مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة : 185
أسباب كسب الملكية
المذكرة الإيضاحية :
رتب المشروع هذه الأسباب ترتيباً منطقياً دون أن يعددها ، وهذا بخلاف التقنين الحالى (م 44/ 66 ) فقد عددها دون أن يرتبها ترتيباً منطقياً، وقد ميز المشروع بين كسب الملكية إبتداءً ، أي دون أن يكون لها مالك سابق تنتقل منه ، ويكون هذا بالاستيلاء ، وبين كسبها إنتقالاً من مالك سابق، والكسب إنتقالاً قد يكون بسبب الوفاة ويتم هذا بالميراث والوصية ، أو يكون إنتقالاً ما بين الأحياء ويتم ذلك بالإلتصاق والعقد والشفعة والحيازة .
ولم يعرض المشروع في هذا المكان للهبة ، كما فعل التقنين الحالي، فهی کسبب من أسباب انتقال الملكية تندرج في العقد ، ولا محل لإفرادها بالذكر، وهی کعقد مسمى لها أحكام مفصلة يجب أن توضع في مكانها بين العقود المسماة ، وهذا ما فعله المشروع .
الفرع الاول
كسب الملكية إبتداءً (الاستيلاء)
میز المشروع بين المنقوله و العقار، وعرض في المنقول للقاعدة الأساسية في الاستيلاء وهي تقضي بأن من وضع يده على منقول لا مالك له بنية تملكه فإنه يملكه ، وطبق القاعدة على السائبة والكنز ، أما العقار فقد بدأ المشروع فيه بتقرير قاعدة جوهرية ، هي أن الأراضي غير المزروعة التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة ، ثم قرر بعد ذلك أنه يجوز تملك هذه الأراضي بترخيص من الدولة ، كما يجوز تملكها بالاستيلاء .
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- الاستيلاء لا يكون إلا على شيء لا مالك له ، والشيء الذي لا مالك له يسمی سائبة ، ويكون المنقول سائبة :
إما لأنه لم يكن له مالك من قبل ، كالحيوانات المتوحشة الطليقة ، وكالسمك في البحر والطير في الهواء، وإما لأنه بعد أن كان مملوكاً أصبح سائباً ، كأن يتخلى مالك المنقول عنه بقصد النزول عن ملكيته ، وكأن تطلق الحيوانات المتوحشة بعد اعتقاله ، ويكون ذلك بنية التخلى عن ملكيتها ، وتظهر هذه النية إذا لم يتبعها المالك فوراً أو كف عن تتبعها فتعود سائية ، وكأن تفقد الحيوانات التي روضت واعتادت الرجوع إلى المكان المخصص لها هذه العادة فترجع سائية كما كانت .
فمن وضع يده على سائية منقول بنية تملكه ملكه . ووضع اليد هنا هو الحيازة بعنصريها المادي والمعنوي .
2 - أما الكنز ، وهو المنقول المدفون أو المخبوء في الأرض ، ولا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته ، فهو لواجده لأنه استولى عليه ، إذا كانت الأرض التي وجد فيها الكنز مباحة لا مالك لها إلا الدولة وتدفع الرسوم المقررة في اللوائح، أما إذا كانت الأرض مملوكة لأحد، فيكون الكنز لمالك الأرض أو لمالك رقبتها ، إذا كان قد تقرر عليها حق انتفاع أو حكر أو قرار، فإن كانت العين موقوفة ، فلا يكون الكنز وقفة على المستحقين لأنه لا يلحق بالأرض ، بل يكون ملكاً خالصاً للواقف ولورثته من بعده .
3 - وهناك لوائح تنظم حالات خاصة من المنقول السائبة ، كلوائح الصيد واللقطة والأشياء الأثرية وما إلى ذلك .
أسباب كسب الملكية واردة فى القانون على سبيل الحصر وهى وفقاً للمواد 870 وما بعدها من القانون المدني - الاستيلاء والميراث والوصية والعقد والشفعة والتقادم المكسب فضلاً عن أحكام رسو المزاد فى البيوع الجبرية وليس من بين هذه الأسباب محاضر التسليم - بناء على حكم مرسي المزاد - سواء أكانت مسجلة أم غير مسجلة .
(الطعن رقم 1077 لسنة 47 جلسة 1980/06/26 س 31 ع 2 ص 1872 ق 348)
تنص المادة 870 مدني على ما يأتي :
من وضع يده على منقول لا مالك له بنية تملكه ملكه.
ويخلص من هذا النص أن للاستيلاء أركاناً ثلاثة ، إذا اجتمعت تحقق الاستيلاء وكان سبباً لكسب الملكية :
أولاً – منقول لا مالك له :
وقد رأينا فيما تقدم أن المنقول الذي لا مالك له إما أن يكون كذلك منذ البداية ، أو أن يكون له مالك في أول الأمر ثم يتخلى هذا المالك عن ملكيته، ففي الحالتين يرد الإستيلاء على هذا المنقول الذي لا مالك له ، فيكون سبباً في كسب ملكيته لمن وضع يده عليه .
