loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس، الصفحة : 128

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- القسمة سواء كانت عقداً أو قسمة قضائية، وسواء كانت القسمة القضائية قسمة عينية أو قسمة تصفية يترتب عليها أثران :

(أ) يكون لها أثر رجعي، فيعتبر المتقاسم مالكاً للحصة التي آلت إليه منذ أن تملك في الشيوع، وأنه لم يملك غيرها شيئاً في بقية الحصص ( قارن م 555 من التقنين المختلط وهي تنص على أن القسمة منشئة كالبيع ) ومن أجل هذا يقال عادة إن القسمة مقررة أو كاشفة للحق ويترتب على هذا الأثر الرجعى نتائج كثيرة معروفة، أهمها أن تصرفات الشريك في جزء مفرز يوقف أثرها حتى تعرف نتيجة القسمة.

(ب) يضمن المتقاسمون بعضهم لبعض ما يقع من تعرض أو استحقاق لنصيب مفرز لسبب سابق على القسمة ويكون كل من الشركاء ملزماً لمستحق الضمان بنسبة حصته (بما في ذلك حصة مستحق الضمان نفسه) ويقدر الشيء بقيمته وقت القسمة، وتوزع حصة المعسر على جميع المتقاسمين الموسرين ولا محل للضمان إذا كان هناك شرط صريح في سند القسمة يقضي بالإعفاء من الضمان في الحالة الخاصة التي نشأ عنها هذا الضمان ويسقط الضمان كذلك إذا كان سببه راجعاً إلى خطأ المتقاسم كأن أهمل في قطع التقادم.

2 - وفي قسمة التراضي وحدها ( أي إذا كانت القسمة عقداً ) يجوز نقض القسمة للغبن فيما يزيد على الربع، ويقدر الشيء بقيمته وقت القسمة، وترفع دعوى الغبن في خلال السنة التالية للقسمة ويجوز وقف الدعوى إذا أكمل للمدعى نقداً أو عيناً ما نقص من حصته أما القسمة القضائية فلا تقبل فيها دعوى الغبن لأن المفروض في هذه القسمة أن كل الاحتياطات قد اتخذت لمنع الغبن.

الأحكام

1 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه يترتب على انصراف آثار العقد إلى الخلف العام طبقا لنص المادة 145 من القانون المدنى أنه يسرى فى حقه ما يسرى فى حق السلف بشأن هذا العقد فلا يشترط إذا ثبوت تاريخ العقد أو تسجيله حتى يكون التصرف حجة للخلف أو عليه لأنه قائما مقام المورث ويلتزم بتنفيذ ما التزم به مورثه لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن هو أحد ورثه الشريك الذى أبرم عقد القسمة محل النزاع مع المطعون ضدهما ومن ثم فإن أثر هذا العقد ينصرف إليه باعتباره خلفا عاما لمورثه - وليس خلفا خاصا كما يدعى - ويكون حجة عليه دون توقف على ثبوت تاريخه أو تسجيله وفى طلبه نقض القسمة للغبن يسرى فى حقه ما يسرى فى حق مورثه من وجوب تقديم هذا الطلب فى خلال السنة التالية للقسمة طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة 845 من القانون المدنى.

(الطعن رقم 342 لسنة 57 جلسة 1992/04/15 س 43 ع 1 ص 597 ق 127)

2 ـ إن المادة 845 من القانون المدنى قد جعلت من الغبن الذى يزيد على الخمس عيباً فى عقد القسمة يجيز بذاته للشريك المغبون طلب نقضها و لهذا الشريك أن يجيز القسمة التى لحقه منها فتصبح بعد ذلك غير قابلة للنقض و هذه الإجازة كما تكون صريحة يجوز أن تكون ضمنية إذ القانون لم يشترط لتحققها صورة معينة . و تصرف الشريك المغبون فى كل أو بعض نصيبه بعد علمه بالغبن الذى لحقه و ظروفه يمكن أن يعتبر إجازة ضمنية للقسمة و نزولاً منه عن حقه فى طلب نقضها إذا دلت ظروف الحال على أن نيته قد إتجهت إلى التجاوز عن هذا العيب و إلى الرضاء بالقسمة رغم وجوده . و تقدير تلك الظروف و تعرف هذه النية من شئون محكمة الموضوع .

(الطعن رقم 359 لسنة 34 جلسة 1968/12/05 س 19 ع 3 ص 1480 ق 225)

3 ـ جعلت المادة 845 من القانون المدني من الغبن الذي يزيد على الخمس عيباً فى عقد القسمة يجيز بذاته طلب نقضها ، ومن ثم فإذا وقع فى القسمة غبن بالمقدار الذي حدده القانون ، جاز للشريك المغبون أن يرجع على باقي الشركاء بالغبن حتى ولو كان سبب الإستحقاق قد استبعد فى عقد القسمة من أن يكون سبباً للرجوع بالضمان وذلك تحقيقاً للمساواة بين المتقاسمين . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وذهب إلى أن إسقاط الطاعنة حقها فى الضمان بالنسبة لحصتها فى العمارة يترتب عليه سقوط حقها فى طلب نقض القسمة للغبن فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 51 لسنة 40 جلسة 1975/04/01 س 26 ع 1 ص 728 ق 142)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 845 مدني على ما يأتي :

1- يجوز نقض القسمة الحاصلة بالتراضي إذا أثبت أحد المتقاسمين أنه قد لحقه منها غبن يزيد على الخمس، على أن تكون العبرة في التقدير بقيمة الشيء وقت القسمة ".

2 - ويجب أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة . وللمدعى عليه أن يقف سيرها ويمنع القسمة من جديد، إذا أكمل للمدعي نقداً أو عيناً ما نقص من حصته.

الغبن في ذاته عيب في عقد القسمة يجيز نقضها :

إذا وقع في القسمة غبن بالمقدار الذي حدده القانون، فهذا في ذاته عيب يجعل عقد القسمة قابلاً للنقض، أي قابلاً للإبطال وليس من الضروري أن يصحب الغبن تدليس أو غلط، كما أنه ليس من الضروري أن يكون الغبن نتيجة لاستغلال طيش بين أو هوى جامح في الشريك المغبون فالغبن وحده كاف لجعل عقد القسمة قابلاً للإبطال، بناء على طلب الشريك المغبون ويترتب على ذلك أن للشريك المغبون أن يجيز عقد القسمة الذي وقع فيه الغبن، فيصبح العقد بعد الإجازة غير قابل للنقض ولا يعتبر الشريك المغبون مميزاً لعقد القسمة إذا هو نزل، في عقد القسمة نفسه، عن حقه في نقضه للغبن بودري وفال في المواريث 3 فقرة 3567 وتكون هناك إجازة ضمنية إذا نفذ الشريك المغبون عقد القسمة تنفيذاً اختيارياً بعد علمه بالغبن الذي لحق به، كأن دفع المعدل الذي التزم بدفعه أو تسلمه إذا كان هو الدائن به، أو تسلم المال المفرز الذي وقع في نصيبه راضياً ولو لم تنقض السنة التي يجب أن يرفع في خلالها دعوى الغبن، أو تصرف في هذا المال المفرز بالبيع أو الهبة أو الرهن أو نحو ذلك من التصرفات الدالة على الرضاء بما قسم له والنزول عن دعوى النقض للغبن.

مقدار الغبن وكيفية حسابه : رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 845 مدني تنص على أنه " يجوز نقض القسمة الحاصلة بالتراضي إذا أثبت أحد المتقاسمين أنه قد لحقه منها غبن يزيد على الخمس، على أن تكون العبرة في التقدير بقيمة الشيء وقت القسمة " وقد كان المشروع التمهيدي لنص المادة 845 مدني يشترط في الغبن أن يزيد على الربع لا على الخمس، وذلك أسوة بمقدار الغبن في القسمة في القانون الفرنسي ولكن لجنة المراجعة عدلت مقدار الغبن إلى الخمس أسوة بالغبن في بيع عقار القاصر، ولأن الخمس هو المقدار المألوف في الغبن في الشريعة الإسلامية.

دعوى نقض القسمة للغبن :

فإذا ما تحقق الغبن في القسمة الاتفاقية على النحو الذي بسطناه، جاز رفع دعوى نقض القسمة، حتى لو كان المال المقسوم منقولاً، بخلاف البيع فيشترط لجواز الطعن فيه للغبن أن يكون البائع غير متوافر الأهلية وأن يكون المبيع عقاراً .

والمدعى في هذه الدعوى هو الشريك الذي لحقه الغبن، فإذا كان بعض الشركاء قد لحق بهم غبن دون بعض آخر، فلا يستطيع الشريك الذي يلم يلحقه غبن رفع الدعوى وتنتقل دعوى الغبن من الشريك الذي لحقه الغبن إلى وارثه، فيجوز للوارث بعد موت مورثه أن يرفع الدعوى أو أن يواصل السير فيها ويجوز كذلك لدائن الشريك الذي لحقه الغبن أن يرفع الدعوى باسم مدينة، طبقاً للقواعد المقررة في الدعوى غير المباشرة.

والمدعى عليه في دعوى الغبن هم سائر الشركاء، لأن دعوى الغبن ترمي إلى إبطال القسمة الاتفاقية، وهذه قد تمت بتراضي جميع الشركاء .

وتنص الفقرة الثانية من المادة 845مدني، كما رأينا، على أنه " يجب أن ترفع الدعوى في خلال السنة التالية للقسمة" ونظير ذلك ما رأيناه في دعوى الغبن للاستغلال من أنها هي أيضاً يجب أن ترفع في " خلال سنة من تاريخ العقد وإلا كانت غير مقبولة " ( م 129 / 2 مدني ) فالسنة في الحالتين ميعاد إسقاط لا مدة تقادم، وذلك بخلاف المدة التي ترفع في خلالها دعوى الغبن في بيع عقار غير متوافر الأهلية فالنص صريح في أن المدة هي مدة تقادم إذ تنص المادة 426 / 1 مدني على أن " تسقط بالتقادم دعوى تكملة الثمن بسبب الغبن إذا انقضت ثلاث سنوات من وقت توافر الأهلية أو من اليوم الذي يموت فيه صاحب العقار المبيع " . ومن ثم تكون السنة التي يجب أن ترفع في خلالها دعوى نقض القسمة للغبن هي ميعاد لرفع الدعوى، لا مدة للتقادم وتبدأ السنة من وقت تمام عقد القسمة للغبن هي ميعاد لرفع الدعوى، لا مدة للتقادم وتبدأ السنة من وقت تمام عقد القسمة الاتفاقية، وتحسب بالتقويم الميلادي ( م3 مدني ) فإذا انقضت السنة، سواء علم الشريك المغبون بالغبن أو لم يعلم، دون أن يرفع هذا الشريك دعوى نقض القسمة، ورفعها بعد ذلك، كانت الدعوى غير مقبولة، والفرق بين ميعاد الإسقاط الذي نحن بصدده ومدة التقادم أن ميعاد الإسقاط لا ينقطع ولا يقف، بخلاف مدة التقادم فيرد عليها الانقطاع والوقف.

وعبء إثبات الغبن الذي يزيد على الخمس يقع على عاتق المدعي أي الشريك المغبون، وله أن يثبت ذلك بجميع طرق الإثبات ومنها البينة والقرائن لأنه إنما يثبت واقعة مادية والغالب في العمل أن تعين المحكمة خبيراً لتقدير قيمة المال الشائع وقت القسمة، ولتقدير قيمة المال المفرز الذي وقع في نصيب الشريك المغبون وقت القسمة أيضاً، وبمقارنة هاتين القيمتين تمكن معرفة ما إذا كان الشريك قد لحقه غبن يزيد على الخمس بالنظر إلى مقدار حصته في المال الشائع قبل القسمة . ومتى ثبت للقاضي وقوع غبن للمدعى يزيد على الخمس، على النحو الذي بسطناه، فإنه يتعين عليه أن يقضي بنقض القسمة، أي بإبطالها ففي دعاوى الإبطال، على خلاف دعاوى الفسخ، لا يملك القاضي سلطة تقديرية ويتحتم عليه أن يقضي بإبطال العقد متى تحقق سبب الإبطال.

الآثار التي تترتب على نقض القسمة للغبن : إذا انقضت القسمة الاتفاقية للغبن، بطلت واعتبرت كأن لم تكن، وعادت حالة الشيوع التي كان قد زالت بالقسمة قبل إبطالها، واعتبر المال المملوك للشركاء شائعاً بينهم منذ بدأ الشيوع وكأنه لم ينقطع . فيجوز إذن لأي شريك أن يطلب القسمة من جديد، سواء في ذلك الشريك المغبون الذي نقض القسمة أو أي شريك آخر لم يطلب نقضها ويجوز أن تكون القسمة الجديدة قسمة اتفاقية كما كانت أول مرة وعندئذ يجوز نقضها هي أيضاً للغبن على الوجه الذي بيناه، كما يجوز أن تكون قسمة قضائية وعندئذ لا يجوز نقضها للغبن .

ونقض القسمة للغبن له أثر رجعي كما قدمنا، فيتسقط تصرفات الشركاء في الأموال المفرزة التي وقعت في نصيبهم نتيجة للقسمة، وتعود هذه الأموال خالية من الحقوق التي ترتبت للغير طبقاً للقواعد المقررة في شان إثر إبطال العقد في التصرفات الصادرة للغير، أما أعمال الإدارة فتبقى محتفظة بأثرها حتى بعد نقض القسمة، وذلك وفقاً للقواعد المقررة في هذا الشأن .

تفادي نقض القسمة بإكمال نصيب الشريك المغبون :

قدمنا انظر آنفاً فقرة 545 أن المادة 8ت 46 / 2 مدني تنص في شأن دعوى الغبن على أن " للمدعى عليه أن يقف سيرها ويمنع القسمة من جديد إذا أكمل للمدعى نقداً أو عيناً ما نقص من حصته ".

ويلاحظ أن هناك حالتين أخريين يناظران تفادي نقض القسمة بإكمال نصيب الشريك المغبون . ( الحالة الأولي ) حالة الغبن عن طريق الاستغلال، ففيها يجوز للمتعاقد المغبون أن يطلب إبطال العقد أو إنقاص التزاماته وإنقاص الالتزامات هنا ليس ضرورياً أن يكون بحيث يرفع أي غبن عن المتعاقد المغبون، بل يكفي أن يرفع عنه الغبن الفاحش الوسيط 1 فقرة 211 وكذلك يجوز للمدعي عليه في عقود المعاوضة أن يتوقى دعوى الإبطال " إذا عرض ما يراه القاضي كافيا لرفع الغبن " ( م 129 / 3 مدني ) ولا يشترط أن تكون الزيادة التي يعرضها المدعى عليه لتوقي دعوى الإبطال " بحيث تجعل الثمن معادلاً لقيمة الشيء، بل يكفي أن تكون بحيث تجعل الغبن الذي يتحمله البائع لا يصل إلى حد الغبن الفاحش الوسيط فقرة 210 والحالة الثانية ) حالة الغبن في بيع عقار من لا تتوافر فيه الأهلية، فقد نصت المادة 425 / 1 مدني على أنه " إذا بيع عقار مملوك لشخص لا تتوافر فيه الأهلية ولقد نصت المادة 425 / 1 مدني على أنه " إذا بيع عقار مملوك لشخص لا تتوافر فيه الأهلية وكان في البيع غبن يزيد على الخمس، فللبائع أن يطلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المنزل".

ففي الحالتين المتقدمتين الذكر من حالات الغبن، لا يعوض الطرف إلا بما يرفع عنه الغبن الفاحش، وهو عادة ما يزيد على الخمس فيكفي أن يرتفع الغبن بحيث يصبح غير زائد على الخمس، وليس من الضروري أن يرتفع الغبن بتاتاً أما في الحالة التي نحن بصددها، وهي حالة نقض القسمة للغبن، فلا يكفي ذلك، بل يجب إكمال الشريك المغبون، نقداً أو عيناً، ما نقص من حصته فيجب إذن، لتفادي دعوى نقض القسمة، رفع الغبن بتاتاً عن الشريك المغبون، وإعطاؤه ما يجعل قيمة نصيبه في القسمة يعادل تماماً حصته الشائعة دون نقص والسبب في ذلك أن البيع وأمثاله من العقود تعتبر من عقود المضاربة، يحتمل فيها للغبن ويتسامح فيه إلى حد معين أما القسمة فليست من عقود المضاربة، بل هي عقد يقوم في أساسه على المساواة ما بين المتقاسمين، فإذا اختلت هذه المساواة اختل العقد وإذا كان القانون قد تسامح في غبن لا يزيد على الخمس في بداية الأمر حتى لا تثار المنازعات لأقل غبن يصيب الشريك، فإنه تشدد متى زاد الغبن على الخمس فأوجب إكمال نصيب الشريك بما يساوي حصته تماماً، ولم يكتف بابلاغ نصيب الشريك إلى أربعة الأخماس كما اكتفي في الاستغلال وفي بيع عقار غير كامل الأهلية وحساب ما نقص من حصة الشريك المغبون يعتد فيه بوقت القسمة، لا بوقت الدفع، ويجب أن يضاف إلى ذلك ثمرات هذا الجزء الناقص أو فوائده من وقت القسمة إلى وقت الدفع، حتى يكون تعويض الشريك المغبون كاملاً.

وإكمال نصيب الشريك المغبون على هذا النحو يصح أن يكون نقداً أو عيناً.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثامن، الصفحة/ 1191)

لكل من المتقاسمين، بالرغم من أنه ارتضى القسمة، أن يطلب نقضها أي ابطالها، اذا ما ترتب عليها حصول غبن له يزيد على خمس ما كان يستحقه عند وقوعها، ويكفي أن يكون الغبن مجرداً فلا يلزم أن يكون نتيجة استغلال أو طيش بين أو هوى جامح وفي هذا استثناء من القاعدة العامة الواردة بالمادة 129 وسواء كانت القسمة واردة على عقار أو منقول ويشترط لنقض القسمة.

1- أن تكون القسمة اتفاقية، سواء كانت عينية أو كلية أو جزئية بمعدل أو بغير معدل حتى لو تمت بطريق التصفية وتم البيع لأحد الشركاء إذ يعتبر البيع هنا بمثابة قسمة فإن كان المعدل «الثمن» فيه غبن يجاوز خمس القيمة وقت القسمة كان لأي من الشركاء، فيما عدا من اختص بالعين أن ينقض القسمة وإذا تمت القسمة بعدة عقود فالعبرة في بيان الغبن هو بمجموع هذه العقود، ولا مجال لإعمال أحكام الغبن في العقود الاحتمالية كالشريك الذي يرتب إيراداً مدى الحياة لشريكه مقابل حصته في العين، وتخرج القسمة القضائية عن هذه الأحكام.

2 - أن يزيد الغبن على الخمس، والعبرة بقيمة المال الحقيقية وقت القسمة فلا يعتد بالقيمة الواردة بعقد القسمة ويمكن الاستعانة بأهل الخبرة في هذا التقدير، كما لا يعتد بالغبن اذا كان لسبب لاحق على القسمة كارتفاع قيمة جزء من المال المتقاسم أو انخفاضه .

3- يجب رفع دعوى نقض القسمة «ويطلق عليها البعض دعوى الغبن» خلال السنة التالية للقسمة، ويجوز رفعها من وارث الشريك المغبون أو من دائنه بالدعوى غير المباشرة، ولكن لا تقبل من الشريك غير المغبون، وترفع على باقي الشركاء، والسنة هنا ميعاد سقوط وليست مدة تقادم فلا يرد عليها الوقف أو الانقطاع إلا للسبب الأجنبي على خلاف المادة 426 مدنی، ومن ثم لا تقبل الدعوى إذا رفعت بعد سنة من تاريخ عقد القسمة سواء كان المتقاسم يعلم بالغبن أو لا يعلم.

ومتى تحققت هذه الشروط تعين على المحكمة أن تقضي بنقض القسمة فليس لها سلطة تقديرية في ذلك كما في الفسخ إذ النقض ابطال للقسمة، فتعود حالة الشيوع إلى ما كانت عليه قبلها وتعتبر القسمة كأنها لم تقع فتسقط التصرفات التي باشرها كل شريك على الحصة التي آلت إليه وتعود إلى الشيوع خالية من الحقوق التي ترتبت عليها للغير، ولا نبقى إلا أعمال الإدارة فتنفذ في حق باقي الشركاء.

ويجوز للمدعى عليه أن يوقف سير الدعوى إذا أكمل للمدعى نقداً أو عيناً ما نقص من حصته والخيار الأول باعتباره المدين، ومتى قبل الدائن فليس للمدين الرجوع في عرضه، وتجوز التكملة في أي حالة تكون عليها الدعوى ولو أمام الاستئناف بل له ذلك حتى بعد صدور حكم نهائي و قبل إجراء قسمة جديدة. أما التكملة التي يلتزم بها المدعى عليه «شريكاً أو أكثر» فهى ما ترفع كل غبن عن المدعي فيستحق المقابل الذي يصل به إلى حصته كاملة لا نقصان فيها إذ أن القسمة من عقود المساواة وليست من عقود المضاربة التي يتسامح فيها ببعض الغبن کالبيع .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الحادي عشر، الصفحة/ 579)

واضح من نص المادة 845 مدني أن الشارع يقصر نقض القسمة للغبن على القسمة الاتفاقية، دون القسمة القضائية وذلك على غير ما فعل القانون الفرنسي حيث أباح نقض القسمة القضائية للغبن.

وسند الشارع المصري في ذلك، أن كل الاحتياطات قد اتخذت في القسمة القضائية لمنع الغبن.

كما لا يسرى حكم نقض القسمة للغبن على قسمة المهيأة، فهذه تخضع للقواعد العامة.

ويبرر الفقه تطبيق أحكام الغبن على القسمة الاتفاقية، بأن وظيفة القسمة تقتضي أن يسود مبدأ المساواة بين المتقاسمين في حصول كل منهم على جزء مفرز يعادل حصته الشائعة. فالقسمة، وهي تقتصر على تحقيق التطابق بين النطاق المادي لحق الشريك ونطاقه المعنوي، لا تنقل للمتقاسم حقاً لم يكن له من قبل، وإنما هي تقتصر على الكشف عن الحق الذي كان ثابتاً له فهي على عكس المعاوضات الناقلة كالبيع، لا تقوم على أساس من المضاربة لذلك عنى الشارع بأن يكفل المساواة في هذا التطابق بين أنصبة الشركاء في القسمة وحصصهم الشائعة.

