loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة :  193

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- الإستيلاء لا يكون إلا على شيء لا مالك له ، والشيء الذي لا مالك له يسمی سائبة ، ويكون المنقول سائبة :

إما لأنه لم يكن له مالك من قبل ، كالحيوانات المتوحشة الطليقة ، وكالسمك في البحر والطير في الهواء، وإما لأنه بعد أن كان مملوكاً أصبح سائباً ، كأن يتخلى مالك المنقول عنه بقصد النزول عن ملكيته ، وكأن تطلق الحيوانات المتوحشة بعد إعتقالها ، ويكون ذلك بنية التخلى عن ملكيتها ، وتظهر هذه النية إذا لم يتبعها المالك فوراً أو كف عن تتبعها فتعود سائية ، وكأن تفقد الحيوانات التي روضت واعتادت الرجوع إلى المكان المخصص لها هذه العادة فترجع سائية كما كانت .

فمن وضع يده على سائية منقول بنية تملكه ملكه، ووضع اليد هنا هو الحيازة بعنصريها المادي والمعنوي .

2 - أما الكنز ، وهو المنقول المدفون أو المخبوء في الأرض ، ولا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته ، فهو لواجده لأنه استولى عليه ، إذا كانت الأرض التي وجد فيها الكنز مباحاً لا مالك لها إلا الدولة وتدفع الرسوم المقررة في اللوائح، أما إذا كانت الأرض مملوكة لأحد، فيكون الكنز لمالك الأرض أو لمالك رقبتها، إذا كان قد تقرر عليها حق إنتفاع أو حكر أو قرار، فإن كانت العين موقوفة، فلا يكون الكنز وقفة على المستحقين لأنه لا يلحق بالأرض ، بل يكون ملكاً خالصاً للواقف ولورثته من بعده .

3 - وهناك لوائح تنظم حالات خاصة من المنقول السائبة ، كلوائح الصيد واللقطة والأشياء الأثرية وما إلى ذلك .

شرح خبراء القانون

تنص المادة 872 مدني على ما يأتي :

 " 1 - الكنز المدفون أو المخبوء ، الذي لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته له ، يكون لمالك العقار الذي وجد فيه الكنز أو لمالك رقبته " .

 " 2 - والكنز الذي يعثر عليه في عين موقوفة يكون ملكاً خاصاً للواقف ولورثته " .

ويخلص من هذا النص أنه يجب أن يتوافر في الكنز شرطان :

(الشرط الأول) أن يكون مدفوناً أو مخبوءاً : فهو إذن مال منقول، أما العقار المدفون فيكون عادة أثراً من الآثار القديمة، تسرى عليه الأحكام المتعلقة بالآثار التاريخية لا الأحكام المتعلقة بالكنز، وما دام مدفوناً أو مخبوءاً فإنه يكون متميزاً عن الأرض ، فما يوجد من معادن ونفط وأحجار في باطن الأرض لا يكون كنزاً ، لأنه جزء من باطن الأرض وليس مدفوناً أو مخبوءاً فيها، وإذا لم يكن المنقول مدفوناً أو مخبوءاً ، بل كان ملقى على سطح الأرض ، فهو ليس بكنز ، ويعتبر شيئاً ضائعاً تسري عليه أحكام الأشياء الضائعة وليس من الضروري أن يكون الكنز مدفوناً أو مخبوءاً في باطن الأرض أو في حائط لبناء قائم ، أي في عقار، بل يجوز أن يكون مخبوءاً في منقول آخر يحتويه ، كما إذا عثر على مجوهرات أو ذهب أو نقود في درج سري من أدراج المكتب ، أو على أوراق مالية أو سندات مخبوءة على صفحات كتاب أو سجل قديم  .

(والشرط الثاني ) ألا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته لهذا المنقول : فإذا استطاع شخص أن يثبت ملكيته للمنقول ، وأنه كان قد دفنه في باطن الأرض أو خبأه في مخبأ سري خوفاً عليه من السطو أو المصادرة أو للطمأنينة على بقائه محفوظاً ، فإنه لا يعتبر كنزاً ، ويجوز للمالك أن يسترده بدعوى الإستحقاق.

ويلاحظ أن الكنز – بهذا التحديد – ليس من الدقة أن يقال إنه منقول لا مالك له،فقد رأينا أن المنقول الذي لا مالك له إما أن يكون لم يملكه أحد منذ البداية ، أو يكون قد ملكه شخص ثم تخلى عن ملكيته، والكنز ليس هذا ولا ذاك ، فهو قد كان له مالك ، ولم يثبت أن هذا المالك قد تخلى عن ملكيته بل الظاهر أنه كان حريصاً عليه عندما دفنه أو خبأه، لذلك يبدو أن الكنز لا يصح أن يكون محلاً للإستيلاء ، كما يصح أن يكون محلاً للاستيلاء المنقول الذي لا مالك له، وإذا كنا نعالج هذه المسألة بين مسائل الاستيلاء ، فلأن الكنز يقرب من المنقول الذي ليس له مالك في أنه ولو أن له مالكاً إلا أن هذا المالك غير معروف  .

وأما القانون المصري فقد أغفل جانب من عثر على الكنز أصلاً ، فلم يجعل له أي نصيب في الكنز . وقد يفسر ذلك بأن من عثر على الكنز إما أن يكون قد عثر عليه مصادفة ، أو بناء على تكليف المالك إياه بالبحث، فإن عثر عليه مصادفة ، فليس له فضل في العثور عليه ولا يستحق شيئاً من أجل ذلك ، وهو لا يستطيع أن يتملك الكنز بالاستيلاء إذ الكنز لا يصح أن يكون محلاً للإستيلاء كما قدمنا، وإن عثر عليه بناء على تكليف المالك إياه بالبحث ، فهو إنما كان يعمل لحساب المالك ، ومن ثم لا يكون له حق في الكنز ، والمالك يجيزه طبقاً لما عسى أن يكون قد تم بينهما من إتفاق ، أو يرجع هو على المالك بدعوى الإثراء بلا سبب  .

وما دام القانون المصري قد أغفل جانب من عثر على الكنز ، فلا يبقى أمامه إلا مالك العقار الذي وجده فيه الكنز، وعلى ذلك جعل القانون المصري الكنز كله لهذا المالك ، سواء كان هو الذي عثر على الكنز أو كان شخص آخر هو الذي عثر عليها، فإذا كان هو الذي عثر على الكنز فإنه يملكه ، لا لأنه تملك الكنز بالاستيلاء فقد قدمنا أن الكنز لا يصح أن يكون محلاً للإستيلاء، وإنما يتملكه بحكم القانون وحده ، فقد رأى المشرع المصري أنه ما دام لا يوجد أحد يستطيع أن يثبت ملكيته للكنز فأولى الناس بالكنز هو صاحب العقار ، فقد وجد الكنز في عقاره ولا يستطيع أحد أن يدعى على الكنز حقاً أقوى من حقه، وإذا كان غير المالك هو الذي عثر على الكنز ، فإن الكنز كله يكون مع ذلك للمالك وحده، فمن عثر على الكنز ، مصادفة أو بعد بحث ، لا يكون له حق في الكنز على الوجه الذي بسطناه، ولا يبقى إذن إلا صاحب العقار يتملك الكنز كله وحده ، ولا يأخذ من عثر على الكنز شيئاً إلا ما يتبرع به له المالك ، أو ما يتفق معه عليه ، أو ما تخوله له دعوى الإثراء بلا سبب  .

وإذا كان على العقار حق إنتفاع لشخص أو حق حكر أو كان لها مستأجر ، وعثر شخص على كنز في العقار ، فإن الكنز لا يكون لصاحب حق الإنتفاع ولا للمحتكر ولا للمستأجر ، لأن الكنز لا يعتبر ثماراً حتى يتملكها هؤلاء  ويكون الكنز كله لمالك الرقبة في حالة صاحب حق الإنتفاع ، أو للمحكر في حالة صاحب حق الحكر ، أو للمالك في حالة المستأجر . ونص التقنين المدني صريح في هذا المعنى ، إذ تقول المادة 872 / 1 مدني سالفة الذكر : " الكنز . . . . يكون لمالك العقار الذي وجد فيه الكنز أو لمالك رقبته " ويسري هذا الحكم ويكون الكنز كله لمالك الرقبة أو للمحكر أو للمالك ، حتى لو كان من عثر على الكنز ، مصادفة أو بعد بحث ، هو صاحب حق الإنتفاع أو المحتكر أو المستأجر  ، فقد قدمنا أن العثور على الكنز لا يخول من عثر عليه ، في القانون المصري ، أي حق في الكنز .

وإذا كان العقار الذي عثر فيه على الكنز عيناً موقوفة  لا مالك لها ، فالكنز يكون لمن كان مالكاً للعقار عند وقفه، وهذا المالك لا بد أن يكون هو الواقف، وهو لا يمكن أن يكون قد وقف الكنز، فبقى على ملكه، ومن ثم يكون الكنز كله للواقف إذا كان لا يزال حياً، أو لورثته إذا كان قد مات .

وإذا كان العقار ملكاً للدولة ، سواء كان ملكيتها للعقار ملكية عامة أو ملكية خاصة بما في ذلك ملكية الأراضي غير المزروعة والأراضي الصحراوية ، فالكنز يكون هنا أيضاً للمالك ، ومن ثم يكون الكنز كله للدولة .

وإذا عثر على الكنز في منقول ، كان الكنز لمالك هذا المنقول ، سواء كان مالكاً للعقار الذي يوجد فيه المنقول أو لم يكن مالكاً له  .

وقد فرضنا في كل ما تقدم أنه لا يوجد أحد يستطيع أن يثبت ملكيته للكنز ، ولذلك أعطى الكنز لمالك العقار الذي وجد فيه ، فإذا وقع أن ظهر مالك الكنز بعد ذلك ، واستطاع أن يثبت ملكيته له  فإنه يستطيع أن يسترده من تحت يد مالك العقار بدعوى الاستحقاق ، طبقاً للقواعد العامة المقررة في هذا الشأن، ولا يسقط حق مالك الكنز بالتقادم المسقط ، فإن دعوى الاستحقاق ولو في المنقول لا تسقط بالتقادم ، وهناك رأي يذهب إلى أن مالك العقار الذي وجد فيه الكنز يكون قد حاز الكنز وهو منقول بحسن نية معتقداً أنه قد أصبح مالكاً له ، ومن ثم تسري القاعدة التي تقضي بأن الحيازة في المنقول سند الملكية ، ولكن الكنز يعتبر في حكم المفقود فيكون لمالكه حق استرداده في خلال ثلاث سنوات من وقت فقده أي من وقت حيازة مالك العقار للكنز ولكن الرأي الراجح هو أن مالك العقار الذي حاز الكنز لا يمكن أن تكون حيازته بحسن نية لأنه يعلم أو ينبغي أن يعلم أن للكنز مالكاً من حقه أن يسترده ، هذا إلى أنه ليس لديه سبب صحيح  فيما يتعلق بالقانون المصري  ومن ثم يكون لمالك الكنز أن يسترده من مالك العقار في أي وقت لا في خلال ثلاث سنوات فقط ، هذا ما لم يتملك مالك العقار الكنز بالتقادم الطويل أما إذا باع مالك العقار الكنز لمشتري حسن النية فإن المشتري يملكه بالحيازة ، ولا يستطيع مالك الكنز أن يسترده حتى في خلال ثلاث سنوات لأن الكنز لا يعتبر مفقوداً ولا مسروقاً .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع المجلد/ الأول الصفحة/ 30)

الكنز هو ما دفن في باطن الأرض من مال منقول لا يعرف له صاحب ، فيشترط لإعتبار المنقول کنزاً :

1 - أن يكون مدفوناً أو مخبوءاً سواء بباطن الأرض أو أسفل الأرضيات أو بالجدران أو بالسقف، فإن كان ظاهرة فلا يكون كنزاً إنما شیئاً ضائعاً وتظل ملكيته لصاحبه، ولا يشترط أن يكون مدفوناً في عقار بل قد يكون مدفونا في منقول فتكون ملكيته لصاحب المنقول ولو لم يكن هو مالك العقار الذي به المنقول .

2 - أن يكون المنقول غريبة عن الأرض التي عثر عليه فيها فالمعادن والأحجار التي يعثر عليها بباطن الأرض لا تعد كنوزا إذ أنها ليست مدفونة بها وإنما من عناصرها.

3 - ألا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته لهذا المنقول، فأن أثبت أحد ملكيته له وأنه كان قد دفنه حفاظاً عليه فلا يعد المنقول كنزة ولمالكه أن يسترده من مالك العقار بدعوى الاستحقاق ولا يشترط في الكتر أن يكون قديماً .

4 - أن يكون الشيء ثمينة، ومتى توافرت هذه الشروط، كان المنقول المدفون کنزاً وتكون ملكيته لمالك العقار حتى لو كان العقار مؤجراً، فإن كان مقرراً عليه حق انتفاع كانت ملكية الكنز مالك الرقبة، وإذا عثر على الكنز مصادفة أثناء هدم بناء أو حفر أساس فتكون ملكيته لمالك العقار بحكم القانون دون من عثر عليه فلا يصلح الكنز للتملك بالاستيلاء إلا إذا عثر عليه بكهف أو صحراء أو جبل فملكية الدولة على هذه الأراضي ملكية سياسية لا تحول دون تملك الأشخاص لما يعثرون عليه من كنوز مدفونة بها.

ويكون الكنز الذي يعثر عليه بعين موقوفة ملكا للواقف أو ورثته، سواء كان الوقف أهلياً أو خيرياً، وسواء كانت العين تحت يد وزارة الأوقاف باعتبارها حارسة على الوقف الخيري، أو كانت العين ضمن وقف أهلي تم حله وتصرف فيها الورثة للغير ولو تم تسجيل عقد البيع وإنتقال ملكية العين للمشتري، إذ لا يلحق الكنز بالعقار ولا يعتبر من ملحقاته فيظل ملكاً خالصاً للواقف ولورثته من بعده. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني عشر الصفحة/ 12)

الكنز هو المنقول المدفون أو المخبوء الذي لا يعرف له مالك .