ويجب أن يكون المنقول مادياً .
فالمنقول المعنوي لا يرد عليه الإستيلاء .
فلو أن شاعراً نظم شعراً ، ولم يرض عنه فألقى الورقة التي كتب فيها هذا الشعر في الطريق بنية النزول عن ملكيته للورقة وعن حقه المعنوي في الشعر الذي نظمه ، فالتقط الورقة عابر في الطريق واستولى عليها ، فإنه يملك بالاستيلاء الورقة وحدها دون الحق المعنوي للشاعر في شعره ، ومن ثم لا يجوز لمن استولى على الورقة أن ينشر الشعر ، وأن يستعمل في شأنه حق المؤلف المالي بدعوى أنه كسب هذا الحق بالاستيلاء ، وذلك لأن حق المؤلف المالي منقول معنوي ، وليس منقولاً مادياً حتى يمكن أن يرد عليه الإستيلاء، وقد وقع مثل ذلك فعلاً في فرنسا ، فمزق مصور الصورة التي رسمها ولم يرض عنها ، وألقى بها في الطريق ، فالتقطها أحد المارة، فقضى بألا حق له في جمع شتات أجزاء الصورة وإعادتها إلى أصلها وبيعها ، إذ اعتبر بيع الصورة هنا بعد جمع شتاتها نشراً للصورة .
ثانياً – وضع اليد على هذا المنقول : وهذا هو العنصر المادي للحيازة ، فيجب حتى يتحقق الإستيلاء أن يستحوذ من يريد تملك المنقول عليه ، فيصبح في قبضة يده ، ويستأثر به دون سائر الناس.
ثالثاً – نية التملك : وهذا العنصر المعنوي للحيازة . فيجب إذن على من يريد تملك المنقول بالاستيلاء أن يجمع بين عنصري الحيازة المادي والمعنوي، فيصبح حائزاً للمنقول ، وهذه الحيازة هي عين الإستيلاء، فلو التقط شخص منقولاً ملقى في الطريق مدفوعاً بعامل الفضول ، فلما تأمله زهد فيه وألقاه ثانية في الطريق ، فإنه لا يتملكه بالاستيلاء لفقد العنصر المعنوي للحيازة وهو نية التملك، ولما كانت نية التملك واجبة ، فإن عديم التمييز كالصبي غير المميز والمجنون لا يستطيع أن يتملك منقولاً بالاستيلاء ، لانعدام نية التملك المترتب على إنعدام التمييز .
ونرى من ذلك أن الحيازة وحدها هنا غير مقترنة بأية واقعة أخرى تكفي للتملك ويرجع ذلك إلى أن الشيء الذي يرد عليه الإستيلاء هو منقول لا مالك له كما قدمنا ، فتملكه لا يتضمن سلباً لملكية الغير ، ولذلك كانت الحيازة وحدها كافية، أما إذا كان المنقول مملوكاً لشخص غير الحائز فالحيازة وحدها لا تكفي بل يجب أن يقترن بها السبب الصحيح وحسن النية، فإذا كان الشيء عقاراً ومملوكاً لشخص غير الحائز ، وجب لتملكه إلى جانب الحيازة انقضاء مدة التقادم الطويل وهي خمس عشرة سنة ، أو انقضاء مدة التقادم القصير وهي خمس سنوات على أن يقترن بذلك أيضاً السبب الصحيح وحسن النية، كذلك في تملك الثمار بالحيازة ، يجب أن تقترن الحيازة بحسن النية .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع المجلد/ الأول الصفحة/ 18)
المنقول الذي ليس له مالك يعتبر ملكا لأول واضع يد عليه وذلك بتفق مع القاعدة الشرعية القائلة «أول يد على المباح تملکه»، ويشترط لتملك المنقول بالاستيلاء :
1 - أن يكون المنقول لا مالك له، كالأسماك في البحار والحيوانات غير الأليفة طالما كانت طليقة ليست في حيازة أحد، وبالتالي تعتبر الأسماك . والحيوانات غير الأليفة مملوكة لمن دخلت شبا که وظلت بها إذ تعتبر مملوكة له لحيازته لها حكمة، فإن لم تدخل في حيازته رغم إصابته لها، كمن يطلق عياراً نارياً على حيوان أليف ولم يتمكن من الإمساك به، فإنه يظل سائبة غير مملوك الأحد، ويصبح مملوكاً لمن يتمكن من الإمساك به لأنه ملكيته لا تنتقل لمن أصابه وإنما بحيازته والاستيلاء عليه، إذ لا يتوافر الاستيلاء بمجرد الإصابة طالما تمكن الحيوان من الفرار، أما إن لم يتمكن من ذلك، فيكون الاستيلاء عليه قد تم بحيازته الحكمية.