إجازة القسمة الاتفاقية من الشريك المغبون تمنع من رفع دعوى نقض القسمة للغبن :

يجوز للشريك المغبون في القسمة الاتفاقية أن يجيز هذه القسمة فتصبح القسمة بعد هذه الإجازة غير قابلة للنقض وتمنع الشريك المغبون من رفع دعوى نقض القسمة وهذه الإجازة كما تكون صريحة تكون ضمنية.

إذا وقع في القسمة غبن يزيد على الخمس، كان هذا عيباً كافياً بذاته لطلب نقض القسمة. فهذا العيب يجعل عقد القسمة قابلاً للإبطال. فالمشرع يقيم الغبن على أساس مادي بحت.

وعلى ذلك لا يشترط لنقض القسمة بالغبن، أن يكون الغبن الحاصل في القسمة نتيجة لاستغلال طيش بين أو هوى جامع في الشريك المغبون، كما تتطلب المادة 129 /1 مدني في الغبن الذي يقع في العقود الأخرى.

والغالب في العمل أن يكون الغبن قد وقع نتيجة لغلط في قيمة الشيء، وعندئذ يكون عقد القسمة قابلاً للإبطال إذا توافرت الشروط المنصوص عليها في المادتين 120، 121 مدني، وكذلك قابلاً للنقض إذا توافرت شروط الغبن.

ويقع الغبن، دون أن يكون هناك غلط أو تدليس أو إكراه.

أما الخطأ في الحساب فلا يكون سبباً للإبطال للغلط، ولا للنقض بالغبن والخطأ في الحساب يجب تصحيحه أياً كان مقدار الخطأ (م 123 مدني ).

ويجوز نقض القسمة للغبن سواء كان الشريك المغبون قاصراً أو رشيداً.

اختلاف الغبن في القسمة عن الغبن في عقد البيع:

تقوم فكرة نقض عقد القسمة للغبن علي فكرة تحقيق المساواة بين المتقاسمين، ومن هذا المنطلق اختلفت أحكام الغبن في القسمة عن أحكام الغبن في بيع عقار مملوك لشخص لا تتوافر فيه الأهلية إذا كان الغبن يزيد على الخمس (م 425 مدنی)، فعلى خلاف ما هو مقرر في هذا البيع لا يشترط أن يكون محل القسمة عقاراً، ولا أن يكون المتقاسم المغبون غير كامل الأهلية.

كما أن هناك فروقاً أخرى تتعلق بالدعوى وما يجب على الطرف الآخر داؤه لتجنب نقض القسمة.

جواز نقض القسمة العينية للغبن :

لا خلاف حول جواز نقض القسمة العينية بالغبن أياً كان نوع القسمة، أي سواء تمت بمعدل أو بغير معدل، وسواء كانت كلية أو جزئية:

القسمة بطريق التصفية أحد أنواع القسمة ومن ثم يجوز نقضها بالغبن.

إلا أنه يتعين التفرقة بين ما إذا كان المزاد قد رسا على أحد الشركاء أم رسا على أجنبي. فإذا كان المزاد قد رسا على أحد الشركاء فإن البيع - يعتبر قسمة، وبالتالي فإنه يعتد بالغبن الواقع في القسمة.

ومعنى ذلك أنه إذا بيع المال للشريك بأقل من أربعة أخماس قيمته فإنه بتوزيع الثمن على باقي الشركاء يكون نصيب كل منهم أقل من أربعة أخماس القيمة الحقيقة للمال الشائع، ومن ثم يحق لهؤلاء وهم الشركاء في المال الشائع - عدا المشتري- طلب نقض القسمة للغبن.

أما إذا كان المشتري أجنبياً أي ليس من بين الشركاء المشتاعين المتقاسمين، فإن رسو المزاد على الأجنبى يعد بيعاً لا قسمة، ومن ثم لا يتصور أن يكون هناك غبن في قسمة الثمن بين الشركاء، لأن الغبن هنا وقع في بيع المال الشائع وليس في قسمته.

الغبن في حالة تجزئة القسمة إلى عدة عقود :

قد لا تتم القسمة بعقد واحد، وإنما تتم بأكثر من عقد يرد كل منها على جزء من المال الشائع. وفي هذه الحالة لا ينظر في وجود الغبن إلى كل عقد على حدة ولكن إلى القسمة في مجموعها، إذ ربما يغبن المتقاسم في عقد ويأخذ أكثر من نصيبه في عقد آخر.

ومن ثم إذا تبين أن المتعاقد قد غبن بما يزيد على الخمس في مجموع هذه العقود، كان له طلب نقض العقود جميعها لأنها تعتبر مراحل متعاقبة في قسمة كلية واحدة.

قد يستر المتقاسمون عقد القسمة في صورة عقد آخر، كعقد بيع أو مقايضة أو صلح، وفي هذه الحالة تكون العبرة في طلب نقض العقد بالغبن، بحقيقة العقد فإذا ثبت أن العقد في حقيقته قسمة، وأنه وقع فيها غبن بما يزيد على الخمس، جاز للشريك المغبون طلب نقضها.

ويقع على عاتق الشريك الذي يدعي صورية العقد وأنه يخفي قسمة عبء إثبات ذلك.

ويتبع في الإثبات حكم القواعد العامة في الإثبات.

لا يجوز نقض عقد القسمة الاحتمالي بسبب الغبن :

لا يجوز نقض عقد القسمة الاحتمالي بسبب الغبن، لأن العقود الاحتمالية تأبى طبيعتها أن تنقض للغبن. فإذا قسمت قطعة أرض شائعة بين شريكين على أن يكون نصيب أحد الشريكين أداء احتمالياً، كأن يترك له ملكية الأرض في مقابل أن يقدم له إيراداً مرتباً مدى الحياة أو أن يرتب له على هذا المال حق انتفاع يبقى مادام هو على قيد الحياة.

مقدار الغبن الذي يجيز طلب نقض القسمة:

مقدار الغبن الذي يلحق بالشريك في القسمة، ويجيز له طلب نقض القسمة، هو الذي يزيد على خمس المال الشائع محل القسمة، فهو يقدر تقديراً حسابياً. فإذا كان الغبن يقل عن ذلك، لم يكن للشريك طلب نقض القسمة.

وبالرغم من أن الحكمة من جواز نقض القسمة للغبن أنها يجب أن تحقق المساواة بين المتقاسمين، إلا أنه يتعين أن يصل مقدار الغبن إلى قدر من الأهمية، قدره المشرع بما يزيد على الخمس، وإلا لما استقرت قسمة، إذ لا يخلو الأمر من وجود تفاوت في قيمة الأنصبة.

والعبرة في التقدير بقيمة المال الشائع وبقيمة نصيب كل شريك وقت القسمة، وليس وقت بدء الشيوع، أو وقت رفع دعوى الغبن، فالمراد هو تحقيق مبدأ المساواة في حصول كل من الشركاء بمقتضى القسمة على ما يعادل حصته الشائعة فيتعين أن يكون وقت القسمة هو المرجع في التقدير.

فلا يعتد بالزيادة أو النقص الذي يطرأ على المال الشائع أو على نصيب كل شريك بعد وقوع القسمة، فقد تزيد قيمة المال بسبب زيادة صقعه أو تقل بسبب انخفاض الأسعار.

وقد يحدث الغبن بغير إعادة تقويم المال، كما لو اختص وارث ضمن حصته - بدين للمورث على الغير، ثم يتبين أن المدين معسر منذ القسمة وترتب على إعساره أن لحق الوارث غبن يزيد على الخمس، فيكون له أن ينقض القسمة.

ويعتد في تقدير نصاب الغبن بقيمة حصة الشريك في مجموعها، فإذا كانت حصته مكونة من عقارات ومنقولات، وكانت قيمة ما خصه من العقارات أقل من قيمة ما خص بقية شركائه منها بما تزيد على الخمس، ولكن هذا النقص تعوضه زيادة في قيمة ما آل إليه من منقولات، فلا يكون ثمة مجال للطعن في القسمة بسبب الغبن في قيمة العقارات.

ولا يكفي النقض القسمة أن تكون حصة أحد الشركاء زائدة على قيمة حصة كل من الشركاء الباقين بما يجاوز الخمس، طالما أن هذه الزيادة لو وزعت على بقية الشركاء لما تحقق بالنسبة إلى كل منهم غبن يزيد على الخمس ومن ثم لا تكون دعوى الغبن مقبولة من أي منهم.

وفي تقدير القيمة لا يعتد بالقيمة المقدرة في عقد القسمة، وإنما يعاد التقدير من جديد، وللمحكمة الاستعانة بالخبراء في هذا التقدير.

وبالترتيب على ما تقدم، إذا كان الشركاء في مال شائع أربعة بحصص متساوية وقدرت قيمة المال بألفي جنيه، كان الواجب أن تكون قيمة نصيب كل من الشركاء 500 ج، ويجب لكي يكون الشريك مغبوناً أن تكون قيمة الحصة المفرزة التي وقعت في نصيبه تقل بما يزيد على خمس المبلغ الأخير وهو مائة جنيه أي بأن تكون قيمة حصته أقل من 400 ج.

تحديد نصاب الغبن ليس من النظام العام :

تحديد نصاب الغبن وهو ما يزيد على الخمس ليس من النظام العام، فيجوز أن يتفق المتقاسمون على خلافه، كأن يتفقوا على تحقيق المساواة التامة بين حصصهم، فإذا لم تراع هذه المساواة عند تكوين الحصص جاز للشريك الذي يتظلم من نقص قيمة حصته أن يطعن في القسمة بسبب الغبن، وعندئذ يكون للقاضي أن يقضي بنقض القسمة حتى لو كان الغبن أقل بكثير من الخمس.

عدم جواز تنازل الشريك مقدماً عن الحق في طلب نقض القسمة للغبن :

لا يجوز للشريك أن ينزل مقدماً عن حقه في طلب نقض القسمة بسبب الغبن، في أية صورة يفرغ فيها هذا التنازل، لأنه لا يجوز النزول عن الحق قبل وجوده، وهذا الحق لا يوجد إلا بتحقق الغبن فعلاً وهو ما لا يتحقق إلا بتمام القسمة وتوزيع الحصص.

ترفع دعوى نقض القسمة للغبن من الشريك، المغبون أي الذي لحقه الغبن وإذا تعدد الشركاء المغبونون جاز لهم رفع الدعوى منفردين أو مجتمعين.

أما الشريك الذي لم يغبن فلا يجوز له بداهة رفع الدعوى.

وتنتقل دعوى نقض القسمة للغبن من الشريك المغبون إلى وارثه، فيجوز للوارث بعد وفاة الشريك أن يرفع الدعوى أو أن يواصل السير فيها.

ويجوز كذلك لدائن الشريك المغبون أن يرفع الدعوى باسم مدينة طبقاً للقواعد المقررة في الدعوى غير المباشرة.

والمدعى عليه في دعوى نقض القسمة للغبن هم سائر الشركاء المشتاعون، لأن هذه الدعوى تهدف إلى إبطال القسمة بالنسبة للجميع، ويجب على المدعى اختصامهم.

رفع دعوى نقض القسمة للغبن خلال سنة:

أوجبت الفقرة الثانية من المادة 845 مدنی رفع دعوى نقض القسمة للغبن خلال السنة التالية للقسمة، فلا يحسب فيها اليوم الذي تمت فيه القسمة، وتحسب مدة السنة من اليوم التالي، وتحسب السنة بالتقويم الميلادي (م 3 مدنی )، وقد هدف الشارع من هذا الميعاد سرعة تحقيق الاستقرار النهائي للاتفاق المنهى الشيوع وحتى لا يبقى مصير القسمة معلقاً أمداً طويلاً.

ويسري هذا الميعاد على الخلف العام للمتقاسم رافع الدعوى.

فإذا لم ترفع الدعوى خلال سنة، كانت الدعوى غير مقبولة لرفعها بعد الميعاد، يستوي أن يكون المدعي قد علم بالغبن الذي لحق به أو لم يعلم ومدة السنة المذكورة، مدة سقوط لا تقادم، فهي مدة حتمية لا يرد عليها الوقف أو الانقطاع . وهي في هذا تتفق مع دعوى الغبن للاستغلال المنصوص عليها بالمادة 129 مدني، إذ نصت الفقرة الثانية منها على أنه يجب أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد، وإلا كانت غير مقبولة. ولكنها تختلف عن دعوى الغبن في بيع عقار غير متوافر الأهلية المنصوص عليها بالمادة 426 /1 مدني، والتي نصت على أن تسقط بالتقادم دعوى تكملة الثمن بسبب الغبن إذا انقضت ثلاث سنوات من وقت توافر الأهلية أو من اليوم الذي يموت فيه صاحب العقار المبيع.

يقع عبء إثبات الغبن في القسمة على الشريك الذي يدعى الغبن وهو المدعي في دعوى نقض القسمة بالغبن.

ولهذا الشريك إثبات الغبن بكافة طرق الإثبات القانونية - بما فيها البينة والقرائن - لأن محل الإثبات هنا واقعة مادية.

وغالباً ما تندب المحكمة التي تنظر الدعوى خبيراً تكون مهمته تقدير قيمة المال الشائع وقت القسمة وقيمة الجزء المفرز الذي آل إلى المدعي وقت القسمة أيضاً، وبمقارنة هاتين القيمتين يمكن معرفة ما إذا كان المدعي قد لحق به غبن يزيد على الخمس بالنظر إلى مقدار حصته في المال الشائع قبل القسمة.

الحكم الذي يصدر في دعوى نقض القسمة:

طلب نقض القسمة بالغبن، يهدف إلى هدم القسمة التي تمت أي هدم الاتفاق الذي أدى إلى الغبن، حتى يتيسر إجراء القسمة من جديد. ومادام هذا الهدم يرجع إلى سبب مقارن لنشوء التصرف القانوني يتمثل في عيب فيه، فإنه يقوم على بطلان تصرف المتقاسم المغبون أي أن الطعن في القسمة هو طلب بإبطال القسمة.

فإذا ثبت للقاضي حصول الغبن وجب عليه القضاء بإبطال عقد القسمة وليس للقاضي سلطة تقديرية في القضاء بإبطال العقد، لأن في دعاوى الإبطال لا يكون القاضي سلطة تقديرية في القضاء بالإبطال إذا ثبت له تحقق سببه وذلك على خلاف الحال بالنسبة لدعاوى الفسخ فله فيها سلطة تقديرية.

يترتب على القضاء بنقض القسمة أي إبطالها، اعتبارها كأن لم تكن، فيكون للحكم أثر رجعي، ويعود المتقاسمون إلى حالة الشيوع التي كانت قائمة، ويعتبر الشركاء مالكين على الشيوع منذ بدئه، وذلك عملاً بالمادة 142/ 1 مدني التي تقضي بأنه: "في حالتي إبطال العقد وبطلانه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد. فإذا كان هذا مستحيلاً جاز الحكم بتعويض معادل".

ويجوز للشركاء بعد صدور الحكم، الاتفاق على قسمة جديدة، كما أن لهم كلهم أو بعضهم الالتجاء إلى القضاء لإجراء القسمة.

وإذا وقع غبن لأحد الشركاء في القسمة الاتفاقية الثانية، جاز له أيضاً رفع دعوى نقض القسمة بالغبن.

وتسقط كأثر للحكم تصرفات الشركاء في الأموال المفرزة التي وقعت فی نصيبهم نتيجة للقسمة، وتعود هذه الأموال خالية من الحقوق التي ترتبت للغير طبقاً للقواعد المقررة في شأن إبطال العقد في التصرفات الصادرة للغير.

أما أعمال الإدارة فتبقى محتفظة بأثرها حتى بعد نقض القسمة، وذلك وفقاً للقواعد المقررة في هذا الشأن.

فقد أجاز النص للمدعى عليه في دعوى نقض القسمة بالغبن أن يوقف سير الدعوى ويمنع إجراء قسمة جديدة، وذلك بأن يكمل حصة شريكه المغبون (المدعي) بما يكفل تحقيق المساواة التامة بين حصتى كل منهما، فلا يكفي إذن لوقف السير في الدعوى أن يعرض المدعى عليه ما يكمل حصة المدعى إلى الحد الذي يزول معه الغبن المحظور بأن يكملها إلى أربعة أخماس القيمة.

وتختلف القسمة في ذلك عن دعوى الغبن عن طريق الاستغلال (م 129) و دعوى الغبن في بيع عقار ناقص الأهلية (م 425/ 1 مدنی ).

وعلة هذه التفرقة أن القسمة تعني التوزيع طبقاً للحقوق الخاصة بالمتقاسمین والتي كانت لهم في الشيوع السابق على القسمة، فوجود هذه الحقوق السابقة هو الذي يوجب احترامها عند القسمة، فإذا لم تحترم هذه الحقوق فإن هذا يخل بروح القسمة، أما العقود الأخرى كالبيع والمقايضة فهي تقوم على المعاوضة.

وإكمال نصيب الشريك المغبون يكون إما عيناً أو نقداً، ويكون الإكمال عيناً إذا أدي إليه جزءاً من المال الشائع الذي وقع في حصته يعادل قيمة النقص في حصة الشريك المغبون.

ويكون الإكمال نقداً إذا أدى إليه مبلغاً من النقود يساوي ما نقص في حصة الشريك المغبون.

والخيار للمدعى عليه وهو المدين في اختيار الوفاء بإحدى الطريقتين عيناً أو نقداً.

غير أنه إذا عرض المدعى عليه الإكمال بإحدى الطريقتين المذكورتين وقبل الشريك المغبون عرضه، امتنع على المدعى عليه العدول عن الطريقة التي اختارها إلى الطريقة الأخرى.

ويجب أن يضاف إلى تكملة النقص في حصة الشريك المغبون، ثمرات القدر الناقص أو فوائده من يوم القسمة حتى يوم الدفع.

وإذا تعدد المدعى عليهم، فعليهم الاتفاق على مبدأ إكمال حصة المدعى نقداً أو عيناً. فإذا اتفقوا على ذلك واختلفوا على قيمة ما يخص كل منهم، فصل القاضي في ذلك.

أما إذا لم يتفقوا على مبدأ الإكمال ذاته، كان للشركاء الذين وافقوا عليه أداء ما يكمل نصيب المدعي. فإذا قاموا بذلك قضت المحكمة بوقف السير في الدعوى غير أنه لا يجوز لهم الرجوع على من لم يوافق من الشركاء على مبدأ الإكمال بشئ .

وكما يجوز للمدعى عليه عرض التكملة، فإنه يجوز لدائنه التدخل في الدعوى وأن يعرض هذه التكملة نيابة عن مدينه.

وإكمال نصيب المدعی جائز في أية حالة تكون عليها الدعوى، فيجوز ذلك أمام محكمة ثاني درجة، بل بعد الحكم في الدعوى بحكم نهائي، طالما أن قسمة جديدة لم تتم، ذلك أن المشرع جعل له الحق في تكملة النصيب لا ليقف سير دعوى الغبن فقط، بل ويمنع إجراء القسمة من جديد .

ولا محل للاعتراض على ذلك لأن ما يعرضه المدعى عليه وهو تكملة حصة المدعي، يؤدي إلى نفس النتيجة المراد الوصول إليها بالقسمة الجديدة مع تفادي الإجراءات. كما أن نص المادة 845 مدني يؤدي إلى التفسير السابق فقد جرت على أن: "وللمدعى عليه أن يقف سيرها ويمنع القسمة من جديد...... الخ".

وفي حالة عرض نصيب المدعي بعد صدور حكم نهائي، وتحمل المدعي ثمة نفقات في سبيل إجراء قسمة جديدة يلتزم المدعى عليه بإضافة هذه النفقات إلى قيمة ما يكمل نصيبه. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الحادي عشر، الصفحة/ 758)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 205

قِسْمَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْقِسْمَةُ لُغَةً: النَّصِيبُ، جَعْلُ الشَّيْءِ أَوِ الأْشْيَاءِ أَجْزَاءً أَوْ أَبْعَاضًا مُتَمَايِزَةً.

قَالَ الْفَيُّومِيُّ: قَسَمْتُهُ قَسْمًا، مِنْ بَابِ ضَرَبَ: فَرَزْتُهُ أَجْزَاءً فَانْقَسَمَ، وَالْمَوْضِعُ مَقْسِمٌ مِثْلُ مَسْجِدٍ، وَالْفَاعِلُ قَاسِمٌ، وَقَسَّامٌ مُبَالَغَةٌ، وَالاِسْمُ الْقِسْمُ (بِالْكَسْرِ) ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْحِصَّةِ وَالنَّصِيبِ، فَيُقَالُ: هَذَا قَسْمِي، وَالْجَمْعُ أَقْسَامٌ، مِثْلُ حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ، وَاقْتَسَمُوا الْمَالَ بَيْنَهُمْ، وَالاِسْمُ الْقِسْمَةُ، وَأُطْلِقَتْ عَلَى النَّصِيبِ أَيْضًا .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مُعَيَّنٍ: أَيْ فِي نَصِيبٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ جَمْعًا لِلنَّصِيبِ بَعْدَ تَفَرُّقٍ، لأِنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُوَزَّعًا عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمُشْتَرَكِ، مَا مِنْ جُزْءٍ - مَهْمَا قَلَّ - إِلاَّ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِيهِ بِنِسْبَةِ مَا لَهُ فِي الْمَجْمُوعِ الْكُلِّيِّ، ثُمَّ صَارَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مُنْحَصِرًا فِي جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لاَ تَتَخَلَّلُهُ حُقُوقُ أَحَدٍ مِنْ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ، وَلَوْ كَانَتِ الْجُزْئِيَّةُ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ، كَمَا فِي الْمُهَايَأَةِ الزَّمَانِيَّةِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْبَيْعُ:

2 - الْبَيْعُ لُغَةً: مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، أَوْ دَفْعُ عِوَضٍ وَأَخْذُ مَا عُوِّضَ عَنْهُ .