ومن ثم يشترط لاعتبار الشيء كنزا أن تتوافر الشروط الآتية :

(الشرط الأول) :

أن يكون الشيء منقولاً :

إذ لو كان عقارا لأصبح جزءاً من العقار الذي وجد فيه، فيسرى عليه ما يسري على العقار.

فالمباني والأعمدة والقبور التي توجد مدفونة لا تعتبر كنوزاً، ولكنها إذا كانت آثارا فإنها تخضع لأحكام الآثار، كما أن المنقولات الأثرية لا تعتبر كنوزاً، وإنما تخضع هي أيضاً لأحكام الآثار . 

وإذا كان الشيء المدفون المخبوء قد توافرت له شروط العقار بالتخصيص، كتمثال عثر عليه في مخبأ مقفول في حائط فذلك لا يحول دون إعتباره كنزاً، إذ العبرة بطبيعة الشيء الحقيقية لا الحكمية، ولا شبهة في أن مثل هذا التمثال منقول بطبيعته، بل إن تخبئته على هذا النحو تفقده شروط العقار بالتخصيص، إذ كيف يسوغ اعتباره مخصصاً لخدمة العقار وهو محجوب عن الأنظار .

(الشرط الثاني) :

أن يكون الكنز مدفوناً أو مخبوءاً :

والمقصود بذلك أن يكون الشيء محجوبا عن الأنظار، فالأشياء التي توجد على سطح الأرض لا تعتبر كنوزاً، فمثل هذه الأشياء تعتبر من الضوائع لا من الكنوز وتسري عليها أحكام الأشياء الضائعة.

ولا يهم بعد ذلك أن يكون المنقول المدفون أو المخبوء حديث العهد أو قديمه، إذ لا شبهة في اعتباره كنزاً في الحالين طالما أن أحداً لا يستطيع إثبات ملكية له.

وقد يكون الكنز مدفونا في عقار، كأرض أو حائط أو سقف، وقد يكون مخبوءاً في منقول آخر، كما لو وجد في مكان غير ظاهر من قطعة أثاث كدرج مكتب أو كأوراق مالية توجد بين صفحات کتاب قديم.

وإذا كان نص المادة 872 مدني يفهم منه أن الكنز إنما يوجد في عقار فإن الشارع لم يتناول فيه إلا الحالة الغالبة.

( الشرط الثالث ) :

أن يكون متميزا عما يحتويه :

يشترط أن يكون الكنز متميزا عما يحتويه كالأرض - غالباً - فما يوجد من معادن ونفط وأحجار كريمة في باطن الأرض لا يكون كنزاً، لأنه جزء من باطن الأرض وليس مدفوناً أو مخبوء.

( الشرط الرابع) :

ألا يستطيع أحد إثبات ملكيته للمنقول :

فإذا استطاع شخص أن يقيم الدليل على ملكيته للمنقول، وأنه قد دفنه في باطن الأرض أو خبأه في مخبأ سري خوفا عليه من السطو أو المصادرة أو الطمأنينة على بقائه محفوظاً، كان له أن يسترده بدعوى الاستحقاق.

ويجوز إثبات حق الملكية بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة والقرائن.

وعلى ذلك فإثبات ملكية قطع النقود يجوز أن ينتج من كونها وجدت في منزل كانت تسكنه بإستمرار عائلة المالك الحالي من الوقت الذي بدأ فيه تداول هذه القطع. 

فقد يجد القاضي في هذه الواقعة قرينة لمصلحة مالك المنزل، وإثبات الملكية هو كل ما يتطلبه القانون.

فالمالك لا يتطلب منه أن يثبت أنه كان يعلم أين يوجد الكنز.

ويقوم وصف الكنز للشيء الذي تتوافر فيه هذه الشروط، دون أن يستلزم العثور عليه بمحض الصدفة، فقد يتوقع شخص أن يكون في أرض كنز ويسعى للكشف عنه، فإذا وجده سرت عليه الأحكام الخاصة بالكنز .

لمن يكون الكنز ؟

يتضح من نص المادة 872 مدني أن كسب ملكية الكنز ليس أساس الاستيلاء - وذلك على الرغم من ورود هذه المادة بين النصوص الخاصة بالاستيلاء - فالكنز لمالك العقار الذي يوجد به، ولو كان الذي عثر عليه شخص آخر وضع يده عليه بنية تملكه، ولا يكون لهذا الأخير أي حق فيه.

للمالك ان يطالب من وجد الكنز بهذا الكنز ، ما دامت مدة التقادم لم تنقض  ولا يستطيع الأخير أن يحتج على المالك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية، لأنه وإن أمكن القول بأن له سنداً صحيحاً - وهذا غير مؤكد - فإنه لا يعتبر حسن النية، لأنه يعلم أو كان واجباً عليه أن يعلم أن الشيء الذي وجده له مالك، وأن هذا المالك له الحق في أن يطالب به بإثبات حق ملكيته، ولكن من يشترى الشيء من الواجد أو من خلفائه معتقداً أنه كان مملوكاً لهم يمكنه الاحتجاج بقاعدة "الحيازة في المنقول سند الملكية" ضد المالك الذي يطالب بإسترداده، ولا يعتبر الكنز شيئاً ضائعاً أو مسروقاً .

عدم إستحقاق واجد الكنز نصيباً من الكنز :

لم يعط القانون غير المالك الذي يعثر على الكنز نصيباً منه - على خلاف الحال في القانون الفرنسي - ويرى البعض أنه إذا لم يتبرع له المالك بشيء فلا يكون أمامه إلا ما تخوله له دعوى الإثراء بلا سبب. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الحادي عشر ،  الصفحة/ 903)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 171

بَيْعُ مَا يَكْمُنُ فِي الأْرْضِ :

17 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا يَكْمُنُ فِي الأْرْضِ قَبْلَ قَلْعِهِ، كَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ وَالْجَزَرِ وَنَحْوِهَا؛ لأِنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُرَ، وَلَمْ يُوصَفْ، فَهُوَ مِنَ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْحَمْلِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ بَيْعِهِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَأَثْبَتُوا لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ عِنْدَ قَلْعِهِ.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ قَيَّدُوا صِحَّةَ الْبَيْعِ بِشُرُوطٍ ثَلاَثَةٍ:

أ - أَنْ يَرَى الْمُشْتَرِي ظَاهِرَهُ.

ب - أَنْ يُقْلَعَ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَرَى.

ج - أَنْ يُحْزَرَ إِجْمَالاً، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ حَزْرٍ بِالْقِيرَاطِ أَوِ الْفَدَّانِ. فَإِذَا تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ لاَ يَكُونُ الْمَبِيعُ مَجْهُولاً؛ لأِنَّ هَذِهِ طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والعشرون ، الصفحة / 98

رِكَاز

التَّعْرِيفُ:

1 - الرِّكَازُ لُغَةً بِمَعْنَى الْمَرْكُوزِ وَهُوَ مِنَ الرَّكْزِ أَيِ: الإْثْبَاتِ، وَهُوَ الْمَدْفُونُ فِي الأْرْضِ إِذَا خَفِيَ.

يُقَالُ: رَكَزَ الرُّمْحَ إِذَا غَرَزَ أَسْفَلَهُ فِي الأْرْضِ ، وَشَيْءٌ رَاكِزٌ أَيْ: ثَابِتٌ.

وَالرِّكْزُ هُوَ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا) .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الرِّكَازَ هُوَ مَا دَفَنَهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ.

وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ مَالاً عَلَى اخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهِ. إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ خَصُّوا إِطْلاَقَهُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنَ الأْمْوَالِ.

وَأَمَّا الرِّكَازُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَيُطْلَقُ عَلَى أَعَمَّ مِنْ كَوْنِ رَاكِزِهِ الْخَالِقَ أَوِ الْمَخْلُوقَ فَيَشْمَلُ عَلَى هَذَا الْمَعَادِنَ وَالْكُنُوزَ . عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْمَعْدِنُ:

2 - الْمَعْدِنُ لُغَةً: هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِلْمَحَلِّ وَلِمَا يَخْرُجُ، مُشْتَقٌّ مِنْ عَدَنَ بِالْمَكَانِ يَعْدِنُ إِذَا أَقَامَ بِهِ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ جَنَّةُ عَدْنٍ لأِنَّهَا دَارُ إِقَامَةٍ وَخُلُودٍ. وَمِنْهُ الْمَعْدِنُ لِمُسْتَقَرِّ الْجَوَاهِرِ .

وَأَصْلُ الْمَعْدِنِ الْمَكَانُ بِقَيْدِ الاِسْتِقْرَارِ فِيهِ، ثُمَّ اشْتُهِرَ فِي نَفْسِ الأْجْزَاءِ الْمُسْتَقِرَّةِ الَّتِي رَكَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الأْرْضِ يَوْمَ خَلَقَ الأْرْضَ، حَتَّى صَارَ الاِنْتِقَالُ مِنَ اللَّفْظِ إِلَيْهِ ابْتِدَاءً بِلاَ قَرِينَةٍ .

وَاصْطِلاَحًا: هُوَ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنَ الأْرْضِ مِمَّا يُخْلَقُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ وَيُحْتَاجُ فِي إِخْرَاجِهِ إِلَى اسْتِنْبَاطٍ.

قَالَ أَحْمَدُ: الْمَعَادِنُ هِيَ الَّتِي تُسْتَنْبَطُ، لَيْسَ هُوَ شَيْءٌ دُفِنَ.

وَالْمَعَادِنُ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:

1 - جَامِدٌ يَذُوبُ وَيَنْطَبِعُ بِالنَّارِ كَالنَّقْدَيْنِ (الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ)، وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالصُّفْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

2 - جَامِدٌ لاَ يَنْطَبِعُ بِالنَّارِ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

3 - مَا لَيْسَ بِجَامِدٍ كَالْمَاءِ وَالْقِيرِ وَالنَّفْطِ وَالزِّئْبَقِ.

وَقَدْ تَبَيَّنَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الرِّكَازَ مُبَايِنٌ لِلْمَعْدِنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ الرِّكَازَ أَعَمُّ مِنَ الْمَعْدِنِ، حَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْكَنْزِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (مَعْدِن)

ب - الْكَنْزُ:

3 - الْكَنْزُ لُغَةً: الْمَالُ الْمَجْمُوعُ الْمُدَّخَرُ، يُقَالُ: كَنَزْتُ الْمَالَ كَنْزًا إِذَا جَمَعْتَهُ وَادَّخَرْتَهُ، وَالْكَنْزُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ: الْمَالُ الْمَدْفُونُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ، وَالْجَمْعُ كُنُوزٌ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْكَنْزُ فِي الأْصْلِ اسْمٌ لِلْمُثْبَتِ فِي الأْرْضِ بِفِعْلِ إِنْسَانٍ، وَالإْنْسَانُ يَشْمَلُ الْمُؤْمِنَ أَيْضًا لَكِنْ خَصَّهُ الشَّارِعُ بِالْكَافِرِ لأِنَّ كَنْزَهُ هُوَ الَّذِي يُخَمَّسُ، وَأَمَّا كَنْزُ الْمُسْلِمِ فَلُقَطَةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ وَفِيهِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ (كَنْز).

وَالْكَنْزُ أَعَمُّ مِنَ الرِّكَازِ؛ لأِنَّ الرِّكَازَ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَطْ، وَالْكَنْزُ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَهْلِ الإْسْلاَمِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الأْحْكَامِ.

ج - الدَّفِينُ:

4 - الدَّفِينُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ مَا أُخْفِيَ تَحْتَ أَطْبَاقِ التُّرَابِ، وَنَحْوِهِ مَدْفُونٌ وَدَفِنٌ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَالدَّفِينُ أَعَمُّ مِنَ الرِّكَازِ.

أَحْكَامُ الرِّكَازِ:

5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرِّكَازَ فِي قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» يَتَنَاوَلُ دَفِينَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مَضْرُوبًا أَوْ غَيْرَهُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ النَّقْدَيْنِ مِنْ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّ الرِّكَازَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا كَانَ مَالاً مَدْفُونًا عَلَى اخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهِ، كَالْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، وَالصُّفْرِ، وَالرُّخَامِ وَالأْعْمِدَةِ، وَالآْنِيَةِ وَالْعُرُوضِ وَالْمِسْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ حَدِيثِ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» إِذِ الْحَدِيثُ لاَ يَخُصُّ مَدْفُونًا دُونَ غَيْرِهِ، بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا دَفَنَهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ.

إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ خَالَفُوا جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ فَعَمَّمُوا إِطْلاَقَ الرِّكَازِ عَلَى الْمَعَادِنِ الْخِلْقِيَّةِ أَيْضًا لَكِنْ لَيْسَ جَمِيعَهَا، بَلْ قَصَرُوا ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَعْدِنٍ جَامِدٍ يَنْطَبِعُ - أَيْ يَلِينُ - بِالنَّارِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَأَلْحَقُوا بِمَا تَقَدَّمَ الْمَعَادِنَ السَّائِلَةَ الزِّئْبَقَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لأِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِالْعِلاَجِ مِنْ عَيْنِهِ وَطُبِعَ مَعَ غَيْرِهِ فَكَانَ كَالْفِضَّةِ، فَإِنَّ الْفِضَّةَ لاَ تَنْطَبِعُ مَا لَمْ يُخَالِطْهَا شَيْءٌ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ النَّهْرِ: وَالْخِلاَفُ - أَيْ: فِي الزِّئْبَقِ - فِي الْمُصَابِ فِي مَعْدِنِهِ، أَمَّا الْمَوْجُودُ فِي خَزَائِنِ الْكُفَّارِ فَفِيهِ الْخُمُسُ اتِّفَاقًا لأِنَّهُ مَالٌ.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا فَإِنَّ الرِّكَازَ أَعَمُّ مِنَ الْمَعْدِنِ وَمِنَ الْكَنْزِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ: يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا.

وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ حَدِيثِ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» لأِنَّ كُلًّا مِنَ الْمَعْدِنِ وَالْكَنْزِ مَرْكُوزٌ فِي الأْرْضِ إِنِ اخْتَلَفَ الرَّاكِزُ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّكَازَ حَقِيقَةً فِيهِمَا مُشْتَرَكٌ اشْتِرَاكًا مَعْنَوِيًّا وَلَيْسَ خَاصًّا بِالدَّفِينِ .

وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَصَرُوا إِطْلاَقَ الرِّكَازِ عَلَى مَا وُجِدَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنَ الأْمْوَالِ وَالْمَعَادِنِ؛ لأِنَّ الرِّكَازَ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنَ الأْرْضِ فَاخْتُصَّ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَدْرًا وَنَوْعًا .

دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ:

6 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ دَفِينَ الْجَاهِلِيَّةِ رِكَازٌ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ بِوُجُودِهِ فِي قُبُورِهِمْ أَوْ خَزَائِنِهِمْ أَوْ قِلاَعِهِمْ. فَإِنْ وُجِدَ فِي مَوَاتٍ فَيُعْرَفُ بِأَنْ تُرَى عَلَيْهِ عَلاَمَاتُهُمْ كَأَسْمَاءِ مُلُوكِهِمْ وَصُوَرِهِمْ وَصُلُبِهِمْ وَصُوَرِ أَصْنَامِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

فَإِنْ كَانَ عَلَى بَعْضِهِ عَلاَمَةُ كُفْرٍ وَبَعْضُهُ لاَ عَلاَمَةَ فِيهِ فَرِكَازٌ. أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ بِالْكَنْزِ عَلاَمَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى كَوْنِهِ مِنْ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوِ الإْسْلاَمِ أَوِ اشْتَبَهَ، فَالْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ) عَلَى أَنَّهُ رِكَازٌ؛ لأِنَّ الْغَالِبَ فِي الدَّفْنِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الأْصَحِّ - إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِرِكَازٍ بَلْ هُوَ لُقَطَةٌ، وَذَلِكَ لأِنَّهُ مَمْلُوكٌ فَلاَ يُسْتَبَاحُ إِلاَّ بِيَقِينٍ.

وَفِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ مُدَارٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ أَنَّهُ مِنْ ضَرْبِهِمْ، فَقَدْ يَكُونُ مِنْ ضَرْبِهِمْ وَيَدْفِنُهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ أَنْ وَجَدَهُ وَأَخَذَهُ وَمَلَكَهُ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ تَفْرِيعٌ عَلَى الأْصَحِّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّ الْكَنْزَ الَّذِي لاَ عَلاَمَةَ فِيهِ يَكُونُ لُقَطَةً. فَأَمَّا إِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الآْخَرِ أَنَّهُ رِكَازٌ، فَالْحُكْمُ مُدَارٌ عَلَى ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ

الْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ:

7 - الْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ: مَا قَبْلَ الإْسْلاَمِ، أَيْ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم سُمُّوا بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ جَهَالاَتِهِمْ، أَوْ مَنْ كَانَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ.

وَعَلَى هَذَا فَلَفْظُ الْجَاهِلِيَّةِ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ لاَ دِينَ لَهُ قَبْلَ الإْسْلاَمِ أَوْ كَانَ لَهُ دِينٌ كَأَهْلِ الْكِتَابِ.

قَالَ الشِّرْبِينِيُّ: وَيُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الدَّفِينِ الْجَاهِلِيِّ رِكَازًا كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ أَنْ لاَ يُعْلَمَ أَنَّ مَالِكَهُ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ بَلَغَتْهُ وَعَانَدَ وَوُجِدَ فِي بِنَائِهِ أَوْ بَلَدِهِ الَّتِي أَنْشَأَهَا كَنْزٌ فَلَيْسَ بِرِكَازٍ بَلْ فَيْءٌ، حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ.

وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَنْ كَانَ لَهُ كِتَابٌ هَلْ يُقَالُ: إِنَّهُ جَاهِلِيٌّ؟

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: الْجَاهِلِيَّةُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ مَا عَدَا الإْسْلاَمَ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ أَمْ لاَ.

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اصْطِلاَحُهُمْ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ أَهْلُ الْفَتْرَةِ الَّذِينَ لاَ كِتَابَ لَهُمْ. وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ قَبْلَ الإْسْلاَمِ فَلاَ يُقَالُ لَهُمْ: جَاهِلِيَّةٌ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ دَفْنُهُمْ جَمِيعِهِمْ رِكَازٌ .

هَذَا وَأَخْرَجَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الرِّكَازِ دَفِينَ أَهْلِ الذِّمَّةِ.

فَفِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي: إِنَّمَا كَانَ مَالُ الذِّمِّيِّ كَالْمُسْلِمِ لأِنَّهُ مُحْتَرَمٌ بِحُرْمَةِ الإْسْلاَمِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ .

اشْتِرَاطُ الدَّفْنِ فِي الرِّكَازِ:

8 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ كُلَّ مَا دَفَنَهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْتَبَرُ رِكَازًا. وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الدَّفْنِ فِي الرِّكَازِ.

فَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ مَا وُجِدَ عَلَى ظَهْرِ الأْرْضِ مِنْ أَمْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْتَبَرُ رِكَازًا أَيْضًا، جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَا وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الأْرْضِ مِنْ مَالٍ جَاهِلِيٍّ، أَوْ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ تَصَاوِيرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلِوَاجِدِهِ مُخَمَّسًا. قَالَ الصَّاوِيُّ: وَاقْتَصَرَ عَلَى الدَّفْنِ لأِنَّهُ الْغَالِبُ، هَذَا إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَالٌ جَاهِلِيٌّ. وَفِي مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ: وَيَلْحَقُ بِالدَّفْنِ مَا وُجِدَ عَلَى وَجْهِ أَرْضٍ.

وَقَدْ فَصَّلَ الشَّافِعِيَّةُ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ مَتَى يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ رِكَازًا؟ فَقِيلَ: بِدَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقِيلَ: بِضَرْبِهِمْ.

قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مِنْ دَفْنِهِمْ فَإِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِعَلاَمَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ. ا هـ. وَهَذَا أَوْلَى، وَالتَّقْيِيدُ بِدَفْنِ الْجَاهِلِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ مَا وُجِدَ فِي الصَّحَارَى مِنْ دَفِينِ الْحَرْبِيِّينَ الَّذِينَ عَاصَرُوا الإْسْلاَمَ لاَ يَكُونُ رِكَازًا بَلْ فَيْئًا، وَيُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ رِكَازًا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَدْفُونًا، فَإِنْ وَجَدَهُ ظَاهِرًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ السَّيْلَ أَظْهَرَهُ فَرِكَازٌ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ ظَاهِرًا فَلُقَطَةٌ، وَإِنْ شَكَّ فَكَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ ضَرْبُ الْجَاهِلِيَّةِ أَوِ الإْسْلاَمِ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .

وَلَمْ نَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ تَصْرِيحًا فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ.

دَفِينُ أَهْلِ الإْسْلاَمِ:

9 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ دَفِينَ أَهْلِ الإْسْلاَمِ لُقَطَةٌ.

وَيُعْرَفُ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ عَلاَمَةُ الإْسْلاَمِ أَوِ اسْمُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَوْ أَحَدُ خُلَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ وَالٍ لَهُمْ، أَوْ آيَةٌ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.

وَتَفْصِيلُ حُكْمِ اللُّقَطَةِ فِي مُصْطَلَحِ (لُقَطَة).

قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَإِنْ كَانَ عَلَى بَعْضِهِ عَلاَمَةُ الإْسْلاَمِ، وَعَلَى بَعْضِهِ عَلاَمَةُ الْكُفْرِ فَكَذَلِكَ (أَيْ: لُقَطَةٌ)، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صَارَ إِلَى مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ زَوَالُهُ عَنْ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ عَلَى جَمِيعِهِ عَلاَمَةُ الْمُسْلِمِينَ.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ قَوْلَ الْحَنَابِلَةِ وَحْدَهُمْ بَلْ هُوَ قَوْلُ بَقِيَّةِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلاَمِهِمْ فِي مَعْرِفَةِ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنْ عَلِيٍّ الْقَارِيِّ: وَأَمَّا مَعَ اخْتِلاَطِ دَرَاهِمِ الْكُفَّارِ مَعَ دَرَاهِمِ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُشَخَّصِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي زَمَانِنَا، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِلاَفٌ فِي كَوْنِهِ إِسْلاَمِيًّا .

الْوَاجِبُ فِي الرِّكَازِ:

10 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ».

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلاَّ الْحَسَنَ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا يُوجَدُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَأَرْضِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: فِيمَا يُوجَدُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ الْخُمُسُ، وَفِيمَا يُوجَدُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ الزَّكَاةُ.

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَحَلُّ تَخْمِيسِهِ مَا لَمْ يَحْتَجْ لِنَفَقَةٍ كَبِيرَةٍ وَإِلاَّ فَيُزَكَّى.

قَالَ مَالِكٌ: الأْمْرُ الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَنَا، وَاَلَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنَّ الرِّكَازَ إِنَّمَا هُوَ دَفْنٌ يُوجَدُ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا لَمْ يُطْلَبْ بِمَالٍ. وَأَمَّا مَا طُلِبَ بِمَالٍ كَثِيرٍ فَلَيْسَ بِرِكَازٍ، إِنَّمَا فِيهِ الزَّكَاةُ بَعْدَ وُجُودِ شُرُوطِ الزَّكَاةِ حَيْثُ اسْتَأْجَرَ عَلَى الْعَمَلِ، لاَ إِنْ عَمِلَ بِنَفْسِهِ أَوْ عَبِيدِهِ فَلاَ يَخْرُجُ عَنِ الرِّكَازِ.

وَأَمَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فَلِوَاجِدِهِ . وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَصْرِفِ الْخُمُسِ الْوَاجِبِ إِخْرَاجُهُ (ف / 22 ).

مَا يَلْحَقُ بِمَا يُخَمَّسُ:

11 - أَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ بِالرِّكَازِ النَّدْرَةَ: وَهِيَ قِطْعَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ الَّتِي لاَ تَحْتَاجُ إِلَى تَصْفِيَةٍ، وَاَلَّتِي تُوجَدُ فِي الأْرْضِ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهَا لاَ بِوَضْعِ وَاضِعٍ لَهَا فِي الأْرْضِ . وَفِيهَا الْخُمُسُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ الزَّكَاةُ وَإِنَّمَا الْخُمُسُ فِي الرِّكَازِ .

نَبْشُ الْقَبْرِ لاِسْتِخْرَاجِ الْمَالِ:

12 - صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ مَا يُوجَدُ فِي قَبْرِ الْجَاهِلِيِّ رِكَازٌ. وَأَمَّا مَا يُوجَدُ فِي قَبْرِ الْمُسْلِمِ فَفِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (قَبْر، وَلُقَطَة).

النِّصَابُ فِي الرِّكَازِ:

13 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ النِّصَابُ فِي الرِّكَازِ، بَلْ يَجِبُ الْخُمُسُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ.

وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ: وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - عَلَى الْمَذْهَبِ - إِلَى اشْتِرَاطِ النِّصَابِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ الْمَأْخُوذَ مِنَ الرِّكَازِ زَكَاةٌ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالأْصْحَابِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ إِذَا وَجَدَ مِنَ الرِّكَازِ مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ وَجَدَ مِائَةً أُخْرَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْخُمُسُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، بَلْ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهِمَا مِنْ حِينِ كَمُلَ النِّصَابُ، فَإِذَا تَمَّ لَزِمَهُ رُبُعُ الْعُشْرِ كَسَائِرِ النُّقُودِ الَّتِي يَمْلِكُهَا، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَهُوَ اشْتِرَاطُ النِّصَابِ فِي الرِّكَازِ.

ثُمَّ قَالَ: إِذَا وَجَدَ مِنَ الرِّكَازِ دُونَ النِّصَابِ، وَلَهُ دَيْنٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ يَبْلُغُ بِهِ نِصَابًا، وَجَبَ خُمُسُ الرِّكَازِ فِي الْحَالِ. فَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا أَوْ مَدْفُونًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا - وَالرِّكَازُ نَاقِصٌ - لَمْ يُخَمِّسْ حَتَّى يَعْلَمَ سَلاَمَةَ مَالِهِ، وَحِينَئِذٍ يُخَمِّسُ الرِّكَازَ النَّاقِصَ عَنِ النِّصَابِ سَوَاءٌ أَبَقِيَ الْمَالُ أَمْ تَلِفَ إِذَا عَلِمَ وُجُودَهُ يَوْمَ حُصُولِ الرِّكَازِ .

الْحَوْلُ فِي الرِّكَازِ:

14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ فِي الرِّكَازِ؛ لأِنَّ الْحَوْلَ يُعْتَبَرُ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ وَهَذَا لاَ يَتَوَجَّهُ فِي الرِّكَازِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ الإْجْمَاعَ

مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُمُسُ:

15 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُمُسُ هُوَ كُلُّ مَنْ وَجَدَ الرِّكَازَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، عَاقِلٍ أَوْ مَجْنُونٍ. فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَهُوَ لَهُمَا، وَيُخْرِجُ الْخُمُسَ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي الرِّكَازِ يَجِدُهُ: الْخُمُسَ، قَالَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالثَّوْرِيُّ وَالأْوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَغَيْرُهُمْ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْخُمُسُ إِلاَّ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً، رَشِيدًا أَوْ سَفِيهًا، أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا.

وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَخْذِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِدَارِ الإْسْلاَمِ، كَمَا يُمْنَعُ مِنَ الإْحْيَاءِ بِهَا؛ لأِنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ دَخِيلٌ فِيهَا .

وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الدُّرِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُسْتَرَدُّ مِنْهُ مَا أَخَذَ إِلاَّ إِذَا عَمِلَ بِإِذْنِ الإْمَامِ عَلَى شَرْطٍ فَلَهُ الْمَشْرُوطُ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ رَجُلاَنِ فِي طَلَبِ الرِّكَازِ فَهُوَ لِلْوَاجِدِ، وَإِنْ كَانَا مُسْتَأْجَرَيْنِ لِطَلَبِهِ فَهُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لأِنَّ الْوَاجِدَ نَائِبُهُ فِيهِ .