فإن كان المنقول له مالك، وفقد منه، فلا يتملكه من عثر عليه، وإنما يلتزم بتسليمه للشرطة وفقاً لإلتزام قانوني فرضه ديكريتو الأشياء الفاقدة.
2 - أن ينصرف قصد المستولى إلى تملك المنقول فان انتفى هذا القصد كمن يعثر على منقول لا مالك له ويستولى عليه للوقوف على حقيقته ثم يتخلى عنه، فلا يعد مالكاً له، وكذلك إذا استمرت حيازته له بقصد تسليمه للشرطة، أما ان غير قصده من حيازة عارضة إلى حيازة بنية التملك، فإنه يصبح مالكا للمنقول من وقت تغيير نيته، ولما كانت نية التملك هي العنصر المعنوي في الاستيلاء وم ثم فليس للصبي غير المميز ولا المجنون أن يتملكوا بالاستيلاء لإنعدام التمييز لديهما.
3 - أما الركن المادي فهو وضع اليد الفعلي أو الحكمي کدخول الأسماك في الشباك.
4 - يجب أن يكون الشيء منقولا مادية فيخرج العقار من نطاق التملك بمجرد الاستيلاء، كما يخرج المنقول المعنوى كالصورة التي يمزقها الفنان ويلقى بها فيلتقطها أحد السيارة ويعيدها إلى سيرتها الأولى، فإن كان يتملكها بالاستيلاء إلا أنه لا يتملك حق نشرها فهذا الحق منقول معنوي بحظر تملكه بالاستيلاء .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني عشر ، الصفحة/ 7)
فهذه المادة تتناول ملكية المنقول بالاستيلاء.
فالإستيلاء هو عمل مادي يتحقق عن طريق وضع اليد على الشيء المباح أي بحيازته حيازة فعلية.
ولذلك لا يرد الاستيلاء إلا على الأشياء، فلا يرد على الأموال إذ وقت الاستيلاء يكون الشيء لا مالك له، فهو شيء لا مال، ويصبح مالا بالاستيلاء.
و للاستيلاء أركان ثلاثة، إذا اجتمعت تحقق الاستيلاء وكان سبباً لكسب الملكية وهو ما نعرض له في البند التالي.
أركان الاستيلاء على المنقول :
(أ) ألا يكون للمنقول مالك :
والمنقول الذي لا مالك له إما أن يكون كذلك منذ البداية، أو أن يكون له مالك في أول الأمر ثم يتخلى هذا المالك عن ملكيته.
ومن المنقولات التي لا مالك لها منذ البداية :
1 - الأشياء المشتركة (السائبة):
وهذه أشياء خصصتها الطبيعة لإستعمال الكافة، فمن استأثر بشيء منها تملكها، كماء البحر أو النهر أو الهواء، أما إذا انسابت مياه النهر أو التسرع العمومية في مسقاة خاصة اعتبرت ملكاً لمالك تلك المسقاة، ومن يستولي على كمية من الهواء المضغوط أو السائل في أنابيب أو أوعية خاصة اعتبر مالكاً لما استولى عليه.
فإذا حاول غيره أن يغترف المياه من مسقاته خلسة، أو اختلس الأنبوبة أو الوعاء فإنه يعد سارقاً ويعاقب بعقوبة السرقة.
2 - صيد البحر والبر :
فالسمك في البحر والطير في الهواء، منقول لا مالك له أصلاً، ويكون لمن يستولى عليه أن يتملكه بالاستيلاء.
أما المنقول الذي يكون له مالك في أول الأمر ثم يتخلى هذا المالك عن ملكيته، وهو ما يطلق عليه الشيء المتروك، فيرد عليه الاستيلاء.
ويجب أن يكون المنقول مادياً، فالمنقول المعنوي لا يرد عليه الاستيلاء، فلو أن شاعراً نظم شعراً ولم يرض عنه فألقى الورقة التي كتب فيها هذا الشعر في الطريق بنية النزول عن ملكيته للورقة وعن حقه المعنوي في الشعر الذي نظمه، فالتقط الورقة عابر في الطريق واستولى عليها، فإنه يملك بالاستيلاء الورقة وحدها دون الحق المعنوي للشاعر في شعره، ومن ثم لا يجوز لمن استولى على الورقة أن ينشر الشعر وأن يستعمل في شأنه حق المؤلف المالی بدعوى أنه كسب هذا الحق بالاستيلاء، وذلك لأن حق المؤلف المالى منقول معنوي، وليس منقولاً مادياً حتى يمكن أن يرد عليه الاستيلاء.
ومثل ذلك أيضاً استيلاء شخص على بقايا لوحة أو مخطوط أتلفه أو مزقه مؤلفه وألقي بهذه البقايا.
فالحق الأدبي إذن لا ينتقل إلى المستولى، فلا يجوز له جمع هذه الأجزاء المادية بعضها إلى البعض بقصد إعادة تكوين اللوحة أو المخطط ونشره، إذ أن فعل الإتلاف يدل على رغبة المؤلف في عدم نشر مصنفه، والمقرر أن المؤلف وحده هو الذي يستطيع تقرير هذا النشر.
