مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة : 200
انتقال الملكية بسبب الوفاة
1- الميراث
المذكرة الإيضاحية :
نظرة عامة :
لم يعرض التقنين الحالي للميراث إلا في نص واحد (م 54/ 77 ) ذكر فيه أن الحكم في المواريث يكون على حسب المقرر في الأحوال الشخصية المختصة بالملة التابع لها المتوفي، وأن حق الإرث في منفعة الأموال الموقوفة ( ويضيف التقنين المختلط وفي منفعة الأراضي الخراجية ) تتبع فيه أحكام الشريعة المحلية ( أي الشريعة الإسلامية ).
أما المشروع فقد أغفل منفعة الأراضي الخراجية لأنها لا توجد الآن ،
والأراضي الموقوفة لأن هذا أمر يتعلق بالوقف لا بالميراث، واستبقي الميراث فنص في المادة 946 على المسائل الثلاث الرئيسية التي يشتمل عليها، وهي تعيين الورثة ، وتحديد أنصبتهم في الإرث، و إنتقال ملكية هذه الأنصبة إليهم، وذكر أن أحكام الشريعة الإسلامية والتقنيات المستمدة منها هي التي تسري على هذه المسائل الثلاث، وقد حسم المشروع بهذا النص الخلاف القائم في أمرين جوهريين في الميراث ، فقضى بأن الشريعة الإسلامية هي التي تطبق في ميراث المصريين حتى لو كانوا غير مسلمين ، وحتى لو اتفقوا جميعاً على تطبيق قانون ملتهم ، وجعل هذه الشريعة هي التي تنطبق على جميع مسائل الميراث ومنها إنتقال ملكية التركة إلى الورثة ، فيجب إذا تطبيق القاعدة الشرعية المعروفة التي تقضي بألا تركة إلا بعد سداد الدين ، وهي قاعدة رشيدة تفصل ما بين شخصية المورث وشخصية الوارث ، وإذا كانت تغاير النظم اللاتينية فإنها تتمشي مع النظم الجرمانية .
ولكن الأخذ بهذه القاعدة يقتضي وضع نظام مفصل لتصفية التركات ، فإن إغفال هذا النظام في التقنين المدني الحالي أوقع القضاء والفقه في كثير من الارتباك، وقد أراد المشروع أن يتلافى هذا النقص الخطير بوضع نصوص تنظم بها تصفية التركة وتعتبر هذه النصوص من أهم ما استحدث .
وقد جعل المشروع تصفية التركة على مراحل أربع هي :
1 - تعيين مصف للتركة .
2 - وجرد التركة مالها وما عليها .
3 - وتسوية الديون بعد حصرها.
4 - تسليم أموال التركة إلى الورثة خالية من الديون .
أما المصفي فقد يعينه المورث و إلا عينه القاضي ، وتصفية التركية من طريق تعيين مصف لها أمر اختيارى لذوى الشأن وللقاضي ، فلكل ذي شأن أن يطلب هذه التصفية إذا أراد ، وللقاضي أن يجيب الطلب ، وله أن يرفضه إذا رأى أن التركة ليست في حاجة إلى تصفية منظمة ، إما لانعدام الديون ، أو لتفاهتها، أو لتفاهة التركة نفسها.
وإذا تقررت التصفية فإنها تكون تصفية جماعية ، ومعنى ذلك أن المصفي وحده هو الذي يمثل التركة ، فلا يجوز للدائنين اتخاذ أي إجراء إلا في مواجهته ، ولا يجوز لأحد منهم الحصول على حق اختصاص على العقارات الموجودة في التركة ، ولا يجوز الوارث أن يتصرف في مال التركة قبل تصفيتها، فترتفع بذلك يد الدائنين من الورثة عن التركة ، ويمتنع اتخاذ أي إجراءات فردية حتى تتم التصفية، وبهذا تتحقق المساواة الفعلية بين الدائنين كما هو الأمر في الإفلاس التجاري ، وتنتقل أموال التركة إلى الورثة خالية من الديون فيتحقق المبدأ القاضي بألا تركة إلا بعد سداد الديون على وجه عملى ، ويستطيع الورثة أن يتصرفوا في هذه الأموال للغير دون أن يخشى الغير ظهور دائن للتركة ينازعه ، فيستقر بذلك التعامل في الأموال الموروثة، والمصفى بعد أن يتسلم أموال التركة يقوم بإدارتها مؤقتاً ، ويحصر ما فيها من أعيان وما لها وما عليها من ديون ، ويعلن قائمة الجرد لذوى الشأن ، فإذا قامت منازعات في صحة الجرد حققت وفصل فيها ، فإذا تم الجرد وفصل في المنازعات التي قامت بشأنه أصبح المصفى على بينة من الأمر ، فإما أن تكون التركة ميسرة في الديون جميعها ، وأما أن تكون معسرة فيقسم التركية على الدائنين كل بنسبة حقه، على أنه إذا كانت التركة ميسرة وكانت الديون التي عليها أو بعض هذه الديون مؤجلة ، تقوم صعوبة جدية بشأن تسوية هذه الديون ، إذ يتبين أن بقاء الأجل يتعذر معه تصفية التركة في وقت قريب، وقد عالج المشروع هذه الصعوبة في نصوص تعتبر أساسية في هذا الموضوع ، فأعطى للقاضي بناءً على طلب جميع الورثة أن يحكم بحلول الدين المؤجل ، وبتعيين المبلغ الذي يستحقه الدائن ، مراعياً في ذلك تعويضه عما يفوته من ربح بسبب الوفاء المعجل ، فإذا لم يجمع الورثة على طلب حلول الدين ، تولى القاضي توزيع الديون المؤجلة ، وتوزيع أموال التركة بحيث يكون النصيب الذي يختص به كل وارث ، في مجموع ما دفع له من ديون وأموال ، معادلاً لصافي حصته في الإرث ويرتب القاضي لكل دائن من دائني التركة تأميناً كافياً ، ويراعى أن يكون الضمان الذي يخصص لكل دین مضمون من أصله هو عين الضمان الذي كان له حال حياة المدين أو ضمان يعادله ، مع استثناء ما يترتب على تجزئة الدين، فإن إستحال تحقيق ذلك ، ولو بإضافة ضمان تكمیلی تقدمه الورثة من مالهم الخاص أو بالإتفاق على أية تسوية أخرى ، رتب القاضي التأمين على أموال التركة جميعها .
وهذه هي أدق نقطة في التصفية عالجها المشروع، ووفق فيها بين مصلحة الدائنين في ألا يتجزأ ضمانهم ، ومصلحة الورثة في أن تتجزأ عليهم الديون ، وفي أن يكون كل مسئولاً عن الديون التي وقعت في نصيبه ، دون أن يكون مسئولاً عن الديون الأخرى، ومتى سويت الديون على النحو المتقدم ، فإن الدائنين الذين لم تسو حقوقهم لعدم ظهورها في قائمة الجرد لا يستطيعون الرجوع إلا على الورثة ، ولا يرجعون على من کسب حقاً عينياً بحسن نية على أموال التركة ، وهذا هو الضمان الذي يستخلص من كل إجراءات التصفية ، إذ يتبين مما تقدم أنه متى تم سداد الديون ، طبقاً للإجراءات المتقدمة ، أصبح تعامل الوارث في أموال التركية مأموناً ، ولا يخشى الغير الذي تعامل مع الوارث من رجوع دائني التركة عليه .
وبعد سداد جميع التزامات التركية من ديون ووصايا وتكاليف أخرى ، يقدم كل وارث إعلاما شرعيا إلى القاضي ، فيعطيه شهادة تقرر حقه في الإرث و تبين مقدار نصيبه فيه وتحدد ما آل إليه من أموال التركة، وشهادة الإرث هذه وثيقة هامة فهي سند الوارث في انتقال ملكية المال الموروث إليه ، ويعتبر المال منقولاً إلى الوارث من وقت موت المورث، ويسلم المصفي المال شائعة إلى الورثة ، إلا إذا طلب أحدهم أن يتسلم نصيبه مفرزة ، فيتولى المصفي إجراء قسمة ودية أو قضائية على حسب الأحوال . وقد يقوم المورث بالقسمة قبل وفاته ، وهي قسمة نظمها المشروع بنصوص على درجة كبيرة من الأهمية ، وهي في مجموعها لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية . فيجوز للمورث أن يقسم التركة بين ورثته ، على أن يراعى في ذلك القواعد المتعلقة بتحديد أنصبة الورثة ، وبتحديد القدر الذي تجوز فيه الوصية، وقسمة المورث هذه مستثناة من قاعدة عدم جواز التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة ، وقد أشير إلى هذا الاستثناء في المادة 126.
ويستخلص مما تقدم أن الإجراءات التي نظمها المشروع تكفل حماية المصالح المختلفة، فهي تكفل حماية مصلحة الورثة ، فكثيراً ما يختلفون على تصفية التركة أو يهملون في ذلك ، ويترتب على اختلافهم أو إهمالهم أكبر الضرر، أما بعد وجود إجراءات منظمة التصفية فقد امتنع الخلاف أو الإهمال، وهي تكفل حماية مصلحة من يتعامل مع الورثة يجعلهم يطمئنون إلى هذا التعامل ويأمنون أن يرجع عليهم الدائنون، وهي تكفل حماية مصلحة دائني التركة بجعل التصفية جماعية، لا يفضل فيها دائن على آخر دون مبرر قانوني، هذا إلى أن السبيل قد مهد للوارث إذا أراد إفراز حصته في الميراث ، كما أن المورث قد أعطى حق قسمة تركته قبل موته ، وهو أمر تفرضه الظروف على رب الأسرة في أحوال كثيرة .
على أن نظام التصفية هذا نظام اختیاری ، كما تقدم فإذا رئي عدم الحاجة إليه ، فإن المشروع لم يترك التركة دون تنظيم ما، بل نص على إجراء يوفق ما بين مصلحة دائى التركة ومصلحة من يتعامل مع الوارث بأن جعل لكل دائن ، في غضون سنة من موت المورث ، أن ينفذ بحقه على كل عقارات التركة حتى لو حصل التصرف فيها، أما بعد السنة فلا يجوز له ذلك ، إلا إذا أشر بحقه في سجلات المحكمة ، وكان التأشير قبل أن يشهر الغير حقه على العقار، وبذلك يطمئن الدائن ، فما عليه إلا أن يؤشر بحقه حتى يضمن استيفاءه من جميع عقارات التركة في أي يد كانت ، ويطمئن من يتعامل مع الوارث ، فما عليه إلا أن يثبت أن سنة قد انقضت على موت المورث قبل أن يتعامل في تركته ، وأن أحدا من الدائنين لم يؤشر بحقه أمام اسم المورث.
مذكرة المشروع التمهيدي :
1 - الشريعة الإسلامية والتقنينات المستمدة منها هي التي تنطبق على ميراث المصريين جميعاً مسلمين أو غير مسلمين، ولا ينطبق قانون الملة على غير المسلمين ، حتى لو اتفق الورثة جميعاً على أن ينطبق .
ولم يعد هناك محل للبحث فيما إذا كان قانون الملة هو الذي يحدد الورثة مبدئياً، لينظر بعد ذلك فيما إذا كان هؤلاء الورثة متفقين على قانون المالية فيطبق نهائياً ، أو مختلفين فتطبق الشريعة الإسلامية، وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بذلك أخيرا مخالفة ما جرت عليه التقاليد ، من أن الشريعة الإسلامية هي التي تحدد الورثة من أول الأمر ، فإن لم يتفق هؤلاء الورثة على تطبيق قانون الملة طبقت الشريعة الإسلامية نهائياً، وقد قضى المشروع على هذا الخلاف ، فإن الشريعة الإسلامية هي التي تطبق أولاً وأخيراً ، ولم يعد هناك محل لتطبيق قانون الملة في أي فرض من الفروض .
2 - وتطبق الشريعة الإسلامية في كل أمر يتعلق بالميراث ، فهي التي تعين الورثة، وتقسمهم إلى ذوي فروض وعصبات وذوي أرحام، وتجري أحكام الحجب والعول والرد، وما إلى ذلك من أحكام الميراث ، وتحدد نصيب كل وارث ، وتبين كيف تنتقل ملكية هذا النصيب من المورث إلى الوارث ، ومن هنا وجب تطبيق القاعدة التي تقضي بألا تركة إلا بعد سداد الدين ، وهي القاعدة التي ينظمها المشروع تنظيم عمليا في النصوص التالية .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 1307 من المشروع فأقرتها اللجنة على أصلها مع حذف عبارة «وذلك فيما لم يرد بشأنه أحكام خاصة» وأصبح نصها ما يأتي :
1- تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم في الإرث وانتقال أموال التركة إليهم تسرى فى شأنها أحكام الشريعة الإسلامية والتقنينات المستمدة منها.
2 - و تتبع في تصفية التركة الأحكام الآتية :
وأصبح رقها 946 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 944 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
وافقت اللجنة على المادة مع إستبدال عبارة «والقوانين الصادرة في شأنها» بعبارة «والتقنينات المستمدة منها».
تقرير اللجنة :
استعاضت اللجنة بعبارة « القوانين الصادرة في شأنها ، عن عبارة والتقنينات
المستمدة منها ، لأن المراد هو التشريعات التي تصدر في شأن الميراث ».
وأصبح رقها 875
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
1 ـ أن النص فى الفقرة الأولى من المادة 875 من القانون المدنى ، وفى المادتين الأولى والرابعة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 يدل على أن الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة فى شأنها هى الواجبة التطبيق فى شأن المواريث داخلاً فى نطاقها تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم فى الإرث وانتقال التركة إليهم .
(الطعن رقم 481 لسنة 73 جلسة 2013/07/02
2 ـ فى دعوى الإرث لا يصح إختلاف القواعد المطبقة فى شأن النسب والإرث عملاً بالمادة 875 من القانون المدنى التى تنص على أن " (1) تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم فى الإرث وانتقال أموال التركة إليهم تسرى فى شأنها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة فى شأنها .... " وهذا ينطبق على المصريين كافة على إختلاف دياناتهم ، ومن ثم فإن كون الخصوم مصريين غير مسلمين لا يحول دون تطبيق الشريعة الإسلامية فى الدعوى الماثلة دون شريعتهم .
(الطعن رقم 176 لسنة 63 جلسة 1997/07/07 س 48 ع 2 ص 1060 ق 201)
3 ـ أحكام الشريعة الإسلامية والتقنينات المستمدة منها تسرى على جميع المصريين مسلمين أو غير مسلمين فى شأن المواريث وذلك على ما تقضى به المادة 875 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 86 لسنة 27 جلسة 1964/04/01 س 15 ع 2 ص 486 ق 78)
4 ـ النص فى الفقرة الأولى من المادة 875 من القانون المدني. يدل على أن الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة بشأنها هي الواجبة التطبيق فى مسائل المواريث المتعلقة بالمصريين كافة على اختلاف دياناتهم, وهي المرجع فى تعيين الورثة وتحديد صفتهم وأنصبائهم وانتقال التركة إليهم, وكون الخصوم مصريين متحدي الطائفة والملة لا يحول دون تطبيق الشريعة الإسلامية فى شأن تعيين الورثة, وإلا كانت دعوى الإرث مجرد تقسيم للتركة, وهذا لا يقتضي الالتجاء إلى القضاء, وهو ما لم يقصد إليه المشرع, فلا يصح اللجوء إلى الشريعة الخاصة لتحديد الورثة ثم تطبيق الشريعة الإسلامية بشأن مقدار ما يستحقونه من نصيب فى التركة, لأن المقصود بالخضوع للشريعة الإسلامية أن تكون أحكامها الموضوعية التي يخضع لها المسلم هي الواجبة التطبيق, إذ أنه من غير المتصور أن يكون المقصود بتطبيق الشريعة العامة تطبيق قواعد الإسناد التي تقضي بترك غير المسلمين وما يدينون به فى تنظيم أحوالهم الشخصية, وإلا كانت الإحالة للشريعة الإسلامية لغواً ينبغي أن يتنزه المشرع عنه.
(الطعن رقم 114 لسنة 64 جلسة 1998/11/30 س 49 ع 2 ص 694 ق 168)
5 ـ مفاد نص الفقرتين الأولى والثانية للمادة 13 من قانون تنظيم الشهر العقارى رقم 114 لسنة 1946 أن المشرع لم يجعل شهر حق الإرث شرطاً لإنتقال الحقوق العينية العقارية إلى الورثة ، حتى لا تبقى هذه الحقوق بغير مالك لحين شهر حق الإرث وإنما تؤول هذه الحقوق للورثة من وقت وفاة المورث بإعتبار أن إنتقال ملكية أعيان التركة بما فيها الحقوق العينية العقارية من المورث إلى الوارث أثر يترتب على واقعة الوفاة . وأكتفى المشرع فى مقام تحديد الجزاء على عدم شهر حق الإرث بمنع شهر أى تصرف يصدر من الوارث فى أى عقار من عقارات التركة دون منع التصرف ذاته .
(الطعن رقم 57 لسنة 32 جلسة 1966/11/01 س 17 ع 4 ص 1599 ق 224)
6 ـ مؤدى نص المادة 9 من القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقارى أن الملكية لا تنتقل إلى المشترى إلا بتسجيل عقد البيع ، وأن العقد الذى لم يسجل لا ينشىء إلا إلتزامات شخصية بين طرفيه . فإذا لم يسجل المشترى من المورث عقده فلا تنتقل إليه الملكية ، ويبقى العقار على ملك المورث ، وينتقل منه إلى ورثته . فإذا تصرف الوارث بالبيع بعد ذلك فى ذات العقار فإنه يكون قد تصرف فيما يملك تصرفاً صحيحاً وإن كان غير ناقل للملكية طالما لم يتم تسجيل العقد . وعلى ذلك فإن عقد البيع الصادر من كل من المورث والوارث يعتبر صحيحاً إلا أنه غير ناقل للملكية ولا تكون الأفضلية إلا بعد التسجيل ، ومع مراعاة أحكام شهر حق الإرث المنصوص عليها فى القانون رقم 114 سنة 1946 سالف الذكر .
(الطعن رقم 73 لسنة 32 جلسة 1966/11/01 س 17 ع 4 ص 1605 ق 225)
7 ـ شخصية الوارث - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تعتبر مستقلة عن شخصية المورث وتتعلق ديون المورث بتركته ، لا بذمة ورثته ، ولا يقال بأن إلتزامات المورث تنتقل إلى ذمة الوارث لمجرد كونه وارثاً ، إلا إذا أصبح الوارث مسئولاً شخصياً عن إلتزامات المورث كنتيجة لإستفادته من التركة ، وتبعاً لذلك لا يعتبر الوارث الذى خلصت له ملكية أعيان التركة أو جزء منها قبل وفاه مورثه مسئولاً عن إلتزامات هذا الأخير قبل من تعامل معه بشأنها ولم تنتقل إليه ملكيتها بعد ويعتبر هذا الوارث شأنه شأن الغير فى هذا الخصوص .
(الطعن رقم 157 لسنة 39 جلسة 1974/10/15 س 25 ع 3 ص 1135 ق 190)
8 ـ من المستقر فى قضاء هذه المحكمة أن الشارع عد من الإجراءات الجوهرية فى الطعن بطريق النقض أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن فى المواعيد التى حددها القانون ، وإذا لم يقدم الطاعن رفق طعنه صورة رسمية من محاضر جلسات محكمة أول درجة ، حتى تستطيع المحكمة التحقق من صحة ما ينعاه على الحكم المطعون فيه ، فإن قوله فى هذا الخصوص يصبح عارياً من دليله .
(الطعن رقم 32 لسنة 40 جلسة 1974/12/18 س 25 ع 1 ص 1462 ق 248)
9 ـ المقرر و على ما جرى به قضاء النقض أن تركة المدين تنشغل بمجرد الوفاة بديون و إلتزامات المتوفى بما يخوله لدائنيه إستيفاء ديونهم منها تحت يد الورثة أو خلفائهم ما دام أن الدين قائم لأن التركة منفصلة شرعاً عن أشخاص الورثة و أموالهم الخاصة ، و ترتيباً على ذلك يكون دفع المطالبة الموجهة إلى التركة فى شخص الورثة غير قابل للتجزئة يكفى أن يبديه البعض منهم فيستفيد منه البعض الآخر .. و إذ قضت محكمة الإستئناف بقبول الدفع بإنقضاء الخصومة بمضى المدة بالنسبة لبعض الورثة دون أحدهم - الطاعن - الذى قضى برفض الدفع بالنسبة له و بإلزام التركة ممثلة فى شخصه بالدين فإنها تكون قد أخطأت فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 420 لسنة 42 جلسة 1983/03/29 س 34 ع 1 ص 848 ق 174)
10 ـ من المقرر أن شخصية الوارث تستقل عن شخصية المورث و تنفصل التركة عن أشخاص الورثة و أموالهم الخاصة و تتعلق ديون المورث بتركته و لا تشغل بها ذمة ورثته و من ثم لا تنتقل إلتزامات المورث إلى ذمة الوارث لمجرد كونه وارثاً إلا فى حدود ما آل إليه من أموال التركة ، فلا يصح توقيع الحجز لدين على المورث إلا على تركته .
(الطعن رقم 318 لسنة 42 جلسة 1981/02/16 س 32ع 1 ص 516 ق 99)
11 ـ المقرر أن الميراث إذا توافرت شروطه وقام سبب الإرث بالوارث اعتبر سببا لكسب الملكية مستقلا عن غيره من الأسباب.
(الطعن رقم 1530 لسنة 60 جلسة 1999/11/18 س 50 ع 2 ص 1101 ق 217)
12 ـ قد تعترف الشريعة الملية الخاصة بالتبنى لإثبات البنوة إلا أنه لا يصلح سبباً للإرث طبقاً للشريعة الإسلامية وهى المرجع فى تعيين الورثة وتحديدهم .
(الطعن رقم 176 لسنة 63 جلسة 1997/07/07 س 48 ع 2 ص 1060 ق 201)
13 ـ إذ كانت أحكام المواريث تنستند إلى نصوص شريعة قطعية الثبوت والدلالة وبينها القرآن الكريم بياناً محكماً وقد إستمد منها قانون المواريث أحكامه ، فإنها تعتبر بذلك متعلقة بالنظام العام لصلتها الوثيقة بالدعائم القانونية والاجتماعية المستقرة فى ضمير المجتمع بما يمتنع معه التحايل عليها أو تبديلها مهما إختلف الزمان والمكان ومن ثم يكون لذوى الشأن إثارة ما قد يخالف هذه الأحكام سواء أكان ذلك فى صورة دعوى مبتدأه أو فى صورة دفع .
(الطعن هيئة عامة رقم 36 لسنة 61 جلسة 1995/12/25 س 43 ع 2 ص 1037 ق 212)
14 ـ أحكام المواريث الأساسية التى تستند إلى نصوص قاطعة فى الشريعة و التى إستمد منها قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 تعتبر فى حق المسلمين من النظام العام لصلتها الوثيقة بالدعائم القانونية و الإجتماعية المستقرة فى ضمير الجماعة ، و لما كانت وفاة المرحومة ... ... مسلمة يقتضى أن تتبعها فى دينها إبنتها الصغيرة التى شاركت فى الطعن بالنقض ممثلة بوليها الشرعى مما مؤداه أن تسهم فى الإرث المختلف عن والدتها ، و كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر و حصر الإرث فى أخوة المتوفاة لأب المسلمين دون إبنتها المسلمة تبعاً لها فإنه يتعين نقضه .
(الطعن رقم 44 لسنة 40 جلسة 1975/01/29 س 26 ع 1 ص 284 ق 62)
15 ـ التحايل الممنوع على احكام الارث لتعلق الأرث بالنظام العام - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو ما كان متصلا بقواعد التوريث و احكامه المعتبرة شرعا كاعتبار شخص وارثا و هو فى الحقيقة غير وارث او العكس ، و كذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل فى التركات المستقبلة كايجاد ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعا أو الزيادة او النقص فى حصصهم الشرعية ، و يترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث فى حالة صحته لأحد ورثته او لغيرهم تكون صحيحه ، ولو كان يترتب عليها حرمان بعض ورثته أو التقليل من أنصبتهم فى الميراث ، لأن التوريث لا يقوم الا على ما يخلفه المورث وقت وفاته ، أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته فلا حق للورثة فيه .
(الطعن رقم 599 لسنة 50 جلسة 1983/12/15 س 34 ع 2 ص 1833 ق 359)
إذن لا بد من تطبيق مبادئ الفقه الإسلامي في إنتقال أموال التركة إلى الوارث ، وفي حكم بيع الوارث لأعيان التركة قبل سداد ديونها، وقد أخذت فعلاً نصوص التقنين المدني الجديد في الميراث وسداد ديون التركة بهذه المبادئ ، سواء خضعت التركة لنظام التصفية أو لم تخضع .
وقد انطوى التقنين المدني في هذا الصدد على مبادئ رئيسية ثلاثة ، استقيت كلها من مبادئ الفقه الإسلامي في مذاهبه المختلفة :
أولاً – تنتقل أموال التركة إلى الورثة بمجرد موت المورث ، مع تعلق حقوق الدائنين بها، فتنتقل هذه الأموال مثقلة بحق عيني هو أقرب إلى أن يكون حق رهن ، ولكنه رهن مصدره القانون وليس الاتفاق مع الدائنين ، فهو رهن قانوني ، ولابد من شهر هذا الحق ليكون نافذاً في حق الغير ممن عسى أن يتصرف له الوارث .
ثانياً – ولما كانت أموال التركة تنتقل إلى الورثة بمجرد موت المورث ، فإنه يجوز للورثة منذ هذا الوقت أن يتصرفوا فيها ، ولكن تصرفهم يكون خاضعاً لحقوق الدائنين على النحو الذي أسلفناه .
