loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس، الصفحة : 119

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- تعرض نصوص المواد 1204 - 1210 لإجراءات القسمة القضائية، سواء كانت عينا أو كانت بطريق التصفية وقد وضع المشروع هذه الإجراءات في المكان اللائق بها عند الكلام في انتهاء الملكية الشائعة، بخلاف التقنين الحالي فقد وضعها في عقد الشركة.

2 - ومن يطلب القسمة من الشركاء هو الذي يرفع دعوى القسمة على سائر الشركاء أمام المحكمة المختصة (محكمة العقار أو محكمة أحد المدعى عليهم في المنقول)، فتعين المحكمة خبيراً أو أكثر، إن رأت وجهاً لذلك، لقسمة المال الشائع حصصاً، إذا كان المال يقبل القسمة عيناً دون أن يلحقه نقص محسوس، وإذا لم تكن قسمته عيناً، بيع في المزاد وقسم الثمن على الشركاء ويجوز أن يتفق الشركاء على أن تقتصر المزايدة عليهم، فيرسو المزاد على أحد منهم، ويكون المزاد في هذه الحالة قسمة بطريق التصفية، أما إذا لم يتفق الشركاء على اقتصار المزايدة عليهم، فإن هذا لا يمنع أي شريك من التقدم للمزايدة، فإن رسا المزاد عليه كان هذا أيضاً قسمة بطريق التصفية، وإن رسا المزاد على اجنبی کان هذا بيعاً.

3 - فإذا أمكن قيمة المال عيناً دون أن يلحقه نقص محسوس، وعين خبير لتكوين الحصص، كونها على أساس أصغر نصيب حتى لو كانت القسمة جزئية بأن كان بعض الشركاء هم الذين يريدون التخلص من الشيوع دون الآخرين فإذا لم يتيسر للخبير تكوين الحصص على أساس أصغر نصیب جاز له أن يقسم بطريق التجنيب، وذلك بأن يعين لكل شريك جزءاً مفرزاً من المال الشائع يتعادل مع حصته، وإذا اقتضى الأمر معدلاً يكمل نصيب بعض الشركاء حدد هذا المعدل فإذا عينت الحصص بطريق التجنيب أصدرت المحكمة الجزئية، بعد الفصل في المنازعات على النحو الذي سيأتي ذكره، حكماً بإعطاء كل شريك النصيب المفرز الذي آل إليه أما إذا أمكن تكوين الحصص على أساس أصغر نصيب ( مثل ذلك أن تكون أنصبة الشركاء هي النصف والثلث والسدس في قسم المال أسداساً، أو تكون أنصبتهم هي الثلثان والربع وجزء من أثني عشر فيقسم المال إلى أثني عشر جزءاً، وهكذا ) فإن قام نزاع في تكوين الحصص فصلت فيه المحكمة الجزئية وإن قام نزاع في غير ذلك، كأن تنازع الشركاء في تحديد حصصهم وادعى شريك أن له الثلث فنازعه الشركاء الآخرون مدعين أن له الربع، فصلت المحكمة المختصة في هذا النزاع، فإن كانت هي المحكمة الجزئية المختصة بالقسمة تولت الفصل، وإلا أحالت الخصوم على المحكمة المختصة وحددت الجلسة التي يحضرون فيها، ووقفت دعوى القسمة حتى يفصل نهائياً في هذا النزاع، ومتى انتهى الفصل في المنازعات أجريت القسمة بطريق القرعة، وتثبت المحكمة ذلك في محضرها، وتصدر حكماً بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز وحكم القسمة هذا هو الذي تصدق عليه المحكمة الابتدائية إذا كان بين الشركاء غائب أو شخص لم تتوافر فيه الأهلية ولم يكن له ولى شرعى، أما في التقنين الحالى فالمحكمة الابتدائية تصدق على قسمة الأموال إلى حصص، وقد روى أن الأولى أن يكون التصديق على حكم القسمة نفسه.

4 - ولما كان دائنو الشركاء يعنيهم أمر القسمة إذ قد يغبن فيها أحد الشركاء المدينين، فقد خول لهم حق التدخل في إجراءات القسمة، سواء تمت عيناً أو بطریق التصفية وتوجه المعارضة إلى كل الشركاء، فيلتزم هؤلاء أن يدخلوا الدائنين المعارضين في جميع الإجراءات وإلا كانت القسمة غير نافذة في حقهم، أما إذا تمت القسمة دون تدخل من الدائنين، أو كانت القسمة عقداً، فليس للدائنين أن يطعنوا في القسمة إلا بطريق الغش في الحالة الأولى أو بطريق الدعوى البوليصية في الحالة الثانية.

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 1210 من المشروع فأقرتها اللجنة بعد إضافة كلمة «أن» في الفقرة

الأولى قبل عبارة «يباع المال ».

وأصبح رقها 913 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

تقرير لجنة الشؤون التشريعية :

أضافت اللجنة في الفقرة الأولى « ويجب على كل حال إدخال الدائنين المقيدة حقوقهم في الإجراءات» وذلك حفظاً لحقوق الدائنين المسجلين حتى لا تتم قسمة المال الشائع في غيبتهم .

وأصبح رقم المادة 911

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة السابعة والثلاثين

تليت المادة 911 التي تتضمن حكماً من بين أحكامها يقضي بوجوب إدخال الدائنين المقيدة حقوقهم في إجراءات القسمة، فتساءل سعادة الرئيس عن المراد بهؤلاء الدائنين فقيل لسعادته إنهم الدائنون المقيدة حقوقهم قبل القسمة، وبناء على ذلك طلب سعادة الرئيس إيضاح ذلك في النص وقصر الدعوة إلى إجراءات القسمة على الدائنين المقيدة حقوقهم قبل رفع دعوى القسمة.

فوافق معالي السنهوري باشا على ذلك وأضاف أن غير هؤلاء من الدائنين الذين يقيدون حقوقهم بعد رفع دعوى القسمة لهم الحق في معارضة القسمة.

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على إضافة عبارة « قبل رفع دعوى القسمة » إلى آخر الفقرة الأولى من المادة 911 وحذف کلمتی « في الإجراءات» الواردتين في آخر الفقرة المذكورة.

وقد أريد بذلك قصر التزام الشركاء في إدخال الدائنين المقيدين على من قيدت حقوقهم قبل رفع الدعوى حيث يمكن معرفتهم عند ذلك ولتفادي تعرض إجراءات القسمة للبطلان إذا لم يدخل الشركاء دائنين مقيدين مع أن ديونهم لم تقيد إلا خلال الإجراءات أو عند ما تشرف على النهاية، ومع ذلك فلا ضرر على هؤلاء الدائنين. من هذا النص لأن لهم الحق دائماً في التدخل في الإجراءات من تلقاء أنفسهم.

تقرير اللجنة :

حذفت من العبارة التي أضافها مجلس النواب في نهاية الفقرة الأولى عبارة « في الإجراءات، و استعيض عنها بعبارة « قبل رفع دعوى القسمة» حتى يكون التكليف قاصراً على إدخال الدائنين المقيدة حقوقهم قبل رفع دعوى القسمة والتحديد هنا يجعل هذا التكليف ميسور التنفيذ من الناحية العملية أما الإطلاق فيتعذر معه ذلك .

وأصبح رقم المادة 842

مناقشات المجلس :


وافق المجلس على المادة كما أقرتها الجنة.

