مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس، الصفحة : 301
مذكرة المشروع التمهيدي :
كثيراً ما يلجأ المورث، وهو عاجز عن الإيصاء لوارثه، إلى وصية يسترها في شكل تصرف آخر، كبيع أو هبة، ويحتفظ في هذا التصرف بحيازة العين، وبحقه في الانتفاع بها، إما من طريق اشتراط حق المنفعة وعدم جواز التصرف في العين، وإما من طريق الإيجار مدى الحياة أو من أي طريق آخر وقد تضاربت الأحكام في ذلك تضارباً كبيراً، حتى أصبحت الأقضية في هذا الشأن أدخل في باب الحظ منها في باب الحقوق الثابتة، فحسم المشروع الخلاف بأن قرر أن مثل هذا التصرف يعتبر وصية ما لم يقم دليل على غير ذلك وقد فرض المشروع ما هو أكثر انطباقاً على الواقع، وترك الباب مفتوحاً لإثبات العكس في الحالات الأخرى النادرة .
ويلاحظ أنه إذا فتح باب الوصية للوارث قلت المنازعات كثيراً في هذا الشأن، ولم تعد الناس في حاجة للاحتيال وتسمية الوصية الصادرة للوارث باسم آخر.
1- من المقرر - أن المادة 917 من القانون المدني إذ نصت على أنه إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته، اعتبر التصرف مضافا إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك، قد أفادت - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن القرينة التي تضمنها لا تقوم إلا باجتماع شرطين أولهما:- هو احتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها، وثانيهما:- احتفاظه بحقه في الانتفاع بها، على أن يكون ذلك كله مدى حياته، وكان لقاضي الموضوع سلطة التحقق من توافر هذين الشرطين للتعرف على حقيقة العقد المتنازع عليه والتحري عن قصد المتصرف من تصرفه وذلك في ضوء ظروف الدعوى التي أحاطت به مادام قد برر قوله في ذلك بما يؤدي إليه، وكان لا يجوز التحدي بعدم توافر هذين الشرطين أو أحدهما استنادا إلى ما جاء في صياغة العقد بشأنه لأن جدية العقد بوصفه عقد بيع هي بذاتها موضوع الطعن فيه. وأن مخالفة الثابت في الأوراق التي تبطل الحكم كما تكون .
( الطعن رقم 143 لسنة 92 ق - جلسة 2 / 2 / 2023 )
2- إذ كان الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه بعد أن إستعرض أقوال الشهود إثباتا ونفياً وشروط عقد البيع المؤرخ 6/3/1990 وما قدمه الخصوم من مستندات وما ساقوه من قرائن تأييدا لدفاعهم استخلص من النص فى شروط التعاقد على احتفاظ المورث المتصرف بالعقد فى الانتفاع بالعقار محل التصرف ومنع أولاده القصر المتصرف إليهم من التصرف فيه مدى حياته ومما أطمأن إليه من أقوال شاهدى المطعون ضدهم وما ورد بأقوال الطاعنة فى المحضر رقم 6448 لسنة 1995 جنح الهرم ومن المستندات المقدمة من طرفى الخصومة أن المورث قد احتفظ بحيازة العقار وكان يتولى إدارته بعد صدور التصرف لحساب نفسه حتى تاريخ وفاته ورتب الحكم على ذلك اعتبار التصرف موضوع النزاع ليس بيعاً منجزاً وإنما تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت قصد به الاحتيال على قواعد الإرث وتسرى عليه أحكام الوصيه أو إذا كانت هذه الأسباب التى أقام عليها الحكم قضائه فى هذا الخصوص سائغة ولها أصلها الثابت فى الأوراق وتؤدى إلى ما انتهى إليه فإن ما تثيره الطاعنة بأسباب النعى لا يعدو ان يكون مجادله فيما لمحكمة الموضوع من سلطة فهم الواقع فى الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ومن ثم يكون غير مقبول .
(الطعن رقم 1859 لسنة 69 جلسة 2014/01/06)
3- إذ كانت الطاعنة قد دفعت بصورية العقود محل الدعوى ( العقود الصادرة من مورثها للمطعون ضده الأول ) وساقت تأييداً لذلك قرائن منها احتفاظ المورث بحيازته العقارات محل هذه العقود وانتفاعه بها مدى حياته ، وصدور العقود أثناء مرضه غير أن الحكم فى مقام الرد على هذا الدفاع اكتفى بالقول بانتفاء شروط إعمال نص المادة 916 من القانون المدنى وهو ما لا يواجه ما شهد به شهودها وما ساقته من قرائن مما يعيبه بالقصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 187 لسنة 67 جلسة 2009/12/28 س 60 ص 946 ق 164)
4- إدراكاً من المشرع للأعراف السائدة فى المجتمع ورغبة منه فى احترام أحكام المواريث فإن ما ورد بنص المادتين 916 ، 917 من القانون المدنى لا يعدو أن يكون تقريراً لقيام قرينتين قانونيتين لصالح الوارث حماية لحقه ، إذ من شأن أى منهما أن تعفيه من إثبات أن تصرف مورثه ينطوى على وصية فينتقل بذلك عبء الإثبات على عاتق المتصرف إليه ، إلا أنه يبقى للوارث عند تخلف شروط أى من القرينتين أو كليهما أن يدلل بكافة طرق الإثبات على أن القصد الحقيقى للمورث هو الإيصاء وإضافة التصرف إلى ما بعد الموت ، ويتعين على قاضى الدعوى أن يتصدى لما يقدمه الوارث من أدلة وقرائن ويقيمه فى ضوء ظروف كل دعوى وملابساتها ولايكفيه القول أن شروط هذه القرينة أو تلك لم تتوفر .
(الطعن رقم 187 لسنة 67 جلسة 2009/12/28 س 60 ص 946 ق 164)
5- إذ كان الثابت فى الدعوى أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأن تصرف المورثة هو فى حقيقته وصية وأنه يجوز له إثبات حقيقة العقد بكافة طرق الإثبات، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أغفل الرد على هذا الدفاع استناداً إلى أن التصرف المطعون عليه صادر لغير وارث مما لا ينطبق عليه حكم المادة 917 من القانون المدني حاجباً بذلك نفسه عن تمحيص الدليل الذي ساقه الطاعن ويجوز له الركون إليه فى إثبات دعواه فإنه يكون معيباً.
(الطعن رقم 3586 لسنة 59 جلسة 2002/12/17 س 53 ع 2 ص 1177 ق 227)
6- الوصية تنفذ من غير إجازة الورثة فى حدود ثلث التركة بعد سداد ديون الميت وهو ما يوجب على المحكمة - إذا وصفت العقد بأنه وصية - أن تستظهر عناصر التركة وتقدر صافى قيمتها ومقدار الثلث الذى يجوز فيه الإيصاء بغير إجازة - وتتناول التصرف المطروح عليها للتحقق مما إذا كان يدخل فى حدود الثلث فتقضى بصحته فإن تجاوزت قيمته هذا النطاق قضت بصحة القدر الذى يدخل فى حدوده.
(الطعن رقم 1532 لسنة 55 جلسة 1991/10/09 س 42 ع 2 ص 1517 ق 236)
7- الوصية فى التركة تصرف مضاف إلى مابعد الموت، وإذ كان الأصل أن تنعقد بألفاظ دالة عليها تفيد إنشاءها إلا أن المورث قد يبرم تصرفاً آخر يستر به نيه الإيصاء لديه وهو ماحمل المشرع - وفقاً لأحكامالمادة 917 من القانون المدنى - إلى إنشاء قرينة على توافر نية الإيصاء فى أى تصرف يجريه المورث لأحد ورثته إذا إحتفظ بأية طريقة بحيازة العين وبالإنتفاع بها مدى حياته فإن توفرت أعفت الوارث من إثبات طعنه على تصرفات مورثه وإن لم تتوفر كان للوارث أن يثبت نية الإيصاء لدى المورث بالقرائن القضائية ولمحكمة الموضوع أن تستظهر القرائن الدالة على أن التصرف ليس منجزاً وأنه قصد به الإيصاء لوارث آخر.
(الطعن رقم 1451 لسنة 55 جلسة 1991/07/17 س 42 ع 2 ص 1451 ق 224)
8- إجازة إثبات العقد المستتر فيما بين عاقدية أو خلفهما العام بالبينة فى حالة الاحتيال على القانون مقصور - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على من كان الاحتيال موجهاً ضد مصلحته، وإذن فمتى كان عقد البيع الظاهر الصادر من المورث ثابتاً بالكتابة فلا يجوز لأحد ورثته أن يثبت بغير الكتابة أن هذا العقد صورى، وأنه قصد به الإحتيال على الغير، لما كان ذلك وكان الطاعنون لم يستندوا فى طعنهم بصورية عقد البيع الصادر من مورثهم والثابت بالكتابه إلى وقوع إحتيال عل حقوقهم، وإنما تمسكوا بأنه حرر بالتواطؤ بين مورثهم والمطعون ضده بقصد اغتيال حقوق زوجة الأخير، فإنه لا يجوز لهم إثبات الصورية المدعاة بغير الكتابة.
(الطعن رقم 756 لسنة 51 جلسة 1991/03/14 س 42 ع 1 ص 762 ق 121)
9- متى كان موضوع الدعوى يدور حول حقيقة العقد ووصفه القانونى بإعتباره بيعا منجزا أو تصرفا مضافا إلى ما بعد الموت إعمالاً للقرينة التى أقامتها المادة 917 من القانون المدنى فإنها على هذه الصوره لا تتعلق بمسائل الأحوال الشخصية ذلك أن نطاق النزاع لا يتعدى إلى بحث صحة الوصية أو نفاذها ولا يقتضى تطبيق نص قانون الوصية و إنما يرد الحكم فيه إلى القانون المدنى ، أما النزاع حول رجوع المورث عن الوصية فإن لازمه أن تتحقق محكمة الموضوع من صحة الوصية ونفاذها فى حق الورثه أو من رجوع المورث عنها طبقا للأحاكم المنصوص عليها فى قانون الوصيه رقم 71 لسنة 1946 وهو ما كان يدخل فى إختصاص المحاكم الشرعية قبل إلغائها بالقانون رقم 462 لسنة 1955 الذى نقل إختصاصها إلى المحاكم الابتدائية ومن ثم يكون من الدعاوى التى أوجب المشرع على النيابة العامة إن تدخل فيها بموجب نص المادة الاولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 و إلا كان الحكم باطلا .
(الطعن رقم 42 لسنة 54 جلسة 1988/01/24 س 39 ع 1 ص 131 ق 30)
10- إذ كان الثابت من عقد البيع أن مورث المطعون ضدهما أشترى لنفسه حق منفعة العقار وبصفته ولياً طبيعياً عليهما حق رقبته و أن ثمن هذا الحق دفع منه تبرعاً لهما واحتفظ لنفسه بحيازته للعقار و الانتفاع به مدى الحياة فإن المحكمة و قد خلصت إلى أن العقد المذكور عقد بيع منجز أشترى فيه المطعون ضدهما حق الرقبة و دفع ثمنه من مال مورثهما لحسابهما تبرعاً لهما ، مع مالها من سلطة تقديرية فى استخلاص نية التبرع ، فإن هذا الذى خلص اليه الحكم تحصيل سائغ تحتمله عبارات العقد وله مأخذه ، وكان القانون لا يمنع من التزام الغير فى ذات عقد البيع بدفع الثمن تبرعاً للمشترى و بالتالى يخرج هذا العقد عن كونه فى حكم التصرف المضاف إلى ما بعد الموت المنصوص عليه فىالمادة 917 من القانون المدنى و الذى لا ينصرف حكمها إلا إلى التصرفات التى يجريها المورث فى ملكه إلى أحد ورثته .
(الطعن رقم 97 لسنة 53 جلسة 1986/06/12 س 37 ع 2 ص 673 ق 139)
11- حجية الشىء المحكوم فيه لا تلحق إلا بمنطوق الحكم وما أرتبط به من أسباب لازمة لحمله وفيما فصل فيه الحكم صراحة أو ضمناً فى أسبابه . وإذ كان الحكم الصادر فى الدعوى .. مدنى مستأنف طنطا قد إنتهى إلى الإكتفاء بالقضاء بأن التصرف موضوع العقد المؤرخ .... ينفذ فى حدود ثلث التركة وذلك دون تحديد المقدار النافذ من الحصة محل ذلك التصرف ، فإن ما تضمنة أسبابه من تقدير قيمة ثلث التركه بمبلغ معين ، لم يكن لازماً لحمل ما إنتهى إليه هذا الحكم فلا يحوز حجية الشىء المحكوم فيه ولا تتعلق مخالفته بالنظام العام ، وبالتالى لا تقبل إضافته إلى ما ورد بصحيفة الطعن ويكون غير مقبول.
(الطعن رقم 12 لسنة 51 جلسة 1985/01/03 س 36 ع 1 ص 73 ق 19)
12- لما كان المشرع فى المادتين 477، 916 من التقنين المدني لم يستلزم لاعتبار التصرف وصية سوى أن يصدر فى مرض الموت وأن يكون مقصوداً به التبرع ولم يستوجب المشرع فى هذه الحالة أن يحتفظ المتصرف بحيازة المبيع والانتفاع به طوال حياته على نحو ما أشترط فى المادة 917 من التقنين المدني وإذ خلص الحكم المطعون فيه سائغاً.. إلى أن تصرف المورثة للطاعن بموجب العقدين صدر فى مرض الموت فإن ما استطرد إليه الحكم بعد ذلك فى التدليل على احتفاظ المورثة بالحيازة وبحقها فى الانتفاع طوال حياتها هي أسباب نافله ويكون النعي عليها غير منتج.
(الطعن رقم 1011 لسنة 47 جلسة 1983/12/27 س 34 ع 2 ص 1942 ق 381)
13- التحايل الممنوع على احكام الارث لتعلق الأرث بالنظام العام - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو ما كان متصلا بقواعد التوريث واحكامه المعتبرة شرعا كاعتبار شخص وارثا وهو فى الحقيقة غير وارث او العكس ، وكذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل فى التركات المستقبلة كايجاد ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعا أو الزيادة اوالنقص فى حصصهم الشرعية ، ويترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث فى حالة صحته لأحد ورثته اولغيرهم تكون صحيحه ، ولو كان يترتب عليها حرمان بعض ورثته أوالتقليل من أنصبتهم فى الميراث ، لأن التوريث لا يقوم الا على ما يخلفه المورث وقت وفاته ، أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته فلا حق للورثة فيه .
