مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة : 193
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- الاستيلاء لا يكون إلا على شيء لا مالك له ، والشيء الذي لا مالك له يسمی سائبة ، ويكون المنقول سائبة :
إما لأنه لم يكن له مالك من قبل ، كالحيوانات المتوحشة الطليقة ، وكالسمك في البحر والطير في الهواء، وإما لأنه بعد أن كان مملوكاً أصبح سائبة ، كأن يتخلى مالك المنقول عنه بقصد النزول عن ملكيته ، وكأن تطلق الحيوانات المتوحشة بعد اعتقالها ، ويكون ذلك بنية التخلى عن ملكيتها ، وتظهر هذه النية إذا لم يتبعها المالك فوراً أو كف عن تتبعها فتعود سائية ، وكأن تفقد الحيوانات التي روضت واعتادت الرجوع إلى المكان المخصص لها هذه العادة فترجع سائية كما كانت .
فمن وضع يده على سائية منقول بنية تملكه ملكه، ووضع اليد هنا هو الحيازة بعنصريها المادي والمعنوي .
2 - أما الكنز ، وهو المنقول المدفون أو المخبوء في الأرض ، ولا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته ، فهو لواجده لأنه استولى عليه ، إذا كانت الأرض التي وجد فيها الكنز مباحة لا مالك لها إلا الدولة وتدفع الرسوم المقررة في اللوائح، أما إذا كانت الأرض مملوكة لأحد، فيكون الكنز لمالك الأرض أو لمالك رقبتها ، إذا كان قد تقرر عليها حق إنتفاع أو حكر أو قرار، فإن كانت العين موقوفاً ، فلا يكون الكنز وقفة على المستحقين لأنه لا يلحق بالأرض ، بل يكون ملكا خالصا للواقف ولورثته من بعده .
3 - وهناك لوائح تنظم حالات خاصة من المنقول السائبة ، كلوائح الصيد واللقطة والأشياء الأثرية وما إلى ذلك .
1 ـ لما كانت المادة السادسة من قانون الآثار رقم 14 لسنة 1912- المنطبق على واقعة الدعوى - تنص على أن " أرضى الحكومة المقررة ، أو التى سيتقرر أنها أثرية تعد جميعها من أملاك الحكومة العامة " وكان هذا النص - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - واضح الدلالة على أن الأرض لا تعتبر أثرية إلا إذا صدر بذلك قرار من مجلس الوزراء أو وزير الأشغال المكلف بتنفيذ هذا القانون، زمن ثم فلا تعد الأرض أثرية - غير ممكن اكتسابها بوضع اليد بمضى المدة بمجرد وصفها بأنها أثرية فى قوائم المساحة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واستمد من صدور قرار وزير الثقافة رقم 470 لسنة 1973 بإخراجها من عداد الأملاك العامة للدولة إلى الأملاك الخاصة ومن مجرد سبق وصف الأرض بأنها أثرية فى قوائم المساحة دليلا على أنها كانت أرضا أثرية من الأملاك العامة فلا يجوز تملكها بالتقادم دون أن يتحقق من صدور قرار من مجلس الوزراء أو الوزير المختص بإعتبارها من أراضى الآثار فإنه يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون .
( الطعن رقم 1566 لسنة 59 ق - جلسة 1993/09/21 - س 44 ع 2 ص 923 ق 287 )
2 ـ إن الآثار ليست جميعها عامة، بل إن منها ما أنشأه الأفراد أصلاً وانتقل بالتوارث إلى من خلفهم مما لا وجه معه لعدها من المنافع العامة. ومنها ما تملكوه بوضع اليد عليه بعد زوال تخصيصه للمنافع العامة مما يعتبر من الآثار غير المملوكة للحكومة التي تسري عليها أحكام القانون رقم 8 لسنة 1918 الخاص بحماية آثار العصر العربي .
( الطعن رقم 61 لسنة 9 ق - جلسة 1940/03/07 - س ع ع 3 ص 106 ق 38 )
3 ـ جرى قضاء محكمة النقض بأن الأراضى الداخلة فى زمان البلاد تخرج عن نطاق الأراضى غير المزروعة التى يجوز تملكها بالإستيلاء طبقا للمادة 57 من القانون المدنى الملغى والمادة 80 من القانون المدنى المختلط المقابلين للمادة 874 من التقنين القائم وبالتالى فلا يرد عليها التملك بالإستيلاء سواء كانت وسيلته هى الترخيص أو التعمير .
( الطعن رقم 342 لسنة 32 ق - جلسة 1967/01/26 - س 18 ع 1 ص 230 ق 36 )
تنص المادة 873 مدني على ما يأتي :
" الحق في صيد البحر والبر واللقطة والأشياء الأثرية تنظمه لوائح خاصة.
وتبقى الناحية المدنية ، فالطير في الهواء والسمك في الماء منقول لا مالك له منذ البداية ، فيجوز لمن يستولى عليه أن يتملكه بالاستيلاء، والاستيلاء هنا هو صيد الطير أو السمك ، فالصائد إذا صاد طيراً أو سمكاً وأصبح في قبضة يده ، فقد ملكه .
والأصل في صيد الطير أن حق الصيد في أرض يملكه صاحب هذه الأرض، فإذا كانت الأرض شائعة، كان لكل مالك في الشيوع حق الصيد فيها، أما النزول للغير عن حق الصيد فيقتضي رضاء جميع الملاك في الشيوع وإذا ترتب على الأرض حق انتفاع ، فالمنتفع هو الذي يكون له حق الصيد أما المستأجر للأرض فلا يكون له حق الصيد فيها، إلا بإتفاق خاص فإذا كان الصيد في طريق عام، فهو مباح للجميع، بشرط مراعاة القوانين واللوائح التي تنظم هذا الحق، ولا يجوز ترتيب حق إرتفاق بالصيد، فحق الإرتفاق لا يترتب لمصلحة شخص وإنما بترتب لمصلحة عقار ولكن يجوز إيجار حق الصيد، وتسري عليه أحكام عقد الإيجار ويكون إيجار حق الصيد تبعاً لإيجار الأرض أو مستقلاً عنها، وعلى ذلك يكون لمالك الأرض أن يؤجر حق الصيد فيها مستقلاً عن الأرض ذاتها، فيستبقى لنفسه الانتفاع بالأرض ويؤجر حق الصيد فيها لآخر، كما له أن يؤجر الأرض لشخص وحق الصيد لشخص آخر، وله أخيراً أن يؤجر الأرض ويستبقى حق الصيد لنفسه ، وإذا أجر صاحب الأرض حق الصيد، لم يجز له أن يصطاد بنفسه أو أن يسمح لأحد آخر بالصيد، لأن هذا الحق قد أجره ونزل بذلك عن حق الإنتفاع به، أما إذا سمح صاحب الأرض بالصيد فيها لآخر ولو بمقابل فهذا السماح لا يعتبر إيجاراً بل عقداً غير مسمى تعهد به صاحب الأرض بألا يمنع المتعاقد الآخر من الصيد في أرضه، وهذا العقد غير المسمى لا يمنع صاحب الأرض من الصيد في أرضه، ولا يمنعه أيضاً من السماح لأشخاص آخرين بالصيد .
ويتحقق الاستيلاء على الطير بصيده ووقوعه ميتاً ولو في أرض الغير وإحرازه، ولكن ليس من الضروري لتحقق الاستيلاء الإحراز المادي للطير، فالمسلم به أنه يكفي أن يقع الطير ميتاً أو مجروحاً جرحاً قاتلاً بحيث لا يستطيع توقي مطاردة كلاب الصيد له ولا يستطيع القرار منها ، فيكون إحرازه أمراً محققاً وشيك الوقوع أما إذا كان الطير لم يجرح جرحاً قاتلاً وكان يستطيع القرار ، فقبل إحرازه لا يتحقق تملكه بالاستيلاء ، ويجوز للغير أن يستولي عليه فيتملكه ، وقد تقوم صعوبات عملية فيما إذا اصطاد شخصان طيراً واحداً في وقت واحد أو على التعاقب ، وفيما إذا لم يعثر على الطير بعد وقوعه ثم عثر عليه بعد ذلك ، وكل هذه من مسائل الواقع يبت فيها قاضي الموضوع .
والسمك في الماء وسائر الأحياء المائية، هي أيضاً منقول لا مالك له، ويجوز تملكه بصيده، فيكون سبب كسب الملكية هو الاستيلاء .
وينظم الصيد في البحر والبحيرات والمياه الداخلية لوائح كثيرة متنوعة ولكن السمك الذي يوجد في مجاري المياه المملوكة ملكية فردية، كالترع والمصارف الخاصة والمستنقعات، لا يعتبر منقولاً لا مالك له، بل هو ملك لمالك مجرى الماء الذي يوجد فيه السمك .
ولا يجوز صيد السمك في مجارى المياه الخاصة إلا بإذن أصحاب هذه المجارى، وإذا صاد شخص هذا السمك دون إذن يعتبر سارقاً له ويتحقق الاستيلاء على السمك الذي لا مالك له بصيده ووقعه في شبكة الصائد بحيث لا يستطيع الإفلات منها، فإذا تمكن السمك من الإفلات ولم يستطع الصائد إحرازه قبل أن يفلت، وعاد السمك إلى الماء، فإنه يعود منقولاً لا مالك له، ويجوز لأي شخص آخر صيده .
اللقطة ( الأشياء الضائعة ) :
رأينا أن المادة 873 مدني تنص على أن " الحق في اللقطة تنظمه لوائح خاصة " واللقطة هي الشيء الضائع يفقده صاحبه ولا يعثر عليه ، فيعثر عليه شخص آخر ويلتقطه، وقد قدمنا أنه يجب التمييز بين اللقطة والأشياء المتروكة، فاللقطة ضاعت من صاحبها ففقد حيازتها المادية ولكنه لم يتخل عن ملكيتها فبقى مالكاً لها ولا تكون محلاً للإستيلاء، أما الأشياء المتروكة فقد تخلى صاحبها عن حيازتها وعن ملكيتها معاً فأصبحت غير مملوكة لأحد، والقرائن تميز بين اللقطة والأشياء المتروكة، فإذا وجد شخص في قطار بقايا طعام وزجاجات فارغة، كان من حقه أن يفترض أن هذه أشياء متروكة تخلى عنها أصحابها، بعد أن أصابوا من الطعام كافيتهم وبعد أن شربوا ما كانت الزجاجات الفارغة تحتويه، فتسري أحكام الأشياء المتروكة ويجوز تملكها بالاستيلاء، أما إذا وجد في القطار حقيبة تدل الظواهر على أنها لمسافر نسيها ، فإن القرائن تدل في هذه الحالة على أن الحقيبة ليست شيئاً متروكاً ولم يتخل صاحبها عن ملكيتها ، ومن ثم تسري عليها أحكام الأشياء الضائعة ويكون الاستيلاء عليها بنية تملكها في حكم السرقة .
كذلك يجب التمييز بين اللقطة والكنز، فهما يتفقان في أن كلاً منهما لم يتخل صاحبه عن ملكيته، فلا يعتبر شيئاً لا مالك له ولا يكون محلاً للاستيلاء ويتفقان كذلك في أن كلاً منهما ولو أن له مالكاً، إلا أن هذا المالك وقت العثور على الشيء غير معروف، ولكنهما يختلفان في أن اللقطة منقول ظاهر أمام الناس، فهو إما ملقى على قارعة الطريق، أو باد للعيان فوق رف أو على درج، أو باق في مكانه الظاهر في قطار أو في سيارة للأجرة أو نحو ذلك أما الكنز فقد قدمنا أنه منقول غير ظاهر للعيان، فهو إما مدفون أو مخبوء ويغلب أن يكون الكنز شيئاً ثميناً ، ولذلك دفن أو خبئ أما اللقطة فيحتمل أن تكون محدودة القيمة، ولكن يحتمل أيضاً أن تكون ذات قيمة كبيرة كمجوهرات أو مقدار كبير من النقود . ويغلب من الناحية العملية ألا يعرف المالك الحقيقي للكنز أبداً، إذ يكون قد دفن الكنز أو خبأه منذ مدة طويلة ولا يعرف ذووه مكانه، أما اللقطة فإحتمال التعرف على صاحبها أقرب، إذ يكون غالباً قد فقدها منذ مدة قريبة ولم ينقطع عن السؤال والبحث عنها .
ولا يتحقق ضياع الشيء من مالكه إلا إذا خرج من حوذته تماماً ، ولم تعد له سيطرة عليه، فمحفظة النقود التي ينساها صاحبها في منزله لا تكون لقطة ، فإذا عثر عليها أحد الخدم وجب عليه إرجاعها لمخدومه ولا حق له في العشر .
ويخلص مما تقدم أن اللقطة منقول له مالك، ولذلك لا يصلح أن يكون محلاً للاستيلاء، كما سبق القول، وإنما عولجت هذه المسألة بين مسائل الاستيلاء، لأن اللقطة وإن كان لها مالك إلا أن هذا المالك غير معروف، فهي تقرب من المنقول الذي ليس له مالك .
وهذا هو نفس التبرير الذي قدمناه في معالجة مسألة الكنز بين مسائل الاستيلاء .
ولما كانت اللقطة لا تصلح أن تكون محلاً للاستيلاء لأن لها مالكاً، لذلك لا تسري عليها أحكام الاستيلاء . فمن عثر عليها وأحرزها بنية تملكها لا يتملكها، بل يعتبر في حكم السارق لأنه يعلم أنها لقطة لها مالك .
وقد رأينا أن المادة 873 مدني تقضي بأن الحق في اللقطة تنظمه لوائح خاصة . وقد صدرت فعلاً لوائح كثيرة وأوامر إدارية تحدد المدة التي تحفظ في خلالها الأشياء الضائعة ، وتنظم كيفية التصرف في هذه الأشياء بعد إنقضاء هذه المدة ، وحفظ ثمنها لحساب المالك ، ومتى تؤول هذه المبالغ للدولة إذا لم يتقدم أصحاب الأشياء الضائعة لتسلمها .
ونقف من هذه التشريعات عند الأمر العالي الصادر في 18 مايو سنة 1898، فهو أهمها وأكثرها شمولاً، ويقضي بأن من يعثر على شيء أو حيوان ضائع يجب عليه أن يبلغ عنه أمام أقرب نقطة للشرطة في المدن وأمام العمد في القرى، وأن يسلمه، فإذا لم يطالب به مالكه، يبيع الشيء في خلال سنة من تسليمه ، أو الحيوان خلال عشرة أيام، في المزاد العلني، بواسطة الإدارة، ويصح تقصير الميعاد الذي يتم فيه البيع، إذا كان الشيء الضائع يخشى عليه من التلف . ويكون لمن عثر على الشيء الضائع عشر الثمن ، يتملكه لا بحكم الاستيلاء فإن الشيء الضائع لا يكون محلاً للاستيلاء كما قدمنا ، بل بحكم القانون وتحتفظ الإدارة بباقي الثمن لحساب المالك مدة ثلاث سنوات ، فإذا لم يتقدم المالك في خلال هذه المدة لتسلمه ، فإنه يؤول إلى الدولة، وإذا آل الثمن إلى الدولة بعد ثلاث سنوات ، فإنما يكون ذلك أيضاً بحكم القانون لا بحكم الاستيلاء، ولا يصح أن يقال إن مدة ثلاث السنوات هذه هي المدة التي لا يستطيع بعد انقضائها مالك الشيء الضائع استردادها من الحائز حسن النية ، فإن الإدارة تعلم أن الثمن ناتج من بيع شيء غير مملوك للدولة ، فلا يسري هذا الحكم عليها .
