loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : السادس ، الصفحة : 119

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- تعرض نصوص المواد 1204 - 1210 لإجراءات القسمة القضائية سواء كانت عيناً أو كانت بطريق التصفية وقد وضع المشروع هذه الإجراءات في المكان اللائق بها عند الكلام في انتهاء الملكية الشائعة بخلاف التقنين الحالي فقد وضعها في عقد الشركة.

2- ومن يطلب القسمة من الشركاء هو الذي يرفع دعوى القسمة على سائر الشركاء أمام المحكمة المختصة ( محكمة العقار أو محكمة أحد المدعى عليهم في المنقول ) فتعين المحكمة خبيراً أو أكثر إن رأت وجهاً لذلك لقسمة المال الشائع حصصاً إذا كان المال يقبل القسمة عيناً دون أن يلحقه نقص محسوس وإذا لم تكن قسمته عيناً بيع في المزاد وقسم الثمن على الشركاء ويجوز أن يتفق الشركاء على أن تقتصر المزايدة عليهم فيرسو المزاد على أحد منهم ويكون المزاد في هذه الحالة قسمة بطريق التصفية أما إذا لم يتفق الشركاء على اقتصار المزايدة عليهم فإن هذا لا يمنع أي شريك من التقدم للمزايدة فإن رسا المزاد عليه كان هذا أيضاً قسمة بطريق التصفية ، وإن رسا المزاد على اجنبی کان هذا بيعاً.

3- فإذا أمكن قيمة المال عينا دون أن يلحقه نقص محسوس وعين خبير التكوين الحصص كونها على أساس أصغر نصيب حتى لو كانت القسمة جزئية بأن كان بعض الشركاء هم الذين يريدون التخلص من الشيوع دون الآخرين فإذا لم يتيسر للخبير تكوين الحصص على أساس أصغر نصیب جاز له أن يقسم بطريق التجنيب وذلك بأن يعين لكل شريك جزءاً مفرزاً من المال الشائع يتعادل مع حصته وإذا اقتضى الأمر معدلاً يكمل نصيب بعض الشركاء حدد هذا المعدل فإذا عينت الحصص بطريق التجنيب أصدرت المحكمة الجزئية بعد الفصل في المنازعات على النحو الذي سيأتي ذكره حكماً بإعطاء كل شريك النصيب المفرز الذي آل إليه أما إذا أمكن تكوين الحصص على أساس أصغر نصيب ( مثل ذلك أن تكون أنصبة الشركاء هي النصف والثلث والسدس في قسم المال أسداساً أو تكون أنصبتهم هي الثلثان والربع وجزء من اثني عشر فيقسم المال إلى اثني عشر جزءاً وهكذا) فإن قام نزاع في تكوين الحصص فصلت فيه المحكمة الجزئية وإن قام نزاع في غير ذلك كأن تنازع الشركاء في تحديد حصصهم وادعى شريك أن له الثلث فنازعه الشركاء الآخرون مدعين أن له الربع فصلت المحكمة المختصة في هذا النزاع فإن كانت هي المحكمة الجزئية المختصة بالقسمة تولت الفصل وإلا أحالت الخصوم على المحكمة المختصة وحددت الجلسة التي يحضرون فيها ووقفت دعوى القسمة حتى يفصل نهائياً في هذا النزاع ومتى انتهى الفصل في المنازعات أجريت القسمة بطريق القرعة وتثبت المحكمة ذلك في محضرها وتصدر حكماً بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز وحكم القسمة هذا هو الذي تصدق عليه المحكمة الابتدائية إذا كان بين الشركاء غائب أو شخص لم تتوافر فيه الأهلية ولم يكن له ولى شرعى أما في التقنين الحالى فالمحكمة الابتدائية تصدق على قسمة الأموال إلى حصص وقد روى أن الأولى أن يكون التصديق على حكم القسمة نفسه .

4- ولما كان دائنو الشركاء يعنيهم أمر القسمة إذ قد يغين فيها أحد الشركاء المدينين فقد خول لهم حق التدخل في إجراءات القسمة سواء تمت عيناً أو بطریق التصفية وتوجه المعارضة إلى كل الشركاء فيلتزم هؤلاء أن يدخلوا الدائنين المعارضين في جميع الإجراءات وإلا كانت القسمة غير نافذة في حقهم أما إذا تمت القسمة دون تدخل من الدائنين أو كانت القسمة عقداً فليس للدائنين أن يطعنوا في القسمة إلا بطريق الغش في الحالة الأولى أو بطريق الدعوى البوليصية في الحالة الثانية .