(الطعن رقم 599 لسنة 50 جلسة 1983/12/15 س 34 ع 2 ص 1833 ق 359)
14- متى كانت محكمة الموضوع قد إنتهت إلى أن التكييف الصحيح للتصرف موضوع الدعوى ، هو أنه وصية فإنه كان عليها أن تنزل عليه حكم القانون المنطبق على وصفه الصحيح ولا يعتبر ذلك منها تغييراً لسبب الدعوى لأنها لا تتقيد فى التكييف بالوصف الذى يعطيه المدعى الحق الذى يطالب به بل عليها أن تتحرى طبيعة هذا الحق لتصل بذلك إلى التكييف القانونى الصحيح للتصرف المنشئ لهذا الحق والذى يظل كما هو السبب الذى تقوم عليه الدعوى و تطبق المحكمة حكم القانون طبقاً للتكييف الصحيح . وإذ كانت الوصية بحسب أحكام القانون 71 لسنة 1946 سواء كانت لوارث أو لغيره تصح وتنفذ فى ثلث التركة من غير إجازة الورثة فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر وأمتنع عن تطبيق الوصية التى خلص إليها طلبات الطاعنة لمجرد أن ذلك يعتبر تغييراً منه لسبب الدعوى لا تملكه المحكمة من تلقاء نفسها و إكتفى برفض الدعوى يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 1504 لسنة 47 جلسة 1983/03/17 س 34 ع 1 ص 707 ق 149)
15- يشترط لتطبيق القرينة المنصوص عليها فى المادة 917 من القانون المدنى أن يكون المورث فى تصرفه لوارث قد إحتفظ بحيازة العين المبيعة وإحتفظ بحقه فى الإنتفاع بها وأن يكون إحتفاظه بالأمرين معا طيلة حياته إلا أن ذلك لا يحول دون حق المحكمة المقرر بالمادة 101 من قانون الأثبات فى إستنباط القرائن القضائية التى لم يقررها القانون وأن تستند إليها فى إثبات ما يجوز إثباته بشهادة الشهود . لما كان ذلك وكان تصرف المورث تصرفا صوريا يخفى وصية أفتئاتا منه على قواعد الميراث المقررة بالقانون إضراراً بوارث أخر يعتبر من الغير بالنسبة لهذا التصرف فيجوز له إثبات صوريته وأنه فى حقيقته وصية بجميع طرق الأثبات ومنها شهادة الشهود والقرائن القضائية ، وكان الحكم المطعون فيه قد إستنبط من أقوال شاهدى المطعون ضدهن أن تصرف مورثهن إلى القاصر المشمول بوصاية الطاعنة وهو عقد البيع المؤرخ 1967/9/15 عقد غير منجز ولم يدفع له ثمن و ينطوى على تصرف مضاف إلى ما بعد الموت وكانت هذه القرينة القضائية التى إستنبطها الحكم قد أحاطت بعناصر الوصية من كونها تبرعا غير منجز و مضافاً إلى ما بعد الموت فإنها تكون كافية لحمل قضائه دون ما حاجة إلى القرينة القانونية المنصوص عليها فى المادة 917 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 419 لسنة 42 جلسة 1983/02/27 س 34 ع 1 ص 555 ق 123)
16- مفاد نص المادة 1/244 من القانون المدنى أن لدائنى المتعاقدين والخلف الخاص متى كانوا حسنى النية أن يتمسكوا بالعقد الصورى كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الطرق صورية العقد الذى أضر بهم أما المتعاقدين فلا يجوز لهم إثبات ما يخالف ما إشتمل عليه العقد المكتوب إلا بالكتابة ولما كان الطعن على عقد البيع أنه يستر وصية هو طعن بالصورية للنسبية بطريق التستر ومتى كان العقد الظاهر المطعون عليه بهذه الصورية مكتوباً فإنه لا يجوز لأى من عاقديه أن يثبت هذه الصورية إلا بالكتابة وذلك عملاً بنص المادة 1/61 من قانون الإثبات ولا يصح قياس هذه الحالة على حالة الوارث الذى يجوز له إثبات طعنه على العقد بأنه يخفى وصية بجميع الطرق كما يجوز له الإستفادة من القرينة المقررة لصالحه بالمادة 917 من القانون المدنى عند توافر شروطها ذلك أن الوارث لا يستمد حقه فى الطعن فى هذه الحالة من المورث وإنما من القانون مباشرة على أساس أن التصرف قد صدر إضراراً بحقه فى الإرث فيكون تحايلاً على القانون .
(الطعن رقم 731 لسنة 49 جلسة 1982/06/27 س 33 ع 2 ص 838 ق 151)
17- إذا كان البين من مدونات حكم محكمة أول درجة الذى أيده الحكم المطعون فيه و أخذ بأسبابه ، أنه أقام قضاءه على أن - الواهبة - إحتفاظ المتصرفة بالعين محل النزاع و الإنتفاع بها مدى حياتها - إن صح - إنما كان موكولاً أمره لمشيئة المتصرف إليهما بصفتها وكيلة عنهما و ليس بصفتها مالكة ، فلم تكن المتصرفة تستند فى شأنه إلى مركز قانونى يخولها هذا الحق و من ثم فإن تلك الواقعة لا تصلح لإعمال قرينة المادة 917 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 826 لسنة 47 جلسة 1981/03/03 س 32 ع 1 ص 743 ق 140)
18- الاستئناف - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ينقل الدعوى إلى المحكمة الإستئنافية لتنظرها وفقاً لما تقضي به المادة 233 من قانون المرافعات لا على أساس ما كان مقدماً فيها من أدلة ودفوع وأوجه دفاع أمام محكمة أول درجة فحسب، بل أيضاً على أساس ما يطرح منها عليها ويكون قد فات الطرفان إبداءه أمام محكمة أول درجة، ولما كان الطاعنون قد تمسكوا أمام محكمة الاستئناف بقرينة المادة 917 من القانون المدني وطلبوا إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذا الدفاع الجوهري فإن الحكم إذ التفت عن تحقيقه - استناداً إلى عدم تحدي الطاعنين به أمام محكمة أول درجة - فإنه يكون مشوباً بالقصور والفساد فى الاستدلال.
(الطعن رقم 855 لسنة 45 جلسة 1978/11/28 س 29 ع 2 ص 1781 ق 343)
19- إذ كان الطاعنون قد طعنوا فى النزاع الحالي على التصرف بأنه يخفي وصية فلا ينفذ إلا فى حدود ثلث التركة، فإنهم وهم يطعنون بذلك إنما يستعملون حقاً خاصاً بهم مصدره القانون لاحقاً تلقوه عن المورث، ومن ثم يكون الحكم الصادر ضد المورث بصحة التصرف كبيع حجة عليهم، لأن الوارث يعتبر فى حكم الغير فيما يختص بالتصرفات الصادرة من مورثه إلى وارث آخر إضراراً بحقه فى الميراث.
(الطعن رقم 855 لسنة 45 جلسة 1978/11/28 س 29 ع 2 ص 1781 ق 343)
20- إذ كان الحكم المطعون فيه قدر التركة بموافقة الورثة - و بغير نفى من الطاعنين - بمبلغ 8100 جنيه و قيمة العقار الموصى به 6000 جنيه و كانت هذه الوصية تنفذ قانوناً بقدر الثلث من التركة كلها أى فى 2700 جنيه و الباقى من قيمة العقار وهو 3300 جنيه لا تنفذ الوصية فيه إلا بإجازة الورثة كنص المادة 37 من القانون رقم 71 لسنة 1946 ، وإذ كان المطعون عليهم قد أجازوا الوصية فيما يجاوز الثلث و كان نصيب المطعون عليهم الأربعة الأول ومجموع ذلك 1466.666 جنيهاً وهو ما يمثل حصة قدرها 16 سهماً و 16 قيراطاً من 24 قيراط شيوعاً فى العقار الموصى به فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف ذلك بإحتساب النصيب الميراثى للمطعون عليهم منسوباً إلى باقى التركة وقدرها 5400 جنيه بعد إستنزال 2700 جنيه قيمة الوصية النافذة قانوناً وقضى بصحة العقد فى حصة من العقار قدرها 9,5/3 و 20 قيراط من 24 ط يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 377 لسنة 46 جلسة 1978/05/25 س 29 ع 1 ص 1337 ق 260)
21- تنص المادة 917 من القانون المدنى على قرينة قانونية قوامها إجتماع شرطين : أولهما : إحتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها ، ثانياً : إحتفاظه بحق الإنتفاع على أن يكون الإحتفاظ بالأمرين مدى الحياة ، ومؤدى هذه القرينة - على ما هو ظاهر من نص المادة - إعتبار التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت فتسرى عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك . ولما كان تحقيق القرينة المذكورة بشرطيها وجواز التدليل على عكسها من أمور الواقع الذى تستقل به محكمة الموضوع وكان الطاعنون لم يتمسكوا بالقرينة المستمدة من المادة 917 من القانون المدنى ولم يطرحوا الواقع الذى تقوم عليه أمام محكمة الموضوع فأنه لا يجوز لهم التحدى بهذه القرينة لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 394 لسنة 44 جلسة 1978/03/14 س 29 ع 1 ص 735 ق 144)
22- إذ كانت محكمة الموضوع قد إنتهت فى حدود سلطتها التقديرية إلى أن التصرف الصادر من المورث إلى بعض الطاعنين لم يكن منجزا أو أنه يخفى وصية للأسباب السائغة التى أوردتها و منها الحكم الصادر فى الدعوى رقم 81 لسنة 11 ق المنصورة والذى قضى بإعتبار العقد الصادر من المورث إلى فريق من الطاعنين هو فى حقيقته وصية فإنه لا يكون لتسجيل العقد حال حياة البائع أى أثر فى تصحيح التصرف أونقل الملكية لأن التسجيل لا يصحح عقدا باطلا ولا يحول دون الطعن فيه بأنه يخفى وصية .
(الطعن رقم 382 لسنة 44 جلسة 1977/12/13 س 28 ع 2 ص1774 ق 304)
23- إذ كان من حق الطاعن التمسك بالطعن على عقد البيع موضوع الدعوى بأنه يخفى وصية بعدما دفع الدعوى بجهالة توقيع مورثته على هذا العقد ، ثم ببطلانه لصدوره من المورثة وهى معدومة الإرادة ، ودون أن يوصف بأنه متخبط فى دفاعه ، بل أن ما أبداه من أوجه دفاع متفق مع ترتيبها المنطقى ، وكان الطاعن قد ساق لتدعيم دفاعه الأخير عدداً من القرائن التى تسانده ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل تحقيق هذا الدفاع يكون مشوباً بالقصور .
(الطعن رقم 309 لسنة 42 جلسة 1976/04/22 س 27 ع 1 ص 1007 ق 191)
24- أفادت المادة 917 من القانون المدنى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن القرينة التى تضمنتها لا تقوم إلا بإجتماع شرطين أولهما هو إحتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها ، وثانيهما إحتفاظه بحقه فى الإنتفاع بها على أن يكون ذلك كله مدى حياته ، ولقاضى الموضوع سلطة التحقق من توافر هذين الشرطين للتعرف على حقيقة العقد المتنازع عليه و التحرى عن قصد المتصرف من تصرفه ، وذلك فى ضوء ظروف الدعوى التى أحاطت به ما دام قد برر قوله فى ذلك بما يؤدى إليه ، ولا يجوز التحدى بعدم توافر هذين الشرطين أو أحداهما إستناداً إلى ما جاء فى صياغة العقد بشأنه ، لأن جدية العقد بوصفه عقد بيع هى بذاتها موضوع الطعن عليه .
(الطعن رقم 109 لسنة 38 جلسة 1973/04/10 س 24 ع 2 ص 577 ق 102)
25- الدفع ببطلان عقد البيع على أساس أنه يستر وصية وإن وصف بأنه دفع بالبطلان إلا أنه فى حقيقته وبحسب المقصود منه وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة إنما هو دفع بصورية هذا العقد صورية نسبية بطريق التسترلايسقط بالتقادم لأن ما يطلبه المتمسك بهذا الدفع إنما هو تحديد طبيعة التصرف الذى قصده العاقدان وترتيب الآثار القانونية التى يجب أن تترتب على النية الحقيقية لهما وإعتبار العقد الظاهرلاوجود له وهذه حالة واقعية قائمة ومستمرة لا تزول بالتقادم فلا يمكن لذلك أن ينقلب العقد الصورى صحيحاً مهما طال الزمن .
(الطعن رقم 109 لسنة 38 جلسة 1973/04/10 س 24 ع 2 ص 577 ق 102)
26- مفاد نص المادة 917 من القانون المدنى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن القرينة التى تضمنتها لا تقوم إلا بإجتماع شرطين أولهما إحتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها ، وثانيهما إحتفاظه بحقه فى الإنتفاع بها على أن يكون إحتفاظه بالأمرين مدى حياته ، ولقاضى الموضوع سلطة التحقق من توافر هذين الشرطين للتعرف على حقيقة العقد المتنازع عليه ، والتحرى عن قصد المتصرف من تصرفه ، وذلك فى ضوء ظروف الدعوى التى أحاطت به ما دام قد برر قوله فى هذا الخصوص بما يؤدى إليه . وإذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه قضى بإعتبار التصرف محل النزاع مضافاً إلى ما بعد الموت وقصد به الإحتيال على قواعد الإرث ، وتسرى عليه أحكام الوصية بناء على ما إستخلصه من أقوال الشهود ومن الظروف التى أحاطت بالتصرف من أن المورث لم يقبض الثمن المسمى فى العقد وأنه إحتفظ بحق الإنتفاع لنفسه بالأرض موضوع التصرف طوال حياته ، ولم يقم الطاعنان بزراعة الأرض و إستغلالها إلا باعتبارهما مستأجرين و نائبين عن والدهما وكان من شأن هذه الأدلة أن تبرر النتيجة التى إنتهى إليها الحكم من أن نية الطرفين قد إنصرفت إلى الوصية لا إلى البيع المنجز ، فإن النعى على الحكم - بالخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 8 لسنة 38 جلسة 1973/02/17 س 24 ع 1 ص 265 ق 47)
27- إذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى بأدلة سائغة إلى رفض الادعاء بالتزوير ، وإلى أن العقد صدر صحيحاً من المورث ، وهو فى حالة شيخوخة ، و لم يكن فى حالة مرضية لا تسمح له بإصداره عن رضاء صحيح ، واستخلص الحكم من نصوص العقد وملابساته أن نية المورث اتجهت إلى أن ينقل الملكية إلى بناته بعد أن يحصل إيجار السنة الزراعية التى أصدر فيها العقد ، وأن تصرفه إن لم يكن بيعا فإنه يكون هبة منجزة استوفت الشكل القانونى ، وهو استخلاص سائغ يتضمن الرد على ما وجه إلى هذا العقد فى دفاع الطاعن من أنه وصية مضافة إلى ما بعد الموت ، وكان لا يؤثر فى ذلك أن يكون مشروطا فى العقد بأجيل التسليم إلى نهاية السنة الزراعية أو نقص الثمن المسمى بالعقد عن القيمة الحقيقية ، كما لا يؤثر فيه حديث الحكم عن هبة من المورث لولده الطاعن فى تصرف سابق لا دليل على حصوله لأنه تزيد يستقيم بدونه قضاء الحكم ، فأنه لا يكون إذا قضى بصحة العقد باعتباره عقد بيع حقيقى أو هبة يسترها عقد بيع - قد أخطأ فى الأسناد أو شابه قصور فى التسبيب.
(الطعن رقم 244 لسنة 36 جلسة 1973/01/11 س 24 ع 1 ص 62 ق 13)
28- ما ورد بالمادة 917 من القانون المدنى ، لا يعدو أن يكون تقريرا لقيام قرينة قانونية لصالح الوراث تعفيه من إثبات طعنه على تصرفات مورثه التى أضرت به بأنها فى حقيقتها وصية ، إلا أنه لما كان لهذا الوارث أن يطعن على مثل هذا التصرف بكافة طرق الإثبات ، لما هو مقرر من أنه لا يستمد حقه فى الطعن فى هذه الحالة من المورث و إنما من القانون مباشرة ، على أساس أن التصرف قد صدر إضرارا بحقه فى الإرث الذى تتعلق أحكامه بالنظام العام ، فيكون تحايلا على القانون ، فإنه يكون للوراث عند عدم توافر شروط القرينة القانونية الواردة بالمادة 917 من القانون المدنى، أن يدلل بكافة طرق الإثبات ، على احتفاظ المورث بحيازة العين التى تصرف فيها كقرينة من القرائن القضائية يتوصل بها إلى إثبات مدعاه بأن المورث قصد أن يكون تمليك المتصرف إليه مضافا إلى ما بعد الموت ، وبذلك لم يتخل له عن الحيازة التى يتخلى له عنها لو كان التصرف منجزا ، والقاضى بعد ذلك حر فى أن يأخذ بهذه القرينة أو لا يأخذ بها ، شأنها فى ذلك شأن سائر القرائن القضائية التى تخضع لمطلق تقديره .