ثالثاً – ويكون سداد الديون ، إذا لم تخضع التركة لنظام التصفية ، بموجب إجراءات فردية يتولاها كل دائن لنفسه ، فيتخذ من الإجراءات التحفظية والإجراءات التنفيذية لاستيفاء حقه من أموال التركة ما يقرره القانون لكل دائن ، وذلك إما عن طريق الحجز على هذه الأموال وهي في يد الورثة وإما عن طريق تتبعها والحجز عليها في يد الغير إذا تم الشهر الذي أسلفنا الإشارة إليه – ويترتب على ذلك أن حالة الدائنين بعد موت المورث ، من حيث الالتجاء إلى الإجراءات الفردية ، تماثل حالتهم قبل موته، فمن سبق منهم غيره إلى التنفيذ ظفر بحقه ، ومن تأخر فقد يضيع عليه حقه كله أو بعضه، على أنه لا يجوز لأي دائن بعد موت المدين أخذ اختصاص على عقار في التركة ( م 1085 / 2 مدني )، أما إذا خضعت التركة لنظام التصفية ، فلا يكون سداد الديون إلا بإجراءات جماعية يتولاها المصفي نيابة عن التركة، ومن ثم لا يجوز لأي دائن أن يتخذ إجراءات فردية لإستيفاء حقه ، بل يقوم المصفي في التركة – كما يقوم السنديك في التفليسة - بجرد أموال التركة وحصر الديون التي عليها وسدادها وتوزيع ما بقى بعد السداد على الموصى لهم والورثة، وإن ضاقت التركة بوفاء الديون ، تحاص الدائنون ، وأخذ كل منهم حصة بنسبة دنيه ، ولم يأخذ الموصى لهم والورثة شيئاً .
تصرف الوارث في أعيان التركة المدينة التي لم تخضع لنظام التصفية :
وتخصص القول هنا في حكم تصرف الوارث في أعيان التركة المدينة قبل سداد الدين إذا كانت هذه التركة لم تخضع لنظام التصفية، وقد قدمنا أن حقوق الدائنين تتعلق بأعيان التركة أشبه ما تكون بحق الرهن ، وأنه لا بد من إشهار هذا الحق ليكون نافذاً في حق من تصرف له الوارث ، ويكون الشهر بتأشير الدائن بدينه في خلال سنة من شهر حق الإرث ، ويجري التأشير أمام اسم المورث في سجل عام تدون فيه أسماء المورثين حسب الأوضاع المقررة للفهارس الأبجدية .
فإذا تم التأشير على هذا النحو ، استطاع الدائن أن ينفذ بحقه على عقارات التركة ولو كان الورثة قد تصرفوا فيها ، فيتتبعها في يد من وقع التصرف لهم، وقد ورد ها الحكم في المادة 914 مدني ، إذ تنص على ما يأتي ، " إذا لم تكن التركة قد صفيت وفقاً لأحكام النصوص السابقة : جاز لدائني التركة العاديين أن ينفذوا بحقوقهم أو بما أوصى به لهم على عقارات التركة التي حصل التصرف فيها أو التي رتبت عليها حقوق عينية لصالح الغير ، إذا أشروا بديونهم وفقاً لأحكام القانون " وأحكام القانون هنا تبينها المادة 14 من قانون تنظيم الشهر العقاري ، وتجري على الوجه الآتي : " يجب التأشير بالمحررات المثبتة لدين من الديون العادية على المورث في هامش تسجيل الإشهادات أو الأحكام أو السندات وقوائم الجرد المتعلقة بها ويحتج بها التأشير من تاريخ حصوله ، ومع ذلك إذا تم التأشير خلال سنة من تاريخ التسجيل المشار إليه فللدائن أن يحتج بحقه على كل من تلقى من الوارث حقاً عينياً عقارياً وقام بشهره قبل هذا التأشير.
وتطبيقاً لما قدمناه نفرض أن الوارث قد باع عقاراً في التركة قبل أن يسدد ديونها ، فإذا كان الدائن قد أشر بدينه على النحو الذي أسلفناه في خلال سنة من تاريخ شهر حق الإرث ، ولم يستوف حقه من الوارث أو من أي طريق آخر ، كان له أن يتتبع العقار تحت يد المشتري ، كما كان يتتبعه لو أنه كان دائناً مرتهناً ، فيستوفي حقه منه ، حتى لو كان البيع مسجلاً قبل تأشير الدائن بدينه ما دام التأشير قد تم في خلال سنة من تاريخ شهر حق الإرث كما سبق القول، ونرى من ذلك أن من يتعامل مع الوارث فيشتري منه عقارات للتركة ، يجب عليه أن يتحوط فلا يقدم على الشراء قبل إنقضاء سنة من تاريخ شهر حق الإرث .
وعند ذلك يستطيع أن يتبين ما إذا كان هناك دائن للتركة أشر بدينه حتى يتعامل مع الوارث على هذا الأساس، فأما أن يحتجز من الثمن مقدار الدين ليقوم هو بسداده للدائن ، وإما أن يجعل الوارث يفي بالدين ، فإن لم يفعل لا هذا ولا ذاك عرض نفسه لإجراءات التتبع التي يقوم بها دائن التركة .
فإذا لم يقم الدائن بالتأشير بدينه في خلال سنة من تاريخ شهر حق الإرث ، لم يعد حقه نافذاً في مواجهة المشتري إذا سجل المشتري البيع قبل أن يقوم الدائن بالتأشير بعد إنقضاء السنة، فإذا أشر الدائن بدينه بعد إنقضاء سنتين مثلاً ، فإن كان المشتري قد سجل البيع قبل هذا التأشير لم يستطع الدائن تتبع العقار في يده ، ما لم يكن المشتري سيء النية متواطئاً مع الوارث بحيث يجوز للدائن أن يطعن في البيع بالدعوى البوليصية، وإن كان المشتري قد سجل البيع بعد تأشير الدائن ، كان للدائن أن يتتبع العقار في يد المشتري وأن يستوفي منه حقه وفي جميع الأحوال يجوز للدائن ، إذا لم يستطع أو لم يرد تتبع العقار ، أن يستوفى حقه من أموال التركة الأخرى التي لا تزال باقية في يد الوارث ، كما له أن يرجع بالتعويض على الوارث في ماله الشخصي إذا كان هذا قد باع العقار غشاً وإضراراً بحقوق الدائن ولو لم تتوافر شروط الدعوى البوليصية .
أما إذا كانت العين التي باعها الوارث قبل سداد الدين منقولاً ، فلا تأثير لتأشير الدائن بدينه في هذا البيع وينظر في هذه الحالة إلى المشتري ، فإن كان سيء النية ، أي يعلم أن المنقول الذي يشتريه هو من أموال تركة لم تسدد ديونها ، جاز للدائن أن يتتبع هذا المنقول في يد المشتري وأن يستوفي حقه منه، أما إذا كان المشتري حسن النية ، فقد ملك المنقول بالحيازة ، ولا يستطيع الدائن أن يتتبعه في يده ، وليس له إلا الرجوع بحقه على بقية أموال التركة التي لا تزال في يد الوارث، فإن لم يجد شيئاً يستوفي منه حقه ، رجع بثمن المنقول على الوارث إذا كان حسن النية ، أو رجع عليه بالتعويض إذا كان سيء النية أي يعلم قبل أن يبيع المنقول أن على التركة ديناً لم يسدد .
تصرف الوارث في أعيان التركة المدينة التي خضعت لنظام التصفية : وقد تخضع التركة المدينة لنظام التصفية، ونبادر إلى القول إن كل تركة لا تخضع حتماً لهذا النظام ، بل الكثرة الغالبة من التركات لا تخضع له ، لما فيه من إجراءات طويلة ومصروفات كثيرة ، مما يجعل النظام غير صالح إلا للتركات الكبيرة الكثيرة الديون، ومن ثم جعل طلب إخضاع التركة لنظام التصفية رخصة لأي من ذوي الشأن – الدائن أو الموصي له أو الوارث على أن يخضع هذا الطلب لتقدير القاضي ، فإن لم ير موجباً لذلك رفض إخضاع التركة لهذا النظام وهذا كله إذا لم يعين المورث نفسه وصياً لتركته، فإن عين وصياً للتركة ، وأقر القاضي هذا التعيين ، فإنه يسري على وصي التركة ما يسري على المصفي من أحكام ( م 878 مدني )، فأي تصرف يصدر من الوارث ، إذا قيد الأمر الصادر بتعيين المصفي في خلال سنة من تاريخ شهر حق الإرث ، لا يكون نافذاً في حق دائني التركة ، ولهؤلاء أن يتتبعوا العقار المبيع في يد المشتري على النحو الذي بيناه تفصيلاً في حالة تأشير الدائن بدينه في خلال السنة، أما إذا قيد الأمر المذكور بعد إنقضاء سنة من تاريخ شهر حق الإرث ، فالعبرة بالأسبقية في الشهر كما سبق القول، وكذلك للدائنين تتبع منقولات التركة التي يبيعها الورثة قبل سداد الديون ، ما لم يكن المشتري حسن النية على التفصيل الذي أوردناه فيما تقدم، بل إن الوارث إذا تصرف غشاً في شيء من مال التركة الخاضعة لنظام التصفية ، عوقب بعقوبة التبديد كما سنرى .
على أن نظام التصفية ذاته يقضي بغل يد الورثة عن التصرف في أعيان التركة ، ويجعل سداد ديون التركة عن طريق إجراءات جماعية كما سبق القول، فيقوم المصفي ، كما قدمنا ، بجرد أموال التركة ، وحصر الديون التي عليها ، وسدادها وتوزيع ما بقى بعد السداد على الموصى لهم والورثة، ولا يجوز من وقت قيد الأمر الصادر بتعيين المصفي أن يتخذ الدائنون أي إجراء ، كما لا يجوز لهم أن يستمروا في أي إجراء اتخذوه ، إلا في مواجهة المصفي ( م 883 / 1 مدني ) ، ولا يجوز للوارث ، قبل أن تسلم إليه شهادة التوريث ، أن يتصرف في مال التركة ، كما لا يجوز له أن يستوفى ما للتركة من ديون أو أن يجعل ديناً عليه قصاصاً بدين للتركة ( م 884 منه ) ، وعلى المصفي أن يكلف دائني التركة ومدينيها أن يقدموا بياناً بما لهم من حقوق وما عليهم من ديون ، وأن يودع قلم كتاب المحكمة خلال أربعة أشهر من يوم تعيينه قائمة تبين ما للتركة وما عليها وتشتمل على تقدير لقيمة هذه الأموال ( م 886 – 887 مدني )، ويعاقب بعقوبة التبديد كل من استولى غشاً على شيء من مال التركة ، ولو كان وارثاً ( م 889 مدني )، ثم تصفى المنازعات في صحة الجرد ، ولو عن طريق دعاوى أمام المحكمة المختصة ، ويقوم المصفي بعد ذلك بوفاء ديون التركة، ولكن عليه في حالة إعسار التركة أو إحتمال إعسارها ، أن يقف تسوية أي دين حتى يفصل نهائياً في جميع المنازعات المتعلقة بديون التركة ( م 892 مدني )، ويجوز للمحكمة بناءً على طلب جميع الورثة أن تحكم بحلول الدين المؤجل الذي على التركة بشروط معينة ، فإذا لم يقض بحلول الأجل تتولى المحكمة توزيع الديون المؤجلة وتوزيع أموال التركة بحيث يختص كل وارث من جملة ديون التركة ومن جملة أموالها بما يكون في نتيجته معادلاً لصافي حصته في الإرث، وترتب المحكمة لكل دائن من دائني التركة تأميناً كافياً على عقار أو منقول ، على أن تحتفظ لمن كان له تأمين خاص بنفس هذا التأمين، فإن إستحال تحقيق ذلك ولو بإضافة ضمان تكميلي يقدمه الورثة من مالهم الخاص أو بالإتفاق على أية تسوية أخرى ، رتبت المحكمة التأمين على أموال التركة جميعها (م 895 / 1 و 2 مدني)، وبعد تسوية الديون على هذا النحو ، إذا ظهر دائن للتركة لم يستوف حقه لعدم ذكره في قائمة الجرد ولم تكن له تأمينات على أموال التركة ، لم يجز لهذا الدائن أن يرجع على من كسب بحسن نية حقاً عينياً على أموال التركة ، وإنما له الرجوع على الورثة بسبب إثرائهم ( م 897 مدني ) .
وبعد أن يقوم المصفي بتنفيذ إلتزامات التركة من تجهيز الميت وسداد الديون والتكاليف والوصايا وغير ذلك يخلص ما بقى من المال للورثة كل بحسب نصيبه الشرعي ، ويسلم المصفي لهم ما آل إليهم من هذه الأموال ( م 899 - 900 مدني )، و تسلم المحكمة إلى كل وارث يقدم إعلاماً شرعياً أو ما يقوم مقام هذا الإعلام شهادة تقرر حقه في الإرث ، وتبين مقدار نصيبه منه ، وتعين ما آل إليه من أموال التركة ( م 901 مدني )، وهذه الشهادة هي التي يسجلها ، فيشهر بذلك إنتقال المال الموروث إليه، وهي تبيح له من وقت تسلمها التصرف في هذه الأموال ، كما سبق القول، على أنه يجوز للورثة ، بمجرد إنقضاء الميعاد المقرر للمنازعات المتعلقة بالجرد ، المطالبة بأن يستلموا بصفة مؤقتة الأشياء أو النقود التي يحتاج لها في تصفية التركة ، أو أن يتسلموا بعضاً منها ، وذلك مقابل كفالة أو بدون تقديمها ( م 900 مدني )، وغني عن البيان أن الوارث الذي يتسلم شيئاً من ذلك يكون له حق التصرف فيه ، ولو قبل أن يتسلم شهادة التوريث . ( الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الرابع ، الصفحة/ 427)
تنص الفقرة الأولى من المادة 875 مدني على ما يأتي :
تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم في الإرث وإنتقال أموال التركة إليهم تسري في شأنها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها " .
تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الميراث :
الشريعة الإسلامية تطبق جميع المصريين وفي جميع مسائل الميراث : قدمنا أن التقنين المدني الجديد قد حسم الخلاف في أمرين جوهريين :
(1) فقد قضى بأن الشريعة الإسلامية ، في الميراث تطبق على جميع المصريين ، مسلمين أو غير مسلمين.
والمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي واضحة كل الوضوح في هذا الصدد ، إذ تقول : " الشريعة الإسلامية والتقنيات المستندة منها هي التي تنطبق على ميراث المصريين جميعاً ، مسلمين أو غير مسلمين، ولا ينطبق قانون الملة على غير المسلمين ، حتى لو اتفق الورثة جميعاً على أن ينطبق، ولم يعد هناك محل للبحث فيما إذا كان قانون الملة هو الذي يحدد الورثة مبدئياً ، لينظر بعد ذلك فيما إذا كان هؤلاء الورثة متفقين على قانون الملة ليطبق نهائياً ، أو مختلفين فتطبق الشريعة الإسلامية .
وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بذلك أخيراً ، مجللفة ما جرت عليه التقاليد من أن الشريعة الإسلامية هي التي تحدد الورثة من أول الأمر ، فإن لم يتفق هؤلاء الورثة على تطبيق قانون الملة طبقت الشريعة الإسلامية نهائياً، وقد قضى المشروع على هذا الخلاف ، فإن الشريعة الإسلامية هي التي تطبق أولاً وأخيراً ، ولم يعد هناك محل لتطبيق قانون الملة في أي فرض من الفروض " .
وقد قضت محكمة النقض بان احكام الارث التي تتعلق بالنظام العام هي ما كان منها متصلا بقواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعا كأعتبار شخصي وارثاً وهو في الحقيقة غير وارث او العكس، وكذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل في التركات المستقبلة كإيجاد ورثته قبل المورث غير من لهم حق الميراث شرعاً أو الزيادة او النقص في حصصهم الشرعية .
(2) وقضى التقنين المدني الجديد كذلك بأن الشريعة الإسلامية تطبق في جميع مسائل الميراث ، لا فحسب في تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم ، بل أيضاً في انتقال ملكية التركة من المورث إلى الوارث .
تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم :
- قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 وما عرض من المسائل : كانت المحاكم الشرعية تطبق ، في تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم، أحكام المذهب الحنفي في أرجح أقواله ، وكانت هذه الأحكام غير مقننة وقد رؤى حتى قبل إدماج المحاكم الشرعية في المحاكم الوطنية ، أن هناك حرجاً في الاقتصار على أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة، فهناك مسائل في المذهب الحنفي وقع فيها اختلاف في ترجح الأقوال أو لم ينص على ترجيح ، فتضاربت الأحكام باختلاف نظر القضاة، وهناك حوادث تدعو المصلحة إلى أن يكون الحكم فيها بالمرجوح من أقوال المذهب الحنفي ، أو بأحكام المذاهب الأخرى، فاستقر الرأي على وضع تقنين شامل للأحوال الشخصية وللأوقاف والمواريث والوصية ، تختار أحكامه من المذاهب الإسلامية المختلفة ، ويراعى فيها ما يلائم حالة البلاد وما يساير رقيها الاجتماعي، فصدر القانون رقم 77 لسنة 1943 بأحكام المواريث، والقانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف ، والقانون رقم 71 لسنة 1946 بأحكام الوصية .
إنتقال التركة من المورث إلى الوارث
المسائل التي يتناولها البحث : ولم يتناول قانون المواريث كيفية انتقال التركة من المورث إلى الوارث ، إذ لم يعتبر هذا الموضوع من موضوعات الأحوال الشخصية، فالأمر هنا يتعلق بالميراث بإعتباره سبباً من أسباب كسب الملكية ، تنتقل به ملكية التركة من المورث إلى الوارث ، فهو يدخل إذن في الأحوال العينية ( الأموال ) لا في الأحوال الشخصية، ولكن أحكام الشريعة الإسلامية مع ذلك هي التي تسري في شأنه ، وقد صرحت بذلك المادة 875 مدني كما رأينا .
فيعنينا إذن ، ما دمنا نعرض للميراث باعتباره سبباً من أسباب كسب الملكية ، أن نبين أحكام الشريعة الإسلامية في هذا الموضوع ، فإن هذه الأحكام هي الواجبة التطبيق فيما نحن بصدده .
ومن ثم نتناول بالبحث المسائل الآتية :
(1) إنتقال حقوق التركة إلى الورثة .
(2) متى تنتقل حقوق التركة إلى الورثة .
(3) هل تنتقل ديون التركة إلى الورثة أسوة بحقوقها وما هو مدى نطاق القاعدة التي تقضي بألا تركة إلا بعد سداد الدين .
(4) حكم تصرف الورثة في أعيان التركة قبل سداد الديون وما يجب من الحماية لحقوق دائني التركة .
ومركز الوارث في الشريعة الإسلامية قريب من مركز الوارث بشرط التجنيب أو الجرد في القانون الفرنسي ، فشخصية الوارث تبقى مستقلة عن شخصية المورث في الحالتين ، وفي الحالتين أيضا تتعلق ديون المورث بتركته الا بذمة ورثته، وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا قبل الوارث التركة بشرط الجرد في القانون الفرنسي ، كانت شخصيته مستقلة عن شخصية الورث، ولا يصح أن يواجه بإلتزام المورث عدم التعرض للمشتري إذا ادعى الإستحقاق لعين من الأعيان تصرف فيها مورثه للغير، وقد أخذ المشرع المصري في إنتقال التركات بما يتقارب في هذا الخصوص مع ما يقرره القانون الفرنسي بشأن الوارث إذا قبل التركة بشرط الجرد، لأنه يعتبر شخصية الوارث مستقلة عن شخصية المورث وإن ديون المورث انها تتعلق بتركته الا بذمة ورثته، وعلى ذلك فمتى تبين من وقائع الدعوى أن الموروث كان قد تصرف في أطيان له للغير بمقتضى عقد بدل لم يسجل ، ثم تصرف في ذات الأطيان بالبيع لأحد أولاده بعقد بيع مسجل ، فأقام هذا الأخير بعد وفاة البائع دعوى على التبادل معه بطلب تثبيت ملكيته إلى هذا القدر ، فقضى برفض دعواه إتباعاً لما هو مقرر في التشريع الفرنسي في شأن الوارث الذي يقبل التركة بغير تحفظ ، فإن الحكم يكون قد خالف القانون ( نقض مدني 26 ديسمبر سنة 1957 مجموعة أحكام النقض 8 ص 960). (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء التاسع ، المجلد/ الأول الصفحة/ 89)
تنفتح تركة الشخص فور وفاته، فتتقل حقوقه من هذا الوقت إلى ورثته، فيصبح كل منهم مالكاً لما يعادل حصته الميراثية ويخضع الجميع لأحكام الملكية الشائعة.
وينتقل نفس الحق الذي كان ثابتا للمورث إلى ورثته من بله وينات صفاته، فلا تمثل الحق في حق ملكية عقار فإن الوارث لا يعتبر مالكاً له إلا إذا كان مورته قد إكتسب هذا الحق قبل وفاته وذلك بتسجيل عقده إن كان العقد هو السبب الذي يستند إليه المورث في تملكه للعقار أما إن كانت الملكية لم تكن قد إنتقلت إلى المورث عند وفاته فإن الميراث لا ينقلها الى ورثته، لأن الميراث لا ينقل إلا الملكية التي اكتسبها المورث فعلاً قبل الوفاة، فلا ينتقل إلى الورثة بموجب العقد غير المسجل إلا إلتزامات البائع الشخصية التي كان يلتزم بها قبل مورثهم .
يتم تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم في الإرث وانتقال أموال التركة إليهم وفقاً الأحكام الشريعة الاسلامية والقوانين التي تصدر في هذا الصدد ويكون حكم أصحاب الوصية الواجبة حكم الورثة في تطبيق هذه المواد (أنظر م 915 مدنی)، وترى هذه الأحكام على ميراث المصريين حتى لو كانوا غير مسلمين وحتى لو اتفقوا جميعاً على تطبيق قانون ملتهم ومن ثم يسري قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 لتعيين الورثة وتحديد أنصبائهم، ووفقاً لأحكامه فإن الإرث يستحق بوفاة المورث أو بصدور حكم بإعتباره مفقوداً على أن يكون الوارث على قيد الحياة في ذلك الوقت ، فإذا مات المورث والوارث في وقت واحد كما لو كانا في سفينة وغرقت ولم يعرف من منهما مات أولا وكما في الهدى والحرقی فلا يرث أحدهما في الآخر.
وتتضمن الفقرة الأولى من المادة 875 من القانون المدني القاعدة الواجب الإلتزام بها عند تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم وانتقال أموال التركة إليهم، سواء كانت التركة خاضعة للتصفية أو غير خاضعة لها.
تنص المادة 22 من المرسوم بقانون 25 لسنة 1929 على أنه يحكم بموت المفقود الذي يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنين من تاريخ فقده، وفی غیر الحالة التي يغلب فيها الهلاك يكون للقاضي تحديد المدة بعد التحري بكافة الطرق، ويقوم مقام الحكم قرار يصدر من وزير الحربية بالنسبة لأفراد القوات المسلحة، أما في الأحوال الأخرى فللقاضي تحديد المدة بعد التحري لمعرفة ما إذا كان المفقود حياً أو ميتاً، ونصت المادة 22 على أن زوجة المفقود تعتد بعد الحكم بموته وتقسم تركته، ويغلب الهلاك إذا كان الفقد في حرب أو كارثة ويعتبر المفقود میتاً بالنسبة لماله من تاريخ الحكم فلا يرث فيه من مات قبل الحكم، ويعتبر ميتاً بالنسبة لمال غيره منذ الفقد فلا يرث ويوزع من التركة ما بقي بعد تجهيز الميت وسداد ديونه وتنفيذ وصاياه ويقدم طلب إثبات الغيبة للقاضي الجزئي متى كانت أموال الغائب لا تجاوز ثلاثة آلاف جنيه، فإن جاوزت ذلك قدم الطلب للمحكمة الإبتدائية للأحوال الشخصية، وتقوم المحكمة المختصة على نحو ما سلف، بتعيين وكيل الغائب ومراقبة عمله والفصل في الحساب وعزل الوكيل واستبداله وفقاً لما تنص عليه المادة 972 من قانون المرافعات.
أما إن كان الغائب ليس له مال، كان الاختصاص للقاضي الجزئي للاحوال الشخصية «نفس»، أما الحكم بموت الغائب فيكون للمحكمة الإبتدائية، ويشترط لاستحقاق الإرث إتحاد الديانة والدار على أن إختلاف الدارين لا يمنع الإرث بين المسلمين وألا يكون الوارث قتل المورث عمداً .
استحقاق الإرث
يستحق الإرث فرضاً بالنسبة للأب والجد الصحيح وأولاد الأم والزوج والزوجة والبنات وبنات الابن والأخوات الشقيقات والأخوات لأب والأم والجدة الصحيحة.
ويستحق الإرث بالتعصيب للعصبة بالنفس كالآباء والأبناء والأخوة والعمومة وللعصبة بالغير کالبنات مع الأبناء وبنات الابن مع أبناء الابن والأخوات الشقيقات مع الأخوة الأشقاء والأخوات لأب مع الإخوة لأب، وللعصبة مع الغير کالأخوات الشقيقات أو الأب إذا اجتمعن مع البنات أو بنات الأبن.
و يستحق ذوي الأرحام الإرث وهم أولاد البنات والجد غير الصحيح وأبناء الأخوة لأم وأولادهم ومن ذكروا في المواد 32 وما بعدها من قانون المواريث وهم الأعمام والأخوال غير المباشرين وأولادهم.
وتحدد أنصباء المستحق في الإرث وفقاً للقواعد الشرعية في حالة عدم وجود ولد للميت فهذا يحجب الارث عن غير أخوته وأمه وجده وجدته.
ويترتب على مخالفة هذه القواعد انتفاء حجية الحكم مما يجوز معه إعادة تقسيم التركة وفقاً لتلك القواعد.
