِعُ مَقْسِمٌ مِثْلُ مَسْجِدٍ، وَالْفَاعِلُ قَاسِمٌ، وَقَسَّامٌ مُبَالَغَةٌ، وَالاِسْمُ الْقِسْمُ (بِالْكَسْرِ) ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْحِصَّةِ وَالنَّصِيبِ، فَيُقَالُ: هَذَا قَسْمِي، وَالْجَمْعُ أَقْسَامٌ، مِثْلُ حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ، وَاقْتَسَمُوا الْمَالَ بَيْنَهُمْ، وَالاِسْمُ الْقِسْمَةُ، وَأُطْلِقَتْ عَلَى النَّصِيبِ أَيْضًا .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مُعَيَّنٍ: أَيْ فِي نَصِيبٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ جَمْعًا لِلنَّصِيبِ بَعْدَ تَفَرُّقٍ، لأِنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُوَزَّعًا عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمُشْتَرَكِ، مَا مِنْ جُزْءٍ - مَهْمَا قَلَّ - إِلاَّ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِيهِ بِنِسْبَةِ مَا لَهُ فِي الْمَجْمُوعِ الْكُلِّيِّ، ثُمَّ صَارَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مُنْحَصِرًا فِي جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لاَ تَتَخَلَّلُهُ حُقُوقُ أَحَدٍ مِنْ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ، وَلَوْ كَانَتِ الْجُزْئِيَّةُ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ، كَمَا فِي الْمُهَايَأَةِ الزَّمَانِيَّةِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبَيْعُ:
2 - الْبَيْعُ لُغَةً: مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، أَوْ دَفْعُ عِوَضٍ وَأَخْذُ مَا عُوِّضَ عَنْهُ .
وَاصْطِلاَحًا: مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ: أَنَّ الْقِسْمَةَ أَعَمُّ، فَقَدْ تَكُونُ بَيْعًا وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ
ب - الإْفْرَازُ:
3 - الإْفْرَازُ لُغَةً: التَّنْحِيَةُ أَيْ عَزْلُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ وَتَمْيِيزُهُ .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ: أَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَكُونُ بِالإْفْرَازِ ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهَا بَيَانُ الْحِصَصِ دُونَ إِفْرَازٍ، كَمَا فِي الْمُهَايَأَةِ فَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الإْفْرَازِ .
ج - الشَّرِكَةُ:
4 - الشَّرِكَةُ لُغَةً: اسْمُ مَصْدَرِ شَرِكَ، وَهِيَ خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ وَاخْتِلاَطُهُمَا، وَالْعَقْدُ الَّذِي يَتِمُّ بِسَبَبِهِ خَلْطُ الْمَالَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا .
وَمِنْ مَعَانِيهَا فِي الاِصْطِلاَحِ: أَنْ يَخْتَصَّ اثْنَانِ فَصَاعِدًا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالشَّرِكَةِ التَّضَادُّ.
مَشْرُوعِيَّةُ الْقِسْمَةِ:
5 - الْقِسْمَةُ مَشْرُوعَةٌ، وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإْجْمَاعُ.
أَمَّا الْكِتَابُ: فَفِي كَثِيرٍ مِنَ الآْيِ: مِنْ مِثْلِ: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأْقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا) .
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُهُ صلوات الله وسلامه عليه وَفِعْلُهُ وَتَقْرِيرُهُ:
فَمِنْ قَوْلِهِ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «إِذَا قُسِّمَتِ الأْرْضُ وَحُدَّتْ، فَلاَ شُفْعَةَ فِيهَا» ، وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ جَابِرٍ رضي الله عنه: «قَضَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ، فَلاَ شُفْعَةَ» .
وَمِنْ فِعْلِهِ: «أَنَّهُ صلي الله عليه وسلم كَانَ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ: نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَاتِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا» .
وَأَمَّا تَقْرِيرُهُ: فَلاَ شَكَّ أَنَّ قِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا كَانَتْ تَقَعُ عَلَى عَهْدِهِ صلوات الله وسلامه عليه ، فَيُسَدِّدُ وَلاَ يُنْكِرُ.
وَأَمَّا الإْجْمَاعُ: فَقَدْ كَانَ النَّاسُ - وَمَا زَالُوا - مُنْذُ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا يَتَعَامَلُونَ بِالْقِسْمَةِ فِي الْمَوَارِيثِ وَفِي غَيْرِ الْمَوَارِيثِ، دُونَ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ. قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ: فَكَانَتْ شَرْعِيَّتُهَا مُتَوَارَثَةً .
وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الْقِسْمَةَ تُوَفِّرُ عَلَى كُلِّ شَرِيكٍ مَصْلَحَتَهُ كَامِلَةً، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: إِنَّهَا لِتَكْمِيلِ نَفْعِ الشَّرِيكِ
تَكْيِيفُ الْقِسْمَةِ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقِسْمَةِ هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَمْ مَحْضُ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ؟ يَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَذَاهِبَ أَرْبَعَةً:
الْمَذْهَبُ الأْوَّلُ:
أَنَّهَا بَيْعٌ بِإِطْلاَقٍ، وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ، لَكِنَّهُ خِلاَفُ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ قُدَامَى أَصْحَابِهِمْ، وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ .
وَقَالُوا: إِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ الْجَمِيعِ فَقَدْ بَاعَ مَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ بِمَا أَخَذَ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ أَوْ كَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّهُ يُبَدِّلُ نَصِيبَهُ مِنْ أَحَدِ السَّهْمَيْنِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنَ السَّهْمِ الآْخَرِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ .
الْمَذْهَبُ الثَّانِي:
أَنَّهَا مَحْضُ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ بِإِطْلاَقٍ، وَعَلَيْهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مَعَهُمُ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَكَذَلِكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا لَمْ تَقَعِ الْقِسْمَةُ جُزَافًا .
وَقَالُوا: إِنَّ لَوَازِمَ الْقِسْمَةِ تُخَالِفُ لَوَازِمَ الْبَيْعِ، وَاخْتِلاَفُ اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلاَفِ الْمَلْزُومَاتِ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ:
أَنَّهَا تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِيمَا تَمَاثَلَ - أَيْ كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، مَعَ تَسَاوِي الرَّغَبَاتِ وَالْقِيمَةِ: كَالدُّورِ وَالْفَدَادِينِ الْمُتَقَارِبَةِ فِي الْمَسَافَةِ عُرْفًا الْمُتَسَاوِيَةِ فِي الْقِيمَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَفِي الرَّغْبَةِ لَدَى الشُّرَكَاءِ - أَوْ تَقَارَبَ (وَقَدْ يُقَالُ: تَجَانَسَ) - كَكُلِّ مَا يُلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ؛ لأِنَّ الْغَرَضَ الأْهَمَّ هُوَ اللُّبْسُ فَالْقُطْنُ وَالصُّوفُ وَالْحَرِيرُ وَغَيْرُهَا، مِنْ مَخِيطٍ وَغَيْرِ مَخِيطٍ، تَدْخُلُ فِي عِدَادِ الْمُتَقَارِبِ - إِذَا وَقَعَتْ قِسْمَتُهُ بِطَرِيقِ الْقُرْعَةِ، أَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَبَيْعٌ.
وَعِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ: تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِي قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ - وَذَلِكَ حَيْثُ تَتَسَاوَى الأْنْصِبَاءُ صُورَةً وَقِيمَةً، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمِثْلِيُّ كَالْحُبُوبِ وَالنُّقُودِ وَغَيْرِهِ كَالدَّارِ الْمُتَّفِقَةِ الأْبْنِيَةِ: فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهَا مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ مَعَ انْقِسَامِ الْعَرْصَةِ (السَّاحَةِ) الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْمَبْنِيَّيْنِ، وَالأْرْضُ الزِّرَاعِيَّةُ وَغَيْرُ الزِّرَاعِيَّةِ الَّتِي تَتَشَابَهُ أَجْزَاؤُهَا كَذَلِكَ - بَيْعٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ .
وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِيمَا عَدَا قِسْمَةَ الرَّدِّ، أَمَّا فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ فَبَيْعٌ.
وَقِسْمَةُ الرَّدِّ - كَمَا سَيَجِيءُ - هِيَ الَّتِي يُسْتَعَانُ فِي تَعْدِيلِ أَنْصِبَائِهَا بِمَالٍ أَجْنَبِيٍّ: كَأَرْضٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا مَا لاَ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ - كَمَعْدِنٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ بِئْرِ مَاءٍ - وَرُبَّمَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَحْدَهُ تَعْدِلُ قِيمَةَ الأْرْضِ كُلَّهَا أَوْ تَزِيدُ .
فَمِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ الْحَنَابِلَةِ وَمُوَافِقِيهِمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الرَّادَّ إِنَّمَا بَذَلَ مُقَابِلَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ حَقِّ شَرِيكِهِ عِوَضًا عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْبَيْعِ أَمَّا فِي غَيْرِ قِسْمَةِ الرَّدِّ فَيَتَمَسَّكُ بِتَغَايُرِ اللَّوَازِمِ، كَمَا تَمَسَّكَ أَرْبَابُ الْمَذْهَبِ الثَّانِي .
وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ - الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ - لاَ يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ قِسْمَةَ الرَّدِّ بَيْعٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَذَلِكَ أَيْضًا: كُلُّ قِسْمَةٍ أُخْرَى يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى تَعْدِيلِ الأْنْصِبَاءِ بِوَاسِطَةِ التَّقْوِيمِ، لِيَصِيرَ مَا يَأْخُذُهُ بِهَا كُلُّ شَرِيكٍ حَقًّا خَالِصًا لَهُ، إِذِ التَّقْوِيمُ تَخْمِينٌ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ: كَمَا فِي دَارٍ بَعْضُهَا لَبِنٌ، وَبَعْضُهَا حَجَرٌ، وَأَرْضٌ بَعْضُهَا جَيِّدٌ وَبَعْضُهَا رَدِيءٌ، وَبُسْتَانٍ بَعْضُهُ نَخْلٌ وَبَعْضُهُ كَرْمٌ (وَتُسَمَّى قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ) - وَرُبَّمَا قِيلَ: لَوْ كَانَتْ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ بَيْعًا لَمَا قَبِلَتِ الإْجْبَارَ كَقِسْمَةِ الرَّدِّ.
وَقَدْ قِيلَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ بِعَدَمِ قَبُولِهَا الإْجْبَارَ فِعْلاً وَلَكِنَّهُ خِلاَفُ مَا اعْتَمَدُوهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا - فِي مُعْتَمَدِهِمْ - لِكَوْنِهَا بَيْعًا إِلْحَاقًا لِتَسَاوِي الأْجْزَاءِ قِيمَةً بِتَسَاوِيهَا حَقِيقَةً، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ الرَّغَبَاتِ تَتَعَلَّقُ بِتَخْلِيصِ الْحَقِّ مِنَ الْمُزَاحَمَةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَكَمَا يَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَ الْمَدْيُونِ جَبْرًا، وَلَمْ تُحَكَّمْ هَذِهِ الْحَاجَةُ فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ؛ لأِنَّ الإْجْبَارَ فِيهَا يَكُونُ إِجْبَارًا عَلَى دَفْعِ مَالٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ .
وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمُتَسَاوِيَ فِي الْمَقْصُودِ الأْهَمِّ يُعْتَبَرُ كَالْمُتَسَاوِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لإِمْكَانِ التَّجَاوُزِ عَنِ الْفَرْقِ حِينَئِذٍ، سِيَّمَا وَهُوَ يَعْدِلُ بِالْقِيمَةِ: فَالَّذِي يَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ ذَاكَ يَكُونُ آخِذًا لِعَيْنِ حَقِّهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ .
الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ:
الْقِسْمَةُ لاَ تَخْلُو مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ يُغَلَّبُ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ (الإْفْرَازُ) وَفِي قِسْمَةِ الْقِيَمِيِّ يُغَلَّبُ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ .
وَقَالُوا: إِنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ - مَهْمَا قَلَّ - مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ إِلاَّ وَنِصْفُهُ لِهَذَا وَنِصْفُهُ لِذَاكَ، فَإِذَا اسْتَقَلَّ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِ الْمَجْمُوعِ فَشَطْرُ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ كَانَ لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا اجْتَمَعَ وَتَمَيَّزَ بَعْدَ شُيُوعٍ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ، وَشَطْرُهُ الآْخَرُ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَخَذَهُ مِنْهُ عِوَضًا عَمَّا تَرَكَهُ لَهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا غُلِّبَ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ؛ لأِنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ هُوَ عَيْنُ الْمَتْرُوكِ حُكْمًا، إِذْ هُوَ مِثْلُهُ يَقِينًا فَضَعُفَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَلاَ كَذَلِكَ قِسْمَةُ الْقِيَمِيِّ، فَلَمْ يَضْعُفْ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، إِذِ الْمَأْخُوذُ لَيْسَ عَيْنَ الْمَتْرُوكِ وَلَوْ حُكْمًا، وَمِنْ ثَمَّ يَكُونُ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي قِسْمَةِ الْقِيَمِيِّ أَقْوَى مِنْهُ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ .
الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْخِلاَفِ فِي تَكْيِيفِ الْقِسْمَةِ:
7 - تَتَلَخَّصُ هَذِهِ الآْثَارُ فِي أَنَّهُ: إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ بَيْعًا، فَإِنَّهَا تُعْطَى أَحْكَامَهُ - مَعَ مُلاَحَظَةِ مَا مَرَّ مِنَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فِي أَشْبَاهٍ لَهَا - وَإِنْ كَانَتْ مَحْضَ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ فَإِنَّهَا لاَ تُعْطَى أَحْكَامَ الْعُقُودِ أَصْلاً . فَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:
أ - (الْخِيَارَاتُ): تَدْخُلُ الْخِيَارَاتُ الْقِسْمَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ، وَلاَ تَدْخُلُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَمْيِيزُ حُقُوقٍ، هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ أَنَّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ مَنْ نَفَى فِيهَا خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَخِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْخِيَارَ لَمْ يُشْرَعْ خَاصًّا بِالْبَيْعِ، بَلْ لِلتَّرَوِّي وَتَبَيُّنِ أَيِّ الأْمْرَيْنِ أَرْشَدُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِسْمَةِ .
وَنَظَرًا إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ قَائِمٌ فِي كُلِّ قِسْمَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَمْ يُرَدِّدُوا هَذَا التَّرْدِيدَ، بَلْ أَطْلَقُوا دُخُولَ الْخِيَارَاتِ فِي جَمِيعِ أَقْسَامِهَا، وَلَكِنْ عَلَى تَفَاوُتٍ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى آخَرَ.
فَقِسْمَةُ الأْجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ - وَهِيَ قِسْمَةُ تَرَاضٍ لاَ إِجْبَارَ فِيهَا - تَدْخُلُهَا الْخِيَارَاتُ الثَّلاَثَةُ: خِيَارُ الشَّرْطِ، وَخِيَارُ الْعَيْبِ، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ.
وَقِسْمَةُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ - وَهِيَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ - لاَ يَدْخُلُهَا سِوَى خِيَارِ الْعَيْبِ.
وَقِسْمَةُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ، كَالْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ أَوِ الثِّيَابِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ - وَهِيَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ أَيْضًا - يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْعَيْبِ بِلاَ خِلاَفٍ، كَمَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ .
ب - الشُّفْعَةُ: إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزَ حُقُوقٍ لَمْ تَثْبُتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ قَوْلاً وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا: فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِثُبُوتِهَا، وَصَوَّرُوهَا بِمَا إِذَا تَقَاسَمَ شَرِيكَانِ مِنْ ثَلاَثَةِ شُرَكَاءَ، وَتَرَكَا نَصِيبَ الثَّالِثِ مَعَ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ هَذَا الثَّالِثِ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لِهَذَا الثَّالِثِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ لأِنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ فِي الْمُبَادَلَةِ الْمَحْضَةِ، وَالْقِسْمَةُ لَيْسَتْ مُبَادَلَةً مَحْضَةً .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا عَلَى الأْصْلِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهَا لِمَانِعٍ خَاصٍّ بِالْقِسْمَةِ، إِذْ تَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشُّفْعَةُ عَلَى الآْخَرِ، إِذْ لَوْ ثَبَتَتْ لِهَذَا عَلَى ذَاكَ لَثَبَتَتْ لِذَاكَ عَلَى هَذَا فَيَتَنَافَيَانِ، وَوَصَفَهُ الْمِرْدَاوِيُّ بِأَنَّهُ الصَّوَابُ .