(الطعن رقم 369 لسنة 36 جلسة 1971/03/11 س 22 ع 1 ص 289 ق 46)
29- متى كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضائه على أن مفاد نص المادة 917 من القانون المدنى أن القرينة القانونية المنصوص عليها فيها لا تقوم إلا بإجتماع شرطين الأول هو إحتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها وبالتالى إحتفاظه بحقه فى الإنتفاع بهذه العين على أن يكون الإحتفاظ بالأمرين مدى الحياة ولا يكفى لقيام هذه القرينة أن ينتفع المتصرف بالعين إنتفاعا فعليا حتى وفاته دون أن يكون مستندا فى هذا الإنتفاع إلى مركز قانونى يخوله حقا فى هذا الإنتفاع فإن الحكم لا يكون فيما قرره قد خالف القانون وذلك أنه وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض إن كان وضع يد المشترى على العين المبيعة يصح إعتباره قرينة على إنجاز التصرف فإنه ليس شرطا لازما فيه إذ قد يكون التصرف منجزا مع إستمرار حيازة البائع للعين المبيعة لسبب من الأسباب التى لا تتنافى مع إنجاز التصرف .
(الطعن رقم 277 لسنة 36 جلسة 1970/12/31 س 21 ع 3 ص 1328 ق 217)
30- وإن كان صحيحاً أن القرينة التي نصت عليها المادة 917 من القانون المدني لا تقوم إلا باجتماع شرطين : هما احتفاظ المتصرف بحيازة العين التي تصرف فيها واحتفاظه بحقه فى الانتفاع بها مدى حياته إلا أن خلو العقد من النص عليهما الا يمنع قاضي الموضوع ؛ إذا تمسك الورثة الذين أضر بهم التصرف بتوافر هذين الشرطين رغم عدم النص عليهما فى العقد ؛ من استعمال سلطته فى التحقيق من توافرهما للوقوف على حقيقة العقد المتنازع عليه و قصد المتصرف من تصرفه و ذلك فى ضوء ظروف الدعوى و ملابستها غير متقيد فى ذلك بما ورد فى العقد من نصوص صريحة دالة على تنجيزه لأن للوارث أن يثبت بطرق الإثبات كافة مخالفة هذه النصوص للواقع متى كان قد طعن فى العقد بأنه يخفي وصية احتيالا على أحكام الإرث .
(الطعن رقم 294 لسنة 34 جلسة 1968/04/18 س 19 ع 2 ص 801 ق 116)
31- لقاضى الموضوع سلطة التعرف على حقيقة العقد والتحرى عن قصد المتصرف من تصرفه فى ضوء ظروف الدعوى ما دام قد برر قوله فى ذلك بما يحمله ويؤدى إليه . فإذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه باعتبار أن العقد موضوع النزاع يخفى وصية بعد أن استظهر فى أسباب سائغة قيام الشرطين اللذين تستلزمهما القرينة القانونية المستفادة من نص المادة 917 من القانون المدنى وإنتهى إلى أن التصرف موضوع النزاع ساتر لوصية مرتكناً فى ذلك إلى ما اطمئن إليه من أقوال الشهود إلى قرائن أخرى باعتبارها أدلة متساندة تؤدى فى مجموعها إلى ما انتهى إليه من أن العقد يخفى وصية ، فإن مؤدى ذلك من الحكم عدم تنجيز التصرف .
(الطعن رقم 164 لسنة 32 جلسة 1967/12/19 س 18 ع 4 ص 1885 ق 286)
32- لا تؤول ملكية رقبة العين الموقوفة - بعد إلغاء الوقف طبقاً للقانون رقم 180 لسنة 1952 - إلى المستحق عن الواقف الذى أصدر الإقرار بتلقى العوض ، لأنه لم يكن يملك هذا المال حتى ينقله إلى غيره وإنما تؤول ملكية المال إلى المقر بإجازة من القانون . وعلى ذلك فإذا كان التصرف المقصود بالمادة 917 من القانون المدنى الذى يعتبر مضافاً إلى ما بعد الموت و يأخذ حكم الوصية إذا إحتفظ المتصرف بحيازة العين التى تصرف فيها و بحقه فى الإنتفاع بها مدى حياته هو تصرف الشخص لأحد ورثته تصرفاً يرد على ملكية العين أوعلى حق عينى فيها ، فإن إقرار الواقف بتلقى العوض لا ينصب إلا على تلقى العوض وبالتالى فلا يخضع لحكم المادة 917 من القانون المدنى سالفة الذكر .
(الطعن رقم 266 لسنة 27 جلسة 1963/02/21 س 14 ع 1 ص 270 ق 40)
33 - لما كان قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 ينص على أن الوصية لا تنفذ من غير إجازة الورثة إلا في حدود ثلث تركة الموصي بعد سداد جميع ديونه ولم يتعرض هذا القانون صراحة للوقت الذى تقوم فيه التركة ويتحدد ثلثها ، إلا أن الراجح في مذهب أبى حنيفة أن يكون تقدير الثلث الذى تخرج منه الوصية بقيمته وقت القسمة والقبض لأنه هو وقت استقرار الملك وتنفيذ الوصية وإعطاء كل ذي حق حقه ولا يكون هناك غبن على أي واحد من الورثة أو الموصي له فيها بعطاء ورتبوا على ذلك أن كل ما يحدث في الفترة ما بين وفاة الموصي والقسمة من نقص في قيمة التركة أو هلاك في بعض أعيانها يكون على الورثة والموصي له ، وكل زيادة تطرأ على التركة في هذه الفترة تكون للجميع ، مما يوجب على المحكمة إذا وصفت العقد بأنه وصية أن تستظهر عناصر التركة وتقدر صافي قيمتها ومقدار الثلث الذي يجوز فيه الإيصاء بغير إجازة ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى باعتبار العقد مثار النزاع وصية لا تنفذ إلا في حدود الثلث دون أن يستظهر عناصر تركة المورث ويقدر صافي قيمتها للوقوف على ما إذا كان القدر الموصى به – العقار موضوع العقد سالف البيان – يدخل في حدود ثلث التركة كلها من عدمه ، فإنه يكون فضلاً عن قصوره قد أخطأ في تطبيق القانون ، بما يوجب نقضه ، على أن يكون مع النقض الإحالة ، ودون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن .
(الطعن رقم 2812 لسنة 84 ق - جلسة 5 / 2 / 2023 )
تنص المادة 917 مدني على ما يأتي :
"إذا تصرف شخص لأحد ورثته، واحتفظ بأي طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته، اعتبر التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية، ما لم يقم دليل يخالف ذلك".
وهنا نرى أن تصرف المورث لم يصدر في مرض موته، بل صدر وهو في صحته ولكن المورث لم يطلق التصرف، بل قيده بأن احتفظ لنفسه بشيئين : حيازة العين وحقه في الانتفاع بها مدى حياته فإذا باع المورث مثلاً داراً لأحد ورثته، واحتفظ بحيازته للدار ويحق الانتفاع بها مدى حياته، اقترب هذا التصرف كثيراً من الوصية صحيح أن التصرف لم يصدر في مرض الموت، ولكن احتفاظ المورث بحيازة الدار وبالانتفاع بها طول حياته، بحيث لا ينتفع الوارث بالدار، بل ولا يحوزها، إلا عند موت المورث، كل هذا من شأنه أن يجعل الوارث في منزلة الموصى له لا في منزلة المشتري، فالموصي له هو أيضاً لا يحوز العين الموصي بها، ولا ينتفع بها، إلا عند موت المورث.
وقد عرض هذا النص لتصرف المورث " لأحد ورثته "، لأن التصرف للوارث كان هو الغالب عندما كانت الوصية غير جائزة له فإذا تصرف المورث لغير الوارث بأن باع مثلاً له دار واحتفظ بحيازتها وبحق الانتفاع بها طول حياته، ألا يجوز في هذا الفرض إعمال القرينة القانونية التي وردت في النص واعتبار التصرف وصية حتى يقوم الدليل على العكس؟ لا شك في أن هناك ظروفاً تدفع المورث إلى الإيصاء لغير الوارث بأكثر من ثلث التركة، كما لو كان ورثته من غير الأقربين وكانت علاقة قوية تربطه بأجنبي يؤثر معها أن يوصي له بكل ماله أو بأكثره، فيلجأ في هذه الحالة إلى الوصية المستترة ونرى أن الاحتفاظ بحيازة العين وبحق الانتفاع مدى الحياة، في التصرف لغير الوارث، إذا لم يصلح قرينة القانونية على أن التصرف وصية مستترة مطاوعة لحرفية النص، فلا أقل من اعتباره قرينة قضائية وسواء اعتبر قرينة قانونية أو قرينة قضائية، فهو في الحالتين يقبل إثبات العكس.
وقد جعل النص مع احتفاظ المورث في تصرفه بحيازة العين بأية طريقة كانت وبحقه في الانتفاع بها مدى الحياة قرينة قانونية على أن التصرف وصية مستترة ويحتفظ المورث بحيازة العين وبالانتفاع بها مدى الحياة بطرق مختلفة والطريقة المألوفة هي أن يشترط لنفسه في عقد بيع يصدر منه حق الانتفاع بالعين المبيعة مدى الحياة، مع منع المشتري من التصرف في الرقبة، وبذلك يبقى حائزاً للعين باعتباره منتفعاً لا مالكاً، ويبقى حائزاً لها مدى حياته، دون حاجة إلى تتبع حقه في الانتفاع في يد الغير بفضل شرط المنع من التصرف في الرقة ويصح، للاحتفاظ بحيازة العين المبيعة وبالانتفاع بها مدى الحياة، أن يلجأ إلى طريقة أخرى وإن كانت غير مألوفة، وذلك بأن يستأجر العين مدى حياته من المشتري، بأجرة يحصل على مخالصة بها دون أن يدفع شيئاً وقد علمنا عند الكلام في عقد الإيجار أن الإيجار لمدة حياة المستأجر جائز، وأن الإيجار صحيح حتى لو نزل المؤجر عن الأجرة بعد أن ثبتت له في ذمة المستأجر، فأولى أن يكون صحيحاً لو أعطى المؤجر للمستأجر مخالصة بالأجرة المستحقة عن مدة الإيجار بأكملها، ويتمكن المورث بهذه الطريقة من أن يستبقى حيازة العين في يده وأن ينتفع بالعين مدى حياته، وذلك بموجب عقد الإيجار أما مجرد الانتفاع الفعلي الذي لا يستند إلى حق قانوني فلا يكفي لقيام القرينة القانونية، إذ لا يكون زمام الانتفاع بالعين في هذه الحالة في يد المتصرف، بل يكون موكولاً إلى مشيئة المتصرف إليه، فيستطيع أن ينتزع الانتفاع من يد المتصرف متى أراد .
والاحتفاظ بحيازة العين وبالانتفاع بها مدى الحياة، وإن قام قرينة قانونية على أن التصرف وصية مستترة، ليس بالقرينة القاطعة بل يجوز لمن تصرف له المورث أن يدحض هذه القرينة بإثبات العكس، ولو عن طريق تقديم قرائن قضائية مضادة. فيصح أن يثبت المشترى من المورث أن التصرف الصادر له هو بيع منجز أو هبة منجزة مستترة في صورة البيع، وليس بوصية مضافة إلى ما بعد الموت، وذلك بأن يثبت مثلاً أن البيع قد سجل وقد نقل له التكليف، وأن البائع قد نزل عن شرط المنع من التصرف، وأن احتفاظ البائع بالحيازة يرجع إلى أن المشتري قاصر وقد باشر البائع الحيازة نيابة عنه باعتباره ولياً، وأن احتفاظ البائع بمنفعة العين مدى حياته يقابله إنقاص الثمن بما يتناسب مع هذه المنفعة.
فاذا دحض من تصرف له المورث القرينة القانونية بإثبات عكسها على النحو سالف الذكر، فإن التصرف لا يعتبر وصية مستترة ولا تسرى عليه أحكام الوصية، بل يعتبر بيعاً منجزاً أو هبة منجزة وتسري عليه أحكام البيع أو الهبة، واذا لم يستطع من تصرفات له المورث دحض القرينة بإثبات العكس، وهذا هو الغالب في العمل، بقيت القرينة قائمة واعتبر التصرف وصية مستترة تسري عليها أحكام" الوصية، ومن ثم لا تنفذ في حق الورثة فيما يجاوز ثلث التركة إلا إذا أجازوها، ولا تسری في حق دائني التركة أصلاً بل يقدم حق الدائن على حق الموصى له ويجوز للموصى في حال حياته أن يعدل عن الوصية فتسقط بالعدول عنها، وكذلك تسقط اذا مات الموصى له قبل موت الموصي.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع، المجلد/ الأول، الصفحة/ 299)
تضمنت المادة 915 أحكام الوصية الساترة، بينما جاءت المادة 916 بقرينة مفادها أن التصرف المبرم في مرض موت المتصرف يعتبر وصية مستترة، أما أن كان التصرف صادراً في حال صحة التصرف فقد تضمن نص المادة 917 قرينة قانونية بسيطة مؤداها أن المورث إذا تصرف في عقار أو منقول واحتفظ لنفسه بحيازته لحساب نفسه وبالحق في الانتفاع به مدى حياته اعتبر التصرف وصية مستورة في هذا التصرف وسرت عليه أحكام الوصية فلا ينفذ فيما يجاوز ثلث التركة إلا بإجازة الورثة، سواء كان التصرف لوارث أو لغير وارث، كما يجوز الرجوع فيها.
كانت الوصية، قبل صدور القانون المدني الحالي وقانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 تخضع للشريعة الإسلامية والأرجح الأراء في المذهب الحنفي، وبالتالي كانت الوصية قاصرة على غير الوارث، فلم تكن جائزة للوارث إلا بإجازة جميع الورثة، وعند إعداد مشروع القانون المدني، التزم واضعوه بتلك القواعد عند صياغة المادة 917 - المادة 1351 من المشروع - وقد صدر قانون الوصية قبل إقرار القانون المدني وأجاز الوصية لوارث أو لغير وارث، وكان يتعين تصحيح تلك الصياغة على هذا النحو، ورغم إغفال ذلك، فإن حكم المادة 917 من القانون المدني يسري على التصرف الصادر لوارث أو لغير وارث بالنسبة لتكييف التصرف واعتباره ساتراً لوصية، وإخضاعه بالتالي لأحكامها، فلا ينفذ إلا في حدود ثلث التركة، أما فيما يتعلق بإثبات صورية التصرف وأنه في حقيقته وصية، فإن هذا الإثبات تحكمه القرينة التي تضمنتها المادة 917 من القانون المدني إذا كان التصرف لوارث وتضمن تحايلاً على قواعد الإرث، وبذلك يستفيد الوارث الذي يطعن في التصرف بالقرينة القانونية التي قررتها تلك المادة
فإن كان التصرف لغير وارث، فإن الوارث الذي يطعن فيه بالصورية، لا يستفيد من القرينة القانونية سالفة البيان، وإنما يلجأ إلى القرائن القضائية لإثبات تلك الصورية، فيثبت أن المورث ظل محتفظاً بالعين وبحقه في الانتفاع بها حتى وفاته، وحينئذ تخضع تلك القرينة لتقدير المحكمة، فيجوز لها الأخذ بها أو طرحها دون معقب عليها، خلافاً للقرينة القانونية التي تلتزم بها المحكمة متى توافرت عناصرها.