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (حَرْبِيّ، شَرِكَة، إِجَارَة، خُمُس).

مَوْضِعُ الرِّكَازِ:

أَوَّلاً: فِي دَارِ الإْسْلاَمِ:

16 - أ - أَنْ يَجِدَهُ فِي مَوَاتٍ أَوْ مَا لاَ يُعْلَمُ لَهُ مَالِكٌ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِي عَهْدٍ، كَالأَْبْنِيَةِ الْقَدِيمَةِ، وَالتُّلُولِ، وَجُدْرَانِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقُبُورِهِمْ، فَهَذَا فِيهِ الْخُمُسُ بِلاَ خِلاَفٍ سِوَى مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ.

وَعِبَارَةُ الْحَنَفِيَّةِ: فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ أَوْ عُشْرِيَّةٍ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لأِحَدٍ أَوْ لاَ، صَالِحَةٍ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لاَ. فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَفَاوِزُ وَأَرْضُ الْمَوَاتِ، فَإِنَّهَا إِذَا جُعِلَتْ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ كَانَتْ عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً .

وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَوْ وَجَدَهُ فِي هَذِهِ الأْرْضِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ، أَوْ قَرْيَةٍ خَرَابٍ فَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: «مَا كَانَ فِي طَرِيقٍ مَأْتِيٍّ أَوْ قَرْيَةٍ عَامِرَةٍ فَعَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ فَلَكَ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقٍ مَأْتِيٍّ وَلاَ فِي قَرْيَةٍ عَامِرَةٍ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ».

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَخْرُجُ خُمُسُ الرِّكَازِ وَالْبَاقِي لِوَاجِدِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ لاَ مَالِكَ لَهَا، كَمَوَاتِ أَرْضِ الإْسْلاَمِ، أَوْ فَيَافِي الْعَرَبِ الَّتِي لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً وَلاَ أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَأَمَّا لَوْ وُجِدَ الرِّكَازُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَيَكُونُ مَا فِيهِ لِمَالِكِ الأْرْضِ .

وَشَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَجِدَهُ فِي أَرْضٍ لَمْ تَبْلُغْهَا الدَّعْوَةُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا بَنَى كَافِرٌ بِنَاءً وَكَنَزَ فِيهِ كَنْزًا وَبَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَعَانَدَ فَلَمْ يُسْلِمْ ثُمَّ هَلَكَ وَبَادَ أَهْلُهُ فَوُجِدَ ذَلِكَ الْكَنْزُ كَانَ فَيْئًا لاَ رِكَازًا، لأِنَّ الرِّكَازَ إِنَّمَا هُوَ أَمْوَالُ الْجَاهِلِيَّةِ الْعَادِيَّةُ الَّذِينَ لاَ يُعْرَفُ هَلْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةٌ أَمْ لاَ؟ فَأَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُمْ فَمَا لَهُمْ فَيْءٌ، فَخُمُسُهُ لأِهْلِ الْخُمُسِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ

فَإِنْ وُجِدَ الرِّكَازُ فِي شَارِعٍ أَوْ طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ فَلُقَطَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِكَازٌ .

ب - أَنْ يَجِدَ الرِّكَازَ فِي مِلْكِهِ:

17 - الْمِلْكُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَحْيَاهُ أَوِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ.

1 - أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُ هُوَ الَّذِي أَحْيَاهُ، فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ رِكَازًا فَهُوَ لَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخَمِّسَهُ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الإْحْيَاءِ الإْرْثَ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ إِقْطَاعَ السُّلْطَانِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَعْنُونَ بِمَالِك الأْرْضِ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَلَكَهَا أَوَّلَ الْفَتْحِ، وَهُوَ مَنْ خَصَّهُ الإْمَامُ بِتَمْلِيكِ الأْرْضِ حِينَ فَتْحِ الْبَلَدِ.

2 - أَنْ يَجِدَ الرِّكَازَ فِي مِلْكِهِ الْمُنْتَقِلِ إِلَيْهِ:

18 - إِذَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ عَنْ طَرِيقِ الإْرْثِ وَوَجَدَ فِيهِ رِكَازًا فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ.

أَمَّا لَوِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَوَجَدَ فِيهِ رِكَازًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَنْ يَكُونُ لَهُ الرِّكَازُ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ) إِلَى أَنَّهُ لِلْمَالِكِ الأْوَّلِ أَوْ لِوَارِثِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا؛ لأِنَّهُ كَانَتْ يَدُهُ عَلَى الدَّارِ فَكَانَتْ عَلَى مَا فِيهَا.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْبَحْرِ: إِنَّ الْكَنْزَ مُودَعٌ فِي الأْرْضِ فَلَمَّا مَلَكَهَا الأْوَّلُ مَلَكَ مَا فِيهَا، وَلاَ يَخْرُجُ مَا فِيهَا عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعِهَا كَالسَّمَكَةِ فِي جَوْفِهَا دُرَّةٌ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعْرَفِ الْمَالِكُ الأْوَّلُ وَلاَ وَرَثَتُهُ فَيُوضَعُ الرِّكَازُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الأْوْجَهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ.

قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَهُوَ الظَّاهِرُ بَلِ الْمُتَعَيِّنُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لُقَطَةٌ. وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ - وَأَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الرِّكَازَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْخُمُسِ لِلْمَالِكِ الأْخِيرِ، لأِنَّهُ مَالُ كَافِرٍ مَظْهُورٌ عَلَيْهِ فِي الإْسْلاَمِ، فَكَانَ لِمَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ كَالْغَنَائِمِ؛ وَلأِنَّ الرِّكَازَ لاَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الأْرْضِ لأِنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِالظُّهُورِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ.

وَقَدْ صَحَّحَ فِي الْمُغْنِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ، ثُمَّ قَالَ: لأِنَّ الرِّكَازَ لاَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الدَّارِ لأِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مُودَعٌ فِيهَا، فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمُبَاحَاتِ مِنَ الْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ وَالصَّيْدِ يَجِدُهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَيَأْخُذُهُ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْبَاقِي لِلْوَاجِدِ كَمَا فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ فَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ لِمُورِثِهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْهُ الْبَاقُونَ، فَحُكْمُ مَنْ أَنْكَرَ فِي نَصِيبِهِ حُكْمُ الْمَالِكِ الَّذِي لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، وَحُكْمُ الْمُعْتَرِفِينَ حُكْمُ الْمَالِكِ الْمُعْتَرِفِ .

ج - أَنْ يَجِدَ الرِّكَازَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ:

19 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الرِّكَازَ الْمَوْجُودَ فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ يَكُونُ لِصَاحِبِ الدَّارِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لِوَاجِدِهِ.

وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ أَنَّهُ لِوَاجِدِهِ. لأِنَّهُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَحْفِرَ لَهُ فِي دَارِهِ فَأَصَابَ فِي الدَّارِ كَنْزًا: فَهُوَ لِلأْجِيرِ. نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ، قَالَ الْقَاضِي: هُوَ الصَّحِيحُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّكَازَ لِوَاجِدِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْكَنْزَ لاَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الدَّارِ، فَيَكُونُ لِمَنْ وَجَدَهُ، لَكِنْ إِنِ ادَّعَاهُ الْمَالِكُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَهُوَ لِوَاجِدِهِ .

ثَانِيًا: أَنْ يُوجَدُ الرِّكَازُ فِي دَارِ الصُّلْحِ:

20 - صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ دَفِينَ الْمُصَالَحِينَ لَهُمْ وَلَوْ كَانَ الدَّافِنُ غَيْرَهُمْ، فَمَا وُجِدَ مِنَ الرِّكَازِ مَدْفُونًا فِي أَرْضِ الصُّلْحِ، سَوَاءٌ كَانُوا هُمُ الَّذِينَ دَفَنُوهُ أَوْ دَفَنَهُ غَيْرُهُمْ فَهُوَ لِلَّذِينَ صَالَحُوا عَلَى تِلْكَ الأْرْضِ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لاَ يُخَمَّسُ، فَإِنْ وَجَدَهُ أَحَدُ الْمُصَالَحِينَ فِي دَارِهِ فَهُوَ لَهُ بِمُفْرَدِهِ سَوَاءٌ وَجَدَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الرِّكَازَ الْمَوْجُودَ فِي مَوَاتِ دَارِ أَهْلِ الْعَهْدِ يَمْلِكُهُ وَاجِدُهُ كَمَوَاتِ دَارِ الإْسْلاَمِ .

ثَالِثًا: أَنْ يُوجَدَ الرِّكَازُ فِي دَارِ الْحَرْبِ:

21 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الرِّكَازِ الْمَوْجُودِ فِي دَارِ الْحَرْبِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الرِّكَازَ الْمَوْجُودَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِ مُسْتَأْمَنٍ فَالْكُلُّ لِلْوَاجِدِ وَإِلاَّ وَجَبَ رَدُّهُ لِلْمَالِكِ، وَأَمَّا الْمَوْجُودُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَصْلاً فَالْكُلُّ لِلْوَاجِدِ بِلاَ فَرْقٍ بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَغَيْرِهِ؛ لأِنَّ مَا فِي صَحْرَائِهِمْ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ عَلَى الْخُصُوصِ فَلاَ يُعَدُّ غَدْرًا.

وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْرْضِ الْمَمْلُوكَةِ بَيْنَ أَنْ يُؤْخَذَ الرِّكَازُ بِقَهْرٍ وَقِتَالٍ فَهُوَ غَنِيمَةٌ، كَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ وَنُقُودِهِمْ مِنْ بُيُوتِهِمْ فَيَكُونُ خُمُسُهُ لأِهْلِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِوَاجِدِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُؤْخَذَ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلاَ قَهْرٍ فَهُوَ فَيْءٌ وَمُسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الْفَيْءِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَذُبُّوا عَنْهُ فَهُوَ كَمَوَاتِ دَارِ الإْسْلاَمِ - بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ - وَهُوَ رِكَازٌ.

وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ أَمَانٍ. أَمَّا إِذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْكَنْزِ لاَ بِقِتَالٍ وَلاَ بِغَيْرِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَهُوَ لِوَاجِدِهِ، حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتِ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَوَاتِ بَيْنَ مَا يُذَبُّ عَنْهُ وَبَيْنَ مَا لاَ يُذَبُّ عَنْهُ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ لِمَوْضِعِهِ مَالِكٌ مُحْتَرَمٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ .

مَصْرِفُ خُمُسِ الرِّكَازِ:

22 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ) إِلَى أَنَّ خُمُسَ الرِّكَازِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْغَنِيمَةِ وَلَيْسَ زَكَاةً.

وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّهُ حَلاَلٌ لِلأْغْنِيَاءِ وَلاَ يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ، وَهُوَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ يَخْتَصُّ بِالأْصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الْفَيْءِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ أَصَحُّ مِمَّا سَيَأْتِي وَأَقْيَسُ عَلَى مَذْهَبِهِ، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ أَلْفَ دِينَارٍ مَدْفُونَةً خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَتَى بِهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَخَذَ مِنْهَا الْخُمُسَ مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَدَفَعَ إِلَى الرَّجُلِ بَقِيَّتَهَا، وَجَعَلَ عُمَرُ يَقْسِمُ الْمِائَتَيْنِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَى أَنْ أَفْضَلَ مِنْهَا فَضْلَةً، فَقَالَ: أَيْنَ صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: خُذْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ فَهِيَ لَكَ.

وَلَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ زَكَاةً لَخَصَّ بِهِ أَهْلَهَا وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى وَاجِدِهِ؛ وَلأِنَّهُ مَالٌ مَخْمُوسٌ زَالَتْ عَنْهُ يَدُ الْكَافِرِ، أَشْبَهَ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ صَرْفُ خُمُسِ الرِّكَازِ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ .

وَلِتَفْصِيلِ تَوْزِيعِ الْخُمُسِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (خَمَس، غَنِيمَة، فَيْء).

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والثلاثون ، الصفحة / 150

مِلْكِيَّةُ الْكَنْزِ:

تَنَاوَلَ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ مِلْكِيَّةِ الْكَنْزِ مِنْ حَيْثُ طَبِيعَةُ مِلْكِيَّةِ الْخُمُسِ وَسَبَبُ مِلْكِيَّةِ الأْرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ الْبَاقِيَةِ وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ مِلْكِيَّةِ الأْرْضِ وَمِلْكِيَّةِ الْكُنُوزِ الَّتِي تُوجَدُ فِيهَا.

أ - مِلْكِيَّةُ الْخُمُسِ:

10 - يُمَيِّزُ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْحُقُوقِ:

أَوَّلُهُمَا: الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِذِمَّةِ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ، كَدَيْنِ الْقَرْضِ فِي ذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ، وَالثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَالأْجْرَةِ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ مِثْلِهِ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ، وَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ.

الثَّانِي: الْحُقُوقُ الْقَائِمَةُ بِنَفْسِهَا الْمُتَعَلِّقَةُ بِالأْشْيَاءِ ذَاتِهَا لاَ فِي ذِمَّةِ أَحَدٍ، وَهِيَ الَّتِي عَرَّفَهَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّهَا حُقُوقٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا لاَ تَجِبُ فِي ذِمَّةِ أَحَدٍ كَخُمُسِ الْغَنَائِمِ وَالْمَعَادِنِ، فَالْخُمُسُ فِيهِمَا مَفْرُوضٌ عَلَى عَيْنِ الْغَنَائِمِ وَالْمَعَادِنِ قَبْلَ الاِسْتِيلاَءِ أَوِ الْكَشْفِ، دُونَ نَظَرٍ إِلَى شَخْصِ الْغَانِمِ أَوِ الْوَاجِدِ لِلْمَعْدِنِ .

وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْوَاجِدِ مِنْهُمْ، وَالأْرْبَعَةُ الأْخْمَاسُ لِلْوَاجِدِ إِذَا لَمْ تَبْلُغْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنْ بَلَغَتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الأْخْذُ مِنَ الْخُمُسِ.

قَالَ السَّرَخْسِيُّ: مَنْ أَصَابَ كَنْزًا أَوْ مَعْدِنًا وَسِعَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمُسِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِذَا أَطْلَعَ الإْمَامَ عَلَى ذَلِكَ أَمْضَى لَهُ مَا صَنَعَ، لأِنَّ الْخُمُسَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَقَدْ أَوْصَلَهُ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ .

وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: يَجُوزُ دَفْعُ الْخُمُسِ إِلَى الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ بِخِلاَفِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ، وَيَجُوزُ لِلْوَاجِدِ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِهِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَلاَ تُغْنِيهِ الأْرْبَعَةُ الأْخْمَاسُ الْبَاقِيَةُ بِأَنْ كَانَتْ تَقِلُّ عَنِ الْمِائَتَيْنِ، أَمَّا إِذَا بَلَغَتِ الأْخْمَاسُ الأْرْبَعَةُ الْمِائَتَيْنِ فَلَيْسَ لِلْوَاجِدِ الأْخْذُ مِنَ الْخُمُسِ لِغِنَاهُ، وَلاَ يُقَالُ يَنْبَغِي أَلاَّ يَجِبَ الْخُمُسُ مَعَ الْفَقْرِ كَاللُّقَطَةِ، لأِنَّ ا نَقُولُ إِنَّ النَّصَّ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُهُ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: خُمُسُ الرِّكَازِ مَصْرِفُهُ لَيْسَ كَمَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ كَخُمُسِ الْغَنَائِمِ يَحِلُّ لِلأْغْنِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَيَجِبُ الْخُمُسُ فِي الرِّكَازِ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِدُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَدِينًا، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى كَبِيرِ عَمَلٍ فِي تَخْلِيصِهِ وَإِخْرَاجِهِ مِنَ الأْرْضِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ رُبُعُ الْعُشْرِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بُلُوغُ النِّصَابِ وَلاَ غَيْرُهُ مِنْ شُرُوطِ الزَّكَاةِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، لأِنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمُسْتَفَادِ مِنَ الأْرْضِ، فَأَشْبَهَ الْوَاجِبَ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِدُ أَهْلاً لِلزَّكَاةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُصْرَفُ لأِهْلِ الْخُمُسِ، لأِنَّهُ مَالٌ جَاهِلِيٌّ حَصَلَ الظَّفْرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَافِ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ، فَكَانَ كَالْفَيْءِ، وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَالْكَافِرِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِنِيَّةٍ.

وَشَرْطُهُ النِّصَابُ - وَلَوْ بِالضَّمِّ - وَالنَّقْدِ أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْرُوبًا عَلَى الْمَذْهَبِ، لأِنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنَ الأْرْضِ فَاخْتَصَّ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَدْرًا وَنَوْعًا كَالْمَعْدِنِ.

وَالثَّانِي: لاَ يَشْتَرِطَانِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، وَلاَ يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ بِلاَ خِلاَفٍ .

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْخُمُسَ يَكُونُ مَصْرِفُهُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، وَيَجِبُ الْخُمُسُ عَلَى كُلِّ مَنْ وَجَدَهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ وَكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ وَعَاقِلٍ وَمَجْنُونٍ، إِلاَّ أَنَّ الْوَاجِدَ لَهُ إِذَا كَانَ عَبْدًا فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَهُوَ لَهُمَا وَيُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ زَكَاةٌ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَجْزَأَهُ لأِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَمَرَ صَاحِبَ الْكَنْزِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ.

وَإِذَا كَانَ الْخُمُسُ زَكَاةً فَلاَ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا .

ب - مِلْكِيَّةُ الأْخْمَاسِ الأْرْبَعَةِ :

11 - يَمْلِكُ وَاجِدُ الْكَنْزِ مَا يَبْقَى مِنْهُ بَعْدَ صَرْفِ الْخُمُسِ بِالشُّرُوطِ التَّالِيَةِ:

أَوَّلاً: أَنْ يَكُونَ الْوَاجِدُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، فَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا اشْتُرِطَ سَبْقُ إِذْنِ الإْمَامِ لَهُ بِالْعَمَلِ فِي التَّنْقِيبِ عَنِ الْكُنُوزِ، وَيَتَقَيَّدُ حَقُّهُ فِي الْكَنْزِ بِاتِّفَاقِهِ مَعَ الإْمَامِ ، وَقَدْ نَصَّ فُقَهَاءُ الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ عَلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ إِذَا عَمِلَ فِي الْمَفَاوِزِ بِإِذْنِ الإْمَامِ عَلَى شَرْطٍ فَلَهُ الْمَشْرُوطُ .

ثَانِيًا: أَنْ يَكُونَ الْكَنْزُ مِنْ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ وَلاَ ذِمِّيٍّ وَإِلاَّ أَخَذَ الْكَنْزُ حُكْمَ اللُّقَطَةِ.

ثَالِثًا: أَنْ يُوجَدَ الْكَنْزُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لأِحَدٍ كَالْجِبَالِ وَالْمَفَاوِزِ وَالطُّرُقِ الْمَهْجُورَةِ الَّتِي لاَ يَأْتِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَلاَ أَهْلُ الذِّمَّةِ .

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِدَ يَمْلِكُ الرِّكَازَ، لأِنَّهُ كَسْبٌ لَهُ فَيَمْلِكُهُ بِالاِكْتِسَابِ، وَإِذَا مَلَكَهُ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهِ وَهِيَ الْخُمُسُ لأِنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا .

ج - مِلْكِيَّةُ الْكَنْزِ الْمَوْجُودِ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ

12 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا وُجِدَ الْكَنْزُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ مَمْلُوكَةً لِمُعَيَّنٍ، وَالأْرَاضِي الْمَمْلُوكَةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ هِيَ الَّتِي آلَتْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِلاَ قِتَالٍ وَلاَ إِيجَافِ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ، وَكَذَا الَّتِي آلَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ لِمَوْتِ الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ وَارِثٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَرَاضِي مِصْرَ وَتَنْتَقِلُ مِلْكِيَّةُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الأْرَضِينَ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ وَتَصِيرُ أَمْلاَكَ دَوْلَةٍ، فَيَمْلِكُهَا جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ، وَاعْتَبَرَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَقْفًا، وَحُكْمُ مَا يُوجَدُ مِنْ كَنْزٍ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الأَْرَاضِيِ أَنْ يَذْهَبَ خُمُسُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ أَمَّا الْبَاقِي وَهُوَ الأْرْبَعَةُ الأْخْمَاسُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْوَاجِدِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَنَابِلَةِ، أَوْ إِلَى الْمُخْتَطِّ لَهُ الأْوَّلِ إِنْ عُرِفَ، وَإِلاَّ فَلِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ لِلْجَيْشِ وَوَرَثَتِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ حَسْبَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَفِي هَذَا يَذْكُرُ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ حُكْمَ مَا وُجِدَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ يَقُولُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْكُلَّ لِبَيْتِ الْمَالِ، أَمَّا الْخُمُسُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِوُجُودِ الْمَالِكِ - وَهُوَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ - فَيَأْخُذُهُ وَكِيلُهُمْ وَهُوَ السُّلْطَانُ .

وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي صَرْفِ الْبَاقِي بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ دَفْعِ نِسْبَةِ الزَّكَاةِ إِلَى مَالِكِ الأْرْضِ، وَيُفَسِّرُ الْخَرَشِيُّ هَذَا الأْصْلَ بِقَوْلِهِ: بَاقِي الرِّكَازِ سَوَاءٌ وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ أَوِ الزَّكَاةُ، وَهُوَ الأْرْبَعَةُ الأْخْمَاسُ فِي الأْوَّلِ وَالْبَاقِي بَعْدَ رُبُعِ الْعُشْرِ فِي الثَّانِي لِمَالِكِ الأْرْضِ، وَأَرَادَ بِالْمَالِكِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَلَوْ جَيْشًا، فَإِنَّ الأْرْضَ لاَ تُمَلَّكُ لِلْجَيْشِ، لأِنَّهَا بِمُجَرَّدِ الاِسْتِيلاَءِ 1تَصِيرُ وَقْفًا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَهُوَ مَالٌ جُهِلَتْ أَرْبَابُهُ، قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ نَافِعٍ: لِوَاجِدِهِ، وَحَكَى ابْنُ شَاسٍ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ كَاللُّقَطَةِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الأْرْبَعَةَ الأْخْمَاسَ تَذْهَبُ إِلَى مَالِكِ الأْرْضِ، سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ .

مِلْكِيَّةُ الْكُنُوزِ الإْسْلاَمِيَّةِ

13 - تَأْخُذُ هَذِهِ الْكُنُوزُ حُكْمَ اللُّقَطَةِ فِي الْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ، لأِنَّهَا مَالُ مُسْلِمٍ لاَ يُعْرَفُ عَلَى التَّعْيِينِ، مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الاِلْتِقَاطِ، وَالتَّعْرِيفُ وَمُدَّتُهُ وَالتَّمَلُّكُ وَالاِنْتِفَاعُ بِهَا، وَضَمَانُهَا بَعْدَ التَّصَدُّقِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. (ر: لُقَطَةٌ).

مَسَائِلُ فِقْهِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِالْكَنْزِ.

أ - حُكْمُ التَّنْقِيبِ عَنِ الْكُنُوزِ:

14 - بَحَثَ الْفُقَهَاءُ الْمُسْلِمُونَ حُكْمَ التَّنْقِيبِ عَنِ الْكُنُوزِ وَلَمْ يَرَوْا حُرْمَتَهُ فِيمَا نَصُّوا عَلَيْهِ، لإِيجَابِ الشَّرِيعَةِ الْخُمُسَ فِيمَا خَرَجَ مِنْهَا، مِمَّا يَدُلُّ بِوَجْهِ الاِقْتِضَاءِ عَلَى حِلِّ اسْتِخْرَاجِهِ وَجَوَازِ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَمَا رُوِيَ عَنْهُمْ مِنَ الْكَرَاهَةِ أَوِ الْحُرْمَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لِمَعْنًى آخَرَ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَدْ كَرِهَ الْحَفْرَ فِي الْقُبُورِ وَلَوْ كَانَتْ لِمَوْتَى الْجَاهِلِيَّةِ تَعْظِيمًا لِحُرْمَةِ الْمَوْتِ، فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ حَفْرَ قُبُورِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالطَّلَبَ فِيهَا وَلَسْتُ أَرَاهُ حَرَامًا، فَمَا نِيلَ فِيهَا مِنْ أَمْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَذَلِكَ - كَمَا جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيُّ - لإِخْلاَلِهِ بِالْمُرُوءَةِ، وَخَوْفِ مُصَادَفَةِ قَبْرِ صَالِحٍ مِنْ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ، وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ قَبْرِ الْجَاهِلِيِّ فِي كَرَاهَةِ الْحَفْرِ لأِجْلِ أَخْذِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَالِ قَبْرُ مَنْ لاَ يُعْرَفُ هَلْ هُوَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوِ الْكُفَّارِ، وَكَذَا قُبُورُ أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَيِ الْكُفَّارِ تَحْقِيقًا، وَأَمَّا نَبْشُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ فَحَرَامٌ، وَحُكْمُ مَا وُجِدَ فِيهَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ وَقَدْ خَالَفَ أَشْهَبُ فِي هَذَا، وَرَأَى جَوَازَ نَبْشِ قَبْرِ الْجَاهِلِيِّ وَأَخْذَ مَا فِيهِ مِنْ مَالٍ وَعَرَضٍ، وَفِيهِ الْخُمُسُ وَهُوَ مَذْهَبُ الأْحْنَافِ، فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِنَبْشِ قُبُورِ الْكُفَّارِ طَلَبًا لِلْمَالِ .

وَلاَ يُشْتَرَطُ إِذْنُ الإْمَامِ فِي التَّنْقِيبِ عَنِ الْكُنُوزِ وَالْمَعَادِنِ لِيَأْخُذَ الْوَاجِدُ حَقَّهُ عِنْدَ الأْحْنَافِ، فَفِي السِّيَرِ: أَنَّهُ إِنْ أَصَابَ الذِّمِّيُّ أَوِ الْعَبْدُ أَوِ الْمُكَاتَبُ أَوِ الصَّبِيُّ أَوِ الْمَرْأَةُ مَعْدِنًا فِي دَارِ الإْسْلاَمِ أَوْ رِكَازًا خُمِّسَ مَا أَصَابَ، وَكَانَتِ الْبَقِيَّةُ لِمَنْ أَصَابَهُ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْنِ الإْمَامِ ، لأِنَّ هَؤُلاَءِ يَثْبُتُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ حَقٌّ وَإِنْ أَصَابُوهَا بِغَيْرِ إِذْنِ الإْمَامِ ، فَإِنَّهُمْ لَوْ غَزَوْا مَعَ عَسْكَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ إِذْنِ الإْمَامِ رَضَخَ لَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَكَذَلِكَ ثَبَتَ لَهُمْ حَقٌّ فِيمَا أَصَابُوا فِي دَارِ الإْسْلاَمِ .

