مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : السادس، الصفحة : 119
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- تعرض نصوص المواد 1204 - 1210 لإجراءات القسمة القضائية سواء كانت عيناً أو كانت بطريق التصفية وقد وضع المشروع هذه الإجراءات في المكان اللائق بها عند الكلام في إنتهاء الملكية الشائعة بخلاف التقنين الحالي فقد وضعها في عقد الشركة .
2- ومن يطلب القسمة من الشركاء هو الذي يرفع دعوى القسمة على سائر الشركاء أمام المحكمة المختصة ( محكمة العقار أو محكمة أحد المدعى عليهم في المنقول ) فتعين المحكمة خبيراً أو أكثر إن رأت وجهاً لذلك لقسمة المال الشائع حصصاً إذا كان المال يقبل القسمة عيناً دون أن يلحقه نقص محسوس وإذا لم تكن قسمته عيناً بيع في المزاد وقسم الثمن على الشركاء ويجوز أن يتفق الشركاء على أن تقتصر المزايدة عليهم فيرسو المزاد على أحد منهم ويكون المزاد في هذه الحالة قسمة بطريق التصفية أما إذا لم يتفق الشركاء على اقتصار المزايدة عليهم فإن هذا لا يمنع أي شريك من التقدم للمزايدة، فإن رسا المزاد عليه كان هذا أيضاً قسمة بطريق التصفية، وإن رسا المزاد على أجنبی کان هذا بيعاً.
3- فإذا أمكن قيمة المال عيناً دون أن يلحقه نقص محسوس وعين خبير لتكوين الحصص كونها على أساس أصغر نصيب حتى لو كانت القسمة جزئية بأن كان بعض الشركاء هم الذين يريدون التخلص من الشيوع دون الآخرين فإذا لم يتيسر للخبير تكوين الحصص على أساس أصغر نصیب جاز له أن يقسم بطريق التجنيب وذلك بأن يعين لكل شريك جزءاً مفرزاً من المال الشائع يتعادل مع حصته وإذا اقتضى الأمر معدلاً يكمل نصيب بعض الشركاء حدد هذا المعدل فإذا عينت الحصص بطريق التجنيب أصدرت المحكمة الجزئية بعد الفصل في المنازعات على النحو الذي سيأتي ذكره حكماً بإعطاء كل شريك النصيب المفرز الذي آل إليه أما إذا أمكن تكوين الحصص على أساس أصغر نصيب (مثل ذلك أن تكون أنصبة الشركاء هي النصف والثلث والسدس في قسم المال أسداساً أو تكون أنصبتهم هي الثلثان والربع وجزء من اثني عشر فيقسم المال إلى اثني عشر جزءاً وهكذا ) فإن قام نزاع في تكوين الحصص فصلت فيه المحكمة الجزئية وإن قام نزاع في غير ذلك كان تنازع الشركاء في تحديد حصصهم وادعى شريك أن له الثلث فنازعه الشركاء الآخرون مدعين أن له الربع فصلت المحكمة المختصة في هذا النزاع فإن كانت هي المحكمة الجزئية المختصة بالقسمة تولت الفصل وإلا أحالت الخصوم على المحكمة المختصة وحددت الجلسة التي يحضرون فيها ووقفت دعوى القسمة حتى يفصل نهائياً في هذا النزاع ومتى انتهى الفصل في المنازعات أجريت القسمة بطريق القرعة وتثبت المحكمة ذلك في محضرها وتصدر حكماً بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز وحكم القسمة هذا هو الذي تصدق عليه المحكمة الابتدائية إذا كان بين الشركاء غائب أو شخص لم تتوافر فيه الأهلية ولم يكن له ولى شرعى أما في التقنين الحالى فالمحكمة الإبتدائية تصدق على قسمة الأموال إلى حصص وقد روى أن الأولى أن يكون التصديق على حكم القسمة نفسه.
4- ولما كان دائنو الشركاء يعنيهم أمر القسمة إذ قد يغين فيها أحد الشركاء المدينين فقد خول لهم حق التدخل في إجراءات القسمة سواءً تمت عيناً أو بطریق التصفية وتوجه المعارضة إلى كل الشركاء فيلتزم هؤلاء أن يدخلوا الدائنين المعارضين في جميع الإجراءات وإلا كانت القسمة غير نافذة في حقهم أما إذا تمت القسمة دون تدخل من الدائنين أو كانت القسمة عقداً فليس للدائنين أن يطعنوا في القسمة إلا بطريق الغش في الحالة الأولى أو بطريق الدعوى البوليصية في الحالة الثانية.
1 ـ مفاد ما نصت عليه المواد 4/43 ، 464 من قانون المرافعات ، 836 من القانون المدنى _ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة _ أن محكمة المواد الجزئية هى المختصة بقسمة المال الشائع حصصاً أو بيعه لعدم إمكان قسمته بغير ضرر مهما كانت قيمة الدعوى .
(الطعن رقم 2116 لسنة 66 جلسة 1997/06/29 س 48 ع 2 ص 1034 ق 196)
2 ـ النص فى الفقرة الأولى من المادة 836 من القانون المدنى و النص فى المادة 838 من هذا القانون يدل على أن الشارع ناط بمحكمة المواد الجزئية إختصاصاً إستثنائياً بنظر دعوى قسمة المال الشائع أياً كانت قيمتها و يمتد إختصاصها إلى المنازعات المتعلقة بتكوين الحصص أما غير ذلك من المنازعات الأخرى فلا تختص إلا إذا كان يدخل فى إختصاصها العادى ، فإذا ما أثيرت فى دعوى القسمة منازعة لا تتعلق بتكوين الحصص و تخرج عن الإختصاص العادى للمحكمة الجزئية وجب عليها إن رأت جديتها أن توقف دعوى القسمة لحين الفصل نهائياً فى هذه المنازعة ، و هى لا تكتفى فى ذلك بإصدار حكم بالوقف بل ينبغى أن يكون الحكم مقروناً بإحالة المنازعة إلى المحكمة الإبتدائية المختصة بنظرها و أن تعين للخصوم الجلسة التى يحضرون فيها مما يستتبع أن تكون الدعوى بتلك المنازعة قد رفعت أمام المحكمة الإبتدائية و إتصلت بها قانوناً بمقتضى هذه الإحالة دون حاجة لأن يسلك الخصوم الطريق العادى لرفع الدعوى المنصوص عليه فى المادة 63 من قانون المرافعات إذ قد إستثنت هذه المادة بصريح نصها من إتباع هذا الطريق ما ينص عليه القانون من سبيل آخر لرفع الدعاوى ، لما كان ذلك و كان الثابت من الأوراق أن المنازعة التى أثيرت فى دعوى القسمة على ملكية العقار قد أحيلت إلى محكمة قنا الإبتدائية للفصل فيها إعمالاً لحكم المادة 838 من القانون فإن الدعوى بهذه المنازعة تكون قد رفعت و إتصلت بها تلك المحكمة على نحو يتفق و صحيح القانون .
(الطعن رقم 74 لسنة 57 جلسة 1990/01/25 س 41 ع 1 ص 258 ق 51)
3 ـ الغير فى حكم المادة العاشرة من قانون الشهر العقارى هو من تلقى حقاً عينياً على العقار على أساس أنه ما زال مملوكاً على الشيوع و قام بتسجيله ، قبل تسجيل سند القسمة ، فالمشترى لحصة شائعة من أحد الشركاء على الشيوع ، إذا سجل عقده قبل تسجيل عقد القسمة ، يعتبر من الغير و بالتالى لا يحتج عليه بهذه القسمة . و يكون هو دون البائع له صاحب الشأن فى القسمة التى تجرى بخصوص هذا العقار ، و له أن يطلب إجراء قسمة جديدة ، إذا لم يرتض القسمة التى تمت دون أن يكون طرفاً فيها .
(الطعن رقم 1157 لسنة 47 جلسة 1981/04/28 س 32 ع 1 ص 1304 ق 238)
4 ـ بيع الشريك فى العقار الشائع قدراً مفرزاً قبل إجراء القسمة بين الشركاء لا يجعل المشترى - بالتطبيق للفقرة الثانية من المادة 826 من القانون المدنى - شريكاً فى العقار الشائع و لا يكون له أى حق من حقوق الشركاء و لا يلزم تمثيله فى القسمة حتى لو سجل عقده قبل القسمة .
(الطعن رقم 2123 لسنة 51 جلسة 1984/11/25 س 35 ع 2 ص 1894 ق 361)
5 ـ من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الشريك فى ملك شائع الذى يتصرف بالبيع فى حصته الشائعة بعد وقع دعوى القسمة لا يعتبر ممثلاً للمشترى منه متى سجل هذا الأخير عقد شرائه و إنتقلت إليه بذلك ملكية الحصة المبيعة قبل إنتهاء إجراءات القسمة.
(الطعن رقم 1920 لسنة 50 جلسة 1982/01/24 س 33 ع 1 ص 169 ق 31)
6 ـ الأصل أن البائع لا يمثل المشترى منه فيما يقوم على العقار المبيع من نزاع بعد تسجيل عقد البيع و أن الحكم الصادر ضد البائع بإعتباره مالكاً للعين المبيعة لا يعتبر حجة على المشترى الذى سجل عقد شرائه قبل صدور هذا الحكم و لم يختصم فى الدعوى ، و أن للشريك على الشيوع أن يبيع حصته شائعة و إذا سجل المشترى عقده إنتقلت إليه حصة البائع شائعة و يصبح المشترى دون الشريك هو صاحب الشأن فى القسمة التى تجرى بخصوص هذه الأعيان إتفاقاً أو قضاء ، فإذا تجاهله شركاءه و أجروا القسمة مع الشريك الذى باع نصيبه بعقد مسجل ، فلا يجوز الإحتجاج بهذه القسمة على المشترى الذى سجل عقده قبل تسجيل حكم القسمة .
(الطعن رقم 79 لسنة 41 جلسة 1975/12/24 س 26 ص 1678 ق 313)
7 ـ عقد البيع الإبتدائى ينتج كافة آثار البيع المسجل عدا نقل الملكية و يكون للمشترى بعقد عرفى أن يقتسم العقار مع شريكه.
(الطعن رقم 1244 لسنة 55 جلسة 1989/05/31 س 40 ع 2 ص 512 ق 244)
تنص المادة 1/836 مدني على ما يأتي :
إذا اختلف الشركاء فى اقتسام المال الشائع فعلى من يريد الخروج من الشيوع أن يكلف باقى الشركاء الحضور أمام المحكمة الجزئية .
ويتبين من هذا النص أنه يجوز لأى شريك إذا لم يجمع الشركاء على القسمة الاتفاقية أن يرفع دعوى القسمة فيكون هو المدعى ويجب أن يرفع الدعوى على سائر الشركاء فيدخلون جميعاً خصوماً فى دعوى القسمة.
وإذا رفعت دعوى القسمة على بعض الشركاء دون بعض جاء بعد ذلك إدخال من لم يدخل فى الدعوى استئناف مختلط 24 يناير سنة 1928 م 40 ص 151 وجاز لهؤلاء أن يتدخلوا فى الدعوى من تلقاء أنفسهم وجاز للمحكمة أن تأمر بإدخالهم من تلقاء نفسها.
وإذا صدر الحكم فى دعوى القسمة دون أن يكون جميع الشركاء قد دخلوا خصوماً فى الدعوى لم يكن الحكم حجة على من لم يدخل ولكن ليس للشركاء الذين دخلوا خصوماً أن يدفعوا الدعوى بعدم قبولها لأن الشريك الذى لم يدخل خصماً هو وحده الذى يستطيع أن يتمسك بعدم نفاذ الحكم فى حقه.
المحكمة المختصة :
رأينا أن المادة 836 /1 مدنى تجعل الاختصاص فى دعوى القسمة للمحكمة الجزئية فالمحكمة الجزئية إذن هى المختصة بدعوى القسمة أياً كانت قيمة الأموال الشائعة التي يراد اقتسامها ولو زادت هذه القيمة على نصاب القاضى الجزئى والمحكمة الجزئية هى المحكمة التى تقع فى دائرتها العقارات أو أكبرها قيمة فإن كان المراد قسمته منقولاً فالمحكمة الجزئية المختصة هي المحكمة التى يقع فى دائرتها مواطن أحد المدعى عليهم .
وإنما جعلت المحكمة الجزئية مختصة ولو زادت قيمة المال الشائع على نصابها، لأن اختصاصها هذا لا يتناول إلا إجراءات القسمة بصرف النظر عن قيمة المال المراد قسمته، وللتعجيل بالإجراءات حتى لا تبقى دعوى القسمة مدة طويلة أمام المحاكم .
فالذى تختص به المحكمة الجزئية إذن هو النظر فى إفراز نصيب شريك فى المال الشائع، بأن تعين خبيراً عند الاقتضاء لتكون الحصص، وإجراء القسمة العينية بمعدل أو بغير معدل، وتقدير هذا المعدل إن وجد، وتعيين نصيب كل شريك بطريق التجنيب أو بطريق الاقتراع، وإعطاء كل شريك نصيبه المفرز، وبإجراء القسمة بطريق التصفية إن تعذرت القسمة العينية، وبيع المال الشائع فى المزاد العلنى وقسمة الثمن بين الشركاء .
أما ما عدا ذلك من المنازعات التى لا تتعلق بإجراءات القسمة كتعيين حصة كل شريك فى المال الشائع وأصل ملكيته لهذه الحصة والمنازعات المتعلقة بتصرف الشريك فى حصته وحلول والمتصرف له مكانه فى دعوى القسمة وغير ذلك من المنازعات التى تثور حول القسمة ولا تدخل فى إجراءاتها فإن المحكمة المختصة بنظرها هى وفقاً للقواعد العامة المحكمة الجزئية أو المحكمة الكلية بحسب قيمة النزاع .
فإذا رفعت دعوى القسمة أمام المحكمة الجزئية المختصة نظرت هذه المحكمة ما إذا كانت القسمة العينية للمال الشائع غير ممكنة أو كان من شأن هذه القسمة إحداث نقص كبير فى قيمة المال الشائع وعند ذلك تقضى بأن تكون القسمة بطريق التصفيقة أما إذا كانت القسمة العينية ممكنة دون نقص كبير يلحق المال الشائع فإن المحكمة الجزئية تأمر بإجراء هذه القسمة .
القسمة العينية – مراحلها الأربع :
فإذا أمكنت قسمة المال الشائع عيناً دون نقص كبير يلحقه أمرت المحكمة الجزئية بإجراء القسمة العينية وهذه القسمة تمر بمراحل أربعة :
( المرحلة الأولى ) قسمة المال الشائع إلى حصص أو التجنيب ( م 836 / 2 و 837 مدنى).
(المرحلة الثانية ) الفصل فى المنازعات ( م 838 مدنى).
( المرحلة الثالثة ) الحكم بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز ( م 839 مدني)
(المرحلة الرابعة) تصديق المحكمة الابتدائية على الحكم إذا كان بين الشركاء غائب أو كان فيهم من لم تتوافر فيه الأهلية ( م 840 مدنى) .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثامن، الصفحة : 1206)
عند رفع دعوى القسمة وفقاً لما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 836 من القانون المدني وعند صدور قانون المرافعات الحالي أوجب أن ترفع الدعوى بصحيفة تودع قلم كتاب المحكمة بينما ظلت الفقرة الأولى المشار إليها على حالها فيكون النص الخاص مقيداً للنص العام وهو ما يوجب أن ترفع دعوى القسمة بتكليف باقى الشركاء الحضور أمام المحكمة الجزئية فإن رفعت بغير هذا الطريق كانت غير مقبولة وتقضي المحكمة بذلك ولو من تلقاء نفسها.
ولا يكفى للقضاء بعدم قبول دعوى القسمة أن تكون قد رفعت بإيداع صحيفتها قلم الكتاب وإنما يجب ألا يكون باقي الشركاء قد تم تكليفهم بالحضور فإن تضمن إعلان الصحيفة تكليفاً لهم بالحضور أمام المحكمة الجزئية كان هذا التكليف كافياً لقبول الدعوى حتى لو كانت قد رفعت بإيداع صحيفتها قلم الكتاب .
ولما كان إنعقاد الخصومة يتعلق بالنظام العام فإن النص المتعلق بذلك والذي تضمنه قانون المرافعات الحالي يسري بأثر فوري مباشر على الدعاوى التي ترفع في ظله بحيث إذا رفعت دعوى القسمة بصحيفة أودعت قلم الكتاب ولم يتضمن إعلانها تكليفاً بالحضور أو كان الإعلان لم يتم أو شابه بطلان ولكن حضر جميع الشركاء بالجلسة فإن الدعوى لا تكون قد رفعت وبالتالي لا تعد مطروحة قانوناً على المحكمة فيمتنع عليها نظرها حتى لو حضر جميع الخصوم إذ لا تنعقد الخصومة بهذا الحضور لأن مناط ذلك أن تكون الدعوى قد رفعت بالطريق الذي رسمه القانون فإن صدر الحكم بالرغم من ذلك كان معدوماً لصدوره في غير خصومة.
وأن دعوى القسمة لا تكون مقبولة إلا إذا رفعها الشريك المالك أو رفعت عليه، وأن المشترى لا يصبح شريكاً مالكاً إلا إذا اشترى حصة شائعة وقام بتسجيل عقد البيع أو تسجيل الحكم الصادر بصحة ونفاذ هذا العقد أو التأشير بهذا الحكم في هامش تسجيل صحيفة دعوى صحة ونفاذ عقد البيع قبل تسجيل القسمة.
والبطلان المترتب على عدم تمثيل الشركاء في دعوى القسمة أو عدم مراعاة الإجراءات الواجب اتباعها بالنسبة للشركاء القصر هو بطلان نسبى لا يحق لغير من شرع لمصلحته من الشركاء التمسك به.
على أنه إذا أجمع الشركاء أو الأغلبية المطلقة لهم على وضع نظام لادارة المال الشائع وجب أن يلتزم به جميع الشركاء بمن فيهم الأقلية فإن انتفت موافقة الشركاء على انتفاع أحدهم أو بعضهم بجزء مفرز من المال الشائع أو وجد نظام لادارته يتعارض مع هذا الانتفاع امتنع على أي شريك أن يضع يده على جزء مفرز ولو كان يعادل حصته وإلا جاز لمدير الشيوع أو لأي من الشركاء اطلب طرده باعتباره غاصباً لهذا الجزء ولا يجوز له في هذه الحالة اللجوء لدعاری الحيازة استناداً إلى أنه شريك مالك وإنما يلجأ إليها باعتباره أجنبياً عن الشيوع إذا توافرت لديه شروط دعوى الحيازة.
أما إذا توافرت الموافقة أو لم يوجد نظام متفق عليه للادارة، ووضع الشريك يده على جزء مفرز يعادل حصته امتنع على باقي الشركاء طرده ويجوز له أن يلجأ الدعاوى الحيازة لحماية حيازته باعتباره شريكاً مالكاً.
وسواء رفع هذا الشريك دعوى الحيازة أو رفعت عليه إمتنع عليه أن يستند فيها إلى أصل الحق.
أن الشريك الحائز لجزء مفرز من المال الشائع يكون له الحق في اللجوء لدعاوى الحيازة لحماية حيازته وأنه إذا رفع دعوى الحيازة وجب عليه الاستمرار فيها حتى يصدر لصالحة حكم فيها فإن بادر بعد رفع دعوى الحيازة ورفع دعوى القمة سقط إدعائه بالحيازة كذلك الحال إذا وقع اعداء على حيازته وبادر برفع دعوى القسمة وامتنع عليه بعد ذلك رفع دعوى الحيازة باعتبار أن التجاء الشريك لدعوى القمة حين يقع اعتداء على حيازته بعد تسليماً ضمنياً بحيازة خصمه وتنازلاً عن الحماية التي قررها القانون لها بما يستتبع أن يكون هذا السقوط مترتبة على مجرد رفع دعوى القيمة ولو أعقبه ترك الخصومة فيها.
أما إذا رفع الشريك دعوى القسمة وبعد ذلك وقع الإعتداء على حيازته فحينئذ يجوز له أن يرفع دعوى الحيازة مع قيام دعوى القسمة.
والمقرر أن الدفع بعدم قبول دعوى القسمة من المدعى عليه في دعوى الحيازة قبل الفصل في الدعوى الأخيرة وتنفيذ الحكم الصادر فيها أو تخليه عن الحيازة لخصمه من تلقاء نفسه هو في حقيقته دفع موضوعی وبالقضاء به تكون محكمة الدرجة الأولى قد استنفدت ولايتها في الفصل في الموضوع ويطرح الإستئناف المرفوع عن هذا الحكم الدعوى بما احتوته من طلبات وأوجه دفاع على المحكمة الاستئنافية التي يتعين عليها إذا قبلت الاستئناف أن تتصدى للموضوع.
إن لم يتضمن التصرف إفرازاً لحصة كل شريك ولم يتحقق إجماع الشركاء على قسمة المال الشائع جاز للشريك الذي يريد الخروج من الشيوع أن يرفع دعوى القسمة أمام المحكمة الجزئية التي تنظرها وفقاً لمسلك الشركاء فيها.