ج - التَّقَايُلُ: إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ بَيْعًا قَبِلَتِ التَّقَايُلَ، وَإِنْ كَانَتْ مُجَرَّدَ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ لَمْ تَقْبَلْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ. وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ وَجَرَى ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْمِثْلِيَّاتِ لاَ تَقْبَلُ التَّقَايُلَ، لِغَلَبَةِ مَعْنَى الإْفْرَازِ ، وَقِسْمَةُ الْقِيَمِيَّاتِ تَقْبَلُهُ، فَإِنْ خَلَطَ الْمُقْتَسِمُونَ مَا اقْتَسَمُوهُ مِنَ الْمِثْلِيِّ كَانَتْ شَرِكَةً جَدِيدَةً، مَعَ أَنَّ الْعَلاَئِيَّ وَصَاحِبَ تَنْوِيرِ الأْبْصَارِ عَلَى تَعْمِيمِ الْقَبُولِ .
أَقْسَامُ الْقِسْمَةِ:
8 - تَنْقَسِمُ الْقِسْمَةُ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ إِلَى التَّقْوِيمِ وَعَدَمِهِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
قِسْمَةُ إِفْرَازٍ -
وَقِسْمَةُ تَعْدِيلٍ -
وَقِسْمَةُ رَدٍّ.
أَوَّلاً: قِسْمَةُ الإْفْرَازِ :
9 - وَهِيَ تُوجَدُ عِنْدَمَا لاَ تَكُونُ ثَمَّ حَاجَةٌ إِلَى تَقْوِيمِ الْمَقْسُومِ - أَعْنِي مَا يُرَادُ قَسْمُهُ - لِعَدَمِ تَفَاوُتِ الأْغْرَاضِ، أَوْ لأِنَّهُ تَفَاوُتٌ مِنَ التَّفَاهَةِ بِحَيْثُ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ، فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ إِفْرَازٍ ؛ لأِنَّهَا لاَ تَتَطَلَّبُ أَكْثَرَ مِنْ إِفْرَازِ كُلِّ نَصِيبٍ عَلَى حِدَةٍ بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ: كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ ذَرْعًا أَوْ عَدًّا، وَتُسَمَّى أَيْضًا قِسْمَةَ الْمُتَشَابِهَاتِ: لأِنَّهَا لاَ تَكُونُ إِلاَّ فِيمَا تَشَابَهَتْ أَنْصِبَاؤُهُ حَتَّى لاَ تَفَاوُتَ يُذْكَرُ، أَوِ الْقِسْمَةُ بِالأْجْزَاءِ: لأِنَّ نِسْبَةَ الْجُزْءِ الَّذِي يَأْخُذُهُ كُلُّ شَرِيكٍ هِيَ بِعَيْنِهِ نِسْبَةُ حَقِّهِ إِلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتَّحِدَةِ النَّوْعِ - كَدَنَانِيرِ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، وَكَالْقَمْحِ الْهِنْدِيِّ، وَالأْرُزِّ الْيَابَانِيِّ، وَكَالأْدْهَانِ الْمُتَمَاثِلَةِ مِنْ شَيْرَجٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ عُطُورٍ أَوْ مَا إِلَيْهَا - وَفِيمَا شَاكَلَهَا مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ الْمُتَّحِدَةِ النَّوْعِ كَذَلِكَ: كَالْمَنْسُوجَاتِ الصُّوفِيَّةِ أَوِ الْحَرِيرِيَّةِ أَوِ الْقُطْنِيَّةِ، وَكَالْكُتُبِ، وَالأْقْلاَمِ، وَالسَّاعَاتِ، وَالأْحْذِيَةِ، وَكَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهَا مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ مِنَ الأْبْنِيَةِ تَصْمِيمًا، وَأَدَوَاتِ بِنَاءٍ، وَإِحْكَامِ صَنْعَةٍ، وَعَدَدِ حُجَرٍ مَعَ إِمْكَانِ قِسْمَةِ السَّاحَةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ. وَبِالْجُمْلَةِ عِنْدَمَا تَتَسَاوَى الأْنْصِبَاءُ صُورَةً وَقِيمَةً .
ثَانِيًا: قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ:
10 - وَتَكُونُ عِنْدَمَا لاَ تَتَعَادَلُ الأْنْصِبَاءُ بِذَاتِهَا، وَإِنَّمَا تَتَعَادَلُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، يُوَضِّحُهُ: أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً. وَلَكِنَّ قِيمَةَ ثُلُثِهِ - لِمَا اخْتُصَّ بِهِ مِنْ مَزَايَا - تُسَاوِي قِيمَةَ ثُلُثَيْهِ؛ فَيُجْعَلُ فِي الْقِسْمَةِ الثُّلُثُ الْمَذْكُورُ سَهْمًا بِحَقِّ النِّصْفِ، وَالثُّلُثَانِ سَهْمًا آخَرَ بِحَقِّ النِّصْفِ الآْخَرِ، كَمَا أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ تُجْعَلُ سَهْمًا بِحَقِّ النِّصْفِ، وَالْكِتَابُ وَالْقَلَمُ سَهْمًا آخَرَ بِحَقِّ النِّصْفِ الآْخَرِ، إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا تُسَاوِي قِيمَتَيْهِمَا.
ثَالِثًا: قِسْمَةُ الرَّدِّ:
11 - وَتَكُونُ إِذَا لَمْ تَعْدِلِ الأْنْصِبَاءُ، بَلْ تُرِكَتْ مُتَفَاوِتَةَ الْقِيمَةِ اخْتِيَارًا أَوِ اضْطِرَارًا، وَبِحَيْثُ يَكُونُ عَلَى الَّذِي يَأْخُذُ النَّصِيبَ الزَّائِدَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى شَرِيكِهِ قِيمَةَ حَقِّهِ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ.
وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ فِيهَا إِلَى رَدِّ مَالٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إِلَى بَعْضِ الشُّرَكَاءِ - وَهِيَ قِسْمَةُ تَعْدِيلٍ أَيْضًا - وَلَكِنْ يُشَارُ إِلَيْهَا بِفَصْلِهَا الْمُمَيَّزِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ فَإِنَّمَا تَنْصَرِفُ إِلَى مَا لاَ رَدَّ فِيهَا، وَهَاكَ مِثَالَيْنِ لِقِسْمَةِ الرَّدِّ: أَحَدُهُمَا يُمَثِّلُهَا فِي حَالَةِ الاِخْتِيَارِ، وَالآْخَرُ فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ:
الْمِثَالُ الأْوَّلُ: أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً. وَفِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا بِئْرٌ لِرَيِّهَا لاَ تُمْكِنُ قِسْمَتُهَا، فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تُقْسَمَ الأْرْضُ نِصْفَيْنِ عَلَى سَوَاءٍ، وَيَكُونَ عَلَى الَّذِي يَأْخُذُ النِّصْفَ الَّذِي فِيهِ الْبِئْرُ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِلَّذِي يَأْخُذُ النِّصْفَ الآْخَرَ، وَهَذِهِ قِسْمَةُ رَدٍّ.
وَيُمْكِنُ أَنْ تُقَوَّمَ الأْرْضُ وَالْبِئْرُ مَعًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مَثَلاً، لِلْبِئْرِ مِنْهَا ثُلُثُهَا: فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا الْبِئْرَ وَرُبْعَ الأْرْضِ، وَيَأْخُذُ الآْخَرُ الثَّلاَثَةَ الأَْرْبَاعِ الْبَاقِيَةِ، وَهَذِهِ قِسْمَةُ تَعْدِيلٍ لاَ رَدَّ فِيهَا .
فَإِذَا قُسِمَتْ عَلَى النَّحْوِ الأْوَّلِ فَهِيَ قِسْمَةُ رَدٍّ يُؤْثِرَانِهَا اخْتِيَارًا دُونَ أَنْ تُلْجِئَ إِلَيْهَا ضَرُورَةٌ.
وَمِثْلُ الْبِئْرِ غَيْرُهَا كَشَجَرَةٍ أَوْ بِنَاءٍ لاَ يُقْسَمُ أَوْ مَنْجَمٍ (مَعْدِنٍ) كَذَلِكَ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: لَوْ فَرَضْنَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ أَنَّ قِيمَةَ الْبِئْرِ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الأْرْضِ كُلِّهَا، فَحِينَئِذٍ لاَ يَكُونُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَرُدَّ آخُذُهَا عَلَى الآْخَرِ قِيمَةَ مَا بَقِيَ لَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ بَعْدَ التَّعْدِيلِ بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الأْرْضِ أَلْفًا، وَقِيمَةُ الْبِئْرِ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ، فَإِنَّ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَكُونُ مَا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَمِائَةٌ، فَإِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا الأْرْضَ كُلَّهَا وَتَرَكَ الْبِئْرَ، رَدَّ عَلَيْهِ الآْخَرُ مِائَةً، وَإِذَا أَخَذَ بَعْضَ الأْرْضِ فَقَطْ رَدَّ عَلَيْهِ الآْخَرُ أَيْضًا قِيمَةَ مَا تَرَكَ لَهُ مِنْهَا .
وَهَذَا التَّقْسِيمُ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَيُلَخِّصُونَهُ بِأَنَّ الْمَقْسُومَ إِنْ تَسَاوَتِ الأْنْصِبَاءُ مِنْهُ صُورَةً وَقِيمَةً فَالإْفْرَازُ، وَإِلاَّ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى رَدِّ شَيْءٍ آخَرَ فَالتَّعْدِيلُ، وَإِلاَّ فَالرَّدُّ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبْرِزُوهُ إِبْرَازَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ: وَتُعْدَلُ السِّهَامُ بِالأْجْزَاءِ إِنْ تَسَاوَتْ، وَبِالْقِيمَةِ إِنِ اخْتَلَفَتْ، وَبِالرَّدِّ إِنِ اقْتَضَتْهُ .
وَلاَ بُدَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ التَّقْوِيمِ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ التَّحَرِّي، أَيِ الْخَرْصُ فِي قِسْمَةِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَكَذَا فِيمَا يَقْبَلُ التَّفَاضُلَ مِنْ غَيْرِ الْمَزْرُوعَاتِ وَذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ تُرَادُ قِسْمَتُهُ بِالْقُرْعَةِ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولاً، بِاسْتِثْنَاءِ شَيْئَيْنِ اثْنَيْنِ عَلَى خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ فِي اسْتِثْنَائِهِمَا:
أ - الْمِثْلِيَّاتُ - وَهِيَ الْمَكِيلاَتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ «الْمُتَّفِقَةُ الصِّفَةِ» فَإِنَّهَا تُقْسَمُ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا، وَالاِسْتِثْنَاءُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِهَا الْقُرْعَةَ، فَإِنَّ ابْنَ عَرَفَةَ فِي فَتَاوِيهِ، تَبَعًا لِلْبَاجِيِّ، لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقِيَمِيَّاتِ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: تُقْسَمُ الأْشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى الْقِيمَةِ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِالسِّهَامِ .
ب - الْعَقَارُ الْمُتَّفِقُ الْمَبَانِي: بِأَنْ يَكُونَ فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهِ مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ عَيْنًا وَمَنْفَعَةً، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ بَهْرَامَ أَنْ يُقْسَمَ بِالْمِسَاحَةِ، وَجَرَى الْخَرَشِيُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِمَادِهِ وَاعْتَمَدُوهُ فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ .
فَأَنْتَ تَرَى قِسْمَةَ الإْفْرَازِ وَاضِحَةً لاَئِحَةً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتَّفِقَةِ الصِّفَةِ وَفِي قِسْمَةِ الْعَقَارِ الْمُتَّفِقِ الْمَبَانِي: الأْوَّلُ عَلَى مُعْتَمَدِهِمْ، وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِ بَهْرَامَ وَمُعْتَمِدِيهِ، وَقِسْمَةُ التَّعْدِيلِ فِيمَا عَدَاهُمَا.
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِقِسْمَةِ الْقُرْعَةِ، أَمَّا قِسْمَةُ التَّرَاضِي فَقَدْ تَكُونُ بِتَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ وَقَدْ تَكُونُ بِدُونِهِمَا .
أَمَّا قِسْمَةُ الرَّدِّ، فَالْمَالِكِيَّةُ يُثْبِتُونَهَا عَلَى التَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ؛ لاِنْطِوَاءِ الْقُرْعَةِ فِيهَا عَلَى الْغَرَرِ الْكَثِيرِ، إِذْ قَدْ يُرِيدُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَخْذَ الأْحَظِّ وَتَحَمُّلَ الْفَرْقِ أَوْ عَكْسَهُ، وَلَكِنَّ الْقُرْعَةَ تُخْرِجُ لَهُ مَا لاَ يَشْتَهِي، وَقَدْ أَثْبَتَهَا خَلِيلٌ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ أَيْضًا لَكِنْ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَمِدُوهُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ النَّفْرَاوِيُّ: وَلاَ يُؤَدِّي أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ثَمَنًا لِشَرِيكِهِ لِزِيَادَةٍ فِي سَهْمِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ ثَوْبَيْنِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا يُسَاوِي دِينَارَيْنِ، وَالآْخَرُ يُسَاوِي دِينَارًا، وَاقْتَرَعَا عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَ لَهُ الَّذِي يُسَاوِي الدِّينَارَيْنِ يَدْفَعُ نِصْفَ دِينَارٍ لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِ قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ فِي صِنْفَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ، قَالَ خَلِيلٌ - بِالْعَطْفِ عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ - «أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ، إِلاَّ أَنْ يَقِلَّ» وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَلَوْ قَلَّ مَا بِهِ التَّرَاجُعُ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: «وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي دَخَلاَ عَلَيْهِ تَرَاجُعٌ لَمْ يَجُزِ الْقَسْمُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلاَّ بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا فَيَجُوزُ؛ لأِنَّ قِسْمَةَ الْمُرَاضَاةِ يَجُوزُ دُخُولُهَا فِي الْجِنْسَيْنِ» وَحِينَئِذٍ فَمَا يَقَعُ بَيْنَ الْعَوَامِّ مِنْ (الْفِصَالِ) - وَهُوَ قِسْمَةُ الْمَوَاشِي - مِنْ جَعْلِ نَحْوِ الْبَقَرَةِ قِسْمًا، وَبِنْتِهَا مَعَ بَعْضِ دَرَاهِمَ قِسْمًا آخَرَ، وَيَدْخُلاَنِ عَلَى الْقُرْعَةِ، فَاسِدٌ - وَإِنِ اسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلاَّمَةُ خَلِيلٌ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ - كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا بِالْمُرَاضَاةِ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ الصَّغِيرَةِ وَتَأْخُذُ كَذَا، أَوِ الْكَبِيرَةِ وَتَدْفَعُ كَذَا - مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ - فَيَجُوزُ وَمِثْلُهُ فِي التُّحْفَةِ وَحَوَاشِيهَا وَمَثَّلُوا بِدَارَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِمِائَةٍ وَالأْخْرَى بِسِتِّينَ أَوْ تِسْعِينَ: لاَ يَجُوزُ بِالْقُرْعَةِ أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ بِدَارٍ، عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ أَخَذَ أَفْضَلَ الدَّارَيْنِ عِشْرِينَ فِي الْحَالَةِ الأْولَى، أَوْ خَمْسَةً فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، وَرَخَّصَ فِي هَذِهِ الأْخِيرَةِ اللَّخْمِيُّ، أَيْ وَفِي كُلِّ حَالاَتِ الْقِلَّةِ، وَقَدَّرُوهَا بِنِصْفِ الْعُشْرِ أَوْ نَحْوِهِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ قِسْمَةِ الرَّدِّ بِإِطْلاَقٍ، وَإِنْ كَانَ كَلاَمُهَا فِي الْعَقَارِ.
تَقْسِيمُ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ إِرَادَةِ الْمُتَقَاسِمِينَ:
12 - الْقِسْمَةُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ قِسْمَانِ: قِسْمَةُ تَرَاضٍ، وَقِسْمَةُ إِجْبَارٍ، وَلاَ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الإْجْمَاعِ. ذَلِكَ أَنَّ الشُّرَكَاءَ قَدْ يَرْغَبُونَ جَمِيعًا فِي قِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، أَوْ يَرْغَبُ بَعْضُهُمْ وَيُوَافِقُ الْبَاقُونَ عَلَى أَصْلِ الْقِسْمَةِ وَعَلَى كَيْفِيَّةِ تَنْفِيذِهَا، فَلاَ تَكُونُ بِهِمْ حَاجَةٌ إِلَى اللُّجُوءِ إِلَى الْقَضَاءِ، وَتُسَمَّى الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ قِسْمَةَ تَرَاضٍ.