وَلَوْ أَذِنَ الإْمَامُ لأِحَدٍ فِي اسْتِخْرَاجِ الْمَعَادِنِ أَوِ الْكُنُوزِ عَلَى شَرْطٍ لَزِمَ هَذَا الشَّرْطُ، فَكُلُّ شَيْءٍ قَدَّرَهُ الإْمَامُ صَارَ كَالَّذِي ظَهَرَ تَقْدِيرُهُ بِالشَّرِيعَةِ فِيمَا لاَ يُصَادِمُ نَصًّا وَلاَ أَصْلاً مِنَ الأْصُولِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلِذَا لاَ يَجُوزُ لِلإْمَامِ الاِتِّفَاقُ عَلَى إِسْقَاطِ شَيْءٍ مِنَ الْخُمُسِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ لِحَظِّ الْفُقَرَاءِ، فَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتِبًا أَوِ امْرَأَةً أَذِنَ لَهُ الإْمَامُ فِي طَلَبِ الْكُنُوزِ وَالْمَعَادِنِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ لاَ خُمُسَ فِيهِ فَأَصَابَ مَالاً كَثِيرًا مِنَ الْمَعَادِنِ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلإْمَامِ أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ لَهُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، لأِنَّ مَا يُصَابُ مِنَ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ هُوَ غَنِيمَةٌ، وَالْخُمُسُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ فِي الْغَنِيمَةِ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَهُ مُحْتَاجًا عَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ لاَ يَصِيرُ غَنِيًّا بِالأْرْبَعَةِ الأْخْمَاسِ فَرَأَى الإْمَامُ أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ الْخُمُسَ لَهُ جَازَ، لأِنَّ الْخُمُسَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ، هَذَا الَّذِي أَصَابَهُ فَقِيرٌ، فَقَدْ صَرَفَ الْحَقَّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ فَيَجُوزُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي أَصَابَ الرِّكَازَ: إِنْ وَجَدْتَهَا فِي أَرْضٍ خَرِبَةٍ فَالْخُمُسُ لَنَا وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَكَ، ثُمَّ قَالَ: وَسَنُتِمُّهَا لَكَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لأِنَّهُ رَآهُ أَهْلاً لِلصَّدَقَةِ وَلَوِ اشْتَرَطَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْخُمُسِ لَمْ يَجُزْ هَذَا الشَّرْطُ، فَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الإْمَامَ إِذَا أَذِنَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فِي طَلَبِ الْكُنُوزِ وَالْمَعَادِنِ عَلَى أَنَّ لَهُ النِّصْفَ وَلِلْمُسْلِمِينَ النِّصْفَ فَأَصَابَ كَنْزًا أَوْ أَمْوَالاً مِنَ الْمَعَادِنِ، فَإِنَّ الإْمَامَ يَأْخُذُ مِنْهُ الْخُمُسَ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِمَنْ أَصَابَهُ وَهَذَا لأِنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالإْصَابَةِ لاَ بِالشَّرْطِ، وَلِذَا لاَ يُعْتَبَرُ الشَّرْطُ.

احْتِفَارُ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ لِلْكُنُوزِ:

15 - الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي إِيجَابِ الْخُمُسِ وَفِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ إِذْنِ الإْمَامِ لاِسْتِحْقَاقِ الْمِلْكِ.

يَقُولُ الشَّيْبَانِيُّ: وَمَا أَصَابَ الذِّمِّيُّ مِنْ رِكَازٍ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ أَوْ مَعْدِنٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ زِئْبَقٍ فَهُوَ وَالْمُسْلِمُ فِيهِ سَوَاءٌ، يُخَمَّسُ مَا أَصَابَ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الإْمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِ الإْمَامِ ، لأِنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُنَا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ

أَمَّا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فَقَالَ الشَّيْبَانِيُّ: إِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الإْسْلاَمِ بِأَمَانٍ فَأَصَابَ رِكَازًا أَوْ مَعْدِنًا، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا أَوْ حَدِيدًا فَإِنَّ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ يَأْخُذُهُ مِنْهُ كُلَّهُ، وَلاَ يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ، لأِنَّ هَذَا غَنِيمَةٌ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَوْجَفُوا عَلَيْهَا الْخَيْلَ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَصَابَ يُخَمَّسُ وَالْبَاقِي لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً لَكَانَ لاَ خُمُسَ فِيهِ، وَالْحَرْبِيُّ لاَ حَقَّ لَهُ فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ اسْتَأْذَنَ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ فِي طَلَبِ ذَلِكَ وَالْعَمَلِ فِيهِ حَتَّى يَسْتَخْرِجَهُ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَعَمِلَ فَأَصَابَ شَيْئًا خُمِّسَ مَا أَصَابَ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ، لأِنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ لَوْ قَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ بِإِذْنِ الإْمَامِ صَارَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ نَصِيبٌ، حَتَّى أَنَّهُ يُرْضَخُ لَهُ كَمَا يُرْضَخُ لِلذِّمِّيِّ .

وَقَالَ: لَوْ أَنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ اسْتَأْذَنَ الإْمَامَ فِي طَلَبِ الْكُنُوزِ وَالْمَعَادِنِ، فَأَذِنَ لَهُ الإْمَامُ عَلَى أَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِمَّا يُصِيبُ النِّصْفَ وَلَهُ النِّصْفُ، فَعَمِلَ عَلَى هَذَا فَأَصَابَ رِكَازًا مَعْدِنًا فَإِنَّ الإْمَامَ يَأْخُذُ نِصْفَ مَا أَصَابَ وَالْحَرْبِيُّ نِصْفَهُ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الرِّكَازِ الَّذِي أَصَابَهُ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ مَا اسْتَحَقَّهُ بِشَرْطِ إِذْنِ الإْمَامِ ، فَإِنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ بَعْدَ إِذْنِ الإْمَامِ أُخِذَ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ بِالشَّرْطِ. وَالإْمَامُ شَرَطَ لَهُ النِّصْفَ فَلاَ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ.

ثُمَّ الإْمَامُ يَأْخُذُ خُمُسَ مَا أَصَابَ الْحَرْبِيُّ مِنَ النِّصْفِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنَ الْحَرْبِيِّ فَيَجْعَلُهُ لِلْفُقَرَاءِ، وَيَجْعَلُ النِّصْفَ لِلْمُقَاتِلَةِ، وَذَلِكَ لأِنَّ إِذْنَ الإْمَامِ يُصَيِّرُ مَا أَصَابَهُ الْحَرْبِيُّ غَنِيمَةً يَجِبُ فِيهَا الْخُمُسُ .

ب - الاِسْتِئْجَارُ عَلَى الْعَمَلِ فِي اسْتِخْرَاجِ الْكُنُوزِ:

16 - أَجَازَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الاِسْتِئْجَارَ عَلَى الْعَمَلِ فِي اسْتِخْرَاجِ الْكُنُوزِ شَرِيطَةَ اسْتِجْمَاعِ شُرُوطِ صِحَّةِ الإْجَارَةِ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الأْجْرَةُ مَعْلُومَةً وَأَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَضْبُوطًا بِزَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الضَّبْطُ، كَحَفْرِ كَذَا وَإِزَالَةِ جِدَارٍ أَوْ نَقْلِ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنَ التُّرَابِ، وَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الأْجْرَ وَيَذْهَبُ مَا يُخْرِجُ مِنَ الْكُنُوزِ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ، جَاءَ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ لِلْعَمَلِ فِي الْمَعْدِنِ فَالْمُصَابُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لأِنَّ هُمْ يَعْمَلُونَ لَهُ .

وَفِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُ أَيِ الْمَعْدِنِ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ يَأْخُذُهَا مِنَ الْعَامِلِ فِي نَظِيرِ أَخْذِهِ مَا يُخْرِجُهُ مِنَ الْمَعْدِنِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْعَمَلِ مَضْبُوطًا بِزَمَنٍ أَوْ عَمَلٍ خَاصٍّ كَحَفْرِ قَامَةٍ أَوْ قَامَتَيْنِ نَفْيًا لِلْجَهَالَةِ فِي الإْجَارَةِ، وَسُمِّيَ الْعِوَضُ الْمَدْفُوعُ أُجْرَةً لأِنَّهُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ ذَاتٍ، بَلْ فِي مُقَابَلَةِ إِسْقَاطِ الاِسْتِحْقَاقِ وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ لِرَبِّهِ وَالأْجْرَةُ يَدْفَعُهَا رَبُّهُ لِلْعَامِلِ فَيَجُوزُ وَلَوْ بِأُجْرَةِ نَقْدٍ. وَفِي جَوَازِ دَفْعِ الْمَعْدِنِ بِجُزْءٍ لِلْعَامِلِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ كَنِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ كَالْقِرَاضِ وَمَنْعِهِ... قَوْلاَنِ رُجِّحَ كُلٌّ مِنْهُمَا .

وَإِنَّمَا جَازَتِ الإْجَارَةُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْكُنُوزِ لِجَوَازِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ، يَقُولُ السَّرَخْسِيُّ: وَإِذَا تَقَبَّلَ الرَّجُلُ مِنَ السُّلْطَانِ مَعْدِنًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ فِيهِ أُجَرَاءَ، وَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ مَالاً قَالَ يُخَمَّسُ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلْمُتَقَبِّلِ، لأِنَّ عَمَلَ أُجَرَائِهِ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ، وَ لأِنَّ عَمَلَهُمْ صَارَ مُسَلَّمًا إِلَيْهِ حُكْمًا بِدَلِيلِ وُجُوبِ الأْجْرَةِ لَهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَمِلُوا فِيهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالأْرْبَعَةُ الأْخْمَاسُ لَهُمْ دُونَهُ، لأِنَّ هُمْ وَجَدُوا الْمَالَ، وَالأْرْبَعَةُ الأْخْمَاسُ لِلْوَاجِدِ، وَالتَّقَبُّلُ مِنَ السُّلْطَانِ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، لأِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَا هُوَ عَيْنٌ، وَالتَّقَبُّلُ فِي مِثْلِهِ لاَ يَصِحُّ، كَمَنْ تَقَبَّلَ أَجَمَةً فَاصْطَادَ فِيهَا السَّمَكَ غَيْرُهُ كَانَ لِلَّذِي اصْطَادَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَقَبَّلَ بَعْضَ الْمَقَانِصِ مِنَ السُّلْطَانِ فَاصْطَادَ فِيهَا غَيْرُهُ كَانَ الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَلاَ يَصِحُّ ذَلِكَ التَّقَبُّلُ مِنْهُ، فَهَذَا مِثْلُهُ .

وَمَعْنَى التَّقَبُّلِ الاِلْتِزَامُ بِالْعَمَلِ بِعَقْدٍ
(ر: تَقَبُّلٌ ف 1).

لَكِنْ لَوْ فَسَدَتِ الإْجَارَةُ فَالْقِيَاسُ أَلاَّ تَجِبَ الأْجْرَةُ لِلأْجِيرِ وَأَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْكُنُوزِ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ عَابِدِينَ فِيمَا لَوْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى تَعْيِينِ الْعَمَلِ بِمَا لاَ يَضْبِطُهُ - كَأَنْ لاَ يَذْكُرَا وَقْتًا يُحَدِّدَانِهِ لِهَذَا الْعَمَلِ - أَنَّ الرِّكَازَ هُنَا لِلْعَامِلِ أَيْضًا، إِذَا لَمْ يُوَقِّتَا، لأِنَّهُ إِذَا فَسَدَ الاِسْتِئْجَارُ بَقِيَ مُجَرَّدُ التَّوْكِيلِ، وَالتَّوْكِيلُ فِي أَخْذِ الْمُبَاحِ لاَ يَصِحُّ بِخِلاَفِ مَا إِذَا حَصَّلَهُ أَحَدُهُمَا بِإِعَانَةِ الآْخَرِ، فَإِنَّ لِلْمُعِينِ أَجْرَ مِثْلِهِ، لأِنَّهُ عَمِلَ لَهُ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ .

ج - الاِشْتِرَاكُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْكُنُوزِ:

17 - انْقَسَمَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الاِشْتِرَاكِ فِي اسْتِخْرَاجِ الْكُنُوزِ إِلَى فَرِيقَيْنِ:

الأْوَّلُ: الْحُكْمُ بِفَسَادِ الشَّرِكَةِ فِي اسْتِخْرَاجِ الْكُنُوزِ وَرُجُوعِ مَا يَسْتَخْرِجُهُ كُلُّ شَرِيكٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ الْحَصْكَفِيُّ: لَوْ عَمِلَ رَجُلاَنِ فِي طَلَبِ الرِّكَازِ فَهُوَ لِلْوَاجِدِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِلآْخَرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إِذَا حَفَرَ أَحَدُهُمَا مَثَلاً، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَتَمَّ الْحَفْرَ وَاسْتَخْرَجَ الرِّكَازَ، أَمَّا لَوِ اشْتَرَكَا فِي طَلَبِ ذَلِكَ فَسَيُذْكَرُ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ فِي احْتِشَاشٍ وَاصْطِيَادٍ وَاسْتِقَاءٍ وَسَائِرِ مُبَاحَاتٍ كَاجْتِنَاءِ ثِمَارٍ مِنْ جِبَالٍ وَطَلَبِ مَعْدِنٍ مِنْ كَنْزٍ وَطَبْخِ آجُرٍّ مِنْ طِينٍ مُبَاحٍ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ، وَالتَّوْكِيلُ فِي أَخْذِ الْمُبَاحِ لاَ يَصِحُّ، وَمَا حَصَّلَهُ أَحَدُهُمَا فَلَهُ، وَمَا حَصَّلاَهُ مَعًا فَلَهُمَا نِصْفَيْنِ إِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَا لِكُلٍّ، وَمَا حَصَّلَهُ أَحَدُهُمَا بِإِعَانَةِ صَاحِبِهِ فَلَهُ، وَلِصَاحِبِهِ أَجْرُ مِثْلٍ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لاَ يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ ثَمَنِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَتْ شَرِكَةً فِي تَحْصِيلِ الْمَعَادِنِ الْخِلْقِيَّةِ أَوِ الْكُنُوزِ الْجَاهِلِيَّةِ فَاسِدَةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لأِنَّ هَذِهِ الأْمْوَالَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ فَلاَ تَقْبَلُ التَّوْكِيلَ فِي أَخْذِهَا، وَالشَّرِكَةُ إِنَّمَا تَقُومُ عَلَى مَعْنَى الْوَكَالَةِ، فَكُلٌّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلٌ عَنِ الآْخَرِ فِي التَّقَبُّلِ وَالْعَمَلِ حَتَّى يَشْتَرِكَا فِي الرِّبْحِ الْحَاصِلِ لَهُمَا، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الاِشْتِرَاكِ فِي التَّحْصِيلِ بِآلَةٍ يَسْتَخْدِمُهَا كُلٌّ مِنْهُمَا فِي عَمَلِهِ أَوْ بِآلاَتٍ مُشْتَرَكَةٍ .