شرح خبراء القانون

صورتان للدعوى البوليصية ـ التدخل في القسمة و اعتراض الخارج عن الخصومة : وهناك صورتان خاصتان للدعوى البوليصية، هما التدخل في القسمة والتماس إعادة النظر. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثاني، المجلد/ الثاني، الصفحة/ 1315)

تنص المادة 842 مدني على ما يأتي :

1 - لدائني كل شريك أن يعارضوا فى أن تتم القسمة عيناً، أو أن يباع المال بالمزاد، بغير تدخلهم وتوجه المعارضة إلى كل الشركاء ويترتب عليها إلزامهم أن يدخلوا من عارض من الدائنين فى جميع الإجراءات، وإلا كانت القسمة غير نافذة فى حقهم ويجب على كل حال إدخال الدائنين المقيدة حقوقهم قبل رفع دعوى القسمة".

2 - أما إذا تمت القسمة، فليس للدائنين الذين لم يتدخلوا فيها أن يطعنوا عليها إلى فى حالة الغش مصالح الدائنين المراد حمايتها : قصد بنص المادة 842 مدنى حماية مصالح دائني الشركاء عند قسمة المال الشائع، سواء كانت القسمة قضائية أو اتفاقية على الوجه الذي بسطناه فيما تقدم، وسواء كانت القسمة كلية أو جزئية، قسمة عينية أو قسمة تصفية.

والدائنون هنا هم دائنو كل شريك ويستوي أن يكون دائن الشريك دائناً شخصياً أو دائناً ذا حق مقيد، كما يستوى أن يكون الحق المقيد واقعاً على المال الشائع المراد قسمته أو وقعاً على غيره من أموال الشريك للدائن حق المعارضة وحق التدخل، إذا عرف الدائن أن لمدينه حصة في مال شائع، وأراد أن يصطنع الحيطة فى أمره، فعليه أن يرسل لمدينه ولسائر شركاء هذا المدين فى الشيوع معارضة فى أن تتم قسمة هذا المال الشائع، سواء عن طريق القسمة العينية أو عن طريق التصفية، بغير تدخله. ولم يشترط القانون شكلاً خاصاً لهذه المعارضة، والأفضل أن تكون إنذاراً على يد محضر. ولكن يصح أن تكون بكتاب مسجل أو غير مسجل، بل يصح أن تكون شفوياً ولكن الدائن يحمل عبء الإثبات.

ومتى وصلت المعارضة إلى جميع الشركاء، تعين عليهم، إذا هم عمدوا إلى اقتسام المال الشائع، أن يدخلوا الدائن المعارض فى جميع إجراءات القسمة، سواء كانت القسمة قضائية أو اتفاقية، وسواء كانت قسمة عينية أو قسمة تصفية، كما سبق القول.

وهناك طائفة من الدائنين، هم الدائنون المقيدة حقوقهم، يجب على الشركاء إدخالهم فى إجراءات القسمة دون حاجة إلى أن يوجه هؤلاء الدائنون معارضة إلى الشركاء.

الأثر الذى يترتب على معارضة الدائن أو على تدخل :

يترتب على معارضة الدائن أو على تدخله على النحو الذى بسطناه أن يصبح الدائن طرفاً فى جميع إجراءات القسمة منذ معارضته أو منذ تدخله، فلا تجوز مباشرة هذه الإجراءات إلا فى مواجهته . ومن ثم لا تجوز مباشرة إجراءات بيع المال الشائع فى المزاد، ولا تعيين خبير لتكون الحصص، ولا الفصل فى المنازعات المتعلقة بإجراءات القسمة، ولا إجراء القرعة، ولا تجنيب انصبة الشركاء المفرزة، ولا التصديق على حكم القسمة، فى غير مواجهة الدائن استئناف مختلط 30 ديسمبر سنة 1913 م 26 ص 111 - 18 فبراير سنة 1915 م 27 ص 171 .

ولكن لا يجوز للدائن طلب بيع المال فى المزاد بدلاً من قسمته عيناً، إذا كانت القسمة العينية ممكنة دون ضرر كبير يلحق قيمة المال الشائع كذلك لا يجوز للدائن أن يطلب أن تكون القسمة قضائية، إذا كان جميع الشركاء راضين يجعلها قسمة اتفاقية ولا يجوز للدائن أن يمنع مدينه من التصرف فى حصته أو ترتيب حقوق عينية عليها، فإن المعارضة أن التدخل ليس من شأنه أن يجعل حصة الشريك المدين غير قابلة للتصرف فيها، مع احتفاظ الدائن بحقه فى الدعوى البوليصية .

ويتحمل الدائن وحده نفقات معارضته ونفقات تدخله .

موقف الدائنين بعد إتمام القسمة

فروض ثلاثة : بعد إتمام القسمة يمكن تصور فروض ثلاثة :

(الفرض الأول) أن يكون الدائن قد تدخل فعلاً فى إجراءات القسمة، سواء عقب معارضة وجهها إلى الشركاء المتقاسمين فأدخله هؤلاء الشركاء فى هذه الإجراءات، أو لأنه تدخل من تلقاء نفسه دون دعوة من الشركاء .

( الفرض الثاني) أن يكون الدائن لم يدع للتدخل فى إجراءات القسمة، بالرغم من المعارضة التى وجهها إلى الشركاء جميعاً، أو بالرغم من أن له حقاً مقيداً .

( الفرض الثالث ) أن يكون الدائن لم يتدخل فى إجراءات القسمة لأنه لم يعارض، أو عارض ( أو كان له حق مقيد ) ودعى إلى التدخل فلم يتدخل .

الفرض الأول - تدخل الدائن فعلاً فى إجراءات القسمة :

ما دام الدائن قد تدخل فعلاً فى إجراءات القسمة، بناء على معارضته أو بناء على تدخله من تلقاء نفسه، فقد أعطى الفرصة الكافية لمراقبة إجراءات القسمة، ولمنع تواطؤ الشركاء على الإضرار بمصلحته، فإذا تمت القسمة، فليس لهذا الدائن أن يعترض عليها . ولا يجوز له بوجه خاص أن يطعن فيها بالدعوى البوليصية، فقد حل تدخله فى القسمة محل هذه الدعوى ديمولومب 17 فقرة 228 - بودري وفال في المواريث 3 فقرة 3236 .

الفرض الثاني - عدم إدخال الدائن فى إجراءات القسمة بالرغم من معارضته أو بالرغم من أن له حقاً مقيداً :

أما إذا وجه الدائن معارضته إلى جميع الشركاء أو كان له حق مقيد، وبالرغم من ذلك لم يدع إلى التدخل فى إجراءات القسمة، ولم يتدخل هو من تلقاء نفسه، فإن الشركاء يكونون قد خالفوا القانون فى عدم دعوة الدائن إلى التدخل فى إجراءات القسمة بعد أن وجه إليهم جميعاً معارضة فى أن تتم القسمة دون تدخله، أو بعد أن قيد حقه قبل رفع دعوى القسمة أو قبل إبرام عقد القسمة .