وتتضمن التركة جميع الحقوق المالية التي كانت للمورث فتنتقل إلى الورثة بالميراث وتشتمل على الحقوق العينية الأصلية والتبعية كالرهن و الامتياز والاختصاص والحق في إبطال العقود والخيارات وآجال الديون .
يصدر الإعلام الشرعي بثبوت وفاة المورث وتعيين ورثته وتحديد أنصبائهم في تركته من القاضي الجزئي للأحوال الشخصية، بناءً على طلب يقدم له من أحد الورثة بضمنه إصدار هذا الإعلام، وتحدد جلسة يحضر فيها الطالب شاهدين بوفاة المورث وتعيين ورثته وإن وجد من يستحق وصية واجبة تم تعيينه .
ويصدر القاضي بناءً على هذه الأقوال الإعلام الشرعي مضافاً إليها تحريات جهة الإدارة، ويصدر الإعلام من القاضي الجزئي بصفته الولائية بحالة الإنسان المدنية.
وتكون للإعلام حجية فيما تضمنه من ثبوت وفاة المورث وتعيين ورثته وأصحاب الوصية الواجبة إن وجدوا، وليس للإعلام حجية مطلقة إذ يجوز إهدار أو تصحيح ما تضمنه بحكم يصدر من المحكمة الابتدائية للأحوال الشخصية بناء على دعوى مبتدأة ترفع إليها، وتنحصر في هذه المحكمة ولاية إصدار هذا الحكم، بحيث إذا تمسك أحد الورثة ببطلان الإعلام أمام المحكمة المدنية التي تنظر دعوى استند فيها الخصم على هذا الإعلام، ودفع أمامها ببطلانه، تعين عليها وقف الدعوى تعليقاً على إستصدار حكم في شأن الإعلام من المحكمة المختصة نوعياً بنظره، وقتی صدر هذا الحكم، كان هو المعول عليه في ثبوت الوفاة والوراثة دون الإعلام الشرعي الذي جحلت حجيته ونازع فيه باقى الورثة.
ومناط استصدار حكم بثبوت الوفاة والوراثة، أن يكون الإعلام الشرعي صادرا بثبوت وراثة الطالب كوارث للمورث، بينما ينكر وارث آخر توافر هذه الصفة في الطالب، فتنحصر بالتالى المنازعة بين وارث ومن يدعي الوردة . إذا نشأت المنازعة بين وارث آخر غير وارث، فإن الاعلام الشرعي تظل له حجيته في إثبات الوفاة والوراثة دون حاجة إلى إستصدار حكم بذلك، ولما كان بنك ناصر الاجتماعي الذي حل محل وزارة المالية التي حلت محل بيت المال، لا يعتبر وارثاً، وبالتالي يحاج بالإعلام الشرعي المتضمن ورثة خصمها للمتوفي الذي إعتبره بنك ناصر الاجتماعي لا وارث له، دون حاجة لاستصدار البنك حكماً ثبوت الوفاة والوراثة، وبالتالي فإذا رفع الوارث ضد بنك ناصر الاجتماعي دعوى بإستحقاق العقار الذي استولى عليه البنك، وقدم الوارث الإعلام الشرعى سنداً لدعواه، متضمناً أنه وارث للمتوفى، فإن هذا الإعلام يكون حجة على البنك، فإن دفع بأن الخصم ليس وارثاً وببطلان الاعلام، فان المحكمة المدنية التي تنظر دعوى الإستحقاق، تطرح هذا الدفع ولا تكون مكلفة بالرد بإعتباره دفعاً ظاهر الفساد، وتقضي للوارث بطلباته على سند من حجية الإعلام الشرعي الذي أثبت وراثة الخصم.
وإغفال بعض الورثة أو اضافة شخص غير وارث، لا يعتبر تزويراً في الإعلام، أما تغيير بيانات الإعلام بعد صدوره، فيعتبر تزويراً في محرر رسمی .
تضمن قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 موانع الإرث ومنها إختلاف الدارين فلا يرث غير المسلم ولا المسلم من غير المسلم وتكون الوصية الصادرة من أحدهما للآخر وصية لغير وارث ولو كانت صادرة من أم غير مسلمة لأبنها المسلم، ولا توارث بين الزوجين في الزواج غير الصحيح ولكن لا يحول هذا الزواج من توارث الأبناء والآباء والأمهات، وإذا طلق الزوج زوجته أصبحت غريبة عنه فلا ترثه إلا إذا وقع الطلاق في مرض الموت، فيعتبر الزوج فاراً وترث فيه زوجته متى تم الموت خلال العدة.
إذا توافر سبب يؤدي إلى منع الميراث، ومع ذلك حصل من يرد عليه المنع على حصته الميراثية، جاز لباقي الورثة طلب استردادها وتقسم بينهم قسمة ميراث.
وان لم يظهر ورثة للمتوفي، فاعتبرت ترکنه شاغرة، فآلت الى بنك ناصر الإجتماعي، ثم ظهر ورثة للمتوفي، كان لهم الرجوع على هذا البنك لاسترداد التركة والربع من تحت يده، على أن يقيموا الدليل على دعواهم. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني عشر الصفحة/ 26)
والحقوق المالية التي تنتقل إلى الورثة هو الحقوق التي يتركها المورث وقت وفاته، أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته، فلا حق للورثة فيه.
وموت المضرور في الحال نتيجة الإعتداء عليه، يلحق به ضرراً مادياً، ينتقل الحق في التعويض عنه إلى ورثته.
وينتقل خيار العيب وخيار الشرط وغيرهما إلى ورثة المتوفي لأنها حقوق مالية يجرى فيها التوارث مجراه في المال.
وينتقل أجل الدين إلى ورثة المتوفي، لأن الأجل حق استفاده المدين حال حياته فينتقل بعد موته إلى ورثته.
أما إذا كان الحق الذي خلفه المورث ليس حقاً مالياً فإنه لاينتقل إلى الورثة، مثل حق الحضانة وحق الولاية على النفس وحق الولاية على المال.
وكذلك إذا كان الحق الذي خلفه المورث ماليا ولكنه يتصل بشخصه أو بمشيئته إلا بماله، كالحق في النفقة، سواء كان الدائن بها زوجاً أو قريباً، وذلك ما لم يأذن القاضي بالإستدانة واستدين بالفعل.
وكالحق في الرجوع في الهبة فهو حق متصل بشخص الواهب، فلا ينتقل منه إلى ورثته، بل يسقط بموته، وقد أكدت هذا المعنى المادة 502 مدنی حيث جعلت من موانع الرجوع في الهبة موت أحد طرفي العقد، الواهب أو الموهوب له.
ومن الحقوق المتعلقة بشخص المورث حكم المادة الأولى من القانون رقم 513 لسنة 1953 التي تقضي بعدم جواز الحجز على خمسة الأفدنة المملوكة للمزارع، فلا ينتقل هذا الحق إلى ورثته.
ولقد كان لهذا الخلاف أثره عند شراح القانون المدني، فذهب بعضهم إلى أن أموال التركة تبقى على حكم ملك المتوفى إلى أن تسدد الديون.
بينما ذهب البعض الآخر - وهو الرأي السائد حاليا – إلى أنها تكون ملكاً للورثة من وقت الوفاة.
ويرجح هذا الرأى ما تقضي به المبادئ العامة في القانون المدني، فالأصل أن المسببات لا تتراخى عن أسبابها إلا لمانع، والموت سبب الإرث فتتحقق الوراثة فوره وأثر الإرث هو تملك الورثة ما تركه المورث ولذا تثبت الملكية فور الوفاة بلا خلاف إذا لم تكن هناك ديون، فإذا وجدت الديون فذلك لا يمنع من ثبوت الملك للورثة إذا القول بتأخير انتقال الملك إلى ما بعد سداد الديون لم يقصد به إلا الإستيثاق لأداء الديون، ولذلك قال أنصار هذا الرأي إن الأموال تبقى على حكم ملك المتوفى أو في ملكه، وهو ما لا يمكن أن يكون إلا حكماً مجازياً إذ يفترض إستمرار شخصية المورث بعد وفاته أو إستمرار ذمته كما يقال، ويمكن الوصول إلى نفس النتيجة دون اللجوء إلى المجاز بأن يثبت الملك للورثة منذ تحقق سببه وهو الوفاة وتبقى الديون متعلقة بالأموال الموروثة للاستيثاق من أداء الدين، وليس ذلك بمانع من التملك كما لا يمنع الرهن ملكية المدين للعين المرهونة، فتعلق الديون بأموال التركة لا يختلف في الواقع عن تعلق الدين المضمون بالرهن بالمال المرهون.
تنص الفقرة الأولى من المادة 875 مدني على أن تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم في الإرث وإنتقال التركة إليهم تسرى فى شأنها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها.
وقد صدر بتعيين الورثة وتحديد أنصبائهم، وما يتعلق من أحكام أخرى من أحكام الميراث القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن الميراث.
يجب شهر حق الإرث بتسجيل شهادات الوراثة الشرعية أو الأحكام النهائية أو غيرها من السندات المثبتة لحق الإرث مع قوائم جرد التركة إذا اشتملت على حقوق عينية عقارية وذلك بدون رسم، وإلى أن يتم هذا التسجيل لا يجوز شهر أي تصرف يصدر من الوارث في حق من هذه الحقوق.
ويجوز أن يقصر شهر حق الإرث على جزء من عقارات التركية وفي هذه الحالة يعتبر هذا الجزء وحدة يبني على أساسها تصرفات الورثة .
ينظم التقنين المدني طريقين لحماية حقوق دائني التركة هما :
الطريق الأول :
طريق الإجراءات الجماعية، وهو ما يطلق عليه التصفية الجماعية للتركة.
وتنظمه المواد (876 - 913 مدنی).
الطريق الثاني:
طريق الإجراءات الفردية.
وتنظم هذا الطريق المادة 914 مدنی، وتكملها نصوص قانون تنظيم الشهر العقاري وقانون تنظيم السجل العيني. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني عشر الصفحة/ 5)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث ، الصفحة / 17
إِرْثٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - مِنْ مَعَانِي الإْرْثِ فِي اللُّغَةِ: الأْصْلُ، وَالأْمْرُ الْقَدِيمُ تَوَارَثَهُ الآْخَرُ عَنِ الأْوَّلِ، وَالْبَقِيَّةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَهَمْزَتُهُ أَصْلُهَا وَاوٌ.
وَيُطْلَقُ الإْرْثُ وَيُرَادُ مِنْهُ انْتِقَالُ الشَّيْءِ مِنْ قَوْمٍ إِلَى قَوْمٍ آخَرِينَ.
وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ مِنْهُ الْمَوْرُوثُ.
وَيُقَارِبُهُ عَلَى هَذَا الإْطْلاَقِ فِي الْمَعْنَى التَّرِكَةُ. وَعِلْمُ الْمِيرَاثِ - وَيُسَمَّى أَيْضًا عِلْمَ الْفَرَائِضِ - هُوَ عِلْمٌ بِأُصُولٍ مِنْ فِقْهٍ وَحِسَابٍ تُعَرِّفُ حَقَّ كُلٍّ فِي التَّرِكَةِ.
وَالإْرْثُ اصْطِلاَحًا: عَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْقَاضِي أَفْضَلُ الدِّينِ الْخُونَجِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهُ حَقٌّ قَابِلٌ لِلتَّجَزُّؤِ يَثْبُتُ لِمُسْتَحِقِّهِ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ نَحْوِهَا.
أَهَمِّيَّةُ الإْرْثِ:
2 - مَعْرِفَةُ الْفَرَائِضِ مِنْ أَهَمِّ الْعُلُومِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الدِّينِ. وَقَدْ حَثَّ الرَّسُولُ صلي الله عليه وسلم عَلَى تَعْلِيمِهَا وَتَعَلُّمِهَا. فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه . أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ، فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَسَيُقْبَضُ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ بَعْدِي حَتَّى يَتَنَازَعَ الرَّجُلاَنِ فِي فَرِيضَةٍ فَلاَ يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا».
وَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ مُذَاكَرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ وَمُدِحُوا عَلَى ذَلِكَ.
عَلاَقَةُ الإْرْثِ بِالْفِقْهِ:
3 - وَالْفُقَهَاءُ فِي الْمَذَاهِبِ الإْسْلاَمِيَّةِ حِينَ يَتَكَلَّمُونَ عَنِ الْمِيرَاثِ يُعَنْوِنَونَ لِذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ بِكِتَابِ الْفَرَائِضِ. وَقَدْ أَفْرَدَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِكُتُبٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَنْ كُتُبِ الْفِقْهِ. وَابْتَدَأَ ذَلِكَ مِنَ الْقَرْنِ الثَّانِي لِلْهِجْرَةِ مَعَ ابْتِدَاءِ تَدْوِينِ الأْحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ.
وَمِنْ أَوَّلِ مَنْ أَلَّفَ الْكُتُبَ الْخَاصَّةَ بِأَحْكَامِ الْفَرَائِضِ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَكَانَتْ كُتُبُ الْفِقْهِ الْمُدَوَّنَةُ فِي هَذَيْنِ الْقَرْنَيْنِ خَالِيَةً مِنْ أَحْكَامِ الْفَرَائِضِ مِثْلَ الْمُدَوَّنَةِ لِسَحْنُونٍ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالأْمِّ لِلإْمَامِ الشَّافِعِيِّ.
وَعَلَى الْخِلاَفِ مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ كُتُبُ السُّنَّةِ، فَقَدْ شَمِلَتْ أَحْكَامَ الْفَرَائِضِ مَعَ أَحْكَامِ الْفِقْهِ كَالْمُوَطَّأِ وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ.
وَلَمْ تَبْدَأْ كُتُبُ الْفِقْهِ تَشْمَلُ أَحْكَامَ الْفَرَائِضِ إِلاَّ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ، مِثْلَ رِسَالَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَاسْتَمَرَّ الأْمْرُ كَذَلِكَ.
دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ:
4 - الْمِيرَاثُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَآيَاتُ الْمَوَارِيثِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَحَادِيثُ مِثْلُ قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلأِوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَمِثْلُ ثُبُوتِ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ لأِمٍّ بِشَهَادَةِ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ سَلَمَةَ لَدَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم وَرَّثَهَا، وَلَمْ يَرِدْ تَوْرِيثُهَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
وَأَمَّا الإْجْمَاعُ فَمِثْلُ إِرْثِ الْجَدَّةِ لأِبٍ بِاجْتِهَادِ عُمَرَرضي الله عنه الدَّاخِلِ فِي عُمُومِ الإْجْمَاعِ، وَلاَ مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ.
التَّدَرُّجُ فِي تَشْرِيعِ الْمِيرَاثِ:
5 - كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَوَارَثُونَ بِشَيْئَيْنِ: النَّسَبُ وَالسَّبَبُ.
فَأَمَّا مَا يَسْتَحِقُّ بِالنَّسَبِ فَلَمْ يَكُونُوا يُوَرِّثُونَ الصِّغَارَ وَلاَ الإْنَاثَ، وَإِنَّمَا يُوَرِّثُونَ مَنْ قَاتَلَ وَحَازَ الْغَنِيمَةَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَآخَرِينَ إِلَى أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ): إِلَى قوله تعالي ( وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ) وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأْنْثَيَيْنِ.
وَقَدْ كَانُوا بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْمُنَاكَحَاتِ وَالطَّلاَقِ وَالْمِيرَاثِ إِلَى أَنْ نُقِلُوا عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ بِالشَّرِيعَةِ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَقَرَّ النَّاسَ عَلَى مَا أَدْرَكَهُمْ مِنْ طَلاَقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ مِيرَاثٍ؟، قَالَ: لَمْ يَبْلُغْنَا إِلاَّ ذَلِك.
وَرَوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلي الله عليه وسلم وَالنَّاسُ عَلَى أَمْرِ جَاهِلِيَّتِهِمْ إِلَى أَنْ يُؤْمَرُوا بِشَيْءٍ أَوْ يُنْهَوْا عَنْهُ، وَإِلاَّ فَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ جَاهِلِيَّتِهِمْ.
وَكَانَ السَّبَبُ الَّذِي يَتَوَارَثُونَ بِهِ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْحَلِفُ وَالْمُعَاقَدَةُ، وَالآْخَرُ التَّبَنِّي. ثُمَّ جَاءَ الإْسْلاَمُ فَتُرِكُوا بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ نُسِخَ. فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْحَلِفِ وَالْمُعَاقَدَةِ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ ثُمَّ نُسِخَ، وَقَالَ شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ فِي قوله تعالي (وَاَلَّذِينَ عَقَدَت أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) : كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: دَمِي دَمُكَ، وَهَدْمِي هَدْمُكَ، وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، وَتُطْلَبُ بِي وَأُطْلَبُ بِكَ. قَالَ: فَوَرَّثُوا السُّدُسَ فِي الإْسْلاَمِ مِنْ جَمِيعِ الأْمْوَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ مِيرَاثَهُمْ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأُولُو الأْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ.
الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّرِكَةِ وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهَا:
6 - مِنْ إِطْلاَقَاتِ الإْرْثِ لُغَةً: التَّرِكَةُ. وَهِيَ فِي الاِصْطِلاَحِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: مَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ مِنْ أَمْوَالٍ وَحُقُوقٍ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: هِيَ مَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ مِنَ الأْمْوَالِ صَافِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنٍ مِنَ الأْمْوَالِ، فَالأْصْلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْحُقُوقَ لاَ يُورَثُ مِنْهَا إِلاَّ مَا كَانَ تَابِعًا لِلْمَالِ أَوْ فِي مَعْنَى الْمَالِ، كَحَقِّ التَّعَلِّي وَحُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ، أَمَّا حَقُّ الْخِيَارِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا فَلاَ تُورَثُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَيَدْخُلُ فِي التَّرِكَةِ اتِّفَاقًا الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْقَتْلِ الْخَطَأِ، أَوْ بِالصُّلْحِ عَنِ الْعَمْدِ، أَوْ بِانْقِلاَبِ الْقِصَاصِ مَالاً بِعَفْوِ بَعْضِ الأْوْلِيَاءِ فَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُ الْمَيِّتِ وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُبْدَأُ مِنَ التَّرِكَةِ بِالدُّيُونِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَعْيَانِهَا قَبْلَ الْوَفَاةِ كَالأْعْيَانِ الْمَرْهُونَةِ، لأِنَّ الْمُوَرِّثَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لاَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الأْعْيَانِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ، فَأَوْلَى أَلاَّ يَكُونَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
فَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا مَرْهُونَةً فِي دَيْنٍ فَإِنَّ الْمُوَرِّثَ (الْمَيِّتَ) لاَ يُجَهَّزُ إِلاَّ بَعْدَ سَدَادِ الدَّيْنِ، أَوْ فِيمَا يَفْضُلُ بَعْدَ سَدَادِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ سَدَادِ الدَّيْنِ يَكُونُ تَجْهِيزُهُ عَلَى مَنْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فِي حَيَاتِهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الإْنْسَانُ بُدِئَ بِتَكْفِينِهِ وَتَجْهِيزِهِ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا تُقَدَّمُ نَفَقَةُ الْمُفْلِسِ عَلَى دُيُونِ غُرَمَائِهِ، ثُمَّ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ.
7 - لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي الدُّيُونِ الَّتِي تُقْضَى بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ:
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الدَّيْنَ إِنْ كَانَ لِلْعِبَادِ فَالْبَاقِي بَعْدَ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ إِنْ وَفَى بِهِ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَفِ فَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا يُعْطِي لَهُ الْبَاقِيَ. وَمَا بَقِيَ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ إِنْ شَاءَ عَفَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ.
وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُتَعَدِّدًا، فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ دَيْنَ الصِّحَّةِ - وَهُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ أَوِ الإِْقْرَارِ فِي زَمَانِ صِحَّةِ الْمَدِينِ - أَوْ كَانَ الْكُلُّ دَيْنَ الْمَرَضِ - وَهُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِإِقْرَارِهِ فِي مَرَضِهِ - فَإِنَّهُ يُصْرَفُ الْبَاقِي إِلَيْهِمْ عَلَى حَسَبِ مَقَادِيرِ دُيُونِهِمْ.
وَإِنِ اجْتَمَعَ الدَّيْنَانِ مَعًا يُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ لِكَوْنِهِ أَقْوَى، لأِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَنِ التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَفِي إِقْرَارِهِ حِينَئِذٍ نَوْعُ ضَعْفٍ.
وَأَمَّا إِذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَايَنَةِ، كَاَلَّذِي يَجِبُ بَدَلاً عَنْ مَالِ مِلْكِهِ أَوِ اسْتَهْلَكَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ، إِذْ قَدْ عُلِمَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ إِقْرَارِهِ، فَلِذَلِكَ سَاوَاهُ فِي الْحُكْمِ.
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَحِجَّةِ الإِْسْلاَمِ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ، فَإِنْ أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ وَجَبَ تَنْفِيذُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ الْبَاقِي بَعْدَ دَيْنِ الْعِبَادِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَجِبْ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ تُقْضَى دُيُونُ الْمَيِّتِ الَّتِي لآِدَمِيٍّ كَانَتْ بِضَامِنٍ أَمْ لاَ. حَالَّةً كَانَتْ أَوْ مُؤَجَّلَةً لأِنَّ الْمُؤَجَّلَةَ تَحِلُّ بِالْمَوْتِ، ثُمَّ هَدْيُ تَمَتُّعٍ إِنْ مَاتَ بَعْدَ رَمْيِ الْعَقَبَةِ أَوْصَى بِهِ أَمْ لاَ، ثُمَّ زَكَاةُ فِطْرٍ فَرَّطَ فِيهَا، وَكَفَّارَاتٌ فَرَّطَ فِيهَا، مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالصَّوْمِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ إِذَا أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهَا بِذِمَّتِهِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. سَوَاءٌ أَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا أَمْ لَمْ يُوصِ، لأِنَّ الْمُقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَتَى أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ بِهَا خَرَجَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْصَى بِهَا أَمْ لاَ، فَإِنْ أَوْصَى بِهَا، وَلَمْ يُشْهِدْ فَمِنَ الثُّلُثِ، وَمِثْلُ الْكَفَّارَاتِ عِنْدَهُمْ الَّتِي أَشْهَدَ بِهَا زَكَاةُ عَيْنٍ حَلَّتْ وَأَوْصَى بِهَا، وَزَكَاةُ مَاشِيَةٍ حَلَّتْ وَلاَ سَاعِيَ، وَلَمْ تُوجَدِ السِّنُّ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا، فَإِنْ وُجِدَ فَهُوَ كَالدَّيْنِ الْمُتَعَلِّقِ بِحَقٍّ فَيَجِبُ إِخْرَاجُهُ قَبْلَ الْكَفَنِ وَالتَّجْهِيزِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ تُقْضَى الدُّيُونُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِلَّهِ - تَعَالَى - أَمْ لآِدَمِيٍّ أَوْصَى بِهَا أَمْ لاَ، لأِنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُ دَيْنُ اللَّهِ - تَعَالَى - كَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا عَلَى دَيْنِ الآْدَمِيِّ. وَذَلِكَ فِيمَا إِذَا تَلِفَ الْمَالُ. فَلَوْ كَانَ بَاقِيًا فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الزَّكَاةِ فَتَخْرُجُ قَبْلَ التَّجْهِيزِ كَمَا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ، وَإِنْ كَانَتِ الدُّيُونُ مُتَعَلِّقَةً بِعَيْنٍ قُدِّمَتْ عَلَى التَّجْهِيزِ كَمَا سَبَقَ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ يُوفَى حَقُّ مُرْتَهِنٍ لَدَيْهِ، ثُمَّ إِنْ فَضَلَ لِلْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ شَارَكَ الْغُرَمَاءَ، لأِنَّهُ سَاوَاهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ رُدَّ عَلَى الْمَالِ لِيُقْسَمَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، ثُمَّ بَعْدَمَا سَبَقَ تُسَدَّدُ الدُّيُونُ غَيْرُ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالأَْعْيَانِ وَهِيَ الَّتِي ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ. وَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ كُلِّهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهَا الدَّيْنُ سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ لِلَّهِ - تَعَالَى - كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْحَجِّ الْوَاجِبِ، أَمْ كَانَ لآِدَمِيٍّ كَالْقَرْضِ وَالثَّمَنِ وَالأْجْرَةِ، فَإِنْ زَادَتِ الدُّيُونُ عَنِ التَّرِكَةِ وَلَمْ تَفِ بِدَيْنِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَدَيْنِ الآْدَمِيِّ يَتَحَاصُّونَ عَلَى نِسْبَةِ دُيُونِهِمْ كَمَالِ الْمُفْلِسِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الدُّيُونُ لِلَّهِ - تَعَالَى - أَمْ لِلآْدَمِيِّينَ أَمْ مُخْتَلِفَةً، ثُمَّ بَعْدَ الدَّيْنِ الْوَصِيَّةُ لِلأْجْنَبِيِّ - وَهُوَ مَنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ - مِنْ ثُلُثِ مَا يَفِي مِنَ الْمَالِ بَعْدَ الْحُقُوقِ الثَّلاَثَةِ، فَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ فَلاَ بُدَّ مِنْ إِجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لأِجْنَبِيٍّ فَمَا يَزِيدُ عَنِ الثُّلُثِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ كُلِّ الْوَرَثَةِ.
8 - وَالْفُقَهَاءُ مُجْمِعُونَ - كَمَا سَبَقَ - عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، لِمَا قَالَهُ عَلِيٌّ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَضَى أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ»، وَلأِنَّ الدَّيْنَ تَسْتَغْرِقُهُ حَاجَتُهُ فَقُدِّمَ كَمَئُونَةِ تَجْهِيزِهِ، ثُمَّ تَنْفُذُ وَصَايَاهُ.