(ب) - وضع اليد على المنقول :
يجب أن يضع المستولى يده على المنقول وهذا هو الركن المادي في الحيازة. فيتعين حتى يتحقق الاستيلاء أن يستحوذ من يريد تملك المنقول عليه فيصبح في قبضة يده ويستأثر به دون سائر الناس.
(ج) - نية التملك :
وهذه النية هي العنصر المعنوي للحيازة فيجب إذن على من يريد تملك المنقول بالاستيلاء أن يجمع بين عنصري الحيازة المادي والمعنوي فيصبح حائزاً للمنقول، وهذه الحيازة هي عين الاستيلاء.
فلو التقط شخص منقولاً ملقى في الطريق مدفوعاً بعوامل الفضول، ولما تأمله زهد فيه وألقاه ثانية في الطريق، فإنه لا يتملكه بالاستيلاء لفقد العنصر المعنوي للحيازة وهو نية التملك، ولما كانت نية التملك واجبة، فإن عديم التمييز كالصبي غير المميز والمجنون لا يستطيع أن يتمك منقولاً بالاستيلاء، لإنعدام نية التملك المترتب على إنعدام التمييز.
وتنشأ الملكية للمستولی فور توافر عنصري الاستيلاء، دون حاجة لمرور فترة زمنية معينة على وضع اليد إذ تؤدى الحيازة إلى كسب الملكية دون قيد ولا شرط، الأمر الذي لا يتوافر لها في أي مجال آخر.
إذ الأصل ألا تكفي الحيازة وحدها للتملك، بل يتعين أن تكون مدعمة بعناصر أخرى تختلف بإختلاف الظروف والأحوال، فإذا وقعت الحيازة على منقول مملوك للغير، وجب أن تقترن حيازة حائزه بالسبب الصحيح وحسن النية كيما يكتسب الملكية.
وإذا وقعت على عقار مملوك للغير، وجب علاوة على ذلك مضى مدة خمس سنوات لكي تؤدي إلى نفس النتيجة، أو مضي خمس عشرة سنة إن كانت مجردة من العنصرين السابقين .
وما دام أن الاستيلاء ينصب على شيء غير مملوك لأحد فإن ذلك يترتب عليه نتيجتان :
الأول: أن الاستيلاء لا يصلح سبباً لكسب الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية، كالانتفاع والإرتفاق مثلاً لأن هذه الحقوق مقررة لصاحبها على ملك الغير، وما دام الاستيلاء يرد على شيء غير مملوك للغير، فإنه لا يصلح سبباً الكسب هذه الحقوق، وبالتالي فهو سبب لكسب الملكية فقط .
الثانية : أن الإستيلاء كسبب لكسب الملكية، ينطبق على المنقولات دون العقارات، لأن المنقولات وحدها هي التي يتصور أن تكون سائبة لا مالك لها، أما العقارات فلها بالضرورة مالك. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الحادي عشر الصفحة/ 893)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع ، الصفحة / 158
أَثَرُ الاِسْتِيلاَءِ فِي الْمِلْكِ وَالتَّمَلُّكِ:
8 - الاِسْتِيلاَءُ يُفِيدُ الْمِلْكَ إِذَا وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لأِحَدٍ، عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي بَيَانُهُ، أَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ، بِأَنْ كَانَ مَالاً لَلْحَرْبِيِّينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَهَذَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْقُولاً، أَوْ عَقَارًا، وَلِكُلٍّ حُكْمُهُ الْخَاصُّ.
9 - فَإِنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي تَمَّ الاِسْتِيلاَءُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَرْبِيِّينَ مَنْقُولاً أُخِذَ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ لاَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ إِلاَّ بِالْقِسْمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَالْمِلْكُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الاِسْتِيلاَءِ بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِتَالِ، لِزَوَالِ مِلْكِ الْكُفَّارِ بِالاِسْتِيلاَءِ، وَوُجُودِ مُقْتَضَى التَّمْلِيكِ، وَهُوَ انْقِضَاءُ الْقِتَالِ، وَفِي قَوْلٍ أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ سُلِّمَتِ الْغَنِيمَةُ إِلَى الْقِسْمَةِ بَانَ مِلْكُهُمْ عَلَى الشُّيُوعِ.
