مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة : 251
مذكرة المشروع التمهيدي :
1 - بعد إنقضاء الميعاد المحدد لرفع المنازعات المتعلقة بقائمة الجرد ( خمسة عشر يوماً ) ، ينظر المصفي هل التركة معسرة أو محتملة الإعسار فإن كان هذا هو الأمر أوقف تسوية الديون حتى يتم الفصل النهائي في جميع المنازعات ثم يسوى الديون جملة واحدة لكل دائن بنسبة حقه، أما إن كانت التركة محققة اليسار فلا محل لتأخير سداد الديون التي لم يقم بشأنها نزاع ، فيستأذن المصفي القاضي في وفائها ، و تسوی الديون التي توزع فيها بعد الفصل نهائياً في النزاع .
2 - ويدفع المصفي ما على التركية من ديون ما لها من حقوق في ذمة الغير بعد أن يقبضها ، وما تشتمل عليه من نقود و من ثمن الأوراق المالية والمنقولات بعد أن يبيعها ، فإن لم يكن ذلك كله بدأ ببيع العقارات، وتباع المنقولات والعقارات وفقا للأوضاع المقررة في البيوع الجبرية ، إلا إذا اتفق جميع الورثة ، وكذلك الدائنون إذا كانت التركية معمرة ، على غير ذلك، وللورثة والدائنين أن يدخلوا في المزاد .
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- بعد تمام جرد التركة تسوي ما عليها من ديون مؤجلة ، فالأصل أن هذه الديون لاتحل بالموت ، وقد لا تحل إلا بعد مواعيد طويلة، فتسهيلاً لتصفية التركة دون إنتظار حلول هذه الديون ، نص المشروع على الإجراءات التي يجب أن تتبع في هذا الشأن.
2 - فقد يكون من مصلحة الورثة جميعاً الحكم بحلول الديون المؤجلة، فإذا انعقد إجماعهم على ذلك ، طلبوا من القاضي أن يحكم بحلول الدين المؤجل وبتعيين المبلغ الذي يستحقه الدائن، وفي تعيين هذا المبلغ يراعي القاضي تعويض الدائن عما فاته من ربح بسبب الوفاء المعجل ، دون أن يتجاوز هذا التعويض قيمة الفائدة ( القانونية أو الإتفاقية حسب الأحوال ) عن ستة أشهر ، إلا إذا كان هناك اتفاق سابق على طريقة هذا التعويض عند الدفع المعجل فيتبع، أما إذا كان الدين المؤجل لا فوائد عليه ، فالتعجيل لا يضر الدائن في شيء بل يفيده ، فلا يقدر له تعويض ، ولكن لا يخصم منه شيء نظير التعجيل .
3 - أما إذا لم يتفق الورثة جميعا على حلول الديون المؤجلة ، وآثروا أو اثر بعضهم أن تبقى مؤجلة للاستفادة من الأجل ، تولى القاضي توزيع هذه الديون عی الورثة ، مراعياً في ذلك أنه إذا طرح ما يختص به منها كل وارث مما أعطى من أموال التركية كان الباقي معادلاً لصافي حصته في الإرث.
وهذه عملية حسابية دقيقة قد يستعين فيها القاضي بخبير، وتبقى مشكلة أخرى هي أن الديون المؤجلة بتوزيعها على الورثة قد تجزأ ضمانها ، فقد كانت كل التركة ضامنة لأي دين منها ، فأصبح الدين بعد أن اختص به وارث معين لا يضمنه إلا جزء من التركة ، هو الجزء الذي وقع في نصيب هذا الوارث، وهذه نتيجة يجب التسليم بها لأنها تترتب على تجزئة الدين .
ولما كان المفروض أن التركة مؤثرة ، لأن التركة الميسرة يحل فيها الديون المؤجلة وتوزع كلها على الدائنين ، فالمفروض تبعاً لذلك أن جزء التركية الذي وقع في نصيب الوارث يفي بالدين الذي اختص به ، ولكي يكون الدائن مطمئناً على حقه يجوز للقاضي أن يرتب له حق اختصاص على عقارات التركية التي وقعت في نصيب الوارث ، وذلك بالرغم من أن الدين مؤجل ولم يصدر به حكم ، بل تجوز مطالبة الوارث بإضافة ضمان تکمیلی من ماله الخاص أو مطالبته بأية تسوية أخرى ، كتقديم كفيل عيني أو شخصي أو عقد تأمين المصلحة الدائن . فإذا لم يمكن أن يتحقق الدائن الضمان الكافي ، فإن حقه يبقى غير قابل للتجزئة وضمانه هو كل أموال التركة ، ما وقع منها في نصيب الوارث وما وقع في نصيب الورثة الآخرين ، مع مراعاة اتخاذ الإجراءات اللازمة لإشهار هذا الحق .
4 - فإذا ما قسمت الديون المؤجلة على الورثة على النحو المتقدم ، ورأى بعض الورثة تعجيل دفع الديون التي اختصوا بها، جاز لهم أن يطلبوا من القاضي الحكم بحلول هذه الديون وتعيين المبلغ الذي يستحقه الدائن وفقاً للأحكام التي تقدم ذكرها .