القرينة أما أن تكون قانونية أي يتضمنها نص في القانون، وأما أن تكون قضائية يستخلصها قاضي الموضوع من ملابسات النزاع، والقرائن غالباً ما تكون بسيطة أي قابلة لإثبات العكس ومثلها القرينة الواردة بالمادة 917 أما القرائن القاطعة فتلك قرائن قانونية دلل بها المشرع على حكم معين لا يجوز إثبات ما يخالفه مثل الإعلان القضائي إذا استوفى أوضاعه المقررة فهو قرينة قانونية قاطعة على علم المعلن إليه.
وإذا ما توافرت القرينة باثبات المتمسك بها لعناصرها، أدى ذلك إلى اعفائه من إثبات ما تدل عليه القرينة وانتقل إلى خصمه عبء إثبات ما يخالف ما دلت عليه القرينة، مثال ذلك، أن يطعن الوارث في تصرف مورثه بأنه يستر وصية ويتمسك بالقرينة القانونية الواردة بالمادة 917 وحينئذ يتعين عليه إثبات عناصر تلك القرينة المحددة بتلك المادة، فثبت أن مورثه احتفظ بحيازة العين التي تصرف فيها كما احتفظ بحقه في الانتفاع بها على حياته، ومتى تمكن من هذا الأثبات، أصبح التصرف بالنسبة له ساتراً لوصية ولا يكلف بإثبات ذلك لأن القرينة هي التي دلت على حقيقة التصرف، ولما كانت هذه القرينة بسيطة، كان للمتصرف إليه أن يثبت ما يخالفها وأن التصرف تم منجزاً وليس مضافاً إلى ما بعد الموت، فأن تمكن من ذلك تعين القضاء برفض الدعوى، على ما تضمنه البند التالي.
وللوارث إن عجز عن الثبات القرينة أو وجد صعوبة في ذلك، أن يستند إلى القرائن القضائية وحينئذ يتحمل عبء الإثبات كاملاً، فيثبت القرائن القضائية التي تدل على حقيقة التصرف، فالقرينة القضائية دليل على صحة الأمر الذي يتمسك به من تشهد له.
يدل على أن التصرف يعتبر صحيحاً مرتباً لآثاره القانونية إلى أن يقوم الدليل على أن المتصرف إحتفظ بحيازة العين التي تصرف فيها وحقه في الانتفاع بها مدى حياته، وحينئذ يرتد التصرف إلى حقيقته ويخضع لأحكام الوصية، كما لو كان وصية سافرة، استناداً إلى قرينة قانونية تضمنتها تلك المادة، وهي قرينة بسيطة يجوز للمتصرف إليه إقامة الدليل على ما يخالفها، فيثبت قيامه بالوفاء بالثمن إذا كان التصرف بيعاً وأن حيازة البائع ليست حيازة أصلية وإنما حيازة عرضية کمستأجر أو مستعير أو حتى منتفع، وتفصل المحكمة في هذا الدفاع استناداً إلى ما انصرف إليه قصد المتصرف، فإن تبين لها إنصراف هذا القصد إلى البيع قضت برفض الإدعاء بالصورية، وإن تبين لها انصراف هذا القصد إلى الإيصاء، قضت باعتبار التصرف وصية.
ومتی رفع الوارث دعوى الصورية استناداً لتلك المادة، وجب عليه إقامة الدليل على توافر عنصری القرينة المتمثلين في احتفاظ المورث بحيازة العين والانتفاع بها مدى حياته فإن أثبت ذلك، اعتبر التصرف وصية، ومن ثم لا يجوز للمحكمة أن تكلف الوارث بإثبات أن التصرف وصية، أي أنه تصرف غير منجز وإنما مضاف إلى ما بعد الموت، وإلا كان قضاؤها مشوباً بمخالفة القانون الذي قصر الإثبات على عنصری القرينة لإستخلاص قرينة بسيطة تدل على أن التصرف ينطوي على وصية، يكون المتصرف إليه إثبات ما يخالفها، وبالتالي يعفى الوارث من إثبات أن المتصرف إليه لم يقم بالوفاء بالثمن إذا كان التصرف بيعاً، كما يعفى من إثبات أن المورث كان يحوز العين لحساب نفسه، وهي أمور كان يجب على الوارث إثباتها إذا كلفته المحكمة بإثبات أن التصرف ينطوي على وصية، بحيث إذا عجز عن إثبات ذلك، فقضت برفض دعواه، كان قضاؤها مشوباً بمخالفة القانون لخروجه عن قواعد الإثبات.
لكن إذا كلفت المحكمة الوارث بإثبات أن التصرف ينطوي على وصية وكانت ترمي بذلك إلى إثبات عناصر قرينة المادة 917 من القانون المدني، وتمكن الوارث من إثباتها فقضت بإعتبار التصرف وصية، فلا يجوز النعي على قضائها بما تضمنه الحكم التمهيدي.
تضمنت المادة 917 من القانون المدني، قرينة قانونية بسيطة تدل على أن التصرف في حقيقته وصية، وتطلبت تلك المادة توافر شرطين لقيام هذه القرينة بحيث إذا تخلفاً أو تخالف أحدهما، إنتفت القرينة القانونية، وهذا لا يؤدي وحده إلى نفي صورية التصرف، إذ يجوز للوارث الذي يتمسك بتلك الصورية، إذا عجز إثبات شرطي القرينة القانونية، أن يلجأ إلى القرائن القضائية لإثبات الصورية بإثبات أن البيع غير منجز ولم يدفع له ثمن ومضاف إلى ما بعد الموت، وهو ما يكفي لاعتبار التصرف وصية.
الشرط الأول : حيازة العين مدى الحياة :
يشترط لقيام القرينة التي نصت عليها المادة 917 سالفة الذكر، أن يحتفظ المتصرف بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها مدى حياته، وأن تكون حيازته لها حيازة أصلية لحساب نفسه، ولا يشترط أن تكون حيازة مادية بوضع يده بنفسه على العين، وإنما تكفي الحيازة القانونية بعنصرها المعنوى ولو كانت الحيازة المادية للغير كالمستأجر باعتبار أن حيازة الأخير للعين هي حيازة عارضة لحساب المتصرف، ولا ينفى هذا الشرط إذا كانت الحيازة المادية للمتصرف إليه، طالما كانت لحساب المتصرف، فقد تستند الحيازة المادية للمتصرف إليه، إلى سبب عارض كعقد إيجار أو عقد عارية استعمال، إذ العبرة دائماً في إستخلاص حقيقة التصرف هو بما اتجه إليه قصد المتصرف من تصرفه في ضوء ظروف الدعوى.
فإذا تخلى المتصرف عن حيازة العين بتسليمها للمتصرف إليه، قامت قرينة قانونية على أن الأخير، طالما كانت له الحيازة المادية، هو صاحب الحيازة القانونية عملاً بالمادة 963 من القانون المدني. وبالتالي يتخلف شرط قرينة المادة 917 من ذات القانون، فيعتبر التصرف منجزاً إلى أن يقيم الورثة الدليل على أن حيازة المتصرف إليه كانت لحساب مورثهم.
وقد تكون الحيازة مشتركة بين المتصرف والمتصرف إليه، كسكني الدار أو زراعة الحقل، وحينئذ يتعين على المحكمة التعرف على قصد المتصرف من تصرفه في ضوء ظروف الدعوى، فقد تكون الحيازة القانونية بعنصريها المادي والمعنوي للمتصرف، فيتوافر شرط القرينة، وقد تكون للمتصرف إليه فينتفى هذا الشرط ويكون التصرف منجزاً.
الشرط الثاني : الانتفاع بالعين مدى الحياة :
يجب لتحقق قرينة المادة 917 من القانون المدني، أن يظل المتصرف منتفعاً بالعين التي تصرف فيها مدى حياته، وأن يستند في ذلك إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه، وتستخلص المحكمة توافر هذا الحق بتوافر شرطي تلك القرينة، باعتبار أن الوصية، سواء كانت سافرة أو مستترة، هي تصرف مضاف إلى ما بعد الموت مما يحول دون المتصرف إليه ومطالبة الموصى بتنفيذ الوصية بنقل ملكية الشيء الموصى به إليه وإلا كان مصير هذا الطلب هو الرفض، وبذلك يكون المؤمن مستنداً في انتفاعه بالعين إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه، ذلك أن التصرف إذا كان ساتراً لوصية، وتوافر شرطاً القرينة، فإنه يرتد إلى حقيقته ويعتبر وصية ويخضع لكافة أحكامها، ومنها أن المتصرف حال انتفاعه بالعين كان يستند إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه عندما كان المتصرف على قيد الحياة وظل هذا الحق ثابتاً له حتى الموت، فكان في مركز قانونی قرته له أحكام الوصية، باعتباره موصياً تظل له ملكية العين الموصى بها حتى مماته، ويترتب على ذلك أن انتفاعه بها يكون لحساب نفسه، سواء إنتفع بها بنفسه أو بواسطة غيره حتى لو كان المنتفع هو المتصرف إليه، أو كان إنتفاعهما مشاركة، إذ العبرة بما قصد إليه المنصرف، فيعتبر الانتفاع ثابتاً للأخير وحده، في معنى المادة 917، إذا كان قصده قد إنصرف إلى عدم تنجيز تصرفه وتعليقه إلى ما بعد موته.
وطالما ظل المورث منتفعاً بالعين مدى حياته، فإنه يفترض أنه كان يستند في ذلك إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه دون حاجة إلى معرفة هذا الحق، وبالتالي لا يكلف الورثة بإثبات هذا الحق إكتفاء بإثباتهم أن مورثهم انتفع بالعين مدى حياته، وحينئذ يكون انتفاع المورث مستمداً من حق تقرير له كأصيل وليس حقاً مستمداً من المتصرف إليه، لأنه في الحالة الأخيرة كان يجوز للمتصرف إليه حرمان المورث من انتفاعه بالعين إذا أخل بالتزاماته المتعلقة بهذا الإنتفاع، فقد كان في هذه الحالة مستأجراً للعين من المتصرف إليه أو مستعيراً لها أو كان يستند في إنتفاعه إلى تصرف آخر صادر من المتصرف إليه يلزم بكافة بنوده بحيث إذا أخل بأي منها حرم من الإنتفاع إذا ما طلب المتصرف إليه فسخ العقد، وحتی ثبت هذا الحق للأخير، فإن التصرف الصادر له من المورث يكون منجزاً وجدياً وليس صورياً مضافاً إلى ما بعد الموت، وهو ما يتفق معه الشرط الثاني من شروط القرينة.
ومتى أثبت الورثة إنتفاع مورثهم بالعين مدى حياته، دل ذلك على أن هذا الإنتفاع كان يستند إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه، ما لم يثبت الأخير أن هذا الإنتفاع كان مستمداً منه هو بموجب عقد إيجار أو عارية إستعمال أو بموجب تصرف آخر صادر منه للمورث، وحينئذ ينتفي الشرط الثاني من شروط القرينة، ويكون التصرف الصادر من المورث غير صوری وغير مضاف إلى ما بعد الموت، مما يتعين معه رفض الدعوى.
خلاصة ما تقدم أن الورثة لا يكلفون إلا بإثبات أن مورثهم كان يحوز العين مدى حياته وأنه ظل ينتفع بها مدى حياته، وحينئذ تقوم القرينة على أن التصرف الصادر منه كان مضافاً إلى ما بعد موته وتسرى عليه أحكام الوصية.
فيكفى لقيام القرينة أن ينفع التصرف بالعين فعلاً لحساب نفسه وأن يستمر هذا الإنتفاع حتى وفاته، إذ تقوم قرينة في هذه الحالة على أن انتفاعه كان مستنداً إلى مركز قانوني وإلى حتى ما كان للمتصرف إليه تجريده منه ولو لم يتضمن العقد ما يفيد ذلك.
القرينة الدالة على ستر التصرف لوصية، غیر متعلقة بالنظام العام فلا تتصدى لها المحكمة من تلقاء نفسها، وإنما يجب أن يتمسك بها الوارث الذي يطعن بصورية التصرف بطريق التستر، ويجب أن يكون ذلك على نحو جازم يقرع به سمع المحكمة، فلا يكفي أن يسرق بعض التقريرات القانونية كما لو قرر أن الثمن المسمى في العقد يقل كثيراً عن قيمة العقار وأن المورث كان يضع اليد عليه حتى وفاته.
وإذا تمسك الوارث بالصورية استناداً إلى المادة 917 من القانون المدني، كما تمسك بصدور التصرف في مرض موت المورث، وتبين للمحكمة عدم توافر شرطي القرينة، التزمت بالتصدي للدفع المستند لمرض الموت.
وإذا دفع الوارث بالجهالة بالنسبة لتوقيع مورثه على العقد، فلا يحول ذلك دون تمسكه بالصورية استناداً للمادة 917 من القانون المدني.
ولما كان التمسك بالقرينة يتعلق بالحق الذي تضمنه التصرف، وبالتالي يجوز التمسك به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام الاستئناف دون حاجة للتمسك بها في صحيفته، لكن لا يجوز التمسك بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لتعلقه بواقع يجب طرحه على محكمة الموضوع
الفيصل في اعتبار التصرف ساتراً لوصية أم منجزاً، هو القصد الذي اتجهت إليه نية المتصرف فكانت إرادته، فإذا انصرفت إرادته إلى التبرع بالشيء وإرجاء التنفيذ إلى بعد موته، كان التصرف وصية، وله حينئذ صياغتها في الشكل الذي يتطلبه هم القانون لها فتكون سافرة، فتتطابق إرادته الباطنة مع إرادته الظاهرة.
وقد يصوغها في الشكل الذي يتطلبه القانون في عقد من العقود، فتكون مستترة في هذا العقد، فلا تتطابق إرادته الباطنة مع إرادته الظاهرة، فيكون العقد الظاهر صوريا صورية نسبية بطريق التستر، وفي الحالتين، حالة الوصية السافرة وحالة الوصية المستترة، نكون بصدد وصية تخضع لأحكام قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 ويطبق مباشرة على الوصية المسافرة، ولا يطبق على الوصية المستترة إلا بعد إثبات أن العقد يستر وصية.
ومن الأمثلة على الوقائع التي لا تنفي القرينة :
1- تسليم العقد للمتصرف إليه :
لا يقطع تسليم العقد للمتصرف إليه في أن العقد حقیقی ومنجز، بحيث إذا طعن الورثة فيه بالصورية النسبية بطريق التستر، فإن المحكمة لا تعتبر العقد منجزاً لمجرد وجوده مع المتصرف إليه، وإنما يجب عليها أن تستخلص قصد المتصرف على نحو ما تقدم، فإن تبين لها انصراف هذا القصد إلى إضافة التمليك إلى ما بعد الموت، قضت باعتباره وصية، أما إن تبين لها إنصراف القصد إلى التمليك المنجز، رفضت الطعن بالصورية.
2- تسجيل العقد :
المقرر وفقاً لقواعد الشهر، أن ملكية العقار تنتقل بتسجيل العقد، فيصبح المتصرف إليه مالكاً ويلتزم المتصرف بتسليمه العقار إن لم يكن قد سلمه من قبل فيظهر المتصرف إليه بمظهر المالك متى كان التصرف منجزاً فإن كان غير منجز وأن الملكية بموجبه تضاف إلى ما بعد الموت، فإن تسجيله لا ينقلها للمتصرف إليه وإنما يكون نقل الملكية معلقاً على موت المتصرف، وبالتالي فان تسجيل العقد لا يقطع بتنجيز التصرف و بانتفاء قصد الإيصاء، إلا إذا استخلصت المحكمة ذلك من وقائع الدعوى وما قدم من مستندات دون اعتداد بتسجيل العقد.