وَبِالْقِسْمَةِ - وَلَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ - ثَبَتَ الْمِلْكُ، وَيَسْتَقِرُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ. وَبِهَذَا قَالَ الأْوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو ثَوْرٍ، لِمَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِلأْوْزَاعِيِّ: هَلْ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنَ الْغَنَائِمِ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: لاَ أَعْلَمُهُ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَتَّبِعُونَ غَنَائِمَهُمْ وَيَقْسِمُونَهَا فِي أَرْضِ عَدُوِّهِمْ، وَلَمْ يَقْفُلْ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ غَزَاةٍ قَطُّ، أَصَابَ فِيهَا غَنِيمَةً إِلاَّ خَمَّسَهُ وَقَسَّمَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْفُلَ، وَلأِنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ فِيهَا بِالْقَهْرِ وَالاِسْتِيلاَءِ، فَصَحَّتْ قِسْمَتُهَا كَمَا لَوْ أُحْرِزَتْ بِدَارِ الإْسْلاَمِ، لأِنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الاِسْتِيلاَءُ التَّامُّ وَقَدْ وُجِدَ، فَإِنَّنَا أَثْبَتْنَا أَيْدِيَنَا عَلَيْهَا حَقِيقَةً، وَقَهَرْنَاهُمْ وَنَفَيْنَاهُمْ عَنْهَا، وَالاِسْتِيلاَءُ يَدُلُّ عَلَى حَاجَةِ الْمُسْتَوْلِي فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ كَالْمُبَاحَاتِ .
10 - لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْمِلْكَ لاَ يَثْبُتُ لِلْغُزَاةِ بِدَارِ الْحَرْبِ بِالاِسْتِيلاَءِ، وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِيهَا، عَلَى أَنْ يَصِيرَ عِلَّةً عِنْدَ الإْحْرَازِ بِدَارِ الإْسْلاَمِ، وَعَلَى هَذَا فَلَمْ يَعْتَبِرُوا قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قِسْمَةَ تَمْلِيكٍ، وَإِنَّمَا هِيَ قِسْمَةُ حَمْلٍ، لأِنَّ مِلْكَ الْكُفَّارِ قَائِمٌ، إِذْ الْمِلْكُ لاَ يَتِمُّ عَلَيْهَا إِلاَّ بِالاِسْتِيلاَءِ التَّامِّ، وَلاَ يَحْصُلُ إِلاَّ بِإِحْرَازِهَا فِي دَارِ الإْسْلاَمِ، وَمَا دَامَ الْغُزَاةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاسْتِرْدَادُ الْكُفَّارِ لَيْسَ بِنَادِرٍ بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ.
11 - وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَالُ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنَ الْكُفَّارِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ أَرْضًا، فَإِنَّ لِلْفُقَهَاءِ ثَلاَثَةَ اتِّجَاهَاتٍ: فَالْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ - عَلَيْهَا الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ - صَرَّحُوا بِأَنَّ الإْمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمَهَا أَوْ يَتْرُكَهَا فِي يَدِ أَهْلِهَا بِالْخَرَاجِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ: إِنَّهَا لاَ تُقْسَمُ، وَيُرْصَدُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، إِلاَّ أَنْ يَرَى الإْمَامُ فِي وَقْتٍ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَقْتَضِي الْقِسْمَةَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِالاِسْتِيلاَءِ، وَيُرْصَدُ خَرَاجُهَا لِصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهَا تُمَلَّكُ لِلْفَاتِحِينَ كَالْمَنْقُولِ.
وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُقَابِلُ الْمَشْهُورَ، وَقَالُوا: إِنَّ الاِسْتِيلاَءَ الْحُكْمِيَّ كَالْحَقِيقِيِّ فِي تَرَتُّبِ الْمِلْكِ عَلَى الاِسْتِيلاَءِ.
12 - أَمَّا الأْرْضُ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ جَلاَءِ الْكُفَّارِ عَنْهَا خَوْفًا، فَإِنَّهَا تَصِيرُ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهَا وَقْفًا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا الأْرْضُ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا فَإِنَّهَا تَبْقَى فِي أَيْدِي أَصْحَابِهَا، إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ تَبْقَى فِي مِلْكِيَّتِهِمْ، وَيُوضَعُ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ. أَمَّا إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَتَمَلَّكَهَا الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهَا تَكُونُ وَقْفًا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
13 - وَأَمَّا إِذَا كَانَ الاِسْتِيلاَءُ عَلَى مَالٍ مَعْصُومٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ التَّمَلُّكِ، فَإِنَّ الاِسْتِيلاَءَ وَحْدَهُ لاَ يُكْسِبُ مِلْكِيَّةً، وَإِنَّمَا حُدُوثُ التَّمَلُّكِ يَكُونُ بِالسَّبَبِ الْمَشْرُوعِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ، وَحَقُّ الاِسْتِيلاَءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ أَثَرًا وَنَتِيجَةً لِلتَّمَلُّكِ وَلَيْسَ سَبَبًا لَهُ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الاِسْتِيلاَءُ عُدْوَانًا، فَإِنَّهُ لاَ يُفِيدُ مِلْكًا. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِ (غَصْب) (وَسَرِقَة).