1 ـ مؤدى نص المادة 893 من القانون المدنى أن تباع عقارات التركة بالمزاد العلنى وفقاً للأوضاع و فى المواعيد المنصوص عليها فى البيوع الجبرية ما لم يتفق جميع الورثة على أن يتم البيع بطريقة أخرى ، و متى كان ذلك و كانت الأوضاع و المواعيد سالفة الذكر و المنصوص عليها فى المواد 401 من قانون المرافعات و ما بعدها أعمال إجرائية يترتب البطلان على عدم إتباعها ، و بالتالى فإن البيع الحاصل دون إتخاذها لا يكون صحيحاً .
(الطعن رقم 2036 لسنة 50 جلسة 1985/02/05 س 36 ع 1 ص 210 ق 49)
وتنص المادة 893 مدني على ما يأتي :
" 1 - يقوم المصفي بوفاء ديون التركة مما يحصله من حقوقها ، ومما تشتمل عليه من نقود ، ومن ثم ما يكون قد باعه بسعر السوق من أوراق مالية ، ومن ثم ما في التركة من منقول، فإن لم يكن كل ذلك كافياً ، فمن ثمن ما في التركة من عقار " .
" 2 - وتابع منقولات التركة وعقاراتها بالمزاد العلني وفقاً للأوضاع وفي المواعيد المنصوص عليها في البيوع الجبرية ، إلا إذا اتفق جميع الورثة على أن يتم البيع بطريقة أخرى أو على أن يتم ممارسة، فإذا كانت التركة معسرة ، لزمت أيضاً موافقة جميع الدائنين ، وللورثة في جميع الأحوال الحق في أن يدخلوا في المزاد ".
أما إذا رأى المصفي أن التركة موسرة حتى مع حساب الديون المتنازع فيها ، فإنه لا يقوم حينذاك مانع من الوفاء بالديون التي لم يقم في شأنها نزاع، وعلى المصفي أن يوفي هذه الديون من أموال التركة على النحو الذي سنبينه ، ويوفيها بعد إنقضاء الثلاثين يوماً المحددة لرفع المنازعات المتعلقة بقائمة الجرد ، وبعد أن يستأذن في الوفاء بها المحكمة الابتدائية التي تنظر شؤون التصفية، أما الديون المتنازع فيها ، فلا يوفيها إلا عند الفصل في النزاع القائم في شأنها نهائياً ، ولما كانت التركة موسرة فإنها تتسع لوفاء كل هذه الديون .
وهو يوفي ديون التركة على النحو الذي قدمناه من أموال التركة، ويبدأ من هذه الأموال بما يقتضيه من حقوق لها في ذمة مدينيها وبما تشتمل عليه التركة من نقود ، فهذه كلها مبالغ حاضرة يستطيع أن يوفي منها ديون التركة فوراً .
فإذا لم تكف هذه المبالغ للوفاء بالديون ، شرع في بيع أموال التركة الأخرى، الأيسر فالأيسر، فيبدأ ببيع الأوراق المالية من أسهم وسندات إذا وجدت ويبيعها بسعر السوق في يوم البيع فإن للأوراق المالية أسعاراً يومية معينة في البورصة، فإذا كان ثمن الأوراق المالية لا يزال غير كاف للوفاء بالديون، فإنه يبيع منقولات التركة ثم يبيع عقاراتها، وهذه وتلك بالقدر الكافي لوفاء الديون .
وتباع منقولات التركة ( غير الأوراق المالية ) وعقاراتها بالمزاد العلني طبقاً للإجراءات التي رسمها تقنين المرافعات للبيوع الجبرية وفي المواعيد التي حددها هذا التقنين، ومع ذلك يجوز ، بإتفاق جميع الورثة وبإتفاق دائني التركة ( أو الموصي لهم ) أيضاً إذا كانت التركة معسرة ، إدخال تعديل في هذه الإجراءات أو في هذه المواعيد ، فتحذف مثلاً بعض الإجراءات أو تضاف إجراءات أخرى ، أو يتفق على تقصير بعض المواعيد أو على إطالتها، فإذا بيع المنقول أو العقار بالمزاد العلني ، جاز للورثة بالرغم من أنهم يعتبرون مالكين لأموال التركة ، وجاز من باب أولى لدائني التركة و للموصى لهم ، أن يدخلوا في المزاد ويجوز أيضاً بإتفاق جميع الورثة مع إتفاق دائني التركة و الموصى لهم في حالة إعسار التركة ، أن يباع المنقول والعقار لا في المزاد العلني بل ممارسة ، سواء كان البيع لأجنبي أو لوارث أو لدائن أو وصي لها . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع المجلد/ الأول الصفحة/ 204)
إذا كانت التركة موسرة، قام المصفى بالوفاء بالديون غير المتنازع عليها بعد استئذان المحكمة، أما إن كانت معبرة أو يحتمل إعسارها تعين أرجاء الوفاء بأي دین حتى يفصل نهائياً في جميع المنازعات، وعلى المصفى جمع كافة حقوق التركة ولو اقتضى ذلك رفع الدعاوى القضائية إذ أنه الممثل التركة، ويبدأ بالوفاء بما لديه من نقود سائلة فإن لم تكف باع أموال التركة وفقاً للترتيب الوارد بالفقرة الأولى من النص وبقدر ما يفي بالديون فيبدأ بالأوراق المالية كالأسهم والسندات على إن يلتزم سعر السوق في يوم البيع ولا تباع هذه الأوراق بالمزاد، فإن لم يكف ثمنها انتقل إلى المنقولات فإن لم يكف ثمنها انتقل إلى العقارات على أن يلتزم في بيع المنقول والعقار أن يتم ذلك بالمزاد العلني وفقاً للأوضاع وفي المواعيد المنصوص عليها في البيوع الجبرية ما لم يتفق جميع الورثة على طريقة أخرى متى كانت التركة موسرة، أما إن كانت معسرة فأنه يلزم موافقة جميع الدائنين و الموصي لهم بالإضافة لموافقة جميع الورثة ومن ثم يجوز لهؤلاء الاتفاق على أن يتم البيع بالممارسة لأحد الأشخاص أياً ما كان، وفي حالة البيع بالمزاد يكون للورثة والموصى لهم الدخول فيه.