وَقَدْ يَرْغَبُ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَيَأْبَى غَيْرُهُ، فَإِذَا لَجَأَ الرَّاغِبُ إِلَى الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَتَوَلَّى قِسْمَةَ الْمَالِ وَفْقَ الأْصُولِ الْمُقَرَّرَةِ شَرْعًا، وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ قِسْمَةَ إِجْبَارٍ.
فَقِسْمَةُ التَّرَاضِي: هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِاتِّفَاقِ الشُّرَكَاءِ.
وَقِسْمَةُ الإْجْبَارِ : هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِوَاسِطَةِ الْقَضَاءِ، لِعَدَمِ اتِّفَاقِ الشُّرَكَاءِ .
ثُمَّ لَيْسَ حَتْمًا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ أَنْ يَتَوَلاَّهَا الْقَاضِي بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَنْ يَنْدُبُهُ لِذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمُمْتَنِعَ مِنَ الْقِسْمَةِ حَتَّى يُجِيبَ إِلَيْهَا، وَيُحَدِّدَ لَهُ الْقَاضِي مُدَّةً مَعْقُولَةً لإِتْمَامِهَا بِصُورَةٍ عَادِلَةٍ.
وَفِي كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ إِشَارَةٌ صَرِيحَةٌ إِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا، إِذْ يَقُولُونَ: لَيْسَتِ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، حَتَّى لاَ يُفْتَرَضَ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ جَبْرُ الآْبِي عَلَى الْقِسْمَةِ .
13 - وَقَدْ عَلِمْنَا فِيمَا سَلَفَ أَنَّ قِسْمَةَ النَّوْعِ الْوَاحِدِ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِثْلِيًّا كَانَ كَالْحُبُوبِ أَوِ الأْدْهَانِ أَوِ الْجَوْزِ أَوِ الْبَيْضِ، (وَيَكْفِي تَقَارُبُ الْمِثْلِيِّ الْعَدَدِيِّ) أَمْ قِيَمِيًّا كَالإْبِلِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ، وَكَذَا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ الدُّورُ أَوِ الْحَوَانِيتُ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَالأْرَاضِي الزِّرَاعِيَّةُ أَوِ الْبَسَاتِينُ كَذَلِكَ، أَمَّا قِسْمَةُ الأْنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ - كَخَلِيطٍ مِنَ الأْمْثِلَةِ الآْنِفِ ذِكْرُهَا - قِسْمَةُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، حَتَّى يَسْتَقِلَّ الشَّرِيكُ بِنَوْعٍ أَوْ أَكْثَرَ (وَهِيَ مِنْ قِسْمَةِ الْجَمْعِ) فَهَذِهِ لاَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ ، لِمَكَانِ فُحْشِ تَفَاوُتِهَا وَتَفَاوُتِ الرَّغَبَاتِ فِيهَا: فَيَتَعَذَّرُ تَعْدِيلُهَا، وَيَنْطَوِي الإْجْبَارُ عَلَيْهَا عَلَى الْجَوْرِ وَالضَّرَرِ، فَإِذَا تَرَاضَى الشُّرَكَاءُ عَلَيْهَا فَلاَ مَانِعَ مِنْهَا حِينَئِذٍ؛ لأِنَّ مَا عَسَاهُ يَكُونُ قَدْ فَاتَ بِهَا مِنْ حَقِّ أَحَدِهِمْ فَإِنَّمَا فَاتَ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، وَالَّذِي يَمْلِكُ الْحَقَّ يَمْلِكُ إِسْقَاطَهُ، مَا دَامَ حَقًّا خَالِصًا لَهُ نَعَمْ، إِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْوُصُولُ إِلَى الْحَقِّ إِلاَّ جَبْرًا عَلَى هَذِهِ الْمُبَادَلَةِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا كَقَضَاءِ الدَّيْنِ .
لَكِنْ شَرِيطَةُ الإْجْبَارِ بَعْدَ طَلَبِ الْقِسْمَةِ: انْتِفَاءُ الضَّرَرِ، وَالْمُرَادُ بِالضَّرَرِ هُنَا: هُوَ فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ. وَهُنَاكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ فِي تَحْدِيدِ مَدَاهُ:
الرَّأْيُ الأْوَّلُ: أَنَّهُ الضَّرَرُ الْعَامُّ فَحَسْبُ، أَيِ الَّذِي لاَ يَخُصُّ شَرِيكًا دُونَ آخَرَ: بِأَنْ بَطَلَتْ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ شَرِيكٍ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، كَمَا لَوْ كَانَ حَجْمُ الْبَيْتِ أَوِ الْحَمَّامِ أَوِ الطَّاحُونِ صَغِيرًا، لاَ يَنْقَسِمُ بِعَدَدِ الشُّرَكَاءِ بُيُوتًا وَحَمَّامَاتٍ وَطَوَاحِينَ، وَكَمَا فِي قِسْمَةِ الْجَوْهَرَةِ، وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَالْحِذَاءِ، وَالْجِدَارِ وَالْبَقَرَةِ، وَالشَّاةِ، فَهَذَا الضَّرَرُ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ مِنَ الإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَيْسَ هُنَا إِلاَّ تَفْوِيتُهَا، فَيَكُونُ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا تَحْتَاجُ قِسْمَتُهُ إِلَى كَسْرٍ أَوْ قَطْعٍ، وَلِذَا قَالُوا: لَوْ كَانَ مَعَ مَا لاَ يُقْسَمُ - لِمَا فِي قِسْمَتِهِ مِنَ الضَّرَرِ الْعَامِّ لِلْمُقْتَسِمَيْنِ، مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ قَنَاةٍ - أَرْضٍ، قُسِمَتِ الأْرْضُ وَتُرِكَتِ الْبِئْرُ وَالْقَنَاةُ وَمَا إِلَيْهِمَا عَلَى الشَّرِكَةِ، أَمَّا عَلَى التَّرَاضِي فَلاَ مَانِعَ مِنَ الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّ هُمَا يَمْلِكَانِ الإْضْرَارَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالْقَاضِي لاَ يَمْنَعُ بِالْقَضَاءِ مَنْ يَقْدَمُ عَلَى إِتْلاَفِ مَالِهِ .
أَمَّا الضَّرَرُ الْخَاصُّ بِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ - كَمَا لَوْ كَانَ نَصِيبُ وَاحِدٍ فَحَسْبُ فِي الْبَيْتِ أَوِ الْحَمَّامِ أَوِ الطَّاحُونِ هُوَ الَّذِي يَتَّسِعُ لِمِثْلِ ذَلِكَ - فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى الْقِسْمَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَضِرُّ هُوَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ أَمْ غَيْرُهُ، ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُسْتَضِرُّ هُوَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ، فَقَدْ رَضِيَ بِضَرَرِ نَفْسِهِ، وَبِذَا صَارَتِ الْقِسْمَةُ كَالْخَالِيَةِ مِنْ شَوْبِ الضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ الآْخَرُ، فَإِنَّ الضَّرَرَ اللاَّحِقَ بِالْمُسْتَضِرِّ مِنَ الْقِسْمَةِ لَيْسَ - إِذَا أَمْعَنَّا النَّظَرَ - بِضَرَرٍ حَقِيقِيٍّ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ حَقٌّ لَهُ، وَإِنَّمَا كُلُّ مَا هُنَالِكَ أَنَّهُ بِسَبَبِ قِلَّةِ نَصِيبِهِ يُرِيدُ لِنَفْسِهِ اسْتِمْرَارَ الاِنْتِفَاعِ بِنَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَهَذَا يَأْبَى عَلَيْهِ، وَيُطَالِبُ بِاسْتِخْلاَصِ حَقِّهِ، وَتَكْمِيلِ مَنَافِعِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا شُرِعَتِ الْقِسْمَةُ، وَوَظِيفَةُ الْقَاضِي الْقِيَامُ بِوَاجِبِ الإْنْصَافِ، وَإِعْطَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ هُنَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ.
الرَّأْيُ الثَّانِي: أَنَّهُ الضَّرَرُ الَّذِي لاَ يَخُصُّ الطَّالِبَ، فَيَشْمَلُ الضَّرَرَ الْخَاصَّ بِالْمُمْتَنِعِ وَالضَّرَرَ الْعَامَّ؛ لأِنَّ ضَرَرَ طَالِبِ الْقِسْمَةِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِطَلَبِهِ، إِذْ مَعْنَاهُ رِضَاهُ بِضَرَرِ نَفْسِهِ، أَمَّا ضَرَرُ الآْخَرِ (وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ) فَلَيْسَ ثَمَّ مَا يُسْقِطُ اعْتِبَارَهُ، وَالطَّالِبُ لاَ يُسَلَّطُ عَلَى الإْضْرَارِ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَصَّاصُ.
الرَّأْيُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ الضَّرَرُ الَّذِي لاَ يَخُصُّ الْمُمْتَنِعَ فَيَشْمَلُ الضَّرَرَ الْخَاصَّ بِطَالِبِ الْقِسْمَةِ، وَالضَّرَرَ الْعَامَّ أَيْ عَكْسَ الثَّانِي؛ لأِنَّ ضَرَرَ الْمُمْتَنِعِ لَيْسَ ضَرَرًا حَقِيقِيًّا - كَمَا أَوْضَحْنَاهُ - فَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي ضَرَرِ الطَّالِبِ: فَإِذَا انْتَفَى فَلَيْسَ ثَمَّ مَانِعٌ مَا مِنَ الإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَإِذَا لَمْ يَنْتَفِ، كَانَ مُتَعَنِّتًا بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ، وَالْمُتَعَنِّتُ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَقِسْمَةُ الإْجْبَارِ لاَ تَكُونُ بِدُونِ طَلَبٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْخَصَّافُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إِنَّهُ الأْصَحُّ .
14 - أَمَّا قِسْمَةُ التَّرَاضِي: فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا انْتِفَاءُ الضَّرَرِ، بَلِ الرِّضَا بِهِ مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهِ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى لَوْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ ضَارَّةً بِجَمِيعِ الشُّرَكَاءِ لَكِنَّهُمْ رَضَوْا بِهَا فَهَذَا شَأْنُهُمْ وَحْدَهُمْ؛ لأِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لاَ يَعْدُوهُمْ، وَهُمْ أَدْرَى بِحَاجَاتِهِمْ، فَلاَ يَكُونُ ثَمَّ مَانِعٌ مِنْهَا وَقَدْ رَضُوا بِضَرَرِ أَنْفُسِهِمْ .
15 - وَلاَ يُخَالِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الإْجْمَاعِ فِي أَنَّ الْقِسْمَةَ تَتَنَوَّعُ إِلَى: قِسْمَةِ تَرَاضٍ وَقِسْمَةِ إِجْبَارٍ، وَلَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ.
فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لَمْ تَتَّفِقْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى قَبُولِ الْقِسْمَةِ لِلإْجْبَارِ إِلاَّ فِي قِسْمَةِ الإْفْرَازِ (قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ) - بِالْمَعْنَى الَّذِي سَبَقَ (ف9)؛ لأِنَّ الطَّالِبَ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ عَلَى الْكَمَالِ، وَأَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، دُونَ إِضْرَارٍ بِأَحَدٍ .
كَمَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى امْتِنَاعِ الإْجْبَارِ إِلاَّ فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ؛ لأِنَّهُ فِيهَا تَمْلِيكُ مَا لاَ شَرِكَةَ فِيهِ، وَالشَّأْنُ فِيهِ أَلاَّ يَقْبَلَ الإْجْبَارُ أَمَّا فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ بِمَعْنَاهَا السَّابِقِ (ف 10) فَمِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ، مَنْ يَمْنَعُ قَبُولَهَا لِلإْجْبَارِ مَنْعًا مُطْلَقًا لاَ اسْتِثْنَاءَ فِيهِ؛ لأِنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الأْنْصِبَاءَ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةٍ بِنَفْسِهَا. بَلْ بِقِيمَتِهَا، وَالأْغْرَاضُ وَالْمَنَافِعُ تَتَفَاوَتُ رَغْمَ اسْتِوَاءِ الْقِيمَةِ، فَلَيْسَتْ حَدِيقَةُ الْبُرْتُقَالِ كَحَدِيقَةِ الْعِنَبِ، فِي نَفْسِهَا وَلاَ فِي عَائِدَتِهَا وَجَدْوَاهَا، وَلاَ فِي مُلاَقَاةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَحَاجَاتِهِمْ - وَلَوْ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ وَتِلْكَ يُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ مَثَلاً، وَلاَ الْمِسَاحَةُ الصَّغِيرَةُ الْجَيِّدَةُ التُّرْبَةِ أَوِ الْمُطِلَّةُ عَلَى النَّهْرِ كَالْمِسَاحَةِ الْفَسِيحَةِ الرَّدِيئَةِ أَوِ الْخَلْفِيَّةِ - وَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتَاهَا .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسِيغُهُ؛ لأِنَّ لِطَالِبِ الْقِسْمَةِ غَرَضًا صَحِيحًا، وَلَنْ يَفُوتَ الآْخَرَ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُهُمْ تَنْزِيلاً لِلتَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ مَنْزِلَةَ التَّسَاوِي فِي الأْجْزَاءِ وَمَا عَسَاهُ يَفُوتُ عَيْنًا يُعْتَاضُ عَنْهُ بِالتَّخَلُّصِ مِنْ مَسَاوِئِ الشَّرِكَةِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْمُمْتَنِعُ مِنَ الْقِسْمَةِ سَيِّئَ النِّيَّةِ، يُرِيدُ الْجَوْرَ وَالاِغْتِصَابَ بِالإْبْقَاءِ عَلَى شَرِكَةٍ غَيْرِ مُتَوَازِنَةٍ، كَمَا لَوْ كَانَ لاَ يَمْلِكُ فِيهَا إِلاَّ بِنِسْبَةِ الْعُشْرِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ إِيضَاحُهُ (ف 13) وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ، وَعَلَيْهِ مُعَوَّلُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَبْدَوُا احْتِمَالاً بِمِثْلِ الْقَوْلِ الأْوَّلِ لِلشَّافِعِيِّ فِي خُصُوصِ الْمَنْقُولاَتِ إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ عَادُوا بَعْدَمَا أَطْلَقُوهُ، فَذَكَرُوا فُرُوعًا يُسْتَفَادُ مِنْهَا تَقْيِيدُهُ، وَفَعَلَ الْحَنَابِلَةُ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَزَادُوا التَّصْرِيحَ بِبَعْضِ الشَّرَائِطِ.
وَهَاكَ مَا اجْتَمَعَ لَنَا مِنْ قُيُودِهِمْ:
16 - أَوَّلاً: اتِّحَادُ الْجِنْسِ: وَيُرِيدُونَ بِالْجِنْسِ هُنَا النَّوْعَ، فَالْعَقَارُ الْوَاحِدُ الَّذِي لاَ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَالأْرْضِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي تَتَفَاوَتُ أَجْزَاؤُهَا جَوْدَةً وَرَدَاءَةً، أَوْ يَخْتَلِفُ نَوْعُ غِرَاسِهَا - كَأَنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا حَدِيقَةُ عِنَبٍ وَفِي الآْخَرِ حَدِيقَةُ نَخْلٍ، وَالدَّارُ الْوَاحِدَةُ الَّتِي يَكُونُ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا بِنَاءٌ مِنْ حَجَرٍ وَفِي الآْخَرِ بِنَاءٌ مِنَ اللَّبِنِ، أَوْ لأِحَدِهِمَا وَاجِهَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا، وَلِلآْخَرِ وَاجِهَةٌ مَرْغُوبٌ عَنْهَا - هَذَا الْعَقَارُ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهِ، فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ أَجْبَرَ الْقَاضِي الْمُمْتَنِعَ إِلاَّ أَنَّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ، وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ كَأَبِي الْخَطَّابِ، مَنْ يَذْكُرُونَ هُنَا تَفَقُّهًا - وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُهُمْ - أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ، فَإِنَّ الإْجْبَارَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى قِسْمَةِ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، قِيَاسًا عَلَى الأْرَاضِي الْمُتَعَدِّدَةِ الَّتِي يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى جَمْعِ الْكُلِّ حِينَئِذٍ وَقِسْمَتِهِ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ .
وَمَعْنَى ذَلِكَ - بِجَانِبِ أَنَّ الأْرَاضِيَ تُعْتَبَرُ نَوْعًا وَاحِدًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَنَّ تَعَدُّدَهَا بِمَثَابَةِ اخْتِلاَفِ الصِّفَةِ كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ - أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ الإْفْرَازِ ، لاَ يَلْجَأُ الْقَاضِي إِلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ، وَمَتَى أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ تَعْدِيلاً، لاَ يَلْجَأُ الْقَاضِي إِلَى قِسْمَةِ الأْعْيَانِ مُجْتَمِعَةً، وَهَذَا بَيِّنٌ لاَئِحٌ؛ لأِنَّ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْحَقِّ مَا أَمْكَنَ هُوَ عَيْنُ الإْنْصَافِ، أَمَّا بِالتَّرَاضِي فَلِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَفْعَلُوا مَا شَاءُوا، إِفْرَازًا أَوْ تَعْدِيلاً أَوْ رَدًّا .