الثَّانِي: جَوَازُ الاِشْتِرَاكِ فِي اسْتِخْرَاجِ الْمَعَادِنِ وَالْكُنُوزِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، خِلاَفًا لاِتِّجَاهِ الْحَنَفِيَّةِ، فَفِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ جَوَازُ الاِشْتِرَاكِ فِي الْحَفْرِ عَلَى الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ وَالآْبَارِ وَالْعُيُونِ وَكَذَا الْبُنْيَانُ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْمَوْضِعِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْفِرَ هَذَا فِي غَارٍ فِيهِ مَعْدِنٌ وَهَذَا فِي غَارٍ آخَرَ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ جَوَازَ الاِشْتِرَاكِ فِي الْمُبَاحِ كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَالثِّمَارِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْجِبَالِ وَالْمَعَادِنِ وَالتَّلَصُّصِ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَهَذَا جَائِزٌ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .

وَيَسْتَدِلُّ الْحَنَابِلَةُ لِمَذْهَبِهِمْ مِنَ الْمَنْقُولِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «اشْتَرَكْتُ أَنَا وَعَمَّارٌ وَسَعْدٌ يَوْمَ بَدْرٍ، فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ وَلَمْ أَجِئْ أَنَا وَعَمَّارٌ بِشَيْءٍ» قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَخْفَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وَقَدْ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ.

أَمَّا مِنَ الْمَعْقُولِ فَيَسْتَدِلُّونَ بِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ جِهَتَيِ الْمُضَارَبَةِ وَصِحَّةُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ كَالْمَالِ .

د - الاِخْتِصَاصُ وَالْمُزَاحَمَةُ:

18 - لاَ يَتَوَقَّفُ الْعَمَلُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْكُنُوزِ وَالْمَعَادِنِ عَلَى إِذْنِ الإْمَامِ إِلاَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ اشْتَرَطُوا إِذْنَ الإْمَامِ لِلْعَمَلِ فِي الْمَعَادِنِ مَنْعًا لِلْهَرْجِ وَالنِّزَاعِ بَيْنَ الْعَامَّةِ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْمَعَادِنَ قَدْ يَجِدُهَا شِرَارُ النَّاسِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ إِلَى الإْمَامِ لأََدَّى ذَلِكَ إِلَى الْفِتَنِ وَالْهَرْجِ

وَلاَ يَعْنِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ إِذْنِ الإْمَامِ فِي الْعَمَلِ فِي الْكُنُوزِ وَالْمَعَادِنِ إِثْبَاتَ حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ فِي مُزَاحَمَةِ الْعَامِلِ فِيهَا، فَلاَ تَجُوزُ مُزَاحَمَتُهُ فِيمَا اخْتُصَّ بِهِ بِسِبْقِ يَدِهِ عَلَيْهِ، جَاءَ فِي الأْصْلِ لِلشَّيْبَانِيِّ فِيمَا لَوْ كَانَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ فِي الْمَكَانِ يَوْمًا فَيَجِئُ آخَرُ مِنَ الْغَدِ فَيَعْمَلُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَيُصِيبُ مِنْهُ الْمَالَ مُعْتَبِرًا أَحَقِّيَّتَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: يُخَمَّسُ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ الْخُمُسِ فَهُوَ لِلَّذِي عَمِلَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَخِيرًا إِذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُسْتَخْرِجَ الأْوَّلَ تَرَكَ مَكَانَ الْحَفْرِ فِي الْفَتْرَةِ الَّتِي عَمِلَ فِيهَا الآْخَرُ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْقَطِعْ عَنِ الْعَمَلِ فِيهِ فَإِنَّهُ لاَ حَقَّ لأِحَدٍ فِي مُزَاحَمَتِهِ، لِسَبْقِ اخْتِصَاصِهِ بِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَمَلِ فِي مَكَانٍ لِلْبَحْثِ عَمَّا فِيهِ مِنْ كُنُوزٍ أَوْ مَعَادِنَ لاَ يُوجِبُ مِلْكَ مَا يُوجَدُ فِيهِ، إِذِ الْوَاقِعُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ لَمْ يَعُدْ مَالِكًا، طِبْقًا لِمَا حَرَّرَهُ الْقَرَافِيُّ .

إِقْطَاعُ الْمَعَادِنِ:

19 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِقْطَاعِ الْمَعَادِنِ وَهِيَ الْبِقَاعُ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى جَوَاهِرَ الأْرْضِ، بَعْدَ أَنْ قَسَّمُوهَا إِلَى مَعَادِنَ ظَاهِرَةٍ وَمَعَادِنَ بَاطِنَةٍ، فَأَجَازَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي: (إِقْطَاعٌ ف 17، 18 وَمَعْدِنٌ).

أَثَرُ النَّفَقَةِ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ:

20 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ طِبْقًا لِمَا ذَكَرَهُ الدُّسُوقِيُّ أَنَّ الرِّكَازَ فِيهِ الْخُمُسُ إِلاَّ فِي حَالَتَيْنِ وَهُمَا: إِذَا مَا تَوَقَّفَ إِخْرَاجُهُ مِنَ الأْرْضِ عَلَى كَبِيرِ نَفَقَةٍ، أَوْ عَمَلٍ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَالْوَاجِبُ إِخْرَاجُ رُبُعِ الْعُشْرِ، وَيُخَالِفُ ابْنُ يُونُسَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ وَيُوجِبُ الْخُمُسَ فِي الرِّكَازِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ افْتَقَرَ إِخْرَاجُهُ مِنَ الأْرْضِ إِلَى كَبِيرِ نَفَقَةٍ وَإِلَى كَبِيرِ جُهْدٍ وَعَمَلٍ أَمْ لَمْ يَفْتَقِرْ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْوَاجِبُ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، وَلاَ اعْتِبَارَ بِالنَّفَقَةِ أَوِ الْعَمَلِ فِي الْحُصُولِ عَلَيْهِ حَيْثُ إِنَّهُ لاَ نَفَقَةَ لِتَحْصِيلِهِ غَالِبًا، لأِنَّهُ يَصِلُ إِلَى الْوَاجِدِ مِنْ غَيْرِ نَفَقَةٍ وَلاَ تَعَبٍ، أَوْ بِقَلِيلٍ مِنْ ذَلِكَ خِلاَفًا لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمُسْتَخْرَجَيْنِ مِنَ الْمَعْدِنِ فَاعْتُبِرَتِ النَّفَقَةُ وَالْعَمَلُ فِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِمَا، لأِنَّ الْوَاجِبَ يَزْدَادُ بِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَتِهَا كَالْمُعَشَّرَاتِ .

نَوْعُ وُجُوبِ الْخُمُسِ:

21 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَكْيِيفِ الْخُمُسِ الَّذِي يَجِبُ فِي الْكَنْزِ، هَلْ هُوَ كَالزَّكَاةِ أَوْ كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْغَنِيمَةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الزَّكَاةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي (رِكَازٌ ف 10 - 15).

شُرُوطُ وُجُوبِ الْخُمُسِ:

أ - التَّمَوُّلُ وَالتَّقَوُّمُ:

22 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى اشْتِرَاطِ تَمَوُّلِ الْخَارِجِ مِنَ الأْرْضِ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهِ، أَمَّا مَا لاَ يَتَمَوَّلُهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ وَلاَ يَبْذُلُونَ الأْثْمَانَ لِلْحُصُولِ عَلَيْهِ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْخَارِجِ مِنَ الأْثْمَانِ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهِ أَوْ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقَابِلُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْكَنْزِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ كَوْنُهُ مِنَ الأْثْمَانِ بَلْ قَالُوا: إِنَّ الْخُمُسَ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ عَيْنًا كَانَ أَوْ عَرَضًا كَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَجَوْهَرٍ وَرُخَامٍ وَصُخُورٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الْخَارِجِ مِنَ الأْرْضِ أَنْ يَكُونَ نَقْدًا أَيْ ذَهَبًا وَفِضَّةً، سَوَاءٌ أَكَانَا مَضْرُوبَيْنِ أَمْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ كَالسَّبَائِكِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأِنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنَ الأْرْضِ، فَاخْتَصَّ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَدْرًا وَنَوْعًا كَالْمَعْدِنِ .

ب - سَبْقُ الْيَدِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى مِلْكِ الْكَنْزِ:

23 - يُشْتَرَطُ لاِعْتِبَارِ الْمَالِ الْمَدْفُونِ فِي بَاطِنِ الأْرْضِ مِنَ الْكُنُوزِ الَّتِي يَجِبُ تَخْمِيسُهَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لأِهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِنْ ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ وَصِنَاعَتِهِمْ، بَلْ أَنْ يَكُونَ مِنْ دَفْنِهِمْ، لِيُعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ فِي مِلْكِهِمْ .

ج - اسْتِخْرَاجُ الْكَنْزِ مِنْ دَارِ الإْسْلاَمِ لاَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ:

24 - أَوْجَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ اسْتِخْرَاجَ الْكَنْزِ مِنْ دَارِ الإْسْلاَمِ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهِ، فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ لاَ يُخَمَّسُ رِكَازٌ مَعْدِنًا كَانَ أَوْ كَنْزًا وُجِدَ فِي صَحْرَاءِ دَارِ الْحَرْبِ، بَلْ كُلُّهُ لِلْوَاجِدِ، وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا، لأِنَّهُ كَالْمُتَلَصِّصِ .

وَيُخَالِفُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي هَذَا، فَيُخَمَّسُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا يُوجَدُ مِنَ الْكُنُوزِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لأِحَدٍ كَمَوَاتِ أَرْضِ الإْسْلاَمِ وَأَرْضِ الْحَرْبِ، وَلِوَاجِدِهِ الْبَاقِي بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ أَنَّ الرِّكَازَ هُوَ الْمَوْجُودُ الْجَاهِلِيُّ فِي مَوَاتٍ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ بِدَارِ الإْسْلاَمِ أَمْ بِدَارِ الْحَرْبِ إِنْ كَانُوا يَذُبُّونَا عَنْهُ، وَسَوَاءٌ أَحْيَاهُ الْوَاجِدُ أَمْ أَقْطَعَهُ أَمْ لاَ .

د - الاِسْتِخْرَاجُ مِنَ الْبَرِّ لاَ مِنَ الْبَحْرِ:

25 - اشْتَرَطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَخْذَ الْكَنْزِ مِنَ الْبَرِّ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهِ عَلَى حِينِ لَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ هَذَا الشَّرْطَ، وَمَبْنَاهُ اخْتِلاَفُهُمْ فِي إِلْحَاقِ الْكُنُوزِ بِالْغَنِيمَةِ أَوْ بِالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَفِي تَحْقِيقِ الاِسْتِيلاَءِ عَلَى الْكُنُوزِ، وَهِيَ فِي الْبَحْرِ، عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يَرِدُ تَوْضِيحُهُ فِيمَا يَلِي:

يَحْكِي الْكَاسَانِيُّ اخْتِلاَفَ الْحَنَفِيَّةِ فِي حُكْمِ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا الْمُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالْعَنْبَرِ وَكُلِّ حِلْيَةٍ تُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ لِلْوَاجِدِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ الْخُمُسُ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ عَامِلَ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إِلَيْهِ فِي لُؤْلُؤَةٍ وُجِدَتْ، مَا فِيهَا؟ قَالَ: فِيهَا الْخُمُسُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَيْضًا أَخَذَ الْخُمُسَ مِنَ الْعَنْبَرِ... وَ لأِنَّ الْمَعْنَى هُوَ كَوْنُ ذَلِكَ مَالاً مُنْتَزَعًا مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ بِالْقَهْرِ، إِذِ الدُّنْيَا كُلُّهَا بَرُّهَا وَبَحْرُهَا كَانَتْ تَحْتَ أَيْدِيهِمُ، انْتَزَعْنَاهَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ غَنِيمَةً فَيَجِبُ الْخُمُسُ كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ، وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعَنْبَرِ؟ فَقَالَ: هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ لاَ خُمُسَ فِيهِ، وَ لأِنَّ يَدَ الْكَفَرَةِ لَمْ تَثْبُتْ عَلَى بَاطِنِ الْبِحَارِ الَّتِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْعَنْبَرُ، فَلَمْ يَكُنِ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْهَا مَأْخُوذًا مِنْ أَيْدِي الْكَفَرَةِ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ، فَلاَ يَكُونُ غَنِيمَةً فَلاَ يَكُونُ فِيهِ الْخُمُسُ، وَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إِنِ اسْتَخْرَجَ مِنَ الْبَحْرِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَلاَ شَيْءَ فِيهِ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى لُؤْلُؤٍ وَعَنْبَرٍ وُجِدَ فِي خَزَائِنِ مُلُوكِ الْكَفَرَةِ، فَكَانَ مَالاً مَغْنُومًا فَأَوْجَبَ فِيهِ الْخُمُسَ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ، فَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَنْزَ يُخَمَّسُ كَيْفَ كَانَ. سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الأْرْضِ أَوْ لاَ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَالاً مُتَقَوِّمًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ جَمِيعُ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنْ حِلْيَةٍ وَلَوْ ذَهَبًا كَانَ كَنْزًا فِي قَعْرِ الْبَحْرِ. أَيْ وَلَوْ كَانَ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ ذَهَبًا مَكْنُوزًا بِصُنْعِ الْعِبَادِ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ، فَإِنَّهُ لاَ خُمُسَ فِيهِ، وَكُلُّهُ لِلْوَاجِدِ. لأِنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْقَهْرُ، فَلَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً -. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ فِيمَا لَيْسَ عَلَيْهِ عَلاَمَةُ الإْسْلاَمِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنَ الْبَحْرِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَنَحْوِهِ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ، وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وعَطَاءٌ والثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ لأِنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مَعْدِنٍ فَأَشْبَهَ الْخَارِجَ مِنْ مَعْدِنِ الْبَرِّ وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ لأِنَّهُ لَمْ تَأْتِ فِيهِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَالأْصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ كَعَنْبَرٍ مِمَّا لَمْ يَسْبِقْ عَلَيْهِ مِلْكٌ لأِحَدٍ فَلِوَاجِدِهِ بِلاَ تَخْمِيسٍ، فَإِنْ تَقَدَّمَ مِلْكٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لِجَاهِلِيٍّ أَوْ شُكَّ فِيهِ فَرِكَازٌ، وَإِنْ كَانَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَلُقَطَةٌ .

هـ - النِّصَابُ:

26 - لاَ يَشْتَرِطُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ النِّصَابَ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الْكُنُوزِ فَكُلُّ مَا يُوجَدُ مِنْهُ، قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا مَحَلٌّ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهِ كَالْغَنِيمَةِ فِي ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقَابِلُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ مِنْ أَنَّ الْيَسِيرَ الَّذِي يَقِلُّ عَنِ النِّصَابِ لاَ يُخَمَّسُ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ اشْتِرَاطُ النِّصَابِ، وَلَوْ بِالضَّمِّ لأِنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنَ الأْرْضِ فَاخْتَصَّ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَدْرًا وَنَوْعًا كَالْمَعَادِنِ .

و - حَوَلاَنُ الْحَوْلِ:

27 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ حَوَلاَنُ الْحَوْلِ عَلَى الْخَارِجِ لِحُصُولِهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ فَلَمْ يُنَاسِبْهُ الْحَوْلُ لأِنَّ اشْتِرَاطَ الْحَوْلِ لِلنَّمَاءِ وَهَذَا كُلُّهُ نَمَاءٌ .

ز - إِسْلاَمُ الْوَاجِدِ:

28 - لاَ يَشْتَرِطُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِسْلاَمَ الْوَاجِدِ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ، فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ أَصَابَ الذِّمِّيُّ أَوِ الْمُسْلِمُ كَنْزًا خُمِّسَ مَا أَصَابَ وَكَانَتِ الْبَقِيَّةُ لِمَنْ أَصَابَهُ وَيَسْتَوِي - كَمَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ - أَنْ يَكُونَ الْوَاجِدُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا، لأِنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا الْمَالِ كَاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ، وَلِجَمِيعِ مَنْ سَمَّيْنَا حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ إِمَّا سَهْمًا وَإِمَّا رَضْخًا .

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُخَمَّسُ مَا يُصِيبُ الرَّجُلُ مِنْ كُنُوزٍ وَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى دِينِهِ وَفِي الإْنْصَافِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُخَمِّسَ كُلُّ أَحَدٍ وَجَدَ ذَلِكَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ أَنْ يُؤْخَذَ الرِّكَازُ كُلُّهُ مِنَ الذِّمِّيِّ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلاَ خُمُسَ عَلَيْهِ، وَالْمَذْهَبُ هُوَ الأْوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ .

وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ حُكْمَ الذِّمِّيِّ فِي الرِّكَازِ حُكْمُهُ فِي الْمَعْدِنِ. فَلاَ يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ، فَإِنْ وَجَدَهُ مَلَكَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ.

وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الرِّكَازِ كَوْنَ وَاجِدِهِ مُسْلِمًا لأِنَّ خُمُسَ الرِّكَازِ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ عِنْدَهُمْ، وَلَيْسَ غَيْرُ الْمُسْلِمِ كَالذِّمِّيِّ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ .

وَأَوْجَبَ الْخُرَاسَانِيُّونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الذِّمِّيِّ الْخُمُسَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَصْرِفَهُ مَصْرِفُ الْفَيْءِ، فَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ عَلَيْهِ .

ح - أَهْلِيَّةُ الْوَاجِدِ:

29 - يُقْصَدُ بِهَذِهِ الأْهْلِيَّةِ صَلاَحِيَةُ الْوَاجِدِ لِلاِسْتِحْقَاقِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَلِذَا يَجِبُ الْخُمُسُ عَلَى الْوَاجِدِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَهُ لِتَعَلُّقِ الْوَاجِبِ بِالْعَيْنِ، فَيَسْتَوِي عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِدُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمُسُ، وَالْبَاقِي يَكُونُ لِلْوَاجِدِ، سَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ أَوْ أَرْضِ الْخَرَاجِ، لأِنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا الْمَالِ كَاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ، وَلِجَمِيعِ مَنْ سَمَّيْنَا حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ إِمَّا سَهْمًا وَإِمَّا رَضْخًا فَإِنَّ الصَّبِيَّ وَالْعَبْدَ وَالذِّمِّيَّ وَالْمَرْأَةَ يُرْضَخُ لَهُمْ

وَيَسْتَدِلُّ الْجُمْهُورُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَلأِنَّهُ أَشْبَهُ بِالْغَنِيمَةِ فِي تَعَلُّقِ الْوَاجِبِ بِعَيْنِهَا، وَلأِنَّهُ اكْتِسَابُ مَالٍ فَكَانَ لِمُكْتَسِبِهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوِ امْرَأَةً .

مَوَانِعُ وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الْكَنْزِ

يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْخُمُسِ أَوْ بَعْضِهِ لِعِدَّةِ أَسْبَابٍ أَهَمُّهَا:

تَلَفُ الْكَنْزِ بَعْدَ خُرُوجِهِ تَلَفًا جُزْئِيًّا أَوْ كُلِّيًّا وَظُهُورُ مَالِكِهِ، وَاشْتِرَاطُ الإْمَامِ عَلَى الْوَاجِدِ الْعَمَلَ فِي احْتِفَارِ الْكُنُوزِ وَاسْتِخْرَاجِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَفِيمَا يَلِي تَوْضِيحُ هَذِهِ الْمَوَانِعِ بِوَجْهِ الإْجْمَالِ وَالإْيجَازِ:

أ - تَلَفُ الْكَنْزِ جُزْئِيًّا أَوْ كُلِّيًّا:

30 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الرِّكَازَ يَأْخُذُ مَأْخَذَ الزَّكَاةِ إِذَا احْتَاجَ لِكَبِيرِ نَفَقَةٍ أَوْ عَمَلٍ فِي تَخْلِيصِهِ فَإِذَا تَلِفَ بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ بَعْدَ إِمْكَانِ الأْدَاءِ لاَ تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ التَّلَفُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الأْدَاءِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا تَلِفَ الرِّكَازُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ إِخْرَاجِ الْوَاجِبِ فِيهِ، وَكَانَ التَّلَفُ بِدُونِ تَفْرِيطٍ فِي حِفْظِهِ، فَلاَ يَجِبُ الْخُمُسُ، قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ الْمُزَكَّى قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْمَالِكُ مِنْ إِخْرَاجِ زَكَاتِهِ .

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: زَكَاةٌ -).

ب - مَدْيُونِيَّةُ الْوَاجِدِ:

31 - لاَ يَمْنَعُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَاجِدِ وُجُوبَ الْخُمُسِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ لِلْوَاجِدِ أَنْ يَكْتُمَ الْخُمُسَ لِنَفْسِهِ وَلاَ يُخْرِجَهُ إِذَا كَانَ فَقِيرًا أَوْ مَدِينًا مُحْتَاجًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَأَوَّلُ أَنَّ لَهُ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَنَصِيبًا فِي الْفَيْءِ فَأَجَازُوا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْخُمُسَ لِنَفْسِهِ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ، لاَ أَنَّهُمْ أَسَقَطُوا الْخُمُسَ عَنِ الْمَعَادِنِ .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَأَظْهَرُ الأْقْوَالِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الدَّيْنَ لاَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، وَالْمَرْجُوحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْوَاجِبَ فِي الْمَالِ الْبَاطِنِ وَهُوَ النَّقْدُ، وَالرِّكَازُ وَالْعَرَضُ، وَلاَ يَمْنَعُ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ الْمَاشِيَةُ وَالزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَالْمَعْدِنُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَ يَنْمُو بِنَفْسِهِ، وَالْبَاطِنَ إِنَّمَا يَنْمُو بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْوِجُ إِلَى صَرْفِهِ فِي قَضَائِهِ وَمَحَلُّ الْخِلاَفِ كَمَا جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الْجَمَلِ أَلاَّ يَزِيدَ الْمَالُ عَلَى الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ النِّصَابِ، فَإِنْ زَادَ بِمَا يَبْلُغُ النِّصَابَ زَكَّى الزَّائِدَ، وَأَلاَّ يَكُونَ لَهُ مَا يُؤَدِّي دَيْنَهُ مِنْهُ غَيْرُ الْمَالِ الْمُزَكَّى، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْنَعْ قَطْعًا عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: الدَّيْنُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الأْمْوَالِ الْبَاطِنَةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ الأْثْمَانُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَالأْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ رَبِيعَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ لاَ يَمْنَعُ، لأِنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ مَلَكَ نِصَابًا حَوْلاً فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ كَمَنْ لاَ دَيْنَ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ الْقَوْلِ بِمَنْعِ الدَّيْنِ زَكَاةَ مَا يُقَابِلُهُ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «لاَ صَدَقَةَ إِلاَّ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» .

أَمَّا الأْمْوَالُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ الْمَوَاشِي وَالْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: يَبْتَدِئُ بِالدَّيْنِ فَيَقْضِيهِ ثُمَّ يَنْظُرُ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ بَعْدَ إِخْرَاجِ النَّفَقَةِ فَيُزَكِّيهِ، وَلاَ يَكُونُ عَلَى أَحَدٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ، صَدَقَةٌ فِي إِبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ زَرْعٍ، وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالثَّوْرِيِّ واللَّيْثِ وَإِسْحَاقَ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لاَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ الأْوْزَاعِيِّ

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الدَّيْنُ الزَّكَاةَ فِي الأْمْوَالِ الظَّاهِرَةِ إِلاَّ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ فِيمَا اسْتَدَانَهُ لِلإْنْفَاقِ عَلَيْهَا خَاصَّةً، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ .

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: زَكَاةٌ ف 33 - 34).

ج - الشَّرْطُ وَالاِتِّفَاقُ مَعَ الإْمَامِ :

32 - إِذَا لَمْ يَأْذَنِ الإْمَامُ فِي الْعَمَلِ لاِسْتِخْرَاجِ الْكُنُوزِ إِلاَّ بِشُرُوطٍ خَاصَّةٍ كَأَنْ يَأْخُذَ الْوَاجِدُ أُجْرَةً مُعَيَّنَةً وَيَكُونُ الْخَارِجُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ يَصِحُّ وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لأِنَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى شُرُوطِهِمْ.

يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ. سَوَاءٌ كَانَ الْوَاجِدُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا... إِلاَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الإْمَامِ وَقَاطَعَهُ عَلَى شَيْءٍ فَلَهُ أَنْ يَفِيَ بِشَرْطِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» ،، وَلأِنَّهُ إِذَا قَاطَعَهُ عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ جَعَلَ الْمَشْرُوطَ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ فَيَسْتَحِقُّهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَيَذْكُرُ الْخَرَشِيُّ اعْتِبَارَ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الاِتِّفَاقِ (هِبَةً لِلثَّوَابِ) حَتَّى لاَ يُنَازَعَ فِي صِحَّةِ الإْجَارَةِ لِجَهَالَةِ الأْجْرَةِ أَوِ الْمَأْجُورِ عَلَيْهِ .

كَنْزُ الْمَالِ:

33 - اتَّجَهَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ مَفْهُومِ كَنْزِ الْمَالِ اتِّجَاهَاتٍ ثَلاَثَةً:

الاِتِّجَاهُ الأْوَّلُ: تَعْرِيفُ الْكَنْزِ بِأَنَّهُ هُوَ «مَا فَضَلَ عَنِ الْحَاجَةِ »، وَأَشْهَرُ مَنْ دَعَا إِلَى هَذَا الاِتِّجَاهِ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه.

قَالَ الرَّازِيُّ: الْمَالُ الْكَثِيرُ إِذَا جُمِعَ فَهُوَ الْكَنْزُ الْمَذْمُومُ سَوَاءٌ أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ أَوْ لَمْ تُؤَدَّ لِعُمُومِ قوله تعالي : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) فَظَاهِرُ الآْيَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ جَمْعِ الْمَالِ، وَلِمَا رَوَى ثَوْبَانُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «تَبًّا لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَأَيُّ مَالٍ نَكْنِزُ؟ قَالَ: قَلْبًا شَاكِرًا وَلِسَانًا ذَاكِرًا وَزَوْجَةً صَالِحَةً» .

الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: تَعْرِيفُ الْكَنْزِ بِأَنَّهُ جَمْعُ الْمَالِ الَّذِي لاَ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ، أَمَّا مَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ تَحْتَ سَبْعِ أَرَضِينَ، وَكُلُّ مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ وَإِنْ كَانَ فَوْقَ الأْرْضِ .

وَهُوَ الْكَنْزُ الْمَذْمُومُ كَمَا قَالَ الأْكْثَرُونَ.

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالي : (وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

يُرِيدُ الَّذِينَ لاَ يُؤَدُّونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، وَبِعُمُومِ قوله تعالي : (لَهَا مَا كَسَبَتْ) فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا اكْتَسَبَهُ الإْنْسَانُ فَهُوَ حَقُّهُ وَبِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ» .

الاِتِّجَاهُ الثَّالِثُ: تَعْرِيفُ الْكَنْزِ لِلْمَالِ بِأَنَّهُ مَا لَمْ تُؤَدَّ مِنْهُ الْحُقُوقُ الْعَارِضَةُ كَفَكِّ الأْسِيرِ وَإِطْعَامِ الْجَائِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 149)
من وجد في أرض من الأراضي المباحة كالجبال والمفاوز كنزاً مدفوناً وعليه علامة أو نقش عملة الجاهلية فله أربعة أخماسه وخمسة للحكومة.
وإن كان عليه نقش من النقوش الإسلامية فهو لمالك الأرض التي وجد فيها إن ادعى ملكه وإلا فهو لقطة.