إذا تصرف المورث في عقار قبل وفاته، ولم يتمكن المشتري من تسجيل عقده قبل قيد أمر تعيين المصفى، أصبح المشتري دائناً عادياً ويمتنع عليه إتخاذ أي إجراء فردی يترتب عليه إنفراده بالعقار، مما يحول دون تسجيل عقده أو رفع دعوى بصحة ونفاذ هذا العقد إذ يرمي من ورائها إلى إنفراده بالعقار بينما يخضع للتصفية الجماعية مما يترتب عليه علم إمكان تنفيذ الإلتزام عيناً.
ولكن لا يجوز للمصفي، عندما يشرع في بيع عقارات التركة، أن يبدأ في بيع العقار سالف البيان، إنما يبدأ بغيره، بحيث إذا تمكن من سداد الديون من حصيلة بيع العقارات الأخرى، إلتزم، وهو نائب عن التركة، بتنفيذ إلتزام المورث بنقل ملكية العقار للمشترى، وحينئذ يكون تنفيذ هذا الإلتزام ممكناً، مما يجوز معه للمشترى رفع دعوى بصحة ونفاذ عقد البيع ضد المصفى، فإذا فازع الأخير فيها تحمل المشتري عبء إثبات كفاية ثمن العقارات الأخرى للوفاء بديون التركة. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني عشر الصفحة/ 84)
يدفع المصفي ما على التركة من دون مما لها من حقوق في ذمة الغير بعد أن يقبضها، فإذا لم تكف فمما تشتمل عليه التركة من النقود.
ويدخل في ذلك ريع أموال التركة ونماؤها، فيوفي المصفى منها ديون التركة والوصايا والتكاليف.
فإن لم يكن ذلك فمن ثمن ما يبيعه بسعر السوق من أوراق مالية، فإذا لم يكف فمن ثمن ما يبيعه من منقول في التركة.
فإذا لم يكن ذلك كله بدأ المصفى ببيع العقارات لكي يكمل الوفاء من ثمنها.
وهذا ترتيب مفروض يتعين على المصفي أن يراعيه، بحيث لا ينتقل إلى الخطوة التالية، إلا إذا كان ما حصله من نقود بواسطة الخطوة السابقة لا يكفي لتمام الوفاء ومن ثم يبين أنه لا يجوز بيع عقار في دين على التركة إلا بعد إستنفاذ ما فيها من نقود وأوراق مالية ومنقولات.
الأصل أن تباع منقولات التركة (غير الأوراق المالية) وعقاراتها بالمزاد العلني وفقاً الأوضاع وفي المواعيد المنصوص عليها في البيوع الجبرية في قانون المرافعات.
وإذا كانت التركة موسرة فيجوز أن يتفق جميع الورثة على أن يتم البيع بطريقة أخرى كإدخال تعديل في الأوضاع والمواعيد المنصوص عليها في البيوع الجبرية فتحذف بعض الإجراءات أو تضاف إجراءات أخرى، أو يتفق على تقصير بعض المواعيد أو على إطالتها، كما يجوز اتفاقهم على أن يتم البيع بالممارسة.
ويجوز ما تقدم جميعه إذا كانت التركة معسرة بشرط أن يوافق جميع الدائنين.
وأياً كانت الطريقة التي يتم بها البيع وفقاً لهذه القواعد، فإنه يكون للورثة رغم أنهم مالكون للتركة الحق في أن يدخلوا في المزاد، ويجوز ذلك من باب أولى لدائني التركة و للموصى لهم. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني عشر الصفحة/ 72)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع والثلاثون ، الصفحة / 86
مُزَايَدَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُزَايَدَةُ فِي اللُّغَةِ: التَّنَافُسُ فِي زِيَادَةِ ثَمَنِ السِّلْعَةِ الْمَعْرُوضَةِ لِلْبَيْعِ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ: أَنْ يُنَادَى عَلَى السِّلْعَةِ وَيَزِيدُ النَّاسُ فِيهَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى تَقِفَ عَلَى آخِرِ زَائِدٍ فِيهَا فَيَأْخُذَهَا .