أَمَّا إِذَا تَعَدَّدَ نَوْعُ الْعَقَارِ، كَأَنْ كَانَتِ الشَّرِكَةُ فِي عِدَّةِ دُورٍ أَوْ حَوَانِيتَ، فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا حَقِيقَةً لاِخْتِلاَفِ الأْغْرَاضِ بِاخْتِلاَفِ الأَْبْنِيَةِ وَمَوَاقِعِ الْبِنَاءِ وَلاَ يُجْمَعُ فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ بَيْنَ جِنْسَيْنِ. فَتُقْسَمُ - إِنْ لَمْ يَتَرَاضَوْا عَلَى الْجَمْعِ - كُلُّ دَارٍ وَكُلُّ حَانُوتٍ عَلَى حِدَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَجَاوِرَةً أَمْ مُتَبَاعِدَةً، لِتَفَاوُتِ مَقَاصِدِهَا نَعَمْ. اعْتَمَدَ الشَّافِعِيَّةُ - خِلاَفًا لِبَعْضٍ مِنْهُمْ، خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ الذَّاهِبِينَ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا لاَ تَجْمَعُهُ الشُّفْعَةُ لاَ تَجْمَعُهُ الْقِسْمَةُ، إِذْ كِلْتَاهُمَا لإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ أَنَّ الْجِنْسَيْنِ إِذَا أَمْكَنَ تَنْزِيلُهُمَا مَنْزِلَةَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، لِكَوْنِهِمَا أَشْبَهَ بِالْحُجَرِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ، يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَقَدْ ضَرَبُوا لِذَلِكَ مَثَلَيْنِ .
الأْوَّلُ: ضَيْعَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَتَأَلَّفُ مِنْ بِضْعَةِ أَفْدِنَةٍ وَدَارَيْنِ، فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ، وَاقْتَضَتْ أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِدَارٍ مِنَ الدَّارَيْنِ، فَإِنَّهُ يُجَابُ إِلَى ذَلِكَ.
الثَّانِي: الدَّكَاكِينُ الصِّغَارُ الْمُتَلاَصِقَةُ (وَتُسَمَّى الْعَضَائِدَ) فَلاَ تَتَفَاوَتُ فِيهَا الأْغْرَاضُ وَالَّتِي لاَ يَقْبَلُ كُلٌّ مِنْهَا الْقِسْمَةَ عَلَى حِدَةٍ، يَجُوزُ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَهَا فِي قِسْمَةِ أَعْيَانِهَا قِسْمَةُ إِجْبَارٍ، عَلَى أَلاَّ تَبْقَى لِلشَّرِكَةِ عَلَقَةٌ، كَمَا سَيَجِيءُ.
17 - ثَانِيًا: اتِّحَادُ الصِّنْفِ: فِي قِسْمَةِ الْمَنْقُولاَتِ، فَلَيْسَ يَكْفِي فِيهَا اتِّحَادُ الْجِنْسِ حَتَّى يَتَّحِدَ صِنْفُهَا أَيْضًا، لأِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يُقَلِّلُ مِنْ شَأْنِ تَفَاوُتِ الأْغْرَاضِ فِيهَا. فَلاَ إِجْبَارَ عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ عِنْدَمَا يَخْتَلِفُ جِنْسُ الْمَنْقُولاَتِ: كَأَبْسِطَةٍ وَسَتَائِرَ وَوَسَائِدَ وَحَشَايَا وَمَقَاعِدَ وَمَنَاضِدَ وَثَلاَّجَاتٍ وَقَمَاطِرَ، أَوْ يَخْتَلِفُ نَوْعُهَا: كَثِيَابٍ بَعْضُهَا حَرِيرٌ. وَبَعْضُهَا قُطْنٌ، وَبَعْضُهَا صُوفٌ، وَأَبْسِطَةٍ عَجَمِيَّةٍ وَأُخْرَى عَادِيَّةٍ، وَقَمَاطِرَ خَشَبِيَّةٍ وَأُخْرَى مِنَ الصَّاجِ، أَوْ يَخْتَلِفُ صِنْفُهَا: كَحَرِيرٍ هِنْدِيٍّ وَحَرِيرٍ يَابَانِيٍّ، وَخَشَبٍ زَانٍ وَخَشَبٍ أَبْيَضَ.
وَلاَ بُدَّ أَنْ يُفْرَضَ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالصِّنْفِ اخْتِلاَفُ الصُّورَةِ وَالْمَظْهَرِ، أَوِ اخْتِلاَفُ الْقِيمَةِ وَإِلاَّ كَانَ الْمَوْضِعُ لِقِسْمَةِ الْمُتَشَابِهِ (قِسْمَةَ الإْفْرَازِ )، كَمَا عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ (ف9)، لاَ لِقِسْمَةِ التَّعْدِيلِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَالأْبْسِطَةُ مَثَلاً تَخْتَلِفُ أَحْجَامُهَا وَعَدَدُ فَتَلاَتِهَا - وَهُوَ اخْتِلاَفٌ فِي الصُّورَةِ - وَيَتْبَعُهُ اخْتِلاَفُ الْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَتْ هُنَالِكَ ثَلاَثَةُ أَبْسِطَةٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً، وَقِيمَةُ أَحَدِهَا مِائَةُ دِينَارٍ، وَقِيمَةُ الآْخَرَيْنِ مَعًا مِائَةٌ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، أَيْ قِسْمَةِ تَعْدِيلٍ، فَإِنَّهُ يُجَابُ وَيُجْبَرُ الآْخَرُ إِذَا امْتَنَعَ، لِقِلَّةِ تَفَاوُتِ الأْغْرَاضِ حِينَئِذٍ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُ الأْبْسِطَةِ أَوْ أَصْنَافُهَا، فَإِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى قِسْمَتِهَا قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي؛ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِ الأْغْرَاضِ بِكُلِّ نَوْعٍ وَصِنْفٍ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي غَيْرِ الأْبْسِطَةِ، لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ آحَادُهُ لاَ تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ أَصْلاً كَالْحَيَوَانَاتِ، كَمَا إِذَا فَرَضْنَا مَكَانَ الأْبْسِطَةِ ثَلاَثَ بَقَرَاتٍ .
وَالْحَنَابِلَةُ لاَ يَشْتَرِطُونَ سِوَى اتِّحَادِ النَّوْعِ وَتَسَاوِي الْقِيمَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَ الصِّنْفُ، كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ .
18 - ثَالِثًا: أَلاَّ تُبْقِيَ الْقِسْمَةُ شَيْئًا مُشْتَرَكًا: أَيْ مِنَ الْمَالِ الْمُرَادِ قَسْمُهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَعْنُونَهُ «بِانْقِطَاعِ الْعَلَقَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ»، وَهَاكَ بِضْعَةُ أَمْثِلَةٍ:
أ - سَيَّارَتَانِ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً، قِيمَةُ إِحْدَاهُمَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، وَقِيمَةُ الأْخْرَى خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فَحَسْبُ، لاَ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَى قِسْمَتِهِمَا إِذَا مَنَعْنَا الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَةِ السَّيَّارَةِ الأْعْلَى قِيمَةً، لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ فِيهَا حِينَئِذٍ، وَلِذَا يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَقَرَتَانِ، قِيمَةُ إِحْدَاهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ الأْخْرَى، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ عَلَى أَنْ يَبْقَى لِمَنْ خَرَجَ لَهُ أَقَلُّهُمَا قِيمَةً رُبْعُ الأْخْرَى، فَلاَ إِجْبَارَ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهَكَذَا كُلُّ أَدْنَى وَأَعْلَى وَمِثْلُهُ لِلْحَنَابِلَةِ .
ب - الأْرْضُ الْمُشْتَرَكَةُ يَكُونُ فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ، فَيَطْلُبُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ قِسْمَةَ الْبِنَاءِ أَوِ الشَّجَرِ وَحْدَهُ، وَتَبْقَى الأْرْضُ مُشْتَرَكَةً، أَوْ يَطْلُبُ قِسْمَةَ الأْرْضِ وَحْدَهَا، وَيَبْقَى الْبِنَاءُ أَوِ الشَّجَرُ مُشْتَرَكًا، لاَ يُجَابُ إِلَى طَلَبِهِ، أَيْ أَنَّهُ لاَ إِجْبَارَ عَلَى هَذِهِ الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّهَا لاَ تُزِيلُ الشَّرِكَةَ تَمَامًا، فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ.
ج - يَقُولُونَ: يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى قِسْمَةِ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ مِنْ دَارٍ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا؛ لأِنَّ الْبِنَاءَ تَابِعٌ لِلأْرْضِ، كَالشَّجَرِ فِيهَا لاَ عَلَى قِسْمَةِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ؛ لأِنَّ الْقِسْمَةَ تُرَادُ لِلتَّمْيِيزِ، وَلاَ عَلَى جَعْلِهِ لِوَاحِدٍ وَالآْخَرُ لآِخَرَ وَقَدْ يُعَلَّلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمَّا زَالَتِ الشَّرِكَةُ تَمَامًا بِقِسْمَةِ الطَّابَقَيْنِ جَمِيعًا صَحَّ الإْجْبَارُ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَلَمَّا بَقِيَتْ فِي بَعْضِ الدَّارِ بِقِسْمَةِ أَعْلاَهَا دُونَ أَسْفَلِهَا، أَوِ الْعَكْسُ، لَمْ يُمْكِنِ الإْجْبَارُ عَلَى هَذَا، لَكِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ طَرِيقِ التَّرَاضِي .
وَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَلاَ الْمَالِكِيَّةُ مَانِعًا بِأَيَّةِ حَالٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ السُّفْلُ لِوَاحِدٍ، وَالْعُلُوُّ لآِخَرَ ، وَرُبَّمَا صَوَّرَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ اسْمًا وَمَنْفَعَةً، فَلاَ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ .
نَعَمْ يُغْتَفَرُ بَقَاءُ الشَّرِكَةِ فِي التَّوَابِعِ وَالْمُلْحَقَاتِ، صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، إِذْ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ بَقَاءِ طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْمُتَقَاسِمِينَ - لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ اسْتِقْلاَلُ كُلٍّ بِطَرِيقٍ - فَإِنَّ هَذَا لاَ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى الْقِسْمَةِ .
19 - رَابِعًا: أَنْ لاَ تَنْقُصَ قِيمَةُ الْمَقْسُومِ بِقِسْمَتِهِ: وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ مَفْهُومَةٌ مِنَ الْمُهَذَّبِ لِلشِّيرَازِيِّ، وَصَرَّحَ بِهَا الْجِيلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَنَقَلُوهَا عَنْهُ فِي قِسْمَةِ الْعَقَارِ الْمُتَعَدِّدِ الْجِنْسِ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ تَنْزِيلاً لَهُ مَنْزِلَةَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، كَالْحُجَرِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ، وَهُوَ نَاظِرٌ إِلَى أَنَّ نَقْصَ الْقِيمَةِ ضَرَرٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ، فَلاَ يَدْخُلُ فِيهِ الْقَضَاءُ، لَكِنْ سَيَأْتِي لَهُمْ تَفْسِيرُ الضَّرَرِ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
20 - خَامِسًا: تَعَذُّرُ قِسْمَةِ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ: وَقَدْ فُهِمَ هَذَا مِمَّا سَبَقَ (ف 16)، لَكِنَّهُ خَاصٌّ بِالْعَقَارَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّ الْمَنْقُولاَتِ لاَ يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهَا قِسْمَةَ جَمْعٍ إِلاَّ إِذَا اتَّحَدَ صِنْفُهَا، نَعَمْ. هُوَ عَلَى عُمُومِهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .
21 - وَالْمَالِكِيَّةُ يَجْعَلُونَ قِسْمَةَ الإْجْبَارِ فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَقَارَبَ دُونَ رَدٍّ، وَقِسْمَةَ التَّرَاضِي فِيمَا عَدَاهُ، كَمَا أَسْلَفْنَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ فِي أَنَّ قِسْمَةَ الإْجْبَارِ مَشْرُوطَةٌ بِاتِّحَادِ النَّوْعِ أَيْضًا، وَبِعَدَمِ الرَّدِّ - إِلاَّ أَنْ يَقِلَّ فِي قَوْلٍ لَهُمْ - وَلَكِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ:
أ - الْمَوْضِعُ الأْوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا اتَّحَدَ نَوْعُهُ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهِ، بَلْ لاَ بُدَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ التَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ وَفِي رَغَبَاتِ الشُّرَكَاءِ، وَلاَ بُدَّ أَيْضًا مِنْ قُرْبِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الْعَقَارِ وَالْعَقَارِ، فَقِطْعَةُ الأْرْضِ الَّتِي تَبْعُدُ عَنِ الأْخْرَى أَكْثَرَ مِنْ مِيلَيْنِ أَوْ تَكُونُ أَجْوَدَ مِنْهَا تُرْبَةً، أَوْ أَدْنَى إِلَى رَغْبَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ دُونَ الآْخَرِ - لِقُرْبِهَا مِنْ مَسْكَنِهِ مَثَلاً، أَوْ لأِنَّهَا تُسْقَى بِدُونِ آلاَتٍ - لاَ يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهِمَا مَعًا كَقِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، بَلْ تُقْسَمُ كُلُّ قِطْعَةٍ عَلَى حِدَةٍ.
وَلاَ بُدَّ لِلإْجْبَارِ عَلَى الضَّمِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنِ اتِّحَادِ نَوْعِ الأْشْجَارِ فِي حَدَائِقِ الْفَاكِهَةِ، وَعَدَمِ إِمْكَانِ قِسْمَةِ كُلِّ حَدِيقَةٍ عَلَى حِدَةٍ، بَلْ إِنَّ الْحَدِيقَةَ الْوَاحِدَةَ تَكُونُ أَشْجَارًا جَانِبٌ مِنْهَا النَّخْلُ، وَجَانِبٌ آخَرُ التُّفَّاحُ أَوِ الرُّمَّانُ، أَوِ الْخَوْخُ، لاَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهَا قِسْمَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَشْجَارِهَا عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنَّهُ إِذَنْ لِلضَّرُورَةِ يَصِحُّ الإْجْبَارُ عَلَى ضَمِّ النَّوْعِ إِلَى غَيْرِهِ، وَقِسْمَةُ الْجَمِيعِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ مَعَ التَّعْدِيلِ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَحْصُلَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَلَى أَصْنَافٍ مِنَ الأْشْجَارِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.
ب - الْمَوْضِعُ الثَّانِي: أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا اخْتَلَفَ نَوْعُهُ لاَ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهِ، فَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَقْسِمُونَ أَنْوَاعَ الثِّيَابِ الْمُخْتَلِفَةِ: مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَحَرِيرٍ.. إِلَخْ قِسْمَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ تَعْدِيلاً وَجَبْرًا. وَيُصَرِّحُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الأْرْضَ نَوْعٌ وَأَشْجَارَهَا نَوْعٌ آخَرُ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا تَبَاعَدَتِ الأْشْجَارُ تُقْسَمُ الأْرْضُ وَأَشْجَارُهَا مَعًا، لاَ الأْرْضُ وَحْدَهَا وَالأْشْجَارُ وَحْدَهَا، وَإِلاَّ فَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ بَعْضُ شَجَرِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ فِي أَرْضٍ آخَرَ، وَهَذَا يُخَالِفُ قِسْمَةَ الْبَسَاتِينِ؛ لأِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الشَّجَرُ، وَالأْرْضُ تَبَعٌ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا الأْرْضُ ، وَالأْشْجَارُ تَبَعٌ .