3 – العجز عن أداء الثمن :
تنحصر قرينة المادة 917 من القانون المدني، في إعفاء الوارث من إثبات أن حقيقة العقد الذي أبرمه مورته، وصية متى أثبت شرطي القرينة، أما فيما عدا ذلك، فأن الوارث يخضع لما كان يخضع له مورثه متعلقاً بالإثبات، وبالتالي إذا تمسك الوارث، للتدليل على أن عقد البيع يستر وصية، بعجز المشتري عن أداء الثمن المسمى في العقد وأن ثمناً لم يدفع، فأن الوارث يقع عليه عبء إثبات ذلك وفقاً للقواعد العامة، وهو ما كان يخضع له مورثه إذا أراد التمسك بذلك قبل وفاته، وبالتالي لا يجوز للمحكمة أن تستند إلى هذا الدفاع لاستخلاص قصد الإيصاء، وإنما يتعين عليها الالتزام بما تضمنه العقد متعلقاً بالوفاء بالثمن طالما لم يقم الدليل على عدم الوفاء بالثمن، وإنما تستخلص قصد المتصرف من وقائع الدعوى ومستندتها.
يحدد نص المادة 917 نطاق القرينة القانونية الواردة به، فينحصر هذا النطاق على الوارث الذي يطعن في التصرف الصادر من مورثه لوارث آخر، ومن ثم يخرج من هذا النطاق التصرف الصادر من المورث إلى غير وارث، وفي هذه الحالة لا يجوز للوارث أن يطعن في هذا التصرف استناداً لنص المادة 917 وإنما استناداً لأحكام الوصية وبأنها تصرف مضاف إلى ما بعد الموت ويتحمل بذلك عبء إثبات حقيقة التصرف وله أن يستند إلى القرائن القضائية ومنها احتفاظ المورث بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته ويكون للوارث إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً ومنها القرائن.
كما يجوز للوارث الذي يطعن في التصرف بأنه يخفي وصية، أن يثبت دعواه بكافة تلك الطرق ومنها القرائن القضائية إذا أخفق في إثبات شرطی قرينة المادة 917 من القانون المدني، وحينئذ يثبت بهذه الطرق حقيقة التصرف وأنه يخفي وصية إذ قصد بالتصرف الاحتيال على القانون لحرمانه من حقه في الإرث وهو ما يجيز له الإثبات بكافة الطرق.
كذلك، لا يجوز للمتصرف أن يهدر التصرف الصادر منه، لوارث أو لغير وارث، استناداً لنص المادة 917 قولاً منه بأن حقيقته وصية، ذلك أن هذا النص،وضع لحماية الوارث، ولم يقصد به إهدار التصرفات لمجرد قول المتصرف بسترها الوصية، فيتحمل المتصرف عبء إثبات حقيقة التصرف، ويخضع في ذلك للقواعد العامة في الإثبات، فيجب الإثبات بالكتابة فيما يخالف الثابت بالكتابة أو ما يجاوز نصاب البينة ما لم يوجد ما يقوم مقام الكتابة كالإقرار أو إذا وجد مانع أدبي حال دون الحصول على دليل كتابي وفي الحالة الأخيرة يجوز للمتصرف اللجوء للقرائن القضائية لإثبات حقيقة التصرف ذلك أن المقرر قانوناً أنه لا يجوز اللجوء إلى القرائن إلا في الحالة التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود.
وبالتالي فإن المورث يخضع في إثبات حقيقة التصرف الصادر منه للقواعد العامة، سواء كان صادراً لوارث أو لغير وارث، وحينئذ يعتبر التصرف صحيحاً حسبما تضمنه العقد الظاهر حتى يثبت المورث - قبل وفاته - أن هذا العقد صوری ويخفي وصية، وذلك بتقديم ورقة الضد المتمثلة في العقد الحقيقي المستتر الذي من شأنه أن يجعل حق المورث في الانتفاع بالشيء يستند إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه، وبالتالي تظل الحيازة والانتفاع ثابتة للمورث حتى موته، خلافاً لما إذا كان التصرف منجزاً، إذ يستطيع المتصرف إليه حينئذ أن ينزع الشيء من المورت وحرمانه من الانتفاع به، فإن لم يفعل وظلت الحيازة والانتفاع للمورث حتى موته، فإن ذلك لا يكون مستنداً إلى حق يحول دون المتصرف إليه وحرمانه من هذا الانتفاع، إذ كان يجوز للأخير حرمان المورث من ذلك استناداً لتنجيز تصرفه، وبالتالي لا يجوز للورثة التمسك بالقرينة إذ لا يكفي الانتفاع الفعلى .
يدل نص المادة 917 من القانون المدني، أن نطاق القرينة التي تضمنها هذا تابوشرم والنص، ينحصر في التصرف الوارد على ما يملكه المورث، فإن كان الشيء محل النزاع غير مملوك للمورث، فلا يجوز الطعن في التصرف استناداً لهذه المادة.
وأن كانت المادة 917 تقصر القرينة التي تضمنتها على التصرف الصادر من المورث إلى أحد ورثته، فإن مفاد ذلك، أن التصرف إذا كان صادراً لغير وارث، فلا إعمال لتلك القرينة، وإنما يلتزم الوارث الذي يطعن في التصرف بأنه يستر وصية، أن يثبت حقيقة التصرف بكافة الطرق المقررة قانوناً ومنها القرائن، لما تضمنه التصرف من احتيال على القانون وإضرار بحقه في الميراث، وهو ما يجيز الإثبات على هذا النحو.
فإن كان الحفيد صاحب الوصية الواجبة غير وارث، وتصرف له جده في عقار، وطعن أحد الورثة في التصرف بأنه يستر وصية، فإنه لا يستفيد من قرينة المادة 917 ويتعين عليه إثبات حقيقة التصرف بكافة طرق الإثبات ومنها البينة والقرائن.
تقررت قرينة المادة 917 من القانون المدني لمصلحة الوارث لمواجهة التحايل على القانون ضد حقه الميراثي، وبالتالي لا يجوز لدائن المورث أن يتمسك بتلك القرينة في إثبات أن التصرف الصادر من مدينة المورث يستر وصية، ولما كانت الصورية النسبية بطريق التستر تتوافر في التصرف الذي يستر وصية، وكان من حق الدائن التمسك بهذه الصورية، ومن ثم يجوز له ذلك، على أن يثبت تلك الصورية بكافة الطرق المقررة قانوناً ومنها البينة والقرائن، فيقيم الدليل على أن مدينه ظل حائزاً للشيء ومنتفعاً به حتى موته وأن المتصرف إليه يعجز عن دفع الثمن المسمى بالعقد.
الأصل أن إثبات صورية التصرف فيما لبين المتعاقدين وورثتهم لا تكون إلا طبقاً للقواعد العامة، فلا يجوز لهم إثبات صورية العقد الثابت بالكتابة بغير الكتابة، فالوارث لا يعتبر في حكم الغير بالنسبة للتصرف الصادر من المورث إلى وارث آخر إلا إذا كان طعنه على هذا التصرف هو أنه وإن كان في ظاهره بيعاً منجزاً إلا أنه في حقيقته يخفي وصية اضراراً بحقه في الميراث أو أنه صدر في مرض موت المورث فيعتبر إن ذاك في حكم الوصية لأنه في هاتين الصورتين يستمد الوارث حقه من القانون مباشرة حماية له من تصرفات مورثه التي قصد بها الاحتيال على قواعد الإرث التي تعتبر من النظام العام، أما إذا كان مبنى الطعن في العقد أنه صوري صورية مطلقة وأن علة تلك الصورية هي الاحتيال على قواعد الإرث، فإن حق الوارث في الطعن في التصرف في هذه الحالة إنما يستمده من مورثه لا من القانون، ومن ثم لا يجوز له إثبات طعنه إلا بما كان يجوز لمورثه من طرق الأثبات طالما لم يتمسك الطاعن بأن هذا التصرف فيه مساس بحقه في الميراث وأنه يستر وصية.
فإذا تم التحايل على القانون أضراراً بأحد المتعاقدين، جاز له ولورثته من بعده إثبات العقد الحقيقي المستتر بكافة طرق الإثبات، أما أن كان التحايل تم اضراراً بغير المتعاقدين فلا يجوز لأيهما إثبات العقد الحقيقي إلا وفقاً للقواعد العامة، فقد يثبت بعقد البيع ثمناً أكبر من الثمن الحقيقي لمنع شفعة فيكون التحايل هنا اضرار بالشفيع أي بغير المتعاقدين وحينئذ لا يجوز للمتعاقد إثبات حقيقة الثمن إلا وفقاً للقواعد العامة، ومتى ادعى المتعاقد أن تحايلاً تم اضراراً به، فإن المحكمة لا تمكنه من الإثبات بكافة الطرق إلا عندما توجد قرائن قوية على احتمال وقوعه وأن يتضمن هذا التحايل مساساً بالنظام العام.
الدعوى التي يرفعها الوارث بالطعن في التصرف الصادر من مورثه إضراراً بحقه في الميراث احتيالاً على قانون الميراث، هي في حقيقتها دعوى صورية يسعى الوارث بموجبها إلى تقرير صورية هذا التصرف صورية نسبية بطريق التستر، إذ تم ستر التصرف الحقيقي وهو الوصية بتصرف صوري و غیر حقیقی وهو عقد البيع أو أي تصرف أخر يخفى الوصية.
فإذا تحقق هذا القصد من الدعوى التي رفعها الوارث، اعتبرت دعوی صورية، فإذا كان قد رفعها وكيفها بأنها دعوى ببطلان التصرف الصادر من مورثه، وجب على المحكمة طرح هذا التكييف وإسباغ الوصف الصحيح عليها، وإخضاعها بالتالي للنصوص القانونية التي تنتظمها دون النصوص التي تتعلق بالتكييف الخاطيء، مثال ذلك، أن دعوى إبطال العقد تسقط إذا لم يتمسك صاحب الحق به خلال ثلاث سنوات، بينما لا تسقط دعوى الصورية بالتقادم، وبالتالي إذا رفعت الدعوى على أنها دعوى إبطال وتمسك المدعى عليه بسقوطها بالتقادم الثلاثى، وجب على المحكمة أن تكيفها بأنها دعوى صورية لا يرد عليها التقادم وتقضي برفض الدفع.
أن المحكمة لا تتقيد بالتكييف الذي أعطاه المدعى لدعواه، وأنها تسيغ عليها التكييف الصحيح باعتبارها دعوی بصورية العقد صورية نسبية بطريق التستر، فإذا كانت عناصر الدعوى كافية للقضاء وفقا لهذا التكييف، بأن كانت قيمة الوصية ثابتة وكذلك قيمة التركة وقت تنفيذ الوصية، وكانت قيمة الوصية لا تتجاوز ثلث قيمة التركة قضت باعتبار التصرف وصية نافذة، وهي بذلك لا تصدى لمسألة من مسائل الأحوال الشخصية التي تتطلب تدخل النيابة العامة وجوباً في الدعوى، وإنما تتصدى لنزاع يخضع للقانون المدني لا يتطلب هذا التدخل.
أما إن لم تكن عناصر الدعوى متوافرة، وجب على المحكمة، وقد كيفت الدعوى بأنها دعوی صورية نسبية بطريق التستر، وخلصت إلى اعتبار التصرف وصية ننفذ في حدود ثلث التركة دون إجازة من الورثة، وجب عليها ندب خبير التقدير قيمة التركة، بعد سداد الديون، وبيان ما إذا كانت الوصية في حدود الثلث، وهذا قضاء قطعی حسم النزاع فيما يتعلق بحقيقة التصرف، وعملاً بالمادة 212 من قانون المرافعات يجوز الطعن فيه على استقلال، وهذا القضاء يستند للمادة 917 من القانون المدني وليس لقانون الوصية، وبالتالي لا تتدخل النيابة العامة في الدعوى، سواء عند صدور الحكم التمهيدي أو عند صدور الحكم في الموضوع بعد أن يودع الخبير تقريره.
إذا أثبت الوارث حيازة مورثه للعين التي تصرف فيها وبانتفاعه بها على حياته، قامت قرينة بسيطة على اعتبار التصرف وصية، وانتقل عبء إثبات ما يخالفها إلى المتصرف إليه، وله ذلك بكافة طرق الإثبات، فإن تمكن من ذلك بأثبات أن التصرف هو بيع منجز أو هبة منجزة وليس تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت، بأن يثبت أنه قام بالوفاء بالثمن أو أن الهبة قد نفذت فور انعقادها وما حيازة المورث للعين إلا بصفته نائباً وليس مالكاً، في هذه الحالة يقضي برفض إدعاء الوارث.
أما إن عجز المتصرف إليه عن اثبات ما يخالف القرينة، اعتبر التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت وسرت عليه أحكام الوصية، فلا ينفذ في حق الورثة إلا في حدود ثلث التركة إلا إذا صارت منهم اجازة له، سواء كانت صريحة أو ضمنية والعبرة بالاجازة هي التي تصدر بعد وفاة المورث إذ أن صفة الوارث التي يعتد بها في الاجازة إنما تثبت بعد وفاة المورث، مفاد ذلك أن توقيع الورثة على التصرف السائر للوصية كشهود لا يعتبر اجازة له، فيرجع إلى حقيقته باعتباره وصية، سواء ظل عرفياً أم كان قد سجل لأن التسجيل لا يطهر التصرفات مما يكون قد اعتراها من شوائب.
فلا يقضى ببطلان التصرف الظاهر، البيع أو الهبة، إنما بنفاذه إذا كان في حدود ثلث التركة، فإن تجاوز الثلث قضى بنفاذه في هذا الحد، ويحسن أن تندب المحكمة، إذا ما خلصت إلى اعتبار التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت، خبيراً لبيان قيمة التصرف بالنسبة لأعيان التركة ويكون التقدير على أساس القيمة وقت القسمة والقبض بعد سداد جميع ديون التركة، إذا تنص المادة الرابعة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 على أن الوصايا تنفذ بعد سداد الدين، وما يبقى۔ بعد ذلك يقسم على الورثة. فان كان التصرف صادراً لوارث، وقضى باعتباره وصية، فأن هذا الوارث يستحق الشيء الموصى به في حدود ثلث التركة، ثم يقسم الثلثان على جميع الورثة بمن فيهم الوارث الموصى له.
الهبة والوصية، تبرع، ولكنهما يختلفان من حيث وقت تنفيذ كل منهما، فالهبة تصرف منجز يوجب تسليم الموهوب فور انعقادها، سواء كانت سافرة مستترة في تصرف آخر إستوفی أركاته، كعقد بيع تضمن ثمناً، وإن كانت سافرة وجب أن تكون ثابتة في محرر رسمي وإلا كانت باطلة ما لم يتم تنفيذها إختباراً بمعرفة الواهب أو ورثته حتى لو تعلقت بعقار، أما أن كانت مستترة فلا تلزم الرسمية.
والوصية، وإن كانت تبرعاً إلا أن تنفيذها مضاف إلى ما بعد الموت، سواء كانت سافرة أو مستترة.
فالهبة والوصية قد يسترهما تصرف آخر، كعقد بيع، وحينئذ لا يلزم توافر الشكل المقرر لكل منهما، كما أن الهبة قد تستر وصية، فقد توثق هبة عقار ومع ذلك يظل الواهب حائزاً للعقار ومنتفعاً به حتى وفاته، فتعتبر الهبة والوصية عملاً بالمادة 917 من القانون المدني، باعتبار أن الهبة في هذه الحالة تصرف مضاف إلى ما بعد الموت، فإن تحررت الهبة في غير الشكل الرسمي، كانت باطلة ولا يجوز أن تستر وصية، ولكن يصح أن يكون المحرر وصية سافرة إذا كان مصدقاً على التوقيع فيه أو محرراً كله بخط الموصي وعليه توقيعه وكان التنفيذ مضافاً إلى ما بعد الموت، فأن لم يتوفر ذلك في المحرر، فلا يعتبر وصية ويبطل كهية مالم يتم تنفيذها اختياراً بتسليم الشيء الموهوب، وحينئذ تكون الهبة منجزة، ولا يعتبر المحرر وصية لعدم إرجاء تنفيذه إلى ما بعد الموت.