وَمُعْظَمُ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ وَرَدَ بِشَأْنِ (بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ) لأِنَّهُ أَغْلَبُ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا الْمُزَايَدَةُ، وَبَيْعُ الْمُزَايَدَةِ هُوَ - كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ - بَيْعٌ الْتَزَمَ مُشْتَرِيهِ ثَمَنَهُ عَلَى قَبُولِ الزِّيَادَةِ .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (سَوْمٌ ف 3).
وَلِعَقْدِ الْمُزَايَدَةِ - أَوْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ - أَسْمَاءٌ أُخْرَى، مِنْهَا: بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ، وَبَيْعُ الدَّلاَلَةِ، وَبَيْعُ الْمُنَادَاةِ، وَسَمَّاهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ (بَيْعَ الْفُقَرَاءِ) لِوُقُوعِهِ عَلَى بَيْعِ أَثَاثِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَبَيْعُ مَنْ كَسَدَتْ بِضَاعَتُهُ لِوُقُوعِهِ عَلَى بَيْعِ السِّلَعِ غَيْرِ الرَّائِجَةِ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - النَّجْشُ:
2 - النَّجْشُ لُغَةً: الإْثَارَةُ.
وَاصْطِلاَحًا: الزِّيَادَةُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ مِمَّنْ لاَ يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيُغَرِّرَ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لِمَا فِي النَّجْشِ مِنْ إِثَارَةِ رَغْبَةِ الْغَيْرِ فِي السِّلْعَةِ وَلَوْ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِمَّا يُقَدِّرُهُ الْمُشْتَرِي.
فَالنَّجْشُ يَشْتَرِكُ مَعَ الْمُزَايَدَةِ فِي الصُّورَةِ بِوُقُوعِ الزِّيَادَةِ مِنَ النَّاجِشِ، وَيَخْتَلِفُ عَنْهَا فِي انْتِفَاءِ قَصْدِ النَّاجِشِ الشِّرَاءَ .
ب - الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ الْغَيْرِ:
3 - الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ الْغَيْرِ هُوَ أَنْ يَعْرِضَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ شِرَاءَ سِلْعَةَ غَيْرِهِ وَقَدْ رَكَنَ إِلَيْهِ، وَيَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً وَهُوَ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ: افْسَخْ بَيْعَكَ وَأَنَا أَبِيعُكَ مِثْلَ السِّلْعَةِ بِثَمَنٍ أَقَلَّ، فَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ الْغَيْرِ يَخْتَلِفُ عَنِ الْمُزَايَدَةِ بِأَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ الرُّكُونِ لإِتْمَامِ الصَّفْقَةِ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الْعَقْدُ وَالرِّضَا.
أَمَّا الْمُزَايَدَةُ فَهِيَ: عُرُوضٌ لِلشِّرَاءِ تَقَعُ قَبْلَ الرُّكُونِ بَيْنَ مَالِكِ السِّلْعَةِ وَمَنْ يَرْغَبُ فِي شِرَائِهَا أَوَّلاً .
ج - السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ:
4 - الْمُرَادُ مِنَ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ أَنْ يَتَّفِقَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ وَالرَّاغِبُ فِيهَا عَلَى الْبَيْعِ، وَلَمْ يَعْقِدَاهُ، فَيَقُولُ آخَرُ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ: أَنَا أَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ، أَوْ يَقُولُ لِلرَّاغِبِ فِي السِّلْعَةِ: أَنَا أَبِيعُكَ خَيْرًا مِنْهَا بِأَرْخَصَ، فَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ يَخْتَلِفُ عَنِ الْمُزَايَدَةِ أَيْضًا فِي وُقُوعِهِ بَعْدَ الرُّكُونِ خِلاَفًا لِلْمُزَايَدَةِ .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ، وَحِكْمَةُ التَّشْرِيعِ:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى إِبَاحَةِ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِفِعْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم ، وَهُوَ أَنَّهُ «بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْحِلْسَ وَالْقَدَحَ فَقَالَ رَجُلٌ أَخَذْتُهُمَا بِدِرْهَمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ فَبَاعَهُ مِنْهُ» .
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا أَيْضًا إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ يَبِيعُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ بِالْمُزَايَدَةِ.
وَذَهَبَ النَّخَعِيُّ إِلَى كَرَاهَتِهِ مُطْلَقًا، وَذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ إِلَى كَرَاهَتِهِ فِيمَا عَدَا بَيْعَ الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ وَهْبٍ الْخَوْلاَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صلي الله عليه وسلم «يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ» وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «نَهَى رَسُولُ اللَّه صلي الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَحَدٍ حَتَّى يَذَرَ إِلاَّ الْغَنَائِمَ وَالْمَوَارِيثَ» .