وجزاء ذلك هو ما تقول الفقرة الأولى من المادة 842 مدنى، فيما رأينا، من أن تكون " القسمة غير نافذة فى حقهم " أى فى حق الدائنين الذين عارضوا أو الذين لهم حقوق مقيدة فالقسمة إذن تكون غير نافذة في حق هؤلاء الدائنين، وذلك دون حاجة إلى أن يثبتوا تواطؤ الشركاء، بل ودون حاجة إلى أن يثبتوا عش الشريك المدين . فمجرد عدم دعوتهم إلى التدخل بعد أن عارضوا، أو بعد أن قيدوا حقوقهم، كاف لجعل القسمة غير نافذة فى حقهم، ماداموا لم يتدخلوا فعلاً فى القسمة ولكن يجب مع ذلك على الدائن أن يثبت أن القسمة قد عادت عليه بالضرر ويكفى لإثبات الضرر أن يثبت الدائن مثلاً أن القسمة لم تضع فى نصيب الشريك المدين إلا أموالاً منقولة أو نقوداً يسهل تهريبها، أو جعلت هذا الشريك دائناً فى القسمة بمعدل لشريك معسر، أو جعلت نصيب هذا الشريك أقل من قيمة حصته الحقيقية، أو لم توقع فى نصيب هذا الشريك المال الذي ارتهنه الدائن بل أوقعت هذا المال فى نصيب شريك آخر أما إذا بيع المال الشائع فى المزاد واقتسم ثمنه، فليس هناك ضرر لحق الدائن إذا لم يثبت أن المال الشائع قد بيع بثمن أقل كثيراً من قيمته الحقيقية .

ومتى أثبت الدائن الضرر الذى لحقه من القسمة، وأصبحت القسمة غير نافذة فى حقه، عاد المال إلى الشيوع بالنسبة إلى هذا الدائن ومن ثم يجوز طلب قسمة المال من جديد لتكون القسمة نافذة فى حق الدائن، ويجوز أن يطلب القسمة أى شريك حتى الشريك المديون، كما يجوز أن يطلبها الدائن باسم هذا المدين .

ويجوز للدائن أن يقتصر، بدلاً من إعادة طلب القسمة، على مطالبة الشركاء جميعاً متضامنين بتعويض الضرر الذى لحقه من القسمة، على أساس الخطأ الذى ارتكبه الشركاء فى عدم دعوة هذا الدائن إلى التدخل كما يجوز للشركاء أن يفوا الدائن حقه، فلا تصبح له مصلحة فى الطعن فى القسمة، ويرجع الشركاء الذين دفعوا الدين على شريكهم المدين.

وإذا كان للشريك المدين وجه للطعن فى القسمة، كأن يطعن فيها بالغبن أو بالغلط أو بالإكراه أو بالتدليس أو بغير ذلك من وجوه الطعن، جاز للدائن أن يستعمل حق مدينه فيطعن فى القسمة عن طريق الدعوى غير المباشرة بودري وفال في المواريث 3 فقرة 3244 وفقرة 3256 .

الفرض الثالث - عدم تدخل الدائن فى القسمة لأنه لم يعارض أو بالرغم من دعوته إلى التدخل :

بقى الفرض الأخير، وهو أن يكون الدائن لم يتدخل فى القسمة، إما لأنه لم يعارض أو عارض ( أو كان له حق مقيد ) ودعى إلى التدخل فلم يتدخل بالرغم من دعوته إلى ذلك وهذا الفرض هو الذي نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 842 مدنى، فيما رأينا، إذ تقول : " أما إذا تمت القسمة، فليس للدائنين الذين لم يتدخلوا فيها أن يطعنوا عليها إلا فى حالة الغش.

وفى هذا الفرض يكون الدائن إما غير مقصر إذا هو لم يعلم بالقسمة فلم يعارض، أو يكون مقصراً إذا هو دعى إلى التدخل لمعارضته أو لأن حقه مقيد ومع ذلك لم يتدخل وفى جميع هذه الأحوال، مقصراً كان الدائن أو غير مقصر، إذا تمت القسمة دون أن يتدخل فى إجراءاتها، فإن الشركاء لا ذنب لهم فى ذلك فالدائن لم يعارض ولم يكن حقه مقيداً، ولذلك لا ذنب للشركاء إذا لم يدعوه التدخل أو دعاه الشركاء إلى التدخل لأنه عارض أو كان حقه مقيداً، فلا ذنب لهم أيضاً إذا كان هو لم يتدخل . ومن أجل ذلك تكون القسمة نافذة فى حق الدائن، إلا إذا طعن هذا فيها بالدعوى البولصية، فأثبت غش المدين وتواطؤ سائر الشركاء معه، وفقاً للقواعد المقررة فى هذه الدعوى استئناف مختلط 4 مايو سنة 1916 م 28 ص 300 - 25 يناير سنة 1940 م 52 ص 111.

وإذا كانت القسمة قضائية، وصدر حكم بالقسمة جاز للدائن أن يطعن فى هذا الحكم بطريق اعتراض الخارج عن الخصومة على الحكم الصادر فيها .

وتنص المادة 450 / 1 مرافعات فى هذا الصدد على أنه " يجوز لمن يعتبر الحكم الصادر فى الدعوى حجة عليه . ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها، أن يعترض على هذا الحكم بشرط إثبات غش من كان يمثله أو تواطؤه أو إهماله الجسيم " . والمطلوب من الدائن فى الفرض الذي نحن بصده أن يثبت تواطؤ الشريك المدين مع سائر الشركاء كما سبق القول، أما فى اعتراض الخارج عن الخصومة فيكتفى من المدين أن يثبت غش المدين الشريك أو إهماله الجسيم .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثامن، الصفحة/ 1237)

يجب إدخال الدائنين المقيدين حتی تنفذ القسمة في حقهم سواء كانت القسمة اتفاقية أو قضائية على خلاف في الرأي إذ يذهب عرفة والبدراوي وعبد الباقي إلى قصر الإدخال على القسمة القضائية وفقاً للنص واستندوا إلى المذكرة الإيضاحية التي قصرت ذلك على القسمة القضائية دون الاتفاقية - كما يجب على كل شريك أن يدخل دائنه الشخصي أن لم يكن معروفاً لباقي شركائه، فإن كان الحق مقيداً فيستوي أن يكون على المال المراد قسمته أو على مال آخر ضم الشيوع، أما من يدعي استحقاق العين فليست له مصلحة في التدخل في القسمة فهي غير نافذة في حقه إذا قضى له بالاستحقاق، فالدائن هو الذي يجب إدخاله ليحمي مصالحه فإن لم يدخله الشركاء كان له أن يتدخل من تلقاء نفسه في القمة الاتفاقية فيراقب مفاوضة الشركاء وأعمال الخبير المكلف منهم بإجراء القسمة، وفي القسمة القضائية بصحيفة تودع قلم الكتاب أو بحضوره بالجلسة طالباً قبول تدخله منضماً لمدينه، كما له أن يعارض في إجراء القسمة بغيره تدخله، وليس لهذه المعارضة شكل خاص فقد تكون بانذار على يد محضر، وهذا أفضل، أو بخطاب مسجل أو غير مسجل أو شفاهة ويقع على الدائن عبء إثبات أن المعارضة تمت ولجميع الشركاء بمن فيهم المدين فإن نعت لبعضهم فقدت أثرها فالقسمة لا تتجزأ، ويبقى الحق في المعارضة قائماً حتى تتم القسمة ومتی تمت المعارضة وجب على الشركاء إدخال الدائن المعارض، ولا يلزم الدائن صاحب الحق المقيد، كالدائن المرتهن رهناً رسمياً أو رهناً حيازاً أو صاحب حق الاختصاص أو الامتياز ويلحق بهؤلاء المشتري لجزء مفرز من أحد الشركاء متی سجل عقد البيع، بالمعارضة إذ يجب على الشركاء ادخالهم طالما أن القيد تم قبل القسمة الاتفاقية أو قبل رفع دعوى القسمة. ومتى تمت المعارضة أو الإدخال أو التدخل أصبح الدائن طرفاً في إجراءات القسمة يجب اتخاذها في مواجهته ويتحمل مصاريف التدخل والمعارضة، وإذا تمت القسمة دون أن يمثل فيها الدائن فله أن يطلب اعتبار القسمة كأن لم تكن فيعود المال لحالة الشيوع، كما يجوز له إذا ترتب له ضرر من القسمة أن يرجع على الشركاء جميعاً متضامنين بتعويض الضرر الذي أصابه على أساس المسئولية التقصيرية لعدم إدخاله في القسمة، أما اذا لم يتدخل الدائن رغم دعوته للتدخل أو لأنه لم يعارض، فتكون القسمة نافذة في حقه ولا يستطيع أن يطعن فيها إلا بالدعوى البوليصية بأن يثبت تواطؤ المدين وسائر الشركاء.