فإذا اتفق الشركاء جميعاً على طريقة القسمة وتقدموا للمحكمة بعقد صلح تضمن تحديد جزء مفرز لكل شريك أو إفراز أجزاء يختص بعض الشركاء بها مع الابقاء على الحصص الأخرى شائعة للبعض الآخر من الشركاء أو تقدموا بإتفاق شفوي إلى المحكمة لإثباته بمحضر الجلسة وجعله فى قوة السند التنفيذي وجب على المحكمة إلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة وجعله فى قوة السند التنفيذي أو إثبات ما اتفقوا عليه بمحضر الجلسة وجعله فى قوة السند التنفيذي ولا تصدر المحكمة قراراً بذلك إلا بعد أن يسجل الشركاء عقد الصلح أو صورة رسمية من محضر الجلسة الذي تضمن ما اتفقوا عليه مما يتعين معه على المحكمة أن تثبت طلبات الخصوم جميعاً في محضر الجلسة سواء تعلقت هذه الطلبات بإلحاق عقد الصلح أو إثبات ما اتفقوا عليه ثم تمنحهم أجلاً لتقديم نسخة من عقد الصلح بعد تسجيلها أو تقديم صورة رسمية مسجلة من محضر الجلسة وبعد تقديم نسخة العقد المسجل تقضي المحكمة بالحاقها بمحضر الجلسة وجعلها فى قوة السند التنفيذي فإن كان الخصوم قد تقدموا شفاهة بما اتفقوا عليه وأثبت في محضر الجلسة ووقعوا جميعاً على هذا المحضر ثم تقدموا بصورة رسمية مسجلة من هذا المحضر قضت المحكمة بإلحاق ما اتفقوا عليه بمحضر الجلسة وجعله فى قوة السند التنفيذي وذلك عملاً بالمادة 103 من قانون المرافعات لما يتضمنه هذا الإتفاق من صحة التعاقد على قمة المال الشائع و لوروده على حق عینی عقاری هو حق الملكية وبذلك تكون القسمة إتفاقية وليست قضائية فإن كان بين الشركاء ناقص أهلية وجب تصديق محكمة الولاية على المال على ما تم الاتفاق عليه وإلا كانت القسمة غير نافذة في حق ناقص الأهلية وبالتالى يرد عليها البطلان لمصلحة ناقص الأهلية مالم تصدق المحكمة على الحكم الصادر بالحاق ما تم الإتفاق عليه بمحضر الجلسة.
فإن لم يتفق الخصوم على شي، ندبت المحكمة خبيراً أو لجنة من ثلاثة خبراء بحسب قدر المال الشائع لتقويم هذا المال وقسمته حصصاً إن كان يقبل القسمة عيناً دون أن يلحقه نقص كبير في قيمته وفي هذه الحالة تكون القسمة عينية فردية فيختص كل شريك بجزء مفرز يعادل حصته وبذلك ينقضي الشيوع بالنسبة لكل المال.
فاذا توفي أحد الشركاء قبل صدور الحكم وحل ورثته محله في الدعوى فإنهم يختصون بالجزء المفرز الذي كان يختص به مورثهم ويتملكونه مشاعاً فيما بينهم بينما يختص باقي الشركاء بالاجزاء المفرزة التي تقررت لهم وبتلك القسمة ينقضي الشيوع بعد أن أفرزت حصة لكل شريك بمن فيهم الشريك المتوفی .
فلا يطرح طلب قسمة أموال الشركة إلا تبعاً لطلب حلها وتصفيتها وقسمة أموالها وبالتالي لا يجوز لأي من الشركاء رفع دعوى قسمة أموال الشركة أمام محكمة المواد الجزئية عملاً بالمادة 836 من القانون المدني ومثل دعوى القسمة دعوى تعيين الحدود إذ تختص بها تلك المحكمة ما لم يشار فيها نزاع حول الملكية مما يخرج عن اختصاصها النوعي وحينئذ ينعقد الاختصاص بنظر الدعوى برمتها للمحكمة الإبتدائية التي تفصل في هذا النزاع وتقوم تبعاً لذلك بتعيين الحدود ويقوم التلازم بين شقي الحكم إذ يتضمن الفصل في نزاع الملكية فصلاً في تعيين الحدود فلا يبقى بعد ذلك محلاً يمكن طرحه على محكمة المواد الجزئية وبالتالي فإن هذه المحكمة لا توقف دعوى تعيين الحدود تعليقاً على الفصل في منازعة الملكية ولكنها تقضي بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى برمتها وخيلها إلى المحكمة الإبتدائية.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 517)
القسمة القضائية هي القسمة التي تجريها المحكمة بموجب حكم يصدر منها رغم معارضة بعض الشركاء في إجرائها بناءً على دعوى ترفع من أحد الشركاء في المال الشائع تسمى دعوى (قسمة).
متى يلجأ الشريك في المال الشائع إلى القسمة القضائية ؟
تنص المادة 1/836 مدني على أن : "إذا اختلف الشركاء في اقتسام المال الشائع فعلى من يريد الخروج من الشيوع أن يكلف باقى الشركاء الحضور أمام المحكمة الجزئية".
وتنص المادة 1/140 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال على أن : " على الوصي أن يستأذن المحكمة في قسمة مال القاصر بالتراضي إن كانت له مصلحة في ذلك فإذا أذنت المحكمة عينت الأسس التي تجرى عليها القسمة والإجراءات الواجبة الإتباع وعلى الوصي أن يعرض على المحكمة عقد القسمة للتثبت من عدالتها وللمحكمة في جميع الأحوال أن تقرر اتخاذ إجراءات القسمة القضائية.
وتنص المادة 79 من المرسوم بقانون سالف الذكر على أن : "يسرى في شأن قسمة مال الغائب والمحجور عليه ما يسرى بشأن مال القاصر من أحكام".
ويبين من هذه النصوص أن الشريك في المال الشائع يلجأ إلى القسمة القضائية في حالتين :
الحالة الأولى :
إذا لم يتفق جميع الشركاء في المال الشائع على إجراء قسمة اتفاقية سواء كانوا رافضين لمبدأ القسمة الاتفاقية، أو كانوا متفقين على هذا المبدأ ولكن اختلفوا في تحديد الأنصبة فيكون الشريك الذي يريد الخروج من الشيوع رفع دعوى القسمة.
الحالة الثانية :
أن ينعقد إجماع الشركاء على القسمة الاتفاقية ولكن كان من بينهم من هو ناقص الأهلية (قاصر أو مجنون أو معتوه أو ذو غفلة أو سفيه أو غائب)، واستأذن الوصي أو القيم أو وكيل الغائب - بحسب الأحوال - المحكمة في قسمة المال اتفاقاً فلم تأذن له أو أذنت له مبدئياً بالقسمة الاتفاقية ولكنها لم توافق على القسمة عند عرض مشروع العقد عليها للتثبت من عدالته وقررت اتخاذ إجراءات القسمة القضائية.
ترفع دعوى القسمة من أحد الشركاء في المال الشائع إذا لم يتفق جميع الشركاء على إجراء قسمة اتفاقية ويجوز أن ترفع من أكثر من شريك، أو حتى من جميع الشركاء عدا واحد إذا كان هو فقط الذي لم يوافق على القسمة الاتفاقية.
وترفع الدعوى من أحد الشركاء أو أكثر ولو كانت ملكيتهم لحصة في المال الشائع طارئة ليست ملكية أصيلة منذ بدء الشيوع.
وترفع الدعوى على باقي الشركاء في المال الشائع، أى الشركاء عدا المدعين.
الأجنبي المشتري لحصة شائعة من أحد الشركاء المشتاعين :
إذا باع أحد الشركاء حصته في المال الشائع للأجنبي أي لشخص ليس من بين الشركاء المشتاعين فإن هذا الأجنبي يصبح شريكاً في المال الشائع بدلا من الشريك البائع له، والذي يترتب على بيعه لحصته إخراجه من الشيوع.
غير أنه إذا كان المال الشائع عقاراً فإنه يشترط لاعتباره شريكاً في الشيوع أن يكون قد سجل عقد شرائه لأن الملكية لا تنتقل سواء بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير إلا بالتسجيل.
فلا يكفي لاعتباره مالكاً وبالتالى شريكاً أن يكون قد رفع دعوى بصحة ونفاذ عقد شرائه وسجل صحيفة الدعوى.
وطالما أصبح المشتري شريكاً في الشيوع فإنه يجوز له رفع دعوى القسمة كما يجب على المدعي في دعوى القسمة اختصامه في الدعوى ضمن باقي الشركاء.
وإذا تصرف الشريك في حصته لأجنبي وقام الأخير بتسجيل عقد شرائه بعد رفع دعوى القسمة فإن البائع لا يعتبر ممثلاً للمشتري في دعوى القسمة ويتعين اختصام المشتري في الدعوى.
غير أن المشتري الذي لم يسجل عقده يجوز له رفع دعوى القسمة باسم مدينة البائع عن طريق الدعوى غير المباشرة.
وإذا تصرف الشريك في حصته الشائعة لأجنبي وقام الأخير بتسجيل عقد شرائه بعد رفع دعوى القسمة فإن البائع لا يعتبر ممثلاً للمشتري في دعوى القسمة ويتعين اختصام المشتري في الدعوى.
الأجنبي المشتري لحصة مفرزة من أحد الشركاء المشتاعين :
إذا باع أحد الشركاء في المال الشائع حصة مفرزة في العقار الشائع إلى أجنبي عن الشيوع فإنه لا يترتب على ذلك أن يصبح المشتري شريكاً في الشيوع بدلاً من الشريك البائع لأن هذا البيع لا ينفذ في حق الشركاء فالمشتري لا يعتبر مالكاً إلا تحت شرط واقف هو حصول القسمة ووقوع الحصة المبيعة في نصيب البائع.
ومن ثم فإنه لا يجوز للمشترى رفع دعوى القسمة كما لا يلزم اختصامه فيها.
غير أنه يجوز له تطبيقاً للمادة 1/842 مدني بوصفه دائناً لأحد الشركاء أن يعارض في أن تتم القسمة بغير تدخله ويترتب على هذه المعارضة إلزام الشركاء بإدخاله في جميع الإجراءات ويجب على كل حال إدخاله إن كان قد توصل إلى تسجيل البيع الصادر له - إذا كان عقاراً - قبل رفع دعوى القسمة وإلا كانت القسمة غير نافذة في حقه.
كما يجوز له باعتباره دائناً للبائع أن يرفع دعوى القسمة باسم مدينه عن طريق الدعوى غير المباشرة (م 235 مدنی).
يجوز رفع دعوى القسمة من الشريك الذي يملك حصة في المال الشائع تحت شرط فاسخ وإذا رفع دعوى القسمة غيره من الشركاء وجب عليهم اختصامه في الدعوى.
أما الشريك الذي يملك حصته تحت شرط واقف فإنه لا يجوز له رفع دعوى القسمة لأنه لا يملك سوى اتخاذ الإجراءات التحفظية والقسمة لاتعد من الإجراءات التحفظية.
أما إذا رفعت دعوى القسمة من غيره من الشركاء ولو من الشريك الذي يملك حصة تحت شرط فاسخ فإنه يجب اختصامه في الدعوى.
جواز إدخال من لم يختصم من الشركاء في المال الشائع قبل الفصل في دعوى القسمة :
إذا لم يختصم المدعى في دعوى القسمة جميع الشركاء في المال الشائع فله تدارك ذلك وأن يطلب إدخال من لم توجه إليه الدعوى من الشركاء.
كما يجوز هذا الإدخال بناءً على طلب المدعى عليهم (مادة 117 مرافعات).
ويجوز أيضاً للمحكمة إدخالهم في الدعوى من تلقاء نفسها (م 118 مرافعات).
ويجوز للشريك الذي لم توجه إليه دعوى القسمة أن يطلب التدخل فيها.
جزاء عدم اختصام بعض الشركاء في المال الشائع في دعوى القسمة :
إذا لم يتم اختصام بعض الشركاء في المال الشائع - فإن الحكم الصادر في الدعوى لا يكون حجة على من لم يتم اختصامه.
ولكن لا يجوز للشركاء الذين وجهت إليهم الدعوى التحدى بأن الدعوى لم توجه إلى كافة الشركاء بطلب الحكم بعدم قبولها لأن البطلان المترتب على عدم تمثيل بعض الشركاء في إجراءات دعوى القسمة هو بطلان نسبي لا يجوز التمسك به إلا للشريك الذي لم يختصم وله طلب عدم نفاذ الحكم الصادر بالقسمة في حقه .
ولما كانت إجراءات بيع العقار لعدم إمكان قسمته عيناً جزءاً من إجراءات دعوى القسمة فإنه يجب اختصام جميع الشركاء فيها.
المحكمة المختصة بنظر دعوى القسمة :
والنصوص القانونية :
تنص الفقرة الأولى من المادة 836 مدني على انه : إذا اختلف الشركاء في اقتسام المال الشائع، فعلى من يريد الخروج من الشيوع أن يكلف باقى الشركاء الحضور أمام المحكمة الجزئية .
وتنص المادة 43 مرافعات (معدلة بالقانون رقم 18 لسنة 1999) على أن: تختص محكمة المواد الجزئية كذلك بالحكم الابتدائي مهما تكن قيمة الدعوى و انتهائياً إذا لم تجاوز قيمتها ألفي جنيه فيما يلى :
1- الدعاوى المتعلقة بالانتفاع بالمياه وتطهير الترع والمساقى والمصارف.
2- دعاوى تعيين الحدود وتقدير المسافات فيما يتعلق بالمباني والأراضي والمنشآت الضارة إذا لم تكن الملكية أو الحق محل نزاع.
3- دعاوى قسمة المال الشائع.
4- الدعاوى المتعلقة بالأجور والمرتبات وتحديدها.
المحكمة المختصة نوعياً بنظر الدعوى :
تختص المحكمة الجزئية نوعياً بالفصل في دعاوى قسمة المال الشائع أياً كانت قيمة المال أي ولو جاوزت قيمته نصاب المحكمة الجزئية وهو أربعون ألف جنيه، وكانت الدعوى تدخل بحسب الأصل في اختصاص المحكمة الابتدائية وهذا اختصاص نوعی استثنائي للمحكمة الجزئية نصت عليه المادتان 1/836، 838 مدنى والمادة 43 مرافعات.
وجعل الشارع الاختصاص للمحكمة الجزئية في دعاوى قسمة المال الشائع ولو زادت قيمة المال الشائع على نصابها المحدد في قانون المرافعات تأسيساً على أن اختصاصها - كما سنرى - لا يتناول إلا إجراءات القسمة وإجراءات القسمة لا تختلف بحسب قيمة المال المراد قسمته ورغبة في التعجيل بالإجراءات وحتى لا يطول أمد نظر الدعوى أمام المحكمة.
المحكمة المختصة محلياً بنظر الدعوى :
يجب التفرقة في بيان المحكمة المختصة محلياً بنظر دعوى القسمة بين ما إذا كان المال الشائع محل القسمة عقاراً أو منقولاً فإذا كان المال الشائع عقاراً كانت المحكمة المختصة هي التي يقع في دائرتها العقار أو أحد أجزائه إذا كان واقعاً في دوائر محاكم متعددة وليس من اللازم في تحديد المحكمة المختصة إذا كان العقار مجزأ أن تكون هي المحكمة التي يقع في دائرتها أكبر الأجزاء قيمة لأن النص لا يضع هذا الشرط.
أما إذا كان المال الشائع منقولاً كانت المحكمة المختصة هي المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه أو أحد المدعى عليهم إذا تعددوا.
فتبدأ المحكمة عند نظر دعوى القسمة بندب خبير أو أكثر إذا رأت وجهاً لذلك لإجراء القسمة فقد يرى القاضي أن تكوين الحصص لا يثير صعوبات خاصة فيقوم بتولي هذه العملية بنفسه إلا أن العمل بالمحاكم جري على ندب خبير لإجراء القسمة.
وتكون مهمة الخبير بيان ما إذا كان المال الشائع المراد قسمته يمكن قسمته عيناً دون نقص كبير يلحق المال الشائع في قيمته أم أنه لا يمكن ذلك.
فإذا كانت قسمة المال عيناً دون نقص كبير في قيمته غير ممكنة فإن المحكمة تلجأ إلى طريق قسمة التصفية أما إذا كانت قسمة المال الشائع عيناً ممكنة دون نقص كبير يلحق المال في قيمته فإن الخبير يسير في إجراءات القسمة.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 618)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 290
قِسْمَةُ الْمُشَاعِ:
8 - يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ قِسْمَةُ الْمِلْكِ الْمُشَاعِ بِطَلَبِ الشُّرَكَاءِ، أَوْ بِطَلَبِ بَعْضِهِمْ؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ مُنْتَفِعٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِنَصِيبِ غَيْرِهِ، فَإِذَا طَلَبَ مِنَ الْحَاكِمِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ، وَيَمْنَعَ الْغَيْرَ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إِجَابَةُ طَلَبِهِ، إِلاَّ إِذَا بَطَلَتِ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ فِي الْمَقْسُومِ بِالْقِسْمَةِ.
فَإِنْ كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ تَفُوتُ بِالْقِسْمَةِ، فَلاَ يُجَابُ طَلَبُهُمُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلاَ يُمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ تَبْطُلُ كُلِّيَّةً؛ لأِنَّهُ سَفَهٌ، وَإِتْلاَفُ مَالٍ بِلاَ ضَرُورَةٍ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنِ اقْتَسَمُوا بِالتَّرَاضِي لاَ يَمْنَعُ الْقَاضِي مِنْ ذَلِكَ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَمْنَعُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى إِتْلاَفِ مَالِهِ بِالْحُكْمِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِسْمَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 244
الضَّمَانُ فِي عَقْدِ الْقِسْمَةِ:
42 - تَشْتَمِلُ الْقِسْمَةُ عَلَى الإْفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ.
وَالإْفْرَازُ: أَخْذُ الشَّرِيكِ عَيْنَ حَقِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمِثْلِيَّاتِ.
وَالْمُبَادَلَةُ: أَخْذُهُ عِوَضَ حَقِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ .
وَلِوُجُودِ وَصْفِ الْمُبَادَلَةِ فِيهَا، كَانَتْ عَقْدَ ضَمَانٍ.
وَيَدُ كُلِّ شَرِيكٍ عَلَى الْمُشْتَرَكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، يَدُ أَمَانَةٍ، وَبَعْدَهَا يَدُ ضَمَانٍ.
وَإِذَا قَبَضَ كُلُّ شَرِيكٍ نَصِيبَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، مَلَكَهُ مِلْكًا مُسْتَقِلًّا، يُخَوِّلُهُ حَقَّ التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ فِيهِ، وَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ ضَمَانِهِ هُوَ فَقَطْ .
(انْظُرْ: قِسْمَة).
الضَّمَانُ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ عَنِ الْمَالِ بِمَالٍ:
43 - يُعْتَبَرُ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الصُّلْحِ بِمَثَابَةِ الْبَيْعِ، لأِنَّهُ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ وَلِهَذَا قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الأْصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ، يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ وَمَا لاَ فَلاَ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى (بِهِ) بَيْعٌ فَتُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطَ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ أَبْرَزُ عُقُودِ الضَّمَانِ، فَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنِ الْمَالِ بِمَالٍ.
فَإِذَا قَبَضَ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَدَلُ الصُّلْحِ، وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ، هَلَكَ مِنْ ضَمَانِهِ، كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ قَبْضِهِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 205
قِسْمَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقِسْمَةُ لُغَةً: النَّصِيبُ، جَعْلُ الشَّيْءِ أَوِ الأْشْيَاءِ أَجْزَاءً أَوْ أَبْعَاضًا مُتَمَايِزَةً.
قَالَ الْفَيُّومِيُّ: قَسَمْتُهُ قَسْمًا، مِنْ بَابِ ضَرَبَ: فَرَزْتُهُ أَجْزَاءً فَانْقَسَمَ، وَالْمَوْضِعُ مَقْسِمٌ مِثْلُ مَسْجِدٍ، وَالْفَاعِلُ قَاسِمٌ، وَقَسَّامٌ مُبَالَغَةٌ، وَالاِسْمُ الْقِسْمُ (بِالْكَسْرِ) ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْحِصَّةِ وَالنَّصِيبِ، فَيُقَالُ: هَذَا قَسْمِي، وَالْجَمْعُ أَقْسَامٌ، مِثْلُ حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ، وَاقْتَسَمُوا الْمَالَ بَيْنَهُمْ، وَالاِسْمُ الْقِسْمَةُ، وَأُطْلِقَتْ عَلَى النَّصِيبِ أَيْضًا .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مُعَيَّنٍ: أَيْ فِي نَصِيبٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ جَمْعًا لِلنَّصِيبِ بَعْدَ تَفَرُّقٍ، لأِنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُوَزَّعًا عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمُشْتَرَكِ، مَا مِنْ جُزْءٍ - مَهْمَا قَلَّ - إِلاَّ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِيهِ بِنِسْبَةِ مَا لَهُ فِي الْمَجْمُوعِ الْكُلِّيِّ، ثُمَّ صَارَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مُنْحَصِرًا فِي جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لاَ تَتَخَلَّلُهُ حُقُوقُ أَحَدٍ مِنْ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ، وَلَوْ كَانَتِ الْجُزْئِيَّةُ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ، كَمَا فِي الْمُهَايَأَةِ الزَّمَانِيَّةِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبَيْعُ:
2 - الْبَيْعُ لُغَةً: مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، أَوْ دَفْعُ عِوَضٍ وَأَخْذُ مَا عُوِّضَ عَنْهُ .
وَاصْطِلاَحًا: مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ: أَنَّ الْقِسْمَةَ أَعَمُّ، فَقَدْ تَكُونُ بَيْعًا وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ
ب - الإْفْرَازُ:
3 - الإْفْرَازُ لُغَةً: التَّنْحِيَةُ أَيْ عَزْلُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ وَتَمْيِيزُهُ .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ: أَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَكُونُ بِالإْفْرَازِ ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهَا بَيَانُ الْحِصَصِ دُونَ إِفْرَازٍ، كَمَا فِي الْمُهَايَأَةِ فَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الإْفْرَازِ .
ج - الشَّرِكَةُ:
4 - الشَّرِكَةُ لُغَةً: اسْمُ مَصْدَرِ شَرِكَ، وَهِيَ خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ وَاخْتِلاَطُهُمَا، وَالْعَقْدُ الَّذِي يَتِمُّ بِسَبَبِهِ خَلْطُ الْمَالَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا .
وَمِنْ مَعَانِيهَا فِي الاِصْطِلاَحِ: أَنْ يَخْتَصَّ اثْنَانِ فَصَاعِدًا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالشَّرِكَةِ التَّضَادُّ.
مَشْرُوعِيَّةُ الْقِسْمَةِ:
5 - الْقِسْمَةُ مَشْرُوعَةٌ، وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإْجْمَاعُ.
أَمَّا الْكِتَابُ: فَفِي كَثِيرٍ مِنَ الآْيِ: مِنْ مِثْلِ: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأْقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا) .
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُهُ صلوات الله وسلامه عليه وَفِعْلُهُ وَتَقْرِيرُهُ:
فَمِنْ قَوْلِهِ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «إِذَا قُسِّمَتِ الأْرْضُ وَحُدَّتْ، فَلاَ شُفْعَةَ فِيهَا» ، وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ جَابِرٍ رضي الله عنه: «قَضَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ، فَلاَ شُفْعَةَ» .
وَمِنْ فِعْلِهِ: «أَنَّهُ صلي الله عليه وسلم كَانَ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ: نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَاتِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا» .
وَأَمَّا تَقْرِيرُهُ: فَلاَ شَكَّ أَنَّ قِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا كَانَتْ تَقَعُ عَلَى عَهْدِهِ صلوات الله وسلامه عليه ، فَيُسَدِّدُ وَلاَ يُنْكِرُ.
وَأَمَّا الإْجْمَاعُ: فَقَدْ كَانَ النَّاسُ - وَمَا زَالُوا - مُنْذُ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا يَتَعَامَلُونَ بِالْقِسْمَةِ فِي الْمَوَارِيثِ وَفِي غَيْرِ الْمَوَارِيثِ، دُونَ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ. قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ: فَكَانَتْ شَرْعِيَّتُهَا مُتَوَارَثَةً .
وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الْقِسْمَةَ تُوَفِّرُ عَلَى كُلِّ شَرِيكٍ مَصْلَحَتَهُ كَامِلَةً، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: إِنَّهَا لِتَكْمِيلِ نَفْعِ الشَّرِيكِ
تَكْيِيفُ الْقِسْمَةِ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقِسْمَةِ هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَمْ مَحْضُ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ؟ يَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَذَاهِبَ أَرْبَعَةً:
الْمَذْهَبُ الأْوَّلُ:
أَنَّهَا بَيْعٌ بِإِطْلاَقٍ، وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ، لَكِنَّهُ خِلاَفُ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ قُدَامَى أَصْحَابِهِمْ، وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ .
وَقَالُوا: إِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ الْجَمِيعِ فَقَدْ بَاعَ مَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ بِمَا أَخَذَ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ أَوْ كَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّهُ يُبَدِّلُ نَصِيبَهُ مِنْ أَحَدِ السَّهْمَيْنِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنَ السَّهْمِ الآْخَرِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ .
الْمَذْهَبُ الثَّانِي:
أَنَّهَا مَحْضُ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ بِإِطْلاَقٍ، وَعَلَيْهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مَعَهُمُ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَكَذَلِكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا لَمْ تَقَعِ الْقِسْمَةُ جُزَافًا .
وَقَالُوا: إِنَّ لَوَازِمَ الْقِسْمَةِ تُخَالِفُ لَوَازِمَ الْبَيْعِ، وَاخْتِلاَفُ اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلاَفِ الْمَلْزُومَاتِ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ:
أَنَّهَا تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِيمَا تَمَاثَلَ - أَيْ كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، مَعَ تَسَاوِي الرَّغَبَاتِ وَالْقِيمَةِ: كَالدُّورِ وَالْفَدَادِينِ الْمُتَقَارِبَةِ فِي الْمَسَافَةِ عُرْفًا الْمُتَسَاوِيَةِ فِي الْقِيمَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَفِي الرَّغْبَةِ لَدَى الشُّرَكَاءِ - أَوْ تَقَارَبَ (وَقَدْ يُقَالُ: تَجَانَسَ) - كَكُلِّ مَا يُلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ؛ لأِنَّ الْغَرَضَ الأْهَمَّ هُوَ اللُّبْسُ فَالْقُطْنُ وَالصُّوفُ وَالْحَرِيرُ وَغَيْرُهَا، مِنْ مَخِيطٍ وَغَيْرِ مَخِيطٍ، تَدْخُلُ فِي عِدَادِ الْمُتَقَارِبِ - إِذَا وَقَعَتْ قِسْمَتُهُ بِطَرِيقِ الْقُرْعَةِ، أَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَبَيْعٌ.
وَعِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ: تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِي قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ - وَذَلِكَ حَيْثُ تَتَسَاوَى الأْنْصِبَاءُ صُورَةً وَقِيمَةً، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمِثْلِيُّ كَالْحُبُوبِ وَالنُّقُودِ وَغَيْرِهِ كَالدَّارِ الْمُتَّفِقَةِ الأْبْنِيَةِ: فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهَا مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ مَعَ انْقِسَامِ الْعَرْصَةِ (السَّاحَةِ) الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْمَبْنِيَّيْنِ، وَالأْرْضُ الزِّرَاعِيَّةُ وَغَيْرُ الزِّرَاعِيَّةِ الَّتِي تَتَشَابَهُ أَجْزَاؤُهَا كَذَلِكَ - بَيْعٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ .
وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِيمَا عَدَا قِسْمَةَ الرَّدِّ، أَمَّا فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ فَبَيْعٌ.
وَقِسْمَةُ الرَّدِّ - كَمَا سَيَجِيءُ - هِيَ الَّتِي يُسْتَعَانُ فِي تَعْدِيلِ أَنْصِبَائِهَا بِمَالٍ أَجْنَبِيٍّ: كَأَرْضٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا مَا لاَ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ - كَمَعْدِنٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ بِئْرِ مَاءٍ - وَرُبَّمَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَحْدَهُ تَعْدِلُ قِيمَةَ الأْرْضِ كُلَّهَا أَوْ تَزِيدُ .
فَمِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ الْحَنَابِلَةِ وَمُوَافِقِيهِمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الرَّادَّ إِنَّمَا بَذَلَ مُقَابِلَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ حَقِّ شَرِيكِهِ عِوَضًا عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْبَيْعِ أَمَّا فِي غَيْرِ قِسْمَةِ الرَّدِّ فَيَتَمَسَّكُ بِتَغَايُرِ اللَّوَازِمِ، كَمَا تَمَسَّكَ أَرْبَابُ الْمَذْهَبِ الثَّانِي .
وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ - الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ - لاَ يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ قِسْمَةَ الرَّدِّ بَيْعٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَذَلِكَ أَيْضًا: كُلُّ قِسْمَةٍ أُخْرَى يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى تَعْدِيلِ الأْنْصِبَاءِ بِوَاسِطَةِ التَّقْوِيمِ، لِيَصِيرَ مَا يَأْخُذُهُ بِهَا كُلُّ شَرِيكٍ حَقًّا خَالِصًا لَهُ، إِذِ التَّقْوِيمُ تَخْمِينٌ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ: كَمَا فِي دَارٍ بَعْضُهَا لَبِنٌ، وَبَعْضُهَا حَجَرٌ، وَأَرْضٌ بَعْضُهَا جَيِّدٌ وَبَعْضُهَا رَدِيءٌ، وَبُسْتَانٍ بَعْضُهُ نَخْلٌ وَبَعْضُهُ كَرْمٌ (وَتُسَمَّى قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ) - وَرُبَّمَا قِيلَ: لَوْ كَانَتْ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ بَيْعًا لَمَا قَبِلَتِ الإْجْبَارَ كَقِسْمَةِ الرَّدِّ.
وَقَدْ قِيلَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ بِعَدَمِ قَبُولِهَا الإْجْبَارَ فِعْلاً وَلَكِنَّهُ خِلاَفُ مَا اعْتَمَدُوهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا - فِي مُعْتَمَدِهِمْ - لِكَوْنِهَا بَيْعًا إِلْحَاقًا لِتَسَاوِي الأْجْزَاءِ قِيمَةً بِتَسَاوِيهَا حَقِيقَةً، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ الرَّغَبَاتِ تَتَعَلَّقُ بِتَخْلِيصِ الْحَقِّ مِنَ الْمُزَاحَمَةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَكَمَا يَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَ الْمَدْيُونِ جَبْرًا، وَلَمْ تُحَكَّمْ هَذِهِ الْحَاجَةُ فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ؛ لأِنَّ الإْجْبَارَ فِيهَا يَكُونُ إِجْبَارًا عَلَى دَفْعِ مَالٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ .
وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمُتَسَاوِيَ فِي الْمَقْصُودِ الأْهَمِّ يُعْتَبَرُ كَالْمُتَسَاوِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لإِمْكَانِ التَّجَاوُزِ عَنِ الْفَرْقِ حِينَئِذٍ، سِيَّمَا وَهُوَ يَعْدِلُ بِالْقِيمَةِ: فَالَّذِي يَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ ذَاكَ يَكُونُ آخِذًا لِعَيْنِ حَقِّهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ .
الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ:
الْقِسْمَةُ لاَ تَخْلُو مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ يُغَلَّبُ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ (الإْفْرَازُ) وَفِي قِسْمَةِ الْقِيَمِيِّ يُغَلَّبُ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ .
وَقَالُوا: إِنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ - مَهْمَا قَلَّ - مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ إِلاَّ وَنِصْفُهُ لِهَذَا وَنِصْفُهُ لِذَاكَ، فَإِذَا اسْتَقَلَّ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِ الْمَجْمُوعِ فَشَطْرُ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ كَانَ لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا اجْتَمَعَ وَتَمَيَّزَ بَعْدَ شُيُوعٍ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ، وَشَطْرُهُ الآْخَرُ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَخَذَهُ مِنْهُ عِوَضًا عَمَّا تَرَكَهُ لَهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا غُلِّبَ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ؛ لأِنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ هُوَ عَيْنُ الْمَتْرُوكِ حُكْمًا، إِذْ هُوَ مِثْلُهُ يَقِينًا فَضَعُفَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَلاَ كَذَلِكَ قِسْمَةُ الْقِيَمِيِّ، فَلَمْ يَضْعُفْ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، إِذِ الْمَأْخُوذُ لَيْسَ عَيْنَ الْمَتْرُوكِ وَلَوْ حُكْمًا، وَمِنْ ثَمَّ يَكُونُ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي قِسْمَةِ الْقِيَمِيِّ أَقْوَى مِنْهُ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ .
الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْخِلاَفِ فِي تَكْيِيفِ الْقِسْمَةِ:
7 - تَتَلَخَّصُ هَذِهِ الآْثَارُ فِي أَنَّهُ: إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ بَيْعًا، فَإِنَّهَا تُعْطَى أَحْكَامَهُ - مَعَ مُلاَحَظَةِ مَا مَرَّ مِنَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فِي أَشْبَاهٍ لَهَا - وَإِنْ كَانَتْ مَحْضَ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ فَإِنَّهَا لاَ تُعْطَى أَحْكَامَ الْعُقُودِ أَصْلاً . فَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:
أ - (الْخِيَارَاتُ): تَدْخُلُ الْخِيَارَاتُ الْقِسْمَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ، وَلاَ تَدْخُلُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَمْيِيزُ حُقُوقٍ، هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ أَنَّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ مَنْ نَفَى فِيهَا خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَخِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْخِيَارَ لَمْ يُشْرَعْ خَاصًّا بِالْبَيْعِ، بَلْ لِلتَّرَوِّي وَتَبَيُّنِ أَيِّ الأْمْرَيْنِ أَرْشَدُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِسْمَةِ .
وَنَظَرًا إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ قَائِمٌ فِي كُلِّ قِسْمَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَمْ يُرَدِّدُوا هَذَا التَّرْدِيدَ، بَلْ أَطْلَقُوا دُخُولَ الْخِيَارَاتِ فِي جَمِيعِ أَقْسَامِهَا، وَلَكِنْ عَلَى تَفَاوُتٍ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى آخَرَ.
فَقِسْمَةُ الأْجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ - وَهِيَ قِسْمَةُ تَرَاضٍ لاَ إِجْبَارَ فِيهَا - تَدْخُلُهَا الْخِيَارَاتُ الثَّلاَثَةُ: خِيَارُ الشَّرْطِ، وَخِيَارُ الْعَيْبِ، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ.
وَقِسْمَةُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ - وَهِيَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ - لاَ يَدْخُلُهَا سِوَى خِيَارِ الْعَيْبِ.
وَقِسْمَةُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ، كَالْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ أَوِ الثِّيَابِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ - وَهِيَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ أَيْضًا - يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْعَيْبِ بِلاَ خِلاَفٍ، كَمَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ .
ب - الشُّفْعَةُ: إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزَ حُقُوقٍ لَمْ تَثْبُتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ قَوْلاً وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا: فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِثُبُوتِهَا، وَصَوَّرُوهَا بِمَا إِذَا تَقَاسَمَ شَرِيكَانِ مِنْ ثَلاَثَةِ شُرَكَاءَ، وَتَرَكَا نَصِيبَ الثَّالِثِ مَعَ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ هَذَا الثَّالِثِ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لِهَذَا الثَّالِثِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ لأِنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ فِي الْمُبَادَلَةِ الْمَحْضَةِ، وَالْقِسْمَةُ لَيْسَتْ مُبَادَلَةً مَحْضَةً .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا عَلَى الأْصْلِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهَا لِمَانِعٍ خَاصٍّ بِالْقِسْمَةِ، إِذْ تَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشُّفْعَةُ عَلَى الآْخَرِ، إِذْ لَوْ ثَبَتَتْ لِهَذَا عَلَى ذَاكَ لَثَبَتَتْ لِذَاكَ عَلَى هَذَا فَيَتَنَافَيَانِ، وَوَصَفَهُ الْمِرْدَاوِيُّ بِأَنَّهُ الصَّوَابُ .
ج - التَّقَايُلُ: إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ بَيْعًا قَبِلَتِ التَّقَايُلَ، وَإِنْ كَانَتْ مُجَرَّدَ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ لَمْ تَقْبَلْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ. وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ وَجَرَى ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْمِثْلِيَّاتِ لاَ تَقْبَلُ التَّقَايُلَ، لِغَلَبَةِ مَعْنَى الإْفْرَازِ ، وَقِسْمَةُ الْقِيَمِيَّاتِ تَقْبَلُهُ، فَإِنْ خَلَطَ الْمُقْتَسِمُونَ مَا اقْتَسَمُوهُ مِنَ الْمِثْلِيِّ كَانَتْ شَرِكَةً جَدِيدَةً، مَعَ أَنَّ الْعَلاَئِيَّ وَصَاحِبَ تَنْوِيرِ الأْبْصَارِ عَلَى تَعْمِيمِ الْقَبُولِ .
أَقْسَامُ الْقِسْمَةِ:
8 - تَنْقَسِمُ الْقِسْمَةُ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ إِلَى التَّقْوِيمِ وَعَدَمِهِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
قِسْمَةُ إِفْرَازٍ -
وَقِسْمَةُ تَعْدِيلٍ -
وَقِسْمَةُ رَدٍّ.
أَوَّلاً: قِسْمَةُ الإْفْرَازِ :
9 - وَهِيَ تُوجَدُ عِنْدَمَا لاَ تَكُونُ ثَمَّ حَاجَةٌ إِلَى تَقْوِيمِ الْمَقْسُومِ - أَعْنِي مَا يُرَادُ قَسْمُهُ - لِعَدَمِ تَفَاوُتِ الأْغْرَاضِ، أَوْ لأِنَّهُ تَفَاوُتٌ مِنَ التَّفَاهَةِ بِحَيْثُ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ، فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ إِفْرَازٍ ؛ لأِنَّهَا لاَ تَتَطَلَّبُ أَكْثَرَ مِنْ إِفْرَازِ كُلِّ نَصِيبٍ عَلَى حِدَةٍ بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ: كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ ذَرْعًا أَوْ عَدًّا، وَتُسَمَّى أَيْضًا قِسْمَةَ الْمُتَشَابِهَاتِ: لأِنَّهَا لاَ تَكُونُ إِلاَّ فِيمَا تَشَابَهَتْ أَنْصِبَاؤُهُ حَتَّى لاَ تَفَاوُتَ يُذْكَرُ، أَوِ الْقِسْمَةُ بِالأْجْزَاءِ: لأِنَّ نِسْبَةَ الْجُزْءِ الَّذِي يَأْخُذُهُ كُلُّ شَرِيكٍ هِيَ بِعَيْنِهِ نِسْبَةُ حَقِّهِ إِلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتَّحِدَةِ النَّوْعِ - كَدَنَانِيرِ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، وَكَالْقَمْحِ الْهِنْدِيِّ، وَالأْرُزِّ الْيَابَانِيِّ، وَكَالأْدْهَانِ الْمُتَمَاثِلَةِ مِنْ شَيْرَجٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ عُطُورٍ أَوْ مَا إِلَيْهَا - وَفِيمَا شَاكَلَهَا مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ الْمُتَّحِدَةِ النَّوْعِ كَذَلِكَ: كَالْمَنْسُوجَاتِ الصُّوفِيَّةِ أَوِ الْحَرِيرِيَّةِ أَوِ الْقُطْنِيَّةِ، وَكَالْكُتُبِ، وَالأْقْلاَمِ، وَالسَّاعَاتِ، وَالأْحْذِيَةِ، وَكَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهَا مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ مِنَ الأْبْنِيَةِ تَصْمِيمًا، وَأَدَوَاتِ بِنَاءٍ، وَإِحْكَامِ صَنْعَةٍ، وَعَدَدِ حُجَرٍ مَعَ إِمْكَانِ قِسْمَةِ السَّاحَةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ. وَبِالْجُمْلَةِ عِنْدَمَا تَتَسَاوَى الأْنْصِبَاءُ صُورَةً وَقِيمَةً .
ثَانِيًا: قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ:
10 - وَتَكُونُ عِنْدَمَا لاَ تَتَعَادَلُ الأْنْصِبَاءُ بِذَاتِهَا، وَإِنَّمَا تَتَعَادَلُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، يُوَضِّحُهُ: أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً. وَلَكِنَّ قِيمَةَ ثُلُثِهِ - لِمَا اخْتُصَّ بِهِ مِنْ مَزَايَا - تُسَاوِي قِيمَةَ ثُلُثَيْهِ؛ فَيُجْعَلُ فِي الْقِسْمَةِ الثُّلُثُ الْمَذْكُورُ سَهْمًا بِحَقِّ النِّصْفِ، وَالثُّلُثَانِ سَهْمًا آخَرَ بِحَقِّ النِّصْفِ الآْخَرِ، كَمَا أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ تُجْعَلُ سَهْمًا بِحَقِّ النِّصْفِ، وَالْكِتَابُ وَالْقَلَمُ سَهْمًا آخَرَ بِحَقِّ النِّصْفِ الآْخَرِ، إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا تُسَاوِي قِيمَتَيْهِمَا.
ثَالِثًا: قِسْمَةُ الرَّدِّ:
11 - وَتَكُونُ إِذَا لَمْ تَعْدِلِ الأْنْصِبَاءُ، بَلْ تُرِكَتْ مُتَفَاوِتَةَ الْقِيمَةِ اخْتِيَارًا أَوِ اضْطِرَارًا، وَبِحَيْثُ يَكُونُ عَلَى الَّذِي يَأْخُذُ النَّصِيبَ الزَّائِدَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى شَرِيكِهِ قِيمَةَ حَقِّهِ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ.
وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ فِيهَا إِلَى رَدِّ مَالٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إِلَى بَعْضِ الشُّرَكَاءِ - وَهِيَ قِسْمَةُ تَعْدِيلٍ أَيْضًا - وَلَكِنْ يُشَارُ إِلَيْهَا بِفَصْلِهَا الْمُمَيَّزِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ فَإِنَّمَا تَنْصَرِفُ إِلَى مَا لاَ رَدَّ فِيهَا، وَهَاكَ مِثَالَيْنِ لِقِسْمَةِ الرَّدِّ: أَحَدُهُمَا يُمَثِّلُهَا فِي حَالَةِ الاِخْتِيَارِ، وَالآْخَرُ فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ:
الْمِثَالُ الأْوَّلُ: أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً. وَفِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا بِئْرٌ لِرَيِّهَا لاَ تُمْكِنُ قِسْمَتُهَا، فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تُقْسَمَ الأْرْضُ نِصْفَيْنِ عَلَى سَوَاءٍ، وَيَكُونَ عَلَى الَّذِي يَأْخُذُ النِّصْفَ الَّذِي فِيهِ الْبِئْرُ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِلَّذِي يَأْخُذُ النِّصْفَ الآْخَرَ، وَهَذِهِ قِسْمَةُ رَدٍّ.
وَيُمْكِنُ أَنْ تُقَوَّمَ الأْرْضُ وَالْبِئْرُ مَعًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مَثَلاً، لِلْبِئْرِ مِنْهَا ثُلُثُهَا: فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا الْبِئْرَ وَرُبْعَ الأْرْضِ، وَيَأْخُذُ الآْخَرُ الثَّلاَثَةَ الأَْرْبَاعِ الْبَاقِيَةِ، وَهَذِهِ قِسْمَةُ تَعْدِيلٍ لاَ رَدَّ فِيهَا .
فَإِذَا قُسِمَتْ عَلَى النَّحْوِ الأْوَّلِ فَهِيَ قِسْمَةُ رَدٍّ يُؤْثِرَانِهَا اخْتِيَارًا دُونَ أَنْ تُلْجِئَ إِلَيْهَا ضَرُورَةٌ.