الوصية، تبرع مضاف التمليك فيه إلى ما بعد موت الموصي، فإن تضمنت مقابلاً، انتفى التبرع المحض، فلا يكون التصرف وصية، وإذا أوصى شخص لآخر بموجب وصية مستترة مقابل أن يحرره الموصى له للموصي وصية مماثلة على أن يستحق من يبقى منهما على قيد الحياة تركة من يموت منهما، فإن التصرفين ينتفي عنهما وصف الوصية، ويستندان إلى الإحتمال وتحقق الخطر، مما يبطلهما ويحول هذا البطلان دون تنفيذهما، وبالتالي فإن تركة من يموت أولاً منهما تنتقل إلى ورثته ولا تنتقل إلى المتعاقد الآخر.
الوصية، تبرع مضاف التمليك فيه إلى ما بعد موت الموصي، سواء كانت الوصية سافرة أو مستترة في تصرف آخر، بينما عقد البيع والهبة من التصرفات المنجزة التي ينتقل الملك بموجبها منذ إبرامها، ولا ينال من تنجیزها وجوب شهرها إذا وردت على عقار، لكن إذا إنصراف قصد المتصرف إلى إرجاء التمليك إلى ما بعد موته، فأن التصرف يكون ساتراً لوصية، أما إذا انصراف قصده إلى التنجيز، فإن التصرف، إذا كان تبرعاً، يكون هبة مستترة في هذا التصرف، وحينئذ يتعين على المحكمة أن ترفض طلب الورثة المتعلق بصورية التصرف صورية نسبية بطريق التستر استناداً لأحكام الوصية، وتفضي في الموضوع بصحة التصرف باعتباره هبة يسترها عقد بيع، ومن تلقاء نفسها وفقاً للحق المقرر لها بتكييف الدعوى وإعطائها وصفها الصحيح والقضاء فيها على هذا الأساس ولا تكون بذلك قد غيرت سببها.
وإستخلاص قصد المتصرف من تنجيز التصرف أو إضافته إلى ما بعد الموت، من مسائل الواقع التي تستقل بتقديره محكمة الموضوع مستنده في ذلك إلى وقائع الدعوى والأدلة المقدمة فيها والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما خلصت إليه، ولا تعتد في ذلك بما تضمنه التصرف من بنود تفيد التنجيز أو من إقرار للمورث يفيد إضافة التمليك إلى ما بعد موته، ذلك أن الورثة يحتجون بهذا الإقرار عندما يكونون خلفاً عاماً للمورث، أما إن كانوا خلفاً خاصاً، فلا يحاجون به « أنظر نقض 26 / 2 / 1970 فيما يلي أو من إنتفاع المورث بالعين فقد يكون لحساب المتصرف إليه، فكل تصرف منجز بصدر حال صحة المتصرف يكون صحيحاً ونافذاً حتى لو قصد المتصرف حرمان ورثته أو بعضهم من أمواله لأن التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت موته، أما ما يكون قد تصرف فيه حال حياته فلا حق للورثة فيه.
قد يرد تصرف المورث على أحد عنصری حق الملكية، وهما حق الرقبة وحق الإنتفاع، فإذا باع المورث حق الرقبة واحتفظ لنفسه بحق الانتفاع، فقد يكون هذا البيع منجزاً، وقد يكون مضافاً إلى ما بعد موته حسبما يبين من قصده، وإذ تنص المادة 993 من القانون المدني على أن ينتهي حق الانتفاع بانقضاء الأجل المعين أو بموت المنتفع، فإن لم يحدد أجل أنتهی حق الانتفاع بموت المنتفع وعاد هذا الحق لمالك الرقبة، أما إذا عين أجل وانتهي قبل وفاة المتصرف، ثم قام الأخير يبيع حق الانتفاع لمن اشترى منه حق الرقبة، فإن البيع بشقيه، الرقبة والانتفاع، يجوز أن يكون منجزاً أو مضافاً إلى ما بعد الموت حسبما يبين من قصد المتصرف الذي تستخلصه المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها وأدلتها.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني عشر، الصفحة/ 257)
يشترط لتوافر القرينة المنصوص عليها بالمادة 917 مدنی توافر الشروط الآتية:
1- أن يكون التصرف صادراً إلى أحد الورثة، والعبرة في تحديد صفة الوارث بوقت وفاة المتصرف لأن هذه الصفة لا تتحدد إلا بوفاة المتصرف.
فلا عبرة إذن بمن كان سيثبت له حق الإرث إذا توفي المورث وقت التصرف.
2- أن يحتفظ المتصرف بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها:
ويلاحظ أن المادة لم تشترط أن يكون المتصرف قد منع المتصرف إليه من التصرف في العين، بل هي تكتفي بأن يظل المتصرف محتفظاً بالعين.
والحيازة المقصودة هنا هي الحيازة المادية التي تقوم على الركن المادي للحيازة.
وهي واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق كأن يقام الدليل على أن المتصرف كان يستعمل العين بنفسه أو يقوم بتأجيرها باسمه.
ويجب أن يكون للمتصرف حق حيازة العين إما بموجب بند في التصرف أو اتفاق مستقل عنه مع المتصرف إليه أما مجرد احتفاظ المتصرف فعلاً بحيازة العين حتى لو انتفع بها طوال حياته دون الاستناد إلى حق يستطيع التمسك به في مواجهة المتصرف إليه، فلا يكفى لقيام القرينة القانونية.
ويجب أن يستمر الاحتفاظ بالحيازة مدى حياة المتصرف.
3- أن يحتفظ المتصرف بحقه في الانتفاع بالعين مدى حياته.
ويعتبر هذا الشرط مكملاً للشرط الثاني، لأن الغرض من الاحتفاظ بحيازة العين هو الانتفاع بها.
ويستوي أن يكون هذا الانتفاع بمقتضى حق عيني بأن يكون التصرف قاصراً على ملكية الرقبة ويحتفظ المتصرف بحق الانتفاع، أو يكون بمقتضى حق شخصي بأن يكون التصرف شاملاً للملكية التامة ولكن المتصرف إليه يعير العين للمتصرف أو يؤجرها له مدى حياته إنما يشترط في جميع الأحوال أن يكون للمتصرف حق في الانتفاع بناء على اتفاق بين الطرفين.
أما إذا احتفظ المتصرف لنفسه بحق الانتفاع بالعين المتصرف فيها مدة معينة وكان المتوقع بحسب المجرى العادي للأمور أن يعيش المتصرف بعد انقضاء هذه المدة، فلا يكفي ذلك لقيام القرينة ولو مات المتصرف قبل انتظار هذه المدة.
ويجب أن يكون المتصرف هو نفسه الذي ظل منتفعا بالعين طوال حياته.
يقع عبء إثبات توافر الشروط الثلاثة اللازمة لتوافر القرينة المنصوص عليها بالمادة 917 مدني على من يتمسك بهذه القرينة، سواء كان وارثاً أو دائناً للتركة.
وله إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود والقرائن القضائية.
ولا ينال من وجود هذه القرينة عدم ذكر الشرطين الثاني والثالث من شروطها بالعقد، لأن جدية العقد بوصفه عقد بيع هي بذاتها موضوع الطعن عليه.
ويخضع توافر شروط هذه القرينة من عدمه لسلطة محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة النقض متى كان استخلاصها سائغاً.
أما إذا تخلفت شروط أي من القرينتين سالفتي الذكر أو كليهما، كان للوارث أن يثبت بكافة طرق الإثبات أن القصد الحقيقي للمورث هو الإيصاء وإضافة التصرف إلى ما بعد الموت.
القرينة المنصوص عليها بالمادة 917 مدني لا تتعلق بالنظام العام، ومن ثم لايجوز للمحكمة التصدي لها من تلقاء نفسها، ويجب التمسك بها من صاحب المصلحة.
يجوز للوارث - دون التمسك بالقرينة المنصوص عليها بالمادة 917 مدني - أن يثبت بكافة طرق الإثبات صورية التصرف الذي أبرمه المورث وأنه يقصد به الإيصاء، لأن تصرف المورث هو تصرف صورى يخفي وصية افتئاتاً منه على قواعد الميراث المقررة بالقانون إضراراً بوارث آخر، يعتبر من الغير بالنسبة لهذا التصرف فما يفعله المورث هو من قبيل الغش والاحتيال على القانون.
ومن القرائن التي يستدل بها على نية التبرع عدم دفع المتصرف إليه ثمناً المبيع أو تنازل البائع عن الثمن في عقد البيع، أو كون حالة المتصرف إليه المالية تعجزه عن دفع الثمن بالرغم من ضآلته بالنسبة لقيمة المبيع. أو مصادقة المشتري على تصرف البائع في المبيع مرة ثانية أو من عدم تسجيل العقد ولكن لا يشترط دائماً لاعتبار العقد تبرعاً ألا يكون مسجلاً، فتسجيل العقد لا يمنع من اعتباره وصية إذا توافرت القرائن على ذلك. كما تستفاد نية التبرع من اتفاق العاقدين على عودة ملكية المبيع إلى البائع إذا توفي المشترى قبله أو بقاء البائع متمتعاً بكافة مظاهر الملكية للأعيان موضوع العقد من تأجيرها باسمه بوصفه مالكاً لها، والتقاضي بشأنها بوصفه مالكاً لها أيضاً ورفع الديون العقارية المطلوبة عليها. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني عشر الصفحة/ 175)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 45
الإْشْهَادُ عَلَى كِتَابَةِ الْوَصِيَّةِ:
37 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ إِنْ كَتَبَ الْمُوصِي وَصِيَّتَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَى الْشُّهُودِ.
وَيَخْتَلِفُونَ إِنْ كَتَبَهَا وَلَمْ يَعْلَمِ الشُّهُودُ بِمَا فِيهَا، سَوَاءٌ أَكَتَبَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا أَمْ كَتَبَهَا فِي غَيْبَةِ الشُّهُودِ، ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَيْهَا.
فَإِنْ كَتَبَهَا مُبْهَمَةً ثُمَّ دَعَا الشُّهُودَ، وَقَالَ: هَذِهِ وَصِيَّتِي فَاشْهَدُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي نَفَاذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمِهِ رَأْيَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَدَمُ النَّفَاذِ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَجُمْهُورُ الأْصْحَابِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو قِلاَبَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ. إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ أَطْلَقَتْ هَذَا الْقَوْلَ، وَبَعْضُهَا قَيَّدَهُ بِمَا إِذَا لَمْ يُعْرَفْ خَطُّ الْكَاتِبِ، وَقَالُوا فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ النَّفَاذِ: إِنَّ الْحُكْمَ لاَ يَجُوزُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِالشَّهَادَةِ بِالإْجْمَاعِ فَكَذَا هُنَا.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الإْشْهَادَ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ بِهِ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَى الشُّهُودِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ الْمَرْوَزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ سَالِمٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ .
فَإِنْ كَتَبَهَا بِحَضْرَتِهِمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَيْهَا، دُونَ عِلْمٍ بِمَا فِيهَا فَإِنَّهَا تَنْفُذُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِذَا أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ إِنْ عُرِفَ خَطُّهُ. وَالْعَمَلُ حِينَئِذٍ بِالْخَطِّ لاَ بِالإْشْهَادِ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى وَمَكْحُولٌ وَاللَّيْثُ وَالأْوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ بِكَتْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم إِلَى عُمَّالِهِ وَأُمَرَائِهِ فِي أَمْرِ وِلاَيَتِهِ وَأَحْكَامِ سُنَنِهِ، ثُمَّ مَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ بَعْدَهُ مِنْ كَتْبِهِمْ إِلَى وُلاَتِهِمُ الأْحْكَامُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أَحْكَامًا فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالأْمْوَالِ، يَبْعَثُونَ بِهَا مَخْتُومَةً لاَ يَعْلَمُ حَامِلُهَا مَا فِيهَا، وَأَمْضَوْهَا عَلَى وُجُوهِهَا. وَذَكَرَ اسْتِخْلاَفَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ ذَلِكَ مَعَ شُهْرَتِهِ فِي عُلَمَاءِ الْعَصْرِ فَكَانَ إِجْمَاعًا.
وَلاَ تَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ كِتَابٌ لاَ يَعْلَمُ الشَّاهِدُ مَا فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ، كَكِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاوثون ، الصفحة / 159
الْمُحَابَاةُ مِنَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِوَارِثِهِ
4 - إِنْ كَانَتِ الْمُحَابَاةُ مِنَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِوَارِثِهِ فَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ إِذَا أَجَازَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْمُحَابَاةُ يَسِيرَةً أَوْ فَاحِشَةً لأِنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، اتَّفَقَ عَلَى هَذَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.
إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُحَابَاةَ لِوَارِثٍ أَوْ لِغَيْرِ وَارِثٍ تَجُوزُ إِذَا كَانَتْ يَسِيرَةً - أَيْ يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ - وَيَحْسَبُ مِنْ جَمِيعِ مَالِ الْمَرِيضِ كَبَيْعِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: تَبْطُلُ الْمُحَابَاةُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ مِنَ الْمَبِيعِ، وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا عَدَا قَدْرَ الْمُحَابَاةِ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: لاَ يَصِحُّ، لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ بَذَلَ الثَّمَنَ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي بَعْضِهِ.
الثَّانِي: يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَيَصِحُّ فِيمَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى بَيْنَهُمَا، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ مَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ، لأِنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلاَ يَنْفُذُ إِلاَّ بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، لأِنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ صَحِيحَةٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ، فَإِنْ أَجَازُوا الْمُحَابَاةَ صَحَّ الْبَيْعُ وَلاَ خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي .
وَإِنْ لَمْ يُجِزْ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الْمُحَابَاةَ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يُخَيَّرُ الْوَارِثُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ بِإِكْمَالِ الثَّمَنِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ، وَيَصِحُّ فِيمَا بَقِيَ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ مَا بَقِيَ بَعْدَ قَدْرِ الْمُحَابَاةِ .
وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ مَنْقُولَةٍ كُلُّهَا عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ:
نَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالْمُحَابَاةُ، وَيَرُدُّ لَهُ مَا دَفَعَ مِنَ الثَّمَنِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ أَنَّهُ تَبْطُلُ الْمُحَابَاةُ فَقَطْ، وَيَكُونُ لِلْوَارِثِ مِنَ الْمَبِيعِ بِقَدْرِ مَا دَفَعَ مِنَ الثَّمَنِ.
وَنُقِلَ عَنْهُ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يُكْمِلَ الثَّمَنَ، وَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْمَبِيعِ جَبْرًا عَلَى الْوَرَثَةِ.
وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنَ الْمُشْتَرِي (الْوَارِثِ) بَقِيَّةَ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمُحَابَاةُ وَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْمَبِيعِ، قَالَ صَاحِبُ الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ: وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَمِيعُ الْمَبِيعِ جَبْرًا عَلَيْهِ.
وَالْعِبْرَةُ فِي قِيمَةِ الْمُحَابَاةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَوْمُ فِعْلِهَا، فَيُنْظَرُ إِلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَوْمَ الْبَيْعِ لاَ يَوْمَ يَمُوتُ الْبَائِعُ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ لِوَارِثٍ أَوْ غَيْرِ وَارِثٍ. وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ، فَيَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ فَإِنَّمَا طَرَأَ ذَلِكَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ لَغْوًا لاَ اعْتِبَارَ لَهُ وَلاَ يَعْتَدُّ بِهِ .