14 - وَاسْتِيلاَءُ الْحَاكِمِ عَلَى مَا يَحْتَكِرُهُ التُّجَّارُ لَهُ أَثَرٌ فِي إِزَالَةِ مِلْكِيَّتِهِمْ، إِذْ لِلْحَاكِمِ رَفْعُ يَدِ الْمُحْتَكِرِينَ عَمَّا احْتَكَرُوهُ وَبَيْعُهُ لِلنَّاسِ جَبْرًا، وَالثَّمَنُ لِمَالِكِيهِ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ مُبَيَّنٍ فِي مُصْطَلَحِ (احْتِكَارٌ).
وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالُوهُ مِنِ اسْتِيلاَءِ الْحَاكِمِ عَلَى الْفَائِضِ مِنَ الأْقْوَاتِ بِالْقِيمَةِ لإِمْدَادِ جِهَةٍ انْقَطَعَ عَنْهَا الْقُوتُ أَوْ إِمْدَادِ جُنُودِهِ، لأِنَّ لِلإْمَامِ أَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ إِذَا كَانَ بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَى عَمَلِ الصَّانِعِ إِذَا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى صِنَاعَةِ طَائِفَةٍ كَالْفِلاَحَةِ وَالنِّسَاجَةِ، وَمَدَارُ الاِسْتِيلاَءِ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْعُرْفِ.
اسْتِيلاَءُ الْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ:
15-اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ:
(1)إِنَّ مَا اسْتَرَدَّهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَيْدِي الْحَرْبِيِّينَ فَهُوَ لأِرْبَابِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لاَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهَا أَصْلاً، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الشَّافِعِيَّةُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّهُ «أُسِرَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأْنْصَارِ، وَأُصِيبَتِ الْعَضْبَاءُ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْوَثَاقِ، وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بُيُوتِهِمْ، فَانْفَلَتَتْ مَعَ نَعَمِهَا ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْوَثَاقِ، فَأَتَتِ الإْبِلَ، فَجَعَلَتْ إِذَا دَنَتْ مِنَ الْبَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ، حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْعَضْبَاءِ، فَلَمْ تَرْغُ. قَالَ: وَنَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ. فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ، وَنَذَرُوا بِهَا، فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ. قَالَ: وَنَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ، فَقَالُوا: الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّهَا نَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا. فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، بِئْسَمَا جَزَتْهَا، نَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ الْعَبْدُ» وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حَجَرٍ «لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.»
(2)إِنَّ مَا غَنِمَهُ الْكُفَّارُ يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ الاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ أَوْ لَمْ يُحْرِزُوهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَهْرَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُسْلِمُ مَالَ الْكَافِرِ، فَمَلَكَ بِهِ الْكَافِرُ مَالَ الْمُسْلِمِ، وَعَلَى هَذَا إِذَا اسْتَرَدَّ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ كَانَ غَنِيمَةً سَوَاءٌ بَعْدَ الإْحْرَازِ أَوْ قَبْلَهُ.
(3)إِنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهَا شَرْطَ إحْرَازِهَا بِدَارِهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَدَلِيلُهُ «قَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبَاعٍ» وَلأِنَّ الْعِصْمَةَ تَزُولُ بِالإْحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ، إِذِ الْمَالِكُ لاَ يُمْكِنُهُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ إِلاَّ بَعْدَ الدُّخُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَاطَرَةٍ، إِذْ الدَّارُ دَارُهُمْ، فَإِذَا زَالَ مَعْنَى الْمِلْكِ أَوْ مَا شُرِعَ لَهُ الْمِلْكُ يَزُولُ الْمِلْكُ ضَرُورَةً، فَبِاسْتِرْدَادِ الْمُسْلِمِينَ لِذَلِكَ يَكُونُ غَنِيمَةً.
اسْتِيلاَءُ الْكُفَّارِ عَلَى بَلَدٍ إِسْلاَمِيٍّ:
16 - إِذَا اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى بَلَدٍ إِسْلاَمِيٍّ فَهَلْ تَصِيرُ دَارَ حَرْبٍ أَمْ تَبْقَى كَمَا هِيَ دَارَ إِسْلاَمٍ؟
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ، فَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ دَارَ الإْسْلاَمِ تَصِيرُ دَارَ كُفْرٍ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ إِظْهَارُ أَحْكَامِ الْكُفْرِ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (دَارُ الإْسْلاَمِ وَدَارُ الْحَرْبِ).
إِسْلاَمُ الْحَرْبِيِّ بَعْدَ اسْتِيلاَئِهِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ:
17 - إِذَا اسْتَوْلَى الْحَرْبِيُّ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، وَحُكِمَ بِمِلْكِيَّتِهِ لَهُ شَرْعًا، ثُمَّ دَخَلَ إِلَى دَارِ الإْسْلاَمِ مُسْلِمًا وَهُوَ فِي يَدِهِ، فَهُوَ لَهُ، لِقَوْلِ الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَلأِنَّ إِسْلاَمَهُ يَعْصِمُ دَمَهُ وَمَالَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الرَّسُولَ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ».