ج - الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لاَ يُجْمَعُ عِنْدَهُمْ فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ بَيْنَ نَصِيبَيْنِ، قَالُوا: لأِنَّ قِسْمَةَ الإْجْبَارِ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِطَرِيقِ الْقُرْعَةِ، وَفِي الْقُرْعَةِ غَرَرٌ يُرْتَكَبُ، ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إِلَى الْقِسْمَةِ، وَلاَ ضَرُورَةَ لِجَمْعِ نَصِيبَيْنِ (مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْحَقِيقَةِ تَقْلِيلٌ لِلْغَرَرِ)، وَمَعَ ذَلِكَ حَتَّمُوا إِجْمَاعَ كُلِّ أَصْحَابِ فَرْضٍ فِي نَصِيبٍ وَاحِدٍ عِنْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، أَيْ بَيْنَ ذَوِي فُرُوضٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَوْ ذَوِي فَرْضٍ وَاحِدٍ أَوْ عَصَبَةٍ، وَسَوَّغُوا اجْتِمَاعَ الْعَصَبَةِ - بِرِضَاهُمْ - فِي نَصِيبٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُقَاسَمَتِهِمْ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَأَلْزَمُوا الْوَرَثَةَ مُطْلَقًا بِهَذَا الاِجْتِمَاعِ - إِذَا طَلَبَهُ أَحَدُهُمْ - فِي مُقَاسَمَةِ شَرِيكٍ لِمُوَرِّثِهِمْ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا بِنَصِيبِ مُوَرِّثِهِمْ، ثُمَّ لِلْجَمِيعِ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ شَاءُوا - وَقَبِلَ نَصِيبُهُمُ الْقِسْمَةَ - أَنْ يَقْتَسِمُوهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ الشَّرِكَةِ فِي التَّوَابِعِ - وَسَبَقَ نَحْوُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ (ف 18) - فَإِنَّ مَرَافِقَ الدَّارِ الْمَقْسُومَةِ إِذَا سُكِتَ عَنْهَا فِي الْقِسْمَةِ تَبْقَى عَلَى الاِشْتِرَاكِ كَمَا كَانَتْ .
د - الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ تَعَذُّرُ قِسْمَةِ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ فِيمَا عَدَا الْبَسَاتِينَ، فَإِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى الْجَمْعِ فِي قِسْمَتِهَا بَيْنَ صِنْفَيْنِ، كَتُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَتْ قِسْمَةُ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، وَسَوَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَقَارُ وَالْمَنْقُولُ، فَالدُّورُ وَالأَْرَاضِي تُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ جَبْرًا إِذَا طَلَبَهَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ - وَإِنْ أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ كُلِّ دَارٍ وَكُلُّ حَقْلٍ عَلَى حِدَةٍ - وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ، إِلاَّ أَنَّ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ يُخَالِفُهُ فِي الثِّيَابِ، وَنَصُّ عِبَارَتِهَا: «هَذِهِ ثِيَابٌ كُلُّهَا تُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ إِذَا كَانَتْ لاَ تَحْتَمِلُ أَنْ يُقْسَمَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ» «وَفِي الدَّارِ الْمَعْرُوفَةِ بِالسُّكْنَى لِلْمَيِّتِ أَوِ الْوَرَثَةِ» بِنَاءً عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ خَلِيلٌ مِنْ أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى جَمْعِهَا مَعَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الدُّورِ فِي قِسْمَةٍ وَاحِدَةٍ لاَ يُجَابُ مَتَى دَعَا آخَرُ إِلَى إِفْرَادِهَا بِالْقِسْمَةِ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ .
22 - وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَكَذَا أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ يُوَافِقُونَ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرِيطَةِ الإْجْبَارِ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ بِنَفْسِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ، أَيْ فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَإِنْ بَقِيَ الْمَالُ مُنْتَفَعًا بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا، لِعِظَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَنَافِعِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى تَقْرِيرِ الْخِرَقِيِّ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ جَرَى عَلَى رِوَايَةٍ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلاَفُهَا، وَهُوَ أَنَّ الضَّرَرَ الْمَانِعَ مِنَ الإْجْبَارِ هُوَ نَقْصُ الْقِيمَةِ .
وَفِي كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ مَا قَدْ يُفِيدُ أَنَّهُمْ أَحْيَانًا يَنْظُرُونَ إِلَى الْقِيمَةِ. بِحَيْثُ لَوْ نَقَصَتْ بِقِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُمْ لاَ يُجْبَرُونَ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ .
23 - وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَحْدِيدِ مَدَى الضَّرَرِ الْمَشْرُوطِ انْتِفَاؤُهُ لِلإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ، عَلَى آرَاءٍ:
الأْوَّلُ: مُطْلَقُ ضَرَرٍ: وَعَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجَمَاهِيرُ الْحَنَابِلَةِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى «لِنَهْيِهِ صلوات الله عليه عَنِ الضَّرَرِ وَالضِّرَارِ » عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي فَضِّ الشَّرِكَةِ - كَمَا هُنَا - أَمِ الْبَقِيَّةِ عَلَيْهَا - كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى إِنْسَانٌ بِخَاتَمِهِ لِشَخْصٍ، وَبِفَصِّهِ لآِخَرَ - إِذْ قَالُوا: إِنَّ أَيَّهُمَا طَلَبَ قَلْعَ الْفَصِّ يُجَابُ فَفِي مَسْأَلَةِ الشَّرِيكَيْنِ: لأِحَدِهِمَا فِي الدَّارِ عُشْرُهَا وَلَيْسَ يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى (وَلَوْ بِإِضَافَةٍ خَارِجِيَّةٍ يَسْتَطِيعُهَا) وَلِلآْخَرِ بَاقِيهَا لاَ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَى الْقِسْمَةِ، لِمَا فِيهَا مِنَ الضَّرَرِ بِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ فَلاَ بَأْسَ؛ لأِنَّ الْمُسْتَضِرَّ قَدْ رَضِيَ بِضَرَرِ نَفْسِهِ .
وَيَنُصُّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ مِنْ هَذَا الضَّرَرِ الْمَانِعِ مِنْ قِسْمَةِ الإْجْبَارِ أَنْ يَبْقَى النَّصِيبُ صَالِحًا لِلسُّكْنَى - فِي مِثَالِنَا هَذَا - وَلَكِنْ لِسُكْنَى غَيْرِ صَاحِبِهِ، فَيَضْطَرُّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِغَيْرِهِ مَثَلاً، وَإِنْ نَقَصَ الثَّمَنُ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ، أَوْ نَقَصَتِ الْمَنْفَعَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الضَّرَرِ، وَقَدْ رَأَيْنَا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ يَشْتَرِطُ عَدَمَ نَقْصِ الثَّمَنِ (ف 19)، كَمَا أَنَّ عِنْدَهُمْ مِثْلُ خِلاَفِ الْمَالِكِيَّةِ فِي نُقْصَانِ الْمَنْفَعَةِ، كَالسَّيْفِ يُكْسَرُ لِيُقْسَمَ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ لِنَفْسِ الْغَرَضِ لَكِنْ بِصُورَةٍ أَقَلَّ جَدْوَى، إِلاَّ أَنَّهُمْ رَجَّحُوا أَنَّهُ ضَرَرٌ مَانِعٌ مِنَ الإْجْبَارِ ثُمَّ يَنْفَرِدُ الشَّافِعِيَّةُ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ إِذَا كَانَ يُمْكِنُ رَفْعُهُ فِي يُسْرٍ عَنِ الْمُسْتَضِرِّ بِتَكْمِيلِ النَّصِيبِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ لأِنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ بِتَيَسُّرِ رَفْعِهِ وَإِزَالَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ بِجِوَارِ الدَّارِ الْمَقْسُومَةِ أَرْضٌ مَوَاتٌ يَسْتَطِيعُ إِحْيَاءَهَا، أَوْ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِعْلاً، أَوْ يَسْتَطِيعُ تَمَلُّكَهَا، أَمَّا الَّتِي لاَ يُجَاوِرُهَا إِلاَّ مَا لاَ سَبِيلَ إِلَى الْحُصُولِ عَلَيْهِ - كَوَقْفٍ أَوْ شَارِعٍ أَوْ مِلْكٍ لِمَنْ لاَ يَنْزِلُ عَنْهُ - فَلاَ إِجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهَا وَلِلْمَالِكِيَّةِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا .
الثَّانِي: الضَّرَرُ الْعَامُّ: كَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهَذَا عِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، فَلَيْسَ يَمْنَعُ مِنَ الإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ ضَرَرُ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ - سَوَاءٌ أَكَانَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ هُوَ الْمُسْتَضِرُّ أَمْ غَيْرُهُ - إِيثَارًا لِلتَّخَلُّصِ مِنْ مَضَارِّ الشَّرِكَةِ .
الثَّالِثُ: الضَّرَرُ الْوَاصِلُ إِلَى الطَّالِبِ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ، كَمَا اعْتَمَدَهُ الْقُدُورِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَفِي مِثَالِ الدَّارِ، لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عُشْرُهَا، وَلاَ يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى مُنْفَرِدًا إِنْ كَانَ الطَّالِبُ لِلْقِسْمَةِ هُوَ الآْخَرُ الَّذِي لاَ تَبْطُلُ بِالْقِسْمَةِ مَنْفَعَةُ نَصِيبِهِ الْمَقْصُودِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (وَلَوْ بِضَمِّ شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ يَمْلِكُهُ أَوْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْلِكَهُ عَلَى نَحْوِ مَا) فَحِينَئِذٍ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ هُوَ الْمُسْتَضِرُّ فَمُتَعَنِّتٌ مُضَيِّعٌ لِمَالِهِ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلاَ يُجَابُ إِلَى سَفَهِهِ وَقَدْ عَرَفْنَا مَا فِيهِ عِنْدَ تَقْرِيرِ كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ (ف 13).
الرَّابِعُ: الضَّرَرُ الْوَاصِلُ إِلَى الْمُمْتَنِعِ: عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي تَوْجِيهِهِ (ف 13)، وَمَالَ إِلَيْهِ ابْنُ قُدَامَةَ قِيَاسًا عَلَى مَا لاَ ضَرَرَ فِيهِ، لِرِضَا الطَّالِبِ بِضَرَرِهِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ .
تَقْسِيمُ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ وَحْدَةِ الْمَحَلِّ وَتَعَدُّدِهِ:
24 - وَهِيَ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ قِسْمَانِ: عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قِسْمَةُ جَمْعٍ وَقِسْمَةُ تَفْرِيقٍ، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِمَا يَلِي:
أ - قِسْمَةُ الْجَمْعِ: هِيَ قِسْمَةُ الْمُتَعَدِّدِ قِسْمَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ كَانَ مُتَسَاوِيَ الأَْفْرَادِ وَأَجْزَائِهَا لَمْ يَحْتَجْ إِلاَّ إِلَى إِفْرَازِ كُلِّ نَصِيبٍ عَلَى حِدَةٍ، دُونَ حَاجَةٍ إِلَى تَقْوِيمٍ، مِثَالُ ذَلِكَ: كَمِّيَّةٌ مِنَ الأْحْجَارِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْقَوَالِبِ وَالصَّنْعَةِ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ بِالتَّسَاوِي، لاَ تَحْتَاجُ قِسْمَتُهَا إِلاَّ إِلَى عَدِّ ثُلُثٍ مِنْهَا لِهَذَا، ثُمَّ ثُلُثٌ لِذَاكَ، ثُمَّ يَكُونُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ، نَظِيرُ مَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ ثَوْبًا وَاحِدًا مِنَ الْقُمَاشِ (بِالْمَعْنَى الْمُتَدَاوَلِ الآْنَ، أَيْ ذَرْعًا مُعَيَّنًا مِنْ نَسِيجٍ مُعَيَّنٍ) بَيْنَهُمْ عَلَى التَّسَاوِي، فَإِنَّ قِسْمَتَهُ لاَ تَتَطَلَّبُ إِلاَّ أَنْ يُقَاسَ ثُلُثُ الثَّوْبِ لِهَذَا، ثُمَّ ثُلُثٌ لِذَاكَ، ثُمَّ يَكُونُ لِلثَّالِثِ الْبَاقِي .
وَإِنْ كَانَ بَيْنَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَبَعْضٍ تَفَاوُتٌ بِحَيْثُ لاَ يُمْكِنُ تَعْدِيلُ الأْنْصِبَاءِ فِيهِ إِلاَّ بِالتَّقْوِيمِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي أَنْوَاعِ الْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ، وَكَمَا هِيَ طَبِيعَةُ الأْشْيَاءِ فِي الأْجْنَاسِ الْمُتَعَدِّدَةِ كَدَارٍ وَمَنْقُولاَتِهَا، وَضَيْعَةٍ وَمُحْتَوَيَاتِهَا، فَإِنَّهُ أَيْضًا يُعْتَبَرُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ مُتَفَاوِتِ الأْجْزَاءِ لاَ تَتَعَدَّلُ الأْنْصِبَاءُ فِيهِ إِلاَّ بِتَقْوِيمِهِ، كَقِطْعَةِ أَرْضٍ زِرَاعِيَّةٍ تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهَا فِي دَرَجَةِ الْخِصْبِ فَيُقَوَّمُ عِنْدَ التَّشَاحِّ وَيُصِيبُ كُلَّ شَرِيكٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ مَا يُسَاوِي نَصِيبَهُ مِنَ الْقِيمَةِ كُلِّهَا، فَالَّذِي نَصِيبُهُ الثُّلُثُ مِنْ مَالٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ. (ر: ف \ 12 وَمَا بَعْدَهَا).
ب - قِسْمَةُ التَّفْرِيقِ: وَتُسَمَّى قِسْمَةَ الْفَرْدِ أَيْضًا، وَهِيَ قِسْمَةُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ نَفْسِهِ - كَمَا مَثَّلْنَاهُ آنِفًا فِي التَّنْظِيرِ لِقِسْمَةِ الْجَمْعِ - أَوِ الأْشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ .
وَالْفُقَهَاءُ فِي سَائِرِ مَذَاهِبِ الْفِقْهِ لاَ يُبْرِزُونَ هَذَا التَّقْسِيمَ (إِلَى قِسْمَةِ جَمْعٍ وَقِسْمَةِ تَفْرِيقٍ) إِبْرَازَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ يَجِيءُ فِي ثَنَايَا كَلاَمِهِمْ.
مُقَوِّمَاتُ الْقِسْمَةِ:
25 - إِذَا كَانَتِ الْقِسْمَةُ هِيَ تَمْيِيزُ الأْنْصِبَاءِ لِمُسْتَحِقِّيهَا فَإِنَّهَا لِكَيْ تَتَحَقَّقَ لاَ بُدَّ لَهَا مِنَ الْمُقَوِّمَاتِ التَّالِيَةِ:
أ - الْفَاعِلُ الَّذِي يَتَوَلَّى الْقِسْمَةَ، وَهُوَ الْقَاسِمُ.
ب - الْمُسْتَحِقُّونَ، أَوِ الْمَقْسُومُ لَهُ.
ج - الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي تُمَيَّزُ حِصَصُهُ، وَهُوَ الْمَقْسُومُ.
وَبَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:
أ - الْقَاسِمُ:
26 - لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَقَّقَ قِسْمَةٌ بِدُونِ قَاسِمٍ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْقَاسِمَ قَدْ يَكُونُ هُوَ الشُّرَكَاءَ أَنْفُسَهُمْ، إِنْ كَانُوا كُمَّلاً، أَوْ أَوْلِيَاءَهُمْ إِنْ كَانُوا قَاصِرِينَ، وَقَدْ يَكُونُ أَجْنَبِيًّا يُوَلُّونَهُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمْ، دُونَ لُجُوءٍ إِلَى الْقَضَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ الْقَاضِي إِذَا طَلَبَ مِنْهُ الْقِسْمَةَ وَاحِدٌ مِنَ الشُّرَكَاءِ أَوْ أَكْثَرُ فَيَتَوَلاَّهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَنْصِبُ مَنْ يَتَوَلاَّهَا نِيَابَةً عَنْهُ.
شَرَائِطُ الْقَاسِمِ:
27 - اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ وَالْمِلْكِ أَوِ الْوِلاَيَةِ فِي الْقَاسِمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الإْسْلاَمِ وَالْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ فَأَوْجَبَهَا الْقُدُورِيُّ وَالْمِرْغِينَانِيُّ وَاسْتَحَبَّهَا الْكَاسَانِيُّ، وَلاَ خِلاَفَ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا بَيْنَ قَاسِمِ الْحَاكِمِ وَقَاسِمِ الشُّرَكَاءِ، أَمَّا سَائِرُ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ قَاسِمِ الْحَاكِمِ وَقَاسِمِ الشُّرَكَاءِ، فَقَاسِمُ الْحَاكِمِ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ:
الشَّرِيطَةُ الأْولَى: الْعَدَالَةُ:
28 - تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، لِيُؤْمَنَ الْجَوْرُ فِي إِيصَالِ الْحُقُوقِ إِلَى أَرْبَابِهَا، فَإِنَّ قِسْمَتَهُ لاَزِمَةٌ لِلْمُقْتَسِمِينَ، لاَ خِيَارَ لَهُمْ فِي قَبُولِهَا وَرَفْضِهَا، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ وِلاَيَةَ الْقِسْمَةِ مِنْ قَبِيلِ الْوِلاَيَاتِ الْوَاجِبَةِ الطَّاعَةِ، وَغَيْرُ الْعَدْلِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، قِيَاسًا عَلَى الْحَاكِمِ نَفْسِهِ
وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ: الْحُرِّيَّةُ:
29 - تُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ؛ لأِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلاَيَاتِ، وَبِهَذِهِ الشَّرِيطَةِ يَأْخُذُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، دُونَ الْحَنَابِلَةِ .
الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ: الذُّكُورَةُ:
30 - انْفَرَدَ الشَّافِعِيَّةُ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الشَّرِيطَةِ؛ لأِنَّ الْمَرْأَةَ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْوِلاَيَاتِ، وَهَذِهِ خِلاَفِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ فَقَالُوا: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَاسِمُ الْحَاكِمِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَاتِ كُلِّهَا: فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، ذَكَرًا، حُرًّا، مُسْلِمًا، عَدْلاً، ضَابِطًا (لاَ مُغَفَّلاً) سَمِيعًا بَصِيرًا، نَاطِقًا؛ لأِنَّ كُلَّ الْمُتَّصِفِينَ بِأَضْدَادِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوِلاَيَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ أَيْضًا مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الأْصْلُ - مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ مَهْمَا عَلاَ - قَاسِمَ حَاكِمٍ لِفَرْعِهِ مَهْمَا نَزَلَ، كَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ، أَيْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ قَاسِمَ حَاكِمٍ لأِصْلِهِ .
الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ: عِلْمُهُ بِالْقِسْمَةِ:
31 - الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ: أَنْ تَتَوَفَّرَ لَهُ الآْلَةُ اللاَّزِمَةُ لِلْقِيَامِ بِعَمَلِ الْقَاسِمِ كَمَعْرِفَةِ الْحِسَابِ، وَالْمِسَاحَةِ إِنْ نُصِبَ قَاسِمًا عَامًّا؛ لأِنَّهُ لاَ بُدَّ مُحْتَاجٌ ذَلِكَ أَوْ قَاسِمًا لِمَا لَمْ تُمْكِنْ قِسْمَتُهُ دُونَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ، نَصَّ عَلَى هَذِهِ الشَّرِيطَةِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ التَّقْوِيمِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِالْقِسْمَةِ حَيْثُمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ خِلاَفٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِنِ اعْتَمَدَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لأِنَّهُ يَسْتَطِيعُ الاِسْتِعَانَةَ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي التَّقْوِيمِ إِنِ احْتَاجَهُ، وَعِنْدَ ذَاكَ يَعْتَمِدُ مِنْهُمْ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، غَايَةُ مَا هُنَاكَ أَنَّهُ يُفَضَّلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالتَّقْوِيمِ أَيْضًا، أَمَّا قَاسِمٌ لاَ يَعْرِفُ حِسَابًا وَلاَ مِسَاحَةً، فَكَقَاضٍ لاَ يَعْرِفُ الْفِقْهَ، أَوْ كَاتِبٍ لاَ يَعْرِفُ الْخَطَّ .
الشَّرِيطَةُ الْخَامِسَةُ: تَعَدُّدُ الْقَاسِمِ حِينَ تَكُونُ ثَمَّ حَاجَةٌ إِلَى التَّقْوِيمِ:
32 - جَزَمَ الشَّافِعِيَّةُ بِتَعَدُّدِ الْقَاسِمِ إِذَا كَانَ هُوَ الْمُقَوِّمَ، وَاعْتَمَدَهُ الْحَنَابِلَةُ، وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يَكْفِي الْمُقَوِّمُ الْوَاحِدُ بَلْ لاَ بُدَّ مِنِ اثْنَيْنِ حَيْثُ كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّقْوِيمِ حَدٌّ أَوْ غُرْمٌ كَتَقْوِيمِ الْمَسْرُوقِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَالْمَغْصُوبِ وَالْمُتْلَفِ إِذَا وُصِفَ لَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاسِمِ وَالْمُقَوِّمِ: أَنَّ الْقَاسِمَ نَائِبٌ عَنِ الْحَاكِمِ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالْوَاحِدِ، وَالْمُقَوِّمُ كَالشَّاهِدِ عَلَى الْقِيمَةِ فَتُرَجَّحُ فِيهِ جَانِبُ الشَّهَادَةِ، وَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى التَّقْوِيمِ حَدٌّ أَوْ غُرْمٌ كَفَى وَاحِدٌ .
وَإِذَا جُعِلَ الْقَاسِمُ حَاكِمًا فِي التَّقْوِيمِ، كَمَا جُعِلَ حَاكِمًا فِي الْقِسْمَةِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ - فِيمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ - أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، فَيَكُونُ قَدْ قَسَمَ وَقَوَّمَ وَهُوَ وَاحِدٌ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ قَاسِمَانِ اثْنَانِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ أَنَّهُ شَاهِدٌ لاَ حَاكِمٌ.
وَلَيْسَ الْخَرْصُ (تَقْدِيرُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ عَلَى الشَّجَرِ) إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهِ، مِنْ قَبِيلِ التَّقْوِيمِ؛ لأِنَّ التَّقْوِيمَ إِخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، وَالْخَرْصُ إِنْشَاءُ حُكْمٍ عَنِ اجْتِهَادٍ كَمَا يَفْعَلُ الْقَاضِي، فَيَكْفِي مَعَ الْحَاجَةِ إِلَى الْخَرْصِ قَاسِمٌ وَاحِدٌ، كَمَا اكْتَفَوْا بِخَارِصٍ وَاحِدٍ فِي الزَّكَاةِ، وَإِنْ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِنَّ الْقِيَاسَ قَاسِمَانِ اعْتِبَارًا بِالتَّقْوِيمِ؛ لأِنَّ الْخَارِصَ يَجْتَهِدُ وَيُعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ، فَكَانَ كَالْحَاكِمِ وَالْمُقَوِّمِ يُخْبِرُ بِقِيمَةِ الشَّيْءِ فَهُوَ كَالشَّاهِدِ .
33 - وَقَاسِمُ الشُّرَكَاءِ الَّذِي هُوَ فِي حَقِيقَةِ الأْمْرِ مُجَرَّدُ وَكِيلٍ عَنْهُمْ، قَدْ يُعْفِيهِ وَضْعُهُ هَذَا مِنْ أَكْثَرِ شَرَائِطِ قَاسِمِ الْحَاكِمِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ - إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الشُّرَكَاءِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ - لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ سِوَى التَّكْلِيفِ، حَتَّى لَيَجُوزَ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، أَوْ فَاسِقًا، أَوْ ذِمِّيًّا، وَلاَ يَشْتَرِطُ أَحَدٌ تَعَدُّدَهُ فَإِذَا كَانَ فِي الشُّرَكَاءِ مَحْجُورٌ اشْتُرِطَتْ فِي قَاسِمِهِمْ أَيْضًا شَرَائِطُ قَاسِمِ الْحَاكِمِ، نَظَرًا وَحِيطَةً.
وَيَكْتَفِي الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِالضَّمَانِ الَّذِي فِي أَيْدِي الشُّرَكَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِقَاسِمِهِمْ هَذَا، أَيْ أَنَّ لَهُمُ الْحَقَّ فِي رَفْضِ قِسْمَتِهِ إِذَا لَمْ تَرُقْهُمْ، فَلاَ يَشْتَرِطُونَ لِصِحَّتِهَا وَلُزُومِهَا إِلاَّ تَرَاضِيهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَاسِمُ لاَ يَعْرِفُ الْقِسْمَةَ وَظَاهِرٌ أَنَّ وَلِيَّ الْمَحْجُورِ وَوَكِيلَ الْغَائِبِ يَنُوبَانِ مَنَابَهُمَا.
وَيَنُصُّ الشَّافِعِيَّةُ هُنَا عَلَى دَقِيقَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَاسِمٌ شَرِيكًا وَوَكِيلاً لِسَائِرِ الشُّرَكَاءِ أَوْ لِبَعْضٍ مِنْهُمْ، كَأَنْ يَقُولُوا كُلُّهُمْ لَهُ: أَنْتَ وَكِيلٌ عَنَّا فَاقْسِمْ كَمَا تَرَى، وَافْرِزْ لِنَفْسِكَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا نَصِيبَهُ، أَوْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً، فَيُوَكِّلُ اثْنَانِ مِنْهُمُ الاِثْنَيْنِ الآْخَرَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَحَدُهُمَا وَكِيلاً عَنْ وَاحِدٍ وَالآْخَرُ عَنِ الآْخَرِ، وَالسِّرُّ فِي هَذَا أَنَّ عَلَى الْوَكِيلِ أَنْ يَحْتَاطَ لِمُوَكِّلِهِ، وَهَذَا مَا لاَ يَسْتَطِيعُهُ الْوَكِيلُ هُنَا، لأِنَّهُ يَتَنَاقَضُ مَعَ احْتِيَاطِهِ لِنَفْسِهِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ غَرِيزِيٌّ مَرْكُوزٌ فِي الْفِطَرِ.
نَعَمْ إِذَا وَقَعَ التَّوْكِيلُ بِحَيْثُ لاَ يُؤَدِّي إِلَى هَذَا التَّنَاقُضِ، فَلاَ بَأْسَ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا آثَرَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَبْقَى هُوَ وَآخَرُ شَرِيكَيْنِ بِنَصِيبِهِمَا بَعْدَ انْفِصَالِ الآْخَرَيْنِ، فَيُوَكِّلُهُ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ نَصِيبَاهُمَا جُزْءًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْوَكِيلَ حِينَئِذٍ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ، بِلاَ أَدْنَى تَعَارُضٍ .
أُجْرَةُ الْقَاسِمِ:
مَنْ تَكُونُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْقَاسِمِ؟
34 - الْقَاسِمُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أُجْرَةٍ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْقَاضِي نَفْسُهُ كَمَا سَيَجِيءُ.
وَأُجْرَتُهُ إِنْ كَانَ قَاسِمَ الشُّرَكَاءِ عَلَى الشُّرَكَاءِ؛ لأِنَّ نَفْعَ الْقِسْمَةِ يَخُصُّهُمْ، وَإِنْ كَانَ قَاسِمَ الْقَاضِي، فَالأْفْضَلُ أَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهُ فِي خِزَانَةِ الدَّوْلَةِ (بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) لأِنَّ هَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ، بَلْ مَطْلُوبٌ مِنَ الْقَاضِي - عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَالاِسْتِحْبَابِ - أَنْ يَتَّخِذَ قَاسِمًا عَامًّا، بِصِفَةٍ دَائِمَةٍ، لَهُ رِزْقٌ جَارٍ كَسَائِرِ عُمَّالِ الدَّوْلَةِ، يَكُونُ مُعَدًّا لِلْقِيَامِ بِالْقِسْمَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ طَلَبِهَا دُونَ تَقَاضِي أَجْرٍ مِنْهُمْ؛ لأِنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ، مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَاضِي - إِذْ هِيَ أَيْضًا لِقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ - فَيَكُونُ مُقَابِلُهَا فِي الْمَالِ الْعَامِّ كَرِزْقِ الْقَاضِي نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ أُجْرَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ - لأِمْرٍ مَا - فَإِنَّ أُجْرَتَهُ تَكُونُ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لأِنَّ النَّفْعَ وَاصِلٌ إِلَيْهِمْ، لَكِنْ يُقَدِّرُهَا الْقَاضِي بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِئَلاَّ يَتَحَكَّمَ الْقَاسِمُ وَيَشْتَطَّ، وَمَعَ ذَلِكَ لاَ يَلْزَمُهُمْ بِالْقَاسِمِ الَّذِي يَنْصِبُهُ، بَلْ يَدَعُ لَهُمُ الْخِيَارَ، فَإِنْ شَاءُوا قَسَمَ لَهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَأْجَرُوا غَيْرَهُ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى إِجْبَارِهِمْ عَلَى تَوْكِيلِ قَاسِمٍ بِعَيْنِهِ، كَمَا أَنَّهُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لاَ يَدَعُ الْقَسَّامِينَ، يَعْمَلُونَ فِي شَرِكَةٍ مَعًا؛ لِئَلاَّ يَتَوَاطَئُوا، وَيَزِيدُوا فِي الأْجْرَةِ .
وَاتِّخَاذُ الْقَاسِمِ الدَّائِمِ يَظَلُّ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُقَرَّرْ لَهُ أُجْرَةٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ أَعْرَفُ بِمَنْ يَصْلُحُ لِهَذَا الْغَرَضِ؛ وَلأِنَّ قَاسِمَ الْقَاضِي أَعَمُّ نَفْعًا، إِذْ تَنْفُذُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْمَحْجُورِ وَالْغَائِبِ، بِخِلاَفِ قِسْمَةِ غَيْرِهِ .
ثُمَّ الْقِسْمَةُ تُشْبِهُ الْقَضَاءَ؛ لأِنَّهَا تَدْخُلُ فِي وِلاَيَةِ الْقَاضِي، وَيُلْزَمُ بِهَا الآْبِي، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلِذَا لاَ تَجِبُ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا بِنَفْسِهِ، فَمِنْ أَجْلِ كَوْنِهَا لَيْسَتْ قَضَاءً، إِذَا تَوَلاَّهَا الْقَاضِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَتَهَا مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ، وَلَكِنْ لِمَكَانِ شَبَهِهَا بِالْقَضَاءِ يَكُونُ الأْوْلَى لَهُ أَنْ لاَ يَأْخُذَ .
هَكَذَا قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ، وَلاَ يُخَالِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ فِي أَنَّ أُجْرَةَ قَاسِمِ الشُّرَكَاءِ عَلَى الشُّرَكَاءِ، وَلاَ فِي أَنَّ نَصْبَ الْحَاكِمِ قَاسِمًا لِيَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وُجُوبُهُ وَكُلُّهُمْ يَنْقُلُونَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ لَهُ قَاسِمٌ عَامٌّ مِنْ عُمَّالِهِ الدَّائِمِينَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، وَأَنَّهُ كَانَ يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ رِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِعَدَمِ كِفَايَةِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ هَذَا قَدْ يُفْسِدُ الْمَقْصُودَ مِنْ نَصْبِهِ؛ لأِنَّهُ إِذَنْ مَظِنَّةُ أَنْ يُغَالِيَ فِي الأْجْرَةِ، وَيَقْبَلَ الرِّشْوَةَ، وَيَجُورَ فِي الْقِسْمَةِ، فَحِينَئِذٍ لاَ يُعَيِّنُ قَاسِمًا، وَيَدَعُ النَّاسَ يَسْتَأْجِرُونَ أَوْ يَسْتَعِينُونَ بِمَنْ شَاءُوا، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ حِينَئِذٍ هَذَا التَّعْيِينَ، وَقَضَى بِحُرْمَتِهِ .
وَيُوجَدُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مَنْ يَكْرَهُ أَخْذَ الأْجْرَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ أَيًّا كَانَتْ، وَهَذَا مِمَّا يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الدَّرْدِيرُ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الأْخْلاَقِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ. إِذْ تَقُولُ: كَانَ خَارِجَةُ وَرَبِيعَةُ يَقْسِمَانِ بِلاَ أَجْرٍ؛ لأِنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ لاَ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ أَجْرٌ، وَيَقُولُ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لاَ تَأْخُذْ عَلَى الْخَيْرِ أَجْرًا .
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ - وِفَاقًا لِغَيْرِهِمْ - لَمْ يَعْتَدُّوا بِهَذَا الْخِلاَفِ وَاعْتَمَدُوا الْجَوَازَ بِإِطْلاَقٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الأْجْرَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمْ عَلَى الشُّرَكَاءِ - إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُقَيِّدُونَهُمْ بِالرُّشَدَاءِ، وَيَكْرَهُونَ أَخْذَ الأْجْرَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، لَكِنْ لاَ تُبَاحُ الأْجْرَةُ لِلْقَاسِمِ إِلاَّ نَظِيرُ تَوَلِّي الْقِسْمَةِ - أَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الأْجْرَةَ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ بِحُكْمِ مَنْصِبِهِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي قَسَمَ بَيْنَهُمْ، فَهَذَا هُوَ السُّحْتُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ بِفَرْضٍ مِنَ الْقَاضِي أَوِ الإْمَامِ .