وَاصْطِلاَحًا: مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ: أَنَّ الْقِسْمَةَ أَعَمُّ، فَقَدْ تَكُونُ بَيْعًا وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ

ب - الإْفْرَازُ:

3 - الإْفْرَازُ لُغَةً: التَّنْحِيَةُ أَيْ عَزْلُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ وَتَمْيِيزُهُ .

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَالصِّلَةُ: أَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَكُونُ بِالإْفْرَازِ ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهَا بَيَانُ الْحِصَصِ دُونَ إِفْرَازٍ، كَمَا فِي الْمُهَايَأَةِ فَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الإْفْرَازِ .

ج - الشَّرِكَةُ:

4 - الشَّرِكَةُ لُغَةً: اسْمُ مَصْدَرِ شَرِكَ، وَهِيَ خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ وَاخْتِلاَطُهُمَا، وَالْعَقْدُ الَّذِي يَتِمُّ بِسَبَبِهِ خَلْطُ الْمَالَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا .

وَمِنْ مَعَانِيهَا فِي الاِصْطِلاَحِ: أَنْ يَخْتَصَّ اثْنَانِ فَصَاعِدًا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالشَّرِكَةِ التَّضَادُّ.

مَشْرُوعِيَّةُ الْقِسْمَةِ:

5 - الْقِسْمَةُ مَشْرُوعَةٌ، وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإْجْمَاعُ.

أَمَّا الْكِتَابُ: فَفِي كَثِيرٍ مِنَ الآْيِ: مِنْ مِثْلِ: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأْقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا) .

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُهُ صلوات الله وسلامه عليه وَفِعْلُهُ وَتَقْرِيرُهُ:

فَمِنْ قَوْلِهِ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «إِذَا قُسِّمَتِ الأْرْضُ وَحُدَّتْ، فَلاَ شُفْعَةَ فِيهَا» ، وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ جَابِرٍ رضي الله عنه: «قَضَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ، فَلاَ شُفْعَةَ» .

وَمِنْ فِعْلِهِ: «أَنَّهُ صلي الله عليه وسلم كَانَ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ: نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَاتِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا» .

وَأَمَّا تَقْرِيرُهُ: فَلاَ شَكَّ أَنَّ قِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا كَانَتْ تَقَعُ عَلَى عَهْدِهِ صلوات الله وسلامه عليه ، فَيُسَدِّدُ وَلاَ يُنْكِرُ.

وَأَمَّا الإْجْمَاعُ: فَقَدْ كَانَ النَّاسُ - وَمَا زَالُوا - مُنْذُ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا يَتَعَامَلُونَ بِالْقِسْمَةِ فِي الْمَوَارِيثِ وَفِي غَيْرِ الْمَوَارِيثِ، دُونَ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ. قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ: فَكَانَتْ شَرْعِيَّتُهَا مُتَوَارَثَةً .

وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الْقِسْمَةَ تُوَفِّرُ عَلَى كُلِّ شَرِيكٍ مَصْلَحَتَهُ كَامِلَةً، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: إِنَّهَا لِتَكْمِيلِ نَفْعِ الشَّرِيكِ

تَكْيِيفُ الْقِسْمَةِ:

6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقِسْمَةِ هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَمْ مَحْضُ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ؟ يَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَذَاهِبَ أَرْبَعَةً:

الْمَذْهَبُ الأْوَّلُ:

أَنَّهَا بَيْعٌ بِإِطْلاَقٍ، وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ، لَكِنَّهُ خِلاَفُ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ قُدَامَى أَصْحَابِهِمْ، وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ .

وَقَالُوا: إِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ الْجَمِيعِ فَقَدْ بَاعَ مَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ بِمَا أَخَذَ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ أَوْ كَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّهُ يُبَدِّلُ نَصِيبَهُ مِنْ أَحَدِ السَّهْمَيْنِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنَ السَّهْمِ الآْخَرِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ .

الْمَذْهَبُ الثَّانِي:

أَنَّهَا مَحْضُ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ بِإِطْلاَقٍ، وَعَلَيْهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مَعَهُمُ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَكَذَلِكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا لَمْ تَقَعِ الْقِسْمَةُ جُزَافًا .

وَقَالُوا: إِنَّ لَوَازِمَ الْقِسْمَةِ تُخَالِفُ لَوَازِمَ الْبَيْعِ، وَاخْتِلاَفُ اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلاَفِ الْمَلْزُومَاتِ.

الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ:

أَنَّهَا تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِيمَا تَمَاثَلَ - أَيْ كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، مَعَ تَسَاوِي الرَّغَبَاتِ وَالْقِيمَةِ: كَالدُّورِ وَالْفَدَادِينِ الْمُتَقَارِبَةِ فِي الْمَسَافَةِ عُرْفًا الْمُتَسَاوِيَةِ فِي الْقِيمَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَفِي الرَّغْبَةِ لَدَى الشُّرَكَاءِ - أَوْ تَقَارَبَ (وَقَدْ يُقَالُ: تَجَانَسَ) - كَكُلِّ مَا يُلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ؛ لأِنَّ الْغَرَضَ الأْهَمَّ هُوَ اللُّبْسُ فَالْقُطْنُ وَالصُّوفُ وَالْحَرِيرُ وَغَيْرُهَا، مِنْ مَخِيطٍ وَغَيْرِ مَخِيطٍ، تَدْخُلُ فِي عِدَادِ الْمُتَقَارِبِ - إِذَا وَقَعَتْ قِسْمَتُهُ بِطَرِيقِ الْقُرْعَةِ، أَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَبَيْعٌ.

وَعِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ: تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِي قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ - وَذَلِكَ حَيْثُ تَتَسَاوَى الأْنْصِبَاءُ صُورَةً وَقِيمَةً، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمِثْلِيُّ كَالْحُبُوبِ وَالنُّقُودِ وَغَيْرِهِ كَالدَّارِ الْمُتَّفِقَةِ الأْبْنِيَةِ: فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهَا مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ مَعَ انْقِسَامِ الْعَرْصَةِ (السَّاحَةِ) الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْمَبْنِيَّيْنِ، وَالأْرْضُ الزِّرَاعِيَّةُ وَغَيْرُ الزِّرَاعِيَّةِ الَّتِي تَتَشَابَهُ أَجْزَاؤُهَا كَذَلِكَ - بَيْعٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ .

وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِيمَا عَدَا قِسْمَةَ الرَّدِّ، أَمَّا فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ فَبَيْعٌ.

وَقِسْمَةُ الرَّدِّ - كَمَا سَيَجِيءُ - هِيَ الَّتِي يُسْتَعَانُ فِي تَعْدِيلِ أَنْصِبَائِهَا بِمَالٍ أَجْنَبِيٍّ: كَأَرْضٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا مَا لاَ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ - كَمَعْدِنٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ بِئْرِ مَاءٍ - وَرُبَّمَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَحْدَهُ تَعْدِلُ قِيمَةَ الأْرْضِ كُلَّهَا أَوْ تَزِيدُ .

فَمِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ الْحَنَابِلَةِ وَمُوَافِقِيهِمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الرَّادَّ إِنَّمَا بَذَلَ مُقَابِلَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ حَقِّ شَرِيكِهِ عِوَضًا عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْبَيْعِ أَمَّا فِي غَيْرِ قِسْمَةِ الرَّدِّ فَيَتَمَسَّكُ بِتَغَايُرِ اللَّوَازِمِ، كَمَا تَمَسَّكَ أَرْبَابُ الْمَذْهَبِ الثَّانِي .

وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ - الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ - لاَ يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ قِسْمَةَ الرَّدِّ بَيْعٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَذَلِكَ أَيْضًا: كُلُّ قِسْمَةٍ أُخْرَى يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى تَعْدِيلِ الأْنْصِبَاءِ بِوَاسِطَةِ التَّقْوِيمِ، لِيَصِيرَ مَا يَأْخُذُهُ بِهَا كُلُّ شَرِيكٍ حَقًّا خَالِصًا لَهُ، إِذِ التَّقْوِيمُ تَخْمِينٌ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ: كَمَا فِي دَارٍ بَعْضُهَا لَبِنٌ، وَبَعْضُهَا حَجَرٌ، وَأَرْضٌ بَعْضُهَا جَيِّدٌ وَبَعْضُهَا رَدِيءٌ، وَبُسْتَانٍ بَعْضُهُ نَخْلٌ وَبَعْضُهُ كَرْمٌ (وَتُسَمَّى قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ) - وَرُبَّمَا قِيلَ: لَوْ كَانَتْ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ بَيْعًا لَمَا قَبِلَتِ الإْجْبَارَ كَقِسْمَةِ الرَّدِّ.

وَقَدْ قِيلَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ بِعَدَمِ قَبُولِهَا الإْجْبَارَ فِعْلاً وَلَكِنَّهُ خِلاَفُ مَا اعْتَمَدُوهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا - فِي مُعْتَمَدِهِمْ - لِكَوْنِهَا بَيْعًا إِلْحَاقًا لِتَسَاوِي الأْجْزَاءِ قِيمَةً بِتَسَاوِيهَا حَقِيقَةً، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ الرَّغَبَاتِ تَتَعَلَّقُ بِتَخْلِيصِ الْحَقِّ مِنَ الْمُزَاحَمَةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَكَمَا يَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَ الْمَدْيُونِ جَبْرًا، وَلَمْ تُحَكَّمْ هَذِهِ الْحَاجَةُ فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ؛ لأِنَّ الإْجْبَارَ فِيهَا يَكُونُ إِجْبَارًا عَلَى دَفْعِ مَالٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ .

وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمُتَسَاوِيَ فِي الْمَقْصُودِ الأْهَمِّ يُعْتَبَرُ كَالْمُتَسَاوِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لإِمْكَانِ التَّجَاوُزِ عَنِ الْفَرْقِ حِينَئِذٍ، سِيَّمَا وَهُوَ يَعْدِلُ بِالْقِيمَةِ: فَالَّذِي يَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ ذَاكَ يَكُونُ آخِذًا لِعَيْنِ حَقِّهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ .

الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ:

الْقِسْمَةُ لاَ تَخْلُو مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ يُغَلَّبُ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ (الإْفْرَازُ) وَفِي قِسْمَةِ الْقِيَمِيِّ يُغَلَّبُ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ .

وَقَالُوا: إِنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ - مَهْمَا قَلَّ - مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ إِلاَّ وَنِصْفُهُ لِهَذَا وَنِصْفُهُ لِذَاكَ، فَإِذَا اسْتَقَلَّ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِ الْمَجْمُوعِ فَشَطْرُ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ كَانَ لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا اجْتَمَعَ وَتَمَيَّزَ بَعْدَ شُيُوعٍ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ، وَشَطْرُهُ الآْخَرُ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَخَذَهُ مِنْهُ عِوَضًا عَمَّا تَرَكَهُ لَهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا غُلِّبَ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ؛ لأِنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ هُوَ عَيْنُ الْمَتْرُوكِ حُكْمًا، إِذْ هُوَ مِثْلُهُ يَقِينًا فَضَعُفَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَلاَ كَذَلِكَ قِسْمَةُ الْقِيَمِيِّ، فَلَمْ يَضْعُفْ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، إِذِ الْمَأْخُوذُ لَيْسَ عَيْنَ الْمَتْرُوكِ وَلَوْ حُكْمًا، وَمِنْ ثَمَّ يَكُونُ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي قِسْمَةِ الْقِيَمِيِّ أَقْوَى مِنْهُ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ .

الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْخِلاَفِ فِي تَكْيِيفِ الْقِسْمَةِ:

7 - تَتَلَخَّصُ هَذِهِ الآْثَارُ فِي أَنَّهُ: إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ بَيْعًا، فَإِنَّهَا تُعْطَى أَحْكَامَهُ - مَعَ مُلاَحَظَةِ مَا مَرَّ مِنَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فِي أَشْبَاهٍ لَهَا - وَإِنْ كَانَتْ مَحْضَ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ فَإِنَّهَا لاَ تُعْطَى أَحْكَامَ الْعُقُودِ أَصْلاً . فَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:

أ - (الْخِيَارَاتُ): تَدْخُلُ الْخِيَارَاتُ الْقِسْمَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ، وَلاَ تَدْخُلُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَمْيِيزُ حُقُوقٍ، هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ أَنَّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ مَنْ نَفَى فِيهَا خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَخِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْخِيَارَ لَمْ يُشْرَعْ خَاصًّا بِالْبَيْعِ، بَلْ لِلتَّرَوِّي وَتَبَيُّنِ أَيِّ الأْمْرَيْنِ أَرْشَدُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِسْمَةِ .

وَنَظَرًا إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ قَائِمٌ فِي كُلِّ قِسْمَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَمْ يُرَدِّدُوا هَذَا التَّرْدِيدَ، بَلْ أَطْلَقُوا دُخُولَ الْخِيَارَاتِ فِي جَمِيعِ أَقْسَامِهَا، وَلَكِنْ عَلَى تَفَاوُتٍ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى آخَرَ.

فَقِسْمَةُ الأْجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ - وَهِيَ قِسْمَةُ تَرَاضٍ لاَ إِجْبَارَ فِيهَا - تَدْخُلُهَا الْخِيَارَاتُ الثَّلاَثَةُ: خِيَارُ الشَّرْطِ، وَخِيَارُ الْعَيْبِ، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ.

وَقِسْمَةُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ - وَهِيَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ - لاَ يَدْخُلُهَا سِوَى خِيَارِ الْعَيْبِ.

وَقِسْمَةُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ، كَالْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ أَوِ الثِّيَابِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ - وَهِيَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ أَيْضًا - يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْعَيْبِ بِلاَ خِلاَفٍ، كَمَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ .

ب - الشُّفْعَةُ: إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزَ حُقُوقٍ لَمْ تَثْبُتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ قَوْلاً وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا: فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِثُبُوتِهَا، وَصَوَّرُوهَا بِمَا إِذَا تَقَاسَمَ شَرِيكَانِ مِنْ ثَلاَثَةِ شُرَكَاءَ، وَتَرَكَا نَصِيبَ الثَّالِثِ مَعَ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ هَذَا الثَّالِثِ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لِهَذَا الثَّالِثِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ لأِنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ فِي الْمُبَادَلَةِ الْمَحْضَةِ، وَالْقِسْمَةُ لَيْسَتْ مُبَادَلَةً مَحْضَةً .

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا عَلَى الأْصْلِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهَا لِمَانِعٍ خَاصٍّ بِالْقِسْمَةِ، إِذْ تَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشُّفْعَةُ عَلَى الآْخَرِ، إِذْ لَوْ ثَبَتَتْ لِهَذَا عَلَى ذَاكَ لَثَبَتَتْ لِذَاكَ عَلَى هَذَا فَيَتَنَافَيَانِ، وَوَصَفَهُ الْمِرْدَاوِيُّ بِأَنَّهُ الصَّوَابُ .

ج - التَّقَايُلُ: إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ بَيْعًا قَبِلَتِ التَّقَايُلَ، وَإِنْ كَانَتْ مُجَرَّدَ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ لَمْ تَقْبَلْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ. وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ وَجَرَى ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْمِثْلِيَّاتِ لاَ تَقْبَلُ التَّقَايُلَ، لِغَلَبَةِ مَعْنَى الإْفْرَازِ ، وَقِسْمَةُ الْقِيَمِيَّاتِ تَقْبَلُهُ، فَإِنْ خَلَطَ الْمُقْتَسِمُونَ مَا اقْتَسَمُوهُ مِنَ الْمِثْلِيِّ كَانَتْ شَرِكَةً جَدِيدَةً، مَعَ أَنَّ الْعَلاَئِيَّ وَصَاحِبَ تَنْوِيرِ الأْبْصَارِ عَلَى تَعْمِيمِ الْقَبُولِ .

أَقْسَامُ الْقِسْمَةِ:

8 - تَنْقَسِمُ الْقِسْمَةُ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ إِلَى التَّقْوِيمِ وَعَدَمِهِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:

قِسْمَةُ إِفْرَازٍ -

وَقِسْمَةُ تَعْدِيلٍ -

وَقِسْمَةُ رَدٍّ.

أَوَّلاً: قِسْمَةُ الإْفْرَازِ :

9 - وَهِيَ تُوجَدُ عِنْدَمَا لاَ تَكُونُ ثَمَّ حَاجَةٌ إِلَى تَقْوِيمِ الْمَقْسُومِ - أَعْنِي مَا يُرَادُ قَسْمُهُ - لِعَدَمِ تَفَاوُتِ الأْغْرَاضِ، أَوْ لأِنَّهُ تَفَاوُتٌ مِنَ التَّفَاهَةِ بِحَيْثُ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ، فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ إِفْرَازٍ ؛ لأِنَّهَا لاَ تَتَطَلَّبُ أَكْثَرَ مِنْ إِفْرَازِ كُلِّ نَصِيبٍ عَلَى حِدَةٍ بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ: كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ ذَرْعًا أَوْ عَدًّا، وَتُسَمَّى أَيْضًا قِسْمَةَ الْمُتَشَابِهَاتِ: لأِنَّهَا لاَ تَكُونُ إِلاَّ فِيمَا تَشَابَهَتْ أَنْصِبَاؤُهُ حَتَّى لاَ تَفَاوُتَ يُذْكَرُ، أَوِ الْقِسْمَةُ بِالأْجْزَاءِ: لأِنَّ نِسْبَةَ الْجُزْءِ الَّذِي يَأْخُذُهُ كُلُّ شَرِيكٍ هِيَ بِعَيْنِهِ نِسْبَةُ حَقِّهِ إِلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتَّحِدَةِ النَّوْعِ - كَدَنَانِيرِ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، وَكَالْقَمْحِ الْهِنْدِيِّ، وَالأْرُزِّ الْيَابَانِيِّ، وَكَالأْدْهَانِ الْمُتَمَاثِلَةِ مِنْ شَيْرَجٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ عُطُورٍ أَوْ مَا إِلَيْهَا - وَفِيمَا شَاكَلَهَا مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ الْمُتَّحِدَةِ النَّوْعِ كَذَلِكَ: كَالْمَنْسُوجَاتِ الصُّوفِيَّةِ أَوِ الْحَرِيرِيَّةِ أَوِ الْقُطْنِيَّةِ، وَكَالْكُتُبِ، وَالأْقْلاَمِ، وَالسَّاعَاتِ، وَالأْحْذِيَةِ، وَكَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهَا مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ مِنَ الأْبْنِيَةِ تَصْمِيمًا، وَأَدَوَاتِ بِنَاءٍ، وَإِحْكَامِ صَنْعَةٍ، وَعَدَدِ حُجَرٍ مَعَ إِمْكَانِ قِسْمَةِ السَّاحَةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ. وَبِالْجُمْلَةِ عِنْدَمَا تَتَسَاوَى الأْنْصِبَاءُ صُورَةً وَقِيمَةً .

ثَانِيًا: قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ:

10 - وَتَكُونُ عِنْدَمَا لاَ تَتَعَادَلُ الأْنْصِبَاءُ بِذَاتِهَا، وَإِنَّمَا تَتَعَادَلُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، يُوَضِّحُهُ: أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً. وَلَكِنَّ قِيمَةَ ثُلُثِهِ - لِمَا اخْتُصَّ بِهِ مِنْ مَزَايَا - تُسَاوِي قِيمَةَ ثُلُثَيْهِ؛ فَيُجْعَلُ فِي الْقِسْمَةِ الثُّلُثُ الْمَذْكُورُ سَهْمًا بِحَقِّ النِّصْفِ، وَالثُّلُثَانِ سَهْمًا آخَرَ بِحَقِّ النِّصْفِ الآْخَرِ، كَمَا أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ تُجْعَلُ سَهْمًا بِحَقِّ النِّصْفِ، وَالْكِتَابُ وَالْقَلَمُ سَهْمًا آخَرَ بِحَقِّ النِّصْفِ الآْخَرِ، إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا تُسَاوِي قِيمَتَيْهِمَا.

ثَالِثًا: قِسْمَةُ الرَّدِّ:

11 - وَتَكُونُ إِذَا لَمْ تَعْدِلِ الأْنْصِبَاءُ، بَلْ تُرِكَتْ مُتَفَاوِتَةَ الْقِيمَةِ اخْتِيَارًا أَوِ اضْطِرَارًا، وَبِحَيْثُ يَكُونُ عَلَى الَّذِي يَأْخُذُ النَّصِيبَ الزَّائِدَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى شَرِيكِهِ قِيمَةَ حَقِّهِ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ.

وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ فِيهَا إِلَى رَدِّ مَالٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إِلَى بَعْضِ الشُّرَكَاءِ - وَهِيَ قِسْمَةُ تَعْدِيلٍ أَيْضًا - وَلَكِنْ يُشَارُ إِلَيْهَا بِفَصْلِهَا الْمُمَيَّزِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ فَإِنَّمَا تَنْصَرِفُ إِلَى مَا لاَ رَدَّ فِيهَا، وَهَاكَ مِثَالَيْنِ لِقِسْمَةِ الرَّدِّ: أَحَدُهُمَا يُمَثِّلُهَا فِي حَالَةِ الاِخْتِيَارِ، وَالآْخَرُ فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ:

الْمِثَالُ الأْوَّلُ: أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً. وَفِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا بِئْرٌ لِرَيِّهَا لاَ تُمْكِنُ قِسْمَتُهَا، فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تُقْسَمَ الأْرْضُ نِصْفَيْنِ عَلَى سَوَاءٍ، وَيَكُونَ عَلَى الَّذِي يَأْخُذُ النِّصْفَ الَّذِي فِيهِ الْبِئْرُ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِلَّذِي يَأْخُذُ النِّصْفَ الآْخَرَ، وَهَذِهِ قِسْمَةُ رَدٍّ.