والغاية من الدعوة، إحاطة الدائن يعزم الشركاء على قسمة المال الشائع حتى يتدخل في القسمة إذا رغب في ذلك، ومن ثم يقوم تسجيل صحيفة دعوى صحة ونفاذ عقد القسمة، أو تسجيل عقد الصلح المقدم في دعوى القسمة أو ما اتفق عليه الشركاء وأثبتوه في محضر دعوى القسمة وتسجيل هذا المحضر، يقوم ذلك مقام دعوة الدائنين، إذ يفترض علمهم بالقسمة افتراضاً لا يقبل إثبات العكس إعمالاً للقرينة القاطعة للشهر، طالما كانت هناك فسحة يتمكن معها الدائن من التدخل في الدعوى، وإلا اعتبرت الدعوة غير متحققة.

فإن لم تتم الدعوة، جاز للدائن التمسك بعدم نفاذ القسمة في حقه واعتبار الشيوع مازال قائماً، وسبيله إلى ذلك بدعوى يرفعها وفقاً للقواعد العامة في الاختصاص، ويجب أن تتوافر له المصلحة كما لو كانت القمة قد أدت إلى غبن الشريك المدين بحيث لا تكفي قيمة الحصة التي إختص بها بالدين، أما إن كانت كافية، انتفت المصلحة وتعين القضاء بعدم قبول الدعوى.

فإن كان البائن الذي لم يخطر بالقسمة، هو مشتر لجزء مفرز، أدت القسمة إلى عدم اختصاص الشريك البائع به، وتبين للمحكمة التي تنظر دعوى عدم نفاذ القسمة، أن إجراءات القسمة تمت وفقاً لما يتطلبه القانون وأنها لو أعيدت لتمت القسمة على النحو السابق، فإنها تقضي بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة والمقرر في هذا الخصوص أن القسمة تنفذ في حق المشتري لحصة مفرزة ولو كان قال سجل عقده قبل إجرائها وينتقل حقه إلى الحصة التي اختص بها الشريك البائع وفقاً لقاعدة الحلول .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الحادي عشر، الصفحة/ 557)

للدائنين مصلحة في المعارضة في القسمة حتى يقوم الشركاء في الشيوع بإدخالهم في إجراءات القسمة، ذلك أن للدائنين مصلحة جدية في هذا الإدخال، إذ قد يغبن فيها أحد الشركاء المدينين فيقل ضمان الدائنين، كما أنه من المتصور أن يتواطأ الشركاء المتقاسمون إضراراً بدائنيهم أو بدائنی واحد منهم، ومن الممكن أن يقع هذا الإضرار في فروض متعددة.

فقد يدعى الشركاء في تركة أن شريكهم المعسر مديناً لمورثهم توطئة لخصم هذا الدين الصور من حصته العينية ثم يدفعون إليه الفرق خفية لتكملة نصيبه الحقيقي.

أو يكون الشريك المدين قد تصرف في حصة شائعة أو في جزء مفرز من عقار معين، فيتفق مع الشركاء الآخرين على إيقاع هذا العقار في نصيب شريك آخر حتى يفوتوا على المشتري غرضه من الصفقة.

كما قد يعمد الشركاء إلى أن يقع الجزء المفرز من المال الشائع المرهون للدائن في نصيب أحد الشركاء الآخرين، فيتحول الرهن من المال محل الرهن إلى مال آخر على غير إرادة ورغبة الدائن المرتهن.

كما قد يتفق الشركاء على أن تقع في نصيب الشريك المدين أموال غير قابلة للحجز أو سهلة الإخفاء كالنقود والمنقولات والأوراق المالية.

وفي حالة البيع بطريق التصفية، قد يتفق الشركاء على قصر المزايدة عليهم، رغم أن في دخول أجنبي المزايدة فرصة لارتفاع الثمن الذي يرسو به المزاد فيرتفع ضمان الدائنين.

ولذلك هيأ القانون لدائني الشركاء ما يمكنهم من منع هذا الإضرار والتواطؤ قبل وقوعه، وكذلك تفادي نتائجه إذا تمت القسمة منطوية على تواطؤ بقصد الإضرار بالدائن، لأن هذا الدائن لو ترك لحكم القواعد العامة فإنه لا يكون أمامه سوى الطعن في القسمة بالدعوى البوليصية، وليس باليسير إثبات شروطها.

الدائنون الواجب إدخالهم :

الدائنون الذين يجب إدخالهم في دعوى القسمة هم دائنو كل شريك، يستوى أن يكون دائن الشريك دائناً شخصياً أو دائناً ذا حق مقيد كالدائن المرتهن رسمياً أو حيازياً أو صاحب حق الاختصاص أو الامتياز وفي الحالة الأخيرة يستوى أن يكون الحق المقيد واقعاً على المال الشائع المراد قسمته، أو واقعاً على غيره من أموال الشريك، ويجوز أن يكون حق الدائن مقترناً بأجل أو معلقاً على شرط.

إنما لا يعتبر دائناً من يدعي استحقاق المال الشائع وليست له مصلحة في التدخل في القسمة إذ هي غير نافذة في حقه إذا أثبت استحقاقه.

إدخال الدائنين مقصور على القسمة القضائية :

الرأي السائد أن إدخال الدائنين في القسمة عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة 842 مدنی مقصور على القسمة القضائية، فلا يترتب على معارضة الدائن إلزام الشركاء بإدخاله في القسمة الاتفاقية، وذلك استناداً إلى عبارة النص حيث يحدد المشرع الدائنين الذين يجب على الشركاء إدخالهم بقوة القانون بقوله: "المقيدة حقوقهم قبل رفع دعوى القسمة".

وعلى ذلك فإنه طبقاً لهذا الرأي السائد ليس أمام الدائنين إذا تمت القسمة اتفاقاً إلا أن يطعنوا في عقد القسمة وفقاً للقواعد العامة بدعوى عدم نفاذ التصرف أي الدعوى البوليصية إذا توافرت شروطها.

كيفية معارضة الدائنين في القسمة :

لم يشترط القانون شكلاً معيناً في معارضة الدائنين في القسمة وكل ما اشترطه هو أن توجه المعارضة إلى جميع الشركاء بما فيهم الشريك المدین. وبالترتيب على ذلك يكفي أن تصل المعارضة إلى علم الشركاء بأي طريق كان.

فيجوز أن تكون بإعلان على يد محضر- وهو الأفضل- أو بكتاب مسجل مصحوب بعلم الوصول، أو بكتاب مسجل، أو بكتاب عادي إلى كل من الشركاء، يبدى فيه الدائن معارضته في إجراء القسمة في غير حضوره. كما يجوز أن تكون المعارضة شفهية، ولكن الدائن يلتزم في هذه الحالة تحمل إثبات معارضته.