كَيْفِيَّةُ تَوْزِيعِ الأْجْرَةِ:
35 - إِذَا كَانَتِ الأْجْرَةُ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لِسَبَبٍ مَا كَإِضَاعَةٍ مِنْ أُولِي الأْمْرِ، أَوْ عَوَزٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ رَغْبَةٍ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ عَنْ قَاسِمِ الدَّوْلَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِهِ عَلَى الشُّرَكَاءِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
الأْوَّلُ: أَنَّهَا تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ: وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - دُونَ صَاحِبَيْهِ - وَجَمَاهِيرُ الْمَالِكِيَّةِ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَهَؤُلاَءِ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّ الأْجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ، وَعَمَلُ الْقَاسِمِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْمُتَقَاسِمِينَ سَوَاءٌ، إِذْ هُوَ تَمْيِيزُ الأْنْصِبَاءِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ لاَ يَقْبَلُ التَّفَاوُتَ، فَتَمْيِيزُ الْقَلِيلِ مِنَ الْكَثِيرِ هُوَ بِعَيْنِهِ تَمْيِيزُ الْكَثِيرِ مِنَ الْقَلِيلِ، وَإِذَا لَمْ يَتَفَاوَتِ الْعَمَلُ لَمْ تَتَفَاوَتِ الأْجْرَةُ، أَمَّا الْوَسَائِلُ الْمُوصِلَةُ إِلَى هَذَا التَّمْيِيزِ، كَالْمِسَاحَةِ وَمَا تَتَطَلَّبُهُ مِنْ جَهْدٍ، وَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، فَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْقِسْمَةِ، وَلَيْسَتْ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ مِنْ أَجْلِهِ، وَلِذَا لَوِ اسْتَعَانَ فِيهِ بِالْمُتَقَاسَمِينَ أَنْفُسِهِمْ لاَسْتَحَقَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الْقِسْمَةِ كَامِلَةً وَضَبْطُ الأُجْرَةِ بِمِقْدَارِ الأْنْصِبَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، إِذْ لَيْسَ النَّصِيبُ الْكَبِيرُ دَائِمًا أَصْعَبَ حِسَابًا وَلاَ النَّصِيبُ الْيَسِيرُ دَائِمًا أَيْسَرَ، فَلاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا إِلاَّ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ .
وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُقْسَمُ بِمِقْدَارِ الأْنْصِبَاءِ: وَعَلَيْهِ الصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَصْبَغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْمَغَارِبَةِ أَخِيرًا وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مُعْتَمَدُهُمْ وَعَلَيْهِ مُعَوَّلُهُمْ، وَهَؤُلاَءِ يَتَعَلَّقُونَ بِأَنَّ أُجْرَةَ الْقِسْمَةِ مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ، فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، كَالنَّفَقَةِ عَلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ نَحْوِ إِطْعَامِ بَهَائِمَ وَحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ، وَحَرْثِ أَرْضٍ أَوْ رَيِّهَا، وَكَيْلِ حَبٍّ مُشْتَرًى أَوْ وَزْنِهِ .
36 - أ - حِينَ يُقَالُ تَكُونُ الأْجْرَةُ بِمِقْدَارِ الأْنْصِبَاءِ يُمْكِنُ التَّسَاؤُلُ: أَهِيَ الأْنْصِبَاءُ الأْصْلِ يَّةُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَمِ الأْنْصِبَاءُ الْمَأْخُوذَةُ نَتِيجَةً لِلْقِسْمَةِ؟ مَثَلاً: حِينَ يَكُونُ لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفُ الأْرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، لَكِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْقِسْمَةِ ثُلُثَهَا فَحَسْبُ؛ لأِنَّهُ أَجْوَدُ، هَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ أَمْ ثُلُثُهَا؟
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الأْجْرَةُ تُوَزَّعُ عَلَى الْحِصَصِ الْمَأْخُوذَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ لأِنَّهَا مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ كَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ الْمُشْتَرَكِ .
ب - إِذَا اتَّفَقَ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَى تَحَمُّلِ الأْجْرَةِ بِنِسْبَةِ مُخَالَفَةٍ لِقَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ، وَشَرَطُوا ذَلِكَ عَلَى الْقَاسِمِ فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ أَمْ لاَغٍ؟.
قَطَعَ الشَّافِعِيَّةُ بِاعْتِبَارِهِ؛ لأِنَّهُ أَجِيرُهُمْ فَلاَ يَسْتَحِقُّ فِي إِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ إِلاَّ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، لَكِنَّهُمْ لأِمْرٍ مَا اعْتَمَدُوا بُطْلاَنَ الشَّرْطِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي تَوْزِيعِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ حِينَ تَكُونُ الإْجَارَةُ فَاسِدَةً .
- ج - إِذَا أَتَمَّ الْقَاسِمُ الْقِسْمَةَ، دُونَ أَنْ تُذْكَرَ أُجْرَةٌ، فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ، قِيَاسًا عَلَى الْقَصَّارِ يُدْفَعُ إِلَيْهِ الثَّوْبُ لِيَقْصِرَهُ، وَلاَ تُسَمَّى أُجْرَةٌ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَامَ بِالْقِسْمَةِ بِتَوْجِيهٍ مِنَ الإْمَامِ أَوِ الْقَاضِي فَحِينَئِذٍ تَكُونُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
هَكَذَا قَرَّرَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُمْ مُنَازَعُونَ فِي ذَلِكَ تَأْصِيلاً وَتَفْرِيعًا حَتَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْفُسِهِمْ، وَحَسْبُكَ بِخِلاَفِ مِثْلِ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ، ثُمَّ هَذَا الْبُجَيْرِمِيُّ مِنْ أَوَاخِرِ مُتَأَخِّرِيهِمْ يُقَرِّرُ أَنَّ الْقَاسِمَ يَسْتَحِقُّ الأْجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ الطَّالِبُ شَيْئًا، وَيَقُولُ: إِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِمَّنْ عَمِلَ عَمَلاً بِغَيْرِ أُجْرَةٍ .
د - كَيْفِيَّةُ اسْتِئْجَارِ الْمُتَقَاسِمِينَ مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ، هِيَ أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ كُلُّهُمْ - وَلَوْ بِوَاسِطَةِ وَكِيلٍ عَنْهُمْ، بِعَقْدٍ وَاحِدٍ - وَمِنْهُ مَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَرَضِيَ سَائِرُهُمْ، أَوْ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ كُلُّ وَاحِدٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ لِتَعْيِينِ نَصِيبِهِ لِقَاءَ أَجْرٍ مَعْلُومٍ، هَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلاَّ أَنَّ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ لَمْ يَرْتَضُوا إِطْلاَقَ الشَّافِعِيِّ تَصْحِيحَ الصُّورَةِ الأْخِيرَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إِنَّمَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى رِضَاءِ غَيْرِهِ، وَقَيَّدُوهُ بِرِضَاءِ الْبَاقِينَ؛ لأِنَّ كُلَّ عَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بَعْضُهُمْ، فَالإْجَارَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَالأْجْرَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ .
هـ - أُجْرَةُ الْخَبِيرِ الْمُقَوِّمِ، حِينَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّقْوِيمِ، وَأُجْرَةُ كَاتِبِ الْوَثِيقَةِ، عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنَ الْخِلاَفِ فِي أُجْرَةِ الْقَاسِمِ: فَمِنْ قَائِلٍ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَمِنْ قَائِلٍ عَلَى قَدْرِ الأْنْصِبَاءِ .
37 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَتَحَمَّلُ أُجْرَةَ الْقَاسِمِ إِذَا طَلَبَهَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَكُونُ عَلَى مَنْ طَلَبَهَا وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهَا؛ لأِنَّ مَنْفَعَةَ الاِسْتِقْلاَلِ بِالْمِلْكِ حَاصِلَةٌ بِكُلِّ قِسْمَةٍ وَعَمَلُ الأَْجِيرِ فِيهَا وَاقِعٌ لِكُلِّ مُتَقَاسِمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَكُونُ عَلَى الطَّالِبِ لأِنَّ الآْبِيَ مُسْتَضِرٌّ بِالْقِسْمَةِ .
ب - الْمَقْسُومُ لَهُ:
38 - قَالَ الْكَاسَانِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي الْمَقْسُومِ لَهُ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ:
الأْوَّلُ: أَنْ لاَ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ فِي أَحَدِ نَوْعَيِ الْقِسْمَةِ وَهِيَ قِسْمَةُ التَّفْرِيقِ جَبْرًا.
الثَّانِي: الرِّضَا فِي أَحَدِ نَوْعَيِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ رِضَا الشُّرَكَاءِ فِيمَا يَقْسِمُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ إِذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا، أَوْ رِضَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا.
الثَّالِثُ: حُضُورُ الشُّرَكَاءِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ فِي نَوْعَيِ الْقِسْمَةِ، الْجَبْرِ وَالرِّضَا.
الرَّابِعُ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِلْكِ فِي قِسْمَةِ الْقَضَاءِ .
ج - الْمَقْسُومُ:
39 - سَبَقَ بَيَانُ بَعْضِ الشُّرُوطِ الْخَاصَّةِ بِالْمَقْسُومِ وَهِيَ:
- اتِّحَادُ الْجِنْسِ.
- اتِّحَادُ الصِّنْفِ فِي قِسْمَةِ الْمَنْقُولاَتِ.
- زَوَالُ الْعُلْقَةِ بِالْقِسْمَةِ.
- أَنْ لاَ تُنْقِصُ الْقِسْمَةُ قِيمَةَ الْمَقْسُومِ.
- تَعَذُّرُ إِفْرَادِ كُلِّ صِنْفٍ بِالْقِسْمَةِ.
وَكُلُّهَا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ: الْقِسْمَةُ الْقَضَائِيَّةُ الإْجْبَارِيَّةُ.
40 - وَهُنَاكَ شُرُوطٌ أُخْرَى بَيَانُهَا فِيمَا يَأْتِي:
الأْوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً:
فَلاَ تَصِحُّ قِسْمَةُ الدَّيْنِ، اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ، تَرَاضِيًا وَلاَ إِجْبَارًا، وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَخَالَفَهُمْ فِي اعْتِبَارِهَا الْحَنَابِلَةُ فَجَوَّزُوا قِسْمَةَ الدَّيْنِ بِإِطْلاَقٍ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُجَوِّزُونَ قِسْمَةَ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ تَرَاضِيًا لاَ إِجْبَارًا؛ لأِنَّهُ لاَ تُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقُرْعَةُ .
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ قَابِلاً لِلْقِسْمَةِ:
وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ انْتِفَاءَ الضَّرَرِ فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَقَدْ عَرَفْنَاهُمْ فِيمَا سَلَفَ فَإِنَّ انْتِفَاءَ الضَّرَرِ فِي الْقِسْمَةِ هُوَ مَعْنَى قَابِلِيَّةِ مَحَلِّهَا لَهَا، إِلاَّ أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ هُنَا إِلَى أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مَنْ يَقْصُرُ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ عَلَى قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَلاَ يَرَى بَأْسًا مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ بِتَرَاضِي الشُّرَكَاءِ عَلَى أَيَّةِ قِسْمَةٍ ضَارَّةٍ، وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَلاَمٍ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ - وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَمِّمُهَا فِي قِسْمَتَيِ الإْجْبَارِ وَالتَّرَاضِي، إِذَا بَلَغَ الضَّرَرُ حَدَّ الْفَسَادِ، أَعْنِي بُطْلاَنَ الْمَنْفَعَةِ بُطْلاَنًا تَامًّا أَوْ مَا هُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا فِي قِسْمَةِ خَاتَمٍ خَسِيسٍ، وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْمَالِكِيَّةُ، فَالْخِيَارُ عِنْدَهُمْ فِي حَالَةِ الْفَسَادِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا: إِمَّا الإْبْقَاءُ عَلَى الشَّرِكَةِ أَوِ الْبَيْعِ، وَفِي حَالَةِ الضَّرَرِ الأْقَلِّ بَيْنَ هَذَيْنِ وَثَالِثٍ هُوَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي .
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَقْسُومُ مَمْلُوكًا لِلشُّرَكَاءِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ:
هَذِهِ شَرِيطَةٌ عَامَّةٌ فِي كُلِّ قِسْمَةٍ لاَ تَخُصُّ نَوْعًا دُونَ نَوْعٍ، وَقِسْمَةُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ لَيْسَتْ لَهُ بَلْ لِلْمَحْجُورِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْمَالِكُ، فَالْفُضُولِيُّ الَّذِي لاَ مِلْكَ لَهُ وَلاَ وِلاَيَةَ لاَ نَفَاذَ لِقِسْمَتِهِ حَتَّى يُجِيزَهَا الْمَالِكُ الصَّحِيحُ التَّصَرُّفِ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ نِيَابَةً شَرْعِيَّةً صَحِيحَةً فَالْقِسْمَةُ تَقْبَلُ الإْجَازَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَسَمَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي غَيْبَةِ الْبَاقِينَ وَأَخَذَ قِسْطَهُ فَلَمَّا عَلِمُوا قَرَّرُوهُ صَحَّتْ لَكِنْ مِنْ حِينِ التَّقْرِيرِ .
وَيَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الَّذِي لاَ يَحْضُرُ الْقِسْمَةَ مِنَ الشُّرَكَاءِ ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُهَا (لاَ يُنْكِرُهَا) عَنْ قُرْبٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا تَلْزَمُهُ، وَيَكُونُ هَذَا الرَّيْثُ إِقْرَارًا لَهَا .
قِسْمَةُ الأْعْيَانِ :
41 - الأْعْيَانُ جَمْعُ عَيْنٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا قَابَلَ الدَّيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ، أَمَّا الدَّيْنُ فَقَدْ عَلِمْنَا الْخِلاَفَ فِي قِسْمَتِهِ (ر: ف 40)، وَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ فَسَيَأْتِي بَحْثُ قِسْمَتِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَالأْعْيَانُ تَنْقَسِمُ إِلَى عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ: فَالْعَقَارُ: هُوَ الأْرْضُ ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ زِرَاعِيَّةً أَمْ غَيْرَ زِرَاعِيَّةٍ، وَالْمَنْقُولُ: مَا عَدَاهَا كَالثِّيَابِ وَالأْوَانِي وَالْحَيَوَانِ وَالْمَزْرُوعَاتِ، وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ يَتْبَعَانِ الأْرْضَ فِي الْقِسْمَةِ، وَالأْرْضُ لاَ تَتْبَعُهُمَا فَمَنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ مِنْ قِسْمَةِ الأْرْضِ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ، بِخِلاَفِ الْعَكْسِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .
وَهَذَا خِلاَفُ مَا عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ مِنِ اعْتِبَارِ كُلٍّ مِنَ الأْرْضِ وَالْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ عَقَارًا، قَالَ الْخَرَشِيُّ: الْعَقَارُ هُوَ الأْرْضُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ .
ثُمَّ كُلٌّ مِنَ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لاَ تَفَاوُتَ بَيْنَ أَجْزَائِهِ وَهُوَ الْمُتَشَابِهُ، أَوْ يَكُونُ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ بَيَانٍ (ر: ف9).
تَنَوُّعُ قِسْمَةِ الْعَقَارِ:
42 - قِسْمَةُ الْعَقَارِ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ إِفْرَازًا أَوْ تَعْدِيلاً أَوْ رَدًّا، كَمَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ جَمْعًا أَوْ تَفْرِيقًا، وَجَبْرًا أَوْ تَرَاضِيًا، ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَقَدْ يَكُونُ فِي مَحَالٍّ مُتَعَدِّدَةٍ:
فَفِي الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ: قِطْعَةُ الأْرْضِ الْمُتَشَابِهَةِ الأْجْزَاءِ بِلاَ أَدْنَى تَفَاوُتٍ كَالَّتِي تَخْلُو مِنَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَهِيَ دَرَجَةٌ سَوَاءٌ مِنْ جَوْدَةِ التُّرْبَةِ أَوْ رَدَاءَتِهَا لاَ تَحْتَاجُ قِسْمَتُهَا إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَرْعِهَا وَمَعْرِفَةِ مِسَاحَتِهَا، حَتَّى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ مُتَأَخِّرُوهُمْ وَإِنْ كَانَ الأْكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ التَّعْدِيلَ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ تَمْيِيزُهَا أَنْصِبَاءً مُتَسَاوِيَةً، إِذَا تَسَاوَتْ حُقُوقُ الْمُتَقَاسِمِينَ، أَوْ سِهَامًا مُتَسَاوِيَةً بِقَدْرِ النَّصِيبِ الأْقَلِّ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْقِسْمَةِ بِالأْجْزَاءِ أَوْ قِسْمَةِ الإْفْرَازِ .