الأحكام

إذ كان القضاء فى دعوى قسمة المال الشائع هو حكم يؤثر فى الملكية وتترتب عليه حقوقه لأن الهدف منها إما بيع المال الشائع بطريق المزايدة العلنية فى حالة عدم إمكان قسمته عيناً أو إمكان ذلك بإحداث نقص كبير فى قيمته ثم قسمةالثمن الذى يرسو به المزاد على الشركاء وإما إلى حصص أو التجنيب بما يستتبع أن يثبت كل شريك أصل ملكيته لحصته الشائعة فى هذا المال وتتسع معه هذه الدعوى بالتالى للفصل فى المنازعات التى قد تثور حول هذه الملكية وذلك على النحو الذى بينته المادة 838 من القانون المدنى فإن مفاد ذلك أن الحكم فيها يقوم على ثبوت ملكية الشركاء لما يطلبون قسمته من هذا المال مما تعد معه بهذه المثابة من قبيل المطالبة بالحق، لما كان ما تقدم فإن رفع الشريك فى المال الشائع لهذه الدعوى يترتب عليه سقوط إداعئه بالحيازة والذى يكون قد أقام به الدعوى قبل رفعه دعوى القسمة.

(الطعن رقم 852 لسنة 61 جلسة 1995/11/09 س 46 ع 2 ص 1098 ق 213)

شرح خبراء القانون

القسمة العينية – مراحلها الأربع :

فإذا أمكنت قسمة المال الشائع عيناً دون نقص كبير يلحقه، أمرت المحكمة الجزئية بإجراء القسمة العينية، وهذه القسمة تمر بمراحل أربعة :

(المرحلة الأولى) قسمة المال الشائع إلى حصص أو التجنيب ( م 836 / 2 و 837 مدنى).

(المرحلة الثانية ) الفصل فى المنازعات ( م 838 مدنى).

( المرحلة الثالثة ) الحكم بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز ( م 839 مدني)

(المرحلة الرابعة) تصديق المحكمة الابتدائية على الحكم إذا كان بين الشركاء غائب أو كان فيهم من لم تتوافر فيه الأهلية ( م 840 مدنى) .

المرحلة الثالثة – الحكم بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز – نص قانوني : تنص المادة 839 مدنى على ما يأتى :

1- متى انتهى الفصل فى المنازعات وكانت الحصص قد عينت بطريق التجنيب أصدرت المحكمة الجزئية حكماً بإعطاء كل شريك النصيب المفرز الذي آل إليه.

2- فإن كانت الحصص لم تعين بطريقة التجنيب، تجري القسمة بطريق الاقتراع وتثبت المحكمة ذلك في محضرها وتصدر حكماً بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز.

ويتبين من هذا النص أنه عندما يفصل نهائياً فى المنازعات التى أثيرت فيما بين الشركاء سواء ما كان من هذه المنازعات من اختصاص المحكمة الجزئية أو ما كان منها من اختصاص المحكمة الابتدائية ننتقل بعد ذلك إلى المرحلة الثالثة من مراحل القسمة فيعود الشركاء إلى المحكمة الجزئية بناءً على طلب من يريد التعجيل منهم ويحركون دعوى القسمة بعد أن كانت المحكمة الجزئية قد وقفتها حتى يفصل نهائياً فى المنازعات.

وفى هذه المرحلة يكون قد بت نهائياً فى المنازعات ما بين الشركاء وأصبح حق كل شريك فى المال المراد قسمته مبتوتاً فيه خالياً من النزاع ويجيب هنا التمييز بين فرضين : إما أن يكون نصيب كل شريك قد عين بطريق التجنيب أو أن يكون المال المراد قسمته قد قسم إلى حصص.

ففي الفرض الأول وقد تعين نصيب كل شريك مفرزاً في المال الشائع بطريق التجنيب لا يبقى أمام المحكمة الجزئية إلا أن تصدر حكماً بإعطاء كل شريك النصيب المفرز الذي آل إليه وقد يلتزم أحد الشركاء بدفع معدل إلى شريك آخر أو أكثر على الوجه الذي بسطناه فيما تقدم

 