وتعتبر معارضة كافية أن يحصل الدائن من مدينه أو من أي شريك آخر على وعد بألا تجرى قسمة المال الشائع بدون تدخل الدائن، بشرط أن يعلن الدائن هذا الوعد إلى جميع الشركاء.

ولا يكفي مجرد علم الشركاء بدائن شريكهم، ولكن إذا تعهد المدينون الشركاء لدائنهم في عقد المديونية، بأن يدعوه للتدخل في قسمة المال الشائع قام هذا التعهد مقام المعارضة بالنسبة إلى هؤلاء الشركاء.

وإذا وجهت المعارضة إلى بعض الشركاء دون البعض، لم يكن لها أثر بالنسبة إلى الشركاء الذين وجهت إليهم المعارضة لأن القسيمة لا تتجزأ.

ومعارضة الدائنين عمل من الأعمال التحفظية فيكفي أن تتوافر في الدائن أهلية القيام بأعمال الإدارة وإذا لم يعارض الدائن في القسمة على نحو ما تقدم، فإنه يجوز له بعد رفع دعوى القسمة أن يتدخل في الدعوى منضماً إلى مدينه ويكون التدخل بالطريق الذي رسمته المادة 26 مرافعات التي تجري على أن :

يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضماً لأحد الخصوم أو طالباً الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى.

ويكون التدخل بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة أو بطلب يقدم شفاها في الجلسة في حضورهم ويثبت في محضرها ولا يقبل التدخل بعد إقفال باب المرافعة.

ميعاد المعارضة :

لم يحدد القانون ميعاداً لمعارضة الدائنين في القسمة القضائية، ومن ثم فإنه يجوز أن تتم هذه المعارضة بمجرد علم الدائن بأن للمدين حصة في مال شائع، ويستمر حق الدائن في المعارضة قائماً حتى تصدر المحكمة حكماً في دعوى القسمة أي بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز الذي اختص به في القسمة، أو بتقسيم الثمن الذي بيع به المال الشائع على الشركاء.

أما إذا صدر الحكم في دعوى القسمة فإنه لا يجوز للدائنين الذين لم يتدخلوا فيها أن يطعنوا عليها إلا في حالة الغش.

أثر معارضة الدائنين في القسمة :

إذا عارض الدائنون في القسمة وجب على الشركاء في المال الشائع إدخال من عارض منهم في جميع إجراءات القسمة، سواء أكانت القسمة عينية أم بطريق التصفية.

فيجب على الشركاء إدخال الدائنين المقيدة حقوقهم قبل رفع دعوى القسمة سواء عارضوا في القسمة أم لم يعارضوا، فدعوتهم واجبة في كل الأحوال.

وهؤلاء هم الدائنون الذين تقرر لهم حق عيني تبعي على حصة مدينهم الشائعة في العقار، وتم قيد حقوقهم قبل رفع دعوى القسمة، ويدخل فيهم الدائن الذي تقرر له رهن على جزء مفرز من العقار الشائع، إذا توصل إلى قيد حقه.

ومثل هؤلاء الدائن المرتهن رهناً رسيماً أو حيازياً أو صاحب حق الاختصاص أو الامتياز على المال الشائع.

إذا أدخل الشركاء في المال الشائع الدائنين في دعوى القسمة أو تدخلوا هم فيها، كان الدائنون طرفاً في جميع إجراءات القسمة، فلا يجوز مباشرة إجراءات دعوى القسمة بعد إدخالهم أو تدخلهم إلا في مواجهتهم.

ويكون دور الدائنين في الدعوى هو أن يطلبوا سير إجراءاتها في الطريق السوي، فيتلافى الدائنون ما يلحق بمدينهم من غبن، أو حدوث تواطؤ بين الشريك المدين وباقي الشركاء على الإضرار بهم، فلهم مثلاً أن يطلبوا أن تكون الحصص متساوية في قيمتها أو أن يعطی كل شريك نصيبه بطريق الاقتراع لا بطريق التجنيب غير أنه لا يجوز للدائن توجيه إجراءات القسمة وفق مصلحته، فلا يجوز له بيع المال في المزاد بدلاً من قسمته عيناً إذا كانت القسمة العينية ممكنة دون ضرر يلحق بقيمة المال الشائع، أو يطلب أن يختص مدينه بكامل حصته عيناً.

ولا يجوز له منع مدينه من التصرف في حصته أو ترتيب حقوق عينية عليها لأن المعارضة أو التدخل ليس من شأنه أن يجعل حصة الشريك المدين غير قابلة للتصرف فيها، مع احتفاظ الدائن بحقه في رفع الدعوى البوليصية.

أما إذا حصلت القسمة بطريق التصفية، فللدائن أن يطلب قبول الأجانب في المزايدة، حتى لو اتفق الشركاء جميعاً على قصرها عليهم، ذلك أن الحكمة من إدخال الدائنين هي الحيلولة دون تواطؤ الشركاء للإضرار بحقوقهم. فإذا أبيح الشركاء الاتفاق على استبعاد الأجانب من المزايدة سهل لهم ذلك سبيل التواطؤ الذي عمل الشارع على حمايتهم منه، فليس عسيراً على الشركاء في مثل هذه الحالة أن يتفقوا على جعل المزايدة صورية بحتة حتى يرسو المزاد على أحدهم بأبخس الأثمان، ثم يسوون علاقتهم فيما بينهم بعد ذلك من وراء ظهور الدائنين.

إذا عارض الدائنون في القسمة، أو كان لهم حق مقيد قبل رفع دعوى القسمة، ومع ذلك لم يقم الشركاء في المال الشائع بإدخالهم في دعوى القسمة، ولم يكن هم قد تدخلوا فيها، فقد نصت المادة 1/ 842 مدني على الجزاء المترتب على ذلك بقولها: "وتوجه المعارضة إلى الشركاء ويترتب عليها إلزامهم أن يدخلوا من عارض من الدائنين في جميع الإجراءات، وإلا كانت القسمة غير نافذة في حقهم".

فيترتب على عدم إدخال هؤلاء الدائنين إذن عدم نفاذ القسمة في حقهم، ولا يلزم لعدم نفاذ القسمة في حقهم إثبات تواطؤ الشركاء، فالقانون إذ ألزم الشركاء إدخالهم في جميع الإجراءات فقد افترض هذا التواطؤ، فلا يقبل من الشركاء إثبات عكس هذه القرينة القاطعة.

ويترتب على عدم نفاذ القسمة في حق الدائنين أن يعود المال إلى الشيوع بالنسبة للدائنين، ومن ثم يجوز طلب قسمة المال من جديد من أي من الشركاء لتكون القسيمة نافذة في حق الدائنين.

كما يجوز للدائن أن يرفع دعوى القسمة باسم مدينه بطريق الدعوى غير المباشرة.

غير أنه يجب لثبوت الحق للدائنين في عدم نفاذ القسمة في حقهم، أن يثبت الدائنون أن القسيمة بالشكل التي تمت به قد عادت عليهم بالضرر إذ في غير حالة توافر هذا الضرر لن يكون لهم مصلحة في التمسك بعلم نفاذ القسمة في حقهم".

ومن ناحية أخرى فإنه يحق للدائن أن يعتبر عدم إدخال الشركاء له في القسمة خطأ تقصيرياً يخول له أن يطالبهم متضامنين بتعويض الضرر الذي لحقه، ويكون لهؤلاء أن يتحاشوا الرجوع عليهم بهذه الدعوى إذا هم أوفوا لهذا الدائن حقه ثم يرجع الموفي أو الموفون على زميلهم المدين.