أما إذا احتفظ من عثر على الشيء الضائع به ولم يبلغ عنه ولم يسلمه ، في خلال ثلاثة أيام في المدن وثمانية أيام في القرى ، فإن تشريع سنة 1898 يقضي بحرمانه من حقه في العشر ، وبعقوبته بغرامة لا تزيد على مائة قرش، وهذا الجزاء إنما هو جزاء على عدم التبليغ عن الشيء الضائع وعدم تسليمه في الميعاد، لكن إذا ثبت أن من عثر على الشيء الضائع قد احتفظ به بنية تملكه، سواء كانت هذه النية معاصرة لوقت عثوره على الشيء أو جدت بعد ذلك، فإنه يكون في حكم السارق، وبهذا يقضي الأمر العالي الصادر في 18 مايو سنة 1898 والسابق الإشارة إليه، فإن المادة الأولى منه تقضي بأن من عثر على الشيء أو الحيوان الضائع، إذا كان قد حبسه وكان الحبس مصحوباً بنية امتلاكه بطريق الغش ، تقام عليه الدعوى الجنائية المقررة لمثل هذه الحالة وهذا لا يمنع من أنه إذا عثر شخص على شيء ضائع واحتفظ به بنية تملكه ، وظل حائزاً له مدة خمس عشرة سنة ، فإنه يتملكه بالتقادم الطويل فإذا لم تتكامل مدة التقادم ، جاز لمالك الشيء الضائع أن يسترده من تحت يد من عثر عليه، ولا يستطيع هذا الأخير أن يدفع بسقوط دعوى الاسترداد بإنقضاء ثلاث سنوات من وقت ضياع الشيء ( م 977 مدني ) ، فذلك لا يجوز إلا إذا كان حائز المنقول حسن النية ولديه سبب صحيح . وهنا حسن النية منتف فإن من عثر على الشيء يعلم أنه غير مملوك له، وكذلك واقعة العثور على الشيء الضائع لا تعتبر سبباً صحيحاً، ولكن إذا باعت جهة الإدارة الشيء الضائع بالمزاد العلني بعد سنة من تسليمه، فإن من رسا عليه المزاد يستطيع أن يدفع دعوى استرداد المالك بانقضاء ثلاث سنوات من وقت الضياع، فإذا لمت نقض هذه المدة كان للمالك أن يسترد الشيء الضائع على أن يرد الثمن لمن رسا عليه المزاد، ويرجع المالك على جهة الإدارة بباقي الثمن الذي أودع لحسابه بعد استنزال العشر الذي دفع مكافأة لمن عثر على الشيء الضائع.
الأشياء الأثرية : وتنص المادة 873 مدني أيضاً ، كما رأينا، على أن " الحق في . . . . الأشياء الأثرية تنظمه لوائح خاصة " .
وكان ينظم الآثار القانون رقم 14 لسنة 1912 الخاص بالآثار والقانون رقم 8 لسنة 1918 الخاص بحماية آثار العصر العربي، ثم ألغى هذان القانونان وحل محلهما القانون رقم 215 لسنة 1951، وهو القانون الذي ينظم الآثار الآن في مصر، وبموجب هذا القانون الأخير يعتبر أثراً كل عقار أو منقول أظهرته أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان والأخلاق وغيرها في عصر ما قبل التاريخ وفي العصور التالية إلى نهاية عصر إسماعيل ، ويعتبر كذلك كل عقار أو منقول يكتشف في مصر حضارة أجنبية كان لها اتصال بمصر في عصر من العصور المشار إليها، كما أنه يعتبر أثراً كل عقار أو منقول يقرر مجلس الوزراء أن للدولة مصلحة قومية في حفظه وصيانته، حتى لو كان يرجع إلى عهد بعد عصر إسماعيل، بشرط أن يتم تسجيله طبقاً للأوضاع التي ينص عليها قانون الآثار، ويعتبر في حكم الآثار الأراضي المملوكة للدولة التي اعتبرت أثرية بمقتضى أوامر أو قرارات أو بمقتضى قرار يصدره وزير التربية والتعليم بعد الإتفاق مع وزير الاقتصاد ، وكذلك الأراضي المملوكة للأفراد التي تنزع الدولة ملكيتها لأهميتها الأثرية .
ويتبين من ذلك أن الآثار قد تكون عقاراً أو منقولاً ، فهي بذلك تختلف عن الكنز واللقطة الذين لا يكونان إلا منقولاً، وتختلف عن اللقطة في أن الآثار تكون في أغلب الأحيان مدفونة أو مخبوءة في باطن الأرض ، أما اللقطة فتكون كما قدمنا منقولاً ظاهراً أمام الناس . وإذا كانت الآثار تشترك مع الكنز في أن كل منهما مدفون أو مخبوء ، إلا أن الآثار ليست فحسب شيئاً له قيمة كالكنز ، بل هي فوق ذلك شيء من طبيعة خاصة ، فهي نتاج الحضارات المتعاقبة التي توالت على مصر أو الحضارات الأجنبية التي كان لها اتصال بمصر وتقتضي المصلحة القومية حفظه وصيانته، ويرى من ذلك أن الأصل في الآثار أن تكون أموالاً لا مالك لهان فهي مخلفات العصور الحالية وقد تركها أصحابها إلى غير مالك، ولكن لما كانت الآثار لها قيمة كبرى ، وأهمية بالغة من ناحية التاريخ والحضارة والمصلحة القومية، فإنها لذلك لا تترك سائبة يأخذها أول من يستولى عليها تطبيقاً لقواعد الاستيلاء، فقد أخرجها القانون من هذا النطاق، وقرر من القواعد ما يكفل حفظها وصيانتها حتى تنتقل إلى الأجيال اللاحقة كما وصلت إلينا من الأجيال السابقة، وجعلها القانون في الأصل من الأملاك العامة للدولة، إلا ما نص على أن يكون ملكاً خاصاً وعلى ذلك خرجت الآثار من أن تكون أموالاً لا مالك لها إلى أموال لها مالك، وهذا المالك هو الدولة في الأصل تملك الآثار ملكية عامة لا ملكية خاصة، ويجوز أن يتملك الأفراد بعض الآثار ملكية خاصة كما سيجئ، فالآثار إذن لا تكون محلاً للاستيلاء ، كما لا يكون محلاً للاستيلاء الكنز واللقطة فيما رأينا.
وعلى كل شخص يعثر على أثر عقاري غير مسجل أن يبلغ هيئة الآثار به، ويعتبر الآثار ملكا للدولة، وعلى الهيئة أن تتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة عليها ولها خلال ثلاثة اشهر اما رفع هذا الاثر الموجود في ملك الأفراد، أو إتخاذ الإجراءات لنزع ملكية الأرض التي وجد فيها أو بقائه في مكانه مع تسجيله طبقاً لأحكام هذا القانون .
وللهيئة أن تمنح من أرشد عن الأثر مكافأة تحددها اللجنة الدائمة المختصة إذا رأت أن هذا الأثر ذو أهمية خاصة المادة 23 من قانون حماية الآثار .
وعلى كل من يعثر مصادقة على اثر منقول او يعثر على جزء من اجزاء من أثر ثابت فيما يتواجد به من مكان أن يخطر بذلك أقرب سلطة إدارية خلال ثمان واربعين ساعة من العثور عليه وأن يحافظ عليه حتى تتسلمه السلطة المختصة وإلا اعتبر حائزاً لأثر بدون ترخيص ، وعلى السلطة المذكورة إخطار الهيئة بذلك فوراً ويصبح الأثر ملكاً للدولة .
وللهيئة إذا قدرت أهمية الأثر ، أن تمنح من عثر عليه وأبلغ عنه مكافأة تحددها اللجنة الدائمة المختصة ( المادة 24 من قانون حماية الآثار).
ولا يجوز للغير مباشرة أعمال البحث أو التنقيب عن الآثار إلا تحت الاشراف المباشر للهيئة عن طريق من تندبه لهذا الغرض من الخبراء والفنيين ، وفقاً لشروط الترخيص الصادر منها ( المادة 1 / 32 من قانون حماية الآثار ) . ويصدر مجلس إدارة الهيئة قراراً بالاشتراطات والالتزامات التي يجب مراعاتها وتنفيذها في تراخيص الحفر بحيث يتضمن الترخيص بياناً بحدود المنطقة التي يجري البحث فيها، والمدة المصرح بها، والحد الأدنى للعمل بها، والتأمينات الواجب إيداعها لصالح الهيئة وشروط مباشرة الحفر ( المادة 33 من القانون المذكور).
ويتم تسجيل الأثر بقرار من الوزير المختص بشئون الثقافة بناء على اقتراح مجلس ادارة الهيئة ويعلن القرار الصادر بتسجيل الأثر العقارى الى مالكه أو المكلف باسمه بالطريق الإداري وينشر في الوقائع المصرية ويؤشر بذلك على هامش تسجيل العقار في الشهر العقاري ( المادة 12 من قانون حماية الآثار ).
وقد صدر القانون رقم 143 لسنة 1981 في شأن الأراضي الصحراوية ونص في المادة 27 منه على إلغاء الأحكام المتعلقة بالأراضى الصحراوية بالقانون رقم 100 لسنة 1964 في شأن تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها، ونص في الفقرة الاولى من المادة الاولى على أنه يقصد بالأراضي الصحراوية الاراضى المملوكة للدولة ملكية خاصة ، والواقعة خارج الزمام بعد مسافة كيلو مترين .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع المجلد/ الأول الصفحة/ 22)
تعاقبت التشريعات التي نظمت إحتراف الصيد ومنها القانون رقم 688 لسنة 1954 بمنح حق استغلال صيد الأسماك والمحار والبط والأوز والسمان والقانون 233 لسنة 1953 والقانون 65 لسنة 1953 بحظر صيد بعض الحيوانات أما تملك الصيد فتناولته المادة 873 مدني التي اعتبرت كافة الطيور والحيوانات عبر الأليفة والأسماك منقولاً مباحاً يتملكه صائدها بالاستيلاء عليها ويكفي لهذا التملك الاستيلاء الحكمي بأن يصيب الصائد صيده على نحو بعجزه عن الفرار حتى لو سقط الصيد في أرض الغير ولا يكون للغير في هذه الحالة إلا الرجوع على الصائد بالتعويض وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية، وإذا أصاب الصيد صائد ان كان للصائد الأول متى كانت الإصابة التي أحدثها بالصيد تحول دون فراره، ويجوز تأجير العقار المباشرة الصيد به أو تأجير حتى الصيد وحده منفصلاً عن العقار وتسرى هنا أحكام الإيجار، فإن انتفى قصد الإيجار كان العقد غير مسمى ولو دفع مقابل ولصاحب الأرض الصيد بنفسه أو يسمح بذلك لآخرین.
وإذا استولى الغير على الصيد فإنه لا يعد سارقاً إلا إذا كان استيلائه خلسة أمل أن استولى على الصيد عنوة فليس لمالكه إلا الرجوع عليه بدعوى رد غير المستحق نظم القانون رقم 117 لسنة 1983 ومن قبله القانون رقم 215 لسنة 1951 المعدل بالقانون رقم 192 لسنة 1955 حماية الآثار المصرية.
وباعتبار تلك الآثار من أموال الدولة العامة، فلا تكتسب بالحيازة ولا ترد عليها بالتالي قاعدة الحيازة في المنقول سند الحائزة بل إن قانون حماية الآثار قد نص على تجريم الحيازة إذا اتصرف قصد الحائز إلى تملك الشيء الخاضع له، وبالتالي فلا يجوز تملكه بالاستيلاء .
صدر ديكريتو 18 مايو سنة 1898 بشأن العثور على الشيء أو الحيوان الضائع ورده إلى صاحبه إن كان معروفاً أو تبليغ الشرطة عنه، وأوجبت المادة الأولى منه أن يتم التسليم أو التبليغ في ظرف ثلاثة أيام في المدن وثمانية أيام في القرى، ومن لم يفعل ذلك يعاقب بدفع غرامة يجوز إبلاغها إلى مائة قرش وضياع حقه في المكافأة، فإذا كان حبس الشيء مصحوبة بنية امتلاكه بطريق الغش فتقام الدعوى الجنائية المقررة لمثل هذه الحالة.
مفاد هذا النص، أن من عثر على منقول أو حيوان مملوك للغير وإستولى عليه بنية تملكه، يعتبر سارقاً ويعاقب بالعقوبة المقررة للسرقة، وبالتالي إذا كان الشيء ضائعة فلا يجوز تملكه بالاستيلاء أو الحيازة، فإن كان مالكه قد تخلى عن ملكيته، جاز تملكه بالاستيلاء .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني عشر الصفحة/ 14)
فهناك العديد من التشريعات التي تنظم الحق في الصيد، وتضع بعض الشروط والضوابط له، وهذه تدخل في مباحث القانون الإداري ولا شأن لها بحكم الصيد من الناحية المدنية.
- حكم الصيد من الناحية المدنية :
السمك في البحر والطير في الهواء منقول لا مالك له أصلاً، ويكون لمن يستولى عليه أن يتملكه بالاستيلاء.
ويملك الصائد ما يصيده من صيد البحر أو الهواء ولو كان مخالفاً لقوانين ولوائح الصيد حيث يتعرض في هذه الحالة إلى العقوبات المنصوص عليها في القوانين واللوائح.
ويقع الاستيلاء الذي يكسب الملكية بوقوع السمك في شبكة الصائد، ولو لم يخلصه منها، وبعبارة أخرى يقع الاستيلاء على الصيد منذ أن تنتهي حريته.
ويتم تملك صيد البر عندما يصاب الحيوان أو الطير، بحيث لا يستطيع أن يهرب من القبض عليه حتى ولو وقع الطير في أرض مملوكة لغير الصائد، فليس من الضروري لتحقق الاستيلاء الإحراز المادي للطير، فالمسلم به أنه يكفي أن يقع الطير ميتا أو مجروحاً جرحاً قاتلاً بحيث لا يستطيع توقى مطاردة كلاب الصيد له ولا يستطيع الفرار منها، فيكون إحرازه أمراً محققاً وشيك الوقوع .
وإذا جرح صیادان حيواناً بعينه جرحاً قاتلاً فإنه يكون ملكاً لمن أحدث به أولاً الإصابة القاتلة، فإذا لم يمكن تعيين مطلق العيار الذي سبب أول جرح قائل اعتبر أنه حدث من الإثنين ويقسم الحيوان بين الصيادين قسمة عينية أو بالبيع.