وفى الفرض الثاني والمال المراد قسمته قد قسم إلى حصص يجب توزيع هذه الحصص بين الشركاء كل بقدر نصيبه ولما كانت الحصص بالذات التى تقع فى نصيب كل شريك غير معروفة فقد لجأ القانون إلى طريق الاقتراح لتعيين هذه الحصص حتى يطمئن الشركاء إلى أن فرصهم متساوية ومن ثم تجرى المحكمة القرعة بين الشركاء فإذا كانت الحصص مثلاً سبعاً وكان الشركاء ثلاثة لواحد منهم حصة واحدة وللثانى حصتان وللثالث أربع حصص وضعت فى القبعة سبعة أوراق مرقمة من الواحد إلى السبعة ورقمت الحصص على هذا الوجه كذلك وسحب الشريك الأول ورقة واحدة، والشريك الثانى ورقتين والشريك الثالث أربع ورقات فيأخذ كل شريك الحصة أو الحصص التى أوقعت القرعة رقمها فى نصيبه وقد لا يحصل الشريك ذو الحصص المتعددة إلا على حصص متباعدة بعضها عن بعض ولكن هذا هو شأن القرعة ولا مفر من هذه النتيجة إلا إذا اتفق الشركاء فيما بينهم بعد إجراء القرعة على تقريب حصص كل واحد منهم وقد يقع فى نصيب أحد الشركاء حصة أو أكثر تكون مدينة بمعدل لحصة أخرى أو حصص وقعت فى نصيب شريك آخر على الوجه الذي بسطناه فيما تقدم .

وتثبت المحكمة الجزئية كل ذلك فى محضرها ثم تصدر حكماً بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز أى الحصة أو الحصص المفرزة التى أوقعتها القرعة فى نصيبه.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثامن الصفحة : 1218)

فإن كان نصيب كل شريك تحدد بالتجنيب حكمت المحكمة بتحديد حصة كل شريك أما أن كان المال قسم إلى حصص كل بقدر أصغر حصة في الشيوع قان توزيعها يكون بطريق القرعة فإن كانت الحصص ثمانية وكان لشريك حصة واحدة ولآخر ثلاث ولشريك ثالث أربع أعطى الأول حصة والثاني ثلاث وللثالث أربع ويكون ذلك بإعطاء كل حصة رقماً وتكتب ثمان ورقات من 1 إلى 8 وتطبق بحيث لا يعرف رقم كل ورقة ثم يختار الشريك الأول ورقة واحدة والثاني ثلاث ورقات والثالث أربع ورقات فيستحق كل شريك الحصة ذات الرقم الثابت بالورقة التي اختارها ولو ترتب على ذلك أن تفرقت حصة الشريك ولكن للشركاء بعد القرعة الاتفاق على البدل بمعدل أو بدون ومتى تمت القرعة أثبتت المحكمة إجراءاتها بمحضر الجلسة ثم تقضي بتحديد حصة كل شريك.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 544)

إذا انتهت المحكمة الجزئية من الفصل في المنازعات التي أبداها الشركاء في تكوين الحصص وإذا فصلت المحكمة الإبتدائية نهائياً في النزاع على الملكية فإن هذه المنازعات تكون قد حسمت ويكون لكل ذي مصلحة من الخصوم تعجيل دعوى القسمة من الوقف وتقضي المحكمة في نظر الدعوى التقضي بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز.

وفي هذا الشأن يتعين التفرقة بين الحالتين :

الحالة الأولى: هي التي يكون نصيب كل شريك قد تعين مفرزاً في المال الشائع بمعدل أو بغير معدل أي تمت القسمة بطريق التجنيب.

والحالة الثانية : هي التي يكون المال الشائع قد قسم إلى حصص متساوية.

ففي الحالة الأولى تصدر المحكمة حكمها بإعطاء كل شريك النصيب المفرز الذي آل إليه مع إلزامه بأداء المعدل إلى الشريك أو الشركاء الذين عينهم الخبير إن كان.

وفي الحالة الثانية فقد رأينا أن الخبير يقسم المال الشائع إلى حصص متساوية على أساس أصغر نصيب ولكن هذا التقسيم لا يؤدي إلى معرفة كل شريك للحصص التي تقع في نصيبه تحديداً.

وتحقيقاً لذلك وحتى يخضع جميع الشركاء لفرص متساوية في توزيع هذه الحصص فقد أوجبت المادة 839 مدني توزيع الحصص على الشركاء بطريق القرعة.

فإذا كان مجموع الحصص التي كونها الخبير تسع وعدد الشركاء ثلاثة الواحد منهم حصة واحدة وللثاني ثلاث حصص وللرابع خمس حصص وضعت القرعة في تسعة أوراق مرقمة ترقيماً مسلسلاً من رقم (1) إلى رقم (9) وترقم القطع التسع بنفس الطريقة.