أثر عدم تدخل الدائنين في دعوى القسمة لعدم معارضتهم أو بعد معارضتهم ودعوتهم إلى التدخل :

إذا لم يتدخل الدائنون في دعوى القسمة، لعدم اعتراضهم عليها أو لعدم وجود حق مقيد لهم قبل رفع الدعوى، أو اعترض الدائنون على القسمة ودعاهم الشركاء إلى التدخل في الدعوى، ولكنهم لم يتدخلوا، فإن القسمة تكون نافذة في حقهم وليس لهم أن يطعنوا عليها إلا في حالة الغش.

وعلى هذا تنص الفقرة الثانية من المادة 842 مدني بقولها : "أما إذا تمت القسمة، فليس للدائنين الذين لم يتدخلوا فيها أن يطعنوا عليها إلا في حالة الغش".

وذلك أن الشركاء لا ذنب لهم في هذه الصورة في عدم تدخل الدائنين في القسمة، ويكون النقيض من جانب الدائنين فلا يجوز لهم الإفادة من الجزاء الذي يقرره القانون. بمعنى أن القسمة تسرى قبلهم فلا يكون لهم الاعتراض عليها إلا في حالة الغش.

ومفهوم ذلك هو الرجوع إلى القواعد العامة الخاصة بحماية الدائنين من تصرفات مدينهم الضارة بحقوقهم، ومن مقتضى ذلك أنه يشترط لقبول دعوى عدم نفاذ القسمة التي تمت في حق الدائنين الذين لم يتدخلوا فيها أن تتوافر شروط قبول الدعوى البوليصية، وأخصها إعسار الشريك المدين وإثبات التواطؤ بينه وبين الشركاء على الإضرار بدائنيه (م 238)، إنما يكفي لإثبات هذا التواطؤ التدليسي أن تكون القسمة قد تمت بإجراءات سريعة، بحيث يفترض لفرط سرعتها تواطؤ الشركاء فيما بينهم على الانتهاء من القسمة قبل أن يتمكن الدائنون من المعارضة فيها.

كما يجوز للدائن أن يطعن في الحكم النهائي الصادر بالقسمة بطريق التماس إعادة النظر، عملاً بالمادة 241 /8 مرافعات التي تنص على أن: للخصوم أن يلتمسوا إعادة النظر في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية في الأحوال الآتية:

لمن يعتبر الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه، ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها بشرط إثبات غش من كان يمثله أو تواطؤ أو إهماله الجسيم.

ويكفي في هذه الدعوى أن يثبت الدائن غش المدين أو إهماله الجسيم.

نصت المادة 43 مرافعات (معدلة بالقانون رقم 18 لسنة 1999) على أن: تختص محكمة المواد الجزئية كذلك بالحكم ابتدائياً مهما تكن قيمة الدعوى وانتهائياً إذا لم تجاوز قيمتها خمسة آلاف جنيه فيما يلي:

(3) -.......... دعاوى قسمة المال الشائع".

وبالترتيب على ذلك فإن الحكم الصادر في دعوى القسمة يكون قابلاً للطعن فيه بالاستئناف إذا زادت قيمة الدعوى على خمسة آلاف جنيه.

ونقدر قيمة الدعوى بقيمة المال الشائع محل القسمة، فإذا كان المال الشائع عقاراً قدرت قيمته طبقاً لنص المادة 37 بند (1) مرافعات (معدلة بالقانون رقم 18 لسنة 1999، التي تقضي بأن: "يراعى في تقدير قيمة الدعوى ما يأتي:

1- الدعاوى التى يرجع فى تقدير قيمتها إلى قيمة العقار، يكون تقدير هذه القيمة باعتبار خمسمائة مثل من قيمة الضريبة الأصلية المربوطة عليه إذا كان العقار مبنياً، فإن كان من الأراضي يكون التقدير باعتبار أربعمائة مثل من قيمة الضريبة الأصلية.

فإذا كان العقار غير مربوط عليه ضريبة قدرت المحكمة قيمته".

وعلى ذلك لا يعتد بالقيمة التي قدرها المدعى للعقار في صحيفة دعوى القسمة، إذا كانت مخالفة للتقدير سالف الذكر.

المحكمة المختصة بنظر الاستئناف :

تختص بنظر استئناف الأحكام الصادرة ابتدائياً في دعاوى القسمة من المحكمة الجزئية، المحكمة الابتدائية (بهيئة استئنافية) أياً كانت قيمة الدعوى.

عدم جواز الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة من محكمة الدرجة الثانية في دعاوى القسمة.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الحادي عشر الصفحة/ 682)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 239

مَسَائِلُ ذَاتُ اعْتِبَارَاتٍ خَاصَّةٍ:

47- الْمَسْأَلَةُ الأْولَى: قِسْمَةُ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ لاَ تَقْبَلُ الْقسْمَةَ: كَالثَّوْبِ وَالإْنَاءِ وَالْعَقَارِ الْوَاحِدِ الَّذِي هُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، أَعْنِي أَنَّ فِي قِسْمَتِهِ إِضْرَارًا بِجَمِيعِ الشُّرَكَاءِ أَوْ بِبَعْضٍ مِنْهُمْ أَوْ فَسَادًا وَإِضَاعَةَ مَالٍ دُونَ نَفْعٍ مَا.

وَجَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - مِنْ حَيْثُ الإْجْبَارُ عَلَى الْقِسْمَةِ أَوِ التَّرَاضِي عَلَيْهَا - يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ مَعْنَى الضَّرَرِ الْمَانِعِ مِنْ قِسْمَةِ الإْجْبَارِ لَكِنْ لِلْمَالِكِيَّةِ بِهَا فَضْلُ عِنَايَةٍ، وَلَهُمْ فِيهَا مَزِيدُ بَيَانٍ، وَهَذَا مَوْضِعُ تَفْصِيلِهِ: ذَلِكَ أَنَّهُمْ تَفْرِيعًا عَلَى ضَرَرِ الْقِسْمَةِ حِينَئِذٍ يَجْعَلُونَ لِلشَّرِيكَيْنِ - وَيَنُوبُ الْقَاضِي عَنِ الْغَائِبِ مِنْهُمَا، فَيُمْضِي لَهُ مَا يَرَاهُ - الْخِيَارَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ:

1 - الإْبْقَاءُ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَالاِنْتِفَاعُ بِالْعَيْنِ مُشْتَرَكَةً.

2 - بَيْعُ الْعَيْنِ وَاقْتِسَامُ ثَمَنِهَا، وَمِنْهُ أَوْ بِمَثَابَتِهِ الْمُزَايَدَةُ عَلَيْهَا بَعْدَ رُسُوِّ سِعْرِهَا فِي السُّوقِ (أَوْ بَعْدَ تَقْوِيمِ خَبِيرٍ إِنْ لَمْ يَرْضَوُا السُّوقَ) - وَتُسَمَّى الْمُقَاوَاةَ - فَمَنْ رَغِبَ فِيهَا بِأَكْثَرَ أَخَذَهَا، وَإِذَا اسْتَوَيَا فَالْمُمْتَنِعُ مِنَ الْبَيْعِ أَوْلَى بِأَخْذِهَا، ثُمَّ عَلَى آخِذِهَا أَنْ يَدْفَعَ لِصَاحِبِهِ مُقَابِلَ حَقِّهِ فِي ثَمَنِ الْجُمْلَةِ.