أما إذا كان الصيد في مياه مملوكة ملكية خاصة، مثل مياه البرك، فهذا لا يكون إلا لمالك هذه المياه، بل إن هذا المالك يعتبر في الغالب مالكاً للسمك الذي يعيش فيها، ومن يصيد إضراراً به يمكن اعتباره مرتكباً للسرقة .
والأصل في حق صيد الطير في الأرض المملوكة لشخص أنه يملكه صاحب هذه الأرض، فإذا كانت الأرض شائعة كان لكل مالك في الشيوع حق الصيد فيها، أما النزول للغير عن حق الصيد فيقتضى رضاء جميع الملاك في الشيوع، ويكون كذلك للمنتفع حق الصيد فيها، أما المستأجر فلا يملك ذلك إلا بإتفاق خاص.
غير أنه لا يجوز ترتيب حق ارتفاق بالصيد، لأن حق الإرتفاق لا يترتب إلا لمصلحة عقار لا لشخص.
حكم اللقطة ( الأشياء الضائعة أو المفقودة ) :
اللقطة والمقصود بها الأشياء الضائعة أو المفقودة، هي الأشياء الضائعة التي يفقدها صاحبها ولا يعثر عليها، فيعثر عليها شخص آخر ويلتقطها.
وهي تختلف عن الأشياء المتروكة في أن صاحبها لم يقصد التخلي عنها رغم فقده حيازتها ولذلك تظل على ملك صاحبها ولا يجوز الاستيلاء عليها.
ومن أمثلة ذلك الحيوانات الأليفة التي تتسرب من أصحابها أو تضل طريقها، والنقود التي يفقدها أصحابها، والحقائب والأمتعة التي يفقدها أصحابها في القطارات أو الطائرات أو وسائل النقل العام، والطرود التي لم يتقدم أصحابها لتسلمها من مكاتب البريد أو مخازن الجمارك .
والقرائن تميز بين اللقطة والأشياء المتروكة، فلا يكون مثلاً لمن يجد في صندوق القمامة ملعقة فضية، أو في إحدى عربات السكك الحديدية حقيبة للأمتعة، أو في غرفة فندق بعد مغادرة النزيل آلة تصوير أن يدعي أن هذا المنقول أو ذاك شيء متروك يملكه بالاستيلاء عليه، بل تقطع الظروف أنه شيء نسيه صاحبه ولم يتخل قط عن ملكيته.
ويلاحظ أن الحيوان الجامح لا يعتبر ضائعاً، فإن جمح عن محله كالخيل والمواشي التي تهرب من اسطبلاتها أو حظائرها، وأوقفها شخص فلا يكون له الحق في المكافأة التي ينص عليها الأمر العالي الصادر في 18 مايو سنة 1898 (المعدل)، وإنما يرجع بدعوى الفضالة على صاحب الحيوان .
كذلك لا تعتبر شيئاً ضائعاً الدواجن والحيوانات الأليفة التي تبعد كثيراً عن مجالها التي توجد به، إذا كان من عادتها الرجوع، مثل حمام الأبراج المنزلية، وسمك البرك أو الأحواض، وحيوانات الصيد التي تحبس في مكان فسيح، فمن يستولى عليها في فترة إنطلاقها بنية تملكها أو يستدرج حمام الأبراج بطريقة تدليسية ليستولى عليها يعد في حكم السارق .
والمادة قد نصت على أن اللقطة تنظمها لوائح خاصة، فهناك كثير من اللوائح والأوامر الإدارية التي تنظم الأشياء الفاقدة في بعض القطاعات كالقطارات والطائرات، أو وسائل النقل العام والطرود التي لم يتقدم أصحابها لتسلمها من مكاتب البريد أو مخازن الجمارك، فهي تحدد مثلاً المدة التي تحفظ الأشياء الضائعة خلالها، وتنظم كيفية التصرف في هذه الأشياء بعد انقضاء هذه المدة وحفظ ثمنها لحساب المالك، ومتى تؤول هذه المبالغ للدولة إذا لم يتقدم أصحاب الأشياء الضائعة لاستلامها.
وإذا كانت اللقطة كالكنز منقولاً لم يتخل عنه صاحبه فإنها تختلف مع ذلك عنه في ظهورها على نقيض الكنز الذي يكون مدفوناً أو مخبوءاً، وفي أن احتمال معرفة صاحبها أقرب، لأنه في الغالب فقدها منذ مدة قريبة، ولا يفتأ عن البحث عنها، على نقيض الكنز الذي لا يعرف في العادة مالكه أبداً نظراً لقدم العهد على دفنه أو تخبئته فقد أشرنا إلى أن الغالب أن يكون دفن أو تخبئة الكنز قديمة.
وبالترتيب على ما تقدم، فإن اللقطة لا تصلح أن تكون محلاً للإستيلاء لأن لها مالكا، لذلك لا تسري عليها أحكام الاستيلاء.
وأهم التشريعات التي تنظم الأشياء الفاقدة وأكثرها شمولا هو الأمر العالي الصادر في 18 مايو سنة 1898 (المعدل بالقانون رقم 29 لسنة 1982) بشأن العثور على الشيء أو الحيوان الضائع ورده إلى صاحبه أو التبليغ عنه.
ومن الناحية المدنية فإنه إذا احتفظ العاثر على المال الضائع بحيازته بنية تملكه، فإن هذه الحيازة تؤدي به حتماً إلى التملك إذا استمرت مدة التقادم الطويل، شأنه في ذلك شأن كل مغتصب لملك الغير.
أما إذا لم تكتمل مدة التقادم الطويل، فإنه يجوز لمالك الشيء الضائع أن يسترده من تحت يد من عثر عليه، ولا يستطيع هذا الأخير أن يدفع بسقوط دعوى الاسترداد بانقضاء ثلاث سنوات من وقت ضياع الشيء بالتطبيق للمادة 977 مدنی، لأن هذا النص لا يفيد من حكمه إلا حائز المنقول بحسن النية ولديه سند صحيح، ولا شبهة في أن من يحتفظ بحيازة شيء عثر عليه في الطريق العام يكون سيء النية، فضلاً عن أن واقعة العثور على الشيء الضائع لا تعتبر سبباً صحيحاً، فلا يملك إلا بالتقادم الطويل.
أما إذا باعت الحكومة الأشياء التي سلمت إليها بالمزاد العلني بعد سنة من تسلمه، فيكون للراسي عليه المزاد أن يدفع دعوى استرداد المالك بانقضاء ثلاث سنوات من وقت الضياع. فإذا لم تنقض هذه المادة كان للمالك أن يسترد الشيء الضائع على أن يرد الثمن لمن رسا عليه المزاد .
ويرجع المالك على جهة الإدارة بباقي الثمن الذي أودع لحساب بعد إستنزال العشر الذي دفع مكافأة لمن عثر على الشيء الضائع .
والحيازة مدة التقادم الطويل لا تفيد في اكتساب الملكية، إذا ثبت أنها كانت في الأصل حيازة عرضية، إذ ليس لأحد أن يكسب التقادم على خلاف سنده (م 972)، فإذا ترك النزيل في فندق بعض أمتعته عند مغادرة الفندق، فإن صاحب الفندق لا يكتسب ملكية هذه الأمتعة بمضي خمسة عشر عاماً على حيازته إياها، إذ أن حيازته طوال هذه المدة تكون غير نافعة لكونها عرضية بحكم كونه وديعاً، فتشغل ذمته بالتالى بإلتزام الرد.
لكن في وسع صاحب الفندق في مثل هذا الفرض أن يحبط سعى النزيل في استرداد الأمتعة بعد مضي 15 سنة على تركها في الفندق، وهو في هذه الحالة لا يستند إلى التقادم المكسب، بل إلى التقادم المسقط الذي قررته المادة 374 كمبدأ عام بقولها: "يتقادم الإلتزام بإنقضاء خمس عشرة سنة ، والإلتزام بالرد إلتزام شخصي يخضع دون شك لهذا الحكم العام .
التركة التي لا وارث لها :
إذ توفى إنسان ولم يخلف ورثة، فإن تركته لا تعد مالاً غير مملوك لأحد، بحيث يمكن لأي شخص تملكها بطريق الاستيلاء، وإنما تؤول هذه التركة طبقاً الأحكام الشريعة الإسلامية إلى بيت المال، ويمثل بيت المال الان وزارة الخزانة، غير أن بيت المال لا يتملك هذه التركة بإعتباره وارثاً، بل باعتبارها مالاً لا مالك له، ويكون أميناً بوضع المال تحت يده ليصرف في مصارفه الشرعية.
ويترتب على عدم اعتبار بيت المال وارثا أنه لا يصلح خصماً في دعوى الوراثة، ولا يجوز بالتالي لبيت المال إنكار الوراثة على أحد ممن يدعيها إنكاراً يستدعي إستصدار حكم شرعي، ويمكن لمن يدعي إستحقاقه لمال تحت يده إثبات وراثته للمتوفى عن ذلك المال بإعلام شرعی .
وقد نصت المادة الرابعة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 على أن يؤدي من التركة بحسب الترتيب الآتي :
(أولاً) ما يكفي .................
فإذا لم يوجد أحد من هؤلاء آلت التركة أو ما بقي منها إلى الخزانة العامة وينظم الآثار الآن القانون رقم 117 لسنة 1983 بإصدار قانون الآثار (المعدل بالقوانين رقم 92 لسنة 1991، 95 لسنة 2003 ، 3 لسنة 2010) .
يختلف الأثر عن الكنز واللقطة فيما يلي :
1 - أن الأثر قد يكون منقولاً أو عقاراً أو أرضاً أثرية، أما الكنز والقطة فلا يكونان إلا منقولاً.
2 - أن الأثر وإن كان بيشتراك مع الكنز في أن كلاً منهما مخبوء أو مدفون في معظم الحالات، إلا أن الأثر ليس له قيمة كالكنز، وإن كانت له طبيعة خاصة كما سیفید أما اللقطة فتكون ظاهرة وليست مخبوءة أو مدفونة.
الآثار تعد من الأموال العامة :
تعتبر من الأموال العامة جميع الآثار العقارية والمنقولة والأراضي التي اعتبرت أثرية عدا ما كان وقفاً أو ملكاً خاصاً فيجوز تملكه وحيازته والتصرف فيه في الأحوال والشروط المنصوص عليها في هذا القانون ولائحته التنفيذية (م 60 المستبدلة بالقانون رقم 3 لسنة 2010).
ولما كانت الآثار من الأموال العامة، فإنه لا يمكن إعتبارها من الأشياء التي لا مالك لها حتى يمكن تملكها بالاستيلاء رغم وجود نص المادة 873 من التقنين المدني تحت عنوان الاستيلاء بالفصل الثاني .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الحادي عشر الصفحة/ 909)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 166
ضَائِعٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الضَّائِعُ فِي اللُّغَةِ: مِنْ ضَاعَ الشَّيْءُ يَضِيعُ ضَيْعًا وَضِيَعًا وَضِيَاعًا وَضَيَاعًا - بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِهَا فِيهِمَا - إِذَا فُقِدَ وَهَلَكَ وَتَلِفَ وَصَارَ مُهْمَلاً. وَالضَّيْعَةُ: الْعَقَارُ، وَالْجَمْعُ ضِيَاعٌ وَضِيَعٌ. خَصَّ أَهْلُ اللُّغَةِ لَفْظَ «ضَائِعٍ» بِغَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالْعِيَالِ وَالْمَالِ، يُقَالُ: أَضَاعَ الرَّجُلُ عِيَالَهُ وَمَالَهُ، وَضَيَّعَهُمْ إِضَاعَةً فَهُوَ مُضِيعٌ وَمُضَيِّعٌ بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِهَا .
وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الضَّالَّةُ:
2 - فِي اللُّغَةِ: الضَّالَّةُ الْحَيَوَانُ الضَّائِعُ، وَعَرَّفَ الْفُقَهَاءُ الضَّالَّةَ بِأَنَّهَا: نَعَمٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمٍ .
ب - اللُّقَطَةُ
3 - اللُّقَطَةُ: الْمَالُ الضَّائِعُ مِنْ رَبِّهِ يَلْتَقِطُهُ غَيْرُهُ أَوِ الشَّيْءُ الَّذِي يَجِدُهُ الْمَرْءُ مُلْقًى فَيَأْخُذُهُ أَمَانَةً.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَالِ الْمَلْقُوطِ وَالْمَالِ الضَّائِعِ: أَنَّ الأْوَّلَ يُعْرَفُ مَالِكُهُ، أَمَّا الثَّانِي فَلاَ، كَمَا أَنَّ اللُّقَطَةَ يَخُصُّ إِطْلاَقُهَا بِالْمَالِ أَوِ الاِخْتِصَاصِ الْمُحْتَرَمِ، أَمَّا الضَّائِعُ فَيُطْلَقُ عَلَى الأْمْوَالِ وَالأْشْخَاصِ .
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:
يَتَعَلَّقُ بِالضَّائِعِ جُمْلَةٌ مِنَ الأْحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ، وَمِنْهَا:
أ - ضَيَاعُ الْمَالِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ:
4 - مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ يُخْرِجْهَا حَتَّى ضَاعَ الْمَالُ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِنْ كَانَ ضَيَاعُهُ بِتَفْرِيطِهِ أَوْ فَرَّطَ فِي الإْخْرَاجِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ: (زَكَاة ف 139).
ب - مَا يُجْمَعُ فِي بَيْتِ الضَّوَائِعِ:
5 - مِنْ أَقْسَامِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْتُ الضَّوَائِعِ، وَتُجْمَعُ فِيهِ الأْمْوَالُ الضَّائِعَةُ وَنَحْوُهَا مِنْ لُقَطَةٍ لاَ يُعْرَفُ صَاحِبُهَا أَوْ مَسْرُوقٍ لاَ يُعْلَمُ صَاحِبُهُ ، فَتُحْفَظُ مُحْرَزَةً لأِصْحَابِهَا، فَإِنْ حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ صُرِفَ فِي وَجْهِهِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (بَيْتُ الْمَالِ ف 10).
ج - ضَمَانُ الْمَالِ الضَّائِعِ:
6 - اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ إِضَاعَةَ الْمَالِ صُورَةً مِنْ صُوَرِ الإْتْلاَفِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْجُهِ الْمُعَامَلاَتِ، كَالْعَارِيَّةِ وَالْوَدِيعَةِ وَالرَّهْنِ وَاللُّقَطَةِ مَعَ اخْتِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي التَّفْصِيلِ، وَذَلِكَ لأِنَّ إِضَاعَةَ الْمَالِ نَوْعٌ مِنَ الإْهْمَالِ الْمُفْضِي إِلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ عَلَى أَصْحَابِهَا .
وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرِ الْمُصْطَلَحَاتِ التَّالِيَةَ: (إِتْلاَف ف 28 وَ 53 وَإِعَارَة ف 15، وَضَمَان، وَلُقَطَة).