وَهَكَذَا يُمْكِنُ أَنْ تُقْسَمَ إِفْرَازًا أَيْضًا إِذَا كَانَ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهَا مِنَ الْبِنَاءِ أَوِ الشَّجَرِ مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ بِحَيْثُ يُعْرَفُ تَسَاوِي الأْنْصِبَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ.
فَإِذَا تَفَاوَتَ الْبِنَاءُ أَوِ الشَّجَرُ، أَوْ تَفَاوَتَتْ جَوْدَةُ الأْرْضِ وَرَدَاءَتُهَا فَلاَ يُمْكِنُ تَعْدِيلُ الأْنْصِبَاءِ وَتَسْوِيَةُ السِّهَامِ إِلاَّ بِوَاسِطَةِ التَّقْوِيمِ، وَإِذَنْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ، بَلْ قَدْ يَحُوجُ الأْمْرُ إِلَى الاِسْتِعَانَةِ بِعِوَضٍ مِنْ خَارِجِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ (مُعَدِّلٍ)، يَدْفَعُهُ وَاحِدٌ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ أَوْ أَكْثَرُ لِيَتَعَادَلَ نَصِيبُهُ مَعَ سَائِرِ الأْنْصِبَاءِ ، وَقَدْ يَتَّفِقُ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَى ذَلِكَ دُونَ مُلْجِئٍ، وَإِذَنْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ رَدٍّ.
وَهِيَ عَلَى كُلِّ حَالٍّ قِسْمَةُ تَفْرِيقٍ لأِنَّ الْفَرْضَ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ، وَقَدْ سَلَفَ بَيَانُ طَرِيقَةِ مَنْ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَةِ الرَّدِّ إِلاَّ ضَرُورَةً أَوْ بِلاَ اسْتِثْنَاءٍ، وَيَقْبَلُهُ فِي قِسْمَةِ الإْفْرَازِ وَفِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ بِشَرَائِطَ خَاصَّةٍ، وَطَرِيقَةُ مَنْ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ بِكُلِّ حَالٍ، أَوْ يَمْنَعُهُ بِكُلِّ حَالٍ.
إِلاَّ أَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ فِي الأْرْضِ بِنَاءٌ، فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ: لاَ بُدَّ لِكَيْ يَعْدِلَ الْمَقْسُومُ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ مِنْ شَيْئَيْنِ:
التَّوَصُّلُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمِسَاحَةِ.
وَتَقْوِيمُ الْبِنَاءِ .
وَلَكِنَّ مُتَأَخِّرِيهِمْ يُفَسِّرُونَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْ يُقَاسَ وَيُقَوَّمَ كُلٌّ مِنَ الأْرْضِ وَالْبِنَاءِ؛ لأِنَّ تَعْدِيلَ سِهَامِ الْمَقْسُومِ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَالِيَّتِهِ، وَلَوْ أَخِيرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأْرْضِ، وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْمَالِيَّةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ مِسَاحَةِ وَقِيمَةِ كُلٍّ مِنَ الأْرْضِ وَالْبِنَاءِ .
وَفِي الْمَحَالِّ الْمُتَعَدِّدَةِ كَالدُّورِ وَالأْرَاضِي وَالْبَسَاتِينِ: يُمْكِنُ أَنْ تُجْمَعَ هَذِهِ كُلُّهَا فِي قِسْمَةٍ وَاحِدَةٍ، اتَّحَدَ نَوْعُهَا أَمِ اخْتَلَفَ - عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ اتِّحَادِ النَّوْعِ وَاخْتِلاَفِهِ - وَتُعَدَّلُ الأْنْصِبَاءُ بِالْقِيمَةِ، فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ جَمْعٍ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي عِنْدَمَا يَخْتَلِفُ النَّوْعُ أَوِ الْجِنْسُ، كَتَرِكَةٍ بَعْضُهَا دُورٌ وَبَعْضُهَا أَرَاضٍ زِرَاعِيَّةٌ مُعْتَادَةٌ وَبَعْضُهَا حَدَائِقُ، أَوْ كُلُّهَا حَدَائِقُ، لَكِنَّ بَعْضَ الْحَدَائِقِ كُرُومٌ وَبَعْضُهَا رُمَّانٌ أَوْ بُرْتُقَالٌ أَوْ تُفَّاحٌ أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ.
أَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِ النَّوْعِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ - وَهِيَ قِسْمَةُ جَمْعٍ لِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ - تَقْبَلُ الإْجْبَارَ ، عَلَى خِلاَفَاتٍ فِي التَّفَاصِيلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَعْكِسُ الْقَضِيَّةَ فَيُجْبِرُ عَلَى قِسْمَةِ الأْجْنَاسِ وَالأْنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ قِسْمَةَ جَمْعٍ إِذَا طَلَبَهَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ، وَلاَ يُجِيزُ التَّفْرِيقَ إِلاَّ بِاتِّفَاقِهِمْ.
كَيْفِيَّةُ قِسْمَةِ الْعَقَارِ:
43 - يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْقِسْمَةُ بِقُرْعَةٍ، وَأَنْ تَقَعَ بِدُونِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ قِسْمَةَ تَرَاضٍ أَمْ إِجْبَارٍ؛ لأِنَّ تَعْيِينَ الْقَاسِمِ الْمُجْبِرِ لِكُلِّ نَصِيبٍ عَلَى حِدَةٍ كَافٍ كَمَا سَيَجِيءُ إِلاَّ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْعَةِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ اتِّقَاءً لِلتُّهْمَةِ، إِلاَّ أَنْ يُصِرَّ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَصَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى وُجُوبِهَا حِينَئِذٍ نَعَمْ. لاَ إِجْبَارَ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ بِقُرْعَةٍ وَفِي كَلاَمِ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ كَقَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي قِسْمَةِ عَرْضِ الْجِدَارِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يُجْبَرَ؛ لأِنَّهُ لاَ تَدْخُلُهُ الْقُرْعَةُ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَلِي مِلْكَ الآْخَرِ بَلْ هُوَ صَرِيحُ مَذْهَبِهِمْ، كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ .
كَمَا أَنَّ تَرَاضِيَ الْمُتَقَاسِمِينَ عَلَى تَوْزِيعِ الأْنْصِبَاءِ بَيْنَهُمْ بِكَيْفِيَّةٍ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ بِدُونِ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِقُرْعَةٍ، بَلْ دُونَ تَعْدِيلٍ أَوْ تَقْوِيمٍ أَصْلاً مَا دَامَ الْمَحَلُّ لَيْسَ رِبَوِيًّا، بَلْ وَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ مَحْضُ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ بَلْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَبِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ إِذَا دَخَلاَ عَلَى التَّفَاضُلِ الْبَيِّنِ كَفَدَّانِ فَاكِهَةٍ فِي نَظِيرِ فَدَّانَيْنِ، لِخُرُوجِهَا حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمَهَارَةِ التِّجَارِيَّةِ وَمُحَاوِلَةِ الْغَلَبِ مِنْ كِلاَ الْجَانِبَيْنِ إِلَى بَابِ الْمَنِيحَةِ وَالتَّطَوُّلِ .
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَشْتَرِطُونَ لِجَوَازِ الْقُرْعَةِ شَرَائِطَ مُعَيَّنَةً:
الأْوَّلُ: أَنْ تَكُونَ فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَجَانَسَ، لِيَقِلَّ الْغُرُورُ.
الثَّانِي: أَنْ لاَ تَكُونَ فِي مِثْلِيٍّ مُتَّحِدِ الصِّفَةِ أَيْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ .
الثَّالِثُ: أَنْ لاَ يُجْمَعَ فِيهَا بَيْنَ نَصِيبَيْنِ، إِذْ لاَ ضَرُورَةَ .
وَيُوَافِقُهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الشَّرِيطَةِ الثَّانِيَةِ.
الْقِسْمَةُ بِالْقُرْعَةِ:
44 - الْقُرْعَةُ مَشْرُوعَةٌ فِي الْقِسْمَةِ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا فِي غَيْرِ الْقِسْمَةِ، وَالْحَنَفِيَّةُ مَعَ الْمُنَازِعِينَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا إِلاَّ فِي الْقِسْمَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، وَهُمْ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ: إِنَّهَا قِمَارٌ لِتَعْلِيقِ الاِسْتِحْقَاقِ عَلَى خُرُوجِهَا، لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّ الْقَاسِمَ الْمُجْبِرَ لَوْ عَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ دُونَ قُرْعَةٍ لَكَفَى، إِذْ هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ، لَكِنْ رُبَّمَا يُتَّهَمُ بِالْمُحَابَاةِ، فَيَلْجَأُ إِلَى الْقُرْعَةِ لِئَلاَّ تَبْقَى رِيبَةٌ، وَلِذَا جَرَى الْعَمَلُ بِهَا مُنْذُ عَهْدِ النَّبِيِّ صلوات الله عليه حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا، فَهِيَ سُنَّةٌ عَمَلِيَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (قُرْعَة).
قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ الْمُتَشَابِهِ:
وَأَصْلُهُ الْمِثْلِيُّ الْمُتَّحِدُ الصِّفَةِ، ثُمَّ أُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْقِيَمِيِّ الَّذِي لاَ تَخْتَلِفُ الأْنْصِبَاءُ فِيهِ صُورَةً وَقِيمَةً كَبَعْضِ الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ:
45 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ فِي الْمِثْلِيِّ الْمُتَّحِدِ الصِّفَةِ - عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي مَعْنَى الْمِثْلِيِّ - عَلَى أَنَّ قِسْمَتَهُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى تَقْوِيمٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ إِفْرَازٍ بِطَرِيقِ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ إِلَخْ، فَلاَ تَعْدِيلَ وَلاَ رَدَّ، إِلاَّ أَنَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالَّذِي لاَ يُدَّخَرُ مِثْلُ الْفَاكِهَةِ - طَرِيقَةٌ أُخْرَى بِجَوَازِ قِسْمَتِهِ بِطَرِيقِ التَّحَرِّي وَالْخَرْصِ، إِمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا إِذَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمَوْزُونِ لاَ غَيْرُ، بَلْ جَوَّزَ ابْنُ الْقَاسِمِ قِسْمَةَ التَّحَرِّي فِيمَا يَمْتَنِعُ تَفَاضُلُهُ بِشَرْطَيْنِ: - أَنْ يَكُونَ قَلِيلاً. - مَوْزُونًا كَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ .
ثُمَّ قَدْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ تَرَاضِيًا، وَقَدْ تَكُونُ إِجْبَارًا، إِذْ لاَ يُمْنَعُ الإْجْبَارُ هُنَا حَيْثُ لاَ ضَرَرَ إِلاَّ مُطْلِقُو مَنْعِهِ كَأَبِي ثَوْرٍ فِي بَعْضِ مَا يُرْوَى عَنْهُ، وَقَدْ تَكُونُ جَمْعًا، كَمَا فِي قِسْمَةِ كَمِّيَّةٍ مِنَ الْحُبُوبِ كَالْقَمْحِ أَوِ الشَّعِيرِ، وَقَدْ تَكُونُ تَفْرِيقًا كَالسَّبِيكَةِ مِنْ ذَهَبٍ تُقْسَمُ وَزْنًا.
أَمَّا مَا أُلْحِقَ بِالْمِثْلِيِّ فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ هُمُ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ قِسْمَتَهُ كَقِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَجَمَاهِيرُ قُدَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ فَعَلَى التَّقْوِيمِ فِي كُلِّ مُتَقَوَّمٍ وَعَلَى هَذَا فَقِسْمَتُهُ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ، وَالْمَفْرُوضُ أَنْ لاَ حَاجَةَ فِيهِ إِلَى رَدٍّ.
ثُمَّ قَدْ تَكُونُ قِسْمَةَ إِجْبَارٍ حَيْثُ لاَ ضَرَرَ وَقَدْ تَكُونُ تَرَاضِيًا، وَعِنْدَ التَّرَاضِي يَجُوزُ التَّفَاضُلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانٍ (ر: ف 43)، وَقَدْ تَكُونُ جَمْعًا، كَمَا فِي قِسْمَةِ عَدَدٍ مِنَ الأَْغْنَامِ أَوِ الأَْبْقَارِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَقَدْ تَكُونُ تَفْرِيقًا، كَمَا فِي قِسْمَةِ بِنَاءٍ مُتَّصِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مَعَ تَشَابُهِ أَجْزَائِهِ إِذَا جَرَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مَنْقُولٌ، كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.
وَفِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْمَنْقُولِ الْمُتَشَابِهِ بِقُرْعَةٍ أَوْ بِدُونِهَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْعَقَارِ.
قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ غَيْرِ الْمُتَشَابِهِ:
46 - تَتَنَوَّعُ قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ غَيْرِ الْمُتَشَابِهِ (كَالثِّيَابِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالأَْوَانِي الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْحَيَوَانِ كَذَلِكَ) إِلَى أَنْوَاعٍ.
فَهُوَ لاَ يُقْسَمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ إِلاَّ تَعْدِيلاً بِطَرِيقِ التَّقْوِيمِ، إِلاَّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَكْتَفِي فِي تَحَقُّقِ الْمِثْلِيَّةِ بِالتَّمَاثُلِ فِي مُعْظَمِ الصِّفَاتِ (ر: ف 43)، فَإِنَّهُ يُطَبِّقُ عِنْدَ هَذَا التَّمَاثُلِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَنْقُولِ الْمُتَشَابِهِ خَاصًّا بِالْمِثْلِيِّ (ر: ف 33) وَالأْصْلُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ قِسْمَتُهُ قِسْمَةَ تَرَاضٍ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ فِي حَالاَتٍ خَاصَّةٍ تَخْتَلِفُ مِنْ مَذْهَبٍ إِلَى آخَرَ كَحَالَةِ اتِّحَادِ النَّوْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَتُقَارِبُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَاتِّحَادُ الصِّنْفِ وَصِنْفُ الصِّنْفِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فِي تَفْصِيلاَتٍ عَدِيدَةٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِهَا.
وَتَكُونُ قِسْمَتُهُ قِسْمَةَ تَفْرِيقٍ إِذَا قُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقِسْمَةَ جَمْعٍ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ قِسْمَةِ الرَّدِّ إِذَا تَرَاضَى عَلَيْهَا الْمُتَقَاسِمُونَ: كَأَنْ يَأْخُذَ هَذَا الثِّيَابَ، وَذَاكَ الأْوَانِيَ، وَيَدْفَعَ أَوْ يَأْخُذَ الْفَرْقَ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، بِشَرِيطَةِ أَنْ يَكُونَ مَا يَدْفَعُ فَرْقًا (الْمُعَدِّلَ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، أَوْ بِدُونِ تَقَيُّدٍ بِهَذِهِ الشَّرِيطَةِ، عَلَى الْخِلاَفِ الَّذِي سَلَفَ، لَكِنَّ قِسْمَةَ الإْفْرَازِ لاَ تُتَصَوَّرُ هُنَا إِلاَّ عِنْدَ الْمُتَوَسِّعِينَ فِي تَفْسِيرِ الْمِثْلِيَّةِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاوثون ، الصفحة / 113
الْقِسْمَةُ :
7 - ذَكَرَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِهَةٍ إِفْرَازٌ أَيْ تَمْيِيزٌ لِحِصَصِ الشُّرَكَاءِ وَمِنْ جِهَةٍ مُبَادَلَةٌ، لَكِنَّ جِهَةَ الإْفْرَازِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ الْمُشْتَرَكَةِ غَالِبَةٌ وَرَاجِحَةٌ، فَلِذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ أَخْذُ حِصَّتِهِ فِي غَيْبَةِ الآْخَرِ وَدُونَ إِذْنِهِ، وَهَذَا إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْمِثْلِيَّاتُ تَحْتَ وَضْعِ يَدِ الشَّرِيكَيْنِ.
وَعَلَّلُوا جَوَازَ أَخْذِ الشَّرِيكِ حِصَّتَهُ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي غِيَابِ الشَّرِيكِ الآْخَرِ وَدُونَ إِذْنِهِ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ هَذَا الأْخْذَ هُوَ أَخْذٌ لِعَيْنِ حَقِّهِ فَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ الآْخَرِ وَرِضَاهُ.
وَهَذَا بِخِلاَفِ الْقِيمِيَّاتِ حَيْثُ إِنَّ جِهَةَ الْمُبَادَلَةِ فِيهَا رَاجِحَةٌ فَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَلاَ يَجُوزُ لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الأْعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ أَخْذُ حِصَّتِهِ مِنْهَا فِي غَيْبَةِ الآْخَرِ بِدُونِ إِذْنِهِ .
وَلِسَائِرِ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِسْمَةٌ 45 - 46).