هَذَا إِذَا كَانَتِ الْقِسْمَةُ مَحْضَ فَسَادٍ كَقِسْمَةِ بِئْرٍ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ ضَارَّةً، مَعَ إِمْكَانِ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَقْسُومِ بَعْدَهَا انْتِفَاعًا مَا مُخَالِفًا لِجِنْسِ مَنْفَعَتِهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَدَارٍ يُمْكِنُ جَعْلُهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ مَرْبِطَيْنِ لِدَابَّتَيْنِ، فَإِنَّ لِلشُّرَكَاءِ وَجْهًا ثَالِثًا مِنْ وُجُوهِ الْخِيَارِ: هُوَ أَنْ يَقْتَسِمُوا الْعَيْنَ بِطَرِيقِ التَّرَاضِي.

إِلاَّ أَنَّ الإْجْبَارَ عَلَى الْبَيْعِ مَشْرُوطٌ عِنْدَهُمْ بِعِدَّةِ شَرَائِطَ.

أ - أَنْ يَطْلُبَ الْبَيْعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، فَلاَ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ الْعَيْنِ دُونَ طَلَبٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمَا

ب - أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ عَدَمِ قَابِلِيَّةِ الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّهُ مَعَ قَبُولِ الْقِسْمَةِ لاَ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ مُؤْثِرُهَا عَلَيْهِ .

ج - أَنْ يَنْقُصَ ثَمَنُ حِصَّةِ طَالِبِ الْبَيْعِ، لَوْ بِيعَتْ مُنْفَرِدَةً، وَإِلاَّ فَلْيَبِعْ إِنْ شَاءَ حِصَّتَهُ وَحْدَهَا، إِذْ لاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.

د - أَنْ لاَ يَلْتَزِمَ الشَّرِيكُ الآْخَرُ بِفَرْقِ الثَّمَنِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى بَعْضِ الْحِصَّةِ مُنْفَرِدَةً، وَإِلاَّ فَلاَ مَعْنَى لإِجْبَارِهِ عَلَى الْبَيْعِ.

هـ - أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكَانِ قَدْ مَلَكَا الْعَيْنَ جُمْلَةً فَلَوْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ عَلَى حِدَةٍ، لَمَا كَانَ لَهُ الْحَقُّ فِي إِجْبَارِ شَرِيكِهِ عَلَى الْبَيْعِ، لأِنَّهُ مِلْكٌ عَلَى حِدَةٍ فَيَبِيعُ عَلَى حِدَةٍ، وَلَكِنْ أَنْكَرَ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ مِنْ كِبَارِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ الْيَزْنَاسِيُّ: الْعَمَلُ الآْنَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا .

و - أَنْ لاَ تَكُونَ الْعَيْنُ عَقَارًا لِلاِسْتِغْلاَلِ كَالْمَطْحَنِ وَالْمَخْبَزِ وَالْمَصْنَعِ وَالْحَمَّامِ؛ لأِنَّ عَقَارَ الاِسْتِغْلاَلِ، أَوْ (رِيعَ الْغَلَّةِ) كَمَا يَقُولُونَ، لاَ تَنْقُصُ قِيمَةُ الْحِصَّةِ مِنْهُ إِذَا بِيعَتْ مُفْرَدَةً، بَلْ رُبَّمَا زَادَتْ، وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ (عَلَى أَنَّهَا لَوْ سَلِمَتْ، فَإِنَّ شَرِيطَةَ نَقْصِ ثَمَنِ الْحِصَّةِ تُغْنِي عَنْهَا) .

وَحُجَّةُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الإْجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ الْقِيَاسُ عَلَى الشُّفْعَةِ بِجَامِعِ دَفْعِ الضَّرَرِ فِي كُلٍّ وَالْجَمَاهِيرُ مِنْ حَنَفِيَّةٍ وَشَافِعِيَّةٍ وَكَثِيرٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ يَرُدُّونَهُ بِأَنَّ الأْصْلَ أَنَّ الْجَبْرَ عَلَى إِزَالَةِ الْمِلْكِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، لقوله تعالي: (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)، فَلاَ يُنْتَقَلُ عَنْهُ إِلاَّ بِدَلِيلٍ نَاقِلٍ، وَلَيْسَ هُنَا هَذَا الدَّلِيلُ النَّاقِلُ، إِذِ الْقِيَاسُ عَلَى الشُّفْعَةِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، فَلَوْ لَمْ تُشْرَعِ الشُّفْعَةُ لَلَزِمَ ضَرَرٌ مُتَجَدِّدٌ عَلَى الدَّوَامِ، وَلاَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ مَعَ الشَّرِيكِ وَلَعَلَّهُ لِذَلِكَ عَدَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ إِلَى الاِسْتِدْلاَلِ بِمُجَرَّدِ الاِسْتِصْلاَحِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، مَعَ أَنَّ فِيهِ إِنْزَالَ ضَرَرٍ بِالشَّرِيكِ الْمُمْتَنِعِ، فَهِيَ إِذَنْ مُوَازَنَةٌ بَيْنَ الضَّرَرَيْنِ، أَلاَ تَرَاهُ يَقُولُ: وَهَذَا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ الْمُرْسَلِ .

وَالْحَنَابِلَةُ فِي مُعْتَمَدِهِمْ يُوَافِقُونَ الْمَالِكِيَّةَ عَلَى إِجْبَارِ الشَّرِيكِ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ شَرِيكِهِ، بَلْ يُطْلِقُونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ مَنْ دَعَا شَرِيكَهُ إِلَى الْبَيْعِ فِي كُلِّ مَا لاَ يَنْقَسِمُ إِلاَّ بِضَرَرٍ أَوْ رَدِّ عِوَضٍ أُجْبِرَ عَلَى إِجَابَتِهِ، فَإِنْ أَبَى بِيعَ عَلَيْهِمَا وَقُسِمَ الثَّمَنُ وَيَزِيدُونَ أَنَّهُ لَوْ دُعِيَ إِلَى الإْجَارَةِ أُجْبِرَ أَيْضًا .

وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ طَلَبَ الْبَيْعِ لَيْسَ حَتْمًا لإِِجْبَارِ الشَّرِيكِ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ شَرِيكِهِ، بَلْ يَكْفِي طَلَبُ الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ لاَ فِي قِيمَةِ النِّصْفِ، فَلاَ يَصِلُ إِلَى حَقِّهِ إِلاَّ بِبَيْعِ الْكُلِّ، وَلِذَا أَمَرَ الشَّرْعُ فِي السِّرَايَةِ أَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ كُلُّهُ، ثُمَّ يُعْطَى الشُّرَكَاءُ قِيمَةَ حِصَصِهِمْ .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: عَيْنُ الْمَاءِ.