وَمِثْلُ الْبِئْرِ غَيْرُهَا كَشَجَرَةٍ أَوْ بِنَاءٍ لاَ يُقْسَمُ أَوْ مَنْجَمٍ (مَعْدِنٍ) كَذَلِكَ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: لَوْ فَرَضْنَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ أَنَّ قِيمَةَ الْبِئْرِ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الأْرْضِ كُلِّهَا، فَحِينَئِذٍ لاَ يَكُونُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَرُدَّ آخُذُهَا عَلَى الآْخَرِ قِيمَةَ مَا بَقِيَ لَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ بَعْدَ التَّعْدِيلِ بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الأْرْضِ أَلْفًا، وَقِيمَةُ الْبِئْرِ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ، فَإِنَّ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَكُونُ مَا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَمِائَةٌ، فَإِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا الأْرْضَ كُلَّهَا وَتَرَكَ الْبِئْرَ، رَدَّ عَلَيْهِ الآْخَرُ مِائَةً، وَإِذَا أَخَذَ بَعْضَ الأْرْضِ فَقَطْ رَدَّ عَلَيْهِ الآْخَرُ أَيْضًا قِيمَةَ مَا تَرَكَ لَهُ مِنْهَا .
وَهَذَا التَّقْسِيمُ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَيُلَخِّصُونَهُ بِأَنَّ الْمَقْسُومَ إِنْ تَسَاوَتِ الأْنْصِبَاءُ مِنْهُ صُورَةً وَقِيمَةً فَالإْفْرَازُ، وَإِلاَّ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى رَدِّ شَيْءٍ آخَرَ فَالتَّعْدِيلُ، وَإِلاَّ فَالرَّدُّ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبْرِزُوهُ إِبْرَازَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ: وَتُعْدَلُ السِّهَامُ بِالأْجْزَاءِ إِنْ تَسَاوَتْ، وَبِالْقِيمَةِ إِنِ اخْتَلَفَتْ، وَبِالرَّدِّ إِنِ اقْتَضَتْهُ .
وَلاَ بُدَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ التَّقْوِيمِ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ التَّحَرِّي، أَيِ الْخَرْصُ فِي قِسْمَةِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَكَذَا فِيمَا يَقْبَلُ التَّفَاضُلَ مِنْ غَيْرِ الْمَزْرُوعَاتِ وَذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ تُرَادُ قِسْمَتُهُ بِالْقُرْعَةِ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولاً، بِاسْتِثْنَاءِ شَيْئَيْنِ اثْنَيْنِ عَلَى خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ فِي اسْتِثْنَائِهِمَا:
أ - الْمِثْلِيَّاتُ - وَهِيَ الْمَكِيلاَتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ «الْمُتَّفِقَةُ الصِّفَةِ» فَإِنَّهَا تُقْسَمُ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا، وَالاِسْتِثْنَاءُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِهَا الْقُرْعَةَ، فَإِنَّ ابْنَ عَرَفَةَ فِي فَتَاوِيهِ، تَبَعًا لِلْبَاجِيِّ، لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقِيَمِيَّاتِ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: تُقْسَمُ الأْشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى الْقِيمَةِ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِالسِّهَامِ .
ب - الْعَقَارُ الْمُتَّفِقُ الْمَبَانِي: بِأَنْ يَكُونَ فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهِ مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ عَيْنًا وَمَنْفَعَةً، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ بَهْرَامَ أَنْ يُقْسَمَ بِالْمِسَاحَةِ، وَجَرَى الْخَرَشِيُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِمَادِهِ وَاعْتَمَدُوهُ فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ .
فَأَنْتَ تَرَى قِسْمَةَ الإْفْرَازِ وَاضِحَةً لاَئِحَةً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتَّفِقَةِ الصِّفَةِ وَفِي قِسْمَةِ الْعَقَارِ الْمُتَّفِقِ الْمَبَانِي: الأْوَّلُ عَلَى مُعْتَمَدِهِمْ، وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِ بَهْرَامَ وَمُعْتَمِدِيهِ، وَقِسْمَةُ التَّعْدِيلِ فِيمَا عَدَاهُمَا.
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِقِسْمَةِ الْقُرْعَةِ، أَمَّا قِسْمَةُ التَّرَاضِي فَقَدْ تَكُونُ بِتَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ وَقَدْ تَكُونُ بِدُونِهِمَا .
أَمَّا قِسْمَةُ الرَّدِّ، فَالْمَالِكِيَّةُ يُثْبِتُونَهَا عَلَى التَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ؛ لاِنْطِوَاءِ الْقُرْعَةِ فِيهَا عَلَى الْغَرَرِ الْكَثِيرِ، إِذْ قَدْ يُرِيدُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَخْذَ الأْحَظِّ وَتَحَمُّلَ الْفَرْقِ أَوْ عَكْسَهُ، وَلَكِنَّ الْقُرْعَةَ تُخْرِجُ لَهُ مَا لاَ يَشْتَهِي، وَقَدْ أَثْبَتَهَا خَلِيلٌ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ أَيْضًا لَكِنْ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَمِدُوهُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ النَّفْرَاوِيُّ: وَلاَ يُؤَدِّي أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ثَمَنًا لِشَرِيكِهِ لِزِيَادَةٍ فِي سَهْمِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ ثَوْبَيْنِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا يُسَاوِي دِينَارَيْنِ، وَالآْخَرُ يُسَاوِي دِينَارًا، وَاقْتَرَعَا عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَ لَهُ الَّذِي يُسَاوِي الدِّينَارَيْنِ يَدْفَعُ نِصْفَ دِينَارٍ لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِ قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ فِي صِنْفَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ، قَالَ خَلِيلٌ - بِالْعَطْفِ عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ - «أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ، إِلاَّ أَنْ يَقِلَّ» وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَلَوْ قَلَّ مَا بِهِ التَّرَاجُعُ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: «وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي دَخَلاَ عَلَيْهِ تَرَاجُعٌ لَمْ يَجُزِ الْقَسْمُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلاَّ بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا فَيَجُوزُ؛ لأِنَّ قِسْمَةَ الْمُرَاضَاةِ يَجُوزُ دُخُولُهَا فِي الْجِنْسَيْنِ» وَحِينَئِذٍ فَمَا يَقَعُ بَيْنَ الْعَوَامِّ مِنْ (الْفِصَالِ) - وَهُوَ قِسْمَةُ الْمَوَاشِي - مِنْ جَعْلِ نَحْوِ الْبَقَرَةِ قِسْمًا، وَبِنْتِهَا مَعَ بَعْضِ دَرَاهِمَ قِسْمًا آخَرَ، وَيَدْخُلاَنِ عَلَى الْقُرْعَةِ، فَاسِدٌ - وَإِنِ اسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلاَّمَةُ خَلِيلٌ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ - كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا بِالْمُرَاضَاةِ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ الصَّغِيرَةِ وَتَأْخُذُ كَذَا، أَوِ الْكَبِيرَةِ وَتَدْفَعُ كَذَا - مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ - فَيَجُوزُ وَمِثْلُهُ فِي التُّحْفَةِ وَحَوَاشِيهَا وَمَثَّلُوا بِدَارَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِمِائَةٍ وَالأْخْرَى بِسِتِّينَ أَوْ تِسْعِينَ: لاَ يَجُوزُ بِالْقُرْعَةِ أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ بِدَارٍ، عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ أَخَذَ أَفْضَلَ الدَّارَيْنِ عِشْرِينَ فِي الْحَالَةِ الأْولَى، أَوْ خَمْسَةً فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، وَرَخَّصَ فِي هَذِهِ الأْخِيرَةِ اللَّخْمِيُّ، أَيْ وَفِي كُلِّ حَالاَتِ الْقِلَّةِ، وَقَدَّرُوهَا بِنِصْفِ الْعُشْرِ أَوْ نَحْوِهِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ قِسْمَةِ الرَّدِّ بِإِطْلاَقٍ، وَإِنْ كَانَ كَلاَمُهَا فِي الْعَقَارِ.
تَقْسِيمُ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ إِرَادَةِ الْمُتَقَاسِمِينَ:
12 - الْقِسْمَةُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ قِسْمَانِ: قِسْمَةُ تَرَاضٍ، وَقِسْمَةُ إِجْبَارٍ، وَلاَ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الإْجْمَاعِ. ذَلِكَ أَنَّ الشُّرَكَاءَ قَدْ يَرْغَبُونَ جَمِيعًا فِي قِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، أَوْ يَرْغَبُ بَعْضُهُمْ وَيُوَافِقُ الْبَاقُونَ عَلَى أَصْلِ الْقِسْمَةِ وَعَلَى كَيْفِيَّةِ تَنْفِيذِهَا، فَلاَ تَكُونُ بِهِمْ حَاجَةٌ إِلَى اللُّجُوءِ إِلَى الْقَضَاءِ، وَتُسَمَّى الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ قِسْمَةَ تَرَاضٍ.
وَقَدْ يَرْغَبُ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَيَأْبَى غَيْرُهُ، فَإِذَا لَجَأَ الرَّاغِبُ إِلَى الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَتَوَلَّى قِسْمَةَ الْمَالِ وَفْقَ الأْصُولِ الْمُقَرَّرَةِ شَرْعًا، وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ قِسْمَةَ إِجْبَارٍ.
فَقِسْمَةُ التَّرَاضِي: هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِاتِّفَاقِ الشُّرَكَاءِ.
وَقِسْمَةُ الإْجْبَارِ : هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِوَاسِطَةِ الْقَضَاءِ، لِعَدَمِ اتِّفَاقِ الشُّرَكَاءِ .
ثُمَّ لَيْسَ حَتْمًا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ أَنْ يَتَوَلاَّهَا الْقَاضِي بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَنْ يَنْدُبُهُ لِذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمُمْتَنِعَ مِنَ الْقِسْمَةِ حَتَّى يُجِيبَ إِلَيْهَا، وَيُحَدِّدَ لَهُ الْقَاضِي مُدَّةً مَعْقُولَةً لإِتْمَامِهَا بِصُورَةٍ عَادِلَةٍ.
وَفِي كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ إِشَارَةٌ صَرِيحَةٌ إِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا، إِذْ يَقُولُونَ: لَيْسَتِ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، حَتَّى لاَ يُفْتَرَضَ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ جَبْرُ الآْبِي عَلَى الْقِسْمَةِ .
13 - وَقَدْ عَلِمْنَا فِيمَا سَلَفَ أَنَّ قِسْمَةَ النَّوْعِ الْوَاحِدِ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِثْلِيًّا كَانَ كَالْحُبُوبِ أَوِ الأْدْهَانِ أَوِ الْجَوْزِ أَوِ الْبَيْضِ، (وَيَكْفِي تَقَارُبُ الْمِثْلِيِّ الْعَدَدِيِّ) أَمْ قِيَمِيًّا كَالإْبِلِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ، وَكَذَا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ الدُّورُ أَوِ الْحَوَانِيتُ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَالأْرَاضِي الزِّرَاعِيَّةُ أَوِ الْبَسَاتِينُ كَذَلِكَ، أَمَّا قِسْمَةُ الأْنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ - كَخَلِيطٍ مِنَ الأْمْثِلَةِ الآْنِفِ ذِكْرُهَا - قِسْمَةُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، حَتَّى يَسْتَقِلَّ الشَّرِيكُ بِنَوْعٍ أَوْ أَكْثَرَ (وَهِيَ مِنْ قِسْمَةِ الْجَمْعِ) فَهَذِهِ لاَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ ، لِمَكَانِ فُحْشِ تَفَاوُتِهَا وَتَفَاوُتِ الرَّغَبَاتِ فِيهَا: فَيَتَعَذَّرُ تَعْدِيلُهَا، وَيَنْطَوِي الإْجْبَارُ عَلَيْهَا عَلَى الْجَوْرِ وَالضَّرَرِ، فَإِذَا تَرَاضَى الشُّرَكَاءُ عَلَيْهَا فَلاَ مَانِعَ مِنْهَا حِينَئِذٍ؛ لأِنَّ مَا عَسَاهُ يَكُونُ قَدْ فَاتَ بِهَا مِنْ حَقِّ أَحَدِهِمْ فَإِنَّمَا فَاتَ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، وَالَّذِي يَمْلِكُ الْحَقَّ يَمْلِكُ إِسْقَاطَهُ، مَا دَامَ حَقًّا خَالِصًا لَهُ نَعَمْ، إِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْوُصُولُ إِلَى الْحَقِّ إِلاَّ جَبْرًا عَلَى هَذِهِ الْمُبَادَلَةِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا كَقَضَاءِ الدَّيْنِ .
لَكِنْ شَرِيطَةُ الإْجْبَارِ بَعْدَ طَلَبِ الْقِسْمَةِ: انْتِفَاءُ الضَّرَرِ، وَالْمُرَادُ بِالضَّرَرِ هُنَا: هُوَ فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ. وَهُنَاكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ فِي تَحْدِيدِ مَدَاهُ:
الرَّأْيُ الأْوَّلُ: أَنَّهُ الضَّرَرُ الْعَامُّ فَحَسْبُ، أَيِ الَّذِي لاَ يَخُصُّ شَرِيكًا دُونَ آخَرَ: بِأَنْ بَطَلَتْ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ شَرِيكٍ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، كَمَا لَوْ كَانَ حَجْمُ الْبَيْتِ أَوِ الْحَمَّامِ أَوِ الطَّاحُونِ صَغِيرًا، لاَ يَنْقَسِمُ بِعَدَدِ الشُّرَكَاءِ بُيُوتًا وَحَمَّامَاتٍ وَطَوَاحِينَ، وَكَمَا فِي قِسْمَةِ الْجَوْهَرَةِ، وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَالْحِذَاءِ، وَالْجِدَارِ وَالْبَقَرَةِ، وَالشَّاةِ، فَهَذَا الضَّرَرُ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ مِنَ الإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَيْسَ هُنَا إِلاَّ تَفْوِيتُهَا، فَيَكُونُ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا تَحْتَاجُ قِسْمَتُهُ إِلَى كَسْرٍ أَوْ قَطْعٍ، وَلِذَا قَالُوا: لَوْ كَانَ مَعَ مَا لاَ يُقْسَمُ - لِمَا فِي قِسْمَتِهِ مِنَ الضَّرَرِ الْعَامِّ لِلْمُقْتَسِمَيْنِ، مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ قَنَاةٍ - أَرْضٍ، قُسِمَتِ الأْرْضُ وَتُرِكَتِ الْبِئْرُ وَالْقَنَاةُ وَمَا إِلَيْهِمَا عَلَى الشَّرِكَةِ، أَمَّا عَلَى التَّرَاضِي فَلاَ مَانِعَ مِنَ الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّ هُمَا يَمْلِكَانِ الإْضْرَارَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالْقَاضِي لاَ يَمْنَعُ بِالْقَضَاءِ مَنْ يَقْدَمُ عَلَى إِتْلاَفِ مَالِهِ .
أَمَّا الضَّرَرُ الْخَاصُّ بِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ - كَمَا لَوْ كَانَ نَصِيبُ وَاحِدٍ فَحَسْبُ فِي الْبَيْتِ أَوِ الْحَمَّامِ أَوِ الطَّاحُونِ هُوَ الَّذِي يَتَّسِعُ لِمِثْلِ ذَلِكَ - فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى الْقِسْمَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَضِرُّ هُوَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ أَمْ غَيْرُهُ، ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُسْتَضِرُّ هُوَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ، فَقَدْ رَضِيَ بِضَرَرِ نَفْسِهِ، وَبِذَا صَارَتِ الْقِسْمَةُ كَالْخَالِيَةِ مِنْ شَوْبِ الضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ الآْخَرُ، فَإِنَّ الضَّرَرَ اللاَّحِقَ بِالْمُسْتَضِرِّ مِنَ الْقِسْمَةِ لَيْسَ - إِذَا أَمْعَنَّا النَّظَرَ - بِضَرَرٍ حَقِيقِيٍّ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ حَقٌّ لَهُ، وَإِنَّمَا كُلُّ مَا هُنَالِكَ أَنَّهُ بِسَبَبِ قِلَّةِ نَصِيبِهِ يُرِيدُ لِنَفْسِهِ اسْتِمْرَارَ الاِنْتِفَاعِ بِنَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَهَذَا يَأْبَى عَلَيْهِ، وَيُطَالِبُ بِاسْتِخْلاَصِ حَقِّهِ، وَتَكْمِيلِ مَنَافِعِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا شُرِعَتِ الْقِسْمَةُ، وَوَظِيفَةُ الْقَاضِي الْقِيَامُ بِوَاجِبِ الإْنْصَافِ، وَإِعْطَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ هُنَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ.
الرَّأْيُ الثَّانِي: أَنَّهُ الضَّرَرُ الَّذِي لاَ يَخُصُّ الطَّالِبَ، فَيَشْمَلُ الضَّرَرَ الْخَاصَّ بِالْمُمْتَنِعِ وَالضَّرَرَ الْعَامَّ؛ لأِنَّ ضَرَرَ طَالِبِ الْقِسْمَةِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِطَلَبِهِ، إِذْ مَعْنَاهُ رِضَاهُ بِضَرَرِ نَفْسِهِ، أَمَّا ضَرَرُ الآْخَرِ (وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ) فَلَيْسَ ثَمَّ مَا يُسْقِطُ اعْتِبَارَهُ، وَالطَّالِبُ لاَ يُسَلَّطُ عَلَى الإْضْرَارِ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَصَّاصُ.
الرَّأْيُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ الضَّرَرُ الَّذِي لاَ يَخُصُّ الْمُمْتَنِعَ فَيَشْمَلُ الضَّرَرَ الْخَاصَّ بِطَالِبِ الْقِسْمَةِ، وَالضَّرَرَ الْعَامَّ أَيْ عَكْسَ الثَّانِي؛ لأِنَّ ضَرَرَ الْمُمْتَنِعِ لَيْسَ ضَرَرًا حَقِيقِيًّا - كَمَا أَوْضَحْنَاهُ - فَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي ضَرَرِ الطَّالِبِ: فَإِذَا انْتَفَى فَلَيْسَ ثَمَّ مَانِعٌ مَا مِنَ الإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَإِذَا لَمْ يَنْتَفِ، كَانَ مُتَعَنِّتًا بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ، وَالْمُتَعَنِّتُ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَقِسْمَةُ الإْجْبَارِ لاَ تَكُونُ بِدُونِ طَلَبٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْخَصَّافُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إِنَّهُ الأْصَحُّ .
14 - أَمَّا قِسْمَةُ التَّرَاضِي: فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا انْتِفَاءُ الضَّرَرِ، بَلِ الرِّضَا بِهِ مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهِ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى لَوْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ ضَارَّةً بِجَمِيعِ الشُّرَكَاءِ لَكِنَّهُمْ رَضَوْا بِهَا فَهَذَا شَأْنُهُمْ وَحْدَهُمْ؛ لأِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لاَ يَعْدُوهُمْ، وَهُمْ أَدْرَى بِحَاجَاتِهِمْ، فَلاَ يَكُونُ ثَمَّ مَانِعٌ مِنْهَا وَقَدْ رَضُوا بِضَرَرِ أَنْفُسِهِمْ .
15 - وَلاَ يُخَالِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الإْجْمَاعِ فِي أَنَّ الْقِسْمَةَ تَتَنَوَّعُ إِلَى: قِسْمَةِ تَرَاضٍ وَقِسْمَةِ إِجْبَارٍ، وَلَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ.
فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لَمْ تَتَّفِقْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى قَبُولِ الْقِسْمَةِ لِلإْجْبَارِ إِلاَّ فِي قِسْمَةِ الإْفْرَازِ (قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ) - بِالْمَعْنَى الَّذِي سَبَقَ (ف9)؛ لأِنَّ الطَّالِبَ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ عَلَى الْكَمَالِ، وَأَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، دُونَ إِضْرَارٍ بِأَحَدٍ .
كَمَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى امْتِنَاعِ الإْجْبَارِ إِلاَّ فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ؛ لأِنَّهُ فِيهَا تَمْلِيكُ مَا لاَ شَرِكَةَ فِيهِ، وَالشَّأْنُ فِيهِ أَلاَّ يَقْبَلَ الإْجْبَارُ أَمَّا فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ بِمَعْنَاهَا السَّابِقِ (ف 10) فَمِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ، مَنْ يَمْنَعُ قَبُولَهَا لِلإْجْبَارِ مَنْعًا مُطْلَقًا لاَ اسْتِثْنَاءَ فِيهِ؛ لأِنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الأْنْصِبَاءَ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةٍ بِنَفْسِهَا. بَلْ بِقِيمَتِهَا، وَالأْغْرَاضُ وَالْمَنَافِعُ تَتَفَاوَتُ رَغْمَ اسْتِوَاءِ الْقِيمَةِ، فَلَيْسَتْ حَدِيقَةُ الْبُرْتُقَالِ كَحَدِيقَةِ الْعِنَبِ، فِي نَفْسِهَا وَلاَ فِي عَائِدَتِهَا وَجَدْوَاهَا، وَلاَ فِي مُلاَقَاةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَحَاجَاتِهِمْ - وَلَوْ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ وَتِلْكَ يُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ مَثَلاً، وَلاَ الْمِسَاحَةُ الصَّغِيرَةُ الْجَيِّدَةُ التُّرْبَةِ أَوِ الْمُطِلَّةُ عَلَى النَّهْرِ كَالْمِسَاحَةِ الْفَسِيحَةِ الرَّدِيئَةِ أَوِ الْخَلْفِيَّةِ - وَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتَاهَا .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسِيغُهُ؛ لأِنَّ لِطَالِبِ الْقِسْمَةِ غَرَضًا صَحِيحًا، وَلَنْ يَفُوتَ الآْخَرَ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُهُمْ تَنْزِيلاً لِلتَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ مَنْزِلَةَ التَّسَاوِي فِي الأْجْزَاءِ وَمَا عَسَاهُ يَفُوتُ عَيْنًا يُعْتَاضُ عَنْهُ بِالتَّخَلُّصِ مِنْ مَسَاوِئِ الشَّرِكَةِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْمُمْتَنِعُ مِنَ الْقِسْمَةِ سَيِّئَ النِّيَّةِ، يُرِيدُ الْجَوْرَ وَالاِغْتِصَابَ بِالإْبْقَاءِ عَلَى شَرِكَةٍ غَيْرِ مُتَوَازِنَةٍ، كَمَا لَوْ كَانَ لاَ يَمْلِكُ فِيهَا إِلاَّ بِنِسْبَةِ الْعُشْرِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ إِيضَاحُهُ (ف 13) وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ، وَعَلَيْهِ مُعَوَّلُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَبْدَوُا احْتِمَالاً بِمِثْلِ الْقَوْلِ الأْوَّلِ لِلشَّافِعِيِّ فِي خُصُوصِ الْمَنْقُولاَتِ إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ عَادُوا بَعْدَمَا أَطْلَقُوهُ، فَذَكَرُوا فُرُوعًا يُسْتَفَادُ مِنْهَا تَقْيِيدُهُ، وَفَعَلَ الْحَنَابِلَةُ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَزَادُوا التَّصْرِيحَ بِبَعْضِ الشَّرَائِطِ.
وَهَاكَ مَا اجْتَمَعَ لَنَا مِنْ قُيُودِهِمْ:
16 - أَوَّلاً: اتِّحَادُ الْجِنْسِ: وَيُرِيدُونَ بِالْجِنْسِ هُنَا النَّوْعَ، فَالْعَقَارُ الْوَاحِدُ الَّذِي لاَ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَالأْرْضِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي تَتَفَاوَتُ أَجْزَاؤُهَا جَوْدَةً وَرَدَاءَةً، أَوْ يَخْتَلِفُ نَوْعُ غِرَاسِهَا - كَأَنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا حَدِيقَةُ عِنَبٍ وَفِي الآْخَرِ حَدِيقَةُ نَخْلٍ، وَالدَّارُ الْوَاحِدَةُ الَّتِي يَكُونُ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا بِنَاءٌ مِنْ حَجَرٍ وَفِي الآْخَرِ بِنَاءٌ مِنَ اللَّبِنِ، أَوْ لأِحَدِهِمَا وَاجِهَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا، وَلِلآْخَرِ وَاجِهَةٌ مَرْغُوبٌ عَنْهَا - هَذَا الْعَقَارُ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهِ، فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ أَجْبَرَ الْقَاضِي الْمُمْتَنِعَ إِلاَّ أَنَّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ، وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ كَأَبِي الْخَطَّابِ، مَنْ يَذْكُرُونَ هُنَا تَفَقُّهًا - وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُهُمْ - أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ، فَإِنَّ الإْجْبَارَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى قِسْمَةِ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، قِيَاسًا عَلَى الأْرَاضِي الْمُتَعَدِّدَةِ الَّتِي يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى جَمْعِ الْكُلِّ حِينَئِذٍ وَقِسْمَتِهِ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ .
وَمَعْنَى ذَلِكَ - بِجَانِبِ أَنَّ الأْرَاضِيَ تُعْتَبَرُ نَوْعًا وَاحِدًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَنَّ تَعَدُّدَهَا بِمَثَابَةِ اخْتِلاَفِ الصِّفَةِ كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ - أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ الإْفْرَازِ ، لاَ يَلْجَأُ الْقَاضِي إِلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ، وَمَتَى أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ تَعْدِيلاً، لاَ يَلْجَأُ الْقَاضِي إِلَى قِسْمَةِ الأْعْيَانِ مُجْتَمِعَةً، وَهَذَا بَيِّنٌ لاَئِحٌ؛ لأِنَّ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْحَقِّ مَا أَمْكَنَ هُوَ عَيْنُ الإْنْصَافِ، أَمَّا بِالتَّرَاضِي فَلِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَفْعَلُوا مَا شَاءُوا، إِفْرَازًا أَوْ تَعْدِيلاً أَوْ رَدًّا .
أَمَّا إِذَا تَعَدَّدَ نَوْعُ الْعَقَارِ، كَأَنْ كَانَتِ الشَّرِكَةُ فِي عِدَّةِ دُورٍ أَوْ حَوَانِيتَ، فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا حَقِيقَةً لاِخْتِلاَفِ الأْغْرَاضِ بِاخْتِلاَفِ الأَْبْنِيَةِ وَمَوَاقِعِ الْبِنَاءِ وَلاَ يُجْمَعُ فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ بَيْنَ جِنْسَيْنِ. فَتُقْسَمُ - إِنْ لَمْ يَتَرَاضَوْا عَلَى الْجَمْعِ - كُلُّ دَارٍ وَكُلُّ حَانُوتٍ عَلَى حِدَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَجَاوِرَةً أَمْ مُتَبَاعِدَةً، لِتَفَاوُتِ مَقَاصِدِهَا نَعَمْ. اعْتَمَدَ الشَّافِعِيَّةُ - خِلاَفًا لِبَعْضٍ مِنْهُمْ، خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ الذَّاهِبِينَ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا لاَ تَجْمَعُهُ الشُّفْعَةُ لاَ تَجْمَعُهُ الْقِسْمَةُ، إِذْ كِلْتَاهُمَا لإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ أَنَّ الْجِنْسَيْنِ إِذَا أَمْكَنَ تَنْزِيلُهُمَا مَنْزِلَةَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، لِكَوْنِهِمَا أَشْبَهَ بِالْحُجَرِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ، يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَقَدْ ضَرَبُوا لِذَلِكَ مَثَلَيْنِ .
الأْوَّلُ: ضَيْعَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَتَأَلَّفُ مِنْ بِضْعَةِ أَفْدِنَةٍ وَدَارَيْنِ، فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ، وَاقْتَضَتْ أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِدَارٍ مِنَ الدَّارَيْنِ، فَإِنَّهُ يُجَابُ إِلَى ذَلِكَ.
الثَّانِي: الدَّكَاكِينُ الصِّغَارُ الْمُتَلاَصِقَةُ (وَتُسَمَّى الْعَضَائِدَ) فَلاَ تَتَفَاوَتُ فِيهَا الأْغْرَاضُ وَالَّتِي لاَ يَقْبَلُ كُلٌّ مِنْهَا الْقِسْمَةَ عَلَى حِدَةٍ، يَجُوزُ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَهَا فِي قِسْمَةِ أَعْيَانِهَا قِسْمَةُ إِجْبَارٍ، عَلَى أَلاَّ تَبْقَى لِلشَّرِكَةِ عَلَقَةٌ، كَمَا سَيَجِيءُ.
17 - ثَانِيًا: اتِّحَادُ الصِّنْفِ: فِي قِسْمَةِ الْمَنْقُولاَتِ، فَلَيْسَ يَكْفِي فِيهَا اتِّحَادُ الْجِنْسِ حَتَّى يَتَّحِدَ صِنْفُهَا أَيْضًا، لأِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يُقَلِّلُ مِنْ شَأْنِ تَفَاوُتِ الأْغْرَاضِ فِيهَا. فَلاَ إِجْبَارَ عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ عِنْدَمَا يَخْتَلِفُ جِنْسُ الْمَنْقُولاَتِ: كَأَبْسِطَةٍ وَسَتَائِرَ وَوَسَائِدَ وَحَشَايَا وَمَقَاعِدَ وَمَنَاضِدَ وَثَلاَّجَاتٍ وَقَمَاطِرَ، أَوْ يَخْتَلِفُ نَوْعُهَا: كَثِيَابٍ بَعْضُهَا حَرِيرٌ. وَبَعْضُهَا قُطْنٌ، وَبَعْضُهَا صُوفٌ، وَأَبْسِطَةٍ عَجَمِيَّةٍ وَأُخْرَى عَادِيَّةٍ، وَقَمَاطِرَ خَشَبِيَّةٍ وَأُخْرَى مِنَ الصَّاجِ، أَوْ يَخْتَلِفُ صِنْفُهَا: كَحَرِيرٍ هِنْدِيٍّ وَحَرِيرٍ يَابَانِيٍّ، وَخَشَبٍ زَانٍ وَخَشَبٍ أَبْيَضَ.
وَلاَ بُدَّ أَنْ يُفْرَضَ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالصِّنْفِ اخْتِلاَفُ الصُّورَةِ وَالْمَظْهَرِ، أَوِ اخْتِلاَفُ الْقِيمَةِ وَإِلاَّ كَانَ الْمَوْضِعُ لِقِسْمَةِ الْمُتَشَابِهِ (قِسْمَةَ الإْفْرَازِ )، كَمَا عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ (ف9)، لاَ لِقِسْمَةِ التَّعْدِيلِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَالأْبْسِطَةُ مَثَلاً تَخْتَلِفُ أَحْجَامُهَا وَعَدَدُ فَتَلاَتِهَا - وَهُوَ اخْتِلاَفٌ فِي الصُّورَةِ - وَيَتْبَعُهُ اخْتِلاَفُ الْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَتْ هُنَالِكَ ثَلاَثَةُ أَبْسِطَةٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً، وَقِيمَةُ أَحَدِهَا مِائَةُ دِينَارٍ، وَقِيمَةُ الآْخَرَيْنِ مَعًا مِائَةٌ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، أَيْ قِسْمَةِ تَعْدِيلٍ، فَإِنَّهُ يُجَابُ وَيُجْبَرُ الآْخَرُ إِذَا امْتَنَعَ، لِقِلَّةِ تَفَاوُتِ الأْغْرَاضِ حِينَئِذٍ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُ الأْبْسِطَةِ أَوْ أَصْنَافُهَا، فَإِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى قِسْمَتِهَا قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي؛ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِ الأْغْرَاضِ بِكُلِّ نَوْعٍ وَصِنْفٍ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي غَيْرِ الأْبْسِطَةِ، لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ آحَادُهُ لاَ تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ أَصْلاً كَالْحَيَوَانَاتِ، كَمَا إِذَا فَرَضْنَا مَكَانَ الأْبْسِطَةِ ثَلاَثَ بَقَرَاتٍ .
وَالْحَنَابِلَةُ لاَ يَشْتَرِطُونَ سِوَى اتِّحَادِ النَّوْعِ وَتَسَاوِي الْقِيمَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَ الصِّنْفُ، كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ .
18 - ثَالِثًا: أَلاَّ تُبْقِيَ الْقِسْمَةُ شَيْئًا مُشْتَرَكًا: أَيْ مِنَ الْمَالِ الْمُرَادِ قَسْمُهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَعْنُونَهُ «بِانْقِطَاعِ الْعَلَقَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ»، وَهَاكَ بِضْعَةُ أَمْثِلَةٍ:
أ - سَيَّارَتَانِ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً، قِيمَةُ إِحْدَاهُمَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، وَقِيمَةُ الأْخْرَى خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فَحَسْبُ، لاَ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَى قِسْمَتِهِمَا إِذَا مَنَعْنَا الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَةِ السَّيَّارَةِ الأْعْلَى قِيمَةً، لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ فِيهَا حِينَئِذٍ، وَلِذَا يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَقَرَتَانِ، قِيمَةُ إِحْدَاهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ الأْخْرَى، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ عَلَى أَنْ يَبْقَى لِمَنْ خَرَجَ لَهُ أَقَلُّهُمَا قِيمَةً رُبْعُ الأْخْرَى، فَلاَ إِجْبَارَ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهَكَذَا كُلُّ أَدْنَى وَأَعْلَى وَمِثْلُهُ لِلْحَنَابِلَةِ .
ب - الأْرْضُ الْمُشْتَرَكَةُ يَكُونُ فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ، فَيَطْلُبُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ قِسْمَةَ الْبِنَاءِ أَوِ الشَّجَرِ وَحْدَهُ، وَتَبْقَى الأْرْضُ مُشْتَرَكَةً، أَوْ يَطْلُبُ قِسْمَةَ الأْرْضِ وَحْدَهَا، وَيَبْقَى الْبِنَاءُ أَوِ الشَّجَرُ مُشْتَرَكًا، لاَ يُجَابُ إِلَى طَلَبِهِ، أَيْ أَنَّهُ لاَ إِجْبَارَ عَلَى هَذِهِ الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّهَا لاَ تُزِيلُ الشَّرِكَةَ تَمَامًا، فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ.
ج - يَقُولُونَ: يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى قِسْمَةِ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ مِنْ دَارٍ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا؛ لأِنَّ الْبِنَاءَ تَابِعٌ لِلأْرْضِ، كَالشَّجَرِ فِيهَا لاَ عَلَى قِسْمَةِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ؛ لأِنَّ الْقِسْمَةَ تُرَادُ لِلتَّمْيِيزِ، وَلاَ عَلَى جَعْلِهِ لِوَاحِدٍ وَالآْخَرُ لآِخَرَ وَقَدْ يُعَلَّلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمَّا زَالَتِ الشَّرِكَةُ تَمَامًا بِقِسْمَةِ الطَّابَقَيْنِ جَمِيعًا صَحَّ الإْجْبَارُ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَلَمَّا بَقِيَتْ فِي بَعْضِ الدَّارِ بِقِسْمَةِ أَعْلاَهَا دُونَ أَسْفَلِهَا، أَوِ الْعَكْسُ، لَمْ يُمْكِنِ الإْجْبَارُ عَلَى هَذَا، لَكِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ طَرِيقِ التَّرَاضِي .
وَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَلاَ الْمَالِكِيَّةُ مَانِعًا بِأَيَّةِ حَالٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ السُّفْلُ لِوَاحِدٍ، وَالْعُلُوُّ لآِخَرَ ، وَرُبَّمَا صَوَّرَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ اسْمًا وَمَنْفَعَةً، فَلاَ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ .
نَعَمْ يُغْتَفَرُ بَقَاءُ الشَّرِكَةِ فِي التَّوَابِعِ وَالْمُلْحَقَاتِ، صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، إِذْ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ بَقَاءِ طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْمُتَقَاسِمِينَ - لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ اسْتِقْلاَلُ كُلٍّ بِطَرِيقٍ - فَإِنَّ هَذَا لاَ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى الْقِسْمَةِ .
19 - رَابِعًا: أَنْ لاَ تَنْقُصَ قِيمَةُ الْمَقْسُومِ بِقِسْمَتِهِ: وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ مَفْهُومَةٌ مِنَ الْمُهَذَّبِ لِلشِّيرَازِيِّ، وَصَرَّحَ بِهَا الْجِيلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَنَقَلُوهَا عَنْهُ فِي قِسْمَةِ الْعَقَارِ الْمُتَعَدِّدِ الْجِنْسِ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ تَنْزِيلاً لَهُ مَنْزِلَةَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، كَالْحُجَرِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ، وَهُوَ نَاظِرٌ إِلَى أَنَّ نَقْصَ الْقِيمَةِ ضَرَرٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ، فَلاَ يَدْخُلُ فِيهِ الْقَضَاءُ، لَكِنْ سَيَأْتِي لَهُمْ تَفْسِيرُ الضَّرَرِ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
20 - خَامِسًا: تَعَذُّرُ قِسْمَةِ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ: وَقَدْ فُهِمَ هَذَا مِمَّا سَبَقَ (ف 16)، لَكِنَّهُ خَاصٌّ بِالْعَقَارَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّ الْمَنْقُولاَتِ لاَ يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهَا قِسْمَةَ جَمْعٍ إِلاَّ إِذَا اتَّحَدَ صِنْفُهَا، نَعَمْ. هُوَ عَلَى عُمُومِهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .
21 - وَالْمَالِكِيَّةُ يَجْعَلُونَ قِسْمَةَ الإْجْبَارِ فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَقَارَبَ دُونَ رَدٍّ، وَقِسْمَةَ التَّرَاضِي فِيمَا عَدَاهُ، كَمَا أَسْلَفْنَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ فِي أَنَّ قِسْمَةَ الإْجْبَارِ مَشْرُوطَةٌ بِاتِّحَادِ النَّوْعِ أَيْضًا، وَبِعَدَمِ الرَّدِّ - إِلاَّ أَنْ يَقِلَّ فِي قَوْلٍ لَهُمْ - وَلَكِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ:
أ - الْمَوْضِعُ الأْوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا اتَّحَدَ نَوْعُهُ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهِ، بَلْ لاَ بُدَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ التَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ وَفِي رَغَبَاتِ الشُّرَكَاءِ، وَلاَ بُدَّ أَيْضًا مِنْ قُرْبِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الْعَقَارِ وَالْعَقَارِ، فَقِطْعَةُ الأْرْضِ الَّتِي تَبْعُدُ عَنِ الأْخْرَى أَكْثَرَ مِنْ مِيلَيْنِ أَوْ تَكُونُ أَجْوَدَ مِنْهَا تُرْبَةً، أَوْ أَدْنَى إِلَى رَغْبَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ دُونَ الآْخَرِ - لِقُرْبِهَا مِنْ مَسْكَنِهِ مَثَلاً، أَوْ لأِنَّهَا تُسْقَى بِدُونِ آلاَتٍ - لاَ يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهِمَا مَعًا كَقِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، بَلْ تُقْسَمُ كُلُّ قِطْعَةٍ عَلَى حِدَةٍ.
وَلاَ بُدَّ لِلإْجْبَارِ عَلَى الضَّمِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنِ اتِّحَادِ نَوْعِ الأْشْجَارِ فِي حَدَائِقِ الْفَاكِهَةِ، وَعَدَمِ إِمْكَانِ قِسْمَةِ كُلِّ حَدِيقَةٍ عَلَى حِدَةٍ، بَلْ إِنَّ الْحَدِيقَةَ الْوَاحِدَةَ تَكُونُ أَشْجَارًا جَانِبٌ مِنْهَا النَّخْلُ، وَجَانِبٌ آخَرُ التُّفَّاحُ أَوِ الرُّمَّانُ، أَوِ الْخَوْخُ، لاَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهَا قِسْمَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَشْجَارِهَا عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنَّهُ إِذَنْ لِلضَّرُورَةِ يَصِحُّ الإْجْبَارُ عَلَى ضَمِّ النَّوْعِ إِلَى غَيْرِهِ، وَقِسْمَةُ الْجَمِيعِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ مَعَ التَّعْدِيلِ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَحْصُلَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَلَى أَصْنَافٍ مِنَ الأْشْجَارِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.
ب - الْمَوْضِعُ الثَّانِي: أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا اخْتَلَفَ نَوْعُهُ لاَ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهِ، فَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَقْسِمُونَ أَنْوَاعَ الثِّيَابِ الْمُخْتَلِفَةِ: مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَحَرِيرٍ.. إِلَخْ قِسْمَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ تَعْدِيلاً وَجَبْرًا. وَيُصَرِّحُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الأْرْضَ نَوْعٌ وَأَشْجَارَهَا نَوْعٌ آخَرُ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا تَبَاعَدَتِ الأْشْجَارُ تُقْسَمُ الأْرْضُ وَأَشْجَارُهَا مَعًا، لاَ الأْرْضُ وَحْدَهَا وَالأْشْجَارُ وَحْدَهَا، وَإِلاَّ فَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ بَعْضُ شَجَرِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ فِي أَرْضٍ آخَرَ، وَهَذَا يُخَالِفُ قِسْمَةَ الْبَسَاتِينِ؛ لأِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الشَّجَرُ، وَالأْرْضُ تَبَعٌ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا الأْرْضُ ، وَالأْشْجَارُ تَبَعٌ .
ج - الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لاَ يُجْمَعُ عِنْدَهُمْ فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ بَيْنَ نَصِيبَيْنِ، قَالُوا: لأِنَّ قِسْمَةَ الإْجْبَارِ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِطَرِيقِ الْقُرْعَةِ، وَفِي الْقُرْعَةِ غَرَرٌ يُرْتَكَبُ، ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إِلَى الْقِسْمَةِ، وَلاَ ضَرُورَةَ لِجَمْعِ نَصِيبَيْنِ (مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْحَقِيقَةِ تَقْلِيلٌ لِلْغَرَرِ)، وَمَعَ ذَلِكَ حَتَّمُوا إِجْمَاعَ كُلِّ أَصْحَابِ فَرْضٍ فِي نَصِيبٍ وَاحِدٍ عِنْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، أَيْ بَيْنَ ذَوِي فُرُوضٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَوْ ذَوِي فَرْضٍ وَاحِدٍ أَوْ عَصَبَةٍ، وَسَوَّغُوا اجْتِمَاعَ الْعَصَبَةِ - بِرِضَاهُمْ - فِي نَصِيبٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُقَاسَمَتِهِمْ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَأَلْزَمُوا الْوَرَثَةَ مُطْلَقًا بِهَذَا الاِجْتِمَاعِ - إِذَا طَلَبَهُ أَحَدُهُمْ - فِي مُقَاسَمَةِ شَرِيكٍ لِمُوَرِّثِهِمْ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا بِنَصِيبِ مُوَرِّثِهِمْ، ثُمَّ لِلْجَمِيعِ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ شَاءُوا - وَقَبِلَ نَصِيبُهُمُ الْقِسْمَةَ - أَنْ يَقْتَسِمُوهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ الشَّرِكَةِ فِي التَّوَابِعِ - وَسَبَقَ نَحْوُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ (ف 18) - فَإِنَّ مَرَافِقَ الدَّارِ الْمَقْسُومَةِ إِذَا سُكِتَ عَنْهَا فِي الْقِسْمَةِ تَبْقَى عَلَى الاِشْتِرَاكِ كَمَا كَانَتْ .
د - الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ تَعَذُّرُ قِسْمَةِ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ فِيمَا عَدَا الْبَسَاتِينَ، فَإِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى الْجَمْعِ فِي قِسْمَتِهَا بَيْنَ صِنْفَيْنِ، كَتُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَتْ قِسْمَةُ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، وَسَوَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَقَارُ وَالْمَنْقُولُ، فَالدُّورُ وَالأَْرَاضِي تُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ جَبْرًا إِذَا طَلَبَهَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ - وَإِنْ أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ كُلِّ دَارٍ وَكُلُّ حَقْلٍ عَلَى حِدَةٍ - وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ، إِلاَّ أَنَّ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ يُخَالِفُهُ فِي الثِّيَابِ، وَنَصُّ عِبَارَتِهَا: «هَذِهِ ثِيَابٌ كُلُّهَا تُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ إِذَا كَانَتْ لاَ تَحْتَمِلُ أَنْ يُقْسَمَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ» «وَفِي الدَّارِ الْمَعْرُوفَةِ بِالسُّكْنَى لِلْمَيِّتِ أَوِ الْوَرَثَةِ» بِنَاءً عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ خَلِيلٌ مِنْ أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى جَمْعِهَا مَعَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الدُّورِ فِي قِسْمَةٍ وَاحِدَةٍ لاَ يُجَابُ مَتَى دَعَا آخَرُ إِلَى إِفْرَادِهَا بِالْقِسْمَةِ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ .
22 - وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَكَذَا أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ يُوَافِقُونَ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرِيطَةِ الإْجْبَارِ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ بِنَفْسِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ، أَيْ فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَإِنْ بَقِيَ الْمَالُ مُنْتَفَعًا بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا، لِعِظَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَنَافِعِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى تَقْرِيرِ الْخِرَقِيِّ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ جَرَى عَلَى رِوَايَةٍ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلاَفُهَا، وَهُوَ أَنَّ الضَّرَرَ الْمَانِعَ مِنَ الإْجْبَارِ هُوَ نَقْصُ الْقِيمَةِ .
وَفِي كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ مَا قَدْ يُفِيدُ أَنَّهُمْ أَحْيَانًا يَنْظُرُونَ إِلَى الْقِيمَةِ. بِحَيْثُ لَوْ نَقَصَتْ بِقِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُمْ لاَ يُجْبَرُونَ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ .
23 - وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَحْدِيدِ مَدَى الضَّرَرِ الْمَشْرُوطِ انْتِفَاؤُهُ لِلإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ، عَلَى آرَاءٍ:
الأْوَّلُ: مُطْلَقُ ضَرَرٍ: وَعَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجَمَاهِيرُ الْحَنَابِلَةِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى «لِنَهْيِهِ صلوات الله عليه عَنِ الضَّرَرِ وَالضِّرَارِ » عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي فَضِّ الشَّرِكَةِ - كَمَا هُنَا - أَمِ الْبَقِيَّةِ عَلَيْهَا - كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى إِنْسَانٌ بِخَاتَمِهِ لِشَخْصٍ، وَبِفَصِّهِ لآِخَرَ - إِذْ قَالُوا: إِنَّ أَيَّهُمَا طَلَبَ قَلْعَ الْفَصِّ يُجَابُ فَفِي مَسْأَلَةِ الشَّرِيكَيْنِ: لأِحَدِهِمَا فِي الدَّارِ عُشْرُهَا وَلَيْسَ يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى (وَلَوْ بِإِضَافَةٍ خَارِجِيَّةٍ يَسْتَطِيعُهَا) وَلِلآْخَرِ بَاقِيهَا لاَ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَى الْقِسْمَةِ، لِمَا فِيهَا مِنَ الضَّرَرِ بِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ فَلاَ بَأْسَ؛ لأِنَّ الْمُسْتَضِرَّ قَدْ رَضِيَ بِضَرَرِ نَفْسِهِ .
وَيَنُصُّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ مِنْ هَذَا الضَّرَرِ الْمَانِعِ مِنْ قِسْمَةِ الإْجْبَارِ أَنْ يَبْقَى النَّصِيبُ صَالِحًا لِلسُّكْنَى - فِي مِثَالِنَا هَذَا - وَلَكِنْ لِسُكْنَى غَيْرِ صَاحِبِهِ، فَيَضْطَرُّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِغَيْرِهِ مَثَلاً، وَإِنْ نَقَصَ الثَّمَنُ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ، أَوْ نَقَصَتِ الْمَنْفَعَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الضَّرَرِ، وَقَدْ رَأَيْنَا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ يَشْتَرِطُ عَدَمَ نَقْصِ الثَّمَنِ (ف 19)، كَمَا أَنَّ عِنْدَهُمْ مِثْلُ خِلاَفِ الْمَالِكِيَّةِ فِي نُقْصَانِ الْمَنْفَعَةِ، كَالسَّيْفِ يُكْسَرُ لِيُقْسَمَ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ لِنَفْسِ الْغَرَضِ لَكِنْ بِصُورَةٍ أَقَلَّ جَدْوَى، إِلاَّ أَنَّهُمْ رَجَّحُوا أَنَّهُ ضَرَرٌ مَانِعٌ مِنَ الإْجْبَارِ ثُمَّ يَنْفَرِدُ الشَّافِعِيَّةُ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ إِذَا كَانَ يُمْكِنُ رَفْعُهُ فِي يُسْرٍ عَنِ الْمُسْتَضِرِّ بِتَكْمِيلِ النَّصِيبِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ لأِنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ بِتَيَسُّرِ رَفْعِهِ وَإِزَالَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ بِجِوَارِ الدَّارِ الْمَقْسُومَةِ أَرْضٌ مَوَاتٌ يَسْتَطِيعُ إِحْيَاءَهَا، أَوْ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِعْلاً، أَوْ يَسْتَطِيعُ تَمَلُّكَهَا، أَمَّا الَّتِي لاَ يُجَاوِرُهَا إِلاَّ مَا لاَ سَبِيلَ إِلَى الْحُصُولِ عَلَيْهِ - كَوَقْفٍ أَوْ شَارِعٍ أَوْ مِلْكٍ لِمَنْ لاَ يَنْزِلُ عَنْهُ - فَلاَ إِجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهَا وَلِلْمَالِكِيَّةِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا .
الثَّانِي: الضَّرَرُ الْعَامُّ: كَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهَذَا عِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، فَلَيْسَ يَمْنَعُ مِنَ الإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ ضَرَرُ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ - سَوَاءٌ أَكَانَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ هُوَ الْمُسْتَضِرُّ أَمْ غَيْرُهُ - إِيثَارًا لِلتَّخَلُّصِ مِنْ مَضَارِّ الشَّرِكَةِ .
الثَّالِثُ: الضَّرَرُ الْوَاصِلُ إِلَى الطَّالِبِ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ، كَمَا اعْتَمَدَهُ الْقُدُورِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَفِي مِثَالِ الدَّارِ، لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عُشْرُهَا، وَلاَ يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى مُنْفَرِدًا إِنْ كَانَ الطَّالِبُ لِلْقِسْمَةِ هُوَ الآْخَرُ الَّذِي لاَ تَبْطُلُ بِالْقِسْمَةِ مَنْفَعَةُ نَصِيبِهِ الْمَقْصُودِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (وَلَوْ بِضَمِّ شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ يَمْلِكُهُ أَوْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْلِكَهُ عَلَى نَحْوِ مَا) فَحِينَئِذٍ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ هُوَ الْمُسْتَضِرُّ فَمُتَعَنِّتٌ مُضَيِّعٌ لِمَالِهِ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلاَ يُجَابُ إِلَى سَفَهِهِ وَقَدْ عَرَفْنَا مَا فِيهِ عِنْدَ تَقْرِيرِ كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ (ف 13).
الرَّابِعُ: الضَّرَرُ الْوَاصِلُ إِلَى الْمُمْتَنِعِ: عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي تَوْجِيهِهِ (ف 13)، وَمَالَ إِلَيْهِ ابْنُ قُدَامَةَ قِيَاسًا عَلَى مَا لاَ ضَرَرَ فِيهِ، لِرِضَا الطَّالِبِ بِضَرَرِهِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ .
تَقْسِيمُ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ وَحْدَةِ الْمَحَلِّ وَتَعَدُّدِهِ:
24 - وَهِيَ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ قِسْمَانِ: عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قِسْمَةُ جَمْعٍ وَقِسْمَةُ تَفْرِيقٍ، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِمَا يَلِي:
أ - قِسْمَةُ الْجَمْعِ: هِيَ قِسْمَةُ الْمُتَعَدِّدِ قِسْمَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ كَانَ مُتَسَاوِيَ الأَْفْرَادِ وَأَجْزَائِهَا لَمْ يَحْتَجْ إِلاَّ إِلَى إِفْرَازِ كُلِّ نَصِيبٍ عَلَى حِدَةٍ، دُونَ حَاجَةٍ إِلَى تَقْوِيمٍ، مِثَالُ ذَلِكَ: كَمِّيَّةٌ مِنَ الأْحْجَارِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْقَوَالِبِ وَالصَّنْعَةِ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ بِالتَّسَاوِي، لاَ تَحْتَاجُ قِسْمَتُهَا إِلاَّ إِلَى عَدِّ ثُلُثٍ مِنْهَا لِهَذَا، ثُمَّ ثُلُثٌ لِذَاكَ، ثُمَّ يَكُونُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ، نَظِيرُ مَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ ثَوْبًا وَاحِدًا مِنَ الْقُمَاشِ (بِالْمَعْنَى الْمُتَدَاوَلِ الآْنَ، أَيْ ذَرْعًا مُعَيَّنًا مِنْ نَسِيجٍ مُعَيَّنٍ) بَيْنَهُمْ عَلَى التَّسَاوِي، فَإِنَّ قِسْمَتَهُ لاَ تَتَطَلَّبُ إِلاَّ أَنْ يُقَاسَ ثُلُثُ الثَّوْبِ لِهَذَا، ثُمَّ ثُلُثٌ لِذَاكَ، ثُمَّ يَكُونُ لِلثَّالِثِ الْبَاقِي .
وَإِنْ كَانَ بَيْنَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَبَعْضٍ تَفَاوُتٌ بِحَيْثُ لاَ يُمْكِنُ تَعْدِيلُ الأْنْصِبَاءِ فِيهِ إِلاَّ بِالتَّقْوِيمِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي أَنْوَاعِ الْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ، وَكَمَا هِيَ طَبِيعَةُ الأْشْيَاءِ فِي الأْجْنَاسِ الْمُتَعَدِّدَةِ كَدَارٍ وَمَنْقُولاَتِهَا، وَضَيْعَةٍ وَمُحْتَوَيَاتِهَا، فَإِنَّهُ أَيْضًا يُعْتَبَرُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ مُتَفَاوِتِ الأْجْزَاءِ لاَ تَتَعَدَّلُ الأْنْصِبَاءُ فِيهِ إِلاَّ بِتَقْوِيمِهِ، كَقِطْعَةِ أَرْضٍ زِرَاعِيَّةٍ تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهَا فِي دَرَجَةِ الْخِصْبِ فَيُقَوَّمُ عِنْدَ التَّشَاحِّ وَيُصِيبُ كُلَّ شَرِيكٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ مَا يُسَاوِي نَصِيبَهُ مِنَ الْقِيمَةِ كُلِّهَا، فَالَّذِي نَصِيبُهُ الثُّلُثُ مِنْ مَالٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ. (ر: ف \ 12 وَمَا بَعْدَهَا).
ب - قِسْمَةُ التَّفْرِيقِ: وَتُسَمَّى قِسْمَةَ الْفَرْدِ أَيْضًا، وَهِيَ قِسْمَةُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ نَفْسِهِ - كَمَا مَثَّلْنَاهُ آنِفًا فِي التَّنْظِيرِ لِقِسْمَةِ الْجَمْعِ - أَوِ الأْشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ .
وَالْفُقَهَاءُ فِي سَائِرِ مَذَاهِبِ الْفِقْهِ لاَ يُبْرِزُونَ هَذَا التَّقْسِيمَ (إِلَى قِسْمَةِ جَمْعٍ وَقِسْمَةِ تَفْرِيقٍ) إِبْرَازَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ يَجِيءُ فِي ثَنَايَا كَلاَمِهِمْ.
مُقَوِّمَاتُ الْقِسْمَةِ:
25 - إِذَا كَانَتِ الْقِسْمَةُ هِيَ تَمْيِيزُ الأْنْصِبَاءِ لِمُسْتَحِقِّيهَا فَإِنَّهَا لِكَيْ تَتَحَقَّقَ لاَ بُدَّ لَهَا مِنَ الْمُقَوِّمَاتِ التَّالِيَةِ:
أ - الْفَاعِلُ الَّذِي يَتَوَلَّى الْقِسْمَةَ، وَهُوَ الْقَاسِمُ.
ب - الْمُسْتَحِقُّونَ، أَوِ الْمَقْسُومُ لَهُ.
ج - الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي تُمَيَّزُ حِصَصُهُ، وَهُوَ الْمَقْسُومُ.
وَبَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:
أ - الْقَاسِمُ:
26 - لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَقَّقَ قِسْمَةٌ بِدُونِ قَاسِمٍ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْقَاسِمَ قَدْ يَكُونُ هُوَ الشُّرَكَاءَ أَنْفُسَهُمْ، إِنْ كَانُوا كُمَّلاً، أَوْ أَوْلِيَاءَهُمْ إِنْ كَانُوا قَاصِرِينَ، وَقَدْ يَكُونُ أَجْنَبِيًّا يُوَلُّونَهُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمْ، دُونَ لُجُوءٍ إِلَى الْقَضَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ الْقَاضِي إِذَا طَلَبَ مِنْهُ الْقِسْمَةَ وَاحِدٌ مِنَ الشُّرَكَاءِ أَوْ أَكْثَرُ فَيَتَوَلاَّهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَنْصِبُ مَنْ يَتَوَلاَّهَا نِيَابَةً عَنْهُ.
شَرَائِطُ الْقَاسِمِ:
27 - اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ وَالْمِلْكِ أَوِ الْوِلاَيَةِ فِي الْقَاسِمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الإْسْلاَمِ وَالْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ فَأَوْجَبَهَا الْقُدُورِيُّ وَالْمِرْغِينَانِيُّ وَاسْتَحَبَّهَا الْكَاسَانِيُّ، وَلاَ خِلاَفَ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا بَيْنَ قَاسِمِ الْحَاكِمِ وَقَاسِمِ الشُّرَكَاءِ، أَمَّا سَائِرُ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ قَاسِمِ الْحَاكِمِ وَقَاسِمِ الشُّرَكَاءِ، فَقَاسِمُ الْحَاكِمِ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ:
الشَّرِيطَةُ الأْولَى: الْعَدَالَةُ:
28 - تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، لِيُؤْمَنَ الْجَوْرُ فِي إِيصَالِ الْحُقُوقِ إِلَى أَرْبَابِهَا، فَإِنَّ قِسْمَتَهُ لاَزِمَةٌ لِلْمُقْتَسِمِينَ، لاَ خِيَارَ لَهُمْ فِي قَبُولِهَا وَرَفْضِهَا، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ وِلاَيَةَ الْقِسْمَةِ مِنْ قَبِيلِ الْوِلاَيَاتِ الْوَاجِبَةِ الطَّاعَةِ، وَغَيْرُ الْعَدْلِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، قِيَاسًا عَلَى الْحَاكِمِ نَفْسِهِ
وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ: الْحُرِّيَّةُ:
29 - تُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ؛ لأِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلاَيَاتِ، وَبِهَذِهِ الشَّرِيطَةِ يَأْخُذُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، دُونَ الْحَنَابِلَةِ .
الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ: الذُّكُورَةُ:
30 - انْفَرَدَ الشَّافِعِيَّةُ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الشَّرِيطَةِ؛ لأِنَّ الْمَرْأَةَ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْوِلاَيَاتِ، وَهَذِهِ خِلاَفِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ فَقَالُوا: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَاسِمُ الْحَاكِمِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَاتِ كُلِّهَا: فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، ذَكَرًا، حُرًّا، مُسْلِمًا، عَدْلاً، ضَابِطًا (لاَ مُغَفَّلاً) سَمِيعًا بَصِيرًا، نَاطِقًا؛ لأِنَّ كُلَّ الْمُتَّصِفِينَ بِأَضْدَادِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوِلاَيَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ أَيْضًا مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الأْصْلُ - مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ مَهْمَا عَلاَ - قَاسِمَ حَاكِمٍ لِفَرْعِهِ مَهْمَا نَزَلَ، كَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ، أَيْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ قَاسِمَ حَاكِمٍ لأِصْلِهِ .
الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ: عِلْمُهُ بِالْقِسْمَةِ:
31 - الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ: أَنْ تَتَوَفَّرَ لَهُ الآْلَةُ اللاَّزِمَةُ لِلْقِيَامِ بِعَمَلِ الْقَاسِمِ كَمَعْرِفَةِ الْحِسَابِ، وَالْمِسَاحَةِ إِنْ نُصِبَ قَاسِمًا عَامًّا؛ لأِنَّهُ لاَ بُدَّ مُحْتَاجٌ ذَلِكَ أَوْ قَاسِمًا لِمَا لَمْ تُمْكِنْ قِسْمَتُهُ دُونَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ، نَصَّ عَلَى هَذِهِ الشَّرِيطَةِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ التَّقْوِيمِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِالْقِسْمَةِ حَيْثُمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ خِلاَفٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِنِ اعْتَمَدَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لأِنَّهُ يَسْتَطِيعُ الاِسْتِعَانَةَ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي التَّقْوِيمِ إِنِ احْتَاجَهُ، وَعِنْدَ ذَاكَ يَعْتَمِدُ مِنْهُمْ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، غَايَةُ مَا هُنَاكَ أَنَّهُ يُفَضَّلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالتَّقْوِيمِ أَيْضًا، أَمَّا قَاسِمٌ لاَ يَعْرِفُ حِسَابًا وَلاَ مِسَاحَةً، فَكَقَاضٍ لاَ يَعْرِفُ الْفِقْهَ، أَوْ كَاتِبٍ لاَ يَعْرِفُ الْخَطَّ .
الشَّرِيطَةُ الْخَامِسَةُ: تَعَدُّدُ الْقَاسِمِ حِينَ تَكُونُ ثَمَّ حَاجَةٌ إِلَى التَّقْوِيمِ:
32 - جَزَمَ الشَّافِعِيَّةُ بِتَعَدُّدِ الْقَاسِمِ إِذَا كَانَ هُوَ الْمُقَوِّمَ، وَاعْتَمَدَهُ الْحَنَابِلَةُ، وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يَكْفِي الْمُقَوِّمُ الْوَاحِدُ بَلْ لاَ بُدَّ مِنِ اثْنَيْنِ حَيْثُ كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّقْوِيمِ حَدٌّ أَوْ غُرْمٌ كَتَقْوِيمِ الْمَسْرُوقِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَالْمَغْصُوبِ وَالْمُتْلَفِ إِذَا وُصِفَ لَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاسِمِ وَالْمُقَوِّمِ: أَنَّ الْقَاسِمَ نَائِبٌ عَنِ الْحَاكِمِ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالْوَاحِدِ، وَالْمُقَوِّمُ كَالشَّاهِدِ عَلَى الْقِيمَةِ فَتُرَجَّحُ فِيهِ جَانِبُ الشَّهَادَةِ، وَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى التَّقْوِيمِ حَدٌّ أَوْ غُرْمٌ كَفَى وَاحِدٌ .
وَإِذَا جُعِلَ الْقَاسِمُ حَاكِمًا فِي التَّقْوِيمِ، كَمَا جُعِلَ حَاكِمًا فِي الْقِسْمَةِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ - فِيمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ - أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، فَيَكُونُ قَدْ قَسَمَ وَقَوَّمَ وَهُوَ وَاحِدٌ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ قَاسِمَانِ اثْنَانِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ أَنَّهُ شَاهِدٌ لاَ حَاكِمٌ.
وَلَيْسَ الْخَرْصُ (تَقْدِيرُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ عَلَى الشَّجَرِ) إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهِ، مِنْ قَبِيلِ التَّقْوِيمِ؛ لأِنَّ التَّقْوِيمَ إِخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، وَالْخَرْصُ إِنْشَاءُ حُكْمٍ عَنِ اجْتِهَادٍ كَمَا يَفْعَلُ الْقَاضِي، فَيَكْفِي مَعَ الْحَاجَةِ إِلَى الْخَرْصِ قَاسِمٌ وَاحِدٌ، كَمَا اكْتَفَوْا بِخَارِصٍ وَاحِدٍ فِي الزَّكَاةِ، وَإِنْ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِنَّ الْقِيَاسَ قَاسِمَانِ اعْتِبَارًا بِالتَّقْوِيمِ؛ لأِنَّ الْخَارِصَ يَجْتَهِدُ وَيُعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ، فَكَانَ كَالْحَاكِمِ وَالْمُقَوِّمِ يُخْبِرُ بِقِيمَةِ الشَّيْءِ فَهُوَ كَالشَّاهِدِ .