ثم يعرض القاضي الورق على الشركاء ليسحب الشريك الأول ورقة واحدة والشريك الثاني ثلاث ورقات والشريك الثالث خمس ورقات فتكون نتيجة القرعة أن يختص كل شريك بالقطعة أو القطع المدون رقمها بالورقة أو الورق الذي سحبه .

فإذا كان المال المراد قسمته عقاراً فإن القرعة قد تؤدي إلى اختصاص الشريك ذي النصيب الذي يزيد على حصة واحدة بحصص متفرقة في الغالب الأعم ولذلك فإن القرعة لا تكون مناسبة في قسمة العقار إلا في حالة تساوي الحصص وهي أكثر مناسبة في قسمة المنقولات على الشيوع.

وللتخلص من هذه النتيجة يمكن للخصوم ارتضاء تقسيم يجريه الخبير بحيث يجعل حصصهم متحدة أو الاتفاق فيما بينهم على التبادل بأنصبتهم بما يحقق لهم ذلك بعد صدور حكم القسمة.

غير أن الاقتراع يعتبر إجراء حتمياً لتحديد الأنصبة لا تصح القسمة بغيره إلا إذا رضي كل من المتقاسمين بأخذ حصتة بغير القرعة بشرط أن يكونوا كلهم أهلاً للتصرف أما إذا كان من بينهم شخص ناقص الأهلية فالقرعة واجبة.

وفي كل الأحوال التي تجب فيها القرعة تكون القسمة باطلة إذا أهملت القرعة .

وإذا اقترح الخبير في تقريره طرقاً متعددة لتسوية الأنصباء بطريق القرعة وجب على المحكمة أن تجرى القرعة التي اقترحها الخبير ولا تترك طريقاً من الطرق التي ذكرها الخبير باعتبار أن الطريق الذي استبعدته يترتب عليه بقاء شيوع جزئی.

وبعد أن تنتهي المحكمة من إجراء القرعة تثبت ذلك في محضرها وتصدر حكمها بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز ولا يقتصر أثر الحكم بتوزيع الحصص على تسليم كل شريك نصيبه المفرز الذي آل إليه بل يتناول أيضاً تسلیم مستندات الملكية المتصلة بالأموال التي وقعت في نصيب كل شريك .

وبما تصدره المحكمة الجزئية من قضاء بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز في الحالتين الأولى والثانية تنتهي دعوى القسمة.

غير أنه يستثنى من ذلك حالة ما إذا كان بين الشركاء غائب أو كان بينهم من لم تتوافر فيه الأهلية فإنه يجب تصديق المحكمة الابتدائية وفي هذا الفرض تمر دعوى القسمة بالمرحلة الرابعة.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 655)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 245

الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى قِسْمَةِ الأْعْيَانِ :

إِذَا تَمَّتْ قِسْمَةُ الأْعْيَانِ عَلَى الصِّحَّةِ تَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا آثَارٌ شَتَّى، مِنْ أَهَمِّهَا:

51 - أَوَّلاً: لُزُومُ الْقِسْمَةِ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: تَلْزَمُ الْقِسْمَةُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ لِلْخِيَارِ (ر: ف 54)، فَإِنَّهَا لاَ تَقْبَلُ الرُّجُوعَ بِالإْرَادَةِ الْمُنْفَرِدَةِ، بِمَعْنَى أَنْ يَنْقُضَهَا وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ وَيَرُدَّ الْمَالَ إِلَى الشَّرِكَةِ، دُونَ اتِّفَاقٍ مِنْ جَمِيعِ الْمُتَقَاسِمِينَ.

وَتَتِمُّ الْقِسْمَةُ بِتَعْيِينِ الْقَاسِمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْقَاسِمُ هُوَ قَاسِمَ الْقَاضِي أَمْ قَاسِمًا حَكَّمُوهُ بَيْنَهُمْ لِيَقُومَ بِهَذَا التَّعْيِينِ، وَإِلْزَامِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالنَّصِيبِ الَّذِي يُفْرِزُهُ لَهُ - سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِقُرْعَةٍ أَمْ بِدُونِهَا كَمَا تَتِمُّ إِذَا اقْتَسَمُوهُمْ بِالتَّرَاضِي - دُونَ تَحْكِيمِ مُحَكَّمٍ مُلْزِمٍ - وَاقْتَرَعُوا اقْتِرَاعًا تَامًّا خَرَجَتْ بِهِ جَمِيعُ الأْجْزَاءِ (السِّهَامِ) لأِرْبَابِهَا، وَيَكْفِي لِذَلِكَ إِجْرَاءُ الْقُرْعَةِ عَلَى جَمِيعِ الأْجْزَاءِ عَدَا الْجُزْءِ الأْخِيرِ؛ لأِنَّهُ يَتَعَيَّنُ تِلْقَائِيًّا لِمَنْ بَقِيَ مِنَ الشُّرَكَاءِ، وَإِذَنْ فَيَكُونُ لِبَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَقُّ الرُّجُوعِ أَثْنَاءَ الْقُرْعَةِ أَيْ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَخْدِمُوا الْقُرْعَةَ وَاكْتَفَوْا بِالتَّرَاضِي عَلَى أَنْ يَخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَصِيبٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ لاَ تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ هَذَا التَّرَاضِي، بَلْ يَتَوَقَّفُ تَمَامًا عَلَى قَبْضِ كُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ، أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي .

وَقَالُوا: إِنْ كَانَتِ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ مِنْ مُؤَخِّرِهَا بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ، وَيَأْخُذَ الآْخَرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ مُقَدِّمِهَا بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ، مَا لَمْ تَقَعِ الْحُدُودُ بَيْنَهُمَا، وَلاَ يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا بِمَا قَالاَ قَبْلَ وُقُوعِ الْحُدُودِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا بَعْدَ وُقُوعِ الْحُدُودِ.

فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ رُجُوعٌ مُعْتَبَرٌ، أَوِ اعْتِرَاضٌ وَعَدَمُ رِضًا أُعِلْنَ بِهِ حَيْثُ احْتِيجَ إِلَى الرِّضَا، فَإِنَّ الْعُدُولَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْمُوَافَقَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَاسْتِمْرَارِهَا لاَ يُجْدِي فَتِيلاً؛ لأِنَّ الْقِسْمَةَ تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ .

أَمَّا الرُّجُوعُ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ الْمُتَقَاسِمِينَ فَهُوَ تَقَايُلٌ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أُصُولَ الْحَنَفِيَّةِ وَنُصُوصَ بَعْضِ مُتُونِهِمْ وَشُرَّاحِهِمْ تَقْتَضِي إِطْلاَقَ قَبُولِهِ.

وَعِبَارَةُ مَتْنِ تَنْوِيرِ الأْبْصَارِ وَشَرْحِهِ: الْقِسْمَةُ تَقْبَلُ النَّقْصَ، فَلَوِ اقْتَسَمُوا وَأَخَذُوا حِصَصَهُمْ، ثُمَّ تَرَاضَوْا عَلَى الاِشْتِرَاكِ بَيْنَهُمْ صَحَّ، وَعَادَتِ الشَّرِكَةُ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ .

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيُطْلِقُونَ الْقَوْلَ بِلُزُومِ الْقِسْمَةِ إِذَا صَحَّتْ، سَوَاءٌ بِقُرْعَةٍ أَمْ بِدُونِهَا، وَلاَ تَصِحُّ قِسْمَةُ الإْجْبَارِ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ إِلاَّ بِقُرْعَةٍ، وَيَذْكُرُونَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ، وَيُعَلِّلُونَهُ بِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ مَعْلُومٍ إِلَى مَجْهُولٍ وَهُوَ تَعْلِيلٌ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَيْضًا مَنْعُ التَّقَايُلِ بِاتِّفَاقِ الْمُتَقَاسِمِينَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ، إِذْ يَقُولُ: الْقِسْمَةُ مِنَ الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ، لاَ يَجُوزُ لِلْمُتَقَاسِمِينَ نَقْضُهَا وَلاَ الرُّجُوعُ فِيهَا، إِلاَّ بِالطَّوَارِئِ عَلَيْهَا وَهُوَ نَقِيضُ مَا صَرَّحَ بِهِ الدَّرْدِيرُ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي لَكِنَّ الْمُدَوَّنَةَ صَرِيحَةٌ فِيمَا قَرَّرَهُ الأْوَّلُونَ: فَقَدْ سَأَلَ سَحْنُونٌ ابْنَ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ دَارًا بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ تَرَاضَيْنَا فِي أَنْ جَعَلْتُ لَهُ طَائِفَةً مِنَ الدَّارِ عَلَى أَنْ جَعَلَ لِي طَائِفَةً أُخْرَى، فَرَجَعَ أَحَدُنَا قَبْلَ أَنْ تُنْصَبَ الْحُدُودُ بَيْنَنَا؟. فَأَجَابَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ لاَزِمٌ لَهُمَا، وَلاَ يَكُونُ لَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا عِنْدَ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ.