9 - وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الذِّكْرِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الآْيَةِ ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن) لأِنَّهَا تُشْبِهُ الْمِيرَاثَ، لِكَوْنِهَا مَأْخُوذَةً بِلاَ عِوَضٍ، فَيَشُقُّ إِخْرَاجُهَا عَلَى الْوَرَثَةِ، فَكَانَتْ لِذَلِكَ مَظِنَّةً فِي التَّفْرِيطِ فِيهَا بِخِلاَفِ الدَّيْنِ فَإِنَّ نُفُوسَهُمْ مُطْمَئِنَّةٌ إِلَى أَدَائِهِ، فَقُدِّمَ ذِكْرُهَا حَثًّا عَلَى أَدَائِهَا، وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الأْدَاءِ، أَوِ الْمُسَارَعَةِ إِلَيْهِ، وَلِذَلِكَ جِيءَ بَيْنَهُمَا بِكَلِمَةِ التَّسْوِيَةِ، وَأَيْضًا إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالتَّبَرُّعَاتِ وَلَيْسَ فِي التَّرِكَةِ وَفَاءٌ بِالْكُلِّ فَتَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا ظَاهِرٌ، لأِنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَالْوَصِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ تَطَوُّعٌ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى.
10 - ثُمَّ بَعْدَ التَّكْفِينِ وَالدَّيْنِ تَنْفُذُ الْوَصَايَا مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَذَلِكَ فِي الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ - عَدَا خُوَاهَرْ زَادَهْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - لاَ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ، لأِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّكْفِينِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَدْ صَارَ مَصْرُوفًا فِي ضَرُورَاتِهِ الَّتِي لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهَا، فَالْبَاقِي هُوَ مَالُهُ الَّذِي كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي ثُلُثِهِ، وَأَيْضًا رُبَّمَا اسْتَغْرَقَ ثُلُثُ الأْصْلِ جَمِيعَ الْبَاقِي، فَيُؤَدِّي إِلَى حِرْمَانِ الْوَرَثَةِ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقَةً أَمْ مُعَيَّنَةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
11 - وَقَالَ شَيْخُ الإْسْلاَمِ خُوَاهَرْ زَادَهْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُعَيَّنَةً كَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى الإْرْثِ. وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً كَأَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ رُبُعِهِ كَانَتْ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ لِشُيُوعِهَا فِي التَّرِكَةِ، فَيَكُونُ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ لاَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَى شُيُوعِهِ فِيهَا كَحَقِّ الْوَارِثِ أَنَّهُ إِذَا زَادَ الْمَالُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ زَادَ عَلَى الْحَقَّيْنِ، وَإِذَا نَقَصَ نَقَصَ عَنْهُمَا، حَتَّى إِذَا كَانَ مَالُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ أَلْفًا مَثَلاً فَصَارَ أَلْفَيْنِ، فَلَهُ ثُلُثُ الأْلْفَيْنِ. وَإِنِ انْعَكَسَ فَلَهُ ثُلُثُ الأْلْفِ.
ثُمَّ بَعْدَ التَّكْفِينِ وَالدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ يُقْسَمُ الْبَاقِي مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الَّذِينَ ثَبَتَ إِرْثُهُمْ بِالْكِتَابِ وَهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الآْيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، أَوِ الَّذِينَ ثَبَتَ إِرْثُهُمْ بِالنِّسْبَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم أَطْعِمُوا الْجَدَّاتِ السُّدُسَ»، أَوِ الَّذِينَ ثَبَتَ إِرْثُهُمْ بِالإْجْمَاعِ كَالْجَدِّ وَابْنِ الاِبْنِ وَبِنْتِ الاِبْنِ وَسَائِرِ مَنْ عُلِمَ تَوْرِيثُهُمْ بِالإْجْمَاعِ.
أَرْكَانُ الإْرْثِ:
12 - الرُّكْنُ لُغَةً جَانِبُ الشَّيْءِ الأْقْوَى، وَفِي الاِصْطِلاَحِ عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءِ الْمَاهِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الإْرْثَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ مِنْهُ الاِسْتِحْقَاقُ وَبِهَذَا الإْطْلاَقِ لَهُ أَرْكَانٌ ثَلاَثَةٌ إِنْ وُجِدَتْ كُلُّهَا تَحَقَّقَتِ الْوِرَاثَةُ، وَإِنْ فُقِدَ رُكْنٌ مِنْهَا فَلاَ إِرْثَ.
أَوَّلُهَا: الْمُورَثُ وَهُوَ الْمَيِّتُ أَوِ الْمُلْحَقُ بِالأْمْوَاتِ.
وَثَانِيهَا: الْوَارِثُ وَهُوَ الْحَيُّ بَعْدَ الْمُورَثِ أَوِ الْمُلْحَقُ بِالأْحْيَاءِ.
وَثَالِثُهَا: الْمَوْرُوثُ (أَيِ التَّرِكَةُ) وَهُوَ لاَ يَخْتَصُّ بِالْمَالِ، بَلْ يَشْمَلُ الْمَالَ وَغَيْرَهُ.
وَعَلَى هَذَا فَمَنْ مَاتَ وَلَهُ وَارِثٌ وَلاَ مَالَ لَهُ فَلاَ إِرْثَ وَكَذَلِكَ مَنْ مَاتَ وَلاَ وَارِثَ لَهُ فَلاَ إِرْثَ أَيْضًا عِنْدَ مَنْ لاَ يَرَى بَيْتَ الْمَالِ وَارِثًا، كَمَا سَيَأْتِي.
شُرُوطُ الْمِيرَاثِ:
13 - الشُّرُوطُ جَمْعُ شَرْطٍ وَهُوَ لُغَةً الْعَلاَمَةُ. وَاصْطِلاَحًا مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلاَ عَدَمٌ لِذَاتِهِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الْمَاهِيَّةِ.
وَلِلإْرْثِ شُرُوطٌ ثَلاَثَةٌ:
أَوَّلُهَا: تَحَقُّقُ مَوْتِ الْمُورَثِ أَوْ إِلْحَاقُهُ بِالْمَوْتَى حُكْمًا كَمَا فِي الْمَفْقُودِ إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِمَوْتِهِ أَوْ تَقْدِيرًا كَمَا فِي الْجَنِينِ الَّذِي انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ عَلَى أُمِّهِ تُوجِبُ غُرَّةً.
ثَانِيهَا: تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ، أَوْ إِلْحَاقُهُ بِالأْحْيَاءِ تَقْدِيرًا، كَحَمْلٍ انْفَصَلَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لِوَقْتٍ يَظْهَرُ مِنْهُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ نُطْفَةً عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ.
ثَالِثُهَا: الْعِلْمُ بِالْجِهَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلإْرْثِ مِنْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ وَلاَءٍ، وَتَعَيُّنُ جِهَةِ الْقَرَابَةِ مِنْ بُنُوَّةٍ أَوْ أُبُوَّةٍ أَوْ أُمُومَةٍ أَوْ أُخُوَّةٍ أَوْ عُمُومَةٍ، وَالْعِلْمُ بِالدَّرَجَةِ الَّتِي اجْتَمَعَ الْمَيِّتُ وَالْوَارِثُ فِيهَا .
أَسْبَابُ الإْرْثِ:
14 - السَّبَبُ لُغَةً مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى غَيْرِهِ. وَاصْطِلاَحًا: مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ.
أَسْبَابُ الإْرْثِ أَرْبَعَةٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الأْئِمَّةِ الأْرْبَعَةِ، وَالرَّابِعُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
فَالثَّلاَثَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا: النِّكَاحُ، وَالْوَلاَءُ، وَالْقَرَابَةُ، وَيُعَبِّرُ عَنْهَا الْحَنَفِيَّةُ بِالرَّحِمِ، وَالرَّابِعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هُوَ جِهَةُ الإْسْلاَمِ، وَاَلَّذِي يَرِثُ بِهَذَا السَّبَبِ - عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - هُوَ بَيْتُ الْمَالِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ.
وَكُلُّ سَبَبٍ مِنَ الأْسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ يُفِيدُ الإْرْثَ عَلَى الاِسْتِقْلاَلِ
مَوَانِعُ الإْرْثِ:
15 - الْمَانِعُ: مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ.
وَمَوَانِعُ الإْرْثِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا بَيْنَ الأْئِمَّةِ الأْرْبَعَةِ ثَلاَثَةٌ: الرِّقُّ، وَالْقَتْلُ، وَاخْتِلاَفُ الدِّينِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ثَلاَثَةٍ أُخْرَى وَهِيَ: الرِّدَّةُ، وَاخْتِلاَفُ الدَّارَيْنِ، وَالدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ الْمَوَانِعِ جَهْلُ تَأَخُّرِ مَوْتِ الْوَارِثِ عَنْ مَوْتِ الْمُورَثِ وَاللِّعَانُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْمَوَانِعِ كُلِّهَا.
الرِّقُّ:
16 - اتَّفَقَ الأْئِمَّةُ الأْرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ الْكَامِلَ يَمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ. وَذَلِكَ لأِنَّ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ فَهُوَ لِمَوْلاَهُ. فَلَوْ وَرَّثْنَاهُ مِنْ أَقْرِبَائِهِ لَوَقَعَ الْمِلْكُ لِسَيِّدِهِ، فَيَكُونُ تَوْرِيثًا لِلأْجْنَبِيِّ بِلاَ سَبَبٍ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ إِجْمَاعًا.
الْقَتْلُ:
17 - اتَّفَقَ الأْئِمَّةُ الأْرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ يَمْنَعُ الْقَاتِلَ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ مِنَ الْمِيرَاثِ إِذَا كَانَ الْقَتْلُ مُبَاشِرًا. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْقَتْلِ الَّذِي يُوجِبُ الْقِصَاصَ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ غَيْرَ مُبَاشِرٍ لِلْقَتْلِ أَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً. فَذَهَبَ الأْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْعُدْوَانَ الْعَمْدَ الْمُوجِبَ لِلْقِصَاصِ: هُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْجَانِي مَنْ يَعْلَمُهُ آدَمِيًّا مَعْصُومًا فَيَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ.
وَذَهَبَ الإْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ الَّذِي يُوجِبُ الْقِصَاصَ: مَا يَكُونُ بِضَرْبَةِ سِلاَحٍ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي تَفْرِيقِ الأْجْزَاءِ كَالْمُحَدَّدِ مِنَ الْخَشَبِ أَوِ الْحَجَرِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْقَتْلَ شِبْهَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ يَمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَالْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ: كَأَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَاتِلُ ضَرْبَ الْمَقْتُولِ بِمَا لاَ يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا، وَمُوجِبُهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْحَنَفِيَّةِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالإْثْمُ وَالْكَفَّارَةُ.
وَالْخَطَأُ كَأَنْ رَمَى إِلَى الصَّيْدِ فَأَصَابَ إِنْسَانًا، أَوِ انْقَلَبَ عَلَيْهِ فِي النَّوْمِ فَقَتَلَهُ، أَوْ وَطِئَتْهُ دَابَّةٌ، وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ عَلَيْهِ، أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ حَجَرٌ مِنْ يَدِهِ فَمَاتَ. وَمُوجِبُهُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلاَ إِثْمَ فِيهِ. وَفِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا يُحْرَمُ الْقَاتِلُ مِنَ الْمِيرَاثِ عِنْدَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ بِحَقٍّ.
وَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ بِالسَّبَبِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ أَوْ وَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، أَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَلاَ حِرْمَانَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْقَتْلِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الأْرْجَحِ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا مُبَاشِرًا أَوْ مُتَسَبِّبًا يُمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ مِنَ الْمَالِ وَالدِّيَةِ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، وَإِنْ أَتَى بِشُبْهَةٍ تَدْفَعُ الْقِصَاصَ كَرَمْيِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ بِحَجَرٍ فَمَاتَ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رَأْيٌ آخَرُ هُوَ أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَالْخَطَأِ، فَيَرِثُ مِنَ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُمْ. وَأَمَّا إِذَا قَتَلَ مُورَثُهُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ فَلاَ يُحْرَمُ مِنَ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْقَتْلِ يُمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ بِحَقٍّ كَمُقْتَصٍّ، وَإِمَامٍ، وَقَاضٍ، وَجَلاَّدٍ بِأَمْرِ الإْمَامِ وَالْقَاضِي وَشَاهِدٍ وَمُزَكٍّ. وَيُحْرَمُ الْقَاتِلُ وَلَوْ قَتَلَ بِغَيْرِ قَصْدٍ كَنَائِمٍ وَمَجْنُونٍ وَطِفْلٍ وَلَوْ قَصَدَ بِهِ مَصْلَحَةً كَضَرْبِ الأْبِ ابْنَهُ لِلتَّأْدِيبِ، وَفَتْحِهِ الْجَرْحَ لِلْمُعَالَجَةِ، وَقَالُوا: لَوْ قَالَ الْمَقْتُولُ: وَرِّثُوهُ فَهُوَ وَصِيَّةٌ.
وَلَوْ سَقَطَ مُتَوَارِثَانِ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى سُفْلٍ وَأَحَدُهُمَا فَوْقَ الآْخَرِ فَمَاتَ الأْسْفَلُ لَمْ يَرِثْهُ الأْعْلَى، لأِنَّهُ قَاتِلٌ. وَإِنْ مَاتَ الأْعْلَى وَرِثَهُ الأْسْفَلُ لأِنَّهُ غَيْرُ قَاتِلٍ لَهُ.
اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْحِرْمَانِ بِالْقَتْلِ بِالتَّسَبُّبِ، وَمِنْ عَدَمِ حِرْمَانِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِأَنَّ الْقَاتِلَ بِالتَّسَبُّبِ لَيْسَ بِقَاتِلٍ حَقِيقَةً، لأِنَّهُ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ وَوَقَعَ فِيهَا مُورَثُهُ فَمَاتَ فَلاَ يُؤَاخَذُ عَلَى ذَلِكَ بِشَيْءٍ. وَالْقَاتِلُ يُؤَاخَذُ بِفِعْلِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مِلْكِهِ أَمْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَالرَّامِي. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَتْلَ لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِمَقْتُولٍ وَقَدِ انْعَدَمَ حَالَ التَّسَبُّبِ. فَإِنَّ حَفْرَهُ مَثَلاً قَدِ اتَّصَلَ بِالأْرْضِ دُونَ الْحَيِّ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَاتِلاً حَالَ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ؛ إِذْ رُبَّمَا كَانَ الْحَافِرُ حِينَئِذٍ مَيِّتًا. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَاتِلاً حَقِيقَةً لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ جَزَاءُ الْقَتْلِ، وَهُوَ الْحِرْمَانُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالْكَفَّارَةِ. وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لاَ يُحْرَمَانِ مِنَ الْمِيرَاثِ بِالْقَتْلِ، لأِنَّ الْحِرْمَانَ جَزَاءٌ لِلْقَتْلِ الْمَحْظُورِ، وَفِعْلُهُمَا مِمَّا لاَ يَصْلُحُ أَنْ يُوصَفَ بِالْحَظْرِ شَرْعًا، إِذْ لاَ يُتَصَوَّرُ تَوَجُّهُ خِطَابِ الشَّارِعِ إِلَيْهِمَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحِرْمَانَ بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي التَّحَرُّزِ، وَلاَ يُتَصَوَّرُ نِسْبَةُ التَّقْصِيرِ إِلَيْهِمَا.
وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ بِحَدِيثِ «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِنَ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ» وَفَسَّرُوهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْقَتْلِ شَيْءٌ مِنَ الإْرْثِ.
وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ خَوْفُ اسْتِعْجَالِ الْوَارِثِ لِلإْرْثِ
بِقَتْلِ مُورَثِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهُوَ مَا إِذَا قَتَلَهُ عَمْدًا فَاقْتَضَتِ الْمَصْلَحَةُ حِرْمَانَهُ مِنَ الإْرْثِ، عَمَلاً بِقَاعِدَةِ: مَنَ اسْتَعْجَلَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ، وَالاِسْتِعْجَالُ إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ ظَنِّهِ، وَبِالنَّظَرِ لِلظَّاهِرِ وَسَدِّ بَابِ الْقَتْلِ فِي بَاقِي الصُّوَرِ، وَهُوَ مَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ بِغَيْرِ قَصْدٍ كَمَا فِي النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالطِّفْلِ.
وَلاَ مَدْخَلَ لِلْمُفْتِي فِي الْقَتْلِ وَلَوْ أَخْطَأَ فِي الإْفْتَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ، لأِنَّ إِفْتَاءَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ، وَلاَ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَلاَ الْقَاتِلِ بِالْعَيْنِ، وَلاَ مَنْ أَتَى لاِمْرَأَتِهِ بِلَحْمٍ فَأَكَلَتْ مِنْهُ حَيَّةٌ ثُمَّ أَكَلَتْ مِنْهُ الزَّوْجَةُ فَمَاتَتْ.
وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ عَلَى مُورَثٍ بِمُقْتَضَى جَلْدٍ فَجُلِدَ فَمَاتَ فَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ، لَكِنْ ظَاهِرُ إِطْلاَقِهِمْ مَنْعُهُ بِذَلِكَ.
اخْتِلاَفُ الدِّينَيْنِ:
18 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَكْثَرِ الصَّحَابَةِ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمَ حَتَّى وَلَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، لأِنَّ الْمَوَارِيثَ قَدْ وَجَبَتْ لأِهْلِهَا بِمَوْتِ الْمُورَثِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الاِرْتِبَاطُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ بِالْقَرَابَةِ أَمْ بِالنِّكَاحِ أَمْ بِالْوَلاَءِ.
وَذَهَبَ الإْمَامُ أَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَرِثَ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم (مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ) وَلأِنَّ فِي تَوْرِيثِهِ تَرْغِيبًا فِي الإْسْلاَمِ.
كَمَا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ يَرِثُ عَتِيقَهُ الْمُسْلِمَ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يَرِثُ الْكَافِرَ.
وَذَهَبَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمَسْرُوقٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ الْكَافِرَ.
اسْتَدَلَّ الأْئِمَّةُ الأْرْبَعَةُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم لاَ يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَلٍ شَتَّى) وَلِقَوْلِهِ عليه السلام (لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) .
وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِتَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : (الإْسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى ) وَمِنَ الْعُلُوِّ أَنْ يَرِثَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ.
وَفَسَّرَ الْمَانِعُونَ الْحَدِيثَ بِأَنَّ نَفْسَ الإْسْلاَمِ هُوَ الَّذِي يَعْلُو، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ الإْسْلاَمُ عَلَى وَجْهٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ وَيَعْلُو. أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ الْعُلُوُّ بِحَسَبِ الْحُجَّةِ أَوْ بِحَسَبِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ. أَيِ النُّصْرَةِ فِي الْعَاقِبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ.
إِرْثُ الْمُرْتَدِّ:
19 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ - وَهُوَ مَنْ تَرَكَ الإْسْلاَمَ بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ - لاَ يَرِثُ أَحَدًا مِمَّنْ يَجْمَعُهُ وَإِيَّاهُمْ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْمِيرَاثِ، لاَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ، أَوْ أَيِّ دِينٍ آخَرَ خِلاَفُهُ، لأِنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَى الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ، وَلأِنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ. وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدَّةُ لاَ تَرِثُ أَحَدًا، لأِنَّ حُكْمَ الإْسْلاَمِ فِي الْمُرْتَدِّ إِنْ كَانَ رَجُلاً هُوَ أَنْ يَتُوبَ وَيَرْجِعَ إِلَى الإْسْلاَمِ أَوْ يُقْتَلَ إِنْ أَصَرَّ عَلَى رِدَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَإِنَّهَا تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ يُدْرِكَهَا الْمَوْتُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ مَعْنَى مُطْلَقًا لأَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ يَرِثُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ.
أَمَّا كَوْنُهُ يُورَثُ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - قَالَ الْقَاضِي: هِيَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ - أَنَّ الْمُرْتَدَّ لاَ يَرِثُهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرُهُمْ مِمَّنِ انْتَقَلَ إِلَى دِينِهِمْ بَلْ مَالُهُ كُلُّهُ - إِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ - يَكُونُ فَيْئًا وَحَقًّا لِبَيْتِ الْمَالِ.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالْحَسَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالشَّعْبِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالأْوْزَاعِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَاسْتَدَلَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِفِعْلِ الْخَلِيفَتَيْنِ الرَّاشِدَيْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، وَلأِنَّ رِدَّتَهُ يَنْتَقِلُ بِهَا مَالُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا لَوِ انْتَقَلَ بِالْمَوْتِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ، فَالْمُرْتَدَّةُ يَرِثُهَا أَقَارِبُهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَرِثُونَ كُلَّ مَالِهَا، سَوَاءٌ مَا اكْتَسَبَتْهُ حَالَ إِسْلاَمِهَا أَوْ حَالَ رِدَّتِهَا.
أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَإِنَّ وَرَثَتَهُ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَ مِنْهُ مَا اكْتَسَبَهُ فِي زَمَانِ إِسْلاَمِهِ. وَلاَ يَرِثُونَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي زَمَانِ رِدَّتِهِ. وَيَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ لَكِنْ هَلْ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ كَانُوا مَوْجُودِينَ وَقْتَ رِدَّتِهِ أَوْ وَقْتَ مَوْتِهِ أَوْ لَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ؟ أَوْ مَنْ كَانُوا مَوْجُودِينَ وَقْتَ رِدَّتِهِ وَوَقْتَ مَوْتِهِ؟
اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنِ الإْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ. فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّ الْوَارِثَ لِلْمُرْتَدِّ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ وَقْتَ رِدَّتِهِ وَبَقِيَ إِلَى مَوْتِ الْمُرْتَدِّ، أَمَّا مَنْ حَدَثَتْ لَهُ صِفَةُ الْوِرَاثَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلاَ يَرِثُهُ، فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْضُ قَرَابَتِهِ بَعْدَ رِدَّتِهِ أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ رِدَّتِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَرِثُهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، لأِنَّ سَبَبَ التَّوْرِيثِ هُنَا الرِّدَّةُ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ سَبَبُ الاِسْتِحْقَاقِ، وَتَمَامُ الاِسْتِحْقَاقِ بِالْمَوْتِ، فَيُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْوَارِثِ إِلَى حِينِ تَمَامِ السَّبَبِ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوَارِثِ وَقْتَ الرِّدَّةِ، وَلاَ يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ، لأِنَّ الرِّدَّةَ فِي حُكْمِ التَّوْرِيثِ كَالْمَوْتِ، وَمَنْ مَاتَ مِنَ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ قَبْلَ قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ لاَ يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ وَيَحِلُّ وَارِثُهُ مَحَلَّهُ.
وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ، وَهُوَ الأْصَحُّ، أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَنْ يَكُونُ وَارِثًا لَهُ حِينَ مَاتَ أَوْ قُتِلَ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الرِّدَّةِ أَمْ حَدَثَ بَعْدَهُ، لأِنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَ تَمَامِهِ يُعْتَبَرُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّبَبِ، مِثْلُ الزِّيَادَةِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ إِذْ تُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَتَكُونُ مَعْقُودًا عَلَيْهَا بِالْقَبْضِ، وَيَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ، فَكَذَلِكَ الأْمْرُ هُنَا.
وَاعْتَبَرَ الإْمَامُ مُحَمَّدٌ لَحَاقَ الْمُرْتَدِّ بِدَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ، فَتُقْسَمُ تَرِكَتُهُ مِنْ حِينِ اللَّحَاقِ. وَاعْتَبَرَ الإْمَامُ أَبُو يُوسُفَ مَنْ يَكُونُ وَارِثًا لَهُ حِينَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ، وَتَرِثُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ إِنْ مَاتَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ عَلَى رَأْيِ الصَّاحِبَيْنِ، لأِنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ وَإِنِ ارْتَفَعَ بِالرِّدَّةِ لَكِنَّهُ فَارٌّ عَنْ مِيرَاثِهَا. وَامْرَأَةُ الْفَارِّ تَرِثُ إِذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقْتَ مَوْتِهِ.
وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنِ الإْمَامِ تَرِثُ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ مَوْتِهِ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ، لأِنَّ سَبَبَ التَّوْرِيثِ كَانَ مَوْجُودًا فِي حَقِّهَا عِنْدَ رِدَّتِهِ؛ إِذْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُعْتَبَرُ قِيَامُ السَّبَبِ عِنْدَ أَوَّلِ الرِّدَّةِ.
اخْتِلاَفُ الدِّينِ بَيْنَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ:
20 - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْكُفَّارَ يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، لأِنَّهُمْ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَيَرِثُ الْيَهُودِيُّ النَّصْرَانِيَّ وَالْعَكْسُ، وَيَرِثُ الْمَجُوسِيُّ وَعَابِدُ الْوَثَنِ النَّصْرَانِيَّ وَالْيَهُودِيَّ وَيَرِثُهُمَا الْمَجُوسِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ مِلَلٌ، فَلاَ يَتَوَارَثُ أَهْلُ الْمِلَلِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَلاَ يَرِثُ الْيَهُودِيُّ النَّصْرَانِيَّ وَلاَ الْعَكْسُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي قَوْلٍ مُرَجَّحٍ وَنُسِبَ إِلَى الإْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْكُفْرَ ثَلاَثُ مِلَلٍ: النَّصَارَى مِلَّةٌ، وَالْيَهُودُ مِلَّةٌ، وَمَنْ عَدَاهُمَا مِلَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي شُرَيْحٍ وَعَطَاءٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالضَّحَّاكِ وَالْحَكَمِ وَشَرِيكِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَوَكِيعٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رَأْيٌ آخَرُ مُرَجَّحٌ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِلَّةٌ، وَأَنَّ مَا سِوَاهُمَا مِلَلٌ مُخْتَلِفَةٌ. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ.
وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلاَ يَرِثُهُمُ الْمَجُوسُ وَلاَ يَرِثُ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى الْمَجُوسَ.
وَاسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ مِنَ الْمِيرَاثِ فِيمَا بَيْنَ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام (لاَ يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى ) وَهُمْ أَهْلُ مِلَلٍ مُخْتَلِفَةٍ بِدَلِيلِ قوله تعالي و(َاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى) قَدْ عَطَفَ النَّصَارَى عَلَى الَّذِينَ هَادُوا، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَقَالَ تَعَالي : (وَلَنْ تَرْضَى عَنْك الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) وَالْيَهُودُ لاَ تَرْضَى إِلاَّ بِاتِّبَاعِ الْيَهُودِيَّةِ مَعَهُمْ وَالنَّصَارَى كَذَلِكَ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مِلَّةً عَلَى حِدَةٍ، وَلأِنَّ النَّصَارَى يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ عِيسَى وَالإْنْجِيلِ، وَالْيَهُودُ يَجْحَدُونَ ذَلِكَ.
وَاسْتَدَلَّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّفَقُوا عَلَى دَعْوَى التَّوْحِيدِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ نِحَلُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى الإْقْرَارِ بِنُبُوَّةِ مُوسَىعليه السلام وَالتَّوْرَاةِ، بِخِلاَفِ الْمَجُوسِ فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْتَقِدُونَ التَّوْحِيدَ وَلاَ يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ مُوسَى وَلاَ بِكِتَابٍ مُنَزَّلٍ، وَلاَ يُوَافِقُهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى ذَلِكَ فَكَانُوا أَهْلَ مِلَّتَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حِلُّ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، إِذْ تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلاَفِ الْمَجُوسِ.
وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَعَلَ الدِّينَ دِينَيْنِ، الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينٌ) وَجَعَلَ النَّاسَ فَرِيقَيْنِ فَقَالَ : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) وَفَرِيقُ الْجَنَّةِ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَفَرِيقُ السَّعِيرِ هُمُ الْكُفَّارُ جَمِيعُهُمْ، وَجَعَلَ الْخَصْمَ خَصْمَيْنِ فَقَالَ تَعَالَى : ( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) وَالْمُرَادُ الْكُفَّارُ جَمِيعًا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِلَلٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلَكِنَّهُمْ عِنْدَ مُقَابَلَتِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، لأَِنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقِرُّونَ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه وسلم وَبِالْقُرْآنِ وَجَمِيعُهُمْ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَبِإِنْكَارِهِمْ كَفَرُوا، فَكَانُوا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ مِلَّةً وَاحِدَةً فِي الشِّرْكِ. وَيُشِيرُ إِلَى هَذَا قَوْلُهُ : صلي الله عليه وسلم (لاَ يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ) فَإِنَّهُ صلي الله عليه وسلم فَسَّرَ الْمِلَّتَيْنِ قَوْلُهُ: «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»، إِذْ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى الْوَصْفِ الْعَامِّ وَهُوَ الْكُفْرُ بَيَانُ أَنَّهُمْ فِي حُكْمِ التَّوْرِيثِ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ.
اخْتِلاَفُ الدَّارَيْنِ بَيْنَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ:
21 - يَقْصِدُ الْفُقَهَاءُ بِاخْتِلاَفِ الدَّارَيْنِ اخْتِلاَفَ الْمَنَعَةِ، وَفَسَّرُوا الْمَنَعَةَ بِالْعَسْكَرِ وَاخْتِلاَفِ الْمَلِكِ وَالسُّلْطَانِ، كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِالْهِنْدِ وَلَهُ دَارٌ وَمَنَعَةٌ وَالآْخَرُ فِي التُّرْكِ وَلَهُ دَارٌ وَمَنَعَةٌ أُخْرَى، وَانْقَطَعَتْ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمَا يَسْتَحِلُّ قَتْلَ الآْخَرِ.
وَمِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَهْمَا اخْتَلَفَتْ دِيَارُهُمْ وَدُوَلُهُمْ وَجِنْسِيَّاتُهُمْ، لأِنَّ دِيَارَ الإْسْلاَمِ كُلَّهَا دَارٌ وَاحِدَةٌ لقوله تعالي إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ وَلأِنَّ وِلاَيَةَ كُلِّ مُسْلِمٍ هِيَ لِلإْسْلاَمِ وَتَنَاصُرُهُمْ يَكُونُ بِهِ وَلَهُ.
وَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ لاِخْتِلاَفِ الدَّارَيْنِ حُكْمًا لاَ حَقِيقَةً، فَإِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَرِثَهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ وَإِنْ وُجِدَ اخْتِلاَفُ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً، لأِنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي فِي دَارِ الْحَرْبِ هُوَ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ حُكْمًا، لأِنَّهُ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ لِيَقْضِيَ غَرَضَهُ ثُمَّ يَعُودَ إِلَى دَارِ الإْسْلاَمِ فَوُجِدَ اتِّحَادُ الدَّارَيْنِ حُكْمًا. وَالاِخْتِلاَفُ الْحَقِيقِيُّ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ إِذَا لَمْ يُعَارِضْهُ اخْتِلاَفٌ حُكْمِيٌّ .
وَكَذَلِكَ لاَ يَمْنَعُ اخْتِلاَفُ الدَّارَيْنِ مِنَ الْمِيرَاثِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَيَرِثُ غَيْرُ الْمُسْلِمِ قَرِيبَهُ
غَيْرَ الْمُسْلِمِ مَهْمَا اخْتَلَفَتْ دُوَلُهُمْ وَجِنْسِيَّاتُهُمْ؛ إِذْ لاَ يُوجَدُ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْمِيرَاثِ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ.
وَعِنْدَ الإْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّ اخْتِلاَفَ الدَّارَيْنِ يَمْنَعُ مِنَ التَّوَارُثِ بَيْنَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِعَدَمِ وُجُودِ التَّنَاصُرِ وَالْمُوَالاَةِ بَيْنَهُمَا لاِخْتِلاَفِ دَوْلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْمُوَالاَةُ وَالتَّنَاصُرُ أَسَاسُ الْمِيرَاثِ.
22 - وَهُنَاكَ مَوَانِعُ أُخْرَى فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ، وَهِيَ اللِّعَانُ وَالزِّنَى، وَلَكِنَّ هَذَيْنِ الْمَانِعَيْنِ يَدْخُلاَنِ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَفِي انْتِفَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بِاللِّعَانِ.
الدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ:
23 - عِنْدَ الإْمَامِ الشَّافِعِيِّ مِنْ مَوَانِعِ الإْرْثِ، الدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنَ التَّوْرِيثِ عَدَمُهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقِرَّ حَائِزٌ لِلْمَالِ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ بِمَنْ يَحْجُبُهُ حِرْمَانًا، كَمَا إِذَا أَقَرَّ أَخٌ لأِبٍ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِابْنٍ لِلْمُتَوَفَّى مَجْهُولِ النَّسَبِ؛ إِذْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَثْبُتُ نَسَبُ الْقَرَابَةِ وَلَكِنْ لاَ يَرِثُ. إِذْ يَلْزَمُ مِنْ تَوْرِيثِهِ الدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ، لأِنَّهُ لَوْ وَرِثَ الاِبْنُ لَحَجَبَ الأْخَ. فَلاَ يَكُونُ الأْخُ وَارِثًا فَلاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، لَمْ يَثْبُتِ الإْرْثُ. فَإِثْبَاتُ الإْرْثِ يُؤَدِّي إِلَى نَفْيِهِ، وَمَا أَدَّى بِإِثْبَاتِهِ إِلَى نَفْيِهِ انْتَفَى مِنْ أَصْلِهِ، وَلاَ يَكُونُ الدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمُقِرُّ حَائِزًا لِلْمَالِ، وَأَقَرَّ بِمَنْ يَحْجُبُهُ حِرْمَانًا وَإِلاَّ فَلاَ، كَمَا إِذَا أَقَرَّ بَنُونَ بِابْنٍ آخَرَ أَوْ إِخْوَةٌ بِأَخٍ آخَرَ، أَوْ أَعْمَامٌ بِعَمٍّ آخَرَ، فَإِنَّ نَسَبَ الْمُقَرِّ بِهِ يَثْبُتُ، وَكَذَلِكَ إِرْثُهُ، لأِنَّ الإْرْثَ فَرْعُ النَّسَبِ وَقَدْ ثَبَتَ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الاِبْنَيْنِ الْحَائِزَيْنِ بِابْنٍ ثَالِثٍ وَأَنْكَرَهُ الاِبْنُ الآْخَرُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الاِبْنِ الثَّالِثِ الْمُقَرِّ بِهِ إِجْمَاعًا، وَلاَ يَرِثُ ظَاهِرًا لِعَدَمِ النَّسَبِ، وَيُشَارِكُ الْمُقَرُّ بِهِ بَاطِنًا عَلَى الأْظْهَرِ مِنْ قَوْلَيِ الإْمَامِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، وَقَالَ الأْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ: أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: يُشَارِكُهُ ظَاهِرًا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي مِنْ قَوْلَيِ الإْمَامِ الشَّافِعِيِّ لاَ يُشَارِكُهُ بَاطِنًا وَلاَ ظَاهِرًا، وَعَلَى الأْظْهَرِ يُشَارِكُهُ فِي ثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ فِي الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، لأِنَّهُ الَّذِي اسْتَفْضَلَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ مُقَابِلُ الأْصَحِّ يُشَارِكُهُ فِي نِصْفِ مَا فِي يَدِهِ، لأِنَّ مُقْتَضَى إِقْرَارِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ الإْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٌ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ.
24 - الْمُسْتَحِقُّونَ لِلتَّرِكَةِ:
1 - أَصْحَابُ الْفُرُوضِ.
2 - الْعَصَبَاتُ النَّسَبِيَّةُ. ثُمَّ الْعَصَبَاتُ السَّبَبِيَّةُ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - عَلَى خِلاَفٍ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّفْصِيلِ.
3 - الْمُسْتَحِقُّونَ بِالرَّدِّ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِيمَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَنْ لاَ يُرَدُّ، وَفِي الرَّدِّ عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ.
4 - ذَوُو الأْرْحَامِ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِي أَصْلِ تَوْرِيثِهِمْ وَكَيْفِيَّتِهِ.
5 - مَوْلَى الْمُوَالاَةِ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِيهِ.
6 - الْمُقَرُّ لَهُ بِالنَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ.
7 - الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ.
8 - بَيْتُ الْمَالِ
الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ:
25 - الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتَّةٌ هِيَ: النِّصْفُ، وَالرُّبُعُ، وَالثُّمُنُ، وَالثُّلُثَانِ، وَالثُّلُثُ، وَالسُّدُسُ.
الأْوَّلُ: النِّصْفُ: وَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ: نَصِيبُ الْبِنْتِ فِي قوله تعالي : ( وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) وَنَصِيبُ الزَّوْجِ فِيقوله تعالي : ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) وَنَصِيبُ الأْخْتِ فِي قوله تعالي إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ.
الثَّانِي: الرُّبُعُ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي قوله تعالي مِيرَاثِ الأْزْوَاجِ: فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ وَالزَّوْجَاتِ فِي قوله تعالي وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ الثَّالِثُ: الثُّمُنُ: ذُكِرَ فِي قوله تعالي فِي نَصِيبِ الزَّوْجَاتِ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ.
الرَّابِعُ: الثُّلُثَانِ: ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَصِيبِ الْبَنَاتِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ.
الْخَامِسُ: الثُّلُثُ: وَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي فَلأِمِّهِ الثُّلُثُ وَفِي أَوْلاَدِ الأْمِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ.
وَالسَّادِسُ: السُّدُسُ: وَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ فِي قوله تعالي وَلأِبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ وقوله تعالي فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأِمِّهِ السُّدُسُ وَفِي قوله تعالي وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ .
الْهِبَةُ لِلأْرْحَامِ:
14 - لَوْ وَهَبَ إِنْسَانٌ لِرَحِمِهِ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ، فَفِي غَيْرِ الْفُرُوعِ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِاتِّفَاقٍ، أَمَّا الْفُرُوعُ فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِمْ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
أ - مَنْعُ الرُّجُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، لِحَدِيثِ الْحَاكِمِ مَرْفُوعًا: «إِذَا كَانَتِ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا» وَصَحَّحَهُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
ب - جَوَازُ الرُّجُوعِ لِلأْبِ وَلِسَائِرِ الأْصُولِ، إِذَا بَقِيَ الْمَوْهُوبُ فِي سُلْطَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلاَّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ.
وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ، إِنْ سَوَّى بَيْنَ أَوْلاَدِهِ فِي الْعَطِيَّةِ.
ج - جَوَازُ الرُّجُوعِ بِالنِّسْبَةِ لِلأْبِ وَالأْمِّ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الأْمَّ لاَ تَعْتَصِرُ (تَرْجِعُ) إِلاَّ مِنَ الْكَبِيرِ الْبَالِغِ، وَمِنَ الصَّغِيرِ إِنْ كَانَ أَبُوهُ حَيًّا، فَإِنْ تَيَتَّمَ بَعْدَ الْهِبَةِ فَفِي الرُّجُوعِ وَجْهَانِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَقُلِ الْوَاهِبُ: هِيَ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ يَجْعَلُهَا صِلَةَ رَحِمٍ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ كَالْمَالِكِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلأْبِ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلأْمِّ، لَكِنِ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ. وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلاَتٌ أُخْرَى فِي أَصْلِ الْحُكْمِ وَمُسْتَثْنَيَاتِهِ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي (الْهِبَةِ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 206
تَرِكَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّرِكَةُ لُغَةً: اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ تَرَكَ الشَّيْءَ يَتْرُكُهُ تَرْكًا. يُقَالُ: تَرَكْتُ الشَّيْءَ تَرْكًا: خَلَّفْتُهُ، وَتَرِكَةُ الْمَيِّتِ: مَا يَتْرُكُهُ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَالْجَمْعُ تَرِكَاتٌ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ، اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِهَا.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّ التَّرِكَةَ: هِيَ كُلُّ مَا يُخَلِّفُهُ الْمَيِّتُ مِنَ الأْمْوَالِ وَالْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ مُطْلَقًا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّرِكَةَ: هِيَ مَا يَتْرُكُهُ الْمَيِّتُ مِنَ الأْمْوَالِ صَافِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنِهِ.
وَيَتَبَيَّنُ مِنْ خِلاَلِ التَّعْرِيفَيْنِ أَنَّ التَّرِكَةَ تَشْمَلُ الْحُقُوقَ مُطْلَقًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْهَا الْمَنَافِعُ. فِي حِينِ أَنَّ الْمَنَافِعَ لاَ تَدْخُلُ فِي التَّرِكَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَحْصُرُونَ التَّرِكَةَ فِي الْمَالِ أَوِ الْحَقِّ الَّذِي لَهُ صِلَةٌ بِالْمَالِ فَقَطْ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإْرْثُ :
2 - الإْرْثُ لُغَةً: الأْصْلُ وَالأْمْرُ الْقَدِيمُ تَوَارَثَهُ الآْخَرُ عَنِ الأْوَّلِ. وَالْبَقِيَّةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ .
وَيُطْلَقُ الإْرْثُ وَيُرَادُ بِهِ: الْمَوْرُوثُ، وَيُسَاوِيهِ عَلَى هَذَا الإْطْلاَقُ فِي الْمَعْنَى: التَّرِكَةُ
وَاصْطِلاَحًا: هُوَ حَقٌّ قَابِلٌ لِلتَّجَزُّؤِ يَثْبُتُ لِمُسْتَحِقِّهِ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ نَحْوِهَا .
مَا تَشْمَلُهُ التَّرِكَةُ وَمَا يُورَثُ مِنْهَا:
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ التَّرِكَةَ تَشْمَلُ جَمِيعَ مَا تَرَكَهُ الْمُتَوَفَّى مِنْ أَمْوَالٍ وَحُقُوقٍ.
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً فَمَالُهُ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا وَلِيُّهُ» . فَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بَيْنَ الْمَالِ وَالْحَقِّ وَجَعَلَهُمَا تَرِكَةً لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، إِلاَّ أَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَلِكُلٍّ مِنْهَا حُكْمُهُ مِنْ نَاحِيَةِ إِرْثِهِ، أَوْ عَدَمِ إِرْثِهِ وَذَلِكَ تَبَعًا لِطَبِيعَتِهِ وَهِيَ:
أ - حُقُوقٌ غَيْرُ مَالِيَّةٍ:
وَهِيَ حُقُوقٌ شَخْصِيَّةٌ لاَ تَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِ صَاحِبِهَا بِحَالٍ مَا، فَهِيَ لاَ تُورَثُ عَنْهُ مُطْلَقًا، كَحَقِّ الأْمِّ فِي الْحَضَانَةِ، وَحَقِّ الأْبِ فِي الْوِلاَيَةِ عَلَى الْمَالِ، وَحَقِّ الْوَصِيِّ فِي الإْشْرَافِ عَلَى مَالِ مَنْ تَحْتَ وِصَايَتِهِ.
ب - حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ، وَلَكِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِشَخْصِ الْمُوَرِّثِ نَفْسِهِ
، وَهَذِهِ لاَ تُورَثُ عَنْهُ أَيْضًا، كَرُجُوعِ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ، وَحَقِّ الاِنْتِفَاعِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ الْغَيْرُ، كَدَارٍ يَسْكُنُهَا أَوْ أَرْضٍ يَزْرَعُهَا، أَوْ سَيَّارَةٍ يَرْكَبُهَا، فَهَذَا وَنَحْوُهُ لاَ يُورَثُ عَنْ صَاحِبِهِ. وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الأْجَلُ فِي الدَّيْنِ، فَالدَّائِنُ يَمْنَحُ هَذَا الأْجَلَ لِلْمَدِينِ لاِعْتِبَارَاتٍ خَاصَّةٍ يُقَدِّرُهَا الدَّائِنُ وَحْدَهُ، وَذَلِكَ مِنَ الأْمُورِ الشَّخْصِيَّةِ الَّتِي لاَ تُورَثُ عَنْهُ. وَلِذَلِكَ يَحِلُّ الدَّيْنُ بِمَوْتِ الْمَدِينِ، وَلاَ يَرِثُ الْوَرَثَةُ حَقَّ الأْجَلِ.
ج - حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَةِ الْمُوَرِّثِ وَإِرَادَتِهِ
وَهِيَ تُورَثُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لاَ تُورَثُ.
وَأَهَمُّ هَذِهِ الْحُقُوقِ حَقُّ الشُّفْعَةِ، وَحَقُّ الْخِيَارَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي عُقُودِ الْبَيْعِ، كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَخِيَارِ التَّعْيِينِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ تُنْظَرُ أَحْكَامُ (الْخِيَارِ، وَالشُّفْعَةِ)
د - حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمُوَرِّثِ، لاَ بِشَخْصِهِ وَلاَ بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَهَذِهِ حُقُوقٌ تُورَثُ عَنْهُ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَذَلِكَ كَحَقِّ الرَّهْنِ، وَحُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ الْمَعْرُوفَةِ، كَحَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ الشُّرْبِ وَحَقِّ الْمَجْرَى وَحَقِّ التَّعَلِّي.
4 - فَيَدْخُلُ فِي التَّرِكَةِ مَا كَانَ لِلإْنْسَانِ حَالَ حَيَاتِهِ، وَخَلَّفَهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ، مِنْ مَالٍ أَوْ حُقُوقٍ أَوِ اخْتِصَاصٍ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْقِصَاصِ وَالْوَلاَءِ وَحَدِّ الْقَذْفِ.
وَكَذَا مَنْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ شَيْءٍ مِنَ الأْشْيَاءِ كَدَارٍ مَثَلاً، كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ مُؤَقَّتَةً بِمُدَّةِ حَيَاتِهِ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ مِنَ التَّرِكَةِ أَيْضًا مَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، بِسَبَبٍ كَانَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ، كَصَيْدٍ وَقَعَ فِي شَبَكَةٍ نَصَبَهَا فِي حَيَاتِهِ، فَإِنَّ نَصْبَهُ لِلشَّبَكَةِ لِلاِصْطِيَادِ هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَكَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ خَمْرٍ فَتَخَلَّلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ .
قَالَ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَرَثَتِهِ» وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، بَلْ مِنَ الْحُقُوقِ مَا يُنْقَلُ إِلَى الْوَارِثِ، وَمِنْهَا مَا لاَ يَنْتَقِلُ. فَمِنْ حَقِّ الإْنْسَانِ أَنْ يُلاَعِنَ عِنْدَ سَبَبِ اللِّعَانِ، وَأَنْ يَفِيءَ بَعْدَ الإْيلاَءِ، وَأَنْ يَعُودَ بَعْدَ الظِّهَارِ، وَأَنْ يَخْتَارَ مِنْ نِسْوَةٍ إِذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَأَنْ يَخْتَارَ إِحْدَى الأْخْتَيْنِ إِذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا جَعَلَ الْمُتَبَايِعَانِ الْخِيَارَ لأِجْنَبِيٍّ عَنِ الْعَقْدِ فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَمْلِكَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ عَلَيْهِمَا أَوْ فَسْخَهُ، وَمِنْ حَقِّهِ مَا فُوِّضَ إِلَيْهِ مِنَ الْوِلاَيَاتِ وَالْمَنَاصِبِ كَالْقِصَاصِ وَالإْمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَالأْمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ. فَجَمِيعُ هَذِهِ الْحُقُوقِ لاَ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوَرِّثِ. وَالضَّابِطُ: أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ كُلُّ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَالِ، أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا عَنِ الْوَارِثِ فِي عِرْضِهِ بِتَخْفِيفِ أَلَمِهِ. أَمَّا مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ الْمُوَرِّثِ وَعَقْلِهِ وَشَهَوَاتِهِ فَلاَ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ.
وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ: أَنَّ الْوَرَثَةَ يَرِثُونَ الْمَالَ، فَيَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَبَعًا لَهُ، وَلاَ يَرِثُونَ عَقْلَهُ وَلاَ شَهْوَتَهُ وَلاَ نَفْسَهُ، فَلاَ يَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، وَمَا لاَ يُورَثُ لاَ يَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَاللِّعَانُ يَرْجِعُ إِلَى أَمْرٍ يَعْتَقِدُهُ لاَ يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ غَالِبًا، وَالاِعْتِقَادَاتُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمَالِ، وَالْفَيْئَةُ شَهْوَتُهُ، وَالْعَوْدُ إِرَادَتُهُ، وَاخْتِيَارُ الأْخْتَيْنِ وَالنِّسْوَةِ
إِرَبُهُ وَمَيْلُهُ، وَقَضَاؤُهُ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ عَقْلُهُ وَفِكْرَتُهُ، وَرَأْيُهُ وَمَنَاصِبُهُ وَوِلاَيَاتُهُ وَآرَاؤُهُ وَاجْتِهَادَاتُهُ، وَأَفْعَالُهُ الدِّينِيَّةُ فَهُوَ دِينُهُ، وَلاَ يَنْتَقِلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَرِثْ مُسْتَنَدَهُ وَأَصْلَهُ، وَانْتَقَلَ لِلْوَارِثِ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبِيَاعَاتِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ . رحمه الله تعالي .
ثُمَّ قَالَ الْقَرَافِيُّ: إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُقُوقِ الأْمْوَالِ - فِيمَا يُورَثُ - إِلاَّ صُورَتَانِ فِيمَا عَلِمْتُ: حَدُّ الْقَذْفِ وَقِصَاصُ الأْطْرَافِ وَالْجُرْحِ وَالْمَنَافِعِ فِي الأْعْضَاءِ. فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تَنْتَقِلاَنِ لِلْوَارِثِ، وَهُمَا لَيْسَتَا بِمَالٍ، لأِجْلِ شِفَاءِ غَلِيلِ الْوَارِثِ بِمَا دَخَلَ عَلَى عِرْضِهِ مِنْ قَذْفِ مُوَرِّثِهِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قِصَاصُ النَّفْسِ فَإِنَّهُ لاَ يُورَثُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً؛ لأِنَّ اسْتِحْقَاقَهُ فَرْعُ زَهُوقِ النَّفْسِ، فَلاَ يَقَعُ إِلاَّ لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ .
5 - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْمُوَرِّثِ، وَيَجِبُ لَهُ بِمَوْتِهِ، كَالدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَلِلْوَرَثَةِ اسْتِيفَاؤُهُ.
وَمَا كَانَ وَاجِبًا لِلْمُوَرِّثِ فِي حَيَاتِهِ إِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَ بِهِ، أَوْ هُوَ فِي يَدِهِ ثَبَتَ لِلْوَرَثَةِ إِرْثُهُ، وَذَلِكَ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي الْمَذْهَبِ .
6 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّرِكَةَ هِيَ الْمَالُ فَقَطْ، وَيَدْخُلُ فِيهَا الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْقَتْلِ الْخَطَأِ، أَوْ بِالصُّلْحِ عَنْ عَمْدٍ، أَوْ بِانْقِلاَبِ الْقِصَاصِ بِعَفْوِ بَعْضِ الأْوْلِيَاءِ، فَتُعْتَبَرُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُخْرَجَ وَصَايَاهُ، وَيَرِثُ الْبَاقِيَ وَرَثَتُهُ.