وَيُمْكِنُ أَنْ تُقَوَّمَ الأْرْضُ وَالْبِئْرُ مَعًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مَثَلاً، لِلْبِئْرِ مِنْهَا ثُلُثُهَا: فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا الْبِئْرَ وَرُبْعَ الأْرْضِ، وَيَأْخُذُ الآْخَرُ الثَّلاَثَةَ الأَْرْبَاعِ الْبَاقِيَةِ، وَهَذِهِ قِسْمَةُ تَعْدِيلٍ لاَ رَدَّ فِيهَا .

فَإِذَا قُسِمَتْ عَلَى النَّحْوِ الأْوَّلِ فَهِيَ قِسْمَةُ رَدٍّ يُؤْثِرَانِهَا اخْتِيَارًا دُونَ أَنْ تُلْجِئَ إِلَيْهَا ضَرُورَةٌ.

وَمِثْلُ الْبِئْرِ غَيْرُهَا كَشَجَرَةٍ أَوْ بِنَاءٍ لاَ يُقْسَمُ أَوْ مَنْجَمٍ (مَعْدِنٍ) كَذَلِكَ.

الْمِثَالُ الثَّانِي: لَوْ فَرَضْنَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ أَنَّ قِيمَةَ الْبِئْرِ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الأْرْضِ كُلِّهَا، فَحِينَئِذٍ لاَ يَكُونُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَرُدَّ آخُذُهَا عَلَى الآْخَرِ قِيمَةَ مَا بَقِيَ لَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ بَعْدَ التَّعْدِيلِ بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الأْرْضِ أَلْفًا، وَقِيمَةُ الْبِئْرِ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ، فَإِنَّ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَكُونُ مَا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَمِائَةٌ، فَإِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا الأْرْضَ كُلَّهَا وَتَرَكَ الْبِئْرَ، رَدَّ عَلَيْهِ الآْخَرُ مِائَةً، وَإِذَا أَخَذَ بَعْضَ الأْرْضِ فَقَطْ رَدَّ عَلَيْهِ الآْخَرُ أَيْضًا قِيمَةَ مَا تَرَكَ لَهُ مِنْهَا .

وَهَذَا التَّقْسِيمُ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَيُلَخِّصُونَهُ بِأَنَّ الْمَقْسُومَ إِنْ تَسَاوَتِ الأْنْصِبَاءُ مِنْهُ صُورَةً وَقِيمَةً فَالإْفْرَازُ، وَإِلاَّ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى رَدِّ شَيْءٍ آخَرَ فَالتَّعْدِيلُ، وَإِلاَّ فَالرَّدُّ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبْرِزُوهُ إِبْرَازَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ: وَتُعْدَلُ السِّهَامُ بِالأْجْزَاءِ إِنْ تَسَاوَتْ، وَبِالْقِيمَةِ إِنِ اخْتَلَفَتْ، وَبِالرَّدِّ إِنِ اقْتَضَتْهُ .

وَلاَ بُدَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ التَّقْوِيمِ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ التَّحَرِّي، أَيِ الْخَرْصُ فِي قِسْمَةِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَكَذَا فِيمَا يَقْبَلُ التَّفَاضُلَ مِنْ غَيْرِ الْمَزْرُوعَاتِ وَذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ تُرَادُ قِسْمَتُهُ بِالْقُرْعَةِ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولاً، بِاسْتِثْنَاءِ شَيْئَيْنِ اثْنَيْنِ عَلَى خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ فِي اسْتِثْنَائِهِمَا:

أ - الْمِثْلِيَّاتُ - وَهِيَ الْمَكِيلاَتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ «الْمُتَّفِقَةُ الصِّفَةِ» فَإِنَّهَا تُقْسَمُ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا، وَالاِسْتِثْنَاءُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِهَا الْقُرْعَةَ، فَإِنَّ ابْنَ عَرَفَةَ فِي فَتَاوِيهِ، تَبَعًا لِلْبَاجِيِّ، لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقِيَمِيَّاتِ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: تُقْسَمُ الأْشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى الْقِيمَةِ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِالسِّهَامِ .

ب - الْعَقَارُ الْمُتَّفِقُ الْمَبَانِي: بِأَنْ يَكُونَ فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهِ مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ عَيْنًا وَمَنْفَعَةً، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ بَهْرَامَ أَنْ يُقْسَمَ بِالْمِسَاحَةِ، وَجَرَى الْخَرَشِيُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِمَادِهِ وَاعْتَمَدُوهُ فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ .

فَأَنْتَ تَرَى قِسْمَةَ الإْفْرَازِ وَاضِحَةً لاَئِحَةً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتَّفِقَةِ الصِّفَةِ وَفِي قِسْمَةِ الْعَقَارِ الْمُتَّفِقِ الْمَبَانِي: الأْوَّلُ عَلَى مُعْتَمَدِهِمْ، وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِ بَهْرَامَ وَمُعْتَمِدِيهِ، وَقِسْمَةُ التَّعْدِيلِ فِيمَا عَدَاهُمَا.

هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِقِسْمَةِ الْقُرْعَةِ، أَمَّا قِسْمَةُ التَّرَاضِي فَقَدْ تَكُونُ بِتَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ وَقَدْ تَكُونُ بِدُونِهِمَا .

أَمَّا قِسْمَةُ الرَّدِّ، فَالْمَالِكِيَّةُ يُثْبِتُونَهَا عَلَى التَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ؛ لاِنْطِوَاءِ الْقُرْعَةِ فِيهَا عَلَى الْغَرَرِ الْكَثِيرِ، إِذْ قَدْ يُرِيدُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَخْذَ الأْحَظِّ وَتَحَمُّلَ الْفَرْقِ أَوْ عَكْسَهُ، وَلَكِنَّ الْقُرْعَةَ تُخْرِجُ لَهُ مَا لاَ يَشْتَهِي، وَقَدْ أَثْبَتَهَا خَلِيلٌ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ أَيْضًا لَكِنْ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَمِدُوهُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ النَّفْرَاوِيُّ: وَلاَ يُؤَدِّي أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ثَمَنًا لِشَرِيكِهِ لِزِيَادَةٍ فِي سَهْمِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ ثَوْبَيْنِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا يُسَاوِي دِينَارَيْنِ، وَالآْخَرُ يُسَاوِي دِينَارًا، وَاقْتَرَعَا عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَ لَهُ الَّذِي يُسَاوِي الدِّينَارَيْنِ يَدْفَعُ نِصْفَ دِينَارٍ لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِ قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ فِي صِنْفَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ، قَالَ خَلِيلٌ - بِالْعَطْفِ عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ - «أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ، إِلاَّ أَنْ يَقِلَّ» وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَلَوْ قَلَّ مَا بِهِ التَّرَاجُعُ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: «وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي دَخَلاَ عَلَيْهِ تَرَاجُعٌ لَمْ يَجُزِ الْقَسْمُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلاَّ بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا فَيَجُوزُ؛ لأِنَّ قِسْمَةَ الْمُرَاضَاةِ يَجُوزُ دُخُولُهَا فِي الْجِنْسَيْنِ» وَحِينَئِذٍ فَمَا يَقَعُ بَيْنَ الْعَوَامِّ مِنْ (الْفِصَالِ) - وَهُوَ قِسْمَةُ الْمَوَاشِي - مِنْ جَعْلِ نَحْوِ الْبَقَرَةِ قِسْمًا، وَبِنْتِهَا مَعَ بَعْضِ دَرَاهِمَ قِسْمًا آخَرَ، وَيَدْخُلاَنِ عَلَى الْقُرْعَةِ، فَاسِدٌ - وَإِنِ اسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلاَّمَةُ خَلِيلٌ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ - كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا بِالْمُرَاضَاةِ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ الصَّغِيرَةِ وَتَأْخُذُ كَذَا، أَوِ الْكَبِيرَةِ وَتَدْفَعُ كَذَا - مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ - فَيَجُوزُ وَمِثْلُهُ فِي التُّحْفَةِ وَحَوَاشِيهَا وَمَثَّلُوا بِدَارَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِمِائَةٍ وَالأْخْرَى بِسِتِّينَ أَوْ تِسْعِينَ: لاَ يَجُوزُ بِالْقُرْعَةِ أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ بِدَارٍ، عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ أَخَذَ أَفْضَلَ الدَّارَيْنِ عِشْرِينَ فِي الْحَالَةِ الأْولَى، أَوْ خَمْسَةً فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، وَرَخَّصَ فِي هَذِهِ الأْخِيرَةِ اللَّخْمِيُّ، أَيْ وَفِي كُلِّ حَالاَتِ الْقِلَّةِ، وَقَدَّرُوهَا بِنِصْفِ الْعُشْرِ أَوْ نَحْوِهِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ قِسْمَةِ الرَّدِّ بِإِطْلاَقٍ، وَإِنْ كَانَ كَلاَمُهَا فِي الْعَقَارِ.

تَقْسِيمُ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ إِرَادَةِ الْمُتَقَاسِمِينَ:

12 - الْقِسْمَةُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ قِسْمَانِ: قِسْمَةُ تَرَاضٍ، وَقِسْمَةُ إِجْبَارٍ، وَلاَ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الإْجْمَاعِ. ذَلِكَ أَنَّ الشُّرَكَاءَ قَدْ يَرْغَبُونَ جَمِيعًا فِي قِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، أَوْ يَرْغَبُ بَعْضُهُمْ وَيُوَافِقُ الْبَاقُونَ عَلَى أَصْلِ الْقِسْمَةِ وَعَلَى كَيْفِيَّةِ تَنْفِيذِهَا، فَلاَ تَكُونُ بِهِمْ حَاجَةٌ إِلَى اللُّجُوءِ إِلَى الْقَضَاءِ، وَتُسَمَّى الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ قِسْمَةَ تَرَاضٍ.

وَقَدْ يَرْغَبُ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَيَأْبَى غَيْرُهُ، فَإِذَا لَجَأَ الرَّاغِبُ إِلَى الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَتَوَلَّى قِسْمَةَ الْمَالِ وَفْقَ الأْصُولِ الْمُقَرَّرَةِ شَرْعًا، وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ قِسْمَةَ إِجْبَارٍ.

فَقِسْمَةُ التَّرَاضِي: هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِاتِّفَاقِ الشُّرَكَاءِ.

وَقِسْمَةُ الإْجْبَارِ : هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِوَاسِطَةِ الْقَضَاءِ، لِعَدَمِ اتِّفَاقِ الشُّرَكَاءِ .

ثُمَّ لَيْسَ حَتْمًا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ أَنْ يَتَوَلاَّهَا الْقَاضِي بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَنْ يَنْدُبُهُ لِذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمُمْتَنِعَ مِنَ الْقِسْمَةِ حَتَّى يُجِيبَ إِلَيْهَا، وَيُحَدِّدَ لَهُ الْقَاضِي مُدَّةً مَعْقُولَةً لإِتْمَامِهَا بِصُورَةٍ عَادِلَةٍ.

وَفِي كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ إِشَارَةٌ صَرِيحَةٌ إِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا، إِذْ يَقُولُونَ: لَيْسَتِ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، حَتَّى لاَ يُفْتَرَضَ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ جَبْرُ الآْبِي عَلَى الْقِسْمَةِ .

13 - وَقَدْ عَلِمْنَا فِيمَا سَلَفَ أَنَّ قِسْمَةَ النَّوْعِ الْوَاحِدِ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِثْلِيًّا كَانَ كَالْحُبُوبِ أَوِ الأْدْهَانِ أَوِ الْجَوْزِ أَوِ الْبَيْضِ، (وَيَكْفِي تَقَارُبُ الْمِثْلِيِّ الْعَدَدِيِّ) أَمْ قِيَمِيًّا كَالإْبِلِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ، وَكَذَا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ الدُّورُ أَوِ الْحَوَانِيتُ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَالأْرَاضِي الزِّرَاعِيَّةُ أَوِ الْبَسَاتِينُ كَذَلِكَ، أَمَّا قِسْمَةُ الأْنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ - كَخَلِيطٍ مِنَ الأْمْثِلَةِ الآْنِفِ ذِكْرُهَا - قِسْمَةُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، حَتَّى يَسْتَقِلَّ الشَّرِيكُ بِنَوْعٍ أَوْ أَكْثَرَ (وَهِيَ مِنْ قِسْمَةِ الْجَمْعِ) فَهَذِهِ لاَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ ، لِمَكَانِ فُحْشِ تَفَاوُتِهَا وَتَفَاوُتِ الرَّغَبَاتِ فِيهَا: فَيَتَعَذَّرُ تَعْدِيلُهَا، وَيَنْطَوِي الإْجْبَارُ عَلَيْهَا عَلَى الْجَوْرِ وَالضَّرَرِ، فَإِذَا تَرَاضَى الشُّرَكَاءُ عَلَيْهَا فَلاَ مَانِعَ مِنْهَا حِينَئِذٍ؛ لأِنَّ مَا عَسَاهُ يَكُونُ قَدْ فَاتَ بِهَا مِنْ حَقِّ أَحَدِهِمْ فَإِنَّمَا فَاتَ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، وَالَّذِي يَمْلِكُ الْحَقَّ يَمْلِكُ إِسْقَاطَهُ، مَا دَامَ حَقًّا خَالِصًا لَهُ نَعَمْ، إِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْوُصُولُ إِلَى الْحَقِّ إِلاَّ جَبْرًا عَلَى هَذِهِ الْمُبَادَلَةِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا كَقَضَاءِ الدَّيْنِ .

لَكِنْ شَرِيطَةُ الإْجْبَارِ بَعْدَ طَلَبِ الْقِسْمَةِ: انْتِفَاءُ الضَّرَرِ، وَالْمُرَادُ بِالضَّرَرِ هُنَا: هُوَ فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ. وَهُنَاكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ فِي تَحْدِيدِ مَدَاهُ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: أَنَّهُ الضَّرَرُ الْعَامُّ فَحَسْبُ، أَيِ الَّذِي لاَ يَخُصُّ شَرِيكًا دُونَ آخَرَ: بِأَنْ بَطَلَتْ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ شَرِيكٍ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، كَمَا لَوْ كَانَ حَجْمُ الْبَيْتِ أَوِ الْحَمَّامِ أَوِ الطَّاحُونِ صَغِيرًا، لاَ يَنْقَسِمُ بِعَدَدِ الشُّرَكَاءِ بُيُوتًا وَحَمَّامَاتٍ وَطَوَاحِينَ، وَكَمَا فِي قِسْمَةِ الْجَوْهَرَةِ، وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَالْحِذَاءِ، وَالْجِدَارِ وَالْبَقَرَةِ، وَالشَّاةِ، فَهَذَا الضَّرَرُ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ مِنَ الإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَيْسَ هُنَا إِلاَّ تَفْوِيتُهَا، فَيَكُونُ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا تَحْتَاجُ قِسْمَتُهُ إِلَى كَسْرٍ أَوْ قَطْعٍ، وَلِذَا قَالُوا: لَوْ كَانَ مَعَ مَا لاَ يُقْسَمُ - لِمَا فِي قِسْمَتِهِ مِنَ الضَّرَرِ الْعَامِّ لِلْمُقْتَسِمَيْنِ، مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ قَنَاةٍ - أَرْضٍ، قُسِمَتِ الأْرْضُ وَتُرِكَتِ الْبِئْرُ وَالْقَنَاةُ وَمَا إِلَيْهِمَا عَلَى الشَّرِكَةِ، أَمَّا عَلَى التَّرَاضِي فَلاَ مَانِعَ مِنَ الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّ هُمَا يَمْلِكَانِ الإْضْرَارَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالْقَاضِي لاَ يَمْنَعُ بِالْقَضَاءِ مَنْ يَقْدَمُ عَلَى إِتْلاَفِ مَالِهِ .

أَمَّا الضَّرَرُ الْخَاصُّ بِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ - كَمَا لَوْ كَانَ نَصِيبُ وَاحِدٍ فَحَسْبُ فِي الْبَيْتِ أَوِ الْحَمَّامِ أَوِ الطَّاحُونِ هُوَ الَّذِي يَتَّسِعُ لِمِثْلِ ذَلِكَ - فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى الْقِسْمَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَضِرُّ هُوَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ أَمْ غَيْرُهُ، ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُسْتَضِرُّ هُوَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ، فَقَدْ رَضِيَ بِضَرَرِ نَفْسِهِ، وَبِذَا صَارَتِ الْقِسْمَةُ كَالْخَالِيَةِ مِنْ شَوْبِ الضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ الآْخَرُ، فَإِنَّ الضَّرَرَ اللاَّحِقَ بِالْمُسْتَضِرِّ مِنَ الْقِسْمَةِ لَيْسَ - إِذَا أَمْعَنَّا النَّظَرَ - بِضَرَرٍ حَقِيقِيٍّ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ حَقٌّ لَهُ، وَإِنَّمَا كُلُّ مَا هُنَالِكَ أَنَّهُ بِسَبَبِ قِلَّةِ نَصِيبِهِ يُرِيدُ لِنَفْسِهِ اسْتِمْرَارَ الاِنْتِفَاعِ بِنَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَهَذَا يَأْبَى عَلَيْهِ، وَيُطَالِبُ بِاسْتِخْلاَصِ حَقِّهِ، وَتَكْمِيلِ مَنَافِعِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا شُرِعَتِ الْقِسْمَةُ، وَوَظِيفَةُ الْقَاضِي الْقِيَامُ بِوَاجِبِ الإْنْصَافِ، وَإِعْطَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ هُنَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ.

الرَّأْيُ الثَّانِي: أَنَّهُ الضَّرَرُ الَّذِي لاَ يَخُصُّ الطَّالِبَ، فَيَشْمَلُ الضَّرَرَ الْخَاصَّ بِالْمُمْتَنِعِ وَالضَّرَرَ الْعَامَّ؛ لأِنَّ ضَرَرَ طَالِبِ الْقِسْمَةِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِطَلَبِهِ، إِذْ مَعْنَاهُ رِضَاهُ بِضَرَرِ نَفْسِهِ، أَمَّا ضَرَرُ الآْخَرِ (وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ) فَلَيْسَ ثَمَّ مَا يُسْقِطُ اعْتِبَارَهُ، وَالطَّالِبُ لاَ يُسَلَّطُ عَلَى الإْضْرَارِ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَصَّاصُ.

الرَّأْيُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ الضَّرَرُ الَّذِي لاَ يَخُصُّ الْمُمْتَنِعَ فَيَشْمَلُ الضَّرَرَ الْخَاصَّ بِطَالِبِ الْقِسْمَةِ، وَالضَّرَرَ الْعَامَّ أَيْ عَكْسَ الثَّانِي؛ لأِنَّ ضَرَرَ الْمُمْتَنِعِ لَيْسَ ضَرَرًا حَقِيقِيًّا - كَمَا أَوْضَحْنَاهُ - فَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي ضَرَرِ الطَّالِبِ: فَإِذَا انْتَفَى فَلَيْسَ ثَمَّ مَانِعٌ مَا مِنَ الإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَإِذَا لَمْ يَنْتَفِ، كَانَ مُتَعَنِّتًا بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ، وَالْمُتَعَنِّتُ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَقِسْمَةُ الإْجْبَارِ لاَ تَكُونُ بِدُونِ طَلَبٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْخَصَّافُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إِنَّهُ الأْصَحُّ .

14 - أَمَّا قِسْمَةُ التَّرَاضِي: فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا انْتِفَاءُ الضَّرَرِ، بَلِ الرِّضَا بِهِ مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهِ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى لَوْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ ضَارَّةً بِجَمِيعِ الشُّرَكَاءِ لَكِنَّهُمْ رَضَوْا بِهَا فَهَذَا شَأْنُهُمْ وَحْدَهُمْ؛ لأِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لاَ يَعْدُوهُمْ، وَهُمْ أَدْرَى بِحَاجَاتِهِمْ، فَلاَ يَكُونُ ثَمَّ مَانِعٌ مِنْهَا وَقَدْ رَضُوا بِضَرَرِ أَنْفُسِهِمْ .

15 - وَلاَ يُخَالِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الإْجْمَاعِ فِي أَنَّ الْقِسْمَةَ تَتَنَوَّعُ إِلَى: قِسْمَةِ تَرَاضٍ وَقِسْمَةِ إِجْبَارٍ، وَلَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ.

فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لَمْ تَتَّفِقْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى قَبُولِ الْقِسْمَةِ لِلإْجْبَارِ إِلاَّ فِي قِسْمَةِ الإْفْرَازِ (قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ) - بِالْمَعْنَى الَّذِي سَبَقَ (ف9)؛ لأِنَّ الطَّالِبَ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ عَلَى الْكَمَالِ، وَأَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، دُونَ إِضْرَارٍ بِأَحَدٍ .

كَمَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى امْتِنَاعِ الإْجْبَارِ إِلاَّ فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ؛ لأِنَّهُ فِيهَا تَمْلِيكُ مَا لاَ شَرِكَةَ فِيهِ، وَالشَّأْنُ فِيهِ أَلاَّ يَقْبَلَ الإْجْبَارُ أَمَّا فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ بِمَعْنَاهَا السَّابِقِ (ف 10) فَمِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ، مَنْ يَمْنَعُ قَبُولَهَا لِلإْجْبَارِ مَنْعًا مُطْلَقًا لاَ اسْتِثْنَاءَ فِيهِ؛ لأِنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الأْنْصِبَاءَ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةٍ بِنَفْسِهَا. بَلْ بِقِيمَتِهَا، وَالأْغْرَاضُ وَالْمَنَافِعُ تَتَفَاوَتُ رَغْمَ اسْتِوَاءِ الْقِيمَةِ، فَلَيْسَتْ حَدِيقَةُ الْبُرْتُقَالِ كَحَدِيقَةِ الْعِنَبِ، فِي نَفْسِهَا وَلاَ فِي عَائِدَتِهَا وَجَدْوَاهَا، وَلاَ فِي مُلاَقَاةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَحَاجَاتِهِمْ - وَلَوْ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ وَتِلْكَ يُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ مَثَلاً، وَلاَ الْمِسَاحَةُ الصَّغِيرَةُ الْجَيِّدَةُ التُّرْبَةِ أَوِ الْمُطِلَّةُ عَلَى النَّهْرِ كَالْمِسَاحَةِ الْفَسِيحَةِ الرَّدِيئَةِ أَوِ الْخَلْفِيَّةِ - وَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتَاهَا .

وَمِنْهُمْ مَنْ يَسِيغُهُ؛ لأِنَّ لِطَالِبِ الْقِسْمَةِ غَرَضًا صَحِيحًا، وَلَنْ يَفُوتَ الآْخَرَ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُهُمْ تَنْزِيلاً لِلتَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ مَنْزِلَةَ التَّسَاوِي فِي الأْجْزَاءِ وَمَا عَسَاهُ يَفُوتُ عَيْنًا يُعْتَاضُ عَنْهُ بِالتَّخَلُّصِ مِنْ مَسَاوِئِ الشَّرِكَةِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْمُمْتَنِعُ مِنَ الْقِسْمَةِ سَيِّئَ النِّيَّةِ، يُرِيدُ الْجَوْرَ وَالاِغْتِصَابَ بِالإْبْقَاءِ عَلَى شَرِكَةٍ غَيْرِ مُتَوَازِنَةٍ، كَمَا لَوْ كَانَ لاَ يَمْلِكُ فِيهَا إِلاَّ بِنِسْبَةِ الْعُشْرِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ إِيضَاحُهُ (ف 13) وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ، وَعَلَيْهِ مُعَوَّلُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَبْدَوُا احْتِمَالاً بِمِثْلِ الْقَوْلِ الأْوَّلِ لِلشَّافِعِيِّ فِي خُصُوصِ الْمَنْقُولاَتِ إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ عَادُوا بَعْدَمَا أَطْلَقُوهُ، فَذَكَرُوا فُرُوعًا يُسْتَفَادُ مِنْهَا تَقْيِيدُهُ، وَفَعَلَ الْحَنَابِلَةُ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَزَادُوا التَّصْرِيحَ بِبَعْضِ الشَّرَائِطِ.

وَهَاكَ مَا اجْتَمَعَ لَنَا مِنْ قُيُودِهِمْ:

16 - أَوَّلاً: اتِّحَادُ الْجِنْسِ: وَيُرِيدُونَ بِالْجِنْسِ هُنَا النَّوْعَ، فَالْعَقَارُ الْوَاحِدُ الَّذِي لاَ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَالأْرْضِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي تَتَفَاوَتُ أَجْزَاؤُهَا جَوْدَةً وَرَدَاءَةً، أَوْ يَخْتَلِفُ نَوْعُ غِرَاسِهَا - كَأَنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا حَدِيقَةُ عِنَبٍ وَفِي الآْخَرِ حَدِيقَةُ نَخْلٍ، وَالدَّارُ الْوَاحِدَةُ الَّتِي يَكُونُ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا بِنَاءٌ مِنْ حَجَرٍ وَفِي الآْخَرِ بِنَاءٌ مِنَ اللَّبِنِ، أَوْ لأِحَدِهِمَا وَاجِهَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا، وَلِلآْخَرِ وَاجِهَةٌ مَرْغُوبٌ عَنْهَا - هَذَا الْعَقَارُ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهِ، فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ أَجْبَرَ الْقَاضِي الْمُمْتَنِعَ إِلاَّ أَنَّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ، وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ كَأَبِي الْخَطَّابِ، مَنْ يَذْكُرُونَ هُنَا تَفَقُّهًا - وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُهُمْ - أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ، فَإِنَّ الإْجْبَارَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى قِسْمَةِ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، قِيَاسًا عَلَى الأْرَاضِي الْمُتَعَدِّدَةِ الَّتِي يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى جَمْعِ الْكُلِّ حِينَئِذٍ وَقِسْمَتِهِ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ .

وَمَعْنَى ذَلِكَ - بِجَانِبِ أَنَّ الأْرَاضِيَ تُعْتَبَرُ نَوْعًا وَاحِدًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَنَّ تَعَدُّدَهَا بِمَثَابَةِ اخْتِلاَفِ الصِّفَةِ كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ - أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ الإْفْرَازِ ، لاَ يَلْجَأُ الْقَاضِي إِلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ، وَمَتَى أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ تَعْدِيلاً، لاَ يَلْجَأُ الْقَاضِي إِلَى قِسْمَةِ الأْعْيَانِ مُجْتَمِعَةً، وَهَذَا بَيِّنٌ لاَئِحٌ؛ لأِنَّ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْحَقِّ مَا أَمْكَنَ هُوَ عَيْنُ الإْنْصَافِ، أَمَّا بِالتَّرَاضِي فَلِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَفْعَلُوا مَا شَاءُوا، إِفْرَازًا أَوْ تَعْدِيلاً أَوْ رَدًّا .

أَمَّا إِذَا تَعَدَّدَ نَوْعُ الْعَقَارِ، كَأَنْ كَانَتِ الشَّرِكَةُ فِي عِدَّةِ دُورٍ أَوْ حَوَانِيتَ، فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا حَقِيقَةً لاِخْتِلاَفِ الأْغْرَاضِ بِاخْتِلاَفِ الأَْبْنِيَةِ وَمَوَاقِعِ الْبِنَاءِ وَلاَ يُجْمَعُ فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ بَيْنَ جِنْسَيْنِ. فَتُقْسَمُ - إِنْ لَمْ يَتَرَاضَوْا عَلَى الْجَمْعِ - كُلُّ دَارٍ وَكُلُّ حَانُوتٍ عَلَى حِدَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَجَاوِرَةً أَمْ مُتَبَاعِدَةً، لِتَفَاوُتِ مَقَاصِدِهَا نَعَمْ. اعْتَمَدَ الشَّافِعِيَّةُ - خِلاَفًا لِبَعْضٍ مِنْهُمْ، خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ الذَّاهِبِينَ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا لاَ تَجْمَعُهُ الشُّفْعَةُ لاَ تَجْمَعُهُ الْقِسْمَةُ، إِذْ كِلْتَاهُمَا لإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ أَنَّ الْجِنْسَيْنِ إِذَا أَمْكَنَ تَنْزِيلُهُمَا مَنْزِلَةَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، لِكَوْنِهِمَا أَشْبَهَ بِالْحُجَرِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ، يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَقَدْ ضَرَبُوا لِذَلِكَ مَثَلَيْنِ .

الأْوَّلُ: ضَيْعَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَتَأَلَّفُ مِنْ بِضْعَةِ أَفْدِنَةٍ وَدَارَيْنِ، فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ، وَاقْتَضَتْ أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِدَارٍ مِنَ الدَّارَيْنِ، فَإِنَّهُ يُجَابُ إِلَى ذَلِكَ.

الثَّانِي: الدَّكَاكِينُ الصِّغَارُ الْمُتَلاَصِقَةُ (وَتُسَمَّى الْعَضَائِدَ) فَلاَ تَتَفَاوَتُ فِيهَا الأْغْرَاضُ وَالَّتِي لاَ يَقْبَلُ كُلٌّ مِنْهَا الْقِسْمَةَ عَلَى حِدَةٍ، يَجُوزُ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَهَا فِي قِسْمَةِ أَعْيَانِهَا قِسْمَةُ إِجْبَارٍ، عَلَى أَلاَّ تَبْقَى لِلشَّرِكَةِ عَلَقَةٌ، كَمَا سَيَجِيءُ.

17 - ثَانِيًا: اتِّحَادُ الصِّنْفِ: فِي قِسْمَةِ الْمَنْقُولاَتِ، فَلَيْسَ يَكْفِي فِيهَا اتِّحَادُ الْجِنْسِ حَتَّى يَتَّحِدَ صِنْفُهَا أَيْضًا، لأِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يُقَلِّلُ مِنْ شَأْنِ تَفَاوُتِ الأْغْرَاضِ فِيهَا. فَلاَ إِجْبَارَ عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ عِنْدَمَا يَخْتَلِفُ جِنْسُ الْمَنْقُولاَتِ: كَأَبْسِطَةٍ وَسَتَائِرَ وَوَسَائِدَ وَحَشَايَا وَمَقَاعِدَ وَمَنَاضِدَ وَثَلاَّجَاتٍ وَقَمَاطِرَ، أَوْ يَخْتَلِفُ نَوْعُهَا: كَثِيَابٍ بَعْضُهَا حَرِيرٌ. وَبَعْضُهَا قُطْنٌ، وَبَعْضُهَا صُوفٌ، وَأَبْسِطَةٍ عَجَمِيَّةٍ وَأُخْرَى عَادِيَّةٍ، وَقَمَاطِرَ خَشَبِيَّةٍ وَأُخْرَى مِنَ الصَّاجِ، أَوْ يَخْتَلِفُ صِنْفُهَا: كَحَرِيرٍ هِنْدِيٍّ وَحَرِيرٍ يَابَانِيٍّ، وَخَشَبٍ زَانٍ وَخَشَبٍ أَبْيَضَ.

وَلاَ بُدَّ أَنْ يُفْرَضَ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالصِّنْفِ اخْتِلاَفُ الصُّورَةِ وَالْمَظْهَرِ، أَوِ اخْتِلاَفُ الْقِيمَةِ وَإِلاَّ كَانَ الْمَوْضِعُ لِقِسْمَةِ الْمُتَشَابِهِ (قِسْمَةَ الإْفْرَازِ )، كَمَا عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ (ف9)، لاَ لِقِسْمَةِ التَّعْدِيلِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَالأْبْسِطَةُ مَثَلاً تَخْتَلِفُ أَحْجَامُهَا وَعَدَدُ فَتَلاَتِهَا - وَهُوَ اخْتِلاَفٌ فِي الصُّورَةِ - وَيَتْبَعُهُ اخْتِلاَفُ الْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَتْ هُنَالِكَ ثَلاَثَةُ أَبْسِطَةٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً، وَقِيمَةُ أَحَدِهَا مِائَةُ دِينَارٍ، وَقِيمَةُ الآْخَرَيْنِ مَعًا مِائَةٌ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، أَيْ قِسْمَةِ تَعْدِيلٍ، فَإِنَّهُ يُجَابُ وَيُجْبَرُ الآْخَرُ إِذَا امْتَنَعَ، لِقِلَّةِ تَفَاوُتِ الأْغْرَاضِ حِينَئِذٍ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُ الأْبْسِطَةِ أَوْ أَصْنَافُهَا، فَإِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى قِسْمَتِهَا قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي؛ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِ الأْغْرَاضِ بِكُلِّ نَوْعٍ وَصِنْفٍ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي غَيْرِ الأْبْسِطَةِ، لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ آحَادُهُ لاَ تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ أَصْلاً كَالْحَيَوَانَاتِ، كَمَا إِذَا فَرَضْنَا مَكَانَ الأْبْسِطَةِ ثَلاَثَ بَقَرَاتٍ .

وَالْحَنَابِلَةُ لاَ يَشْتَرِطُونَ سِوَى اتِّحَادِ النَّوْعِ وَتَسَاوِي الْقِيمَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَ الصِّنْفُ، كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ .

18 - ثَالِثًا: أَلاَّ تُبْقِيَ الْقِسْمَةُ شَيْئًا مُشْتَرَكًا: أَيْ مِنَ الْمَالِ الْمُرَادِ قَسْمُهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَعْنُونَهُ «بِانْقِطَاعِ الْعَلَقَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ»، وَهَاكَ بِضْعَةُ أَمْثِلَةٍ:

أ - سَيَّارَتَانِ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً، قِيمَةُ إِحْدَاهُمَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، وَقِيمَةُ الأْخْرَى خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فَحَسْبُ، لاَ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَى قِسْمَتِهِمَا إِذَا مَنَعْنَا الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَةِ السَّيَّارَةِ الأْعْلَى قِيمَةً، لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ فِيهَا حِينَئِذٍ، وَلِذَا يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَقَرَتَانِ، قِيمَةُ إِحْدَاهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ الأْخْرَى، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ عَلَى أَنْ يَبْقَى لِمَنْ خَرَجَ لَهُ أَقَلُّهُمَا قِيمَةً رُبْعُ الأْخْرَى، فَلاَ إِجْبَارَ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهَكَذَا كُلُّ أَدْنَى وَأَعْلَى وَمِثْلُهُ لِلْحَنَابِلَةِ .

ب - الأْرْضُ الْمُشْتَرَكَةُ يَكُونُ فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ، فَيَطْلُبُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ قِسْمَةَ الْبِنَاءِ أَوِ الشَّجَرِ وَحْدَهُ، وَتَبْقَى الأْرْضُ مُشْتَرَكَةً، أَوْ يَطْلُبُ قِسْمَةَ الأْرْضِ وَحْدَهَا، وَيَبْقَى الْبِنَاءُ أَوِ الشَّجَرُ مُشْتَرَكًا، لاَ يُجَابُ إِلَى طَلَبِهِ، أَيْ أَنَّهُ لاَ إِجْبَارَ عَلَى هَذِهِ الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّهَا لاَ تُزِيلُ الشَّرِكَةَ تَمَامًا، فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ.

ج - يَقُولُونَ: يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى قِسْمَةِ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ مِنْ دَارٍ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا؛ لأِنَّ الْبِنَاءَ تَابِعٌ لِلأْرْضِ، كَالشَّجَرِ فِيهَا لاَ عَلَى قِسْمَةِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ؛ لأِنَّ الْقِسْمَةَ تُرَادُ لِلتَّمْيِيزِ، وَلاَ عَلَى جَعْلِهِ لِوَاحِدٍ وَالآْخَرُ لآِخَرَ وَقَدْ يُعَلَّلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمَّا زَالَتِ الشَّرِكَةُ تَمَامًا بِقِسْمَةِ الطَّابَقَيْنِ جَمِيعًا صَحَّ الإْجْبَارُ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَلَمَّا بَقِيَتْ فِي بَعْضِ الدَّارِ بِقِسْمَةِ أَعْلاَهَا دُونَ أَسْفَلِهَا، أَوِ الْعَكْسُ، لَمْ يُمْكِنِ الإْجْبَارُ عَلَى هَذَا، لَكِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ طَرِيقِ التَّرَاضِي .

وَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَلاَ الْمَالِكِيَّةُ مَانِعًا بِأَيَّةِ حَالٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ السُّفْلُ لِوَاحِدٍ، وَالْعُلُوُّ لآِخَرَ ، وَرُبَّمَا صَوَّرَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ اسْمًا وَمَنْفَعَةً، فَلاَ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ .

نَعَمْ يُغْتَفَرُ بَقَاءُ الشَّرِكَةِ فِي التَّوَابِعِ وَالْمُلْحَقَاتِ، صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، إِذْ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ بَقَاءِ طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْمُتَقَاسِمِينَ - لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ اسْتِقْلاَلُ كُلٍّ بِطَرِيقٍ - فَإِنَّ هَذَا لاَ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى الْقِسْمَةِ .

19 - رَابِعًا: أَنْ لاَ تَنْقُصَ قِيمَةُ الْمَقْسُومِ بِقِسْمَتِهِ: وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ مَفْهُومَةٌ مِنَ الْمُهَذَّبِ لِلشِّيرَازِيِّ، وَصَرَّحَ بِهَا الْجِيلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَنَقَلُوهَا عَنْهُ فِي قِسْمَةِ الْعَقَارِ الْمُتَعَدِّدِ الْجِنْسِ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ تَنْزِيلاً لَهُ مَنْزِلَةَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، كَالْحُجَرِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ، وَهُوَ نَاظِرٌ إِلَى أَنَّ نَقْصَ الْقِيمَةِ ضَرَرٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ، فَلاَ يَدْخُلُ فِيهِ الْقَضَاءُ، لَكِنْ سَيَأْتِي لَهُمْ تَفْسِيرُ الضَّرَرِ بِغَيْرِ ذَلِكَ.

20 - خَامِسًا: تَعَذُّرُ قِسْمَةِ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ: وَقَدْ فُهِمَ هَذَا مِمَّا سَبَقَ (ف 16)، لَكِنَّهُ خَاصٌّ بِالْعَقَارَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّ الْمَنْقُولاَتِ لاَ يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهَا قِسْمَةَ جَمْعٍ إِلاَّ إِذَا اتَّحَدَ صِنْفُهَا، نَعَمْ. هُوَ عَلَى عُمُومِهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .

21 - وَالْمَالِكِيَّةُ يَجْعَلُونَ قِسْمَةَ الإْجْبَارِ فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَقَارَبَ دُونَ رَدٍّ، وَقِسْمَةَ التَّرَاضِي فِيمَا عَدَاهُ، كَمَا أَسْلَفْنَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ فِي أَنَّ قِسْمَةَ الإْجْبَارِ مَشْرُوطَةٌ بِاتِّحَادِ النَّوْعِ أَيْضًا، وَبِعَدَمِ الرَّدِّ - إِلاَّ أَنْ يَقِلَّ فِي قَوْلٍ لَهُمْ - وَلَكِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ:

أ - الْمَوْضِعُ الأْوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا اتَّحَدَ نَوْعُهُ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهِ، بَلْ لاَ بُدَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ التَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ وَفِي رَغَبَاتِ الشُّرَكَاءِ، وَلاَ بُدَّ أَيْضًا مِنْ قُرْبِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الْعَقَارِ وَالْعَقَارِ، فَقِطْعَةُ الأْرْضِ الَّتِي تَبْعُدُ عَنِ الأْخْرَى أَكْثَرَ مِنْ مِيلَيْنِ أَوْ تَكُونُ أَجْوَدَ مِنْهَا تُرْبَةً، أَوْ أَدْنَى إِلَى رَغْبَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ دُونَ الآْخَرِ - لِقُرْبِهَا مِنْ مَسْكَنِهِ مَثَلاً، أَوْ لأِنَّهَا تُسْقَى بِدُونِ آلاَتٍ - لاَ يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهِمَا مَعًا كَقِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، بَلْ تُقْسَمُ كُلُّ قِطْعَةٍ عَلَى حِدَةٍ.

وَلاَ بُدَّ لِلإْجْبَارِ عَلَى الضَّمِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنِ اتِّحَادِ نَوْعِ الأْشْجَارِ فِي حَدَائِقِ الْفَاكِهَةِ، وَعَدَمِ إِمْكَانِ قِسْمَةِ كُلِّ حَدِيقَةٍ عَلَى حِدَةٍ، بَلْ إِنَّ الْحَدِيقَةَ الْوَاحِدَةَ تَكُونُ أَشْجَارًا جَانِبٌ مِنْهَا النَّخْلُ، وَجَانِبٌ آخَرُ التُّفَّاحُ أَوِ الرُّمَّانُ، أَوِ الْخَوْخُ، لاَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهَا قِسْمَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَشْجَارِهَا عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنَّهُ إِذَنْ لِلضَّرُورَةِ يَصِحُّ الإْجْبَارُ عَلَى ضَمِّ النَّوْعِ إِلَى غَيْرِهِ، وَقِسْمَةُ الْجَمِيعِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ مَعَ التَّعْدِيلِ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَحْصُلَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَلَى أَصْنَافٍ مِنَ الأْشْجَارِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.

ب - الْمَوْضِعُ الثَّانِي: أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا اخْتَلَفَ نَوْعُهُ لاَ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهِ، فَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَقْسِمُونَ أَنْوَاعَ الثِّيَابِ الْمُخْتَلِفَةِ: مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَحَرِيرٍ.. إِلَخْ قِسْمَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ تَعْدِيلاً وَجَبْرًا. وَيُصَرِّحُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الأْرْضَ نَوْعٌ وَأَشْجَارَهَا نَوْعٌ آخَرُ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا تَبَاعَدَتِ الأْشْجَارُ تُقْسَمُ الأْرْضُ وَأَشْجَارُهَا مَعًا، لاَ الأْرْضُ وَحْدَهَا وَالأْشْجَارُ وَحْدَهَا، وَإِلاَّ فَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ بَعْضُ شَجَرِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ فِي أَرْضٍ آخَرَ، وَهَذَا يُخَالِفُ قِسْمَةَ الْبَسَاتِينِ؛ لأِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الشَّجَرُ، وَالأْرْضُ تَبَعٌ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا الأْرْضُ ، وَالأْشْجَارُ تَبَعٌ .

ج - الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لاَ يُجْمَعُ عِنْدَهُمْ فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ بَيْنَ نَصِيبَيْنِ، قَالُوا: لأِنَّ قِسْمَةَ الإْجْبَارِ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِطَرِيقِ الْقُرْعَةِ، وَفِي الْقُرْعَةِ غَرَرٌ يُرْتَكَبُ، ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إِلَى الْقِسْمَةِ، وَلاَ ضَرُورَةَ لِجَمْعِ نَصِيبَيْنِ (مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْحَقِيقَةِ تَقْلِيلٌ لِلْغَرَرِ)، وَمَعَ ذَلِكَ حَتَّمُوا إِجْمَاعَ كُلِّ أَصْحَابِ فَرْضٍ فِي نَصِيبٍ وَاحِدٍ عِنْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، أَيْ بَيْنَ ذَوِي فُرُوضٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَوْ ذَوِي فَرْضٍ وَاحِدٍ أَوْ عَصَبَةٍ، وَسَوَّغُوا اجْتِمَاعَ الْعَصَبَةِ - بِرِضَاهُمْ - فِي نَصِيبٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُقَاسَمَتِهِمْ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَأَلْزَمُوا الْوَرَثَةَ مُطْلَقًا بِهَذَا الاِجْتِمَاعِ - إِذَا طَلَبَهُ أَحَدُهُمْ - فِي مُقَاسَمَةِ شَرِيكٍ لِمُوَرِّثِهِمْ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا بِنَصِيبِ مُوَرِّثِهِمْ، ثُمَّ لِلْجَمِيعِ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ شَاءُوا - وَقَبِلَ نَصِيبُهُمُ الْقِسْمَةَ - أَنْ يَقْتَسِمُوهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ الشَّرِكَةِ فِي التَّوَابِعِ - وَسَبَقَ نَحْوُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ (ف 18) - فَإِنَّ مَرَافِقَ الدَّارِ الْمَقْسُومَةِ إِذَا سُكِتَ عَنْهَا فِي الْقِسْمَةِ تَبْقَى عَلَى الاِشْتِرَاكِ كَمَا كَانَتْ .

د - الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ تَعَذُّرُ قِسْمَةِ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ فِيمَا عَدَا الْبَسَاتِينَ، فَإِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى الْجَمْعِ فِي قِسْمَتِهَا بَيْنَ صِنْفَيْنِ، كَتُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَتْ قِسْمَةُ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، وَسَوَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَقَارُ وَالْمَنْقُولُ، فَالدُّورُ وَالأَْرَاضِي تُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ جَبْرًا إِذَا طَلَبَهَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ - وَإِنْ أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ كُلِّ دَارٍ وَكُلُّ حَقْلٍ عَلَى حِدَةٍ - وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ، إِلاَّ أَنَّ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ يُخَالِفُهُ فِي الثِّيَابِ، وَنَصُّ عِبَارَتِهَا: «هَذِهِ ثِيَابٌ كُلُّهَا تُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ إِذَا كَانَتْ لاَ تَحْتَمِلُ أَنْ يُقْسَمَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ» «وَفِي الدَّارِ الْمَعْرُوفَةِ بِالسُّكْنَى لِلْمَيِّتِ أَوِ الْوَرَثَةِ» بِنَاءً عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ خَلِيلٌ مِنْ أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى جَمْعِهَا مَعَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الدُّورِ فِي قِسْمَةٍ وَاحِدَةٍ لاَ يُجَابُ مَتَى دَعَا آخَرُ إِلَى إِفْرَادِهَا بِالْقِسْمَةِ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ .

22 - وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَكَذَا أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ يُوَافِقُونَ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرِيطَةِ الإْجْبَارِ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ بِنَفْسِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ، أَيْ فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَإِنْ بَقِيَ الْمَالُ مُنْتَفَعًا بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا، لِعِظَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَنَافِعِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى تَقْرِيرِ الْخِرَقِيِّ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ جَرَى عَلَى رِوَايَةٍ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلاَفُهَا، وَهُوَ أَنَّ الضَّرَرَ الْمَانِعَ مِنَ الإْجْبَارِ هُوَ نَقْصُ الْقِيمَةِ .

وَفِي كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ مَا قَدْ يُفِيدُ أَنَّهُمْ أَحْيَانًا يَنْظُرُونَ إِلَى الْقِيمَةِ. بِحَيْثُ لَوْ نَقَصَتْ بِقِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُمْ لاَ يُجْبَرُونَ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ .

23 - وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَحْدِيدِ مَدَى الضَّرَرِ الْمَشْرُوطِ انْتِفَاؤُهُ لِلإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ، عَلَى آرَاءٍ:

الأْوَّلُ: مُطْلَقُ ضَرَرٍ: وَعَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجَمَاهِيرُ الْحَنَابِلَةِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى «لِنَهْيِهِ صلوات الله عليه عَنِ الضَّرَرِ وَالضِّرَارِ » عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي فَضِّ الشَّرِكَةِ - كَمَا هُنَا - أَمِ الْبَقِيَّةِ عَلَيْهَا - كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى إِنْسَانٌ بِخَاتَمِهِ لِشَخْصٍ، وَبِفَصِّهِ لآِخَرَ - إِذْ قَالُوا: إِنَّ أَيَّهُمَا طَلَبَ قَلْعَ الْفَصِّ يُجَابُ فَفِي مَسْأَلَةِ الشَّرِيكَيْنِ: لأِحَدِهِمَا فِي الدَّارِ عُشْرُهَا وَلَيْسَ يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى (وَلَوْ بِإِضَافَةٍ خَارِجِيَّةٍ يَسْتَطِيعُهَا) وَلِلآْخَرِ بَاقِيهَا لاَ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَى الْقِسْمَةِ، لِمَا فِيهَا مِنَ الضَّرَرِ بِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ فَلاَ بَأْسَ؛ لأِنَّ الْمُسْتَضِرَّ قَدْ رَضِيَ بِضَرَرِ نَفْسِهِ .

وَيَنُصُّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ مِنْ هَذَا الضَّرَرِ الْمَانِعِ مِنْ قِسْمَةِ الإْجْبَارِ أَنْ يَبْقَى النَّصِيبُ صَالِحًا لِلسُّكْنَى - فِي مِثَالِنَا هَذَا - وَلَكِنْ لِسُكْنَى غَيْرِ صَاحِبِهِ، فَيَضْطَرُّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِغَيْرِهِ مَثَلاً، وَإِنْ نَقَصَ الثَّمَنُ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ، أَوْ نَقَصَتِ الْمَنْفَعَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الضَّرَرِ، وَقَدْ رَأَيْنَا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ يَشْتَرِطُ عَدَمَ نَقْصِ الثَّمَنِ (ف 19)، كَمَا أَنَّ عِنْدَهُمْ مِثْلُ خِلاَفِ الْمَالِكِيَّةِ فِي نُقْصَانِ الْمَنْفَعَةِ، كَالسَّيْفِ يُكْسَرُ لِيُقْسَمَ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ لِنَفْسِ الْغَرَضِ لَكِنْ بِصُورَةٍ أَقَلَّ جَدْوَى، إِلاَّ أَنَّهُمْ رَجَّحُوا أَنَّهُ ضَرَرٌ مَانِعٌ مِنَ الإْجْبَارِ ثُمَّ يَنْفَرِدُ الشَّافِعِيَّةُ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ إِذَا كَانَ يُمْكِنُ رَفْعُهُ فِي يُسْرٍ عَنِ الْمُسْتَضِرِّ بِتَكْمِيلِ النَّصِيبِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ لأِنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ بِتَيَسُّرِ رَفْعِهِ وَإِزَالَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ بِجِوَارِ الدَّارِ الْمَقْسُومَةِ أَرْضٌ مَوَاتٌ يَسْتَطِيعُ إِحْيَاءَهَا، أَوْ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِعْلاً، أَوْ يَسْتَطِيعُ تَمَلُّكَهَا، أَمَّا الَّتِي لاَ يُجَاوِرُهَا إِلاَّ مَا لاَ سَبِيلَ إِلَى الْحُصُولِ عَلَيْهِ - كَوَقْفٍ أَوْ شَارِعٍ أَوْ مِلْكٍ لِمَنْ لاَ يَنْزِلُ عَنْهُ - فَلاَ إِجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهَا وَلِلْمَالِكِيَّةِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا .

الثَّانِي: الضَّرَرُ الْعَامُّ: كَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهَذَا عِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، فَلَيْسَ يَمْنَعُ مِنَ الإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ ضَرَرُ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ - سَوَاءٌ أَكَانَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ هُوَ الْمُسْتَضِرُّ أَمْ غَيْرُهُ - إِيثَارًا لِلتَّخَلُّصِ مِنْ مَضَارِّ الشَّرِكَةِ .

الثَّالِثُ: الضَّرَرُ الْوَاصِلُ إِلَى الطَّالِبِ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ، كَمَا اعْتَمَدَهُ الْقُدُورِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَفِي مِثَالِ الدَّارِ، لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عُشْرُهَا، وَلاَ يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى مُنْفَرِدًا إِنْ كَانَ الطَّالِبُ لِلْقِسْمَةِ هُوَ الآْخَرُ الَّذِي لاَ تَبْطُلُ بِالْقِسْمَةِ مَنْفَعَةُ نَصِيبِهِ الْمَقْصُودِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (وَلَوْ بِضَمِّ شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ يَمْلِكُهُ أَوْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْلِكَهُ عَلَى نَحْوِ مَا) فَحِينَئِذٍ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ هُوَ الْمُسْتَضِرُّ فَمُتَعَنِّتٌ مُضَيِّعٌ لِمَالِهِ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلاَ يُجَابُ إِلَى سَفَهِهِ وَقَدْ عَرَفْنَا مَا فِيهِ عِنْدَ تَقْرِيرِ كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ (ف 13).

الرَّابِعُ: الضَّرَرُ الْوَاصِلُ إِلَى الْمُمْتَنِعِ: عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي تَوْجِيهِهِ (ف 13)، وَمَالَ إِلَيْهِ ابْنُ قُدَامَةَ قِيَاسًا عَلَى مَا لاَ ضَرَرَ فِيهِ، لِرِضَا الطَّالِبِ بِضَرَرِهِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ .

تَقْسِيمُ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ وَحْدَةِ الْمَحَلِّ وَتَعَدُّدِهِ:

24 - وَهِيَ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ قِسْمَانِ: عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قِسْمَةُ جَمْعٍ وَقِسْمَةُ تَفْرِيقٍ، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِمَا يَلِي:

أ - قِسْمَةُ الْجَمْعِ: هِيَ قِسْمَةُ الْمُتَعَدِّدِ قِسْمَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ كَانَ مُتَسَاوِيَ الأَْفْرَادِ وَأَجْزَائِهَا لَمْ يَحْتَجْ إِلاَّ إِلَى إِفْرَازِ كُلِّ نَصِيبٍ عَلَى حِدَةٍ، دُونَ حَاجَةٍ إِلَى تَقْوِيمٍ، مِثَالُ ذَلِكَ: كَمِّيَّةٌ مِنَ الأْحْجَارِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْقَوَالِبِ وَالصَّنْعَةِ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ بِالتَّسَاوِي، لاَ تَحْتَاجُ قِسْمَتُهَا إِلاَّ إِلَى عَدِّ ثُلُثٍ مِنْهَا لِهَذَا، ثُمَّ ثُلُثٌ لِذَاكَ، ثُمَّ يَكُونُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ، نَظِيرُ مَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ ثَوْبًا وَاحِدًا مِنَ الْقُمَاشِ (بِالْمَعْنَى الْمُتَدَاوَلِ الآْنَ، أَيْ ذَرْعًا مُعَيَّنًا مِنْ نَسِيجٍ مُعَيَّنٍ) بَيْنَهُمْ عَلَى التَّسَاوِي، فَإِنَّ قِسْمَتَهُ لاَ تَتَطَلَّبُ إِلاَّ أَنْ يُقَاسَ ثُلُثُ الثَّوْبِ لِهَذَا، ثُمَّ ثُلُثٌ لِذَاكَ، ثُمَّ يَكُونُ لِلثَّالِثِ الْبَاقِي .

وَإِنْ كَانَ بَيْنَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَبَعْضٍ تَفَاوُتٌ بِحَيْثُ لاَ يُمْكِنُ تَعْدِيلُ الأْنْصِبَاءِ فِيهِ إِلاَّ بِالتَّقْوِيمِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي أَنْوَاعِ الْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ، وَكَمَا هِيَ طَبِيعَةُ الأْشْيَاءِ فِي الأْجْنَاسِ الْمُتَعَدِّدَةِ كَدَارٍ وَمَنْقُولاَتِهَا، وَضَيْعَةٍ وَمُحْتَوَيَاتِهَا، فَإِنَّهُ أَيْضًا يُعْتَبَرُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ مُتَفَاوِتِ الأْجْزَاءِ لاَ تَتَعَدَّلُ الأْنْصِبَاءُ فِيهِ إِلاَّ بِتَقْوِيمِهِ، كَقِطْعَةِ أَرْضٍ زِرَاعِيَّةٍ تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهَا فِي دَرَجَةِ الْخِصْبِ فَيُقَوَّمُ عِنْدَ التَّشَاحِّ وَيُصِيبُ كُلَّ شَرِيكٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ مَا يُسَاوِي نَصِيبَهُ مِنَ الْقِيمَةِ كُلِّهَا، فَالَّذِي نَصِيبُهُ الثُّلُثُ مِنْ مَالٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ. (ر: ف \ 12 وَمَا بَعْدَهَا).

ب - قِسْمَةُ التَّفْرِيقِ: وَتُسَمَّى قِسْمَةَ الْفَرْدِ أَيْضًا، وَهِيَ قِسْمَةُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ نَفْسِهِ - كَمَا مَثَّلْنَاهُ آنِفًا فِي التَّنْظِيرِ لِقِسْمَةِ الْجَمْعِ - أَوِ الأْشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ .

وَالْفُقَهَاءُ فِي سَائِرِ مَذَاهِبِ الْفِقْهِ لاَ يُبْرِزُونَ هَذَا التَّقْسِيمَ (إِلَى قِسْمَةِ جَمْعٍ وَقِسْمَةِ تَفْرِيقٍ) إِبْرَازَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ يَجِيءُ فِي ثَنَايَا كَلاَمِهِمْ.

مُقَوِّمَاتُ الْقِسْمَةِ:

25 - إِذَا كَانَتِ الْقِسْمَةُ هِيَ تَمْيِيزُ الأْنْصِبَاءِ لِمُسْتَحِقِّيهَا فَإِنَّهَا لِكَيْ تَتَحَقَّقَ لاَ بُدَّ لَهَا مِنَ الْمُقَوِّمَاتِ التَّالِيَةِ:

أ - الْفَاعِلُ الَّذِي يَتَوَلَّى الْقِسْمَةَ، وَهُوَ الْقَاسِمُ.

ب - الْمُسْتَحِقُّونَ، أَوِ الْمَقْسُومُ لَهُ.

ج - الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي تُمَيَّزُ حِصَصُهُ، وَهُوَ الْمَقْسُومُ.

وَبَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:

أ - الْقَاسِمُ:

26 - لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَقَّقَ قِسْمَةٌ بِدُونِ قَاسِمٍ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْقَاسِمَ قَدْ يَكُونُ هُوَ الشُّرَكَاءَ أَنْفُسَهُمْ، إِنْ كَانُوا كُمَّلاً، أَوْ أَوْلِيَاءَهُمْ إِنْ كَانُوا قَاصِرِينَ، وَقَدْ يَكُونُ أَجْنَبِيًّا يُوَلُّونَهُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمْ، دُونَ لُجُوءٍ إِلَى الْقَضَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ الْقَاضِي إِذَا طَلَبَ مِنْهُ الْقِسْمَةَ وَاحِدٌ مِنَ الشُّرَكَاءِ أَوْ أَكْثَرُ فَيَتَوَلاَّهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَنْصِبُ مَنْ يَتَوَلاَّهَا نِيَابَةً عَنْهُ.

شَرَائِطُ الْقَاسِمِ:

27 - اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ وَالْمِلْكِ أَوِ الْوِلاَيَةِ فِي الْقَاسِمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الإْسْلاَمِ وَالْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ فَأَوْجَبَهَا الْقُدُورِيُّ وَالْمِرْغِينَانِيُّ وَاسْتَحَبَّهَا الْكَاسَانِيُّ، وَلاَ خِلاَفَ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا بَيْنَ قَاسِمِ الْحَاكِمِ وَقَاسِمِ الشُّرَكَاءِ، أَمَّا سَائِرُ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ قَاسِمِ الْحَاكِمِ وَقَاسِمِ الشُّرَكَاءِ، فَقَاسِمُ الْحَاكِمِ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ:

الشَّرِيطَةُ الأْولَى: الْعَدَالَةُ:

28 - تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، لِيُؤْمَنَ الْجَوْرُ فِي إِيصَالِ الْحُقُوقِ إِلَى أَرْبَابِهَا، فَإِنَّ قِسْمَتَهُ لاَزِمَةٌ لِلْمُقْتَسِمِينَ، لاَ خِيَارَ لَهُمْ فِي قَبُولِهَا وَرَفْضِهَا، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ وِلاَيَةَ الْقِسْمَةِ مِنْ قَبِيلِ الْوِلاَيَاتِ الْوَاجِبَةِ الطَّاعَةِ، وَغَيْرُ الْعَدْلِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، قِيَاسًا عَلَى الْحَاكِمِ نَفْسِهِ

وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .

الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ: الْحُرِّيَّةُ:

29 - تُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ؛ لأِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلاَيَاتِ، وَبِهَذِهِ الشَّرِيطَةِ يَأْخُذُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، دُونَ الْحَنَابِلَةِ .

الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ: الذُّكُورَةُ:

30 - انْفَرَدَ الشَّافِعِيَّةُ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الشَّرِيطَةِ؛ لأِنَّ الْمَرْأَةَ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْوِلاَيَاتِ، وَهَذِهِ خِلاَفِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ فَقَالُوا: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَاسِمُ الْحَاكِمِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَاتِ كُلِّهَا: فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، ذَكَرًا، حُرًّا، مُسْلِمًا، عَدْلاً، ضَابِطًا (لاَ مُغَفَّلاً) سَمِيعًا بَصِيرًا، نَاطِقًا؛ لأِنَّ كُلَّ الْمُتَّصِفِينَ بِأَضْدَادِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوِلاَيَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ أَيْضًا مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الأْصْلُ - مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ مَهْمَا عَلاَ - قَاسِمَ حَاكِمٍ لِفَرْعِهِ مَهْمَا نَزَلَ، كَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ، أَيْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ قَاسِمَ حَاكِمٍ لأِصْلِهِ .

الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ: عِلْمُهُ بِالْقِسْمَةِ:

31 - الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ: أَنْ تَتَوَفَّرَ لَهُ الآْلَةُ اللاَّزِمَةُ لِلْقِيَامِ بِعَمَلِ الْقَاسِمِ كَمَعْرِفَةِ الْحِسَابِ، وَالْمِسَاحَةِ إِنْ نُصِبَ قَاسِمًا عَامًّا؛ لأِنَّهُ لاَ بُدَّ مُحْتَاجٌ ذَلِكَ أَوْ قَاسِمًا لِمَا لَمْ تُمْكِنْ قِسْمَتُهُ دُونَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ، نَصَّ عَلَى هَذِهِ الشَّرِيطَةِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ التَّقْوِيمِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِالْقِسْمَةِ حَيْثُمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ خِلاَفٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِنِ اعْتَمَدَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لأِنَّهُ يَسْتَطِيعُ الاِسْتِعَانَةَ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي التَّقْوِيمِ إِنِ احْتَاجَهُ، وَعِنْدَ ذَاكَ يَعْتَمِدُ مِنْهُمْ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، غَايَةُ مَا هُنَاكَ أَنَّهُ يُفَضَّلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالتَّقْوِيمِ أَيْضًا، أَمَّا قَاسِمٌ لاَ يَعْرِفُ حِسَابًا وَلاَ مِسَاحَةً، فَكَقَاضٍ لاَ يَعْرِفُ الْفِقْهَ، أَوْ كَاتِبٍ لاَ يَعْرِفُ الْخَطَّ .

الشَّرِيطَةُ الْخَامِسَةُ: تَعَدُّدُ الْقَاسِمِ حِينَ تَكُونُ ثَمَّ حَاجَةٌ إِلَى التَّقْوِيمِ:

32 - جَزَمَ الشَّافِعِيَّةُ بِتَعَدُّدِ الْقَاسِمِ إِذَا كَانَ هُوَ الْمُقَوِّمَ، وَاعْتَمَدَهُ الْحَنَابِلَةُ، وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يَكْفِي الْمُقَوِّمُ الْوَاحِدُ بَلْ لاَ بُدَّ مِنِ اثْنَيْنِ حَيْثُ كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّقْوِيمِ حَدٌّ أَوْ غُرْمٌ كَتَقْوِيمِ الْمَسْرُوقِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَالْمَغْصُوبِ وَالْمُتْلَفِ إِذَا وُصِفَ لَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاسِمِ وَالْمُقَوِّمِ: أَنَّ الْقَاسِمَ نَائِبٌ عَنِ الْحَاكِمِ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالْوَاحِدِ، وَالْمُقَوِّمُ كَالشَّاهِدِ عَلَى الْقِيمَةِ فَتُرَجَّحُ فِيهِ جَانِبُ الشَّهَادَةِ، وَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى التَّقْوِيمِ حَدٌّ أَوْ غُرْمٌ كَفَى وَاحِدٌ .

وَإِذَا جُعِلَ الْقَاسِمُ حَاكِمًا فِي التَّقْوِيمِ، كَمَا جُعِلَ حَاكِمًا فِي الْقِسْمَةِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ - فِيمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ - أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، فَيَكُونُ قَدْ قَسَمَ وَقَوَّمَ وَهُوَ وَاحِدٌ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ قَاسِمَانِ اثْنَانِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ أَنَّهُ شَاهِدٌ لاَ حَاكِمٌ.

وَلَيْسَ الْخَرْصُ (تَقْدِيرُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ عَلَى الشَّجَرِ) إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهِ، مِنْ قَبِيلِ التَّقْوِيمِ؛ لأِنَّ التَّقْوِيمَ إِخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، وَالْخَرْصُ إِنْشَاءُ حُكْمٍ عَنِ اجْتِهَادٍ كَمَا يَفْعَلُ الْقَاضِي، فَيَكْفِي مَعَ الْحَاجَةِ إِلَى الْخَرْصِ قَاسِمٌ وَاحِدٌ، كَمَا اكْتَفَوْا بِخَارِصٍ وَاحِدٍ فِي الزَّكَاةِ، وَإِنْ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِنَّ الْقِيَاسَ قَاسِمَانِ اعْتِبَارًا بِالتَّقْوِيمِ؛ لأِنَّ الْخَارِصَ يَجْتَهِدُ وَيُعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ، فَكَانَ كَالْحَاكِمِ وَالْمُقَوِّمِ يُخْبِرُ بِقِيمَةِ الشَّيْءِ فَهُوَ كَالشَّاهِدِ .

33 - وَقَاسِمُ الشُّرَكَاءِ الَّذِي هُوَ فِي حَقِيقَةِ الأْمْرِ مُجَرَّدُ وَكِيلٍ عَنْهُمْ، قَدْ يُعْفِيهِ وَضْعُهُ هَذَا مِنْ أَكْثَرِ شَرَائِطِ قَاسِمِ الْحَاكِمِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ - إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الشُّرَكَاءِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ - لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ سِوَى التَّكْلِيفِ، حَتَّى لَيَجُوزَ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، أَوْ فَاسِقًا، أَوْ ذِمِّيًّا، وَلاَ يَشْتَرِطُ أَحَدٌ تَعَدُّدَهُ فَإِذَا كَانَ فِي الشُّرَكَاءِ مَحْجُورٌ اشْتُرِطَتْ فِي قَاسِمِهِمْ أَيْضًا شَرَائِطُ قَاسِمِ الْحَاكِمِ، نَظَرًا وَحِيطَةً.