وَالْحَنَابِلَةُ مَعَ الْمَالِكِيَّةِ فِي أَنَّ الْقِسْمَةَ لاَ تَقْبَلُ الرُّجُوعَ بِالإْرَادَةِ الْمُنْفَرِدَةِ وَلاَ الْمُجْتَمِعَةِ، لَكِنْ فِيمَا كَانَ مِنَ الْقِسْمَةِ مَحْضَ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ، وَهَذِهِ هِيَ الْقِسْمَةُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا عَدَا قِسْمَةِ الرَّدِّ فِي قِيلَ اعْتَمَدَهُ الْحَنَابِلَةُ، أَمَّا مَا هُوَ مِنْهَا بَيْعٌ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ عَقْدٌ لاَزِمٌ بِمُجَرَّدِ التَّرَاضِي وَالتَّفَرُّقِ. وَيَقْبَلُ التَّقَايُلَ كَالْبَيْعِ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا اسْتُخْدِمَتِ الْقُرْعَةُ تَوَقَّفَ لُزُومُ الْقِسْمَةِ عَلَى خُرُوجِهَا، وَعَلَى الرِّضَا بِالْقِسْمَةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ، هَذَا فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي، أَمَّا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، فَيَتَوَقَّفُ اللُّزُومُ عَلَى خُرُوجِ الْقُرْعَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ وَقَعَتِ الْقِسْمَةُ بِتَرَاضٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ بِغَيْرِ نِزَاعٍ فَلاَ بُدَّ مِنْ رِضًا بِهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ، سَوَاءٌ فِي قِسْمَةِ الإْفْرَازِ أَوِ الرَّدِّ أَوِ التَّعْدِيلِ، أَمَّا فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ وَالتَّعْدِيلِ فَلأِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَيْعٌ، وَالْبَيْعُ لاَ يَحْصُلُ بِالْقُرْعَةِ، فَافْتَقَرَ إِلَى الرِّضَا بَعْدَ خُرُوجِهِمَا كَقَبْلِهِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا فَقِيَاسًا عَلَيْهِمَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمَا: رَضِينَا بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ أَوْ بِهَذَا أَوْ بِمَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ، فَإِنْ وَقَعَتْ إِجْبَارًا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا تَرَاضٍ، لاَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ وَلاَ بَعْدَهَا، أَوْ وَقَعَتْ بِدُونِ قُرْعَةٍ أَصْلاً بِأَنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ وَالآْخَرُ الآْخَرَ، أَوْ أَحَدُهُمَا الْخَسِيسَ وَالآْخَرُ النَّفِيسَ وَيَرُدَّ زَائِدَ الْقِسْمَةِ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى تَرَاضٍ ثَانٍ بَعْدَ ذَلِكَ .

ثَانِيًا - اسْتِقْلاَلُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمِلْكِ نَصِيبِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ:

52 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى اسْتِقْلاَلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِمِلْكِ نَصِيبِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ كَأَيِّ مَالِكٍ فِيمَا يَمْلِكُ، لأِنَّ هَذَا هُوَ ثَمَرَةُ الْقِسْمَةِ وَمَقْصُودُهَا .

وَيَذْكُرُ الْحَنَفِيَّةُ هُنَا أَنَّ الْقِسْمَةَ الْفَاسِدَةَ، كَالَّتِي شُرِطَ فِيهَا هِبَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ بَيْعٌ مِنَ الْمَقْسُومِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَيْضًا هَذَا الاِسْتِقْلاَلُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الضَّمَانِ بِالْقِيمَةِ، قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ، وَيَرُدُّونَ مَا قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الأْشْبَاهِ مِنْ نَفْيِ هَذَا التَّرَتُّبِ؛ لأِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ وَالْبُطْلاَنَ فِي الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالَّذِي قَالَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ هُوَ مَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ مِنْ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ ضَرَبَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ هُنَا عِدَّةَ أَمْثِلَةٍ لِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَمْلِكُهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ فِي نَصِيبِهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ لِمُقَاسِمِهِ حَقُّ الاِعْتِرَاضِ أَوِ الْمَنْعِ، وَذَلِكَ إِذْ يَقُولُ: لَوْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ سَاحَةٌ لاَ بِنَاءَ فِيهَا، وَوَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِ الآْخَرِ، فَلِصَاحِبِ السَّاحَةِ أَنْ يَبْنِيَ فِي سَاحَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَرْفَعَ بِنَاءَهُ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَإِنْ كَانَ يُفْسِدُ عَلَيْهِ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ؛ لأِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، فَلاَ يُمْنَعُ مِنْهُ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي سَاحَتِهِ مَخْرَجًا أَوْ تَنُّورًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ رَحًى، لِمَا قُلْنَا.