وَلاَ تَدْخُلُ الْحُقُوقُ فِي التَّرِكَةِ؛ لأِنَّ هَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً بِالْحَدِيثِ، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ لاَ يَكُونُ دَلِيلاً. وَلأِنَّ الْحُقُوقَ لَيْسَتْ أَمْوَالاً، وَلاَ يُورَثُ مِنْهَا إِلاَّ مَا كَانَ تَابِعًا لِلْمَالِ أَوْ فِي مَعْنَى الْمَالِ، مِثْلُ حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ وَالتَّعَلِّي وَحَقِّ الْبَقَاءِ فِي الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ لِلْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْحُقُوقِ فَلاَ يُعْتَبَرُ تَرِكَةً، كَحَقِّ الْخِيَارِ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُوَرِّثُ وَكَانَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْخِيَارِ - كَمَا سَبَقَ - وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِمَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ، وَمَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي حَدَّدَهَا الْمُوصِي .
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَعُمْدَةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (وَالْحَنَابِلَةِ أَيْضًا) أَنَّ الأْصْلَ هُوَ أَنْ تُورَثَ الْحُقُوقُ وَالأْمْوَالُ، إِلاَّ مَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى مُفَارَقَةِ الْحَقِّ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِلْمَالِ.
وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الأْصْلَ هُوَ أَنْ يُورَثَ الْمَالُ دُونَ الْحُقُوقِ، إِلاَّ مَا قَامَ دَلِيلُهُ مِنْ إِلْحَاقِ الْحُقُوقِ بِالأْمْوَالِ.
فَمَوْضِعُ الْخِلاَفِ: هَلِ الأْصْلُ أَنْ تُورَثَ الْحُقُوقُ كَالأْمْوَالِ أَوْ لاَ؟
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ يُشْبِهُ مِنْ هَذَا مَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ خَصْمُهُ مِنْهَا بِمَا يُسَلِّمُهُ مِنْهَا لَهُ، وَيَحْتَجَّ عَلَى خَصْمِهِ .
الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّرِكَةِ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْحُقُوقَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالتَّرِكَةِ أَرْبَعَةٌ:
وَهِيَ تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ لِلدَّفْنِ، وَقَضَاءُ دُيُونِهِ إِنْ مَاتَ مَدِينًا، وَتَنْفِيذُ مَا يَكُونُ أَوْصَى بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ وَصَايَا، ثُمَّ حُقُوقُ الْوَرَثَةِ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ، وَصَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا خَمْسَةٌ بِالاِسْتِقْرَاءِ. قَالَ الدَّرْدِيرُ: وَغَايَتُهَا - أَيِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ - خَمْسَةٌ: حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ، وَحَقٌّ تَعَلَّقَ بِالْمَيِّتِ، وَحَقٌّ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، وَحَقٌّ تَعَلَّقَ بِالْغَيْرِ، وَحَقٌّ تَعَلَّقَ بِالْوَارِثِ.
وَالْحَصْرُ فِي هَذِهِ اسْتِقْرَائِيٌّ، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ تَتَبَّعُوا ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدُوا مَا يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ الأْمُورِ الْخَمْسَةِ، لاَ عَقْلِيٌّ كَمَا قِيلَ.
وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: وَالْحُقُوقُ هَاهُنَا خَمْسَةٌ بِالاِسْتِقْرَاءِ؛ لأِنَّ الْحَقَّ إِمَّا لِلْمَيِّتِ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ لاَ.
الأْوَّلُ: التَّجْهِيزُ، وَالثَّانِي: إِمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ وَهُوَ الدَّيْنُ الْمُطْلَقُ أَوْ لاَ، وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْعَيْنِ، وَالثَّالِثُ: إِمَّا اخْتِيَارِيٌّ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ، أَوِ اضْطِرَارِيٌّ وَهُوَ الْمِيرَاثُ .
أَحْكَامُ التَّرِكَةِ:
لِلتَّرِكَةِ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ بَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:
مِلْكِيَّةُ التَّرِكَةِ:
تَنْتَقِلُ مِلْكِيَّةُ التَّرِكَةِ جَبْرًا إِلَى الْوَرَثَةِ، وَلِهَذَا الاِنْتِقَالِ شُرُوطٌ
الشَّرْطُ الأْوَّلُ - مَوْتُ الْمُوَرِّثِ:
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ انْتِقَالَ التَّرِكَةِ مِنَ الْمُوَرِّثِ إِلَى الْوَارِثِ يَكُونُ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوَرِّثِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَوْ تَقْدِيرًا.
فَالْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ: هُوَ انْعِدَامُ الْحَيَاةِ إِمَّا بِالْمُعَايَنَةِ، كَمَا إِذَا شُوهِدَ مَيِّتًا، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ السَّمَاعِ.
وَالْمَوْتُ الْحُكْمِيُّ: هُوَ أَنْ يَكُونَ بِحُكْمِ الْقَاضِي إِمَّا مَعَ احْتِمَالِ الْحَيَاةِ أَوْ تَيَقُّنِهَا.
مِثَالُ الأْوَّلِ: الْحُكْمُ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ.
وَمِثَالُ الثَّانِي: حُكْمُ الْقَاضِي عَلَى الْمُرْتَدِّ بِاعْتِبَارِهِ فِي حُكْمِ الأْمْوَاتِ إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ.
وَتُقَسَّمُ التَّرِكَةُ فِي هَاتَيْنِ ال ْحَالَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ صُدُورِ الْحُكْمِ بِالْمَوْتِ.
وَالْمَوْتُ التَّقْدِيرِيُّ: هُوَ إِلْحَاقُ الشَّخْصِ بِالْمَوْتَى تَقْدِيرًا، كَمَا فِي الْجَنِينِ الَّذِي انْفَصَلَ عَنْ أُمِّهِ بِجِنَايَةٍ، بِأَنْ يَضْرِبَ شَخْصٌ امْرَأَةً حَامِلاً، فَتُلْقِي جَنِينًا مَيِّتًا، فَتَجِبُ الْغُرَّةُ، وَتُقَدَّرُ بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِرْثِ هَذَا الْجَنِينِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَرِثُ؛ لأِنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَيَاتُهُ، وَمِنْ ثَمَّ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ أَهْلِيَّتُهُ لِلتَّمَلُّكِ بِالإْرْثِ، وَلاَ يُورَثُ عَنْهُ إِلاَّ الدِّيَةُ فَقَطْ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ؛ لأِنَّهُ يَقْدِرُ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَقْتَ الْجِنَايَةِ، وَأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِهَا .
وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ (إِرْثٌ، جَنِينٌ، جِنَايَةٌ، مَوْتٌ).
الشَّرْطُ الثَّانِي - حَيَاةُ الْوَارِثِ:
9 - تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، أَوْ إِلْحَاقِهِ بِالأْحْيَاءِ تَقْدِيرًا، فَالْحَيَاةُ الْحَقِيقِيَّةُ هِيَ الْمُسْتَقِرَّةُ الثَّابِتَةُ لِلإْنْسَانِ الْمُشَاهَدَةُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ.
وَالْحَيَاةُ التَّقْدِيرِيَّةُ هِيَ الثَّابِتَةُ تَقْدِيرًا لِلْجَنِينِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، فَإِذَا انْفَصَلَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لِوَقْتٍ يَظْهَرُ مِنْهُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ - وَلَوْ نُطْفَةً - فَيُقَدَّرُ وُجُودُهُ حَيًّا حِينَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ بِوِلاَدَتِهِ حَيًّا .
وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِرْثٍ).
الشَّرْطُ الثَّالِثُ - الْعِلْمُ بِجِهَةِ الْمِيرَاثِ:
10 - يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْجِهَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلإْرْثِ مِنْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ وَلاَءٍ، وَذَلِكَ لأِنَّ الأْحْكَامَ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ، وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ تُعَيَّنَ جِهَةُ الْقَرَابَةِ، مَعَ الْعِلْمِ بِالدَّرَجَةِ الَّتِي يَجْتَمِعُ الْوَارِثُ فِيهَا مَعَ الْمُوَرِّثِ .
وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِرْثٍ).
أَسْبَابُ انْتِقَالِ التَّرِكَةِ:
11 - أَسْبَابُ انْتِقَالِ التَّرِكَةِ أَرْبَعَةٌ، اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثَلاَثَةٍ مِنْهَا وَهِيَ: النِّكَاحُ وَالْوَلاَءُ وَالْقَرَابَةُ. وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ جِهَةَ الإْسْلاَمِ وَهِيَ: بَيْتُ الْمَالِ، عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَكُلُّ سَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الأْسْبَابِ يُفِيدُ الإْرْثَ عَلَى الاِسْتِقْلاَلِ . وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِرْثٌ).
مَوَانِعُ انْتِقَالِ التَّرِكَةِ بِالإْرْثِ:
12 - مَوَانِعُ انْتِقَالِ التَّرِكَةِ عَنْ طَرِيقِ الإْرْثِ ثَلاَثَةٌ: الرِّقُّ، وَالْقَتْلُ، وَاخْتِلاَفُ الدِّينِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي ثَلاَثَةٍ: وَهِيَ الرِّدَّةُ، وَاخْتِلاَفُ الدَّارَيْنِ، وَالدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ .
وَهُنَاكَ مَوَانِعُ أُخْرَى لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ، مَعَ خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ (إِرْثٌ).
انْتِقَالُ التَّرِكَةِ:
13 - لاَ يُشْتَرَطُ لاِنْتِقَالِ التَّرِكَةِ إِلَى الْوَارِثِ قَبُولُ الْوِرَاثَةِ، وَلاَ إِلَى أَنْ يَتَرَوَّى قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَهَا، بَلْ إِنَّهَا تَئُولُ إِلَيْهِ جَبْرًا بِحُكْمِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ مِنْهُ.
وَقَدْ تَكُونُ التَّرِكَةُ خَالِيَةً مِنَ الدُّيُونِ، وَقَدْ تَكُونُ مَدِينَةً. وَالدَّيْنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْرِقًا أَوْ لاَ.
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ، إِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا دَيْنٌ مِنْ حِينِ وَفَاةِ الْمَيِّتِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي انْتِقَالِ التَّرِكَةِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الدَّيْنُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
أ - فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى: أَنَّ أَمْوَالَ التَّرِكَةِ تَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، مَعَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ أَمْ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ لَهَا.
ب - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى: أَنَّ أَمْوَالَ التَّرِكَةِ تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَى أَنْ يُسَدِّدَ الدَّيْنَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لَهَا أَمْ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ، لقوله تعالي : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) .
ج - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَغْرَقَةٍ بِهِ.
فَإِنِ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ أَمْوَالَ التَّرِكَةِ تَبْقَى أَمْوَالُ التَّرِكَةِ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ، وَلاَ تَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ.
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ، فَالرَّأْيُ الرَّاجِحُ أَنَّ أَمْوَالَ التَّرِكَةِ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، مَعَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَذِهِ الأْمْوَالِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي.
قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الدَّيْنُ إِذَا كَانَ مُحِيطًا بِالتَّرِكَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الأْوَّلِ.
وَفِي قَوْلِهِ الآْخِرِ: لاَ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ بِحَالٍ، لأِنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمُوَرِّثَ فِي الْمَالِ، وَالْمَالُ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَيِّتِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِالدَّيْنِ كَالْمَرْهُونِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ مِلْكًا لِلْوَارِثِ، قَالَ: وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ لقوله تعالي : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ).
فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَوَانَ الْمِيرَاثِ مَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالْحُكْمُ لاَ يَسْبِقُ أَوَانَهُ فَيَكُونُ حَالَ الدَّيْنِ كَحَالِ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ فِي الْمَعْنَى.
ثُمَّ الْوَارِثُ يَخْلُفُهُ فِيمَا يَفْضُلُ مِنْ حَاجَتِهِ، فَأَمَّا الْمَشْغُولُ بِحَاجَتِهِ فَلاَ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ. وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِتَرِكَتِهِ فَالْمَالُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ، وَقِيَامُ الأْصْلِ يَمْنَعُ ظُهُورَ حُكْمِ الْخَلَفِ.
وَلاَ نَقُولُ: يَبْقَى مَمْلُوكًا بِغَيْرِ مَالِكٍ، وَلَكِنْ تَبْقَى مَالِكِيَّةُ الْمَدْيُونِ فِي مَالِهِ حُكْمًا لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ.
وَخِلاَفَةُ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ نَاقِصَةٌ فِي حَالِ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِغْرَاقٍ، وَهِيَ صُورِيَّةٌ إِذَا كَانَتْ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ، وَذَلِكَ لاَ يَعْنِي أَنَّهُ لاَ قِيمَةَ لِهَذِهِ الْخِلاَفَةِ، بَلْ لَهَا شَأْنُهَا، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي سَمَاوَةَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لِلْوَرَثَةِ أَخْذُ التَّرِكَةِ لأِنْفُسِهِمْ وَدَفْعُ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ مِنْ مَالِهِمْ.
وَلَوْ كَانَتِ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةً بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرَ مُسْتَغْرَقَةٍ، فَأَدَّاهُ الْوَرَثَةُ لاِسْتِخْلاَصِ التَّرِكَةِ يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى قَبُولِهِ؛ إِذْ لَهُمُ الاِسْتِخْلاَصُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكُوهَا، بِخِلاَفِ الأْجْنَبِيِّ.
وَلَوْ كَانَتِ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ فَالْخَصْمُ فِي إِثْبَاتِ الدَّيْنِ إِنَّمَا هُوَ وَارِثُهُ؛ لأِنَّهُ خَلَفُهُ، فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ الَّتِي يَتَقَدَّمُ بِهَا الدَّائِنُ عَلَيْهِ .
أَثَرُ الْخِلاَفِ السَّابِقِ فِي انْتِقَالِ التَّرِكَةِ:
14 - أ - نَمَاءُ التَّرِكَةِ أَوْ نِتَاجُهَا إِذَا حَصَلَ بَيْنَ الْوَفَاةِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ، هَلْ تُضَمُّ إِلَى التَّرِكَةِ لِمَصْلَحَةِ الدَّائِنِينَ أَمْ هِيَ لِلْوَرَثَةِ؟
وَذَلِكَ كَأُجْرَةِ دَارٍ لِلسُّكْنَى، أَوْ أَرْضٍ زِرَاعِيَّةٍ اسْتُحِقَّتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَكَدَابَّةٍ وَلَدَتْ أَوْ سَمِنَتْ فَزَادَتْ قِيمَتُهَا، وَكَشَجَرٍ صَارَ لَهُ ثَمَرٌ. كُلُّ ذَلِكَ نَمَاءٌ أَوْ زِيَادَةٌ فِي التَّرِكَةِ، وَفِيهِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّرِكَةَ قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا هَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ أَمْ لاَ؟ فَمَنْ قَالَ: تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ قَالَ: إِنَّ الزِّيَادَةَ لِلْوَارِثِ وَلَيْسَتْ لِلدَّائِنِ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ انْتِقَالِهَا ضُمَّتِ الزِّيَادَةُ إِلَى التَّرِكَةِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ انْتَقَلَ إِلَى الْوَرَثَةِ.
ب - صَيْدٌ وَقَعَ فِي شَبَكَةٍ أَعَدَّهَا الْمُوَرِّثُ حَالَ حَيَاتِهِ، وَوُقُوعُ الصَّيْدِ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَعَلَى الْخِلاَفِ السَّابِقِ. وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (دَيْنٌ، وَصَيْدٌ، وَإِرْثٌ).
وَقْتُ انْتِقَالِ التَّرِكَةِ:
يَخْتَلِفُ وَقْتُ وِرَاثَةِ الْوَارِثِ لِمُوَرِّثِهِ بِنَاءً عَلَى مَا يَسْبِقُ الْوَفَاةَ.
وَهُنَا يُفَرَّقُ بَيْنَ حَالاَتٍ ثَلاَثٍ:
أ - الْحَالَةُ الأْولَى:
15 - مَنْ مَاتَ دُونَ سَابِقِ مَرَضٍ ظَاهِرٍ، وَذَلِكَ كَأَنْ مَاتَ فَجْأَةً بِالسَّكْتَةِ الْقَلْبِيَّةِ، أَوْ فِي حَادِثٍ مَثَلاً.
فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ وَقْتَ خِلاَفَةِ الْوَارِثِ لِمُوَرِّثِهِ هُوَ نَفْسُ وَقْتِ الْمَوْتِ، وَبِلاَ خِلاَفٍ يُعْتَدُّ بِهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.
قَالَ الْفَنَارِيُّ: فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَخْلُفُ الْوَارِثُ مُوَرِّثَهُ فِي التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَعَلَيْهِ مَشَايِخُ بَلْخٍ؛ لأِنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا مَالِكٌ لِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ، فَلَوْ مَلَكَهَا الْوَارِثُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَدَّى إِلَى أَنْ يَصِيرَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَمْلُوكًا لِشَخْصَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرْعِ، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِلْكُ الْوَارِثِ يَتَعَقَّبُ الْمَوْتَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لاَ يَتَعَقَّبُ، بَلْ يَتَحَقَّقُ إِذَا اسْتَغْنَى الْمَيِّتُ عَنْ مَالِهِ بِتَجْهِيزِهِ وَأَدَاءِ دَيْنِهِ؛ لأِنَّ كُلَّ جُزْءٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ بِتَقْدِيرِ هَلاَكِ الْبَاقِي.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إِلَى الْوَارِثِ قَبْلَ مَوْتِهِ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْحَيَاةِ، وَعَلَيْهِ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ؛ لأِنَّ الإِْرْثَ يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَالزَّوْجِيَّةُ تَرْتَفِعُ بِالْمَوْتِ أَوْ تَنْتَهِي عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفُوا، فَبِأَيِّ سَبَبٍ يَجْرِي الإْرْثُ بَيْنَهُمَا.
وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَجْرِي الإْرْثُ مَعَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ - كَمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْفَرَائِضِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ - لأِنَّ انْتِقَالَ الشَّيْءِ إِلَى مِلْكِ الْوَارِثِ مُقَارِنٌ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَحِينَ يَتِمُّ يَحْصُلُ الاِنْتِقَالُ وَالإْرْثُ .
ب - الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:
16 - هِيَ حَالَةُ مَنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ وَاتَّصَلَتِ الْوَفَاةُ بِهِ.
وَقَدْ عَرَّفَتْ مَجَلَّةُ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ مَرَضَ الْمَوْتِ بِأَنَّهُ: الْمَرَضُ الَّذِي يُخَافُ فِيهِ الْمَوْتُ فِي الأْكْثَرِ، الَّذِي يَعْجِزُ الْمَرِيضُ عَنْ رَوِيَّةِ مَصَالِحِهِ الْخَارِجِيَّةِ عَنْ دَارِهِ إِنْ كَانَ مِنَ الذُّكُورِ، وَيَعْجِزُهُ عَنْ رُؤْيَةِ الْمَصَالِحِ الدَّاخِلِيَّةِ فِي دَارِهِ إِنْ كَانَ مِنَ الإْنَاثِ، وَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ قَبْلَ مُرُورِ سَنَةٍ، كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَإِنِ امْتَدَّ مَرَضُهُ دَائِمًا عَلَى حَالٍ، وَمَضَى عَلَيْهِ سَنَةٌ يَكُونُ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ، وَتَكُونُ تَصَرُّفَاتُهُ كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ، مَا لَمْ يَشْتَدَّ مَرَضُهُ وَيَتَغَيَّرْ حَالُهُ، وَلَكِنْ لَوِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَتَغَيَّرَ حَالُهُ وَمَاتَ، يُعَدُّ حَالُهُ اعْتِبَارًا مِنْ وَقْتِ التَّغَيُّرِ إِلَى الْوَفَاةِ مَرَضَ مَوْتٍ.
وَيُلْحَقُ بِالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ: الْحَامِلُ إِذَا أَتَمَّتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَدَخَلَتْ فِي السَّابِعِ، وَالْمَحْبُوسُ لِلْقَتْلِ، وَحَاضِرُ صَفِّ الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُصَبْ بِجُرْحٍ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ. وَنَحْوُهُ تَصْرِيحُ الْحَنَابِلَةِ فِي الْحَامِلِ إِذَا ضَرَبَهَا الْمَخَاضُ .
17 - وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ انْتِقَالِ تَرِكَةِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ إِلَى وَرَثَتِهِ، يَكُونُ عَقِبَ الْمَوْتِ بِلاَ تَرَاخٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا.
وَقَالَ بَعْضُ مُتَقَدِّمِي الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ انْتِقَالَ الْمِلْكِيَّةِ فِي ثُلُثَيْ تَرِكَةِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ يَكُونُ مِنْ حِينِ ابْتِدَاءِ مَرَضِ الْمَوْتِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ وَدَلِيلُهُ يُنْظَرُ فِي الْمُطَوَّلاَتِ.
قَالُوا: وَلأِجْلِ هَذَا مُنِعَ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي ثُلُثَيِ التَّرِكَةِ، وَتَرِثُ زَوْجَتُهُ مِنْهُ لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فِيهِ .
الْحَجْرُ عَلَى الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ صَوْنًا لِلتَّرِكَةِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ:
18 - إِذَا شَعَرَ الْمَرِيضُ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ رُبَّمَا تَنْطَلِقُ يَدُهُ فِي التَّبَرُّعَاتِ رَجَاءَ اسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، وَقَدْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى تَبْدِيدِ مَالِهِ وَحِرْمَانِ الْوَرَثَةِ، فَشُرِعَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، وَاَلَّذِي يُحْجَرُ فِيهِ عَلَى الْمَرِيضِ هُوَ تَبَرُّعَاتُهُ فَقَطْ فِيمَا زَادَ عَنْ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ حَيْثُ لاَ دَيْنَ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَجْرَ عَلَى الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ هُوَ فِي التَّبَرُّعِ، كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَبَيْعِ الْمُحَابَاةِ فِيمَا يَزِيدُ عَنْ ثُلُثِ مَالِهِ، أَيْ أَنَّ حُكْمَ تَبَرُّعَاتِهِ حُكْمُ وَصِيَّتِهِ: تَنْفُذُ مِنَ الثُّلُثِ، وَتَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ،
فَإِنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ صَحَّ تَبَرُّعُهُ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَنْفُذُ مِنَ الثُّلُثِ تَبَرُّعُ الْمَرِيضِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَالُ الْبَاقِي بَعْدَ التَّبَرُّعِ مَأْمُونًا، أَيْ لاَ يُخْشَى تَغَيُّرُهُ، وَهُوَ الْعَقَارُ كَدَارٍ وَأَرْضٍ وَشَجَرٍ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ فَلاَ يَنْفُذُ، وَإِنَّمَا يُوقَفُ وَلَوْ بِدُونِ الثُّلُثِ حَتَّى يَظْهَرَ حَالُهُ مِنْ مَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ، كَمَا يُمْنَعُ مِنَ الزَّوَاجِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ . قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالْمَرِيضُ لاَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي تَدَاوِيهِ وَمُؤْنَتِهِ، وَلاَ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ وَلَوْ بِكُلِّ مَالِهِ. وَأَمَّا التَّبَرُّعَاتُ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهَا بِمَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ .
وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (مَرَضِ الْمَوْتِ).
ج - الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ:
19 - وَهِيَ حَالَةُ التَّرِكَةِ الْمَدِينَةِ بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ لَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلاَمُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فِي «انْتِقَالِ التَّرِكَةِ. »
زَوَائِدُ التَّرِكَةِ:
20 - الْمُرَادُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ نَمَاءُ أَعْيَانِهَا بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوَرِّثِ.
وَقَدْ فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ حُكْمَ هَذِهِ الزَّوَائِدِ، آخِذِينَ بِعَيْنِ الاِعْتِبَارِ مَا إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ خَالِيَةً مِنَ الدُّيُونِ أَوْ مَدِينَةً بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ.
فَإِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ غَيْرَ مَدِينَةٍ، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ التَّرِكَةَ بِزَوَائِدِهَا لِلْوَرَثَةِ، كُلٌّ حَسَبَ حِصَّتِهِ فِي الْمِيرَاثِ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ مَدِينَةً بِدِينٍ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زَوَائِدِهَا هَلْ تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ، وَمِنْ ثَمَّ تُصْرَفُ لِلدَّائِنِينَ؟ أَمْ تَنْتَقِلُ لِلْوَرَثَةِ؟
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ - وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى: أَنَّ نَمَاءَ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ بِزِيَادَتِهَا الْمُتَوَلِّدَةِ مِلْكٌ لِلْمَيِّتِ، كَمَا أَنَّ نَفَقَاتِ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ، مِنْ حِفْظٍ وَصِيَانَةٍ وَمَصْرُوفَاتِ حَمْلٍ وَنَقْلٍ وَطَعَامِ حَيَوَانٍ تَكُونُ فِي التَّرِكَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الدَّيْنِ غَيْرِ الْمُسْتَغْرِقِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ - إِلَى أَنَّ زَوَائِدَ التَّرِكَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا دَيْنٌ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ، وَعَلَيْهِمْ مَا تَحْتَاجُهُ مِنْ نَفَقَاتٍ .
تَرْتِيبُ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ:
21 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْحُقُوقَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالتَّرِكَةِ لَيْسَتْ عَلَى مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ بَعْضَهَا مُقَدَّمٌ عَلَى بَعْضٍ، فَيُقَدَّمُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ، ثُمَّ أَدَاءُ الدَّيْنِ، ثُمَّ تَنْفِيذُ وَصَايَاهُ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ.