وَاسْتَثْنَى الْجُمْهُورُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِيلاَءَهُ عَلَى الْحُرِّ
الْمُسْلِمِ فَلاَ يُقَرُّ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّ مِلْكٍ لاَ يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ فَإِنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لاَ يَمْلِكُونَهُ إِذَا أَصَابُوهُ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ مِثْلَهُ: الْوَقْفُ الْمُحَقَّقُ، وَالْمَسْرُوقُ فِي فَتْرَةِ عَهْدِهِ، وَاللُّقَطَةُ، وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ، الْوَدِيعَةُ، وَمَا اسْتَأْجَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَالَ كُفْرِهِ فَلاَ يُقَرُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى لاَ تَأْبَى ذَلِكَ.
18 - وَإِذَا اسْتَوْلَى الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ بِطَرِيقِ السَّرِقَةِ، أَوِ الاِغْتِصَابِ مِنْ حَرْبِيٍّ آخَرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَدَخَلَ دَارَ الإْسْلاَمِ وَهُوَ فِي يَدِهِ، فَهُوَ لَهُ أَيْضًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لأِنَهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ حَالَ كُفْرِهِ فَأَشْبَهَ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِقَهْرِهِ لِلْمُسْلِمِينَ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ صَاحِبَهُ أَحَقُّ بِهِ بِالْقِيمَةِ.
الاِسْتِيلاَءُ عَلَى الْمَالِ الْمُبَاحِ:
19 - الْمَالُ الْمُبَاحُ كُلُّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ النَّاسُ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ، وَلَيْسَ فِي حِيَازَةِ أَحَدٍ مَعَ إِمْكَانِ حِيَازَتِهِ، وَيَكُونُ حَيَوَانًا: بَرِّيًّا أَوْ بَحْرِيًّا، وَيَكُونُ نَبَاتًا: حَشَائِشَ وَأَعْشَابًا وَحَطَبًا، وَيَكُونُ جَمَادًا: أَرْضًا مَوَاتًا وَرِكَازًا، كَمَا يَكُونُ مَاءً وَهَوَاءً، وَمِنْ حَقِّ أَيِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ، وَيَتَحَقَّقُ الاِسْتِيلاَءُ وَتَسْتَقِرُّ الْمِلْكِيَّةُ إِذَا كَانَ الاِسْتِيلاَءُ بِفِعْلٍ يُؤَدِّي إِلَى التَّمَكُّنِ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُمِّ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صلي الله عليه وسلم «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَقَارِ الْمُبَاحِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَنْقُولِ مِنَ الْمُبَاحَاتِ أَوْلَى، لِظُهُورِ الاِسْتِئْثَارِ بِهِ ظُهُورًا لاَ يَكُونُ فِي الْعَقَارِ.
وَلاَ يَحُدُّ مِنْ سُلْطَانِ النَّاسِ فِي الاِسْتِيلاَءِ عَلَى الْمَالِ الْمُبَاحِ إِلاَّ الْقَوَاعِدُ الْعَامَّةُ لِتَنْظِيمِ الاِنْتِفَاعِ وَمَنْعِ الضَّرَرِ.
20 - وَلِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الأْمْوَالِ الْمُبَاحَةِ طَرِيقٌ لِلاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ، فَالاِسْتِيلاَءُ عَلَى الْمَاءِ الْمُبَاحِ وَالرِّكَازِ يَكُونُ بِالْحَوْزِ وَالْكَشْفِ، وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَى الْكَلأَ وَالْعُشْبِ يَكُونُ بِالْحَشِّ، وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَى حَيَوَانِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ يَكُونُ بِالاِصْطِيَادِ، وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَى الأْرْضِ الْمَوَاتِ يَكُونُ بِالإْحْيَاءِ، وَبِإِقْطَاعِ التَّمْلِيكِ.
تَنَوُّعُ الاِسْتِيلاَءِ:
21 - الاِسْتِيلاَءُ يَكُونُ حَقِيقِيًّا بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ الْمُبَاحِ فِعْلاً، وَهَذَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ وَقَصْدٍ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ، قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: يُمْلَكُ الصَّيْدُ بِضَبْطِهِ بِالْيَدِ، لأِنَّهُ مُبَاحٌ، فَمُلِكَ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ، سَوَاءٌ أَقَصَدَ بِذَلِكَ مِلْكَهُ أَمْ لاَ، حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ مَلَكَهُ. وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلاَمِ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِالاِسْتِيلاَءِ الْحَقِيقِيِّ الْمِلْكِيَّةُ مُسْتَقِرَّةً، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الاِسْتِيلاَءُ حَقِيقِيًّا إِذَا كَانَ بِآلَةٍ أُعِدَّتْ لِذَلِكَ، وَكَانَ وَاضِعُهَا قَرِيبًا مِنْهَا، بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا لأَمْسَكَ الصَّيْدَ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ عَلَيْهِ. وَمِنْ هَذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلصَّيْدِ فَوَقَعَ فِيهَا طَائِرٌ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الطَّيَرَانُ، أَوْ أَغْرَى كَلْبًا مُعَلَّمًا فَاصْطَادَ حَيَوَانًا، فَإِنَّ مَنْ نَصَبَ الشَّبَكَةَ وَمَنْ أَغْرَى الْكَلْبَ يَتَمَلَّكُ الصَّيْدَ، سَوَاءٌ أَكَانَ هُوَ مَالِكُ الشَّبَكَةِ وَالْكَلْبِ أَمْ كَانَ الْمَالِكُ غَيْرَهُ.