وَقَالَ عَطَاءٌ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ لاَ يَرَوْنَ بَأْسًا فِي بَيْعِ الْغَنَائِمِ فِيمَنْ يَزِيدُ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِاسْتِحْبَابِ الْمُزَايَدَةِ فِي بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَوَقُّعِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَتَطْيِيبِ نُفُوسِ الْغُرَمَاءِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُحْضِرَهُمْ فِيهِ .
رُكْنُ الْمُزَايَدَةِ (كَيْفِيَّةُ الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْمُزَايَدَةِ):
6 - مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ هُوَ الصِّيغَةُ - كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ - أَوْ هُوَ الصِّيغَةُ مَعَ الأْطْرَافِ (الْعَاقِدِينَ وَالْمَحَلِّ: الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ) كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ ثُمَّ إِنَّ الصِّيغَةَ هِيَ الإْيجَابُ وَالْقَبُولُ.
وَفِي الْمُزَايَدَةِ إِذَا نَادَى الدَّلاَّلُ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِنَّ مَا يَصْدُرُ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْحَاضِرِينَ هُوَ إِيجَابٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهِيَ إِيجَابَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَالْقَبُولُ هُوَ مُوَافَقَةُ الْبَائِعِ - أَوِ الدَّلاَّلِ الْمُفَوَّضِ مِنْهُ - عَلَى الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَا، وَأَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَالإْيجَابُ هُوَ مُوَافَقَةُ الْبَائِعِ وَالدَّلاَّلِ وَقَدْ تَأَخَّرَ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ الْقَبُولُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ بِعْنِيهِ بِكَذَا .
إِلْزَامُ جَمِيعِ الْمُشَارِكِينَ فِي الْمُزَايَدَةِ بِالشِّرَاءِ - فِي مَجْلِسِ الْمُنَادَاةِ - وَلَوْ زِيدَ عَلَيْهِمْ:
7 - صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ الْجَدُّ، وَقَالَ:
إِنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ - أَيْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ - وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ رِزْقٍ أَيْضًا بِأَنَّ كُلَّ مَنْ زَادَ فِي السِّلْعَةِ لَزِمَتْهُ بِمَا زَادَ إِنْ أَرَادَ صَاحِبُهَا أَنْ يُمْضِيَهَا لَهُ بِمَا أَعْطَى فِيهَا مَا لَمْ يَسْتَرِدَّ سِلْعَتَهُ فَيَبِيعُ بَعْدَهَا أُخْرَى أَوْ يُمْسِكُهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ مَجْلِسُ الْمُنَادَاةِ.
وَقَدْ عَلَّلَ ابْنُ رُشْدٍ ذَلِكَ بِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ لاَ يُحِبُّ مُمَاطَلَةَ الَّذِي زَادَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ، فَلَيْسَ طَلَبُ الزِّيَادَةِ بِهَا وَإِنْ وَجَدَهَا إِبْرَاءً لِمَنْ قَبْلَهُ، وَرَبَطَ الدُّسُوقِيُّ ذَلِكَ بِالْعُرْفِ فَقَالَ: وَلِلْبَائِعِ إِلْزَامُ الْمُشْتَرِي فِي الْمُزَايَدَةِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ أَوِ انْفَضَّ الْمَجْلِسُ حَيْثُ لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِعَدَمِ إِلْزَامِهِ، كَمَا عِنْدَنَا بِمِصْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ زَادَ فِي السِّلْعَةِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ صَاحِبُهَا أَوِ انْفَضَّ الْمَجْلِسُ فَإِنَّهُ لاَ يُلْزِمُهُ بِهَا وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنِ السِّلْعَةُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَإِلاَّ كَانَ لِرَبِّهَا إِلْزَامُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ الْعَادَةَ بِتُونُسَ فِي أَيَّامِهِ عَدَمُ اللُّزُومِ، وَذَكَرَ الْحَطَّابُ أَنَّ الْعُرْفَ بِمَكَّةَ فِي زَمَنِهِ جَرَى عَلَى عَدَمِ الإْلْزَامِ أَيْضًا .
إِلْزَامُ جَمِيعِ الْمُشَارِكِينَ فِي الْمُزَايَدَةِ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ مَجْلِسِ الْمُنَادَاةِ:
8 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْعُرْفُ اللُّزُومَ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ، أَوِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْبَائِعُ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْبَيْعُ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ فِي مَسْأَلَةِ الْعُرْفِ بِمِقْدَارِ مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّرْطِ فِي الأْيَّامِ الْمَشْرُوطَةِ، وَبَعْدَهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَتَأَكَّدُ هَذَا إِذَا حَصَلَ الاِشْتِرَاطُ بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى السِّلْعَةِ أَيَّامًا .