أَوَّلاً: تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ:
22 - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ خَالِيَةً مِنْ تَعَلُّقِ دَيْنٍ بِعَيْنِهَا قَبْلَ الْوَفَاةِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ الْحُقُوقِ مَرْتَبَةً وَأَقْوَاهَا هُوَ: تَجْهِيزُهُ لِلدَّفْنِ وَالْقِيَامُ بِتَكْفِينِهِ وَبِمَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ، «لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ: «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ» وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَمْ لاَ؟ لأِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ إِلَى الْوَارِثِ مَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْمُوَرِّثُ؛ لأِنَّهُ إِذَا تُرِكَ لِلْمُفْلِسِ الْحَيِّ ثِيَابٌ تَلِيقُ بِهِ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى أَنْ يُسْتَرَ وَيُوَارَى؛ لأِنَّ الْحَيَّ يُعَالِجُ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ «كَفَّنَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ مُصْعَبًا رضي الله عنه فِي - بُرْدَةٍ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا، وَكَفَّنَ حَمْزَةَ رض الله عنه أَيْضًا، وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ دَيْنٍ قَدْ يَكُونُ عَلَى أَحَدِهِمَا قَبْلَ التَّكْفِينِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنِ التَّرِكَةُ خَالِيَةً مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِأَعْيَانِهَا قَبْلَ الْوَفَاةِ، كَأَنْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الأْعْيَانِ الْمَرْهُونَةِ، أَوْ شَيْءٌ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَمْ يَدْفَعْ ثَمَنَهُ، كَانَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ الشَّيْءِ الْمَرْهُونِ، وَكَانَ حَقُّ الْبَائِعِ مُتَعَلِّقًا بِالْمَبِيعِ نَفْسِهِ الَّذِي لاَ يَزَالُ تَحْتَ يَدِهِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ الدَّيْنُ مُتَقَدِّمًا فِي الدَّفْعِ عَلَى تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَتَجْهِيزِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَغَيْرُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الإْنْسَانُ بُدِئَ بِتَكْفِينِهِ وَتَجْهِيزِهِ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا تُقَدَّمُ نَفَقَةُ الْمُفْلِسِ عَلَى دُيُونِ غُرَمَائِهِ، ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ بَعْدَ تَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي (جَنَائِزُ، وَدَيْنٌ).
ثَانِيًا: أَدَاءُ الدَّيْنِ:
23 - يَأْتِي فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ أَدَاءُ الدُّيُونِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ بَعْدَ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ - عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ لقوله تعالي " ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) .
وَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ مِنْ أَوَّلِ الأْمْرِ، لَكِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً، وَالْوَاجِبُ يُؤَدَّى قَبْلَ التَّبَرُّعِ.
«وَعَنِ الإْمَامِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ، وَقَدْ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بَدَأَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ .
وَهَذِهِ الدُّيُونُ أَوِ الْحُقُوقُ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا: مَا يَكُونُ لِلَّهِ تَعَالَى، كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْحَجِّ الْوَاجِبِ.
وَمِنْهَا: مَا يَكُونُ لِلْعِبَادِ، كَدَيْنِ الصِّحَّةِ وَدَيْنِ الْمَرَضِ.
وَهَذِهِ الدُّيُونُ بِشَطْرَيْهَا، إِمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْهَا.
وَمِنْهَا: دُيُونٌ مُطْلَقَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ وَحْدَهَا.
24 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَسَوَّارٌ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمَرْجُوحَةُ لِلْحَنَابِلَةِ إِلَى: أَنَّ الدُّيُونَ الَّتِي عَلَى الْمَيِّتِ تَحُلُّ بِمَوْتِهِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّهُ لاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، أَوِ الْوَرَثَةِ، أَوْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَالِ لاَ يَجُوزُ بَقَاؤُهُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ لِخَرَابِهَا وَتَعَذُّرِ مُطَالَبَتِهِ بِهَا، وَلاَ ذِمَّةِ الْوَرَثَةِ لأِنَّهُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوهَا، وَلاَ رَضِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِذِمَمِهِمْ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ مُتَبَايِنَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ عَلَى الأْعْيَانِ وَتَأْجِيلُهُ؛ لأِنَّهُ ضَرَرٌ بِالْمَيِّتِ وَصَاحِبِ الدَّيْنِ وَلاَ نَفْعَ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ أَمَّا الْمَيِّتُ فَلأِنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ مَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ»، وَأَمَّا صَاحِبُهُ فَيَتَأَخَّرُ حَقُّهُ، وَقَدْ تَتْلَفُ الْعَيْنُ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ، وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُمْ لاَ يَنْتَفِعُونَ بِالأْعْيَانِ وَلاَ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا، وَإِنْ حَصَلَتْ لَهُمْ مَنْفَعَةٌ فَلاَ يَسْقُطُ حَظُّ الْمَيِّتِ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ لِمَنْفَعَةٍ لَهُمْ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ: أَنَّ الدُّيُونَ عَلَى الْمَيِّتِ لاَ تَحُلُّ بِمَوْتِهِ، إِذَا وَثِقَ الْوَرَثَةُ أَوْ غَيْرُهُمْ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ عَلَى أَقَلِّ الأْمْرَ يْنِ مِنْ قِيمَةِ التَّرِكَةِ أَوِ الدَّيْنِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّ الْمَوْتَ مَا جُعِلَ مُبْطِلاً لِلْحُقُوقِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِيقَاتٌ لِلْخِلاَفَةِ وَعَلاَمَةٌ عَلَى الْوِرَاثَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ» ،، فَعَلَى هَذَا يَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ كَمَا كَانَ، وَيَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ مَالِهِ كَتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِ الْمُفْلِسِ عِنْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحَبَّ الْوَرَثَةُ أَدَاءَ الدَّيْنِ وَالْتِزَامَهُ لِلْغَرِيمِ وَيَتَصَرَّفُونَ فِي الْمَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَرْضَى الْغَرِيمُ، أَوْ يُوَثِّقُوا الْحَقَّ بِضَمِينٍ مَلِيءٍ أَوْ رَهْنٍ يَثِقُ بِهِ لِوَفَاءِ حَقِّهِ، فَأَنَّهُمْ قَدْ لاَ يَكُونُونَ أَمْلِيَاءَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِمُ الْغَرِيمُ، فَيُؤَدِّي إِلَى فَوَاتِ الْحَقِّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: أَنَّ الْحَقَّ يَنْتَقِلُ إِلَى ذِمَمِ الْوَرَثَةِ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْتِزَامَهُمْ لَهُ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ الإْنْسَانَ دَيْنٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَمْ يَتَعَاطَ سَبَبَهُ، وَلَوْ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ لِمَوْتِ مُوَرِّثِهِمْ لَلَزِمَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً .
25 - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَيِّ الدَّيْنَيْنِ يُؤَدَّى أَوَّلاً إِذَا ضَاقَتِ التَّرِكَةُ عَنْهُمَا. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى: أَنَّ دُيُونَ اللَّهِ تَعَالَى تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ إِلاَّ إِذَا أَوْصَى بِهَا كَمَا سَيَأْتِي.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لأِنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَحُقُوقَ الْعِبَادِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَاحَّةِ، أَوْ لاِسْتِغْنَاءِ اللَّهِ وَحَاجَةِ النَّاسِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى تَقْدِيمِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ دُيُونِهِ عَلَى حُقُوقِ الآْدَمِيِّ إِذَا ضَاقَتِ التَّرِكَةُ عَنْهُمَا، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» وَقَوْلِهِ: «اقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» . وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَإِنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ وَفَاءَ الدَّيْنِ الْمُتَعَلِّقِ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ أَوْ بِبَعْضِهَا، كَالدَّيْنِ الْمَرْهُونِ بِهِ شَيْءٌ مِنْهَا، ثُمَّ بَعْدَهَا الدَّيْنُ الْمُطْلَقَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِذِمَّةِ الْمُتَوَفَّى، وَلاَ فَرْقَ فِي التَّقْدِيمِ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ أَوْ حَقِّ الْعَبْدِ .
وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِرْثٌ، وَدَيْنٌ).
تَعَلُّقُ دَيْنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالتَّرِكَةِ:
26 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ دَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَجِبُ أَدَاؤُهُ مِنَ التَّرِكَةِ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَمْ لاَ، عَلَى خِلاَفٍ سَبَقَ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى دَيْنِ الآْدَمِيِّ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَجِبُ أَدَاؤُهُ مِنَ التَّرِكَةِ إِلاَّ إِذَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ، فَإِنْ أَوْصَى بِهِ فَيَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ.
قَالَ الْفَنَارِيُّ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ: إِنَّ أَدَاءَ دَيْنِ اللَّهِ عِبَادَةٌ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِنِيَّةٍ وَفِعْلٍ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، كَمَا فِي الإْيصَاءِ لِتَحَقُّقِ أَدَائِهَا مُخْتَارًا، فَيَظْهَرُ اخْتِيَارُهُ الطَّاعَةَ مِنِ اخْتِيَارِهِ الْمَعْصِيَةِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّكْلِيفِ، وَفِعْلُ الْوَارِثِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْمُبْتَلَى بِالأْمْرِ وَالنَّهْيِ لاَ يُحَقِّقُ اخْتِيَارَهُ، فَإِذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ وَلاَ أَمْرٍ بِهِ فَقَدْ تَحَقَّقَ عِصْيَانُهُ؛ لِخُرُوجِهِ مِنْ دَارِ التَّكْلِيفِ وَلَمْ يَمْتَثِلْ، وَذَلِكَ تَقْرِيرٌ عَلَيْهِ مُوجِبُ الْعِصْيَانِ، فَلَيْسَ فِعْلُ الْوَارِثِ الْفِعْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ، فَلاَ يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ، كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، بِخِلاَفِ حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا وُصُولُهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا لاَ غَيْرُ، وَلِهَذَا لَوْ ظَفِرَ بِهِ الْغَرِيمُ يَأْخُذُهُ، وَيَبْرَأُ مَنْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. ثُمَّ الإْيصَاءُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى تَبَرُّعٌ؛ لأِنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فِعْلٌ لاَ مَالٌ، وَالأْفْعَالُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَلاَ يَتَعَلَّقُ اسْتِيفَاؤُهَا بِالتَّرِكَةِ؛ لأِنَّ التَّرِكَةَ مَالٌ يَصْلُحُ لاِسْتِيفَاءِ الْمَالِ مِنْهَا لاَ لاِسْتِيفَاءِ الْفِعْلِ. أَلاَ يُرَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لاَ يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ، فَصَارَتِ الْحُقُوقُ الْمَذْكُورَةُ كَالسَّاقِطِ فِي حَقِّ الدُّنْيَا؛ لأِنَّ هَا لَوْ لَمْ يُوصِ بِهَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَرَثَةِ أَدَاؤُهَا، فَكَانَ الإْيصَاءُ بِأَدَائِهَا تَبَرُّعًا، فَيُعْتَبَرُ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ مِنَ الثُّلُثِ بِخِلاَفِ دُيُونِ الْعِبَادِ، فَإِنَّهَا لاَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ؛ لأِنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّةَ الْمَالُ لاَ الْفِعْلُ؛ لِحَاجَةِ الْعِبَادِ إِلَى الأْمْوَالِ. وَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الإْيصَاءَ بِأَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالإْيصَاءُ بِسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ لَيْسَ بِلاَزِمٍ، فَلاَ وَجْهَ لِقِيَاسِ الإْيصَاءِ بِأَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى الإْيصَاءِ بِسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ، فَتَأَمَّلْ .
هَذَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِي بَعْضِ التَّفْصِيلاَتِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِ الْعَبْدِ يَبْدَأُ بِوَفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُقَدَّمُ هَدْيُ التَّمَتُّعِ إِنْ مَاتَ الْحَاجُّ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، أَوْصَى بِهِ أَمْ لاَ، ثُمَّ زَكَاةُ فِطْرٍ فَرَّطَ فِيهَا، وَكَفَّارَاتٌ فَرَّطَ فِيهَا أَيْضًا، كَكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَصَوْمٍ وَظِهَارٍ وَقَتْلٍ إِذَا أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهَا بِذِمَّتِهِ، كُلُّ ذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا أَمْ لَمْ يُوصِ؛ لأِنَّ الْمُقَرَّرَ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَتَى أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ بِهَا خَرَجَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ أَوْصَى بِهَا وَلَمْ يُشْهِدْ فَتَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ.
وَمِثْلُ مَا تَقَدَّمَ: زَكَاةُ النَّقْدَيْنِ الَّتِي حَلَّتْ وَأَوْصَى بِهَا، وَزَكَاةُ مَاشِيَةٍ وَجَبَتْ وَلاَ سَاعِيَ لأِخْذِهَا وَلَمْ تُوجَدِ السِّنُّ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا، فَإِنْ وُجِدَتْ فَهُوَ كَالدَّيْنِ الْمُتَعَلِّقِ بِعَيْنٍ، فَيَجِبُ إِخْرَاجُهُ قَبْلَ الْكَفَنِ وَالتَّجْهِيزِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى: أَنَّهُ بَعْدَ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ تُقْضَى دُيُونُهُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِذِمَّتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لآِدَمِيٍّ، أَوْصَى بِهَا أَمْ لَمْ يُوصِ؛ لأِنَّ هَا حَقُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. هَذَا وَإِنَّ مَحَلَّ تَأْخِيرِ الدَّيْنِ عَنْ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ إِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ قُدِّمَ عَلَى التَّجْهِيزِ، وَذَلِكَ كَالزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ فِيمَا قَبْلَ مَوْتِهِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ، بَلْ عَلَى كُلِّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِهَا فَكَانَتْ كَالْمَرْهُونِ بِهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى: أَنَّهُ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ يُوَفَّى حَقَّ مُرْتَهِنٍ بِقَدْرِ الرَّهْنِ، ثُمَّ إِنْ فَضَلَ لِلْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ شَارَكَ الْغُرَمَاءَ.
ثُمَّ بَعْدَ مَا سَبَقَ مِنْ تَسْدِيدِ الدُّيُونِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ، تُسَدَّدُ الدُّيُونُ غَيْرُ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالأْعْيَانِ ، وَهِيَ الَّتِي تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ كُلِّهَا، سَوَاءٌ اسْتَغْرَقَهَا الدَّيْنُ أَمْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْحَجِّ الْوَاجِبِ، أَمْ كَانَ لآِدَمِيٍّ كَالْقَرْضِ وَالثَّمَنِ وَالأْجْرَةِ.
فَإِنْ زَادَتِ الدُّيُونُ عَنِ التَّرِكَةِ، وَلَمْ تَفِ بِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَيْنِ الآْدَمِيِّ، يَتَحَاصُّونَ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ كَمَالِ الْمُفْلِسِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْحَجِّ
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (حَجٍّ، وَدَيْنٍ، وَإِرْثٍ).
دَيْنُ الآْدَمِيِّ:
27 - دَيْنُ الآْدَمِيِّ هُوَ الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ، فَإِنَّ إِخْرَاجَ هَذَا الدَّيْنِ مِنَ التَّرِكَةِ وَالْوَفَاءَ بِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا عَلَى الْوَرَثَةِ قَبْلَ تَوْزِيعِ التَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ، لقوله تعالي : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) وَعَلَى ذَلِكَ الإْجْمَاعُ، وَذَلِكَ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، أَوْ حَتَّى تَبْرُدَ جِلْدَتُهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي نَوْعِ تَعَلُّقِ دَيْنِ الآْدَمِيِّ بَيْنَ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ التَّرِكَةِ أَوْ بِذِمَّةِ الْمُتَوَفَّى، وَفِي دَيْنِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَفِي ضِيقِ التَّرِكَةِ عَنْ تَسْدِيدِ الدَّيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي.
نَوْعُ التَّعَلُّقِ:
الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ إِمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ أَوْ لاَ.
أ - الدَّيْنُ الْمُتَعَلِّقُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ:
28 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ) إِلَى أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنَ الدُّيُونِ بِمَا تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ، كَالدَّيْنِ الْمُوثَقِ بِرَهْنٍ، وَمِنْ ثَمَّ يَجِبُ تَقْدِيمُ هَذِهِ الدُّيُونِ عَلَى تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ، لأِنَّ الْمُوَرِّثَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لاَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الأْعْيَانِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ، فَأَوْلَى أَلاَّ يَكُونَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ سَدَادِ هَذَا الدَّيْنِ جَهَّزَ مِنْهُ الْمَيِّتَ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ بَعْدَ سَدَادِ الدَّيْنِ، كَانَ تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ عَلَى مَنْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فِي حَيَاتِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَالْحَنَفِيَّةُ فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الإْنْسَانُ بُدِئَ بِتَكْفِينِهِ وَتَجْهِيزِهِ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا تُقَدَّمُ نَفَقَةُ الْمُفْلِسِ عَلَى دُيُونِ غُرَمَائِهِ، ثُمَّ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ تُقْضَى دُيُونُهُ مِمَّا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ .
ب - الدُّيُونُ الْمُطْلَقَةُ:
29 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الدُّيُونَ الْمُطْلَقَةَ، وَهِيَ الَّتِي لاَ تَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ تُؤَخَّرُ عَنْ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ دُفِعَ لِلدَّائِنِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ.
وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (دَيْنٌ وَإِرْثٌ)
ج - دَيْنُ الصِّحَّةِ وَدَيْنُ الْمَرَضِ:
30 - دَيْنُ الصِّحَّةِ: هُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا، أَيْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَوِ الْمَرَضِ عَلَى السَّوَاءِ. وَمَا كَانَ ثَابِتًا بِالإِْقْرَارِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَكَذَا الدَّيْنُ الثَّابِتُ بِنُكُولِ الْمُتَوَفَّى فِي زَمَانِ صِحَّتِهِ.
وَدَيْنُ الْمَرَضِ: هُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِإِقْرَارِهِ فِي مَرَضِهِ، أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ، كَإِقْرَارِ مَنْ خَرَجَ لِلْمُبَارَزَةِ، أَوْ خَرَجَ لِلْقَتْلِ قِصَاصًا، أَوْ لِيُرْجَمَ. ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَى: أَنَّ دَيْنَ الصِّحَّةِ وَدَيْنَ الْمَرَضِ سَوَاءٌ فِي الأَْدَاءِ، وَلِهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ وَفَاءٌ بِهِمَا يَكُونُ لِكُلِّ دَائِنٍ حِصَّةٌ مِنْهُمَا، بِنِسْبَةِ مِقْدَارِ دَيْنِهِ، بِلاَ تَمْيِيزٍ بَيْنَ مَا كَانَ مِنْهَا مِنْ دُيُونِ الصِّحَّةِ أَوْ دُيُونِ الْمَرَضِ، فَهِيَ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لأِنَّهُ إِنْ عَرَّفَ سَبَبَهَا لِلنَّاسِ فَهِيَ دُيُونُ الصِّحَّةِ - وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ - وَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْ سَبَبَهَا فَيَكْفِي الإْقْرَارُ فِي إِثْبَاتِهَا؛ لأِنَّ الإْقْرَارَ حُجَّةٌ، إِلاَّ إِذَا قَامَ دَلِيلٌ أَوْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِ. وَالإْنْسَانُ وَهُوَ مَرِيضٌ يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ هَوَاهُ، وَأَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ الصِّدْقِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ؛ لأِنَّ الْمَرَضَ مَظِنَّةُ التَّوْبَةِ. يَصْدُقُ فِيهِ الْكَاذِبُ، وَيَبَرُّ فِيهِ الْفَاجِرُ، وَتَنْتَفِي تُهْمَةُ الْكَذِبِ عَنْ إِقْرَارِهِ، فَيَكُونُ الثَّابِتُ بِالإْقْرَارِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى تَقْدِيمِ دَيْنِ الصِّحَّةِ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ الَّذِي ثَبَتَ بِطَرِيقِ الإْقْرَارِ، وَلَمْ يَعْلَمِ النَّاسُ بِهِ، لأِنَّ الإْقْرَارَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ مَظِنَّةُ التَّبَرُّعِ أَوِ الْمُحَابَاةِ، فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْوَصَايَا الَّتِي تَنْفُذُ مِنَ الثُّلُثِ، وَالْوَصَايَا مُؤَخَّرَةٌ عَنِ الدُّيُونِ .
تَزَاحُمُ الدُّيُونِ:
31 - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ مُتَّسِعَةً لِلدُّيُونِ كُلِّهَا عَلَى اخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهَا، فَلاَ إِشْكَالَ فِي ذَلِكَ حِينَئِذٍ، إِذْ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهَا جَمِيعًا مِنَ التَّرِكَةِ.
أَمَّا إِذَا ضَاقَتِ التَّرِكَةُ وَلَمْ تَتَّسِعْ لِجَمِيعِ الدُّيُونِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ فِي تَقْدِيمِ الدُّيُونِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ عَلَى غَيْرِهَا، وَتَقْدِيمِ دَيْنِ الصِّحَّةِ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ أَوْ عَدَمِ تَقْدِيمِهِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 39
الْمَنَافِعُ:
42 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَالِيَّتِهَا، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَالاً، وَلِذَلِكَ لاَ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ عَنْ طَرِيقِ الْمِيرَاثِ.
وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: إِنَّهَا تُورَثُ مِثْلُ بَقِيَّةِ الأْمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمُورِثِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 76
زِيَادَةُ التَّرِكَةِ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ الْوَفَاةِ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ:
25 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زِيَادَةِ التَّرِكَةِ وَنَمَائِهَا الَّذِي حَدَثَ بَعْدَ وَفَاةِ الْمَدِينِ وَقَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ، كَأُجْرَةِ دَارٍ لِلسُّكْنَى، وَكَدَابَّةٍ وَلَدَتْ أَوْ سَمِنَتْ، وَكَشَجَرٍ صَارَ لَهُ ثَمَرٌ، هَلْ يُضَمُّ إِلَى التَّرِكَةِ لِمَصْلَحَةِ الدَّائِنِينَ أَوْ هُوَ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ.
وَهَذَا الْخِلاَفُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى خِلاَفٍ سَابِقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي انْتِقَالِ تَرِكَةِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ إِلَى وَارِثِهِ، وَحَاصِلُ مَا قَالُوهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ إِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا دُيُونٌ مِنْ حِينِ وَفَاةِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ دَيْنٌ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي انْتِقَالِهَا إِلَى الْوَارِثِ بَعْدَ الْوَفَاةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، أَنَّ أَمْوَالَ التَّرِكَةِ تَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ مَعَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ أَمْ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ لَهَا.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرِقَةً بِالدَّيْنِ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَغْرِقَةٍ بِهِ، فَإِنِ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ أَمْوَالَ التَّرِكَةِ تَبْقَى أَمْوَالُ التَّرِكَةِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَلاَ تَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَالرَّأْيُ الرَّاجِحُ أَنَّ أَمْوَالَ التَّرِكَةِ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، مَعَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَذِهِ الأْمْوَالِ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ أَمْوَالَ التَّرِكَةِ تَبْقَى عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَى أَنْ يُسَدَّدَ الدَّيْنُ سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لَهَا أَمْ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ.
وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْوَفَاةِ وَقَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ قَالَ: إِنَّ الزِّيَادَةَ لِلْوَارِثِ وَلَيْسَتْ لِلدَّائِنِ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ انْتِقَالِهَا قَالَ: تُضَمُّ الزِّيَادَةُ إِلَى التَّرِكَةِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ انْتَقَلَ إِلَى الْوَرَثَةِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَرِكَةٍ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 245
الضَّمَانُ فِي عَقْدِ التَّخَارُجِ:
44 - التَّخَارُجُ: اصْطِلاَحُ الْوَرَثَةِ عَلَى إِخْرَاجِ بَعْضِهِمْ مِنَ التَّرِكَةِ، بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ .
وَيُعْتَبَرُ بِمَثَابَةِ تَنَازُلِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ عَنْ نَصِيبِهِ مِنَ التَّرِكَةِ، فِي مُقَابِلِ مَا يَتَسَلَّمُهُ مِنَ الْمَالِ، عَقَارًا كَانَ أَوْ عُرُوضًا أَوْ نُقُودًا، فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بَيْعًا، فَإِذَا قَبَضَ الْمُخْرِجُ مِنَ التَّرِكَةِ بَدَلَ الْمُخَارَجَةِ أَخَذَ حُكْمَ الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِهِ، تَمَلُّكًا وَتَصَرُّفًا وَاسْتِحْقَاقًا، فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ حِسَابِهِ الْخَاصِّ، كَالْمَبِيعِ إِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ، وَهَذَا لأِنَّهُ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ بَيْعًا، فَكَانَ مَضْمُونًا كَضَمَانِ الْمَبِيعِ. (انْظُرْ: تَخَارُج).
الضَّمَانُ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ:
45 - يُشْبِهُ الْقَرْضُ الْعَارِيَّةَ فِي الاِبْتِدَاءِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الصِّلَةِ، وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الاِنْتِهَاءِ، لِوُجُودِ رَدِّ الْمِثْلِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِتَبَرُّعٍ مَحْضٍ، لِمَكَانِ الْعِوَضِ، وَلَيْسَ جَارِيًا عَلَى حَقِيقَةِ الْمُعَاوَضَاتِ ، بِدَلِيلِ الرُّجُوعِ فِيهِ مَا دَامَ بَاقِيًا .
وَيُمْلَكُ الْقَرْضُ بِالْقَبْضِ، كَالْمَوْهُوبِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - لأِنَّهُ لاَ يَتِمُّ التَّبَرُّعُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ، بِالتَّصَرُّفِ وَالْعَقْدِ .
فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُقْتَرِضُ، ضَمِنَهُ، كُلَّمَا هَلَكَ، بِآفَةٍ أَوْ تَعَدٍّ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، كَالْمَبِيعِ وَالْمَوْهُوبِ بَعْدَ الْقَبْضِ، لأِنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ ضَمَانٍ، لاَ قَبْضُ حِفْظٍ وَأَمَانَةٍ كَقَبْضِ الْعَارِيَّةِ.