الْمُحَابَاةُ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ
5 - الْمُحَابَاةُ كَمَا تَكُونُ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ تَكُونُ فِي عَيْنِهِ حَتَّى لَوْ تَمَّ بَيْعُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَخْتَارَ الْبَائِعُ الْمَرِيضُ أَفَضْلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ عَقَارٍ أَوْ مَنْقُولٍ، كَتُحْفَةٍ نَادِرَةٍ، فَيَبِيعُهُ لِوَارِثِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ. وَهَذِهِ لاَ تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةِ، لأِنَّ الْمَرِيضَ مَمْنُوعٌ مِنْ إِيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِالْعَيْنِ، لأِنَّ النَّاسَ لَهُمْ أَغْرَاضٌ فِي الْعَيْنِ فَلاَ يَمْلِكُ إِيثَارَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِهَا. وَتَجُوزُ إِنْ كَانَ صَحِيحًا، أَوْ مَرِيضًا وَبَاعَهَا لأِجْنَبِيٍّ .
هـ - مُحَابَاةُ الصَّبِيِّ
6 - الْمُحَابَاةُ سَوَاءٌ كَانَتْ يَسِيرَةً أَمْ فَاحِشَةً لاَ تَجُوزُ مِنَ الصَّبِيِّ حَتَّى وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي التِّجَارَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأِنَّ تَصَرُّفَاتِ الصَّبِيِّ لاَ بُدَّ أَنْ تَتَحَقَّقَ فِيهَا مَصْلَحَتُهُ عِنْدَهُمْ، وَالْمُحَابَاةُ لاَ يَتَحَقَّقُ فِيهَا ذَلِكَ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ - أَيْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ - فِي التِّجَارَةِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ بِاتِّفَاقِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ، لأِنَّ ذَلِكَ مِنَ الأْمُورِ الضَّرُورِيَّةِ لِلتِّجَارَةِ، وَلاَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَيْضًا، لأِنَّهُ هُوَ الآْخَرُ لاَزِمٌ فِي التِّجَارَةِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ الإْذْنِ لَهُ بِالتِّجَارَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: لاَ يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ ذَلِكَ، لأِنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لاَ يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ .
هَذَا مَا إِذَا بَاعَ الصَّبِيُّ لأِجْنَبِيٍّ أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ، فَإِنْ بَاعَ لأِبِيهِ شَيْئًا أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: الْجِوَازُ وَعَدَمُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَإِنْ بَاعَ الصَّبِيُّ لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِ أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلصَّبِيِّ لاَ يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِدُونِ خِلاَفٍ.
وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلصَّبِيِّ وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِمَا مُحَابَاةٌ فَاحِشَةٌ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ نَفْعٍ ظَاهِرٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: لاَ يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ .
و - مُحَابَاةُ النَّائِبِ عَنِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ
7 - لاَ يَمْلِكُ وَلِيُّ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَلاَ وَصِيُّهُ الْمُحَابَاةَ فِي مَالِهِمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُحَابَاةً يَسِيرَةً أَوْ مُحَابَاةً فَاحِشَةً، لأِنَّ الْمُحَابَاةَ تَصَرُّفٌ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَهُوَ أَمْرٌ لاَزِمٌ عَلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ لِلصَّغِيرِ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ أَجَازُوا لِلأْبِ فَقَطْ بَيْعَ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِمُحَابَاةٍ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْبَيْعَ أَوْ بِدُونِ سَبَبٍ، وَذَلِكَ لأِنَّ بَيْعَهُ هَذَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّوَابِ وَالْمَصْلَحَةِ الَّتِي تَفُوقُ الْمُحَابَاةَ .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ عَقْدُهُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ بِالْمُحَابَاةِ الْيَسِيرَةِ، وَلاَ تَجُوزُ بِالْمُحَابَاةِ الْفَاحِشَةِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ الْعَقْدُ مَعَهَا عَلَى الإْجَازَةِ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ، لأِنَّهُ عَقْدٌ لاَ مُجِيزَ لَهُ أَثَنَاءَ التَّعَاقُدِ وَيَكُونُ الْعَقْدُ فِي حَالِ الشِّرَاءِ بِمُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ نَافِذًا عَلَى الْعَاقِدِ النَّائِبِ لاَ عَلَى الصَّغِيرِ .
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الأْبَ إِذَا بَاعَ عَقَارَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِمُحَابَاةٍ يَسِيرَةٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ إِذَا كَانَ الأْبُ مَحْمُودَ السِّيرَةِ مَسْتُورَ الْحَالِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ مُفْسِدًا فَلاَ يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ.
وَالْوَصِيُّ فِي بَيْعِ عَقَارِ الصَّغِيرِ كَالأْبِ الْمُفْسِدِ، وَالْقَاضِي كَالْوَصِيِّ.
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لِلْحَنَفِيَّةِ: إِذَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ يَجُوزُ إِذَا كَانَ خَيْرًا لِلصَّغِيرِ، وَمَعْنَى الْخَيْرِيَّةِ: أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَصَاعِدًا، أَوْ يَبِيعَ لَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةِ فَقَطْ دُونَ أَيِّ زِيَادَةٍ، وَبِهِ يُفْتَى .
وَجَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ بِمُحَابَاةٍ يَسِيرَةٍ لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ - كَابْنِهِ وَأَبِيهِ وَزَوْجَتِهِ - لاَ يَجُوزُ .
ز - مُحَابَاةُ الْوَكِيلِ
8 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بَيْعًا وَشِرَاءً بِغَبْنٍ يَسِيرٍ أَيْ بِمَا يُتَغَابَنُ بِهِ فِي الْعُرْفِ، كَشِرَاءِ مَا يُسَاوِي تِسْعَةً بِعَشَرَةٍ، أَوْ بَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ، إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُوَكِّلُ قَدْ قَدَّرَ قِيمَةَ الْمُثَمَّنِ لِلْوَكِيلِ، وَيَخْتَلِفُ الْعُرْفُ بِاخْتِلاَفِ الأْعْيَانِ مِنَ الأْمْوَالِ فَلاَ تُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ التَّوَقِّي وَالتَّحَرُّزُ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّعَامُلِ عَلَى الْجُمْلَةِ.
أَمَّا الْغَبْنُ الْفَاحِشُ، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ الْوَكِيلُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةٍ مَثَلاً فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَيَغْرَمُ الْوَكِيلُ لِمُوَكِّلِهِ مَا حَابَى بِهِ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْمُوَكِّلُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِجَازَتِهِ إِلاَّ إِذَا نَقَصَ الْمَبِيعُ فِي ثَمَنِهِ أَوْ بَدَنِهِ، فَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ حِينَئِذٍ الأَْكْثَرُ مِنَ الثَّمَنِ أَوِ الْقِيمَةِ .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَقَطْ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ لِمُوَكِّلِهِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَلاَ يَصِحُّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِدُونِ خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ.
وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَقَطْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَصِحُّ بَيْعُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لِمُوَكِّلِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَالْفَرْقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ احْتِمَالُ التُّهْمَةِ فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ، لِجَوَازِ أَنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا ظَهَرَتِ الزِّيَادَةُ الْفَاحِشَةُ فِي الثَّمَنِ جُعِلَ الشِّرَاءُ لِمُوَكِّلِهِ .
وَنَقَلَ الأَْتْقَانِيُّ عَنْ خُوَاهِرْ زَادَهْ: أَنَّ جَوَازَ عَقْدِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ يَكُونُ فِي سِلْعَةٍ يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى مُسَاوَمَةٍ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهَا ثَمَنٌ مَعْرُوفٌ وَمُحَدَّدٌ بَيْنَ النَّاسِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ سِعْرُهَا مَعْلُومًا أَوْ مُحَدَّدًا كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا إِذَا زَادَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ عَلَى ذَلِكَ السِّعْرِ لاَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، سَوَاءٌ قَلَّتِ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ، لأِنَّ هَذَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى رَأْيٍ أَوْ تَقْوِيمٍ، لِلْعِلْمِ بِهِ، قَالَ فِي بُيُوعِ التَّتِمَّةِ: وَبِهِ يُفْتَى .
وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إِذَا بَاعَ لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ يَسِيرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: يَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُمْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لاَ فَاحِشٍ.
وَإِنْ صَرَّحَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَأَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفَ مَعَ مَنْ يَشَاءُ جَازَ بَيْعُهُ لَهُمْ بِدُونِ خِلاَفٍ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى وَإِنْ صَرَّحَ الْمُوَكِّلُ لَهُ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إِذَا اشْتَرَى مِنْهُمْ .
ثَانِيًا: الْفَسْخُ لِلْمُحَابَاةِ :
9 - جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ: الْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ تَصَرُّفٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فِي نَفْسِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَيُفْسَخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ وَالإْقَالَةِ - إِذْ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - فَكَانَتِ الْمُحَابَاةُ مُحْتَمِلَةً لِلْفَسْخِ فِي الْجُمْلَةِ .
ثَالِثًا: الْمُحَابَاةُ فِي الإْجَارَةِ
10 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي إِجَارَةِ الْمَرِيضِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلاَ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ. قَالَ الشُّرُنْبُلاَلِيُّ: مَرِيضٌ أَجَّرَ دَارَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ قَالُوا: جَازَتِ الإْجَارَةُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلاَ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ لأِنَّهُ لَوْ أَعَارَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ جَازَتْ، وَالإْجَارَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْلَى .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَجَّرَ مَرِيضٌ مِلْكَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ مُعْتَبَرٌ مِنَ الثُّلُثِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَجَّرَهُ فِي الصِّحَّةِ فَلاَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مِنَ الثُّلُثِ بَلْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
رَابِعًا: الْمُحَابَاةُ فِي الشُّفْعَةِ
11 - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ إِذَا بَاعَ دَارًا لَهُ مَثَلاً وَحَابَى الْمُشْتَرِيَ: بِأَنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهَا ثَلاَثَةُ آلاَفٍ فَفِيهَا. التَّفْصِيلُ الآْتِي:
إِنْ بَاعَهَا لِوَارِثٍ مِنْ وَرَثَتِهِ وَشَفِيعُهَا غَيْرُ وَارِثٍ فَلاَ شَكَّ أَنَّهُ لاَ شُفْعَةَ أَصْلاً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأِنَّ بَيْعَهَا لِلْوَارِثِ بِدُونِ مُحَابَاةٍ فَاسِدٌ عِنْدَهُ، فَبَيْعُهَا بِالْمُحَابَاةِ أَوْلَى، وَلاَ شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، لَكِنْ يَدْفَعُ الْمُشْتَرِي قَدْرَ الْمُحَابَاةِ، فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ، قَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ: الأْصَحُّ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَإِنْ بَاعَهَا لِغَيْرِ وَارِثٍ، فَكَذَلِكَ لاَ شُفْعَةَ لِلْوَارِثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الدَّارَ بِنَفْسِ الصَّفْقَةِ مَعَ غَيْرِ الْوُرَّاثِ بَعْدَ تَحَوُّلِهَا إِلَيْهِ، أَوْ بِصَفْقَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مُقَدَّرَةٍ بَيْنَهُمَا، فَكَانَ ذَلِكَ بَيْعًا لِلْوَارِثِ بِالْمُحَابَاةِ، وَسَوَاءٌ أَجَازَتِ الْوَرَثَةُ الشُّفْعَةَ أَوْ لَمْ يُجِيزُوا، لأِنَّ الإْجَارَةَ مَحَلُّهَا الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ، وَالشِّرَاءُ وَقَعَ نَافِذًا مِنَ الْمُشْتَرِي، لأِنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ - قَدْرُ الثُّلُثِ، وَهِيَ نَافِذَةٌ فِي الأْلْفَيْنِ مِنَ الثَّلاَثَةِ لِلأْجْنَبِيِّ - غَيْرِ الْوَارِثِ فَانْتَفَتْ إِجَازَةُ الْوَرَثَةِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، فَتَنْتِفِي فِي حَقِّ الشَّفِيعِ أَيْضًا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لاَ شُفْعَةَ لَهُ، وَالثَّانِيَةُ: لَهُ الشُّفْعَةُ .
وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ أَجْنَبِيًّا: غَيْرَ وَارِثٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِأَلْفَيْنِ.
وَإِذَا بَرِئَ الْمَرِيضُ مِنْ مَرَضِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ وَالشَّفِيعُ وَارِثُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ إِلَى وَقْتِ الْبُرْءِ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ، لأِنَّ الْمَرَضَ إِذَا زَالَ وَشُفِيَ مِنْهُ الْمَرِيضُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَالَةِ الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ قَدْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يُطْلِبِ الشُّفْعَةَ حَتَّى بَرَأَ الْمَرِيضُ مِنْ مَرَضِهِ فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَرِيضُ دَارًا وَحَابَى الْبَائِعَ بِأَنِ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ، وَلَهُ سِوَى ذَلِكَ أَلْفٌ أُخْرَى، ثُمَّ مَاتَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ، لأِنَّهُ إِنَّمَا حَابَّاهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ فِي حَقِّ الأْجْنَبِيِّ، فَيَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الرُّهُونِيِّ عَلَى شَرْحِ الزُّرْقَانِيِّ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ جُزْءٌ فِي دَارٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، قِيمَتُهُ ثَلاَثُونَ دِينَارًا، فَيَبِيعُهُ لِرَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَهُوَ مَرِيضٌ؟ قَالَ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، إِذَا مَاتَ الْبَائِعُ وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ الْمُحَابَاةَ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: زِدِ الثَّمَنَ عَشَرَةً أُخْرَى وَخُذِ الدَّارَ، وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مُعَارَضَةُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَلِلشَّفِيعِ - إِنْ كَانَ - أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، وَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ عَشَرَةً وَأَبَتِ الْوَرَثَةُ تَسْلِيمَهُ الدَّارَ كَمَا أَوْصَى الْمَيِّتُ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ: أَعْطُوهُ ثُلُثَ الْجُزْءِ الْمُبَاعِ لَهُ بِدُونِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ بَاعَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ جُزْءًا مِنْ عَقَارٍ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ، وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ، بَطَلَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهِ، لأِنَّهُ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ.
فَإِنِ اخْتَارَ الشَّفِيعُ - وَارِثًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا - أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ بِالأْلْفِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، لأِنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهُ بِأَلْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ الشَّفِيعُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.
وَإِنْ بَاعَ لأِجْنَبِيٍّ وَحَابَاهُ وَالشَّفِيعُ وَارِثٌ، وَاحْتَمَلَ الثُّلُثُ الْمُحَابَاةَ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِي نِصْفِ الشِّقْصِ بِالأْلْفِ ، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَبْقَى النِّصْفُ لِلْمُشْتَرِي بِلاَ ثَمَنٍ، لأِنَّ الْمُحَابَاةَ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ لِلْمُشْتَرِي تَصِحُّ، لأِنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَلاَ تَصِحُّ لِلشَّفِيعِ لأِنَّهُ وَارِثٌ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ وَهَبَ لِلْمُشْتَرِي النِّصْفَ وَبَاعَ لَهُ النِّصْفَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ النِّصْفَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَبْقَى النِّصْفُ لِلْمُشْتَرِي بِدُونِ ثَمَنٍ.
الثَّانِي: يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهِ بِالأْلْفِ وَيَدْفَعُ إِلَى الشَّفِيعِ الْوَارِثِ بِدُونِ مُحَابَاةٍ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي.
الثَّالِثُ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ، لأِنَّ الْمُحَابَاةَ تَعَلَّقَتْ بِالْكُلِّ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ فِي نِصْفِهِ.