ضَالَّةٌ
التَّعْرِيفُ
1 - الضَّالَّةُ فِي اللُّغَةِ: مِنْ ضَلَّ الشَّيْءُ، خَفِيَ وَغَابَ، وَأَضْلَلْتُ الشَّيْءَ - بِالأْلِفِ - إِذَا ضَاعَ مِنْكَ، فَلَمْ تَعْرِفْ مَوْضِعَهُ، كَالدَّابَّةِ وَالنَّاقَةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا، فَإِنْ أَخْطَأْتَ مَوْضِعَ الشَّيْءِ الثَّابِتِ كَالدَّارِ قُلْتَ: ضَلَلْتُهُ وَضَلَّلْتُهُ، وَلاَ تَقُلْ: أَضْلَلْتُهُ بِالأْلِفِ.
وَالضَّالَّةُ بِالتَّاءِ: الْحَيَوَانُ الضَّائِعُ، يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالأْنْثَى، وَالاِثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، وَتَجْمَعُ عَلَى ضَوَالَّ، مِثْلَ: دَابَّةٍ وَدَوَابَّ، وَيُقَالُ لِغَيْرِ الْحَيَوَانِ: ضَائِعٌ، وَلُقَطَةٌ، وَالضَّالُّ بِدُونِ التَّاءِ: الإْنْسَانُ.
وَقَدْ تُطْلَقُ الضَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي، وَمِنْهُ حَدِيثُ: «الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ» أَيْ لاَ يَزَالُ يَتَطَلَّبُهَا كَمَا يَتَطَلَّبُ الرَّجُلُ ضَالَّتَهُ .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِلَفْظِ الضَّالَّةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
فَفِي الاِخْتِيَارِ: الضَّالَّةُ: الدَّابَّةُ تَضِلُّ الطَّرِيقَ إِلَى مَرْبِطِهَا، وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: الضَّالَّةُ: اسْمُ حَيَوَانٍ خَاصَّةً، وَفِي الْمَوَّاقِ بِهَامِشِ الْحَطَّابِ: الضَّالَّةُ: نَعَمٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمًا .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
اللُّقَطَةُ
2 - فِي اللُّغَةِ: يُقَالُ: لَقَطْتُ الشَّيْءَ لَقْطًا مِنْ بَابِ قَتَلَ: أَخَذْتُهُ .
وَاللُّقَطَةُ شَرْعًا - كَمَا عَرَّفَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ -: مَا يُوجَدُ مَطْرُوحًا عَلَى الأْرْضِ مِمَّا سِوَى الْحَيَوَانِ مِنَ الأْمْوَالِ لاَ حَافِظَ لَهُ، وَهَذَا هُوَ تَعْرِيفُ الْمَوْصِلِيِّ.
وَمِثْلُهُ تَعْرِيفُ ابْنِ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، قَالَ: اللُّقَطَةُ: مَالٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمًا، لَيْسَ حَيَوَانًا نَاطِقًا وَلاَ نَعَمًا .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَيُطْلِقُونَ لَفْظَ اللُّقَطَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ وَغَيْرِ الْحَيَوَانِ .
وَعَلَى هَذَا، فَإِنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ يُفَرِّقُ بَيْنَ اللُّقَطَةِ وَالضَّالَّةِ؛ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اللُّقَطَةَ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْحَيَوَانِ، وَالضَّالَّةَ تُطْلَقُ عَلَى الْحَيَوَانِ، وَبَعْضُهُمْ يُطْلِقُ لَفْظَ اللُّقَطَةِ عَلَى الْجَمِيعِ .
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:
3 - الضَّوَالُّ الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ لِقُوَّتِهَا وَكِبَرِ جُثَّتِهَا - كَالإْبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ - أَوْ تَمْتَنِعُ لِسُرْعَةِ عَدْوِهَا كَالظِّبَاءِ أَوْ تَمْتَنِعُ لِطَيَرَانِهَا، هَذِهِ الضَّوَالُّ إِنْ كَانَتْ فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَخْذُهَا لِلتَّمَلُّكِ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله تعالي عنه: «سُئِلَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ ضَالَّةِ الإْبِلِ فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا، دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» .
إِلاَّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الأْمْرِ أَخْذُهَا عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ لِرَبِّهَا، لاَ عَلَى أَنَّهَا لُقَطَةٌ، فَإِنَّ عُمَرَ - رضي الله تعالي عنه - حَمَى مَوْضِعًا يُقَالُ لَهُ: النَّقِيعُ لِخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ وَالضَّوَالِّ، وَلأِنَّ لِلإْمَامِ نَظَرًا فِي حِفْظِ مَالِ الْغَائِبِ، وَفِي أَخْذِ الضَّوَالِّ حِفْظٌ لَهَا عَنِ الْهَلاَكِ، وَلاَ يَلْزَمُ الإْمَامَ تَعْرِيفُهَا، لأِنَّ عُمَرَ رضي الله تعالي عنه لَمْ يَكُنْ يُعَرِّفُ الضَّوَالَّ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ ضَالَّةٌ فَإِنَّهُ يَجِيءُ إِلَى مَوْضِعِ الضَّوَالِّ، فَإِذَا عَرَفَ ضَالَّتَهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَأَخَذَهَا، لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ لَمْ يُخْشَ عَلَى الضَّالَّةِ الضَّيَاعُ فَلاَ يَتَعَرَّضُ لَهَا وَلِيُّ الأْمْرِ، بَلْ جَزَمَ الأْذْرَعِيُّ بِتَرْكِهَا عِنْدَ اكْتِفَائِهَا بِالرَّعْيِ وَالأْمْنِ عَلَيْهَا.
كَمَا أَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ لِغَيْرِ وَلِيِّ الأْمْرِ أَخْذَهَا لِلْحِفْظِ لِرَبِّهَا إِذَا خَشَى عَلَيْهَا مِنْ أَخْذِ خَائِنٍ، فَإِذَا أَمِنَ عَلَيْهَا امْتَنَعَ أَخْذُهَا قَطْعًا، فَإِذَا أَخَذَهَا ضَمِنَهَا لِرَبِّهَا، وَلاَ يَبْرَأُ إِلاَّ بِرَدِّهَا لِلْحَاكِمِ، لَكِنْ هَذَا إِذَا لَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهَا، وَإِلاَّ جَازَ لَهُ أَخْذُهَا، وَتَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ.
أَمَّا زَمَنُ النَّهْبِ وَالْفَسَادِ فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهَا لِلتَّمَلُّكِ فِي الصَّحْرَاءِ وَغَيْرِهَا.
وَيَضْمَنُ كَذَلِكَ - عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - مَنْ أَخَذَ مَا حُرِّمَ الْتِقَاطُهُ مِنَ الضَّوَالِّ إِنْ تَلِفَ أَوْ نَقَصَ، لِعَدَمِ إِذْنِ الشَّارِعِ فِيهِ، فَإِنْ كَتَمَهُ عَنْ رَبِّهِ ثُمَّ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ فَتَلِفَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَرَّتَيْنِ لِرَبِّهِ نَصًّا، لِحَدِيثِ: «وَفِي الضَّالَّةِ الْمَكْتُومَةِ غَرَامَتُهَا وَمِثْلُهَا مَعَهَا»
وَهَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَلاَ يُرَدُّ .
وَيَزُولُ الضَّمَانُ بِرَدِّ الضَّالَّةِ إِلَى رَبِّهَا إِنْ وَجَدَهُ، أَوْ دَفَعَهَا إِلَى الإْمَامِ إِنْ لَمْ يَجِدْ رَبَّهَا، أَوْ رَدَّهَا إِلَى مَكَانِهَا إِنْ أَمَرَهُ الإْمَامُ بِذَلِكَ.
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلضَّوَالِّ الَّتِي بِالصَّحْرَاءِ وَالْمُمْتَنِعَةِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، أَمَّا إِنْ وُجِدَتْ بِقَرْيَةٍ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا لِلتَّمَلُّكِ، لأِنَّ فِي الْعُمْرَانِ يَضِيعُ بِامْتِدَادِ الْيَدِ الْخَائِنَةِ إِلَيْهِ، بِخِلاَفِ الْمَفَازَةِ فَإِنَّ طُرُوقَهَا لاَ يَعُمُّ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ : الْمَنْعُ لإِطْلاَقِ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَابِلَةُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الصَّحْرَاءِ وَغَيْرِهَا.
4 - أَمَّا الضَّوَالُّ الَّتِي لاَ تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ - كَالشَّاةِ وَالْفَصِيلِ - فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْعُمْرَانِ، وَذَلِكَ صَوْنًا لَهَا عَنِ الْخَوَنَةِ وَالسِّبَاعِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا وَجَدَ الشَّاةَ بِمِصْرٍ أَوْ بِمَهْلَكَةٍ فَإِنَّهُ يُبَاحُ أَخْذُهَا وَالْتِقَاطُهَا، هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَقَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ضَالَّةَ الْغَنَمِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ عَلَيْهَا لَهُ أَكْلُهَا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ ، كَفُصْلاَنِ الإْبِلِ وَعُجُولِ الْبَقَرِ وَأَفْلاَءِ الْخَيْلِ، وَالدَّجَاجِ وَالإْوَزِّ وَنَحْوِهَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم لَمَّا سُئِلَ عَنِ الشَّاةِ: «خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأِخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» وَلأِنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَالضَّيَاعُ فَأَشْبَهَ لُقَطَةَ غَيْرِ الْحَيَوَانِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَهَا فِي مِصْرٍ أَوْ مَهْلَكَةٍ، لأِنَّ «النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: خُذْهَا» وَلَمْ يُفَرِّقْ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَلَوِ افْتَرَقَ الْحَالُ لَسَأَلَ وَاسْتَفْصَلَ، وَلأِنَّ هَا لُقَطَةٌ فَاسْتَوَى فِيهَا الْمِصْرُ وَالصَّحْرَاءُ، كَسَائِرِ اللُّقَطَاتِ.
وَرُوِيَ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الإْمَامِ الْتِقَاطُهَا، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لاَ أُحِبُّ أَنْ يَقْرَبَهَا إِلاَّ أَنْ يُحْرِزَهَا لِصَاحِبِهَا لأِنَّهُ حَيَوَانٌ أَشْبَهَ الإْبِلَ، إِلاَّ أَنَّ جَوَازَ الأْخْذِ مُقَيَّدٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِمَا إِذَا أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَى اللُّقَطَةِ، وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا، أَمَّا مَنْ لَمْ يَأْمَنْ نَفْسَهُ عَلَيْهَا فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا.
وَيَتَخَيَّرُ أَخْذُ هَذَا النَّوْعِ بَيْنَ ثَلاَثِ خِصَالٍ.
أ - أَنْ يَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ، وَيُعَرِّفَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ، وَيَتَمَلَّكَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ إِنْ لَمْ يَجِدْ رَبَّهُ.
ب - أَنْ يَبِيعَهُ وَيَحْفَظَ الثَّمَنَ لِرَبِّهِ، ثُمَّ يُعَرِّفَ الضَّالَّةَ الَّتِي بَاعَهَا، وَيَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ إِنْ لَمْ يَجِدْ رَبَّ الضَّالَّةِ.
ج - أَنْ يَأْكُلَهُ وَيَغْرَمَ قِيمَتَهُ إِنْ ظَهَرَ مَالِكُهُ، لِحَدِيثِ: «هِيَ لَكَ أَوْ لأِخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» .
لَكِنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ هَذِهِ الْخِصَالِ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلضَّوَالِّ الَّتِي أُخِذَتْ مِنَ الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ أُخِذَتْ مِنَ الْعُمْرَانِ فَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْخُصْلَتَيْنِ الأْولَيَيْنِ، أَيِ: الْحِفْظِ أَوِ الْبَيْعِ، وَلَيْسَ لَهُ الأْكْلُ فِي الأْظْهَرِ . وَمُقَابِلُ الأْظْهَرِ : لَهُ الأْكْلُ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ .
5 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ الضَّالَّةِ لِلْحِفْظِ لِرَبِّهَا، لأِنَّ هَا لُقَطَةٌ يُتَوَهَّمُ ضَيَاعُهَا، فَيُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا صِيَانَةً لأِمْوَالِ النَّاسِ، كَالشَّاةِ، وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فِي ضَالَّةِ الإْبِلِ: «مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» فَقَدْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ إِذْ ذَاكَ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلاَحِ وَالأْمَانَةِ لاَ تَصِلُ إِلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ، فَإِذَا تَرَكَهَا وَجَدَهَا، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلاَ يَأْمَنُ وُصُولَ يَدٍ خَائِنَةٍ إِلَيْهَا بَعْدَهُ، فَفِي أَخْذِهَا إِحْيَاؤُهَا وَحِفْظُهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَهُوَ أَوْلَى، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهَا وَجَبَ الْتِقَاطُهَا، وَهَذَا حَقٌّ، لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ وُصُولُهَا إِلَى رَبِّهَا وَأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقُ الْوُصُولِ، لأِنَّ الزَّمَانَ إِذَا تَغَيَّرَ وَصَارَ طَرِيقَ التَّلَفِ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ بِلاَ شَكٍّ، وَهُوَ الاِلْتِقَاطُ لِلْحِفْظِ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ فِي اللُّقَطَةِ: «فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَهُوَ مَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ»
وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الشَّاةِ وَغَيْرِهَا فِي الْحُكْمِ، كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الصَّحْرَاءِ وَالْعُمْرَانِ .
6 - وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلٌ يَخْتَلِفُ عَنِ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، وَذَلِكَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أَوَّلاً: الضَّالَّةُ إِذَا كَانَتْ فِي الصَّحْرَاءِ:
أ - ضَالَّةُ الإْبِلِ فِي الصَّحْرَاءِ لاَ يَجُوزُ أَخْذُهَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ يُخَافُ عَلَيْهَا مِنَ السِّبَاعِ أَوِ الْجُوعِ أَوِ الْعَطَشِ، لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ» فَإِنْ تَعَدَّى وَأَخَذَهَا فَإِنَّهُ يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ يَتْرُكُهَا بِمَحَلِّهَا، لَكِنْ إِذَا خَافَ عَلَيْهَا مِنْ خَائِنٍ وَجَبَ الْتِقَاطُهَا وَتَعْرِيفُهَا.
ب - ضَالَّةُ الْبَقَرِ فِي الصَّحْرَاءِ إِذَا كَانَ لاَ يُخْشَى عَلَيْهَا مِنَ السِّبَاعِ أَوِ الْجُوعِ أَوِ الْعَطَشِ أَوِ السَّارِقِ فَإِنَّهَا تُتْرَكُ، وَلاَ يَجُوزُ أَخْذُهَا.
وَإِنْ كَانَ يُخْشَى عَلَيْهَا مِنَ السَّارِقِ فَقَطْ وَجَبَ الْتِقَاطُهَا، وَإِنْ كَانَ يُخْشَى عَلَيْهَا مِنَ السِّبَاعِ أَوِ الْجُوعِ أَوِ الْعَطَشِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا، فَإِنْ أَمْكَنَ سَوْقُهَا لِلْعُمْرَانِ وَجَبَ سَوْقُهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَوْقُهَا لِلْعُمْرَانِ جَازَ لَهُ ذَبْحُهَا وَأَكْلُهَا، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ.