46 - وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِقَرْضٍ فَاسِدٍ كَالْمَقْبُوضِ، بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، سَوَاءٌ، فَإِذَا هَلَكَ ضَمِنَهُ الْمُقْتَرِضُ فَيَحْرُمُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ، لَكِنْ يَصِحُّ بَيْعُهُ، لِثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ لاَ يَحِلُّ، لأِنَّ الْفَاسِدَ يَجِبُ فَسْخُهُ، وَالْبَيْعُ مَانِعٌ مِنَ الْفَسْخِ، فَلاَ يَحِلُّ، كَمَا لاَ تَحِلُّ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْفَسْخِ .
وَالْقَرْضُ الْفَاسِدُ يُمْلَكُ بِقَبْضِهِ، وَيُضْمَنُ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ، كَبَيْعٍ فَسَدَ .
وَلَوْ أَقْرَضَ صَبِيًّا، فَهَلَكَ الْقَرْضُ فِي يَدِهِ، لاَ يَضْمَنُ بِالاِتِّفَاقِ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ.
أَمَّا لَوِ اسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ بِالتَّعَمُّدِ وَالاِسْتِهْلاَكِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَهَذَا إِذَا كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ بِالْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ بِالْبَيْعِ، كَانَ كَالْبَائِعِ، يَضْمَنُ الْقَرْضَ، بِالْهَلاَكِ وَالاِسْتِهْلاَكِ .
(انْظُرْ: قَرْض).
_________________________________________________________________
الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الرابع
فعند المالكية تبقى أموال التركة على ملك الميت بعد موته إلى أن يسدد الدين ، مستغرقاً للتركة أو لم يكن مستغرقاً لها .
وعند الشافعية والحنابلة تنتقل أموال التركة إلى ملك الورثة فوراً بموت المورث ، مع تعلق الدين بها على النحو الذي قدمناه ، سواء كان الدين مستغرقاً للتركة أو غير مستغرق لها . وفي المذهب الحنبلي ، إلى جانب هذا القول ، قول آخ يذهب إلى بقاء التركة على ملك الميت إلى أن يسدد الدين ، وهو قول يتفق مع مذهب مالك .
وعند الحنفية يجب التمييز بين ما إذا كان الدين مستغرقاً للتركة أو كان غير مستغرق لها . فإن كان الدين مستغرقاً ، تبقى أموال التركة على ملك الميت ولا تنتقل إلى ملك الورثة . بل لا يستطيع الورثة أن يستخلصوا أموال التركة إلا إذا دفعوا كل الديون ، ولا يكفي أن يدفعوا قيمة التركة ، وهذا على الرأي المشهور في المذهب الحنفي . وفي قول آخر يكفي لاستخلاص أموال التركة أن يدفع الورثة للدائنين قيمة هذه الأموال لا جميع الديون . وأما إن كان الدين غير مستغرق للتركة ، فالرأي الراجح أن أموال التركة تنتقل إلى الورثة بمجرد موت المورث مع تعلق الدين بهذه الأموال . وهناك رأي ثان يذهب إلى أن الأموال لا تنتقل في هذه الحالة إلى الورثة إلا بعد سداد الدين ، وهذا الرأي يتفق مع مذهب المالكية . وهناك رأي ثالث يذهب إلى أنه يبقى على ملك الميت من الأموال ما يكفي لسداد الدين ، وتنتقل بقية الأموال إلى الورثة ( ) .
191 – تصرف الورثة في أعيان التركة قبل سداد الديون في الفقه الإسلامي : اختلفت المذاهب الفقهية في صحة هذا التصرف ، ولكن اختلافها لا يتفرع حتماً على اختلافها في الوقت الذي تنتقل فيه التركة إلى ملك الورثة ، وإلا لوجب أن يقول من يذهب إلى انتقالها إلى ملك الوارث بمجرد موت $ 341 $ المورث بصحة تصرف الوارث قبل سداد الدين ، وأن يقول من يذهب إلى بقائها على ملك الميت بعدم صحة هذا التصرف وسنرى بعد عرض المذاهب في هذه المسألة أن هذا ليس مطرداً .
فعند المالكية ، وهم القائلون ببقاء أموال التركة على ملك الميت حتى يسدد الدين ، يقتضي منطق هذا القول أن يكون تصرف الوارث في أعيان التركة قبل سداد الدين باطلاً سواء كان الدين مستغرقاً أو غير مستغرق . ولكن هذا هو أحد رأيين في المذهب ، وليس مبنياً على انعدام ملك الورثة بل على حماية حق الدائن فهو مقدم على حق الورثة . والرأي الآخر يذهب إلى أن تصرف الوارث في التركة المدينة قبل أداء الدين صحيح إذا لم يمس حق الدائن ولم يتضرر هذا به ، كأن يأذن فيه قبل أن يباشره الوارث ، أو ينزل عن دينه ، أو يبقى من التركة بعد التصرف ما يكفي لسداد الدين . لا فرق في ذلك كله بين أن يكون الدين مستغرقاً للتركة أو غير مستغرق . وإذا لم يستطع الدائنون أخذ حقوقهم إلا من المبيع ، فلذلك حالتان . الأولى أن يكون الوارث عالماً بالدين وقت تصرفه أو أن يكون الميت مشهوراً بالدين ، وعند ذلك يفسخ البيع إلا إذا دفع المشتري قيمة المبيع يوم قبضه ، فإذا دفعها لزم البيع ورجع المشتري على بائعه من الورثة بما غرم من قيمته . والحالة الثانية أن يكون الوارث غير عالم بالدين ولا يكون الميت مشهوراً بأنه مدين ، وعند ذلك يسلم المبيع لمشتريه ، ويرجع الدائنون على الوارث بقدر الثمن الذي قبضه من المشتري سواء كان فيه وفاء بالدين أو لم يكن ، ولا رجوع لهم على المشتري بشيء إلا إذا حاباه الوارث في البيع فيرجع الدائنون بقدر المحاباة فقط ( ) .
والحنابلة كالمالكية عندهم رأيان : أحدهما أن تصرف الوارث في التركة المدينة قبل أداء المدين بغير إذن الغرماء ، باطل ، والثاني أنه صحيح نافذ ما دام لم يمس حقوق الدائنين . ولكن الحنابلة يقفون عند وقت انتقال التركة للورثة ، فمن قال منهم إنها لا تنتقل إلا بعد سداد الدين ذهب إلى بطلان تصرف الوارث قبل السداد ، ومن قال إنها تنتقل فوراً بموت المورث ذهب إلى صحة هذا التصرف ( ) .
وعند الشافعية ، وهم القائلون بانتقال أموال التركة إلى ملك الورثة فوراً بموت المورث ، لا يجوز مع ذلك للوارث أن يتصرف في أموال التركة المدينة ، ولو كان الدين غير مستغرق للتركة . ذلك أن التركة تنتقل إلى الوارث مثقلة بالدين ، فيتعلق الدين بها كما يتعلق الرهن ، والرهن عند الشافعية يمنع من بيع $ 343 $ العين المرهونة . وكان مقتضى ذلك أنه يجوز للوارث بيع مال التركة بإذن الدائن ، ولكنهم مع ذلك لا يجيزون التصرف ولو بإذن الدائن ، لأن الدين لا يزال معلقاً بنفس الميت ، بخلاف الرهن فإن إذن المرتهن يسقطه . فالشافعية إذن يذهبون إلى أن تصرف الوارث في التركة المدينة بأي دين ، ولو لم يكن مستغرقاً ، قبل سداده تصرف باطل . وللدائنين أن يتتبعوا أعيان التركة في يد المشتري ، وللمشتري الرجوع على الوارث بما أدى من الثمن . ويستثنى من ذلك تصرف الوارث في التركة لسداد الدين ، فهو صحيح إذا كان بإذن جميع الدائنين ، أو بإذن القاضي إذا لم يكن الثمن أقل من القيمة . وهناك رواية أخرى في مذهب الشافعي أنه يصح تصرف الوارث في التركة المدينة ، لأن الدين حق تعلق بالمال من غير رضا المالك فلم يمنع التصرف كمال المريض ، فإن قضى الوارث الدين لزم تصرفه ، وإن لم يقضه فسخ التصرف ( ) .
وعند الحنفية ، وهم القائلون بانتقال أموال التركة إلى الورثة بمجرد موت المورث إذا كان الدين غير مستغرق وإلا فببقائها على ملك الميت ، لا يجوز مع ذلك للوارث حق التصرف لحسابه الشخصي ، وإلا كان التصرف باطلاً ، سواء كانت التركة مستغرقة بالدين أو غير مستغرقة . ويتبع الدائن العين في يد المشتري لبطلان التصرف ، ويرجع المشتري على الوارث بما أدى من الثمن . على أنه يجوز للوارث باعتباره خليفة عن الميت أن يتصرف في أموال التركة المدينة لسداد الدين ، ويصح تصرفه في هذه الحالة . وهناك من فقهاء الحنفية من لا يقول ببطلان التصرف ، إلا إذا كانت التركة مستغرقة بالدين وكان الوارث يتصرف لحسابه الشخصي . أما إذا لم تكن التركة مستغرقة بالدين ، وتصرف الوارث لحسابه الشخصي ، كان التصرف صحيحاً نافذاً ما بقى في التركة ما يفي بسداد الدين ، أو أجاز الدائن التصرف ( ) .
الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع المجلد/ الأول
ولكن ما دام دين التركة لا ينتقل إلى ذمة الوارث بعد موت المورث ، ففي ذمة من إذن يكون؟ هنا اختلفت المذاهب الفقهية وتضاربت فيها الروايات ، ويمكن تلخيص هذا الاختلاف في إيجاز على الوجه الآتي :
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الدين يبقى في ذمة الميت حتى بعد موته ، فهم يفترضون بقاء الذمة قائمة بعد الموت ، ولكن بشرط أن تتقوى بتركة أو بكفيل . وتقوية الذمة بتركة أو بكفيل معناه أن هناك ضماناً للدين يكفل سداده ، وهذا الضمان إما أن يكون تركة الميت فهي مسئولة عن ديونه ، أو كفيلاً يتركه الميت بدينه فيكون الكفيل هو المسئول عن سداد الدين . ومتى وجد هذا الضمان ، أمكن افتراض بقاء ذمة المدين قائمة بعد موته ، ففي هذا الافتراض فائدة هي بقاء الدين قائماً إلى أن يسدد إما من التركة أو من الكفيل . أما إذا لم يترك الميت تركة أو كفيلاً بالدين ، فلا سبيل إلى سداد الدين ولا فائدة من افتراض ذمة الميت قائمة تتحمل به ، ومن ثم تخرب الذمة ويسقط الدين . ولا شك في أن افتراض ذمة الميت قائمة بعد موته هو مجرد مجاز قانوني لا يطابق الحقيقة ، فالواقع أن المدين إذا مات لم تعد له ذمة باقية ، وليس افتراض قيام ذمته بعد موته إلا من قبيل الصنعة القانونية .
وذهب المالكية إلى أن الذمة لا تبقى بعد الموت لأنها صفة من صفات الحيازة فتزول بزوالها ، والدين يتعلق بالتركة نفسها لا بذمة الميت . فإذا مات المدين ولم يترك مالاً ، سقط دينه لانعدام محله . والمالكية في هذا هم أيضاً قد لجأوا إلى الصنعة القانونية . ويمكن تفسير قولهم ، في لغة القانون الحديث ، بأحد تفسيرين . فأما أن يقال إن التركة تصبح في هذه الحالة شخصاً معنوياً ، يتعلق الدين بذمته ( ) . وهذا القول يتعارض مع أحكام القانوني الوضعي في مصر ، فقد عددت المادة 52 مدني الأشخاص المعنوية وليست التركة من بينها . أو أن يقال إن تركة المورث تصبح ذمة مالية ( patrimoine ) مستقلة تضاف إلى ذمة الوارث الأصلية وتتميز عنها ، فتتعدد ذمة الوارث المالية ( ) ، وقد أقرت النظرية الحديثة في الذمة المالية تعدد الذمة كما بينا عند الكلام في هذا المضووع في الجزء الثامن من الوسيط . ولكن تعدد الذمة المالية للشخص الواحد لا يتنافى مع أن كلاً من هذه الذمم المالية المتعددة هو ذمة لهذا الشخص ، فتكون تركة المورث ، وهي ذمة مالية مضافة إلى ذمة الوارث الأصلية ، هي ذمة مالية للوارث نفسه . ويكون مؤدى القول بأن دين الميت يتعلق بتركته أن هذا الدين يتعلق بإحدى ذمتي الوارث ، فهو إذن يتعلق بذمة الوارث على كل حال . وهذا ما لم يرده المالكية ، فهم قد قصدوا بجعلهم الدين يتعلق بالتركة أن يفصلوه عن ذمة الوارث بقدر ما قصدوا أن يفصلوه عن ذمة المورث .
أما الحنابلة ، فمنهم من ذهب مذهب الحنفية والشافعية فقال إن الدين يتعلق بذمة الميت على فرض بقائها قائمة بعد موته ، ومنهم من ذهب مذهب المالكية فقال إن الدين يتعلق بالتركة نفسها لا بذمة الميت . وهناك رأي ثالث في المذهب الحنبلي يذهب إلى أن الدين لا يتعلق بذمة الميت ولا يتعلق بالتركة ، وإنما يتعلق بذمة الوارث ولكن في حدود ما يتركه الميت من أموال . وهذا الرأي الأخير هو الذي نقف عنده ، فهو أقرب إلى المعمول به في القانون الفرنسي إذا قبل الوارث الميراث بشرط الجرد أو التجنيب . وهو في الوقت ذاته أكثر انسجاماً مع المنطق الذي ساد الفقه الإسلامي في انتقال الحقوق إلى الورثة ، فكما أن حقوق التركة تنتقل إلى ذمة الوارث بمجرد موت المورث عند الشافعية في المذهب الجديد وعند الحنابلة في أشهر الروايتين كما قدمنا ، فمن العدالة والمنطق أن تنتقل أيضا ديون التركة إلى ذمة الوارث بمجرد موت المورث . فإن الحقوق تقابلها الديون ، فتنتقل الديون إلى ذمة الوارث في حدود ما انتقل إلى ذمته من الحقوق . وسنرى أن القانون الوضعي في مصر ، في تنظيمه لحماية دائي التركة في كل من التقنين المدني وقانون الشهر العقاري ، يتفق مع هذا الرأي الأخير في مذهب الحنابلة . ومن ثم يكون انتقال التركة من المورث إلى الوارث ، بمالها من حقوق وما عليها من ديون ، وهى مسألة يجب أن تسرى في شانها أحكام الشريعة الإسلامية كما قدمنا ، يتفق فيها التقنين المدني مع الفقه الإسلامي في بعض مذاهبه .
على أن اختلاف مذاهب الفقه الإسلامي ، في انتقال ديون التركة ، ليست له آثار عملية . فقد اتفقت هذه المذاهب علي أن دين الميت يستوفي مما يتركه الميت من أموال ، فتصبح تركة الميت هي المسئولة عن سداد ديونه . والدين علي هذا النحو يتعلق بمالية التركة لا بذوات أعيانها ، إذ حق الدائن هو أن يستوفى الدين من مالية التركة لا من عين بالذات .
حكم تصرف الورثة في أعيانه التركة قبل سداد الديون وما يجب من الحماية لحقوق دائي التركة :
وما دامت تركة الميت هي المسئولة عن سداد ديونه كما قدمنا ، فما هو حكم تصرف الوارث في عين من أعيان التركة قبل سداد الديون ، هل يكون صحيحا أو يبطل ؟
اختلفت المذاهب الفقهية في ذلك . ولكنها لا تربط الصحة والبطلان بوقت انتقال ملكية أعيان التركة إلى الورثة ، وإلا لوجب القول بأن من يذهب إلى انتقال الملكية بمجرد موت المورث وقبل سداد الديون يجعل تصرف الوارث قبل سداد الدين صحيحا مادامت الملكية قد انتقلت إليه ، ولكننا سنرى أن هذا غير مطرد .
فعند الشافعية ، وهم يقولون كما رأينا بانتقال أموال التركة إلى ملك الورثة فورا بمجرد موت المورث ، لا يجوز مع ذلك للوارث أن يتصرف في أعيان التركة المدينة ، ولو كان الدين غير مستغرق للتركة . ذلك أن التركة تنتقل إلى الوارث مثقلة بالدين ، فيتعلق الدين بها كما يتعلق الرهن ، والرهن عندهم مانع من بيع العين المرهونة . على أن في مذهب الشافعي رواية أخرى تقضي بأنه يصح تصرف الوارث في التركة المدينة ، لأن الدين حق تعلق بالمال من غير رضاء المالك فلم يمنع التصرف كمال المريض . فإن قضى الوارث الدين نفذ تصرفه ، وإن لم يقضه فسخ التصرف . ويتساوى الدائنون في اقتضاء حقوقهم من التركة ، فإن ظهر دائن لم يكن معروفاً وقت أن اقتسم الدائنون التركة ، رجع عليهم وشاركهم فيما أخذوه على قدر دينه .
وفي مذهب الحنابلة روايتان ، أشهرهما أن أموال التركة تنتقل إلى ملك الورثة فوراً بموت المورث مع تعلق الدين بها ، فإن تصرف الوارث في التركة قبل سداد الدين صح تصرفه ولزمه أداء الدين ، فإن أداه نفذ التصرف وإن لم يؤده فسخ . والرواية الثانية تقضي بأن أموال التركة لا تنتقل إلى ملك الورثة إلا بعد سداد الدين ، فإن تصرف الوارث في مال للتركة قبل سداد الدين لم يصح التصرف ، لأنه يكون قد تصرف في غير ملكه ( ) .
ورأينا أن الحنفية يميزون بين ما إذا كان الدين مستغرقاً للتركة أو كان غير مستغرق لها . فإن استغرق الدين أموال التركة ، تبقى هذه الأموال على ملك الميت ولا تنتقل إلى ملك الورثة ، ويكون أي تصرف للوارث في مال التركة باطلاً في هذه الحالة . وإن لم يستغرق الدين أموال التركة ، فبالرغم من أن هناك قولاً بانتقال أموال التركة إلى ملك الورثة ، لا يجوز مع ذلك للوارث التصرف في هذه الأموال ، فإن تصرف كان تصرفه باطلاً . وهناك من فقهاء الحنفية من يذهب إلى أن تصرف الوارث في هذه الحالة يكون صحيحاً نافذاً ما بقى في التركة ما يفي بسداد الدين ، أو إذا أجاز الدائن التصرف ( ) .
وعند المالكية ، وهم القائلون ببقاء أموال التركة على ملك الميت حتى يسدد الدين ، يقتضى منطق هذا القول أن يكون تصرف الوارث في أعيان التركة قبل سداد الدين باطلاً ، سواء كان الدين مستغرقاً أو غير مستغرق . ولكن هذا هو أحد رأيين في المذهب ، وليس مبنياً على انعدام ملك الورثة ، بل على حماية حق الدائن فهو مقدم على الورثة . والرأي الآخر يذهب إلى أن تصرف الوارث في التركة المدينة قبل أداء الدين صحيح إذا لم يمس حق الدائن ولم يتضرر هذا به ، كأن يأذن فيه قبل أن يباشره الوارث ، أو ينزل عن دينه ، أن يبقى من التركة بعد التصرف ما يكفي لسداد الدين . وإذا لم يستطع الدائنون أخذ حقوقهم إلا من البيع ، فلذلك حالتان : الحالة الأولى أن يكون الوارث عالماً بالدين وقت تصرفه أو أن يكون الميت مشهوراً بأنه مدين ، وعند ذلك يفسخ البيع إلا إذا دفع المشتري قيمة المبيع يوم قبضه ، فإذا دفعها لزم البيع ورجع المشتري على بائعه من الورثة بما غرم من قيمته . والحالة الثانية أن يكون الوارث غير عالم بالدين ولم يكن الميت مشهوراً بأنه مدين ، وعند ذلك يسلم المبيع لمشتريه ، ويرجع الدائنون على الوارث بقدر الثمن سواء كان فيه وفاء بالدين أولاً ، ولا رجوع لهم على المشتري بشيء إلا إذا حاباه الوارث في البيع فيرجع الدائنون بقدر المحاباة فقط . ويتساوى الدائنون في اقتضاء حقوقهم من التركة ، فإن ظهر بعد ذلك دائن لم يقتض حقه ، رجع على الورثة بما في أيديهم من أموال التركة . فإن لم تكف هذه الأموال لوفاء دينه ، رجع على الدائنين بما فاته من حصته ( ) .
ويخلص مما قدمنا في اختلاف المذاهب الفقهية أن منع الورثة من التصرف في أعيان التركة قبل سداد الدين لا يرجع إلى عدم انتقال الملكية إليهم قبل هذا السداد ، بل يرجع إلى حماية دائني التركة . ولما كان نظام شهر الحقوق عن طريق التسجيل أو القيد نظاماً حديثاً لا تعرفه القوانين القديمة ولم يكن مستطاعاً حماية حقوق الدائنين عن طريق الشهر ، فقد لجأ الفقه الإسلامي لحماية حقوق دائني التركة قبل سداد الديون باطلاً ، وبذلك تبقى الأعيان في التركة لينفذ عليها الدائنون . ونجد هذا القول في كل من المذاهب الأربعة على النحو الذي أسلفناه ، وهو طريق فيه إمعان في حماية الدائنين وتضحية لمصالح الورثة ومن يتصرف له هؤلاء . ( 2 ) أو يوفق بين حق الدائن وحق الوارث ، فيبيح تصرف الوارث في أعيان التركة قبل سداد الدين ويجعل هذا التصرف صحيحاً ، ولكنه لا يجعل نافذاً في حق الدائن إلا إذا أجاز الدائن التصرف أو نزل عن دينه أو استوفى هذا الدين أو بقى في التركة مال يكفي للوفاء به . وهذا القول الآخر نجده أيضاً في كل من المذاهب الأربعة ، كما سبق البيان .
ولما كان التقنين المدني قد صرح ، كما رأينا ، بوجوب تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في انتقال التركة إلى ملك الوارث ، فإنه قد التزم هذه الأحكام ، واختار من المذاهب المختلفة ما يتلاءم مع مبادئه العامة ( ) . ومن ثم فقد قرر ، في انتقال أموال التركة من المورث إلى الوارث وفي حقوق الدائنين المتعلقة بالتركة وكيفية سداد الديون ، المبادئ الرئيسية الآتية :
أولاً – تنتقل أموال التركة إلى الورثة بمجرد موت المورث ، مع تعلق حقوق دائني التركة بها . فتنتقل هذه الأموال إلى الورثة مثقلة بحق عيني ( ) ، قريب من أن يكون حق رهن ولكنه رهن مصدره القانون ، ومن ثم فهو أقرب إلى أن يكون حق رهن قانوني . وليس هو بحق امتياز لأن الامتياز يرجع إلى طبيعة الحق الممتاز ، ولم تتغير طبيعة حق الدائن بموت مدينه .
موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني عشر
فذهب المالكية إلى أن التركة المدينة، سواء كانت مستغرقة بالديون أو غير مستغرقة - لا تنتقل إلى الورثة فور الوفاة قبل سداد الديون، وإنما تبقى على حكم ملك المتوفي.
وذهب الحنفية في المذهب الجديد وأشهر الروايات عن أحمد بن حنبل وبعض الشيعة الإمامية الإثنا عشرية إلى أن التركة ولو كانت مستغرقة بالدين تثبت فيها ملكية الورثة، فتكون على ملكهم، ولكن الديون تكون متعلقة بها، إذ هم خلفاء الميت، وتتحقق هذه الخلافة بمجرد الوفاة، إذ الأمور لا تتراخى عن أسبابها إلا المانع يمنع عمل الأسباب، والموت سبب للتوريث فتتحقق الوراثة فوره، ووجود الديون متعلقة بالتركة، وكونها مشغولة بحاجة الميت لا يمنع تحقق الوراثة، إذا كان ذلك التعلق للإستيثاق من الأداء ولضمان حقوق الغرماء، وذلك ليس بمانع من تحقق الوراثة، كما لم يمنع الرهن ملكية العين المرهونة للمدين، ومثل تعلق الديون بالتركة، كمثل الرهن، فهما في الجملة سواء.
وقد فرق الحنفية بين التركة المستغرقة بالديون والتركة غير المستغرقة. فإذا كانت التركة مستغرقة بالديون، فإنها تكون كلها مشغولة بحق الميت، فلا تتنقل بل تبقى على حکم ملکه لبقاء ذمته ببقاء حاجته في ماله.
أما إذا كانت غير مستغرقة بالدين، فذهب رأى في الفقه الحنفي إلى أن ملكية الورثة تكون من وقت الوفاة في الجزء الذي لا يقابل الدين فالمشغول بالدين من التركة لا تثبت ملكيتهم فيه، بل يكون على حكم ملك الميت أو على ملكه على اختلاف تعبير الكتب.
ورأى الشافعية في المذهب الجديد وأشهر الروايتين عن أحمد بن حنبل وبعض من الشيعة الإمامية الإثنا عشرية هو الذي يرجحه المحدثون من فقهاء الشريعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 94)
يتبع في الميراث أحكام الشريعة الإسلامية في حق المسلمين وأما الذميون فيتبع في مواريثهم أحكام أحوالهم الشخصية وأن تراضوا وترافعوا إليها يحكم بينهم بحكم الإسلام.
(مادة 319)
إذا مات من له الخيار قبل التعيين انتقل حقه إلى وارثه ويجبر على تعيين الشيء الذي يريد إعطاءه أن انتقل الخيار لوارث البائع أو الذي يريد أخذه أن انتقل لوارث المشتري ويطالب بثمنه.