وَقَدْ صَرَّحَ الزُّرْقَانِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْبَيْعِ الْمُطْلَقِ حَيْثُ لاَ يَلْزَمُ الْبَيْعُ فِيهِ بِتَرَاخِي الْقَبُولِ عَنِ الإْيجَابِ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ، أَوْ بِحُصُولِ فَاصِلٍ يَقْتَضِي الإِْعْرَاضَ عَمَّا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ فِيهِ إِلاَّ بَيْعَ الْمُزَايَدَةِ، فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ السِّلْعَةَ لِمَنْ شَاءَ حَيْثُ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ ذَلِكَ أَوْ جَرَى بِهِ عُرْفُ إِمْسَاكِهَا حَتَّى انْقَضَى مَجْلِسُ الْمُنَادَاةِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: بَعْضُ الْقُضَاةِ أَلْزَمَ بَعْضَ أَهْلِ الأْسْوَاقِ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ، مَعَ أَنَّ عَادَتَهُمُ الاِفْتِرَاقُ عَلَى غَيْرِ إِيجَابٍ اغْتِرَارًا بِظَاهِرِ ابْنِ حَبِيبٍ وَحِكَايَةِ غَيْرِهِ، فَنَهَيْتُهُ عَنْ هَذَا لأَِجْلِ مُقْتَضَى عَوَائِدِهِمْ، وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يَلْتَزِمَ الْبَيْعَ إِلاَّ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ فَلَهُ شَرْطُهُ، وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ بِخِلاَفِهِ، لِتَقَدُّمِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ .
خِيَارُ الرُّجُوعِ عَنِ الإْيجَابِ فِي الْمُزَايَدَةِ:
9 - الرُّجُوعُ عَنِ الْمُزَايَدَةِ إِمَّا أَنْ يَقَعَ قَبْلَ زِيَادَةِ آخَرَ عَلَى مَا دَفَعَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ بَعْدَهَا، فَإِنْ وَقَعَ الرُّجُوعُ قَبْلَ زِيَادَةَ آخَرَ عَلَى مَا دَفَعَهُ مِنْ ثَمَنٍ فَإِنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ بَيْعُ الْمُزَايَدَةِ عَنْ غَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةِ الرُّجُوعِ عَنِ الإْيجَابِ ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ لِلْمُوجِبِ حَقَّ الرُّجُوعِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَبُولُ لإِيجَابِهِ، وَلاَ يَرِدُ هُنَا الْخِلاَفُ الْمَنْقُولُ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا لَوْ رَبَطَ الإْيجَابَ بِوَقْتٍ، وَأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَقَيَّدُ بِوَقْتِهِ فَلاَ يَمْلِكُ الْمُوجِبُ الرُّجُوعَ، وَذَلِكَ لأِنَّ مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ فِي لُزُومِ الْمُزَايَدَةِ لِجَمِيعِ الْمُشْتَرِكِينَ فِيهَا يُغْنِي عَنْ مُقْتَضَى هَذَا الْقَوْلِ .
خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي الْمُزَايَدَةِ
10 - قَالَ الْحَطَّابُ: جَرَتِ الْعَادَةُ بِمَكَّةَ أَنَّ مَنْ رَجَعَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ .
الزِّيَادَةُ بَعْدَ بَتِّ الْبَيْعِ لأِحَدِ الْمُشَارِكِينَ فِي الْمُزَايَدَةِ
11 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي السِّلْعَةِ إِذَا تَوَقَّفَ الْمَالِكُ أَوِ الدَّلاَّلُ عَنِ النِّدَاءِ - لأِنَّهُ أَعْرَضَ عَنِ الْبَيْعِ - لِعَدَمِ وُصُولِ السِّلْعَةِ إِلَى قِيمَتِهَا وَكَفِّ الْحَاضِرِينَ عَنِ الزِّيَادَةِ.
وَأَمَّا فِي حَالَةِ الرُّكُونِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ يُنَادِي عَلَى سِلْعَتِهِ فَطَلَبَهَا إِنْسَانٌ بِثَمَنٍ، فَكَفَّ عَنِ النِّدَاءِ وَرَكَنَ إِلَى مَا طَلَبَ مِنْهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَلَيْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يَزِيدَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا اسْتِيَامٌ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُفَّ عَنِ النِّدَاءِ فَلاَ بَأْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَزِيدَ.
وَإِنْ كَانَ الدَّلاَّلُ هُوَ الَّذِي يُنَادِي عَلَى السِّلْعَةِ وَطَلَبَهَا إِنْسَانٌ بِثَمَنٍ فَقَالَ الدَّلاَّلُ: حَتَّى أَسْأَلَ الْمَالِكَ فَلاَ بَأْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يَزِيدَ، فَإِنْ أَخْبَرَ الدَّلاَّلُ الْمَالِكَ فَقَالَ: بِعْهُ وَاقْبِضِ الثَّمَنَ، فَلَيْسَ لأِحَدٍ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ الْحَطَّابُ: وَسَوَاءٌ تَرَكَ السِّمْسَارُ الثَّوْبَ عِنْدَ التَّاجِرِ أَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَجَاءَ بِهِ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: بِعْهُ، ثُمَّ زَادَ فِيهِ تَاجِرٌ آخَرُ أَنَّهُ لِلأْوَّلِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ رَبُّ الثَّوْبِ لَمَّا شَاوَرَهُ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَرَجَعَ السِّمْسَارُ وَنَوَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنَ التَّاجِرِ فَزَادَ فِيهِ تَاجِرٌ آخَرُ، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ فِيهِ بِرَأْيِهِ وَيَقْبَلُ الزِّيَادَةَ إِنْ شَاءَ وَلاَ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالنِّيَّةِ .
وَاسْتَظْهَرَ الشَّرْوَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنِ الدَّلاَّلُ الْمُشْتَرِيَ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ لاَ يَبْعُدُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَإِنْ عَيَّنَهُ .
زِيَادَةُ اثْنَيْنِ مَبْلَغًا مُتَمَاثِلاً:
12 - ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ زَادَ اثْنَانِ مَبْلَغًا مُتَمَاثِلاً وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي السِّلْعَةِ، وَقَالَ عِيسَى: هِيَ لِلأْوَّلِ، وَلاَ أَرَى لِلصَّائِحِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ أَحَدٍ مِثْلَ الثَّمَنِ الَّذِي قَدْ أَعْطَاهُ غَيْرُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا قَدْ أَعْطَيَاهُ فِيهِ دِينَارًا مَعًا فَهُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ .
خِيَارُ الْعَيْبِ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ
13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ يَثْبُتُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُشْتَرِي لأِنَّ الأْصْلَ فِي الْبَيْعِ السَّلاَمَةُ.
وَبَيْعُ الْمُزَايَدَةِ مِنَ الْبُيُوعِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْعَيْبِ كَبَقِيَّةِ الْبُيُوعِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (خِيَارُ الْعَيْبِ ف 20 - 25).
الْمُطَالَبُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ
14 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ يَكُونُ عَلَى أَصْحَابِ السِّلَعِ، جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي يَبِيعُ فِيمَنْ يَزِيدُ يَسْتَأْجِرُ عَلَى الصِّيَاحِ، فَيُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ مَسْرُوقٌ أَوْ خَرْقٌ أَوْ عَيْبٌ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ، وَإِنَّمَا هُوَ أَجِيرٌ آجَرَ نَفْسَهُ وَبَدَنَهُ، وَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْعُهْدَةُ عَلَى أَرْبَابِ السِّلَعِ فَلْيَتْبَعُوهُمْ، فَإِنْ وَجَدُوا
أَرْبَابَهَا وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ تِبَاعَةٌ .
النَّجْشُ فِي الْمُزَايَدَةِ:
16 - النَّجْشُ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ - كَالنَّجْشِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْبُيُوعِ، حَرَامٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ خَدِيعَةِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا بَلَغَتِ السِّلْعَةُ قِيمَتَهَا.
وَفِي حُكْمِهِ التَّكْلِيفِيِّ وَحُكْمِهِ الْوَضْعِيِّ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ف 128).
مُشَارَكَةُ الدَّلاَّلِ فِي الشِّرَاءِ مَعَ بَعْضِ مَنْ يَزِيدُ دُونَ عِلْمِ الْبَائِعِ
17 - قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لاَ يَجُوزُ لِلدَّلاَّلِ الَّذِي هُوَ وَكِيلُ الْبَائِعِ فِي الْمُنَادَاةِ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لِمَنْ يَزِيدُ بِغَيْرِ عِلْمِ الْبَائِعِ، فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ هُوَ الَّذِي يَزِيدُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَعْنَى، وَهَذَا خِيَانَةٌ لِلْبَائِعِ، وَمَنْ عَمِلَ مِثْلَ هَذَا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَلَمْ يُنْصَحْ لِلْبَائِعِ فِي طَلَبِ الزِّيَادَةِ وَإِنْهَاءِ الْمُنَادَاةِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا يَئُولُ إِلَى بَيْعِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ فَمَنَعَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيَّةُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، لأِنَّ الْعُرْفَ فِي الْبَيْعِ أَنْ يُوجَبَ لِغَيْرِهِ فَحَمَلَ الْوَكَالَةَ عَلَيْهِ، وَلأِنَّ إِذْنَ الْمُوَكَّلِ يَقْتَضِي الْبَيْعَ مِمَّنْ يَسْتَقْصِي فِي الثَّمَنِ عَلَيْهِ، وَفِي الْبَيْعِ لِنَفْسِهِ لاَ يَسْتَقْصِي فِي الثَّمَنِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الإْذْنِ وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِاسْتِثْنَاءِ مَا لَوِ اشْتَرَى بَعْضَ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ بِسِعْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ إِذَا زَادَ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَبِيعُ وَكَانَ هُوَ أَحَدَ الْمُشْتَرِينَ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَيْضًا: إِذَا تَوَاطَأَ جَمَاعَةٌ مِنَ الدَّلاَّلِينَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي شِرَاءِ مَا يَبِيعُونَهُ، فَإِنَّ عَلَى وَلِيِّ الأْمْرِ أَنْ يُعَزِّرَهُمْ تَعْزِيرًا بَلِيغًا يَرْدَعُهُمْ وَأَمْثَالَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْخِيَانَةِ، وَمِنْ تَعْزِيرِهِمْ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ مِهْنَةِ الدَّلاَلَةِ فِي السُّوقِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ .
التَّوَاطُؤُ عَلَى تَرْكِ الْمُزَايَدَةِ بَعْدَ سِعْرٍ مُحَدَّدٍ
18 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَتَابَعَهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى أَنَّ التَّوَاطُؤَ عَلَى تَرْكِ الْمُزَايَدَةِ إِنْ تَمَّ بَيْنَ أَحَدِ الْحَاضِرِينَ وَآخَرَ، بِأَنْ يَسْأَلَهُ تَرْكَ الْمُزَايَدَةِ فَهُوَ لاَ بَأْسَ بِهِ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي نَظِيرِ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ يَجْعَلُهُ لِمَنْ كَفَّ عَنِ الزِّيَادَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: كُفَّ عَنِ الزِّيَادَةِ وَلَكَ دِينَارٌ أَوْ قَالَ لَهُ: كُفَّ عَنِ الزِّيَادَةِ وَنَحْنُ شَرِيكَانِ فِي السِّلْعَةِ، وَذَلِكَ لأِنَّ بَابَ الْمُزَايَدَةِ مَفْتُوحٌ وَإِنَّمَا تَرَكَ أَحَدُهُمَا مُزَايَدَةَ الآْخَرِ.
أَمَّا إِنْ تَمَّ التَّوَاطُؤُ بَيْنَ جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ عَلَى الْكَفِّ عَنِ الزِّيَادَةِ فَلاَ يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ. وَمِثْلُ تَوَاطُؤِ الْجَمِيعِ تَصَرُّفُ مَنْ حُكْمُهُمْ كَمَجْمُوعَةٍ مُتَحَكِّمَةٍ فِي سُوقِ الْمُزَايَدَةِ أَوْ شَيْخِ السُّوقِ.
وَالْهَدَفُ مِنَ التَّوَاطُؤِ قَدْ يَكُونُ الاِشْتِرَاكُ بَيْنَهُمْ فِي تَمَلُّكِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا لاِقْتِسَامِهَا بَيْنَهُمْ، وَقَدْ يَكُونُ بِتَخْصِيصِ سِلْعَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لِيَشْتَرِيَهَا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا دُونَ مُنَازَعَةِ الآْخَرِينَ لَهُ، وَفِي الْحَالَتَيْنِ ضَرَرٌ بِالْبَائِعِ وَبَخْسٌ لِسِلْعَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ) فَإِنْ وَقَعَ التَّوَاطُؤُ الْمَمْنُوعُ خُيِّرَ الْبَائِعُ بَيْنَ الرَّدِّ وَالإْمْضَاءِ، فَإِنْ هَلَكَتِ السِّلْعَةُ فَلَهُ الأْكْثَرُ مِنَ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ .
____________________________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
مادة 973
. ١- يقوم المصفی بوفاء ديون التركة مما يحصله من حقوقها وما تشتمل عليه من نقود ، ثم من ثمن ما يبيع بسعر السوق من أوراق مالية : ثم من ثمن ما في التركة من منقول " فان لم يكن كل ذلك کافياً ، فمن ثمن ما في التركة من عقار .
وتباع منقولات التركة وعقاراتها بالمزاد العلني وفقاً للاوضاع وفي المواعيد المنصوص عليها في البيوع الجبرية ، الا اذا اتفق جميع الورثة على ان يتم البيع بطريقة اخرى . فاذا كانت التركة معسرة .لزمت أيضا موافقة جميع الدائنين، وللورثة في جميع الاحوال الحق في ان يدخلوا في المزاد.
هذه المادة تتفق مع المادة ۸۹۳ من التقنين الحالي.
وقد أدخلت على الفقرة الأولى من هذه المادة تعديلات لفظية أريد بها بیان الاولوية فيما يتعلق بأموال التركة التي توفى په دیونها ، حيث يبدأ المصفى من هذه الأموال بما يقتضيه من حقوق للتركة في ذمة مدينيها وما تشتمل عليه التركة من نقود" فاذا لم تكفي هذه المبالغ للوفاء بالديون ، شرع في بيع أموال التركة الأخرى ، فيبدأ ببيع الأوراق المالية من أسهم وسندات إذا وجدت ويبيعها بسعر السوق في يوم الجمع فاذا كان من الأوراق المالية لا يزال غير كاف للوفاء بالديون بانه يبيع منقولات التركة * فان لم يكن كل ذلك كافياً ، فانه يبيع عقارات التركة ، وذلك بالقدر اللازم لوفاء الديون. وفي الفقرة الثانية حذفت عبارة . أو على ان يتم ممارسة ، اذ ان اتقاق جميع الورثة على أن يتم البيع بطريقة أخرى يشمل كل البيوع غير البيع الجيري بما فيها البيع بالممارسة •
انظر المذكرة الايضاحية للمادة المقابلة في المشروع التمهيدي للتقنين الحالي (1326) في مجموعة الأعمال التحضيرية ج6 ص 251
والمادة المقترحة تتفق مع المادة 1104 من التقنين الأردنی.
وحكمها يقبله الفقه الإسلامي ، فهو يرسم طريقه معقولة للوفاء بالديون من أموال التركة مع توفير الضمانات اللازمة لحماية حقوق الورثه والدائنين.