33 - وَقَاسِمُ الشُّرَكَاءِ الَّذِي هُوَ فِي حَقِيقَةِ الأْمْرِ مُجَرَّدُ وَكِيلٍ عَنْهُمْ، قَدْ يُعْفِيهِ وَضْعُهُ هَذَا مِنْ أَكْثَرِ شَرَائِطِ قَاسِمِ الْحَاكِمِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ - إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الشُّرَكَاءِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ - لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ سِوَى التَّكْلِيفِ، حَتَّى لَيَجُوزَ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، أَوْ فَاسِقًا، أَوْ ذِمِّيًّا، وَلاَ يَشْتَرِطُ أَحَدٌ تَعَدُّدَهُ فَإِذَا كَانَ فِي الشُّرَكَاءِ مَحْجُورٌ اشْتُرِطَتْ فِي قَاسِمِهِمْ أَيْضًا شَرَائِطُ قَاسِمِ الْحَاكِمِ، نَظَرًا وَحِيطَةً.
وَيَكْتَفِي الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِالضَّمَانِ الَّذِي فِي أَيْدِي الشُّرَكَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِقَاسِمِهِمْ هَذَا، أَيْ أَنَّ لَهُمُ الْحَقَّ فِي رَفْضِ قِسْمَتِهِ إِذَا لَمْ تَرُقْهُمْ، فَلاَ يَشْتَرِطُونَ لِصِحَّتِهَا وَلُزُومِهَا إِلاَّ تَرَاضِيهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَاسِمُ لاَ يَعْرِفُ الْقِسْمَةَ وَظَاهِرٌ أَنَّ وَلِيَّ الْمَحْجُورِ وَوَكِيلَ الْغَائِبِ يَنُوبَانِ مَنَابَهُمَا.
وَيَنُصُّ الشَّافِعِيَّةُ هُنَا عَلَى دَقِيقَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَاسِمٌ شَرِيكًا وَوَكِيلاً لِسَائِرِ الشُّرَكَاءِ أَوْ لِبَعْضٍ مِنْهُمْ، كَأَنْ يَقُولُوا كُلُّهُمْ لَهُ: أَنْتَ وَكِيلٌ عَنَّا فَاقْسِمْ كَمَا تَرَى، وَافْرِزْ لِنَفْسِكَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا نَصِيبَهُ، أَوْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً، فَيُوَكِّلُ اثْنَانِ مِنْهُمُ الاِثْنَيْنِ الآْخَرَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَحَدُهُمَا وَكِيلاً عَنْ وَاحِدٍ وَالآْخَرُ عَنِ الآْخَرِ، وَالسِّرُّ فِي هَذَا أَنَّ عَلَى الْوَكِيلِ أَنْ يَحْتَاطَ لِمُوَكِّلِهِ، وَهَذَا مَا لاَ يَسْتَطِيعُهُ الْوَكِيلُ هُنَا، لأِنَّهُ يَتَنَاقَضُ مَعَ احْتِيَاطِهِ لِنَفْسِهِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ غَرِيزِيٌّ مَرْكُوزٌ فِي الْفِطَرِ.
نَعَمْ إِذَا وَقَعَ التَّوْكِيلُ بِحَيْثُ لاَ يُؤَدِّي إِلَى هَذَا التَّنَاقُضِ، فَلاَ بَأْسَ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا آثَرَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَبْقَى هُوَ وَآخَرُ شَرِيكَيْنِ بِنَصِيبِهِمَا بَعْدَ انْفِصَالِ الآْخَرَيْنِ، فَيُوَكِّلُهُ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ نَصِيبَاهُمَا جُزْءًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْوَكِيلَ حِينَئِذٍ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ، بِلاَ أَدْنَى تَعَارُضٍ .
أُجْرَةُ الْقَاسِمِ:
مَنْ تَكُونُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْقَاسِمِ؟
34 - الْقَاسِمُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أُجْرَةٍ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْقَاضِي نَفْسُهُ كَمَا سَيَجِيءُ.
وَأُجْرَتُهُ إِنْ كَانَ قَاسِمَ الشُّرَكَاءِ عَلَى الشُّرَكَاءِ؛ لأِنَّ نَفْعَ الْقِسْمَةِ يَخُصُّهُمْ، وَإِنْ كَانَ قَاسِمَ الْقَاضِي، فَالأْفْضَلُ أَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهُ فِي خِزَانَةِ الدَّوْلَةِ (بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) لأِنَّ هَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ، بَلْ مَطْلُوبٌ مِنَ الْقَاضِي - عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَالاِسْتِحْبَابِ - أَنْ يَتَّخِذَ قَاسِمًا عَامًّا، بِصِفَةٍ دَائِمَةٍ، لَهُ رِزْقٌ جَارٍ كَسَائِرِ عُمَّالِ الدَّوْلَةِ، يَكُونُ مُعَدًّا لِلْقِيَامِ بِالْقِسْمَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ طَلَبِهَا دُونَ تَقَاضِي أَجْرٍ مِنْهُمْ؛ لأِنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ، مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَاضِي - إِذْ هِيَ أَيْضًا لِقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ - فَيَكُونُ مُقَابِلُهَا فِي الْمَالِ الْعَامِّ كَرِزْقِ الْقَاضِي نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ أُجْرَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ - لأِمْرٍ مَا - فَإِنَّ أُجْرَتَهُ تَكُونُ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لأِنَّ النَّفْعَ وَاصِلٌ إِلَيْهِمْ، لَكِنْ يُقَدِّرُهَا الْقَاضِي بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِئَلاَّ يَتَحَكَّمَ الْقَاسِمُ وَيَشْتَطَّ، وَمَعَ ذَلِكَ لاَ يَلْزَمُهُمْ بِالْقَاسِمِ الَّذِي يَنْصِبُهُ، بَلْ يَدَعُ لَهُمُ الْخِيَارَ، فَإِنْ شَاءُوا قَسَمَ لَهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَأْجَرُوا غَيْرَهُ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى إِجْبَارِهِمْ عَلَى تَوْكِيلِ قَاسِمٍ بِعَيْنِهِ، كَمَا أَنَّهُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لاَ يَدَعُ الْقَسَّامِينَ، يَعْمَلُونَ فِي شَرِكَةٍ مَعًا؛ لِئَلاَّ يَتَوَاطَئُوا، وَيَزِيدُوا فِي الأْجْرَةِ .
وَاتِّخَاذُ الْقَاسِمِ الدَّائِمِ يَظَلُّ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُقَرَّرْ لَهُ أُجْرَةٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ أَعْرَفُ بِمَنْ يَصْلُحُ لِهَذَا الْغَرَضِ؛ وَلأِنَّ قَاسِمَ الْقَاضِي أَعَمُّ نَفْعًا، إِذْ تَنْفُذُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْمَحْجُورِ وَالْغَائِبِ، بِخِلاَفِ قِسْمَةِ غَيْرِهِ .
ثُمَّ الْقِسْمَةُ تُشْبِهُ الْقَضَاءَ؛ لأِنَّهَا تَدْخُلُ فِي وِلاَيَةِ الْقَاضِي، وَيُلْزَمُ بِهَا الآْبِي، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلِذَا لاَ تَجِبُ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا بِنَفْسِهِ، فَمِنْ أَجْلِ كَوْنِهَا لَيْسَتْ قَضَاءً، إِذَا تَوَلاَّهَا الْقَاضِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَتَهَا مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ، وَلَكِنْ لِمَكَانِ شَبَهِهَا بِالْقَضَاءِ يَكُونُ الأْوْلَى لَهُ أَنْ لاَ يَأْخُذَ .
هَكَذَا قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ، وَلاَ يُخَالِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ فِي أَنَّ أُجْرَةَ قَاسِمِ الشُّرَكَاءِ عَلَى الشُّرَكَاءِ، وَلاَ فِي أَنَّ نَصْبَ الْحَاكِمِ قَاسِمًا لِيَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وُجُوبُهُ وَكُلُّهُمْ يَنْقُلُونَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ لَهُ قَاسِمٌ عَامٌّ مِنْ عُمَّالِهِ الدَّائِمِينَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، وَأَنَّهُ كَانَ يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ رِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِعَدَمِ كِفَايَةِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ هَذَا قَدْ يُفْسِدُ الْمَقْصُودَ مِنْ نَصْبِهِ؛ لأِنَّهُ إِذَنْ مَظِنَّةُ أَنْ يُغَالِيَ فِي الأْجْرَةِ، وَيَقْبَلَ الرِّشْوَةَ، وَيَجُورَ فِي الْقِسْمَةِ، فَحِينَئِذٍ لاَ يُعَيِّنُ قَاسِمًا، وَيَدَعُ النَّاسَ يَسْتَأْجِرُونَ أَوْ يَسْتَعِينُونَ بِمَنْ شَاءُوا، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ حِينَئِذٍ هَذَا التَّعْيِينَ، وَقَضَى بِحُرْمَتِهِ .
وَيُوجَدُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مَنْ يَكْرَهُ أَخْذَ الأْجْرَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ أَيًّا كَانَتْ، وَهَذَا مِمَّا يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الدَّرْدِيرُ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الأْخْلاَقِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ. إِذْ تَقُولُ: كَانَ خَارِجَةُ وَرَبِيعَةُ يَقْسِمَانِ بِلاَ أَجْرٍ؛ لأِنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ لاَ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ أَجْرٌ، وَيَقُولُ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لاَ تَأْخُذْ عَلَى الْخَيْرِ أَجْرًا .
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ - وِفَاقًا لِغَيْرِهِمْ - لَمْ يَعْتَدُّوا بِهَذَا الْخِلاَفِ وَاعْتَمَدُوا الْجَوَازَ بِإِطْلاَقٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الأْجْرَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمْ عَلَى الشُّرَكَاءِ - إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُقَيِّدُونَهُمْ بِالرُّشَدَاءِ، وَيَكْرَهُونَ أَخْذَ الأْجْرَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، لَكِنْ لاَ تُبَاحُ الأْجْرَةُ لِلْقَاسِمِ إِلاَّ نَظِيرُ تَوَلِّي الْقِسْمَةِ - أَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الأْجْرَةَ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ بِحُكْمِ مَنْصِبِهِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي قَسَمَ بَيْنَهُمْ، فَهَذَا هُوَ السُّحْتُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ بِفَرْضٍ مِنَ الْقَاضِي أَوِ الإْمَامِ .
كَيْفِيَّةُ تَوْزِيعِ الأْجْرَةِ:
35 - إِذَا كَانَتِ الأْجْرَةُ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لِسَبَبٍ مَا كَإِضَاعَةٍ مِنْ أُولِي الأْمْرِ، أَوْ عَوَزٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ رَغْبَةٍ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ عَنْ قَاسِمِ الدَّوْلَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِهِ عَلَى الشُّرَكَاءِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
الأْوَّلُ: أَنَّهَا تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ: وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - دُونَ صَاحِبَيْهِ - وَجَمَاهِيرُ الْمَالِكِيَّةِ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَهَؤُلاَءِ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّ الأْجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ، وَعَمَلُ الْقَاسِمِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْمُتَقَاسِمِينَ سَوَاءٌ، إِذْ هُوَ تَمْيِيزُ الأْنْصِبَاءِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ لاَ يَقْبَلُ التَّفَاوُتَ، فَتَمْيِيزُ الْقَلِيلِ مِنَ الْكَثِيرِ هُوَ بِعَيْنِهِ تَمْيِيزُ الْكَثِيرِ مِنَ الْقَلِيلِ، وَإِذَا لَمْ يَتَفَاوَتِ الْعَمَلُ لَمْ تَتَفَاوَتِ الأْجْرَةُ، أَمَّا الْوَسَائِلُ الْمُوصِلَةُ إِلَى هَذَا التَّمْيِيزِ، كَالْمِسَاحَةِ وَمَا تَتَطَلَّبُهُ مِنْ جَهْدٍ، وَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، فَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْقِسْمَةِ، وَلَيْسَتْ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ مِنْ أَجْلِهِ، وَلِذَا لَوِ اسْتَعَانَ فِيهِ بِالْمُتَقَاسَمِينَ أَنْفُسِهِمْ لاَسْتَحَقَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الْقِسْمَةِ كَامِلَةً وَضَبْطُ الأُجْرَةِ بِمِقْدَارِ الأْنْصِبَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، إِذْ لَيْسَ النَّصِيبُ الْكَبِيرُ دَائِمًا أَصْعَبَ حِسَابًا وَلاَ النَّصِيبُ الْيَسِيرُ دَائِمًا أَيْسَرَ، فَلاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا إِلاَّ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ .
وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُقْسَمُ بِمِقْدَارِ الأْنْصِبَاءِ: وَعَلَيْهِ الصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَصْبَغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْمَغَارِبَةِ أَخِيرًا وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مُعْتَمَدُهُمْ وَعَلَيْهِ مُعَوَّلُهُمْ، وَهَؤُلاَءِ يَتَعَلَّقُونَ بِأَنَّ أُجْرَةَ الْقِسْمَةِ مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ، فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، كَالنَّفَقَةِ عَلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ نَحْوِ إِطْعَامِ بَهَائِمَ وَحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ، وَحَرْثِ أَرْضٍ أَوْ رَيِّهَا، وَكَيْلِ حَبٍّ مُشْتَرًى أَوْ وَزْنِهِ .
36 - أ - حِينَ يُقَالُ تَكُونُ الأْجْرَةُ بِمِقْدَارِ الأْنْصِبَاءِ يُمْكِنُ التَّسَاؤُلُ: أَهِيَ الأْنْصِبَاءُ الأْصْلِ يَّةُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَمِ الأْنْصِبَاءُ الْمَأْخُوذَةُ نَتِيجَةً لِلْقِسْمَةِ؟ مَثَلاً: حِينَ يَكُونُ لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفُ الأْرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، لَكِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْقِسْمَةِ ثُلُثَهَا فَحَسْبُ؛ لأِنَّهُ أَجْوَدُ، هَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ أَمْ ثُلُثُهَا؟
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الأْجْرَةُ تُوَزَّعُ عَلَى الْحِصَصِ الْمَأْخُوذَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ لأِنَّهَا مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ كَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ الْمُشْتَرَكِ .
ب - إِذَا اتَّفَقَ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَى تَحَمُّلِ الأْجْرَةِ بِنِسْبَةِ مُخَالَفَةٍ لِقَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ، وَشَرَطُوا ذَلِكَ عَلَى الْقَاسِمِ فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ أَمْ لاَغٍ؟.
قَطَعَ الشَّافِعِيَّةُ بِاعْتِبَارِهِ؛ لأِنَّهُ أَجِيرُهُمْ فَلاَ يَسْتَحِقُّ فِي إِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ إِلاَّ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، لَكِنَّهُمْ لأِمْرٍ مَا اعْتَمَدُوا بُطْلاَنَ الشَّرْطِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي تَوْزِيعِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ حِينَ تَكُونُ الإْجَارَةُ فَاسِدَةً .
- ج - إِذَا أَتَمَّ الْقَاسِمُ الْقِسْمَةَ، دُونَ أَنْ تُذْكَرَ أُجْرَةٌ، فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ، قِيَاسًا عَلَى الْقَصَّارِ يُدْفَعُ إِلَيْهِ الثَّوْبُ لِيَقْصِرَهُ، وَلاَ تُسَمَّى أُجْرَةٌ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَامَ بِالْقِسْمَةِ بِتَوْجِيهٍ مِنَ الإْمَامِ أَوِ الْقَاضِي فَحِينَئِذٍ تَكُونُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
هَكَذَا قَرَّرَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُمْ مُنَازَعُونَ فِي ذَلِكَ تَأْصِيلاً وَتَفْرِيعًا حَتَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْفُسِهِمْ، وَحَسْبُكَ بِخِلاَفِ مِثْلِ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ، ثُمَّ هَذَا الْبُجَيْرِمِيُّ مِنْ أَوَاخِرِ مُتَأَخِّرِيهِمْ يُقَرِّرُ أَنَّ الْقَاسِمَ يَسْتَحِقُّ الأْجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ الطَّالِبُ شَيْئًا، وَيَقُولُ: إِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِمَّنْ عَمِلَ عَمَلاً بِغَيْرِ أُجْرَةٍ .
د - كَيْفِيَّةُ اسْتِئْجَارِ الْمُتَقَاسِمِينَ مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ، هِيَ أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ كُلُّهُمْ - وَلَوْ بِوَاسِطَةِ وَكِيلٍ عَنْهُمْ، بِعَقْدٍ وَاحِدٍ - وَمِنْهُ مَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَرَضِيَ سَائِرُهُمْ، أَوْ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ كُلُّ وَاحِدٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ لِتَعْيِينِ نَصِيبِهِ لِقَاءَ أَجْرٍ مَعْلُومٍ، هَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلاَّ أَنَّ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ لَمْ يَرْتَضُوا إِطْلاَقَ الشَّافِعِيِّ تَصْحِيحَ الصُّورَةِ الأْخِيرَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إِنَّمَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى رِضَاءِ غَيْرِهِ، وَقَيَّدُوهُ بِرِضَاءِ الْبَاقِينَ؛ لأِنَّ كُلَّ عَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بَعْضُهُمْ، فَالإْجَارَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَالأْجْرَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ .
هـ - أُجْرَةُ الْخَبِيرِ الْمُقَوِّمِ، حِينَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّقْوِيمِ، وَأُجْرَةُ كَاتِبِ الْوَثِيقَةِ، عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنَ الْخِلاَفِ فِي أُجْرَةِ الْقَاسِمِ: فَمِنْ قَائِلٍ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَمِنْ قَائِلٍ عَلَى قَدْرِ الأْنْصِبَاءِ .
37 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَتَحَمَّلُ أُجْرَةَ الْقَاسِمِ إِذَا طَلَبَهَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَكُونُ عَلَى مَنْ طَلَبَهَا وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهَا؛ لأِنَّ مَنْفَعَةَ الاِسْتِقْلاَلِ بِالْمِلْكِ حَاصِلَةٌ بِكُلِّ قِسْمَةٍ وَعَمَلُ الأَْجِيرِ فِيهَا وَاقِعٌ لِكُلِّ مُتَقَاسِمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَكُونُ عَلَى الطَّالِبِ لأِنَّ الآْبِيَ مُسْتَضِرٌّ بِالْقِسْمَةِ .
ب - الْمَقْسُومُ لَهُ:
38 - قَالَ الْكَاسَانِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي الْمَقْسُومِ لَهُ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ:
الأْوَّلُ: أَنْ لاَ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ فِي أَحَدِ نَوْعَيِ الْقِسْمَةِ وَهِيَ قِسْمَةُ التَّفْرِيقِ جَبْرًا.
الثَّانِي: الرِّضَا فِي أَحَدِ نَوْعَيِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ رِضَا الشُّرَكَاءِ فِيمَا يَقْسِمُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ إِذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا، أَوْ رِضَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا.
الثَّالِثُ: حُضُورُ الشُّرَكَاءِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ فِي نَوْعَيِ الْقِسْمَةِ، الْجَبْرِ وَالرِّضَا.
الرَّابِعُ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِلْكِ فِي قِسْمَةِ الْقَضَاءِ .
ج - الْمَقْسُومُ:
39 - سَبَقَ بَيَانُ بَعْضِ الشُّرُوطِ الْخَاصَّةِ بِالْمَقْسُومِ وَهِيَ:
- اتِّحَادُ الْجِنْسِ.
- اتِّحَادُ الصِّنْفِ فِي قِسْمَةِ الْمَنْقُولاَتِ.
- زَوَالُ الْعُلْقَةِ بِالْقِسْمَةِ.
- أَنْ لاَ تُنْقِصُ الْقِسْمَةُ قِيمَةَ الْمَقْسُومِ.
- تَعَذُّرُ إِفْرَادِ كُلِّ صِنْفٍ بِالْقِسْمَةِ.
وَكُلُّهَا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ: الْقِسْمَةُ الْقَضَائِيَّةُ الإْجْبَارِيَّةُ.
40 - وَهُنَاكَ شُرُوطٌ أُخْرَى بَيَانُهَا فِيمَا يَأْتِي:
الأْوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً:
فَلاَ تَصِحُّ قِسْمَةُ الدَّيْنِ، اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ، تَرَاضِيًا وَلاَ إِجْبَارًا، وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَخَالَفَهُمْ فِي اعْتِبَارِهَا الْحَنَابِلَةُ فَجَوَّزُوا قِسْمَةَ الدَّيْنِ بِإِطْلاَقٍ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُجَوِّزُونَ قِسْمَةَ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ تَرَاضِيًا لاَ إِجْبَارًا؛ لأِنَّهُ لاَ تُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقُرْعَةُ .
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ قَابِلاً لِلْقِسْمَةِ:
وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ انْتِفَاءَ الضَّرَرِ فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَقَدْ عَرَفْنَاهُمْ فِيمَا سَلَفَ فَإِنَّ انْتِفَاءَ الضَّرَرِ فِي الْقِسْمَةِ هُوَ مَعْنَى قَابِلِيَّةِ مَحَلِّهَا لَهَا، إِلاَّ أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ هُنَا إِلَى أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مَنْ يَقْصُرُ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ عَلَى قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَلاَ يَرَى بَأْسًا مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ بِتَرَاضِي الشُّرَكَاءِ عَلَى أَيَّةِ قِسْمَةٍ ضَارَّةٍ، وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَلاَمٍ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ - وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَمِّمُهَا فِي قِسْمَتَيِ الإْجْبَارِ وَالتَّرَاضِي، إِذَا بَلَغَ الضَّرَرُ حَدَّ الْفَسَادِ، أَعْنِي بُطْلاَنَ الْمَنْفَعَةِ بُطْلاَنًا تَامًّا أَوْ مَا هُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا فِي قِسْمَةِ خَاتَمٍ خَسِيسٍ، وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْمَالِكِيَّةُ، فَالْخِيَارُ عِنْدَهُمْ فِي حَالَةِ الْفَسَادِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا: إِمَّا الإْبْقَاءُ عَلَى الشَّرِكَةِ أَوِ الْبَيْعِ، وَفِي حَالَةِ الضَّرَرِ الأْقَلِّ بَيْنَ هَذَيْنِ وَثَالِثٍ هُوَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي .
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَقْسُومُ مَمْلُوكًا لِلشُّرَكَاءِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ:
هَذِهِ شَرِيطَةٌ عَامَّةٌ فِي كُلِّ قِسْمَةٍ لاَ تَخُصُّ نَوْعًا دُونَ نَوْعٍ، وَقِسْمَةُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ لَيْسَتْ لَهُ بَلْ لِلْمَحْجُورِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْمَالِكُ، فَالْفُضُولِيُّ الَّذِي لاَ مِلْكَ لَهُ وَلاَ وِلاَيَةَ لاَ نَفَاذَ لِقِسْمَتِهِ حَتَّى يُجِيزَهَا الْمَالِكُ الصَّحِيحُ التَّصَرُّفِ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ نِيَابَةً شَرْعِيَّةً صَحِيحَةً فَالْقِسْمَةُ تَقْبَلُ الإْجَازَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَسَمَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي غَيْبَةِ الْبَاقِينَ وَأَخَذَ قِسْطَهُ فَلَمَّا عَلِمُوا قَرَّرُوهُ صَحَّتْ لَكِنْ مِنْ حِينِ التَّقْرِيرِ .
وَيَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الَّذِي لاَ يَحْضُرُ الْقِسْمَةَ مِنَ الشُّرَكَاءِ ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُهَا (لاَ يُنْكِرُهَا) عَنْ قُرْبٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا تَلْزَمُهُ، وَيَكُونُ هَذَا الرَّيْثُ إِقْرَارًا لَهَا .
قِسْمَةُ الأْعْيَانِ :
41 - الأْعْيَانُ جَمْعُ عَيْنٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا قَابَلَ الدَّيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ، أَمَّا الدَّيْنُ فَقَدْ عَلِمْنَا الْخِلاَفَ فِي قِسْمَتِهِ (ر: ف 40)، وَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ فَسَيَأْتِي بَحْثُ قِسْمَتِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَالأْعْيَانُ تَنْقَسِمُ إِلَى عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ: فَالْعَقَارُ: هُوَ الأْرْضُ ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ زِرَاعِيَّةً أَمْ غَيْرَ زِرَاعِيَّةٍ، وَالْمَنْقُولُ: مَا عَدَاهَا كَالثِّيَابِ وَالأْوَانِي وَالْحَيَوَانِ وَالْمَزْرُوعَاتِ، وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ يَتْبَعَانِ الأْرْضَ فِي الْقِسْمَةِ، وَالأْرْضُ لاَ تَتْبَعُهُمَا فَمَنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ مِنْ قِسْمَةِ الأْرْضِ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ، بِخِلاَفِ الْعَكْسِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .
وَهَذَا خِلاَفُ مَا عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ مِنِ اعْتِبَارِ كُلٍّ مِنَ الأْرْضِ وَالْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ عَقَارًا، قَالَ الْخَرَشِيُّ: الْعَقَارُ هُوَ الأْرْضُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ .
ثُمَّ كُلٌّ مِنَ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لاَ تَفَاوُتَ بَيْنَ أَجْزَائِهِ وَهُوَ الْمُتَشَابِهُ، أَوْ يَكُونُ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ بَيَانٍ (ر: ف9).
تَنَوُّعُ قِسْمَةِ الْعَقَارِ:
42 - قِسْمَةُ الْعَقَارِ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ إِفْرَازًا أَوْ تَعْدِيلاً أَوْ رَدًّا، كَمَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ جَمْعًا أَوْ تَفْرِيقًا، وَجَبْرًا أَوْ تَرَاضِيًا، ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَقَدْ يَكُونُ فِي مَحَالٍّ مُتَعَدِّدَةٍ:
فَفِي الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ: قِطْعَةُ الأْرْضِ الْمُتَشَابِهَةِ الأْجْزَاءِ بِلاَ أَدْنَى تَفَاوُتٍ كَالَّتِي تَخْلُو مِنَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَهِيَ دَرَجَةٌ سَوَاءٌ مِنْ جَوْدَةِ التُّرْبَةِ أَوْ رَدَاءَتِهَا لاَ تَحْتَاجُ قِسْمَتُهَا إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَرْعِهَا وَمَعْرِفَةِ مِسَاحَتِهَا، حَتَّى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ مُتَأَخِّرُوهُمْ وَإِنْ كَانَ الأْكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ التَّعْدِيلَ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ تَمْيِيزُهَا أَنْصِبَاءً مُتَسَاوِيَةً، إِذَا تَسَاوَتْ حُقُوقُ الْمُتَقَاسِمِينَ، أَوْ سِهَامًا مُتَسَاوِيَةً بِقَدْرِ النَّصِيبِ الأْقَلِّ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْقِسْمَةِ بِالأْجْزَاءِ أَوْ قِسْمَةِ الإْفْرَازِ .
وَهَكَذَا يُمْكِنُ أَنْ تُقْسَمَ إِفْرَازًا أَيْضًا إِذَا كَانَ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهَا مِنَ الْبِنَاءِ أَوِ الشَّجَرِ مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ بِحَيْثُ يُعْرَفُ تَسَاوِي الأْنْصِبَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ.
فَإِذَا تَفَاوَتَ الْبِنَاءُ أَوِ الشَّجَرُ، أَوْ تَفَاوَتَتْ جَوْدَةُ الأْرْضِ وَرَدَاءَتُهَا فَلاَ يُمْكِنُ تَعْدِيلُ الأْنْصِبَاءِ وَتَسْوِيَةُ السِّهَامِ إِلاَّ بِوَاسِطَةِ التَّقْوِيمِ، وَإِذَنْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ، بَلْ قَدْ يَحُوجُ الأْمْرُ إِلَى الاِسْتِعَانَةِ بِعِوَضٍ مِنْ خَارِجِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ (مُعَدِّلٍ)، يَدْفَعُهُ وَاحِدٌ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ أَوْ أَكْثَرُ لِيَتَعَادَلَ نَصِيبُهُ مَعَ سَائِرِ الأْنْصِبَاءِ ، وَقَدْ يَتَّفِقُ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَى ذَلِكَ دُونَ مُلْجِئٍ، وَإِذَنْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ رَدٍّ.
وَهِيَ عَلَى كُلِّ حَالٍّ قِسْمَةُ تَفْرِيقٍ لأِنَّ الْفَرْضَ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ، وَقَدْ سَلَفَ بَيَانُ طَرِيقَةِ مَنْ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَةِ الرَّدِّ إِلاَّ ضَرُورَةً أَوْ بِلاَ اسْتِثْنَاءٍ، وَيَقْبَلُهُ فِي قِسْمَةِ الإْفْرَازِ وَفِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ بِشَرَائِطَ خَاصَّةٍ، وَطَرِيقَةُ مَنْ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ بِكُلِّ حَالٍ، أَوْ يَمْنَعُهُ بِكُلِّ حَالٍ.
إِلاَّ أَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ فِي الأْرْضِ بِنَاءٌ، فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ: لاَ بُدَّ لِكَيْ يَعْدِلَ الْمَقْسُومُ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ مِنْ شَيْئَيْنِ:
التَّوَصُّلُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمِسَاحَةِ.
وَتَقْوِيمُ الْبِنَاءِ .
وَلَكِنَّ مُتَأَخِّرِيهِمْ يُفَسِّرُونَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْ يُقَاسَ وَيُقَوَّمَ كُلٌّ مِنَ الأْرْضِ وَالْبِنَاءِ؛ لأِنَّ تَعْدِيلَ سِهَامِ الْمَقْسُومِ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَالِيَّتِهِ، وَلَوْ أَخِيرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأْرْضِ، وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْمَالِيَّةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ مِسَاحَةِ وَقِيمَةِ كُلٍّ مِنَ الأْرْضِ وَالْبِنَاءِ .
وَفِي الْمَحَالِّ الْمُتَعَدِّدَةِ كَالدُّورِ وَالأْرَاضِي وَالْبَسَاتِينِ: يُمْكِنُ أَنْ تُجْمَعَ هَذِهِ كُلُّهَا فِي قِسْمَةٍ وَاحِدَةٍ، اتَّحَدَ نَوْعُهَا أَمِ اخْتَلَفَ - عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ اتِّحَادِ النَّوْعِ وَاخْتِلاَفِهِ - وَتُعَدَّلُ الأْنْصِبَاءُ بِالْقِيمَةِ، فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ جَمْعٍ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي عِنْدَمَا يَخْتَلِفُ النَّوْعُ أَوِ الْجِنْسُ، كَتَرِكَةٍ بَعْضُهَا دُورٌ وَبَعْضُهَا أَرَاضٍ زِرَاعِيَّةٌ مُعْتَادَةٌ وَبَعْضُهَا حَدَائِقُ، أَوْ كُلُّهَا حَدَائِقُ، لَكِنَّ بَعْضَ الْحَدَائِقِ كُرُومٌ وَبَعْضُهَا رُمَّانٌ أَوْ بُرْتُقَالٌ أَوْ تُفَّاحٌ أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ.
أَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِ النَّوْعِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ - وَهِيَ قِسْمَةُ جَمْعٍ لِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ - تَقْبَلُ الإْجْبَارَ ، عَلَى خِلاَفَاتٍ فِي التَّفَاصِيلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَعْكِسُ الْقَضِيَّةَ فَيُجْبِرُ عَلَى قِسْمَةِ الأْجْنَاسِ وَالأْنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ قِسْمَةَ جَمْعٍ إِذَا طَلَبَهَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ، وَلاَ يُجِيزُ التَّفْرِيقَ إِلاَّ بِاتِّفَاقِهِمْ.
كَيْفِيَّةُ قِسْمَةِ الْعَقَارِ:
43 - يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْقِسْمَةُ بِقُرْعَةٍ، وَأَنْ تَقَعَ بِدُونِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ قِسْمَةَ تَرَاضٍ أَمْ إِجْبَارٍ؛ لأِنَّ تَعْيِينَ الْقَاسِمِ الْمُجْبِرِ لِكُلِّ نَصِيبٍ عَلَى حِدَةٍ كَافٍ كَمَا سَيَجِيءُ إِلاَّ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْعَةِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ اتِّقَاءً لِلتُّهْمَةِ، إِلاَّ أَنْ يُصِرَّ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَصَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى وُجُوبِهَا حِينَئِذٍ نَعَمْ. لاَ إِجْبَارَ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ بِقُرْعَةٍ وَفِي كَلاَمِ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ كَقَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي قِسْمَةِ عَرْضِ الْجِدَارِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يُجْبَرَ؛ لأِنَّهُ لاَ تَدْخُلُهُ الْقُرْعَةُ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَلِي مِلْكَ الآْخَرِ بَلْ هُوَ صَرِيحُ مَذْهَبِهِمْ، كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ .
كَمَا أَنَّ تَرَاضِيَ الْمُتَقَاسِمِينَ عَلَى تَوْزِيعِ الأْنْصِبَاءِ بَيْنَهُمْ بِكَيْفِيَّةٍ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ بِدُونِ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِقُرْعَةٍ، بَلْ دُونَ تَعْدِيلٍ أَوْ تَقْوِيمٍ أَصْلاً مَا دَامَ الْمَحَلُّ لَيْسَ رِبَوِيًّا، بَلْ وَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ مَحْضُ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ بَلْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَبِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ إِذَا دَخَلاَ عَلَى التَّفَاضُلِ الْبَيِّنِ كَفَدَّانِ فَاكِهَةٍ فِي نَظِيرِ فَدَّانَيْنِ، لِخُرُوجِهَا حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمَهَارَةِ التِّجَارِيَّةِ وَمُحَاوِلَةِ الْغَلَبِ مِنْ كِلاَ الْجَانِبَيْنِ إِلَى بَابِ الْمَنِيحَةِ وَالتَّطَوُّلِ .
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَشْتَرِطُونَ لِجَوَازِ الْقُرْعَةِ شَرَائِطَ مُعَيَّنَةً:
الأْوَّلُ: أَنْ تَكُونَ فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَجَانَسَ، لِيَقِلَّ الْغُرُورُ.
الثَّانِي: أَنْ لاَ تَكُونَ فِي مِثْلِيٍّ مُتَّحِدِ الصِّفَةِ أَيْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ .
الثَّالِثُ: أَنْ لاَ يُجْمَعَ فِيهَا بَيْنَ نَصِيبَيْنِ، إِذْ لاَ ضَرُورَةَ .
وَيُوَافِقُهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الشَّرِيطَةِ الثَّانِيَةِ.
الْقِسْمَةُ بِالْقُرْعَةِ:
44 - الْقُرْعَةُ مَشْرُوعَةٌ فِي الْقِسْمَةِ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا فِي غَيْرِ الْقِسْمَةِ، وَالْحَنَفِيَّةُ مَعَ الْمُنَازِعِينَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا إِلاَّ فِي الْقِسْمَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، وَهُمْ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ: إِنَّهَا قِمَارٌ لِتَعْلِيقِ الاِسْتِحْقَاقِ عَلَى خُرُوجِهَا، لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّ الْقَاسِمَ الْمُجْبِرَ لَوْ عَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ دُونَ قُرْعَةٍ لَكَفَى، إِذْ هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ، لَكِنْ رُبَّمَا يُتَّهَمُ بِالْمُحَابَاةِ، فَيَلْجَأُ إِلَى الْقُرْعَةِ لِئَلاَّ تَبْقَى رِيبَةٌ، وَلِذَا جَرَى الْعَمَلُ بِهَا مُنْذُ عَهْدِ النَّبِيِّ صلوات الله عليه حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا، فَهِيَ سُنَّةٌ عَمَلِيَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (قُرْعَة).
قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ الْمُتَشَابِهِ:
وَأَصْلُهُ الْمِثْلِيُّ الْمُتَّحِدُ الصِّفَةِ، ثُمَّ أُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْقِيَمِيِّ الَّذِي لاَ تَخْتَلِفُ الأْنْصِبَاءُ فِيهِ صُورَةً وَقِيمَةً كَبَعْضِ الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ:
45 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ فِي الْمِثْلِيِّ الْمُتَّحِدِ الصِّفَةِ - عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي مَعْنَى الْمِثْلِيِّ - عَلَى أَنَّ قِسْمَتَهُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى تَقْوِيمٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ إِفْرَازٍ بِطَرِيقِ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ إِلَخْ، فَلاَ تَعْدِيلَ وَلاَ رَدَّ، إِلاَّ أَنَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالَّذِي لاَ يُدَّخَرُ مِثْلُ الْفَاكِهَةِ - طَرِيقَةٌ أُخْرَى بِجَوَازِ قِسْمَتِهِ بِطَرِيقِ التَّحَرِّي وَالْخَرْصِ، إِمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا إِذَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمَوْزُونِ لاَ غَيْرُ، بَلْ جَوَّزَ ابْنُ الْقَاسِمِ قِسْمَةَ التَّحَرِّي فِيمَا يَمْتَنِعُ تَفَاضُلُهُ بِشَرْطَيْنِ: - أَنْ يَكُونَ قَلِيلاً. - مَوْزُونًا كَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ .
ثُمَّ قَدْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ تَرَاضِيًا، وَقَدْ تَكُونُ إِجْبَارًا، إِذْ لاَ يُمْنَعُ الإْجْبَارُ هُنَا حَيْثُ لاَ ضَرَرَ إِلاَّ مُطْلِقُو مَنْعِهِ كَأَبِي ثَوْرٍ فِي بَعْضِ مَا يُرْوَى عَنْهُ، وَقَدْ تَكُونُ جَمْعًا، كَمَا فِي قِسْمَةِ كَمِّيَّةٍ مِنَ الْحُبُوبِ كَالْقَمْحِ أَوِ الشَّعِيرِ، وَقَدْ تَكُونُ تَفْرِيقًا كَالسَّبِيكَةِ مِنْ ذَهَبٍ تُقْسَمُ وَزْنًا.
أَمَّا مَا أُلْحِقَ بِالْمِثْلِيِّ فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ هُمُ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ قِسْمَتَهُ كَقِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَجَمَاهِيرُ قُدَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ فَعَلَى التَّقْوِيمِ فِي كُلِّ مُتَقَوَّمٍ وَعَلَى هَذَا فَقِسْمَتُهُ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ، وَالْمَفْرُوضُ أَنْ لاَ حَاجَةَ فِيهِ إِلَى رَدٍّ.
ثُمَّ قَدْ تَكُونُ قِسْمَةَ إِجْبَارٍ حَيْثُ لاَ ضَرَرَ وَقَدْ تَكُونُ تَرَاضِيًا، وَعِنْدَ التَّرَاضِي يَجُوزُ التَّفَاضُلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانٍ (ر: ف 43)، وَقَدْ تَكُونُ جَمْعًا، كَمَا فِي قِسْمَةِ عَدَدٍ مِنَ الأَْغْنَامِ أَوِ الأَْبْقَارِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَقَدْ تَكُونُ تَفْرِيقًا، كَمَا فِي قِسْمَةِ بِنَاءٍ مُتَّصِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مَعَ تَشَابُهِ أَجْزَائِهِ إِذَا جَرَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مَنْقُولٌ، كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.
وَفِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْمَنْقُولِ الْمُتَشَابِهِ بِقُرْعَةٍ أَوْ بِدُونِهَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْعَقَارِ.
قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ غَيْرِ الْمُتَشَابِهِ:
46 - تَتَنَوَّعُ قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ غَيْرِ الْمُتَشَابِهِ (كَالثِّيَابِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالأَْوَانِي الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْحَيَوَانِ كَذَلِكَ) إِلَى أَنْوَاعٍ.
فَهُوَ لاَ يُقْسَمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ إِلاَّ تَعْدِيلاً بِطَرِيقِ التَّقْوِيمِ، إِلاَّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَكْتَفِي فِي تَحَقُّقِ الْمِثْلِيَّةِ بِالتَّمَاثُلِ فِي مُعْظَمِ الصِّفَاتِ (ر: ف 43)، فَإِنَّهُ يُطَبِّقُ عِنْدَ هَذَا التَّمَاثُلِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَنْقُولِ الْمُتَشَابِهِ خَاصًّا بِالْمِثْلِيِّ (ر: ف 33) وَالأْصْلُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ قِسْمَتُهُ قِسْمَةَ تَرَاضٍ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ فِي حَالاَتٍ خَاصَّةٍ تَخْتَلِفُ مِنْ مَذْهَبٍ إِلَى آخَرَ كَحَالَةِ اتِّحَادِ النَّوْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَتُقَارِبُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَاتِّحَادُ الصِّنْفِ وَصِنْفُ الصِّنْفِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فِي تَفْصِيلاَتٍ عَدِيدَةٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِهَا.
وَتَكُونُ قِسْمَتُهُ قِسْمَةَ تَفْرِيقٍ إِذَا قُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقِسْمَةَ جَمْعٍ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ قِسْمَةِ الرَّدِّ إِذَا تَرَاضَى عَلَيْهَا الْمُتَقَاسِمُونَ: كَأَنْ يَأْخُذَ هَذَا الثِّيَابَ، وَذَاكَ الأْوَانِيَ، وَيَدْفَعَ أَوْ يَأْخُذَ الْفَرْقَ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، بِشَرِيطَةِ أَنْ يَكُونَ مَا يَدْفَعُ فَرْقًا (الْمُعَدِّلَ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، أَوْ بِدُونِ تَقَيُّدٍ بِهَذِهِ الشَّرِيطَةِ، عَلَى الْخِلاَفِ الَّذِي سَلَفَ، لَكِنَّ قِسْمَةَ الإْفْرَازِ لاَ تُتَصَوَّرُ هُنَا إِلاَّ عِنْدَ الْمُتَوَسِّعِينَ فِي تَفْسِيرِ الْمِثْلِيَّةِ.
___________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (214) بيع حصة شائعة
بيع حصة شائعة معلومة كالثلث والنصف والعشر من عقار مملوك قبل الإفراز صحيح.
مادة (215) بيع الحصة المعلومة الشائعة
يصح بيع الحصة المعلومة الشائعة بدون إذن الشريك.
مادة (1071) التصرف المستقل
يجوز لأحد أصحاب الحصص التصرف مستقلاً في الملك المشترك بإذن الآخر. لكن لا يجوز له أن يتصرف تصرفاً مضراً بالشريك.
مادة (1122) قسمة القضاء
قسمة القضاء هي تقسيم القاضي الملك المشترك جبراً وحكماً بطلب بعض المقسوم لهم.
مادة (1129) الطلب في قسمة القضاء
الطلب في قسمة القضاء شرط فلا تصح القسمة جبرا من الحاكم إلا بطلب أحد أصحاب الحصص.
مادة (1130) القسمة جبرا
إذا طلب أحد أصحاب الحصص القسمة وامتنع الآخر فعلى ما سيبين في "الفصل الثالث" والرابع إن كان المال المشترك قابلا للقسمة يقسمه الحاكم جبراً وإلا فلا يقسمه.
مادة (1131)
قابل القسمة هو المال المشترك الصالح للتقسيم بحيث لا تفوت المنفعة المقصودة من ذلك المال بالقسمة.