وَكَذَا لَهُ أَنْ يُقْعِدَ فِي بِنَائِهِ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا - أَيِ الَّذِي يُبَيِّضُ الثِّيَابَ - وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِهِ جَارُهُ، لِمَا قُلْنَا.

وَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا أَوْ كُوَّةً - أَيِ الثُّقْبَةَ فِي الْحَائِطِ - لِمَا ذَكَرْنَا؛ أَلاَ تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ الْجِدَارَ أَصْلاً، فَفَتْحُ الْبَابِ وَالْكُوَّةِ أَوْلَى.

وَلَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِي مِلْكِهِ بِئْرًا أَوْ بَالُوعَةً أَوْ كِرْيَاسًا - أَيْ كَنِيفًا فِي أَعْلَى السَّطْحِ وَإِنْ كَانَ يَهِي بِذَلِكَ حَائِطُ جَارِهِ، وَلَوْ طَلَبَ جَارُهُ تَحْوِيلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى التَّحْوِيلِ، وَلَوْ سَقَطَ الْحَائِطُ مِنْ ذَلِكَ لاَ يَضْمَنُ؛ لأِنَّهُ لاَ صُنْعَ مِنْهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَالأْصْلُ أَنْ لاَ يُمْنَعَ الإْنْسَانُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، إِلاَّ أَنَّ الْكَفَّ عَمَّا يُؤْذِي الْجَارَ أَحْسَنُ .

ثَالِثًا لِلْمُتَقَاسِمِينَ إِحْدَاثُ أَبْوَابٍ وَنَوَافِذَ فِي السِّكَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ غَيْرِ النَّافِذَةِ:

53 - وَهَذَا مِمَّا يَقَعُ كَثِيرًا؛ لأِنَّ قِسْمَةَ الدَّارِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا إِدْخَالُ تَعْدِيلاَتٍ كَثِيرَةٍ، وَتَهْيِئَةُ مَرَافِقَ لَمْ تَكُنْ، وَلَيْسَ لِسَائِرِ الشُّرَكَاءِ فِي السِّكَّةِ الْمَذْكُورَةِ الْحَيْلُولَةُ دُونَ ذَلِكَ؛ لأِنَّ لِلْمُتَقَاسِمِينَ أَنْ يُزِيلُوا الْجُدْرَانَ فَأَوْلَى أَنْ يَفْتَحُوا فِيهَا مَا شَاءُوا مِنْ أَبْوَابٍ وَكُوًى.

هَكَذَا قَرَّرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَطْلَقَهُ وَالَّذِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الَّذِي لَهُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا فِي السِّكَّةِ غَيْرِ النَّافِذَةِ هُوَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، وَهُوَ مَنْ لَهُ فِيهَا بَابٌ، لاَ مَنْ لاَصَقَهَا جِدَارُهُ، ثُمَّ الَّذِي لَهُ فِيهَا بَابٌ لاَ يَمْلِكُ عِنْدَهُمْ فَتْحَ بَابٍ آخَرَ إِلاَّ إِذَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى رَأْسِ السِّكَّةِ، وَهُوَ مُفَادُ مُتُونِ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا لَكِنْ زَادَ الشَّافِعِيَّةُ شَرِيطَةً أُخْرَى لِفَتْحِ بَابٍ جَدِيدٍ، هِيَ أَنْ يُغْلَقَ الأْوَّلُ، هَذَا عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ، أَمَّا بِالتَّرَاضِي فَلاَ كَلاَمَ .

كَمَا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُصَرِّحُونَ بِمَنْعِ فَتْحِ بَابِ قُبَالَةَ بَابٍ آخَرَ لِشَرِيكٍ فِي السِّكَّةِ غَيْرِ النَّافِذَةِ؛ لأِنَّهُ يُؤْذِيهِ وَيُسِيءُ إِلَى أَهْلِهِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاثون ، الصفحة / 249

الْحِيلَةُ فِي الشُّفْعَةِ :

22 - الْحِيلَةُ فِي الشُّفْعَةِ أَنْ يُظْهِرَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي الْبَيْعِ شَيْئًا لاَ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ مَعَهُ وَأَنْ يَتَوَاطَآ فِي الْبَاطِنِ عَلَى خِلاَفِ مَا أَظْهَرَاهُ وَالْكَلاَمُ عَلَى الْحِيلَةِ فِي الشُّفْعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أ - الْحِيلَةُ لإِبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ

23 - الْحِيلَةُ لإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلرَّفْعِ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَوْ لِدَفْعِهِ قَبْلَ الْوُجُوبِ:

النَّوْعُ الأْوَّلُ : مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ: أَنَا أَبِيعُهَا مِنْكَ بِمَا أَخَذْتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكَ فِي الأْخْذِ فَيَقُولُ الشَّفِيعُ: نَعَمْ وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهَا: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وِفَاقًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَرَامٌ عَلَى الرَّاجِحِ.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي : مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ دَارًا إِلاَّ مِقْدَارَ ذِرَاعٍ مِنْهَا فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ لاِنْقِطَاعِ الْجِوَارِ.

وَكَذَا إِذَا وَهَبَ مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارَ وَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهَا عَلَى أَقْوَالٍ:

فَذَهَبَ مُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَهْ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إِلَى أَنَّهَا تُكْرَهُ هَذِهِ الْحِيلَةُ لأِنَّ هَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الشَّفِيعِ وَالْحِيلَةُ تُنَافِيهِ وَلأِنَّ الَّذِي يَحْتَالُ لإِسْقَاطِ هَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاصِدِ إِلَى الإْضْرَارِ بِالْغَيْرِ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ.

وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا لاَ تُكْرَهُ، وَهُوَ مُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ صَرَّحَ بِهِ أَبُو حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا الْحِيَلُ فِي دَفْعِ شُفْعَةِ الْجَارِ فَلاَ كَرَاهَةَ فِيهَا مُطْلَقًا لأِنَّهُ دَفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ لاَ الإْضْرَارَ بِالْغَيْرِ لأِنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ عَنِ التَّصَرُّفِ أَوْ تَمَلُّكِ الدَّارِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ إِضْرَارًا بِهِ وَهُوَ إِنَّمَا قَصَدَ دَفْعَ هَذَا الضَّرَرَ وَلاِحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْجَارُ فَاسِقًا يَتَأَذَّى بِهِ وَفِي اسْتِعْمَالِ الْحِيلَةِ لإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ تَحْصِيلُ الْخَلاَصِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْجَارِ.

وَالْفَتْوَى فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقُيِّدَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي السِّرَاجِيَّةِ بِمَا إِذَا كَانَ الْجَارُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ وَاسْتَحْسَنَهُ شَرَفُ الدِّينِ الْغَزِّيُّ مِنْ فُقَهَاءِ الأْحْنَافِ فِي تَنْوِيرِ الأْبْصَارِ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ هَذَا الْقَوْلِ لِحُسْنِهِ.

ب - الْحِيلَةُ لِتَقْلِيلِ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ

24 - إِذَا أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَبِيعَ دَارَهُ بِعَشَرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ يَبِيعُهَا بِعِشْرِينَ أَلْفًا ثُمَّ يَقْبِضُ تِسْعَةَ آلاَفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَيَقْبِضُ بِالْبَاقِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَلَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِعِشْرِينَ أَلْفًا إِنْ شَاءَ، فَلاَ يَرْغَبُ فِي الشُّفْعَةِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الثَّمَنِ .

وَلِلْحِيَلِ الْمُسْقِطَةِ لِلشُّفْعَةِ، وَالْمُقَلِّلَةِ لِرَغْبَةِ الشَّفِيعِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْحِيَلُ لاَ تُفِيدُ فِي الْعِبَادَاتِ وَلاَ فِي الْمُعَامَلاَتِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ الاِحْتِيَالُ لإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَسْقُطْ قَالَ أَحْمَدُ: لاَ يَجُوزُ شَيْءٌ مِنَ الْحِيَلِ فِي ذَلِكَ وَلاَ فِي إِبْطَالِ حَقِّ مُسْلِمٍ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْجَوزَجَانِيُّ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «لاَ تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» وَلأِنَّ الشُّفْعَةَ وُضِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَلَوْ سَقَطَتْ بِالتَّحَيُّلِ لَلَحِقَ الضَّرَرُ، فَلَمْ تَسْقُطْ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ شِقْصًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ يَقْضِيهِ عَنْهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ.

وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّحَيُّلَ فَتَسْقُطُ بِهِ الشُّفْعَةُ لأِنَّهُ لاَ خِدَاعَ فِيهِ وَلاَ قَصَدَ بِهِ إِبْطَالَ حَقٍّ وَالأْعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِيمَا إِذَا اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ حِيلَةً أَمْ لاَ لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ وَحَالِهِ .