فَالإْبِلُ وَالْبَقَرُ عِنْدَ خَوْفِ السَّارِقِ سِيَّانِ فِي وُجُوبِ الاِلْتِقَاطِ، أَمَّا عِنْدَ الْخَوْفِ مِنَ الْجُوعِ أَوِ السِّبَاعِ فَإِنَّ الإْبِلَ تُتْرَكُ، وَالْبَقَرَ يَجُوزُ أَكْلُهَا بِالصَّحْرَاءِ إِنْ تَعَذَّرَ سَوْقُهَا لِلْعُمْرَانِ.
ج - الشَّاةُ يَجُوزُ أَخْذُهَا وَأَكْلُهَا بِالصَّحْرَاءِ إِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ حَمْلُهَا أَوْ سَوْقُهَا لِلْعُمْرَانِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ بِجَوَازِ أَكْلِهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَلَوْ مَعَ تَيَسُّرِ سَوْقِهَا لِلْعُمْرَانِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ.
وَإِنْ أَتَى بِهَا حَيَّةً لِلْعُمْرَانِ وَجَبَ تَعْرِيفُهَا لأِنَّ هَا صَارَتْ كَاللُّقَطَةِ، وَلَوْ ذَبَحَهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَلَمْ يَأْكُلْهَا حَتَّى دَخَلَ الْعُمْرَانَ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا إِلاَّ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهَا، وَلَمْ يَتَيَسَّرْ بَيْعُهَا.
ثَانِيًا: الضَّالَّةُ إِذَا كَانَتْ فِي الْعُمْرَانِ:
إِذَا كَانَتِ الضَّالَّةُ فِي الْعُمْرَانِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْتِقَاطُهَا عِنْدَ خَوْفِ الْخَائِنِ، دُونَ تَفْرِيقٍ بَيْنَ إِبِلٍ وَخَيْلٍ وَبَقَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
هَذَا وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (لُقَطَة).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والثلاثون ، الصفحة / 295
لُقَطَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - اللُّقَطَةُ فِي اللُّغَةِ: مِنْ لَقَطَ أَيْ أَخَذَ الشَّيْءَ مِنَ الأْرْضِ، وَكُلُّ نُثَارَةٍ مِنْ سُنْبُلٍ أَوْ تَمْرٍ لَقْطٌ .
وَاللُّقَطَةُ شَرْعًا هِيَ الْمَالُ الضَّائِعُ مِنْ رَبِّهِ يَلْتَقِطُهُ غَيْرُهُ، أَوِ الشَّيْءُ الَّذِي يَجِدُهُ الْمَرْءُ مُلْقًى فَيَأْخُذُهُ أَمَانَةً .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - اللَّقِيطُ:
2 - سُمِّيَ لَقِيطًا وَمَلْقُوطًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقَطُ، وَمَنْبُوذًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُنْبَذُ، وَيُسَمَّى أَيْضًا دَعِيًّا وَشَرْعًا اللَّقِيطُ: اسْمُ الْمَوْلُودِ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنَ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ تُهْمَةِ الزِّنَا، أَوْ هُوَ طِفْلٌ نَبِيذٌ بِنَحْوِ شَارِعٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُدَّعٍ . قَالَ تَعَالَى: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)
وَاللُّقَطَةُ أَعَمُّ مِنَ اللَّقِيطِ.
ب - الْكَنْزُ:
3 - الْكَنْزُ هُوَ الْمَالُ الْمَدْفُونُ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ دَافِنُهُ .
وَاللُّقَطَةُ وَالْكَنْزُ صَاحِبُهُمَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ.
حُكْمُ الاِلْتِقَاطِ
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الاِلْتِقَاطِ عَلَى مَا يَأْتِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ رَفْعُ اللُّقَطَةِ مِنْ عَلَى الأْرْضِ إِنْ أَمِنَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى نَفْسِهِ تَعْرِيفَهَا، وَإِلاَّ فَالتَّرْكُ أَوْلَى مِنَ الرَّفْعِ، وَإِنْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ حَرُمَ، لأِنَّهَا كَالْغَصْبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَيُفْرَضُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا إِذَا خَافَ مِنَ الضَّيَاعِ، لأِنَّ لِمَالِ الْمُسْلِمِ حُرْمَةً كَمَالِ نَفْسِهِ فَلَوْ تَرَكَهَا حَتَّى ضَاعَتْ كَانَ آثِمًا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ كَانَ الاِلْتِقَاطُ حَرَامًا، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ أَنْ يَسْتَفِزَّهُ الشَّيْطَانُ وَلاَ يَتَحَقَّقُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَإِنْ كَانَ يَثِقُ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ نَاسٍ لاَ بَأْسَ بِهِمْ وَلاَ يَخَافُ عَلَيْهَا الْخَوَنَةَ، وَإِمَّا أَنْ يَخَافَهُمْ فَإِنْ خَافَهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِ الاِلْتِقَاطُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْهُمْ فَلِمَالِكٍ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ:
الأْوَّلُ: الاِسْتِحْبَابُ مُطْلَقًا.
الثَّانِي: الاِسْتِحْبَابُ فِيمَا لَهُ بَالٌ فَقَطْ.
الثَّالِثُ: الْكَرَاهَةُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا وَجَدَهَا بِمَضِيعَةِ وَأَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا فَالأْفْضَلُ أَخْذُهَا، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ ذَلِكَ وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ يَجِبُ أَخْذُهَا صِيَانَةً لِلْمَالِ عَنِ الضَّيَاعِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) . فَإِذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ وَلِيًّا لِلْمُؤْمِنِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِهِ فَلاَ يَتْرُكُهُ عُرْضَةً لِلضَّيَاعِ.
وَمِمَّنْ رَأَى أَخْذَهَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَخَذَهَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فِعْلاً .
وَيَرَى أَحْمَدُ أَنَّ الأْفْضَلَ تَرْكُ الاِلْتِقَاطِ وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم وَبِهِ قَالَ جَابِرٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ وَعَطَاءٌ، وَحُجَّتُهُمْ: حَدِيثُ الْجَارُودِ مَرْفُوعًا: «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ» . وَلأِنَّهُ تَعْوِيضٌ لِنَفْسِهِ لأِكْلِ الْحَرَامِ وَتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ فِي تَعْرِيفِهَا وَأَدَاءِ الأْمَانَةِ فِيهَا فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى وَأَسْلَمَ .
مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الاِلْتِقَاطُ
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الاِلْتِقَاطُ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ اتِّجَاهَانِ:
الاِتِّجَاهُ الأْوَّلُ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الاِلْتِقَاطُ مِنْ أَيِّ إِنْسَانٍ سَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَمْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، رَشِيدًا أَمْ لاَ.
وَعَلَى ذَلِكَ يَصِحُّ الاِلْتِقَاطُ مِنَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالسَّفِيهِ وَمِنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ الْمَجْنُونَ فَلاَ يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ عِنْدَهُمْ وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ فِي قَوْلٍ، وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَلِي:
أ - عُمُومُ الأْخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي اللُّقَطَةِ، فَلَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ مُلْتَقِطٍ وَآخَرَ.
ب - أَنَّ الاِلْتِقَاطَ تَكَسُّبٌ فَصَحَّ مِنْ هَؤُلاَءِ كَالاِصْطِيَادِ وَالاِحْتِشَاشِ .
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي:
ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ هُوَ كُلُّ حُرٍّ مُسْلِمٍ، بَالِغٍ، وَعَلَى ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ الاِلْتِقَاطُ عِنْدَهُ مِنَ الْعَبْدِ وَلاَ مِنَ الذِّمِّيِّ وَلاَ مِنَ الصَّبِيِّ، وَوَافَقَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي عَدَمِ جَوَازِ الاِلْتِقَاطِ مِنَ الذِّمِّيِّ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَأْتِي:
أ - أَنَّ اللُّقَطَةَ وِلاَيَةٌ وَلاَ وِلاَيَةَ لِلْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالصَّغِيرِ.
ب - أَنَّ اللُّقَطَةَ أَمَانَةٌ وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ أَهْلاً لِلأْمَانَاتِ.
وَإِنْ تَلِفَتِ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الاِلْتِقَاطُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ، لأِنَّهُ أَخَذَ مَا لَهُ الْحَقُّ فِي أَخْذِهِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ التَّلَفُ بِتَفْرِيطِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا مِنْ مَالِهِ هُوَ .
وَإِذَا عَلِمَ الْوَلِيُّ بِالْتِقَاطِ مَنْ عَلَيْهِ الْوِلاَيَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا مِنْهُ، لأِنَّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالأْمَانَةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا الْوَلِيُّ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا، لأِنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الصَّبِيِّ، وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُ، فَإِذَا تَرَكَهَا فِي يَدِهِ كَانَ مُضَيِّعًا لَهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا، وَإِذَا أَخَذَهَا الْوَلِيُّ عَرَّفَهَا هُوَ، لأِنَّ وَاجِدَهَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّعْرِيفِ، فَإِذَا عَرَّفَهَا خِلاَلَ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ دَخَلَتْ فِي مِلْكِ وَاجِدِهَا وَلَيْسَ فِي مِلْكِ الْوَلِيِّ لأِنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ تَمَّ شَرْطُهُ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ.
الإْشْهَادُ عَلَى اللُّقَطَةِ
6 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ الإْشْهَادُ عَلَى اللُّقَطَةِ حِينَ يَجِدُهَا، لأِنَّ فِي الإْشْهَادِ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ عَنِ الطَّمَعِ فِيهَا وَكَتْمِهَا وَحِفْظِهَا مِنْ وَرَثَتِهِ إِنْ مَاتَ، وَمِنْ غُرَمَائِهِ إِنْ أَفْلَسَ، وَيُشْهِدُ عَلَيْهَا سَوَاءٌ أَكَانَ الاِلْتِقَاطُ لِلتَّمَلُّكِ أَمْ لِلْحِفْظِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِلُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ الإْشْهَادِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوِي عَدْلٍ وَلاَ يَكْتُمْ وَلاَ يُغَيِّبْ» ،، وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ ادِّعَاءَ مِلْكِيَّتِهَا.
وَيَكُونُ الإْشْهَادُ بِقَوْلِهِ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ النَّاسِ: إِنِّي أَلْتَقِطُ لُقَطَةً، أَوْ عِنْدِي لُقَطَةٌ، فَأَيُّ النَّاسِ أَنْشَدَهَا فَدُلُّوهُ عَلَيَّ، فَإِذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ هَلَكَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَيَذْكُرُ فِي الإْشْهَادِ بَعْضَ صِفَاتِ اللُّقَطَةِ لِيَكُونَ فِي الإْشْهَادِ فَائِدَةٌ وَلاَ يَسْتَوْعِبُ صِفَاتِهَا لِئَلاَّ يَنْتَشِرَ ذَلِكَ فَيَدَّعِيهَا مَنْ لاَ يَسْتَحِقُّهَا مِمَّنْ يَذْكُرُ صِفَاتِهَا الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُلْتَقِطُ، وَلَكِنْ يَذْكُرُ لِلشُّهُودِ مَا يَذْكُرُهُ فِي التَّعْرِيفِ مِنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ، أَوْ عِفَاصِهَا أَوْ وِكَائِهَا .
تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ
7 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ سَوَاءٌ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا أَوْ حِفْظَهَا لِصَاحِبِهَا لِمَا وَرَدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «أَصَبْتُ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم ، فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلاً فَعَرَّفْتُهَا حَوْلاً فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلاً فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ ثَلاَثًا فَقَالَ: احْفَظْ وِعَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلاَّ فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» .
وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ أَرَادَ حِفْظَهَا وَمَنْ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا، وَ لأِنَّ حِفْظَهَا لِصَاحِبِهَا إِنَّمَا يُقَيِّدُ بِاتِّصَالِهَا إِلَيْهِ وَطَرِيقَةِ التَّعْرِيفِ، أَمَّا بَقَاؤُهَا فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ مِنْ غَيْرِ وُصُولِهَا إِلَى صَاحِبِهَا وَهَلاَكِهَا سِيَّانِ، وَ لأِنَّ إِمْسَاكَهَا مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ تَضْيِيعٌ لَهَا عَنْ صَاحِبِهَا فَلَمْ يَجُزْ، وَلأِنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبِ التَّعْرِيفُ لَمَا جَازَ الاِلْتِقَاطُ، لأِنَّ بَقَاءَهَا فِي مَكَانِهَا إِذًا أَقْرَبُ إِلَى وُصُولِهَا إِلَى صَاحِبِهَا، إِمَّا بِأَنْ يَطْلُبَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ضَاعَتْ فِيهِ فَيَجِدُهَا، وَإِمَّا بِأَنْ يَجِدَهَا مَنْ يَعْرِفُهَا، وَأَخْذُهَا يُفَوِّتُ الأْمْرَيْنِ فَيَحْرُمُ، فَلَمَّا جَازَ الاِلْتِقَاطُ وَجَبَ التَّعْرِيفُ كَيْ لاَ يَحْصُلَ هَذَا الضَّرَرُ، وَ لأِنَّ التَّعْرِيفَ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَمَلُّكَهُ، فَكَذَلِكَ عَلَى مَنْ أَرَادَ حِفْظَهَا.
وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَتَوَلَّى التَّعْرِيفَ أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً ثِقَةً وَلاَ تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ إِذَا كَانَ مَوْثُوقًا بِقَوْلِهِ، كَمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْخَلاَعَةِ وَالْمُجُونِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُبَالاَةِ بِمَا يَصْنَعُ .
مُدَّةُ التَّعْرِيفِ:
8 - يَرَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ أَنَّ اللُّقَطَةَ تُعَرَّفُ سَنَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَهَذَا رَأْيُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا، لأِنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم أَمَرَ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ رضي الله عنه أَنْ يُعَرِّفَ اللُّقَطَةَ سَنَةً مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَ لأِنَّ السُّنَّةَ لاَ تَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْقَوَافِلُ، وَيَمْضِي فِيهَا الزَّمَانُ الَّذِي تُقْصَدُ فِيهِ الْبِلاَدُ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالاِعْتِدَالِ فَصَلَحَتْ قَدْرًا.
وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَبَقِيَّةُ أَصْحَابِهِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَرَّفَهَا أَيَّامًا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى أَنَّهَا كَافِيَةٌ لِلإْعْلاَمِ، وَأَنَّ صَاحِبَهَا لاَ يَطْلُبُهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةً فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلاً، لأِنَّ التَّقْدِيرَ بِالْحَوْلِ وَرَدَ فِي لُقَطَةٍ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ .
لِمَا وَرَدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ فَشَأْنُكَ بِهَا قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: هِيَ لَكَ أَوْ لأِخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ قَالَ: فَضَالَّةُ الإْبِلِ؟ قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» .