22 - وَيَكُونُ الاِسْتِيلاَءُ حُكْمِيًّا، وَهُوَ مَا كَانَ بِوَاسِطَةِ الآْلَةِ وَحْدَهَا الَّتِي تُهَيِّئُ الْمُبَاحَ لِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ وَاضِعُهَا قَرِيبًا مِنْهَا. كَحُفْرَةٍ فِي جَوَرَةِ الْمُنْتَفِعِ بِالأْرْضِ أَوْ مَالِكِهَا تَجَمَّعَ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ، فَلاَ بُدَّ لِتَمَلُّكِ مَا تَجَمَّعَ فِيهَا مِنْ مَاءٍ مِنْ وُجُودِ الْقَصْدِ، أَمَّا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَإِنَّ الْمِلْكِيَّةَ تَثْبُتُ غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ، وَلاَ تَسْتَقِرُّ إِلاَّ بِصَيْرُورَةِ الاِسْتِيلاَءِ حَقِيقِيًّا، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ.
23 - وَقَدْ سُئِلَ الْحَلْوَانِيُّ الْحَنَفِيُّ عَمَّنْ عَلَّقَ كُوزَهُ، أَوْ وَضَعَهُ فِي سَطْحِهِ، فَأَمْطَرَ السَّحَابُ وَامْتَلأَ الْكُوزُ مِنَ الْمَطَرِ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ وَأَخَذَ ذَلِكَ الْكُوزَ مَعَ الْمَاءِ، هَلْ لِصَاحِبِ الْكُوزِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مَعَ الْمَاءِ؟ فَقَالَ: لاَ إِشْكَالَ فِي اسْتِرْدَادِ الْكُوزِ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَإِنْ كَانَ قَدْ أُعِدَّ الْكُوزُ لِذَلِكَ حُقَّ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدَّهُ لِذَلِكَ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ.
وَلَوْ الْتَجَأَ صَيْدٌ إِلَى أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ إِلَى دَارِهِ، فَلاَ يُعَدُّ ذَلِكَ اسْتِيلاَءً مِنْ صَاحِبِ الأْرْضِ أَوِ الدَّارِ، لأِنَّهُمَا لَمْ يُعَدَّا لِلاِصْطِيَادِ، لأِنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ فِعْلُ الاِسْتِيلاَءِ، أَمَّا إِذَا رَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدَّارِ الْبَابَ بِنِيَّةِ أَخْذِهِ مَلَكَهُ، لِتَحَقُّقِ الاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ مَعَ إِمْكَانِ أَخْذِهِ.
وَمَنْ نَصَبَ فُسْطَاطًا فَالْتَجَأَ إِلَيْهِ صَيْدٌ لَمْ يَمْلِكْ، لأِنَّ الْفُسْطَاطَ لَمْ يَكُنْ آلَةَ صَيْدٍ، وَمَا كَانَ نَصَبَهُ بِقَصْدِ الاِسْتِيلاَءِ عَلَى الصَّيْدِ، وَكَذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلتَّجْفِيفِ فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ وَلَمْ يَكُنْ مَنْ عَلَّقَ الشَّبَكَةَ حَاضِرًا بِالْقُرْبِ مِنْهَا فَإِنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُ، إِذْ الْقَصْدُ مَرْعِيٌّ فِي التَّمَلُّكِ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ إِنْ حَضَرَ وَهُوَ مُعَلَّقٌ بِالشَّبَكَةِ.
وَتَفْصِيلُ كُلِّ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اصْطِيَادٌ).
_______________________________________________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1250) الإحراز المقرون بالقصد
كون الإحراز مقروناً بالقصد لازم فلو وضع شخص وعاء في محل بقصد أخذ ماء المطر فماء المطر المجتمع في ذلك الإناء ملكه كذلك الماء المجتمع في الحوض والصهريج المنيين لأجل جمع الماء ملك لصاحبه أما لو وضع شخص إناء في محل بغير قصد فماء المطر المجتمع فيه لا يكون ملكا له فيسوغ لشخص غيره أن يتملكه بالأخذ.
مادة (1252) احراز الكلأ
يحرز الكلأ بجمعه وحصده وتجريزه.
مادة (1253) الاحتطاب
يسوغ الاحتطاب من أشجار الجبال المباحة لكل أحد كائناً من كان وبمجرد الاحتطاب يعني بجمعها يصير مالكاً لها والربط ليس بشرط.