وَيَكْتَفِي الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِالضَّمَانِ الَّذِي فِي أَيْدِي الشُّرَكَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِقَاسِمِهِمْ هَذَا، أَيْ أَنَّ لَهُمُ الْحَقَّ فِي رَفْضِ قِسْمَتِهِ إِذَا لَمْ تَرُقْهُمْ، فَلاَ يَشْتَرِطُونَ لِصِحَّتِهَا وَلُزُومِهَا إِلاَّ تَرَاضِيهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَاسِمُ لاَ يَعْرِفُ الْقِسْمَةَ وَظَاهِرٌ أَنَّ وَلِيَّ الْمَحْجُورِ وَوَكِيلَ الْغَائِبِ يَنُوبَانِ مَنَابَهُمَا.

وَيَنُصُّ الشَّافِعِيَّةُ هُنَا عَلَى دَقِيقَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَاسِمٌ شَرِيكًا وَوَكِيلاً لِسَائِرِ الشُّرَكَاءِ أَوْ لِبَعْضٍ مِنْهُمْ، كَأَنْ يَقُولُوا كُلُّهُمْ لَهُ: أَنْتَ وَكِيلٌ عَنَّا فَاقْسِمْ كَمَا تَرَى، وَافْرِزْ لِنَفْسِكَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا نَصِيبَهُ، أَوْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً، فَيُوَكِّلُ اثْنَانِ مِنْهُمُ الاِثْنَيْنِ الآْخَرَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَحَدُهُمَا وَكِيلاً عَنْ وَاحِدٍ وَالآْخَرُ عَنِ الآْخَرِ، وَالسِّرُّ فِي هَذَا أَنَّ عَلَى الْوَكِيلِ أَنْ يَحْتَاطَ لِمُوَكِّلِهِ، وَهَذَا مَا لاَ يَسْتَطِيعُهُ الْوَكِيلُ هُنَا، لأِنَّهُ يَتَنَاقَضُ مَعَ احْتِيَاطِهِ لِنَفْسِهِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ غَرِيزِيٌّ مَرْكُوزٌ فِي الْفِطَرِ.

نَعَمْ إِذَا وَقَعَ التَّوْكِيلُ بِحَيْثُ لاَ يُؤَدِّي إِلَى هَذَا التَّنَاقُضِ، فَلاَ بَأْسَ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا آثَرَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَبْقَى هُوَ وَآخَرُ شَرِيكَيْنِ بِنَصِيبِهِمَا بَعْدَ انْفِصَالِ الآْخَرَيْنِ، فَيُوَكِّلُهُ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ نَصِيبَاهُمَا جُزْءًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْوَكِيلَ حِينَئِذٍ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ، بِلاَ أَدْنَى تَعَارُضٍ .

أُجْرَةُ الْقَاسِمِ:

مَنْ تَكُونُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْقَاسِمِ؟

34 - الْقَاسِمُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أُجْرَةٍ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْقَاضِي نَفْسُهُ كَمَا سَيَجِيءُ.

وَأُجْرَتُهُ إِنْ كَانَ قَاسِمَ الشُّرَكَاءِ عَلَى الشُّرَكَاءِ؛ لأِنَّ نَفْعَ الْقِسْمَةِ يَخُصُّهُمْ، وَإِنْ كَانَ قَاسِمَ الْقَاضِي، فَالأْفْضَلُ أَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهُ فِي خِزَانَةِ الدَّوْلَةِ (بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) لأِنَّ هَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ، بَلْ مَطْلُوبٌ مِنَ الْقَاضِي - عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَالاِسْتِحْبَابِ - أَنْ يَتَّخِذَ قَاسِمًا عَامًّا، بِصِفَةٍ دَائِمَةٍ، لَهُ رِزْقٌ جَارٍ كَسَائِرِ عُمَّالِ الدَّوْلَةِ، يَكُونُ مُعَدًّا لِلْقِيَامِ بِالْقِسْمَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ طَلَبِهَا دُونَ تَقَاضِي أَجْرٍ مِنْهُمْ؛ لأِنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ، مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَاضِي - إِذْ هِيَ أَيْضًا لِقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ - فَيَكُونُ مُقَابِلُهَا فِي الْمَالِ الْعَامِّ كَرِزْقِ الْقَاضِي نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ أُجْرَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ - لأِمْرٍ مَا - فَإِنَّ أُجْرَتَهُ تَكُونُ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لأِنَّ النَّفْعَ وَاصِلٌ إِلَيْهِمْ، لَكِنْ يُقَدِّرُهَا الْقَاضِي بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِئَلاَّ يَتَحَكَّمَ الْقَاسِمُ وَيَشْتَطَّ، وَمَعَ ذَلِكَ لاَ يَلْزَمُهُمْ بِالْقَاسِمِ الَّذِي يَنْصِبُهُ، بَلْ يَدَعُ لَهُمُ الْخِيَارَ، فَإِنْ شَاءُوا قَسَمَ لَهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَأْجَرُوا غَيْرَهُ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى إِجْبَارِهِمْ عَلَى تَوْكِيلِ قَاسِمٍ بِعَيْنِهِ، كَمَا أَنَّهُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لاَ يَدَعُ الْقَسَّامِينَ، يَعْمَلُونَ فِي شَرِكَةٍ مَعًا؛ لِئَلاَّ يَتَوَاطَئُوا، وَيَزِيدُوا فِي الأْجْرَةِ .

وَاتِّخَاذُ الْقَاسِمِ الدَّائِمِ يَظَلُّ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُقَرَّرْ لَهُ أُجْرَةٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ أَعْرَفُ بِمَنْ يَصْلُحُ لِهَذَا الْغَرَضِ؛ وَلأِنَّ قَاسِمَ الْقَاضِي أَعَمُّ نَفْعًا، إِذْ تَنْفُذُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْمَحْجُورِ وَالْغَائِبِ، بِخِلاَفِ قِسْمَةِ غَيْرِهِ .

ثُمَّ الْقِسْمَةُ تُشْبِهُ الْقَضَاءَ؛ لأِنَّهَا تَدْخُلُ فِي وِلاَيَةِ الْقَاضِي، وَيُلْزَمُ بِهَا الآْبِي، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلِذَا لاَ تَجِبُ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا بِنَفْسِهِ، فَمِنْ أَجْلِ كَوْنِهَا لَيْسَتْ قَضَاءً، إِذَا تَوَلاَّهَا الْقَاضِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَتَهَا مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ، وَلَكِنْ لِمَكَانِ شَبَهِهَا بِالْقَضَاءِ يَكُونُ الأْوْلَى لَهُ أَنْ لاَ يَأْخُذَ .

هَكَذَا قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ، وَلاَ يُخَالِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ فِي أَنَّ أُجْرَةَ قَاسِمِ الشُّرَكَاءِ عَلَى الشُّرَكَاءِ، وَلاَ فِي أَنَّ نَصْبَ الْحَاكِمِ قَاسِمًا لِيَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وُجُوبُهُ وَكُلُّهُمْ يَنْقُلُونَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ لَهُ قَاسِمٌ عَامٌّ مِنْ عُمَّالِهِ الدَّائِمِينَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، وَأَنَّهُ كَانَ يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .

لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ رِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِعَدَمِ كِفَايَةِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ هَذَا قَدْ يُفْسِدُ الْمَقْصُودَ مِنْ نَصْبِهِ؛ لأِنَّهُ إِذَنْ مَظِنَّةُ أَنْ يُغَالِيَ فِي الأْجْرَةِ، وَيَقْبَلَ الرِّشْوَةَ، وَيَجُورَ فِي الْقِسْمَةِ، فَحِينَئِذٍ لاَ يُعَيِّنُ قَاسِمًا، وَيَدَعُ النَّاسَ يَسْتَأْجِرُونَ أَوْ يَسْتَعِينُونَ بِمَنْ شَاءُوا، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ حِينَئِذٍ هَذَا التَّعْيِينَ، وَقَضَى بِحُرْمَتِهِ .

وَيُوجَدُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مَنْ يَكْرَهُ أَخْذَ الأْجْرَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ أَيًّا كَانَتْ، وَهَذَا مِمَّا يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الدَّرْدِيرُ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الأْخْلاَقِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ. إِذْ تَقُولُ: كَانَ خَارِجَةُ وَرَبِيعَةُ يَقْسِمَانِ بِلاَ أَجْرٍ؛ لأِنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ لاَ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ أَجْرٌ، وَيَقُولُ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لاَ تَأْخُذْ عَلَى الْخَيْرِ أَجْرًا .

لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ - وِفَاقًا لِغَيْرِهِمْ - لَمْ يَعْتَدُّوا بِهَذَا الْخِلاَفِ وَاعْتَمَدُوا الْجَوَازَ بِإِطْلاَقٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الأْجْرَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمْ عَلَى الشُّرَكَاءِ - إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُقَيِّدُونَهُمْ بِالرُّشَدَاءِ، وَيَكْرَهُونَ أَخْذَ الأْجْرَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، لَكِنْ لاَ تُبَاحُ الأْجْرَةُ لِلْقَاسِمِ إِلاَّ نَظِيرُ تَوَلِّي الْقِسْمَةِ - أَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الأْجْرَةَ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ بِحُكْمِ مَنْصِبِهِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي قَسَمَ بَيْنَهُمْ، فَهَذَا هُوَ السُّحْتُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ بِفَرْضٍ مِنَ الْقَاضِي أَوِ الإْمَامِ .

كَيْفِيَّةُ تَوْزِيعِ الأْجْرَةِ:

35 - إِذَا كَانَتِ الأْجْرَةُ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لِسَبَبٍ مَا كَإِضَاعَةٍ مِنْ أُولِي الأْمْرِ، أَوْ عَوَزٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ رَغْبَةٍ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ عَنْ قَاسِمِ الدَّوْلَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِهِ عَلَى الشُّرَكَاءِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

الأْوَّلُ: أَنَّهَا تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ: وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - دُونَ صَاحِبَيْهِ - وَجَمَاهِيرُ الْمَالِكِيَّةِ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَهَؤُلاَءِ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّ الأْجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ، وَعَمَلُ الْقَاسِمِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْمُتَقَاسِمِينَ سَوَاءٌ، إِذْ هُوَ تَمْيِيزُ الأْنْصِبَاءِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ لاَ يَقْبَلُ التَّفَاوُتَ، فَتَمْيِيزُ الْقَلِيلِ مِنَ الْكَثِيرِ هُوَ بِعَيْنِهِ تَمْيِيزُ الْكَثِيرِ مِنَ الْقَلِيلِ، وَإِذَا لَمْ يَتَفَاوَتِ الْعَمَلُ لَمْ تَتَفَاوَتِ الأْجْرَةُ، أَمَّا الْوَسَائِلُ الْمُوصِلَةُ إِلَى هَذَا التَّمْيِيزِ، كَالْمِسَاحَةِ وَمَا تَتَطَلَّبُهُ مِنْ جَهْدٍ، وَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، فَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْقِسْمَةِ، وَلَيْسَتْ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ مِنْ أَجْلِهِ، وَلِذَا لَوِ اسْتَعَانَ فِيهِ بِالْمُتَقَاسَمِينَ أَنْفُسِهِمْ لاَسْتَحَقَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الْقِسْمَةِ كَامِلَةً وَضَبْطُ الأُجْرَةِ بِمِقْدَارِ الأْنْصِبَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، إِذْ لَيْسَ النَّصِيبُ الْكَبِيرُ دَائِمًا أَصْعَبَ حِسَابًا وَلاَ النَّصِيبُ الْيَسِيرُ دَائِمًا أَيْسَرَ، فَلاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا إِلاَّ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ .

وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُقْسَمُ بِمِقْدَارِ الأْنْصِبَاءِ: وَعَلَيْهِ الصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَصْبَغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْمَغَارِبَةِ أَخِيرًا وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مُعْتَمَدُهُمْ وَعَلَيْهِ مُعَوَّلُهُمْ، وَهَؤُلاَءِ يَتَعَلَّقُونَ بِأَنَّ أُجْرَةَ الْقِسْمَةِ مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ، فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، كَالنَّفَقَةِ عَلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ نَحْوِ إِطْعَامِ بَهَائِمَ وَحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ، وَحَرْثِ أَرْضٍ أَوْ رَيِّهَا، وَكَيْلِ حَبٍّ مُشْتَرًى أَوْ وَزْنِهِ .

36 - أ - حِينَ يُقَالُ تَكُونُ الأْجْرَةُ بِمِقْدَارِ الأْنْصِبَاءِ يُمْكِنُ التَّسَاؤُلُ: أَهِيَ الأْنْصِبَاءُ الأْصْلِ يَّةُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَمِ الأْنْصِبَاءُ الْمَأْخُوذَةُ نَتِيجَةً لِلْقِسْمَةِ؟ مَثَلاً: حِينَ يَكُونُ لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفُ الأْرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، لَكِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْقِسْمَةِ ثُلُثَهَا فَحَسْبُ؛ لأِنَّهُ أَجْوَدُ، هَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ أَمْ ثُلُثُهَا؟

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الأْجْرَةُ تُوَزَّعُ عَلَى الْحِصَصِ الْمَأْخُوذَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ لأِنَّهَا مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ كَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ الْمُشْتَرَكِ .

ب - إِذَا اتَّفَقَ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَى تَحَمُّلِ الأْجْرَةِ بِنِسْبَةِ مُخَالَفَةٍ لِقَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ، وَشَرَطُوا ذَلِكَ عَلَى الْقَاسِمِ فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ أَمْ لاَغٍ؟.

قَطَعَ الشَّافِعِيَّةُ بِاعْتِبَارِهِ؛ لأِنَّهُ أَجِيرُهُمْ فَلاَ يَسْتَحِقُّ فِي إِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ إِلاَّ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، لَكِنَّهُمْ لأِمْرٍ مَا اعْتَمَدُوا بُطْلاَنَ الشَّرْطِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي تَوْزِيعِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ حِينَ تَكُونُ الإْجَارَةُ فَاسِدَةً .

- ج - إِذَا أَتَمَّ الْقَاسِمُ الْقِسْمَةَ، دُونَ أَنْ تُذْكَرَ أُجْرَةٌ، فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ، قِيَاسًا عَلَى الْقَصَّارِ يُدْفَعُ إِلَيْهِ الثَّوْبُ لِيَقْصِرَهُ، وَلاَ تُسَمَّى أُجْرَةٌ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَامَ بِالْقِسْمَةِ بِتَوْجِيهٍ مِنَ الإْمَامِ أَوِ الْقَاضِي فَحِينَئِذٍ تَكُونُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.

هَكَذَا قَرَّرَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُمْ مُنَازَعُونَ فِي ذَلِكَ تَأْصِيلاً وَتَفْرِيعًا حَتَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْفُسِهِمْ، وَحَسْبُكَ بِخِلاَفِ مِثْلِ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ، ثُمَّ هَذَا الْبُجَيْرِمِيُّ مِنْ أَوَاخِرِ مُتَأَخِّرِيهِمْ يُقَرِّرُ أَنَّ الْقَاسِمَ يَسْتَحِقُّ الأْجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ الطَّالِبُ شَيْئًا، وَيَقُولُ: إِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِمَّنْ عَمِلَ عَمَلاً بِغَيْرِ أُجْرَةٍ .

د - كَيْفِيَّةُ اسْتِئْجَارِ الْمُتَقَاسِمِينَ مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ، هِيَ أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ كُلُّهُمْ - وَلَوْ بِوَاسِطَةِ وَكِيلٍ عَنْهُمْ، بِعَقْدٍ وَاحِدٍ - وَمِنْهُ مَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَرَضِيَ سَائِرُهُمْ، أَوْ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ كُلُّ وَاحِدٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ لِتَعْيِينِ نَصِيبِهِ لِقَاءَ أَجْرٍ مَعْلُومٍ، هَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلاَّ أَنَّ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ لَمْ يَرْتَضُوا إِطْلاَقَ الشَّافِعِيِّ تَصْحِيحَ الصُّورَةِ الأْخِيرَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إِنَّمَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى رِضَاءِ غَيْرِهِ، وَقَيَّدُوهُ بِرِضَاءِ الْبَاقِينَ؛ لأِنَّ كُلَّ عَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

وَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بَعْضُهُمْ، فَالإْجَارَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَالأْجْرَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ .

هـ - أُجْرَةُ الْخَبِيرِ الْمُقَوِّمِ، حِينَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّقْوِيمِ، وَأُجْرَةُ كَاتِبِ الْوَثِيقَةِ، عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنَ الْخِلاَفِ فِي أُجْرَةِ الْقَاسِمِ: فَمِنْ قَائِلٍ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَمِنْ قَائِلٍ عَلَى قَدْرِ الأْنْصِبَاءِ .

37 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَتَحَمَّلُ أُجْرَةَ الْقَاسِمِ إِذَا طَلَبَهَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَكُونُ عَلَى مَنْ طَلَبَهَا وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهَا؛ لأِنَّ مَنْفَعَةَ الاِسْتِقْلاَلِ بِالْمِلْكِ حَاصِلَةٌ بِكُلِّ قِسْمَةٍ وَعَمَلُ الأَْجِيرِ فِيهَا وَاقِعٌ لِكُلِّ مُتَقَاسِمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَكُونُ عَلَى الطَّالِبِ لأِنَّ الآْبِيَ مُسْتَضِرٌّ بِالْقِسْمَةِ .

ب - الْمَقْسُومُ لَهُ:

38 - قَالَ الْكَاسَانِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي الْمَقْسُومِ لَهُ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ:

الأْوَّلُ: أَنْ لاَ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ فِي أَحَدِ نَوْعَيِ الْقِسْمَةِ وَهِيَ قِسْمَةُ التَّفْرِيقِ جَبْرًا.

الثَّانِي: الرِّضَا فِي أَحَدِ نَوْعَيِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ رِضَا الشُّرَكَاءِ فِيمَا يَقْسِمُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ إِذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا، أَوْ رِضَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا.

الثَّالِثُ: حُضُورُ الشُّرَكَاءِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ فِي نَوْعَيِ الْقِسْمَةِ، الْجَبْرِ وَالرِّضَا.

الرَّابِعُ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِلْكِ فِي قِسْمَةِ الْقَضَاءِ .

ج - الْمَقْسُومُ:

39 - سَبَقَ بَيَانُ بَعْضِ الشُّرُوطِ الْخَاصَّةِ بِالْمَقْسُومِ وَهِيَ:

- اتِّحَادُ الْجِنْسِ.

- اتِّحَادُ الصِّنْفِ فِي قِسْمَةِ الْمَنْقُولاَتِ.

- زَوَالُ الْعُلْقَةِ بِالْقِسْمَةِ.

- أَنْ لاَ تُنْقِصُ الْقِسْمَةُ قِيمَةَ الْمَقْسُومِ.

- تَعَذُّرُ إِفْرَادِ كُلِّ صِنْفٍ بِالْقِسْمَةِ.

وَكُلُّهَا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ: الْقِسْمَةُ الْقَضَائِيَّةُ الإْجْبَارِيَّةُ.

 

40 - وَهُنَاكَ شُرُوطٌ أُخْرَى بَيَانُهَا فِيمَا يَأْتِي:

الأْوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً:

فَلاَ تَصِحُّ قِسْمَةُ الدَّيْنِ، اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ، تَرَاضِيًا وَلاَ إِجْبَارًا، وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَخَالَفَهُمْ فِي اعْتِبَارِهَا الْحَنَابِلَةُ فَجَوَّزُوا قِسْمَةَ الدَّيْنِ بِإِطْلاَقٍ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُجَوِّزُونَ قِسْمَةَ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ تَرَاضِيًا لاَ إِجْبَارًا؛ لأِنَّهُ لاَ تُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقُرْعَةُ .

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ قَابِلاً لِلْقِسْمَةِ:

وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ انْتِفَاءَ الضَّرَرِ فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَقَدْ عَرَفْنَاهُمْ فِيمَا سَلَفَ فَإِنَّ انْتِفَاءَ الضَّرَرِ فِي الْقِسْمَةِ هُوَ مَعْنَى قَابِلِيَّةِ مَحَلِّهَا لَهَا، إِلاَّ أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ هُنَا إِلَى أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مَنْ يَقْصُرُ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ عَلَى قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَلاَ يَرَى بَأْسًا مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ بِتَرَاضِي الشُّرَكَاءِ عَلَى أَيَّةِ قِسْمَةٍ ضَارَّةٍ، وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَلاَمٍ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ - وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَمِّمُهَا فِي قِسْمَتَيِ الإْجْبَارِ وَالتَّرَاضِي، إِذَا بَلَغَ الضَّرَرُ حَدَّ الْفَسَادِ، أَعْنِي بُطْلاَنَ الْمَنْفَعَةِ بُطْلاَنًا تَامًّا أَوْ مَا هُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا فِي قِسْمَةِ خَاتَمٍ خَسِيسٍ، وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْمَالِكِيَّةُ، فَالْخِيَارُ عِنْدَهُمْ فِي حَالَةِ الْفَسَادِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا: إِمَّا الإْبْقَاءُ عَلَى الشَّرِكَةِ أَوِ الْبَيْعِ، وَفِي حَالَةِ الضَّرَرِ الأْقَلِّ بَيْنَ هَذَيْنِ وَثَالِثٍ هُوَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي .

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَقْسُومُ مَمْلُوكًا لِلشُّرَكَاءِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ:

هَذِهِ شَرِيطَةٌ عَامَّةٌ فِي كُلِّ قِسْمَةٍ لاَ تَخُصُّ نَوْعًا دُونَ نَوْعٍ، وَقِسْمَةُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ لَيْسَتْ لَهُ بَلْ لِلْمَحْجُورِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْمَالِكُ، فَالْفُضُولِيُّ الَّذِي لاَ مِلْكَ لَهُ وَلاَ وِلاَيَةَ لاَ نَفَاذَ لِقِسْمَتِهِ حَتَّى يُجِيزَهَا الْمَالِكُ الصَّحِيحُ التَّصَرُّفِ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ نِيَابَةً شَرْعِيَّةً صَحِيحَةً فَالْقِسْمَةُ تَقْبَلُ الإْجَازَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَسَمَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي غَيْبَةِ الْبَاقِينَ وَأَخَذَ قِسْطَهُ فَلَمَّا عَلِمُوا قَرَّرُوهُ صَحَّتْ لَكِنْ مِنْ حِينِ التَّقْرِيرِ .

وَيَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الَّذِي لاَ يَحْضُرُ الْقِسْمَةَ مِنَ الشُّرَكَاءِ ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُهَا (لاَ يُنْكِرُهَا) عَنْ قُرْبٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا تَلْزَمُهُ، وَيَكُونُ هَذَا الرَّيْثُ إِقْرَارًا لَهَا .

قِسْمَةُ الأْعْيَانِ :

41 - الأْعْيَانُ جَمْعُ عَيْنٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا قَابَلَ الدَّيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ، أَمَّا الدَّيْنُ فَقَدْ عَلِمْنَا الْخِلاَفَ فِي قِسْمَتِهِ (ر: ف 40)، وَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ فَسَيَأْتِي بَحْثُ قِسْمَتِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَالأْعْيَانُ تَنْقَسِمُ إِلَى عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ: فَالْعَقَارُ: هُوَ الأْرْضُ ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ زِرَاعِيَّةً أَمْ غَيْرَ زِرَاعِيَّةٍ، وَالْمَنْقُولُ: مَا عَدَاهَا كَالثِّيَابِ وَالأْوَانِي وَالْحَيَوَانِ وَالْمَزْرُوعَاتِ، وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ يَتْبَعَانِ الأْرْضَ فِي الْقِسْمَةِ، وَالأْرْضُ لاَ تَتْبَعُهُمَا فَمَنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ مِنْ قِسْمَةِ الأْرْضِ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ، بِخِلاَفِ الْعَكْسِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .

وَهَذَا خِلاَفُ مَا عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ مِنِ اعْتِبَارِ كُلٍّ مِنَ الأْرْضِ وَالْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ عَقَارًا، قَالَ الْخَرَشِيُّ: الْعَقَارُ هُوَ الأْرْضُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ .

ثُمَّ كُلٌّ مِنَ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لاَ تَفَاوُتَ بَيْنَ أَجْزَائِهِ وَهُوَ الْمُتَشَابِهُ، أَوْ يَكُونُ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ بَيَانٍ (ر: ف9).

تَنَوُّعُ قِسْمَةِ الْعَقَارِ:

42 - قِسْمَةُ الْعَقَارِ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ إِفْرَازًا أَوْ تَعْدِيلاً أَوْ رَدًّا، كَمَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ جَمْعًا أَوْ تَفْرِيقًا، وَجَبْرًا أَوْ تَرَاضِيًا، ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَقَدْ يَكُونُ فِي مَحَالٍّ مُتَعَدِّدَةٍ:

فَفِي الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ: قِطْعَةُ الأْرْضِ الْمُتَشَابِهَةِ الأْجْزَاءِ بِلاَ أَدْنَى تَفَاوُتٍ كَالَّتِي تَخْلُو مِنَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَهِيَ دَرَجَةٌ سَوَاءٌ مِنْ جَوْدَةِ التُّرْبَةِ أَوْ رَدَاءَتِهَا لاَ تَحْتَاجُ قِسْمَتُهَا إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَرْعِهَا وَمَعْرِفَةِ مِسَاحَتِهَا، حَتَّى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ مُتَأَخِّرُوهُمْ وَإِنْ كَانَ الأْكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ التَّعْدِيلَ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ تَمْيِيزُهَا أَنْصِبَاءً مُتَسَاوِيَةً، إِذَا تَسَاوَتْ حُقُوقُ الْمُتَقَاسِمِينَ، أَوْ سِهَامًا مُتَسَاوِيَةً بِقَدْرِ النَّصِيبِ الأْقَلِّ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْقِسْمَةِ بِالأْجْزَاءِ أَوْ قِسْمَةِ الإْفْرَازِ .

وَهَكَذَا يُمْكِنُ أَنْ تُقْسَمَ إِفْرَازًا أَيْضًا إِذَا كَانَ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهَا مِنَ الْبِنَاءِ أَوِ الشَّجَرِ مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ بِحَيْثُ يُعْرَفُ تَسَاوِي الأْنْصِبَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ.

فَإِذَا تَفَاوَتَ الْبِنَاءُ أَوِ الشَّجَرُ، أَوْ تَفَاوَتَتْ جَوْدَةُ الأْرْضِ وَرَدَاءَتُهَا فَلاَ يُمْكِنُ تَعْدِيلُ الأْنْصِبَاءِ وَتَسْوِيَةُ السِّهَامِ إِلاَّ بِوَاسِطَةِ التَّقْوِيمِ، وَإِذَنْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ، بَلْ قَدْ يَحُوجُ الأْمْرُ إِلَى الاِسْتِعَانَةِ بِعِوَضٍ مِنْ خَارِجِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ (مُعَدِّلٍ)، يَدْفَعُهُ وَاحِدٌ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ أَوْ أَكْثَرُ لِيَتَعَادَلَ نَصِيبُهُ مَعَ سَائِرِ الأْنْصِبَاءِ ، وَقَدْ يَتَّفِقُ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَى ذَلِكَ دُونَ مُلْجِئٍ، وَإِذَنْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ رَدٍّ.

وَهِيَ عَلَى كُلِّ حَالٍّ قِسْمَةُ تَفْرِيقٍ لأِنَّ الْفَرْضَ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ، وَقَدْ سَلَفَ بَيَانُ طَرِيقَةِ مَنْ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَةِ الرَّدِّ إِلاَّ ضَرُورَةً أَوْ بِلاَ اسْتِثْنَاءٍ، وَيَقْبَلُهُ فِي قِسْمَةِ الإْفْرَازِ وَفِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ بِشَرَائِطَ خَاصَّةٍ، وَطَرِيقَةُ مَنْ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ بِكُلِّ حَالٍ، أَوْ يَمْنَعُهُ بِكُلِّ حَالٍ.

إِلاَّ أَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ فِي الأْرْضِ بِنَاءٌ، فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ: لاَ بُدَّ لِكَيْ يَعْدِلَ الْمَقْسُومُ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ مِنْ شَيْئَيْنِ:

التَّوَصُّلُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمِسَاحَةِ.

وَتَقْوِيمُ الْبِنَاءِ .

وَلَكِنَّ مُتَأَخِّرِيهِمْ يُفَسِّرُونَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْ يُقَاسَ وَيُقَوَّمَ كُلٌّ مِنَ الأْرْضِ وَالْبِنَاءِ؛ لأِنَّ تَعْدِيلَ سِهَامِ الْمَقْسُومِ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَالِيَّتِهِ، وَلَوْ أَخِيرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأْرْضِ، وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْمَالِيَّةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ مِسَاحَةِ وَقِيمَةِ كُلٍّ مِنَ الأْرْضِ وَالْبِنَاءِ .

وَفِي الْمَحَالِّ الْمُتَعَدِّدَةِ كَالدُّورِ وَالأْرَاضِي وَالْبَسَاتِينِ: يُمْكِنُ أَنْ تُجْمَعَ هَذِهِ كُلُّهَا فِي قِسْمَةٍ وَاحِدَةٍ، اتَّحَدَ نَوْعُهَا أَمِ اخْتَلَفَ - عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ اتِّحَادِ النَّوْعِ وَاخْتِلاَفِهِ - وَتُعَدَّلُ الأْنْصِبَاءُ بِالْقِيمَةِ، فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ جَمْعٍ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي عِنْدَمَا يَخْتَلِفُ النَّوْعُ أَوِ الْجِنْسُ، كَتَرِكَةٍ بَعْضُهَا دُورٌ وَبَعْضُهَا أَرَاضٍ زِرَاعِيَّةٌ مُعْتَادَةٌ وَبَعْضُهَا حَدَائِقُ، أَوْ كُلُّهَا حَدَائِقُ، لَكِنَّ بَعْضَ الْحَدَائِقِ كُرُومٌ وَبَعْضُهَا رُمَّانٌ أَوْ بُرْتُقَالٌ أَوْ تُفَّاحٌ أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ.

أَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِ النَّوْعِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ - وَهِيَ قِسْمَةُ جَمْعٍ لِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ - تَقْبَلُ الإْجْبَارَ ، عَلَى خِلاَفَاتٍ فِي التَّفَاصِيلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَعْكِسُ الْقَضِيَّةَ فَيُجْبِرُ عَلَى قِسْمَةِ الأْجْنَاسِ وَالأْنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ قِسْمَةَ جَمْعٍ إِذَا طَلَبَهَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ، وَلاَ يُجِيزُ التَّفْرِيقَ إِلاَّ بِاتِّفَاقِهِمْ.

كَيْفِيَّةُ قِسْمَةِ الْعَقَارِ:

43 - يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْقِسْمَةُ بِقُرْعَةٍ، وَأَنْ تَقَعَ بِدُونِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ قِسْمَةَ تَرَاضٍ أَمْ إِجْبَارٍ؛ لأِنَّ تَعْيِينَ الْقَاسِمِ الْمُجْبِرِ لِكُلِّ نَصِيبٍ عَلَى حِدَةٍ كَافٍ كَمَا سَيَجِيءُ إِلاَّ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْعَةِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ اتِّقَاءً لِلتُّهْمَةِ، إِلاَّ أَنْ يُصِرَّ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَصَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى وُجُوبِهَا حِينَئِذٍ نَعَمْ. لاَ إِجْبَارَ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ بِقُرْعَةٍ وَفِي كَلاَمِ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ كَقَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي قِسْمَةِ عَرْضِ الْجِدَارِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يُجْبَرَ؛ لأِنَّهُ لاَ تَدْخُلُهُ الْقُرْعَةُ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَلِي مِلْكَ الآْخَرِ بَلْ هُوَ صَرِيحُ مَذْهَبِهِمْ، كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ .

كَمَا أَنَّ تَرَاضِيَ الْمُتَقَاسِمِينَ عَلَى تَوْزِيعِ الأْنْصِبَاءِ بَيْنَهُمْ بِكَيْفِيَّةٍ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ بِدُونِ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِقُرْعَةٍ، بَلْ دُونَ تَعْدِيلٍ أَوْ تَقْوِيمٍ أَصْلاً مَا دَامَ الْمَحَلُّ لَيْسَ رِبَوِيًّا، بَلْ وَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ مَحْضُ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ بَلْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَبِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ إِذَا دَخَلاَ عَلَى التَّفَاضُلِ الْبَيِّنِ كَفَدَّانِ فَاكِهَةٍ فِي نَظِيرِ فَدَّانَيْنِ، لِخُرُوجِهَا حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمَهَارَةِ التِّجَارِيَّةِ وَمُحَاوِلَةِ الْغَلَبِ مِنْ كِلاَ الْجَانِبَيْنِ إِلَى بَابِ الْمَنِيحَةِ وَالتَّطَوُّلِ .

لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَشْتَرِطُونَ لِجَوَازِ الْقُرْعَةِ شَرَائِطَ مُعَيَّنَةً:

الأْوَّلُ: أَنْ تَكُونَ فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَجَانَسَ، لِيَقِلَّ الْغُرُورُ.

الثَّانِي: أَنْ لاَ تَكُونَ فِي مِثْلِيٍّ مُتَّحِدِ الصِّفَةِ أَيْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ .

الثَّالِثُ: أَنْ لاَ يُجْمَعَ فِيهَا بَيْنَ نَصِيبَيْنِ، إِذْ لاَ ضَرُورَةَ .

وَيُوَافِقُهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الشَّرِيطَةِ الثَّانِيَةِ.

الْقِسْمَةُ بِالْقُرْعَةِ:

44 - الْقُرْعَةُ مَشْرُوعَةٌ فِي الْقِسْمَةِ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا فِي غَيْرِ الْقِسْمَةِ، وَالْحَنَفِيَّةُ مَعَ الْمُنَازِعِينَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا إِلاَّ فِي الْقِسْمَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، وَهُمْ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ: إِنَّهَا قِمَارٌ لِتَعْلِيقِ الاِسْتِحْقَاقِ عَلَى خُرُوجِهَا، لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّ الْقَاسِمَ الْمُجْبِرَ لَوْ عَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ دُونَ قُرْعَةٍ لَكَفَى، إِذْ هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ، لَكِنْ رُبَّمَا يُتَّهَمُ بِالْمُحَابَاةِ، فَيَلْجَأُ إِلَى الْقُرْعَةِ لِئَلاَّ تَبْقَى رِيبَةٌ، وَلِذَا جَرَى الْعَمَلُ بِهَا مُنْذُ عَهْدِ النَّبِيِّ صلوات الله عليه حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا، فَهِيَ سُنَّةٌ عَمَلِيَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (قُرْعَة).

قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ الْمُتَشَابِهِ:

وَأَصْلُهُ الْمِثْلِيُّ الْمُتَّحِدُ الصِّفَةِ، ثُمَّ أُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْقِيَمِيِّ الَّذِي لاَ تَخْتَلِفُ الأْنْصِبَاءُ فِيهِ صُورَةً وَقِيمَةً كَبَعْضِ الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ:

45 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ فِي الْمِثْلِيِّ الْمُتَّحِدِ الصِّفَةِ - عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي مَعْنَى الْمِثْلِيِّ - عَلَى أَنَّ قِسْمَتَهُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى تَقْوِيمٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ إِفْرَازٍ بِطَرِيقِ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ إِلَخْ، فَلاَ تَعْدِيلَ وَلاَ رَدَّ، إِلاَّ أَنَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالَّذِي لاَ يُدَّخَرُ مِثْلُ الْفَاكِهَةِ - طَرِيقَةٌ أُخْرَى بِجَوَازِ قِسْمَتِهِ بِطَرِيقِ التَّحَرِّي وَالْخَرْصِ، إِمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا إِذَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمَوْزُونِ لاَ غَيْرُ، بَلْ جَوَّزَ ابْنُ الْقَاسِمِ قِسْمَةَ التَّحَرِّي فِيمَا يَمْتَنِعُ تَفَاضُلُهُ بِشَرْطَيْنِ: - أَنْ يَكُونَ قَلِيلاً. - مَوْزُونًا كَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ .

ثُمَّ قَدْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ تَرَاضِيًا، وَقَدْ تَكُونُ إِجْبَارًا، إِذْ لاَ يُمْنَعُ الإْجْبَارُ هُنَا حَيْثُ لاَ ضَرَرَ إِلاَّ مُطْلِقُو مَنْعِهِ كَأَبِي ثَوْرٍ فِي بَعْضِ مَا يُرْوَى عَنْهُ، وَقَدْ تَكُونُ جَمْعًا، كَمَا فِي قِسْمَةِ كَمِّيَّةٍ مِنَ الْحُبُوبِ كَالْقَمْحِ أَوِ الشَّعِيرِ، وَقَدْ تَكُونُ تَفْرِيقًا كَالسَّبِيكَةِ مِنْ ذَهَبٍ تُقْسَمُ وَزْنًا.

أَمَّا مَا أُلْحِقَ بِالْمِثْلِيِّ فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ هُمُ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ قِسْمَتَهُ كَقِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَجَمَاهِيرُ قُدَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ فَعَلَى التَّقْوِيمِ فِي كُلِّ مُتَقَوَّمٍ وَعَلَى هَذَا فَقِسْمَتُهُ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ، وَالْمَفْرُوضُ أَنْ لاَ حَاجَةَ فِيهِ إِلَى رَدٍّ.

ثُمَّ قَدْ تَكُونُ قِسْمَةَ إِجْبَارٍ حَيْثُ لاَ ضَرَرَ وَقَدْ تَكُونُ تَرَاضِيًا، وَعِنْدَ التَّرَاضِي يَجُوزُ التَّفَاضُلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانٍ (ر: ف 43)، وَقَدْ تَكُونُ جَمْعًا، كَمَا فِي قِسْمَةِ عَدَدٍ مِنَ الأَْغْنَامِ أَوِ الأَْبْقَارِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَقَدْ تَكُونُ تَفْرِيقًا، كَمَا فِي قِسْمَةِ بِنَاءٍ مُتَّصِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مَعَ تَشَابُهِ أَجْزَائِهِ إِذَا جَرَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مَنْقُولٌ، كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

وَفِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْمَنْقُولِ الْمُتَشَابِهِ بِقُرْعَةٍ أَوْ بِدُونِهَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْعَقَارِ.

قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ غَيْرِ الْمُتَشَابِهِ:

46 - تَتَنَوَّعُ قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ غَيْرِ الْمُتَشَابِهِ (كَالثِّيَابِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالأَْوَانِي الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْحَيَوَانِ كَذَلِكَ) إِلَى أَنْوَاعٍ.

فَهُوَ لاَ يُقْسَمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ إِلاَّ تَعْدِيلاً بِطَرِيقِ التَّقْوِيمِ، إِلاَّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَكْتَفِي فِي تَحَقُّقِ الْمِثْلِيَّةِ بِالتَّمَاثُلِ فِي مُعْظَمِ الصِّفَاتِ (ر: ف 43)، فَإِنَّهُ يُطَبِّقُ عِنْدَ هَذَا التَّمَاثُلِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَنْقُولِ الْمُتَشَابِهِ خَاصًّا بِالْمِثْلِيِّ (ر: ف 33) وَالأْصْلُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ قِسْمَتُهُ قِسْمَةَ تَرَاضٍ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ فِي حَالاَتٍ خَاصَّةٍ تَخْتَلِفُ مِنْ مَذْهَبٍ إِلَى آخَرَ كَحَالَةِ اتِّحَادِ النَّوْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَتُقَارِبُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَاتِّحَادُ الصِّنْفِ وَصِنْفُ الصِّنْفِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فِي تَفْصِيلاَتٍ عَدِيدَةٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِهَا.

وَتَكُونُ قِسْمَتُهُ قِسْمَةَ تَفْرِيقٍ إِذَا قُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقِسْمَةَ جَمْعٍ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ قِسْمَةِ الرَّدِّ إِذَا تَرَاضَى عَلَيْهَا الْمُتَقَاسِمُونَ: كَأَنْ يَأْخُذَ هَذَا الثِّيَابَ، وَذَاكَ الأْوَانِيَ، وَيَدْفَعَ أَوْ يَأْخُذَ الْفَرْقَ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، بِشَرِيطَةِ أَنْ يَكُونَ مَا يَدْفَعُ فَرْقًا (الْمُعَدِّلَ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، أَوْ بِدُونِ تَقَيُّدٍ بِهَذِهِ الشَّرِيطَةِ، عَلَى الْخِلاَفِ الَّذِي سَلَفَ، لَكِنَّ قِسْمَةَ الإْفْرَازِ لاَ تُتَصَوَّرُ هُنَا إِلاَّ عِنْدَ الْمُتَوَسِّعِينَ فِي تَفْسِيرِ الْمِثْلِيَّةِ.

مَا يَطْرَأُ عَلَى الْقِسْمَةِ:

54 - قَدْ يَطْرَأُ عَلَى الْقِسْمَةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا أُمُورٌ قَدْ يَرَى الشُّرَكَاءُ أَوْ بَعْضُهُمْ بِسَبَبِهَا إِعَادَةَ النَّظَرِ بِالْقِسْمَةِ وَمِنْهَا:

أ - الْغَبْنُ:

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْغَبْنَ فِي الْقِسْمَةِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا مُحْتَمَلاً فَهَذَا قَلَّمَا تَخْلُو مِنْهُ قِسْمَةٌ وَلِذَا لاَ تُسْمَعُ دَعْوَى مَنْ يَدَّعِيهِ وَلاَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، أَمَّا الْغَبْنُ الْفَاحِشُ - الَّذِي لاَ يُتَسَامَحُ فِيهِ عَادَةً، فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ بِحَسَبِهَا - فَهَذَا هُوَ الَّذِي تُسْمَعُ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (غَبْن ف 7).

ب - الْعَيْبُ:

لَمْ يَحْكُمْ بِبُطْلاَنِ الْقِسْمَةِ بِظُهُورِ الْعَيْبِ فِي بَعْضِ الأْنْصِبَاءِ إِلاَّ الْحَنَابِلَةُ، وَلَيْسَ هُوَ أَصْلَ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا أَبْدَوْهُ احْتِمَالاً بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْدِيلَ مِنْ شَرَائِطِ الْقِسْمَةِ، وَأَحَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ أَحْكَامَ الْعَيْبِ عَلَى أَحْكَامِهِ فِي الْبَيْعِ، وَبَسَطَ الْمَالِكِيَّةُ الْبَحْثَ فِي الْعَيْبِ فِي الْقِسْمَةِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَيْب ف 39).

_____________________________________________________________________

 

مجلة الأحكام العدلية

مادة (1127) القسمة العادلة

كون القسمة عادلة يعني تعديل الحصص بحسب الاستحقاق وعدم نقصانها فاحشاً لازمٌ فدعوى الغبن الفاحش في القسمة تسمع. لكن بعد إقرار المقسوم لهم باستيفاء الحق إذا ادعوا الغبن لا تسمع دعواهم.

مادة (1160) الغبن الفاحش

إذا تبين الغبن الفاحش في القسمة فتفسخ وتقسم تكراراً قسمة عادلة.

مادة (165) الغبن الفاحش

الغبن الفاحش: على قدر نصف العشر في العروض والعشر في الحيوانات والخمس في العقار أو زيادة.