48 - لاَ تُقْسَمُ لاَ جَبْرًا وَلاَ تَرَاضِيًا، إِذْ لاَ يُمْكِنُ قَسْمُهَا إِلاَّ بِوَضْعِ حَاجِزٍ فِيهَا أَوْ أَكْثَرَ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ أَوِ الأْنْصِبَاءِ ، وَفِي هَذَا مِنَ الضَّرَرِ وَنَقْصِ الْمَاءِ مَا يَجْعَلُ الْقِسْمَةَ فَسَادًا، أَمَّا مَجْرَى الْمَاءِ إِذَا اتَّسَعَ لِمَجْرَيَيْنِ، فَإِنَّهُ تَصِحُّ قِسْمَتُهُ تَرَاضِيًا لاَ جَبْرًا، إِذْ لاَ يُمْكِنُ تَحَقُّقُ الْمُسَاوَاةِ، فَقَدْ يَكُونُ انْدِفَاعُ الْمَاءِ فِي جَانِبٍ أَقْوَى مِنْهُ فِي الآْخَرِ، كَمَا أَنَّ الْمَاءَ نَفْسَهُ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ تَرَاضِيًا، كَيْفَمَا شَاءَ الشُّرَكَاءُ، أَمَّا جَبْرًا فَلاَ يُقْسَمُ إِلاَّ بِالْقِلْدِ - وَهُوَ الْمِعْيَارُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ - هَكَذَا قَرَّرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَأُصُولُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ تَأْبَى مِنْ قِسْمَةِ الْعَيْنِ نَفْسِهَا تَرَاضِيًا لاَ إِجْبَارًا، كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الاِخْتِلاَفُ فِي رَفْعِ الطَّرِيقِ وَمِقْدَارِهِ:

49 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَاسِمُونَ فِي قِسْمَةِ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَقْتَسِمُ وَلاَ نَدَعُ طَرِيقًا، وَقَالَ بَعْضٌ: بَلْ نَدَعُهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْمَصْلَحَةِ، وَتَحْقِيقِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ عَلَى الْكَمَالِ مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ كَانَ بِوُسْعِ كُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَتَّخِذَ لِنَفْسِهِ طَرِيقًا عَلَى حِدَةٍ اسْتَوْفَى مَعْنَى الْقِسْمَةِ، وَلَمْ يُبْقِ شَيْئًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ، وَإِلاَّ فَالْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِي إِبْقَاءَ طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ، إِذْ لاَ يَكْمُلُ الاِنْتِفَاعُ بِالْمَقْسُومِ بِدُونِهِ، فَيُجْبِرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، يَقْسِمُ مَا عَدَا الطَّرِيقَ، وَيُبْقِي الطَّرِيقَ عَلَى الشَّرِكَةِ الأْولَى دُونَ تَغْيِيرٍ، إِلاَّ أَنْ يَقَعَ التَّشَارُطُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ التَّغْيِيرِ، كَأَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنْ يَجْعَلُوهُ بَيْنَهُمْ عَلَى التَّفَاوُتِ وَقَدْ كَانَ عَلَى التَّسَاوِي لأِنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى التَّفَاوُتِ بِالتَّرَاضِي جَائِزَةٌ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا مِلْكِيَّةَ الطَّرِيقِ لِبَعْضِهِمْ، وَحَقَّ الْمُرُورِ فَحَسْبُ لِلآْخَرِينَ، وَقَيَّدُوهُ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ بِأَنْ تَكُونَ مِلْكِيَّةُ الطَّرِيقِ لِمَنْ تَرَكَ مُقَابِلاً لَهُ مِنْ نَصِيبِهِ، وَأَهْمَلُوهُ فِي الْمَجَلَّةِ .

فَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الطَّرِيقِ فَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فِي سَعَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ فِي ضِيقِهِ، وَبَعْضُهُمْ فِي عُلُوِّهِ، وَبَعْضُهُمْ فِي انْخِفَاضِهِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَجْعَلُهُ عَلَى عَرْضِ بَابِ الدَّارِ وَارْتِفَاعِهِ؛ لأِنَّ هَذَا يُحَقِّقُ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، وَلاَ تَتَطَلَّبُ الْحَاجَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُحَدَّدُ ارْتِفَاعُهُ بِمَا ذَكَرْنَا لِيَتَمَكَّنَ الشُّرَكَاءُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهَوَائِهِ وَرَاءَ هَذَا الْمِقْدَارِ، كَأَنْ يُشْرِعَ أَحَدُهُمْ جَنَاحًا؛ لأِنَّهُ حِينَئِذٍ بَاقٍ عَلَى خَالِصِ حَقِّهِ، إِذِ الْهَوَاءُ فِيمَا فَوْقَ ارْتِفَاعِ الْبَابِ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ، كَمَا أَنَّ هَذَا التَّحْدِيدَ يَمْنَعُ عُدْوَانَ أَحَدِهِمْ بِالْبِنَاءِ أَخْفَضَ مِنْ ذَلِكَ فَوْقَ الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ، إِذْ يَكُونُ حِينَئِذٍ بَانِيًا عَلَى الْهَوَاءِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ لاَ يَجُوزُ دُونَ رِضَا بَاقِي الشُّرَكَاءِ، هَذَا فِي طَرِيقِ الدَّارِ، أَمَّا طَرِيقُ الْحَقْلِ فَيَكُونُ بِمِقْدَارِ مَا يَمُرُّ ثَوْرٌ وَاحِدٌ، إِذْ لاَ بُدَّ لِلزِّرَاعَةِ مِنْهُ، فَيَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى الْحَدِّ الأْدْنَى، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى مُرُورِ ثَوْرَيْنِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ أَيْضًا إِلَى مُرُورِ عَرَبَةٍ وَمَا إِلَيْهَا عَلَى فُحْشِ تَفَاوُتِ الأْحْجَامِ فَلاَ يَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ .

وَالْمَذَاهِبُ الأْخْرَى عَلَى خِلاَفِهِ أَخْذًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْهُ صلي الله عليه وسلم : «إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ جُعِلَ عَرْضُهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ»، وَيَحْرِصُ الْحَنَابِلَةُ هُنَا عَلَى التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَهُ صلي الله عليه وسلم فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِجَمَاعَةٍ أَرَادُوا الْبِنَاءَ فِيهَا، وَتَشَاجَرُوا فِي مِقْدَارِ مَا يَتْرُكُونَهُ مِنْهَا لِلطَّرِيقِ، وَأَنَّهُ لاَ عَلاَقَةَ لَهُ إِطْلاَقًا بِالطَّرِيقِ الْعَامِّ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِهِ فِي جَوَازِ تَضْيِيقِهِ إِلَى سَبْعَةِ أَذْرُعٍ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ .

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ إِشْرَاعُ جَنَاحٍ فِيهِ، مَهْمَا كَانَ ارْتِفَاعُهُ إِلاَّ بِرِضَا سَائِرِ الشُّرَكَاءِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ رَأْيٌ بِالْجَوَازِ، بِشَرِيطَةِ عَدَمِ الضَّرَرِ بِحَجْبِ ضَوْءٍ أَوْ تَعْوِيقِ رَاكِبٍ مَثَلاً، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالأْشْبَهُ بِمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والأربعون ، الصفحة / 139

مَا يَجِبُ فِيهِ النَّقْدُ:

أ- فَفِي بَيْعِ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لاَ يَصِحُّ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ نَقْدًا مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَلَوْ بَاعَ بِنَسِيئَةٍ، أَوْ أَخَّرَ الدَّفْعَ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» .

وَالتَّفْصِيلُ فِي (رِبَا ف 13) وَ (صَرْف ف 8).

وَتَلْحَقُ الْفُلُوسُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لاَ رِبَا فِيهَا (ر. صَرْف ف 46 - 48).

ب- السَّلَمُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ نَقْدُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، لأِنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ كَانَ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» .

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ تَأْخِيرَ قَبْضِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ وَعِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (سَلَم ف 16).

ج- بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ بَدَلِ قَرْضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لاَ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ الْمَدِينِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَنْقُدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ إِنْ بِيعَ بِمَا لاَ يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً، لِحَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَبِيعُ الإْبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «لاَ بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الدَّائِنِ مَدِينَهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآْخَرِ، بِشَرْطِ النَّقْدِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ .

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي ذَلِكَ وَالْخِلاَفُ فِيهِ فِي (دَيْن ف 58 - 60) وَ (صَرْف ف 40).