زَمَانُ التَّعْرِيفِ وَمَكَانُهُ:
9 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ خِلاَلَ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ، فِي النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ لأِنَّ النَّهَارَ مَجْمَعُ النَّاسِ وَمُلْتَقَاهُمْ دُونَ اللَّيْلِ، وَيَكُونُ التَّعْرِيفُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ وَلأِسْبُوعٍ بَعْدَهُ، لأِنَّ الطَّلَبَ فِيهِ أَكْثَرُ فَيُعَرِّفُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ.
وَيُعَرِّفُهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ، لأِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى صَاحِبِهَا، لأِنَّهُ يَطْلُبُهَا غَالِبًا حَيْثُ افْتَقَدَهَا، كَمَا تُعَرَّفُ أَيْضًا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كَأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ، وَلاَ يَنْشُدُهَا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، لأِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا، وَلِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا يُعَرِّفُهَا أَيْضًا فِي الأْسْوَاقِ وَالْمَجَامِعِ وَالْمَحَافِلِ وَمَحَالِّ الرِّحَالِ وَمُنَاخِ الأْسْفَارِ، وَإِنِ الْتَقَطَ فِي الصَّحْرَاءِ وَهُنَاكَ قَافِلَةٌ تَبِعَهَا وَعَرَّفَ فِيهَا .
مَرَّاتُ التَّعْرِيفِ وَمُؤْنَتُهُ:
10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ أَنْ يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ الْحَوْلِ بِالتَّعْرِيفِ كُلَّ يَوْمٍ، بَلْ يُعَرِّفُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَرَّةً كُلَّ أُسْبُوعٍ، ثُمَّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَإِنَّمَا جُعِلَ التَّعْرِيفُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ أَكْثَرَ، لأِنَّ طَلَبَ الْمَالِكِ فِيهَا أَكْثَرُ، وَكُلَّمَا طَالَتِ الْمُدَّةُ عَلَى فَقْدِ اللُّقَطَةِ قَلَّ طَلَبُ الْمَالِكِ لَهَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَخَذَهَا لِيَحْفَظَهَا لِمَالِكِهَا لاَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ إِنْ كَانَتْ لَهَا مُؤْنَةٌ بَلْ يُرَتِّبُهَا الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يَقْتَرِضُ عَلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ أَخَذَهَا لِلتَّمَلُّكِ لَزِمَهُ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَوِ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ لَتَعْرِيفِهَا فَالأْجْرُ مِنَ اللُّقَطَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَتَوَلَّى التَّعْرِيفَ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ غَيْرَهُ، فَإِنْ وَجَدَ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ، وَإِلاَّ إِنِ احْتَاجَ إِلَى أَجْرٍ فَهُوَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ.
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا اسْتَنَابَ مِنْ يَحْفَظُ اللُّقَطَةَ وَيُعَرِّفُهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَلاَ يُسَافِرُ بِهَا، أَمَّا إِذَا الْتَقَطَ اثْنَانِ لُقَطَةً عَرَّفَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ سَنَةٍ، أَوْ عَرَّفَهَا أَحَدُهُمَا سَنَةً كَامِلَةً نِيَابَةً عَنِ الآْخَرِ، وَيُعَرِّفُهَا كُلَّهَا لاَ نِصْفَهَا لِيَكُونَ لِلتَّعْرِيفِ فَائِدَةٌ.
وَإِنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ تَعَبِ التَّعْرِيفِ دَفَعَهَا إِلَى حَاكِمٍ أَمِينٍ، أَوْ إِلَى الْقَاضِي، وَيَلْزَمُهُمَا الْقَبُولُ حِفْظًا لَهَا عَلَى صَاحِبِهَا .
كَيْفِيَّةُ التَّعْرِيفِ
11 - يَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ مَنْ يَتَوَلَّى التَّعْرِيفَ جِنْسَ اللُّقَطَةِ وَنَوْعَهَا وَمَكَانَ وُجُودِهَا وَتَارِيخَ الْتِقَاطِهَا، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا تَأَخَّرَ فِي التَّعْرِيفِ، كَمَا لَهُ أَنْ يَذْكُرَ عِفَاصَهَا أَوْ وِكَاءَهَا، لأِنَّ فِي ذِكْرِ الْجِنْسِ أَوِ النَّوْعِ أَوِ الْعِفَاصِ أَوِ الْوِكَاءِ مَا يُؤَدِّي إِلَى انْتِشَارِ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ فَيُؤَدِّي إِلَى الظَّفَرِ بِالْمَالِكِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُعَرِّفِ أَنْ لاَ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ أَوْصَافِ اللُّقَطَةِ حَتَّى لاَ يَعْتَمِدَهَا كَاذِبٌ فَيُفَوِّتُهَا عَلَى مَالِكِهَا .
تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ
12 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إِذَا أَشْهَدَ عَلَى اللُّقَطَةِ فَيَدُهُ عَلَيْهَا أَثَنَاءَ الْحَوْلِ يَدُ أَمَانَةٍ، إِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ، لأِنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُلْتَقِطِ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ أَوْ نَقَصَتْ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ يَضْمَنُ لأِنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ بِدُونِ إِذْنِهِ وَبِدُونِ إِذْنِ الشِّرْعِ.
وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ أَنَّهُ إِذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا وَقَالَ أَخَذْتُهَا لِلْحِفْظِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ يَضْمَنُ، وَعِنْدَ الْبَقِيَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ لاَ يَضْمَنُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنَّمَا قِيلَ بِعَدِمِ الضَّمَانِ لأِنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لاِخْتِيَارِهِ الْحِسْبَةَ دُونَ الْمَعْصِيَةِ، لأِنَّ فِعْلَ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا، وَالَّذِي يَحِلُّ لَهُ هُوَ الأْخَذُ لِلرِّدِّ لاَ لِنَفْسِهِ، فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ فِعْلِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ قَائِمٌ.
مَقَامَ الإْشْهَادِ مِنْهُ، وَأَمَّا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فَلأِنَّ صَاحِبَهَا يَدِّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَوُجُوبَ الْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ مُنْكَرٌ لِذَلِكَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، كَمَا لَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبَ.
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخَذُ مَالِ الْغَيْرِ، وَادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهُوَ الأْخَذُ لِلْمَالِكِ، وَفِيهِ وَقَعَ الشَّكُّ فَلاَ يَبْرَأُ.
وَإِنْ أَتْلَفَهَا الْمُلْتَقِطُ أَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ بِتَفْرِيطِهِ ضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا إِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الأَْمْثَالِ وَبِقِيمَتِهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِثْلٌ، وَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مِثْلُهَا أَوْ قِيمَتُهَا بِكُلِّ حَالٍ، لأِنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ وَتَلِفَتْ مِنْ مَالِهِ سَوَاءٌ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَوَجَدَ الْعَيْنَ نَاقِصَةً أَخَذَ الْعَيْنَ وَأَرْشَ نَقْصِهَا، لأِنَّ جَمِيعَهَا مَضْمُونٌ إِذَا تَلِفَتْ فَكَذَلِكَ إِذَا نَقَصَتْ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ السَّابِقَيْنِ، وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ مِلْكِ الْمُلْتَقِطِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَلَهُ أَخْذُ بَدَلِهَا لأِنَّ تَصَرُّفَ الْمُلْتَقِطِ وَقَعَ صَحِيحًا لِكَوْنِهَا صَارَتْ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ وَجَدَهَا رَجَعَتْ إِلَى الْمُلْتَقِطِ بِفَسْخٍ أَوْ شِرَاءٍ فَلَهُ أَخْذُهَا لأِنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فِي يَدِ مُلْتَقِطِهِ فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ، وَقِيمَةُ اللُّقَطَةِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ التَّمَلُّكِ، لأِنَّهُ يَوْمُ دُخُولِ الْعَيْنِ فِي ضَمَانِهِ .
رِدُّ اللُّقَطَةِ إِلَى مَوْضِعِهَا
13 - يَرَى أَبُو حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمَالِكٌ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إِذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى مَكَانِهَا الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ أَخَذَهَا مُحْتَسِبًا مُتَبَرِّعًا لِيَحْفَظَهَا عَلَى صَاحِبِهَا، فَإِذَا رَدَّهَا إِلَى مَكَانِهَا فَقَدْ فَسَخَ التَّبَرُّعَ مِنَ الأْصْلِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا أَصْلاً، وَهَذَا الْحُكْمُ إِذَا أَخَذَهَا لِيَحْفَظَهَا لِصَاحِبِهَا وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالإْشْهَادِ عَلَيْهَا حِينَ الاِلْتِقَاطِ، أَمَّا إِذَا أَخَذَهَا لِيَتَمَلَّكَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لاَ يَضْمَنُ سَوَاءٌ أَشْهَدَ أَمْ لاَ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُلْتَقِطِ مَعَ يَمِينِهِ. وَيَرَى أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إِذَا رَدَّ اللُّقَطَةَ بَعْدَ أَخْذِهَا فَضَاعَتْ أَوْ هَلَكَتْ ضَمِنَهَا، لأِنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا فَإِذَا ضَيَّعَهَا لَزِمَهُ ضَمَانُهَا كَمَا لَوْ ضَيَّعَ الْوَدِيعَةَ، أَمَّا إِذَا ضَاعَتِ اللُّقَطَةُ مِنْ مُلْتَقِطِهَا بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأِنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَإِنْ ضَاعَتْ مِنَ الأْوَّلِ فَالْتَقَطَهَا آخِرُ فَعَرَفَ أَنَّهَا ضَاعَتْ مِنَ الأْوَّلِ فَعَلَيْهِ رَدُّهَا إِلَيْهِ، لأِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ التَّمَوُّلِ، وَوِلاَيَةُ التَّعْرِيفِ وَالْحِفْظِ، فَلاَ يَزُولُ ذَلِكَ بِالضَّيَاعِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الثَّانِي مِمَّنْ ضَاعَتْ حَتَّى عَرَّفَهَا حَوْلاً مَلَكَهَا لأِنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وُجِدَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ، وَلاَ يَمْلِكُ الأْوَّلُ انْتِزَاعَهَا مِنْهُ، لأِنَّ الْمِلْكَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ التَّمَلُّكِ، وَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا فَلَهُ أَخْذُهَا مِنَ الثَّانِي وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الأْوَّلِ لأِنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ فِي الْحِفْظِ .
تَمَلُّكُ اللُّقَطَةِ
14 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ جِوَازَ تَمَلُّكِ الْمُلْتَقِطِ اللُّقَطَةَ إِذَا عَرَّفَهَا لِلتَّمَلُّكِ سَنَةً أَوْ دُونَهَا وَلَمْ تُعْرَفْ، وَصَارَتْ مِنْ مَالِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ غَنِيًّا أَمْ فَقِيرًا وَتَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ تَمَامِ التَّعْرِيفِ، كَمَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى أَنَّ اللُّقَطَةَ لاَ تَدْخُلُ مِلْكَ الْمُلْتَقِطِ حَتَّى يَخْتَارَ التَّمَلُّكَ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَتَمَلَّكْتُ مَا الْتَقَطْتُهُ، أَمَّا الأْخْرَسُ فَتَكْفِي إِشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ كَسَائِرِ عُقُودِهِ.
وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَمَلُّكُ اللُّقَطَةِ وَالاِنْتِفَاعُ بِهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْقِيقِ النَّظَرِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، نَظَرُ الثَّوَابِ لِلْمَالِكِ، وَنَظَرُ الاِنْتِفَاعِ لِلْمُلْتَقِطِ، وَلِهَذَا جَازَ الدَّفْعُ إِلَى فَقِيرٍ غَيْرِهِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ وَإِنْ كَانَ هُوَ غَنِيًّا.
وَوَلَدُ اللُّقَطَةِ كَاللُّقَطَةِ إِنْ كَانَتْ حَامِلاً عِنْدَ الْتِقَاطِهَا وَانْفَصَلَ مِنْهَا قَبْلَ تَمَلُّكِهَا، وَإِلاَّ مَلَكَهُ تَبَعًا لأِمِّهِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْهَاشِمِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلاَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِي جِوَازِ تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ، أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَيَرَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَمَلُّكُ اللُّقَطَةِ لِمَنْ لاَ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ كَالْغَنِيِّ.
وَإِذَا الْتَقَطَهَا اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مَلَكَاهَا جَمِيعًا، وَإِنْ رَآهَا أَحَدُهُمَا وَأَخَذَهَا الآْخَرُ مَلَكَهَا الآْخِذُ دُونَ مَنْ رَآهَا، لأِنَّ اسْتِحْقَاقَ اللُّقَطَةِ بِالأْخَذِ لاَ بِالرُّؤْيَةِ كَالاِصْطِيَادِ .
وَاللُّقَطَةُ تُمْلَكُ مِلْكًا مُرَاعًى يَزُولُ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا، وَيَضْمَنُ لَهُ بَدَلَهَا إِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ الْعِوَضِ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى جِوَازِ تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ، بِالْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوِي عَدْلٍ وَلاَ يَكْتُمْ وَلاَ يُغَيِّبْ، فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَهُوَ مَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» .
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ جِوَازِ التَّمَلُّكِ الْحَالاَتِ الآْتِيَةَ:
أ - اللُّقَطَةُ الَّتِي دَفَعَهَا لِلْحَاكِمِ وَتَرَكَ التَّعْرِيفَ وَالتَّمَلُّكَ ثُمَّ نَدِمَ وَأَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ فَإِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ لأِنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ.
ب - أَخْذُ اللُّقَطَةِ لِلْخِيَانَةِ.
ج - لُقَطَةُ الْحَرَمِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِذَا مَاتَ الْمُلْتَقِطُ وَاللُّقَطَةُ مَوْجُودَةٌ عِنْدَهُ بِعَيْنِهَا قَامَ مُوَرَّثُهُ مَقَامَهُ بِإِتْمَامِ تَعْرِيفِهَا إِنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَيَمْلِكُهَا بَعْدَ إِتْمَامِ التَّعْرِيفِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَرِثَهَا الْوَارِثُ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا مِنَ الْوَارِثِ كَمَا يَأْخُذُهَا مِنَ الْمُوَرِّثِ، فَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةَ الْعَيْنِ فَصَاحِبُهَا غَرِيمٌ لِلْمَيِّتِ بِمِثْلِهَا إِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الأَْمْثَالِ، أَوْ بِقِيمَتِهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ إِنِ اتَّسَعَتْ لِذَلِكَ، فَإِنْ ضَاقَتِ التَّرِكَةُ زَاحَمَ الْغُرَمَاءَ بِبَدَلِهَا، سَوَاءٌ تَلِفَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، لأِنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِمُضِيِّ الْحَوْلِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلاَ شَيْءَ لِصَاحِبِهَا لأِنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ فَلَمْ يَضْمَنْهَا كَالْوَدِيعَةِ، وَكَذَلِكَ إِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ قِيلَ يَمْلِكُهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى أَنَّهَا لاَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَتَمَلَّكَهَا وَذَلِكَ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ .
الاِتِّجَارُ فِي اللُّقَطَةِ
15 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ يَدَ الْمُلْتَقِطِ عَلَى اللُّقَطَةِ يَدُ أَمَانَةٍ وَحِفْظٍ خِلاَلَ الْحَوْلِ، وَلِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ لَهُ الاِتِّجَارُ فِيهَا خِلاَلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، لأِنَّ فِي ذَلِكَ تَعْرِيضًا لِلْهَلاَكِ أَوِ الضَّيَاعِ أَوِ النَّقْصِ بِفِعْلٍ مِنَ الْمُلْتَقِطِ عَنْ قَصْدٍ، إِذِ التِّجَارَةُ تَحْتَمِلُ الرِّبْحَ وَالْخَسَارَةَ، وَالْمُلْتَقِطُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَعْرِيضِ مَا الْتَقَطَهُ لِلْهَلاَكِ أَوِ الضَّيَاعِ أَوِ النُّقْصَانِ، وَإِذَا اتَّجَرَ فِيهَا خِلاَلَ الْحَوْلِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا، أَوْ ضَامِنٌ لأَِرْشِ نَقْصِهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَإِذَا رَبِحَتْ خِلاَلَ الْحَوْلِ وَجَاءَ صَاحِبُهَا فَيَجِبُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ رَدُّهَا إِلَيْهِ مَعَ زِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ أَوِ الْمُنْفَصِلَةِ .
النَّفَقَةُ عَلَى اللُّقَطَةِ
16 - اللُّقَطَةُ خِلاَلَ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ إِمَّا أَنْ تَحْتَاجَ إِلَى نَفَقَةٍ لِلإْبْقَاءِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الْحَالُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأْنْعَامِ مِثْلُ نَفَقَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَأُجْرَةِ الرَّاعِي، وَإِمَّا أَنْ لاَ تَحْتَاجَ إِلَى نَفَقَةٍ كَمَا فِي النُّقُودِ، وَإِمَّا أَنْ تَحْتَاجَ إِلَى بَعْضِ النَّفَقَةِ كَمَا فِي أُجْرَةِ الْحَمْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلأْمْتِعَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مُلْتَقِطَ الأْنْعَامِ إِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَأَمْرِهِ كَانَ مَا أَنْفَقَهُ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا لأِنَّ لِلْحَاكِمِ وَالْقَاضِي وِلاَيَةً فِي مَالِ الْغَائِبِ نَظَرًا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ بِالإْنْفَاقِ، وَكَذَلِكَ الْحَالُ إِذَا أَنْفَقَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ عَلَى رَأْيِ مَالِكٍ بَيْنَمَا يَرَى الأْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ أَنَّهُ إِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ أَوِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِمَا أَنْفَقَهُ لِقُصُورِ وِلاَيَتِهِ فِي مَالِ الْغَائِبِ بِإِشْغَالِ ذِمَّتِهِ بِالدَّيْنِ بِدُونِ أَمْرِهِ، وَيَجْرِي الْخِلاَفُ السَّابِقُ فِيمَا إِذَا الْتَقَطَ مَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ بِلاَ إِنْفَاقٍ عَلَيْهِ كَالرُّطَبِ الَّذِي يَتَتَمَّرُ وَالْعِنَبِ الَّذِي يَتَزَبَّبُ وَاللَّبَنِ الَّذِي يَتَحَوَّلُ إِلَى أَقِطٍ إِنْ كَانَ الأْحَظَّ وَالأْفْضَلَ لِصَاحِبِهِ الإْبْقَاءُ عَلَيْهِ وَالاِحْتِفَاظُ بِهِ، وَإِلاَّ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ وَالاِحْتِفَاظِ بِثَمَنِهِ.
وَإِذَا رَفَعَ الْمُلْتَقِطُ الأْمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ نَظَرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ لِلْبَهِيمَةِ مَنْفَعَةٌ وَثَمَّ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا أَجَّرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا، لأِنَّ فِيهِ إِبْقَاءً لِلْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا مِنْ غَيْرِ إِلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ وَخَافَ أَنْ تَسْتَغْرِقَ النَّفَقَةُ قِيمَتَهَا بَاعَهَا وَأَمَرَ بِحِفْظِ ثَمَنِهَا، إِبْقَاءً لَهُ مَعْنًى عِنْدَ تَعَذُّرِ إِبْقَائِهِ صُورَةً، لأِنَّ الثَّمَنَ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ إِذْ يَصِلُ بِهِ إِلَى مِثْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ الأْصْلَحُ الإْنْفَاقَ عَلَيْهَا أَذِنَ فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى مَالِكِهَا، لأِنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا، وَفِي هَذَا نَظَرٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِالإْنْفَاقِ مُدَّةَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ عَلَى قَدْرِ مَا يُرْجَى أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَأْمُرُ بِبَيْعِهَا لأِنَّ دَوَامَ النَّفَقَةِ مُسْتَأْصِلَةٌ بِالْعَيْنِ مَعْنًى، بَلْ رُبَّمَا تَذْهَبُ بِالْعَيْنِ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى مَالِكِهَا وَلاَ نَظَرَ فِي ذَلِكَ أَصْلاً، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لاَ يَنْفُذَ ذَلِكَ مِنَ الْقَاضِي لَوْ أَمَرَ بِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِعَدِمِ النَّظَرِ، وَإِذَا بَاعَهَا أُعْطِيَ الْمُلْتَقِطُ مِنْ ثَمَنِهَا مَا أَنْفَقَ فِي الْيَوْمَيْنِ أَوِ الثَّلاَثَةِ، لأِنَّ الثَّمَنَ مَالُ صَاحِبِهَا وَالنَّفَقَةَ دَيْنٌ عَلَيْهِ بِعِلْمِ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ إِذَا ظَفِرَ بِجَنْسِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، فَإِنْ بَاعَهَا الْمُلْتَقِطُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْقَاضِي لاَ يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنِ الْمَالِكِ، فَإِنْ جَاءَ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَهُ وَأَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ، وَإِنْ جَاءَ وَهِيَ هَالِكَةٌ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ، فَإِنْ ضَمِنَ الْبَائِعُ نَفَذَ الْبَيْعُ لأِنَّهُ مَلَكَ اللُّقَطَةَ مِنْ حِينِ أَخْذِهَا، وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ.
وَإِذَا حَضَرَ الْمَالِكُ وَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْمُلْتَقِطُ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ حَتَّى يُحْضِرَ النَّفَقَةَ، لأِنَّهَا حَيَّةٌ بِنَفَقَتِهِ، فَصَارَ الْمَالِكُ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَةِ الْمُلْتَقِطِ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ، ثُمَّ لاَ يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلاَكِ اللُّقَطَةِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَيَسْقُطُ إِذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لأِنَّهَا تَصِيرُ بِالْحَبْسِ شَبِيهَةً بِالرَّهْنِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ حَقِّهِ بِهَا.
أَمَّا إِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللُّقَطَةِ وَانْتَفَعَ بِهَا كَأَنْ تَكُونَ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ مَاشِيَةً فَحَلَبَهَا وَشَرِبَ لَبَنَهَا فَلاَ يَرْجِعُ عَلَى مَالِكِهَا بِالنَّفَقَةِ .
التَّصَدُّقُ بِاللُّقَطَةِ
17 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جِوَازِ التَّصَدُّقِ بِاللُّقَطَةِ إِذَا عَرَّفَهَا الْمُلْتَقِطُ وَلَمْ يَحْضُرْ صَاحِبُهَا مُدَّةَ التَّعْرِيفِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى إِذْنِ الْحَاكِمِ، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.
وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ صَاحِبَ اللُّقَطَةِ إِذَا جَاءَ بَعْدَمَا تَصَدَّقَ بِهَا الْمُلْتَقِطُ فَهُوَ بِأَحَدِ خِيَارَاتٍ ثَلاَثٍ:
أ - إِنْ شَاءَ أَمَضَى الصَّدَقَةَ، لأِنَّ التَّصَدُّقَ وَإِنْ حَصَلَ بِإِذْنِ الشِّرْعِ لَمْ يَحْصُلْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَتِهِ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ لِلإْنْسَانِ يَكُونُ بِفِعْلٍ مُخْتَارٍ لَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ قَبْلَ لُحُوقِ الإْذْنِ وَالرِّضَا، فَبِالإْجَازَةِ وَالرِّضَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ لِرِضَاهُ بِذَلِكَ.
ب - وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ، لأِنَّهُ سَلَّمَ مَالَهُ إِلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ بِإِبَاحَةٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَهَذَا لاَ يُنَافِي الضَّمَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ، كَمَا فِي تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ، وَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ مَعَ ثُبُوتِ الضَّمَانِ.
ج - وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمِسْكِينُ إِذَا هَلَكَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ، لأِنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَأَيَّهَا ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ .
تَرْكُ الْمَتَاعِ :
18 - سَبَقَ الْقَوْلُ أَنَّ مِلْكَ الْمَالِكِ لاَ يَزُولُ إِلاَّ بِسَبَبٍ مَشْرُوعٍ، وَقَدْ يَظْهَرُ مِنْ فِعْلِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَخَلِّيهِ عَنْ مِلْكِهِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ، أَوْ لِتَقْصِيرِهِ عَنِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ، أَوْ لِحَقَارَةِ مَا فَقَدَهُ أَوْ سَقَطَ مِنْهُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَالِكَ قَدْ تَخَلَّى عَنْهُ لِمَا تَقَدَّمَ فَيَجُوزُ أَخْذُهُ وَتَمَلُّكُهُ، وَلاَ يُعَرِّفُهُ الآْخِذُ لأِنَّ التَّعْرِيفَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَجْلِ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ وَالْوُصُولِ إِلَيْهِ لِرِدِّ مَا فَقَدَهُ، أَمَّا وَأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ تَخَلَّى عَنْهُ فَلاَ يُرَدُّ إِلَيْهِ، كَمَا فِي إِلْقَاءِ بَعْضِ الأَْثَاثِ فِي مَوَاضِعِ الْقُمَامَةِ أَوْ خَارِجَ الْبُيُوتِ لَيْلاً، وَكَمَا هُوَ الْحَالُ بِالنِّسْبَةِ لِلسَّنَابِلِ السَّاقِطَةِ أَثْنَاءَ الْحَصَادِ وَعَلَى الطُّرُقَاتِ وَكَسُقُوطِ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَحَبَّاتٍ مِنَ التَّمْرِ فِي الطَّرِيقِ، فَمِثْلُ هَذِهِ الأْشْيَاءِ يَجُوزُ أَخْذُهَا وَالاِنْتِفَاعُ بِهَا وَلاَ تُعَرَّفُ .
الْجُعْلُ عَلَى اللُّقَطَةِ
19 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ جِوَازَ أَخْذِ الْجُعْلِ، إِنْ جَعَلَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ جُعْلاً مَعْلُومًا لِمَنْ وَجَدَهَا، فَلِلْمُلْتَقِطِ أَخْذُ الْجُعْلِ إِنْ كَانَ الْتَقَطَهَا بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ، لأِنَّ الْجَعَالَةَ فِي رَدِّ الضَّالَّةِ وَالآْبِقِ وَغَيْرِهِمَا جَائِزَةٌ بِدَلِيلِ قوله تعالي : (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) .
وَمِنَ الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَتَوْا حَيًّا مِنَ الْعَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ فَقَالُوا: هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا: لَمْ تَقْرُونَا فَلاَ نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعَ شِيَاهٍ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفُلُ وَيَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ فَأَتَوْا بِالشَّاةِ فَقَالُوا: لاَ نَأْخُذُهَا حَتَّى نَسْأَلَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: وَمَا يَدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا» .
وَالْحَاجَةُ تَدْعُو أَحْيَانًا كَثِيرَةً إِلَى جَعْلِ جُعْلٍ عَلَى رِدِّ اللُّقَطَةِ، طَلَبًا لِلسُّرْعَةِ فِي رَدِّهَا، وَلأِنَّهُ قَدْ لاَ يَجِدُ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْجُعْلَ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ فَيَقُولُ: إِنْ رَدَدْتَ لُقَطَتِي فَلَكَ دِينَارٌ مَثَلاً، فَيَجْتَهِدُ هَذَا فِي الْبَحْثِ عَنْهَا وَرَدِّهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْجُعْلَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيَقُولُ: مَنْ رَدَّ عَلَيَّ ضَالَّتِي فَلَهُ كَذَا فَمَنْ رَدَّهَا عَلَيْهِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ أَمَّا إِنْ رَدَّ اللُّقَطَةَ أَوِ الضَّالَّةَ عَلَى صَاحِبِهَا وَلَمْ يَجْعَلْ جُعْلاً عَلَيْهَا فَلاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، لأِنَّهُ عَمَلٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِوَضَ مَعَ الْمُعَاوَضَةِ فَلاَ يَسْتَحِقُّ مَعَ عَدِمِهَا كَالْعَمَلِ فِي الإْجَارَةِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إِنِ الْتَقَطَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ الْجُعْلُ فَرَدَّهَا لِعِلَّةِ الْجُعْلِ، لأِنَّهُ الْتَقَطَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَعَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ جَعْلِ جُعْلٍ فَلاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، كَمَا لَوِ الْتَقَطَهَا وَلَمْ يَجْعَلْ رَبُّهَا فِيهَا شَيْئًا .
رَدُّ اللُّقَطَةِ إِلَى صَاحِبِهَا
20 - يُشْتَرَطُ لِرِدِّ اللُّقَطَةِ إِلَى صَاحِبِهَا أَنْ يَصِفَهَا وَيَتَعَرَّفَ عَلَيْهَا بِذِكْرِ عَلاَمَاتٍ تُمَيِّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا، كَذِكْرِ عَدَدِهَا أَوْ بَعْضِ عَلاَمَاتِ الدَّابَّةِ وَمَكَانِ فَقْدِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَوْ يَثْبُتُ أَنَّهَا لَهُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِذَا ذَكَرَ عَلاَمَاتِهَا مِنَ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَالْعَدَدِ وَالْوَزْنِ فَيَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلاً زِيَادَةً فِي الاِسْتِيثَاقِ، لأِنَّ رَدَّهَا إِلَيْهِ إِذَا وَصَفَهَا مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشِّرْعُ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يُجْبَرُ قَضَاءً عَلَى رَدِّهَا لِصَاحِبِهَا بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ عَلاَمَاتِهَا الْمُمَيَّزَةِ أَمْ لاَ بُدَّ مِنَ الْبَيِّنَةِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لاَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ اللُّقَطَةِ إِلَى مُدَّعِيهَا بِلاَ بَيِّنَةٍ، لأِنَّهُ مُدَّعٍ فَيَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ كَغَيْرِهِ، وَ لأِنَّ اللُّقَطَةَ مَالٌ لِلْغَيْرِ فَلاَ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ بِالْوَصْفِ كَالْوَدِيعَةِ، لَكِنْ يَرَى الْحَنَفِيَّةُ جِوَازَ تَسْلِيمِهَا لِمُدَّعِيهَا عِنْدَ إِصَابَةِ عَلاَمَتِهَا، كَمَا يَرَى الشَّافِعِيَّةُ جِوَازَ تَسْلِيمِهَا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُلْتَقِطِ صَدْقُ مُدَّعِيهَا.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ، وَإِلاَّ فَهِيَ لَكَ» .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ اللُّقَطَةِ لِصَاحِبِهَا إِذَا وَصَفَهَا بِصِفَاتِهَا الْمَذْكُورَةِ، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صَدْقُهُ أَمْ لاَ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ، عَمَلاً بِظَاهِرِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ السَّابِقِ وَفِيهِ: «... اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» .
وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ» .
وَلأِنَّهُ مِنَ الْمُتَعَذِّرِ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى اللُّقَطَةِ، لأِنَّهَا ضَاعَتْ مِنْ صَاحِبِهَا حَالَ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ شُهُودٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الأْوْصَافِ وَالْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ مِنَ الْبَيِّنَةِ .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا لِمُدَّعِيهَا إِذَا لَمْ يَصِفْهَا بِصِفَاتِهَا وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَيْهَا، وَلَمْ يَعْلَمِ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهَا لَهُ، وَلاَ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى دَفْعِهَا إِلَيْهِ، لأِنَّ النَّاسَ لاَ يُعْطَوْنَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، فَإِنِ ادَّعَاهَا اثْنَانِ وَوَصَفَاهَا، أَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ أَقْرَعَ الْمُلْتَقِطُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ وَدُفِعَتْ إِلَيْهِ، لأِنَّ هُمَا تَسَاوَيَا فِيمَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الدَّفْعُ فَتَسَاوَيَا فِيهِ .
اللُّقَطَةُ فِي الْحَرَمِ
21 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ لُقَطَةِ الْحِلِّ وَلُقَطَةِ الْحَرَمِ مِنْ حَيْثُ جِوَازِ الاِلْتِقَاطِ وَالتَّعْرِيفِ لِمُدَّةِ سَنَةٍ، لأِنَّ اللُّقَطَةَ كَالْوَدِيعَةِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهَا بِالْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَالأْحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ لُقَطَةِ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، مِثْلُ قَوْلِهِ: «اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً» .
وَيَرَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ لُقَطَةَ الْحَرَمِ لاَ يَحِلُّ أَخْذُهَا إِلاَّ لِلتَّعْرِيفِ وَأَنَّهَا تُعَرَّفُ عَلَى الدَّوَامِ، إِذْ إِنَّ الأْحَادِيثَ الْخَاصَّةَ بِلُقَطَةِ الْحَرَمِ لَمْ تُوَقِّتِ التَّعْرِيفَ بِسَنَةٍ كَغَيْرِهَا، فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْرِيفَ عَلَى الدَّوَامِ، وَإِلاَّ فَلاَ فَائِدَةَ مِنَ التَّخْصِيصِ، وَ لأِنَّ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ، مَثَابَةٌ لِلنَّاسِ يَعُودُونَ إِلَيْهَا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، فَرُبَّمَا يَعُودُ مَالِكُهَا مِنْ أَجْلِهَا مَرَّةً ثَانِيَةً، أَوْ يَبْعَثُ فِي طَلَبِهَا، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ مَالَهُ بِهِ مَحْفُوظًا مِنَ الضَّيَاعِ .
اللُّقَطَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ
22 - مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَيْشِ عَرَّفْهَا سَنَةً فِي دَارِ الإْسْلاَمِ ثُمَّ يَطْرَحُهَا فِي الْمَغْنَمِ، وَإِنَّمَا يُعَرِّفُهَا فِي دَارِ الإْسْلاَمِ لأِنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُبَاحَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِمُسْلِمٍ، وَلأِنَّهُ قَدْ لاَ يُمْكِنُهُ الْمُقَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِتَعْرِيفِهَا، وَابْتِدَاءُ التَّعْرِيفِ يَكُونُ فِي الْجَيْشِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، لاِحْتِمَالِ أَنَّهَا لأِحَدِ أَفْرَادِهِ، فَإِذَا قَفَلَ رَاجِعًا أَتَمَّ التَّعْرِيفَ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ، أَمَّا إِنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوَجَدَ لُقَطَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَهَا فِي دَارِهِمْ، لأِنَّ أَمْوَالَهُمْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ تُعَرَّفْ مَلَكَهَا كَمَا يَمْلِكُهَا فِي دَارِ الإْسْلاَمِ، وَإِنْ دَخَلَ دَارَهُمْ مُتَلَصَّصًا فَوَجَدَ لُقَطَةً عَرَّفَهَا فِي دَارِ الإْسْلاَمِ، لأِنَّ أَمْوَالَهُمْ مُبَاحَةٌ لَهُ، ثُمَّ يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ غَنِيمَتِهِ .
زَكَاةُ اللُّقَطَةِ
23 - اللُّقَطَةُ الَّتِي لاَ يَعْرِفُ عَنْهَا صَاحِبُهَا شَيْئًا لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا خِلاَلَ فَتْرَةِ فَقْدِهَا وَضَيَاعِهَا، لأِنَّ مِلْكَهُ لَهَا لَيْسَ تَامًّا إِذْ إِنَّهَا لَيْسَتْ تَحْتَ يَدِهِ حَتَّى يَتَصَرَّفَ فِيهَا، وَلاَ يُزَكِّيهَا الْمُلْتَقِطُ فِي عَامِ التَّعْرِيفِ لأِنَّهُ لاَ يَمْلِكُهَا خِلاَلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ خِلاَلَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ زَكَّاهَا لِلْحَوْلِ الَّذِي كَانَ الْمُلْتَقِطُ مَمْنُوعًا مِنْهَا إِنْ بَلَغَتِ النِّصَابَ، فَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَةً فَإِنَّمَا تَجِبُ زَكَاتُهَا عَلَى صَاحِبِهَا إِذَا كَانَتْ سَائِبَةً عِنْدَ الْمُلْتَقِطِ، فَإِنْ عَلَفَهَا فَلاَ زَكَاةَ عَلَى صَاحِبِهَا، وَزَكَاتُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ الأْوَّلِ عَلَى الْمُلْتَقِطِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَدَ لأِنَّهَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ كَالْمِيرَاثِ فَتَصِيرُ كَسَائِرِ مَالِهِ.
أَمَّا إِذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِلتَّمَلُّكِ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا لِلْعَامِ الَّذِي عَرَّفَهَا فِيهِ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا لَمْ يُزَكِّهَا لِذَلِكَ الْحَوْلِ، وَلاَ يَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى مَالِكِهَا بِزَكَاتِهَا كَمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والأربعون ، الصفحة / 385
نَهْرٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - النَّهْرُ فِي اللُّغَةِ: مَجْرَى الْمَاءِ الْعَذْبِ وَالْمَاءِ الْجَارِي الْمُتَّسِعِ، وَالْجَمْعُ نُهُرٌ بِضَمَّتَيْنِ وَأَنْهُرٌ، وَالنَّهَرُ- بِفَتْحَتَيْنِ- لُغَةٌ، وَالْجَمْعُ أَنْهَارٌ، ثُمَّ أُطْلِقَ النَّهْرُ عَلَى الأْخْدُودِ مَجَازًا لِلْمُجَاوَرَةِ، فَيُقَالُ: جَرَى النَّهْرُ، وَجَفَّ النَّهْرُ، وَالأْصْلُ جَرَى مَاءُ النَّهْرِ .
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ النَّهْرُ: هُوَ الْمَجْرَى الْوَاسِعُ لِلْمَاءِ فَوْقَ السَّاقِيَةِ فَهُوَ مَجْرًى كَبِيرٌ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى الْكِرَى فِي كُلِّ حِينٍ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْبَحْرُ:
2 - الْبَحْرُ فِي اللُّغَةِ: الْمَاءُ الْكَثِيرُ، مِلْحًا كَانَ أَوْ عَذْبًا، وَهُوَ خِلاَفُ الْبَرِّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لَعُمْقِهِ وَاتِّسَاعِهِ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الْمِلْحِ حَتَّى قَلَّ فِي الْعَذْبِ .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَكَانٌ وَاسِعٌ جَامِعٌ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ، إِلاَّ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لِلْمَاءِ الْمَالِحِ، أَمَّا النَّهْرُ فَهُوَ لِلْمَاءِ الْعَذْبِ.
ب- الْبِئْرُ:
3 - الْبِئْرُ فِي اللُّغَةِ: الْقَلِيبُ، وَهُوَ مِنْ بَأَرَ، أَيْ حَفَرَ.
وَالْبِئْرُ: حُفْرَةٌ عَمِيقَةٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْهَا الْمَاءُ أَوِ النِّفْطُ .
وَاصْطِلاَحًا: نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ النُّتَفِ:
أَنَّ الْبِئْرَ هِيَ الَّتِي لَهَا مَوَادٌّ مِنْ أَسْفَلِهَا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَيْ لَهَا مِيَاهٌ تَمُدُّهَا وَتَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهَا .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النَّهْرِ وَالْبِئْرِ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَجْمَعٌ لِلْمَاءِ، إِلاَّ أَنَّ النَّهْرَ مَجْرًى وَاسِعٌ، وَالْبِئْرَ حُفْرَةٌ عَمِيقَةٌ.
أَقْسَامُ النَّهْرِ:
4 - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ النَّهْرَ بِاعْتِبَارِ الْمِيَاهِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: نَهْرٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لأِحَدٍ، أَوْ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِأَحَدٍ كَمَا عَبَّرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَذَلِكَ كَنَهْرِ النِّيلِ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ.
وَالثَّانِي: نَهْرٌ مَمْلُوكٌ لِشَخْصٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً: النَّهْرُ الْعَامُّ (غَيْرُ الْمَمْلُوكِ):
5 - النَّهْرُ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ لأِحَدٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ لاَ يَتَأَتَّى تَزَاحُمُ النَّاسِ عَلَى مَائِهِ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْرًا صَغِيرًا يَزْدَحِمُ النَّاسُ فِيهِ وَيَتَشَاحُّونَ فِي مَائِهِ .
وَيَخْتَلِفُ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا يَلِي:
أ- النَّهْرُ الْعَظِيمُ وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِهِ:
6 - إِذَا كَانَ النَّهْرُ عَظِيمًا لاَ يَتَأَتَّى تَزَاحُمُ النَّاسِ فِيهِ، كَنَهْرِ النِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ، فَلِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَيَشْرَبَ وَيَسْقِيَ دَوَابَّهُ مَتَى شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ، لأِنَّهُ لاَ مِلْكَ لأِحَدٍ فِي الْمَاءِ وَلاَ فِي رَقَبَةِ النَّهْرِ، وَلأِنَّ الْمَاءَ مَوْجُودٌ بِإِيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَبْقَى عَلَى الإْبَاحَةِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صلي الله عليه وسلم -:«الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلإَ وَالنَّارِ».
وَلِكُلِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَشُقَّ مِنْ هَذِهِ الأْنْهَارِ نَهْرًا إِلَى أَرْضِهِ، بِأَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً بِإِذْنِ الإْمَامِ ، فَلَهُ أَنْ يَشُقَّ إِلَيْهَا نَهْرًا، وَلَيْسَ لِلإْمَامِ وَلاَ لأِحَدٍ مَنْعُهُ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّهْرِ، وَلَهُ أَنْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى وَدَالِيَةً وَسَانِيَةً إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّهْرِ، لأِنَّ هَذِهِ الأْنْهَارَ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ يَدِ أَحَدٍ فَلاَ يَثْبُتُ الاِخْتِصَاصُ بِهَا لأِحَدٍ فَكَانَ النَّاسُ فِيهَا سَوَاءً، وَكُلُّ وَاحِدٍ بِسَبِيلٍ مِنَ الاِنْتِفَاعِ، لَكِنْ بِشَرِيطَةِ عَدَمِ الضَّرَرِ بِالنَّهْرِ كَالاِنْتِفَاعِ بِطَرِيقِ الْعَامَّةِ.
فَإِنْ أَضَرَّ بِالنَّهْرِ أَوْ بِعَامَّةِ النَّاسِ كَأَنْ يُفِيضَ الْمَاءَ وَيُفْسِدَ حُقُوقَ النَّاسِ، أَوْ يَنْقَطِعَ الْمَاءُ عَنِ النَّهْرِ الأْعْظَمِ أَوْ يَمْنَعَ جَرَيَانَ السُّفُنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتِبًا مَنْعُهُ، لأِنَّهُ حَقٌّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِبَاحَةُ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِمْ مَشْرُوطَةٌ بِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ كَالتَّصَرُّفِ فِي الطَّرِيقِ الأْعْظَمِ .
وَقَدْ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ نَهْرِ مَرْوَ وَهُوَ نَهْرٌ عَظِيمٌ أَحْيَا رَجُلٌ أَرْضًا كَانَتْ مَوَاتًا فَحَفَرَ لَهَا نَهْرًا فَوْقَ مَرْوَ مِنْ مَوْضِعٍ لَيْسَ يَمْلِكُهُ أَحَدٌ فَسَاقَ الْمَاءَ إِلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِ مَرْوَ ضَرَرٌ فِي مَائِهِمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَضُرُّهُمْ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ، وَسُئِلَ أَيْضًا إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ كُوًى مَعْرُوفَةٌ هَلْ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا؟ فَقَالَ: إِنْ زَادَ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ لاَ يَضُرُّ بِأَهْلِ النَّهْرِ فَلَهُ ذَلِكَ
__________________________________________________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1292) جواز الصيد
الصيد جائز سواء كان بالآلات الجارحة كالرمح والبندقية أو غيرها كالشبكة أو بالحيوان المفترسين المعلم كالكلب أو بالطائر الجارح كالصقر.
مادة (1307) طرد النحل
إذا طردت النحل من كوراة أحد إلى دار آخر وأخذه صاحب الدار فلصاحب الكوارة أن يسترده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 148)
إذا وجد في أرض عشرية أو خراجية مملوكة لشخص معين معدن ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس أو نحوه من الجوامد التي تنطبع بالنار فإنه يكون ملكاً لمالك الأرض وعليه الخمس للحكومة.
وإن وجدت في أرض مملوكة لغير مغين كأراضي الحكومة تكون كلها للحكومة.
(مادة 149)
من وجد في أرض من الأراضي المباحة كالجبال والمفاوز كنزاً مدفوناً وعليه علامة أو نقش عملة الجاهلية فله أربعة أخماسه وخمسة للحكومة.
وإن كان عليه نقش من النقوش الإسلامية فهو لمالك الأرض التي وجد فيها إن ادعى ملكه وإلا فهو لقطة.
(مادة 150)
الصيد مباح براً وبحراً ويجوز اتخاذه حرفة.