الرَّابِعُ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ، لأِنَّ إِثْبَاتَ الشُّفْعَةِ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ الْمَبِيعِ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ.
الْخَامِسُ: - وَهُوَ الصَّحِيحُ - يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِالأْلْفِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْجَمِيعَ بِالأْلْفِ ، لأِنَّ الْمُحَابَاةَ وَقَعَتْ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ، وَالْمُشْتَرِي أَجْنَبِيٌّ، فَصَحَّتِ الْمُحَابَاةُ لَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةً عَلَى مُحَابَاةِ الْوَارِثِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، لأِنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْغَايَاتِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ الشِّقْصِ - النَّصِيبِ - وَالْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ أَجْنَبِيَّانِ - غَيْرُ وَارِثَيْنِ - وَلَمْ يُجِزِ الْوَارِثُ الْبَيْعَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي ثُلُثَيِ الشِّقْصِ فَقَطْ بِثُلُثَيِ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ.
أَمَّا إِذَا مَلَكَ الْبَائِعُ الْمَرِيضُ غَيْرَ هَذَا الشِّقْصِ - السَّهْمِ وَالنَّصِيبِ - وَاحْتَمَلَ الثُّلُثُ الْمُحَابَاةَ، وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْبَيْعَ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِكُلِّ الثَّمَنِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ بَيْعَ الْمَرِيضِ بِالْمُحَابَاةِ لاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِوَارِثٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ لِوَارِثٍ بَطَلَتِ الْمُحَابَاةُ لأِنَّ هَا فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ لاَ تَجُوزُ، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ مِنَ الْمَبِيعِ، وَهَلْ يَصِحُّ فِيمَا عَدَاهُ؟ عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: لاَ يَصِحُّ لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ بَذَلَ الثَّمَنَ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَصِحَّ فِي بَيْعِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ، فَقَالَ: قَبِلْتُ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ، أَوْ قَالَ: قَبِلْتُهُ بِخَمْسَةٍ، أَوْ قَالَ: قَبِلْتُ نِصْفَهُ بِخَمْسَةٍ، وَلأِنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تُوَاجَبَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَيَصِحُّ فِيمَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الأْخْذِ وَالْفَسْخِ لأِنَّ الصِّفَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ، وَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ مَا صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ لأِنَّ الْبُطْلاَنَ إِنَّمَا جَاءَ مِنَ الْمُحَابَاةِ فَاخْتَصَّ بِمَا يُقَابِلُهَا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ لأِنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ صَحِيحَةٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ لَهُ، فَإِنْ أَجَازُوا الْمُحَابَاةَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ وَلاَ خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَيَمْلِكُ الشَّفِيعُ الأْخْذَ بِهِ لأِنَّهُ يَأْخُذُ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ رَدُّوا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَصَحَّ فِيمَا بَقِيَ، وَلاَ يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الأْخْذَ قَبْلَ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَرَدِّهِمْ، لأِنَّ حَقَّهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَبِيعِ فَلَمْ يَمْلِكْ إِبْطَالَهُ، وَلَهُ أَخْذُ مَا صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ. وَإِنِ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا وَاخْتَارَ الشَّفِيعُ الأْخْذَ بِالشُّفْعَةِ قُدِّمَ الشَّفِيعُ، لأِنَّهُ لاَ ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَجَرَى مَجْرَى الْمَعِيبِ إِذَا رَضِيَهُ الشَّفِيعُ بِعَيْبِهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا وَالشَّفْيِعُ أَجْنَبِيٌّ: فَإِنْ لَمْ تَزِدِ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ صَحَّ الْبَيْعُ، وَلِلشَّفِيعِ الأْخْذُ بِهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ حَصَلَ بِهِ فَلاَ يَمْنَعُ مِنْهَا كَوْنُ الْمَبِيعِ مُسْتَرْخَصًا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ فَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ أَصْلِ الْمُحَابَاةِ فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ وَارِثًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَهُ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لأِنَّ الْمُحَابَاةَ وَقَعَتْ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهَا تَمَكُّنُ الْوَارِثِ مِنْ أَخْذِهَا.
وَالثَّانِي: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلاَ تَجِبُ الشُّفْعَةُ .
الْمُحَابَاةُ فِي التَّبَرُّعَاتِ الْمَالِيَّةِ
أَوَّلاً: الْمُحَابَاةُ فِي الْوَصِيَّةِ
12 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُحَابَاةَ لاَ تُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْوَصَايَا .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: تُقَدَّمُ الْمُحَابَاةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَصَايَا لِلْعِبَادِ أَوْ بِالطَّاعَاتِ وَالْقُرَبِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فَيَبْدَأُ بِالْمُحَابَاةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحَابِي قَبْلَ كُلِّ وَصِيَّةٍ، ثُمَّ يَتَقَاسَمُ أَهْلُ الْوَصَايَا فِيمَا يَبْقَى مِنْ ثُلُثِ تَرِكَةِ الْمُحَابِي، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْمُحَابَاةَ تُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ ضَمَانٍ وَهُوَ الْبَيْعُ، إِذْ هُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ فِيهِ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَتَبَرُّعٌ، فَكَانَتِ الْمُحَابَاةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِعَقْدٍ أَقْوَى فَكَانَتْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ.
وَلأِنَّ تَقْدِيمَ بَعْضِ الْوَصَايَا الَّتِي لِلْعِبَادِ عَلَى الْبَعْضِ يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمُرَجِّحِ وَلَمْ يُوجَدْ، لأِنَّ الْوَصَايَا كُلَّهَا اسْتَوَتْ فِي سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ، لأِنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ سَبَبِ صَاحِبِهِ، وَالاِسْتِوَاءُ فِي السَّبَبِ يُوجِبُ الاِسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ .
وَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَتَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُعَيَّنٍ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ وَالْمُحَابَاةُ مِنَ الثُّلُثِ عَلَى السَّوِيَّةِ، إِذْ لاَ مُرَجِّحَ، لأِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّخْصُ: أَوْصَيْتُ لِفُلاَنٍ بِمِائَةٍ، وَلِفُلاَنٍ بِثُلُثِ مَالِي فَالْوَصِيَّةُ بِالْمِائَةِ الْمُرْسَلَةِ تُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ.
جَاءَ هَذَا فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ، قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: مَعَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَتَرَجَّحَ الْمُحَابَاةُ لأِنَّ هَا عَقْدٌ لاَزِمٌ بِخِلاَفِ الْوَصِيَّةِ وَلَوْ بِمُعَيَّنٍ .
ثَانِيًا: الْمُحَابَاةُ فِي الْهِبَةِ
تَنَاوَلَ كَلاَمُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ أَمْرَيْنِ:
الأْمْرُ الأْوَّلُ: مُحَابَاةُ وَتَفْضِيلُ الْوَالِدِ بَعْضَ أَوْلاَدِهِ بِهِبَتِهِ
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الإْنْسَانَ مُطَالَبٌ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَوْلاَدِهِ فِي الْهِبَةِ بِدُونِ مُحَابَاةٍ وَتَفْضِيلٍ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِمَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رضي الله عنهما أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ - أَيْ أَعْطَيْتُ بِغَيْرِ عِوَضٍ - ابْنِي هَذَا غُلاَمًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لاَ فَقَالَ: فَأَرْجِعْهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلاَ تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» وَفِي ثَالِثَةٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ».
وَلأِنَّ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ تَأْلِيفَ قُلُوبِهِمْ، وَالتَّفْضِيلُ يَزْرَعُ الْكَرَاهِيَةَ وَالنُّفُورَ بَيْنَهُمْ فَكَانَتِ التَّسْوِيَةُ أَوْلَى.
وَلاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ التَّفْضِيلُ - فِي الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ - إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ تَدْعُو إِلَيْهِ مِثْلُ اخْتِصَاصِ أَحَدِ أَوْلاَدِهِ بِمَرَضٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَتِهِ أَوِ اشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ.
أَوِ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمْ بِمَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْهِبَةِ عَنْهُ لِفِسْقِهِ أَوْ يَسْتَعِينُ بِمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ أَوْ يُنْفِقُهُ فِيهَا، فَيَمْنَعُ عَنْهُ الْهِبَةَ وَيُعْطِيهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا.
وَيُكْرَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَابِلَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ حَاجَةٌ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ التَّفْضِيلُ حِينَئِذٍ وَتَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ - إِنْ فَعَلَ - إِمَّا بِرَدِّ مَا فَضَّلَ بِهِ الْبَعْضَ، وَإِمَّا بِإِتْمَامِ نَصِيبِ الآْخَرِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ، وَيَجُوزُ التَّفْضِيلُ قَضَاءً، لأِنَّ الْوَالِدَ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، لاَ حَقَّ لأِحَدٍ فِيهِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَكُونُ آثِمًا فِيمَا صَنَعَ بِدُونِ دَاعٍ لَهُ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي قوله تعالي : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ ( .
وَلُزُومُ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَمْرَيْنِ:
أ - أَنْ يَهَبَ كُلَّ مَالِهِ أَوْ أَكْثَرَهُ.
ب - أَلاَّ يُطَالِبَ أَوْلاَدُهُ الآْخَرُونَ بِمَنْعِهِ كُلَّ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَعُودَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ افْتِقَارِهِ، فَلَهُمْ رَدُّ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ وَإِبْطَالَهُ، وَأَمَّا إِذَا وَهَبَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ فَذَلِكَ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ.
وَكَيْفِيَّةُ التَّسْوِيَةِ الْمَطْلُوبَةِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - أَنْ يُعْطِيَ الأْنْثَى مِثْلَ مَا يُعْطِي الذَّكَرَ تَمَامًا بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: التَّسْوِيَةُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَ أَوْلاَدِهِ عَلَى حَسَبِ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ، فَيُجْعَلُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأْنْثَيَيْنِ، لأِنَّ ذَلِكَ نَصِيبُهُ مِنَ الْمَالِ لَوْ مَاتَ عَنْهُ الْوَاهِبُ .
الأْمْرُ الثَّانِي: الْمُحَابَاةُ فِي الْهِبَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
14 - جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ: لَوْ وَهَبَ مَرِيضٌ شَيْئًا قِيمَتُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ لِرَجُلٍ صَحِيحٍ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَتَقَابَضَا، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي وَهَبَهُ، وَرَفَضَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا مَا صَنَعَ الْوَاهِبُ، كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْخِيَارُ: إِنْ شَاءَ فَسَخَ الْهِبَةَ وَرَدَّ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ كُلَّهُ وَأَخَذَ عِوَضَهُ. وَإِنْ شَاءَ رَدَّ ثُلُثَ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ إِلَى الْوَرَثَةِ وَسَلَّمَ لَهُ ثُلُثَيْهِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْعِوَضِ شَيْئًا. وَإِنْ عَرَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْعِوَضِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ مِنَ الْمُحَابَاةِ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَجَاءَ فِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ لِلشَّافِعِيَّةِ: يُنْفِذُ الأْوَّلَ فَالأْوَّلَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ الْمُرَتَّبَةِ الْمُنْجَزَةِ كَالإْبْرَاءِ وَالإْعْتَاقِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ حَتَّى يُتِمَّ الثُّلُثَ عِنْدَ ضِيقِهِ عَنْهَا، ثُمَّ يُبْقِي بَاقِيَ تَبَرُّعَاتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَلاَ أَثَرَ لَهِبَةٍ بِدُونِ مُحَابَاةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلاَ تُقَدَّمُ عَلَى مَا تَأَخَّرَ عَنْهَا مِنْ نَحْوِ وَقْفٍ أَوْ مُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ، لأِنَّهُ إِنَّمَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ، بِخِلاَفِ الْمُحَابَاةِ فِي بَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ، لأِنَّ هَا فِي ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ .
ثَالِثًا: الْمُحَابَاةُ فِي الإْعَارَةِ
15 - الإْعَارَةُ مِنَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ تُعْتَبَرُ مِنَ الْمُحَابَاةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لأِنَّ هَا تَبَرُّعٌ تَمْتَدُّ إِلَيْهِ أَطْمَاعُ الْوَرَثَةِ
فَلاَ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ إِعَارَةُ دَارِهِ مَثَلاً إِذَا كَانَتْ مَنَافِعُ الدَّارِ أَزْيَدَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوِ انْقَضَتْ مُدَّةُ إِعَارَةِ الدَّارِ وَلَوْ فِي مَرَضِ الْمُعِيرِ وَاسْتَرَدَّهَا اعْتُبِرَتِ الأْجْرَةُ مِنَ الثُّلُثِ لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا بِمَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ أَطْمَاعُ الْوَرَثَةِ.
وَمِنَ الْمُحَابَاةِ أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْوَصِيَّةُ بِالإْعَارَةِ ، أَمَّا إِعَارَةُ الْمَرِيضِ نَفْسِهُ فَلَيْسَتْ مِنَ الْمُحَابَاةِ، لأِنَّ هَا امْتِنَاعٌ مِنَ التَّحْصِيلِ، وَلَيْسَتْ تَفْوِيتًا لِلْحَاصِلِ، وَلاَ مَطْمَعَ لِلْوَرَثَةِ فِي عَمَلِهِ .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِعَارَةُ الْمَرِيضِ لِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ إِعَارَةً مُنَجَّزَةً لاَ تُعْتَبَرُ مِنَ الْمُحَابَاةِ فَتَجُوزُ، وَتَكُونُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، وَلاَ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ .
وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالإْعَارَةِ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ .
الْمُحَابَاةُ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ
5 - الْمُحَابَاةُ كَمَا تَكُونُ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ تَكُونُ فِي عَيْنِهِ حَتَّى لَوْ تَمَّ بَيْعُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَخْتَارَ الْبَائِعُ الْمَرِيضُ أَفَضْلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ عَقَارٍ أَوْ مَنْقُولٍ، كَتُحْفَةٍ نَادِرَةٍ، فَيَبِيعُهُ لِوَارِثِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ. وَهَذِهِ لاَ تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةِ، لأِنَّ الْمَرِيضَ مَمْنُوعٌ مِنْ إِيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِالْعَيْنِ، لأِنَّ النَّاسَ لَهُمْ أَغْرَاضٌ فِي الْعَيْنِ فَلاَ يَمْلِكُ إِيثَارَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِهَا. وَتَجُوزُ إِنْ كَانَ صَحِيحًا، أَوْ مَرِيضًا وَبَاعَهَا لأِجْنَبِيٍّ .
هـ - مُحَابَاةُ الصَّبِيِّ
6 - الْمُحَابَاةُ سَوَاءٌ كَانَتْ يَسِيرَةً أَمْ فَاحِشَةً لاَ تَجُوزُ مِنَ الصَّبِيِّ حَتَّى وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي التِّجَارَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأِنَّ تَصَرُّفَاتِ الصَّبِيِّ لاَ بُدَّ أَنْ تَتَحَقَّقَ فِيهَا مَصْلَحَتُهُ عِنْدَهُمْ، وَالْمُحَابَاةُ لاَ يَتَحَقَّقُ فِيهَا ذَلِكَ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ - أَيْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ - فِي التِّجَارَةِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ بِاتِّفَاقِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ، لأِنَّ ذَلِكَ مِنَ الأْمُورِ الضَّرُورِيَّةِ لِلتِّجَارَةِ، وَلاَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَيْضًا، لأِنَّهُ هُوَ الآْخَرُ لاَزِمٌ فِي التِّجَارَةِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ الإْذْنِ لَهُ بِالتِّجَارَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: لاَ يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ ذَلِكَ، لأِنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لاَ يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ .
هَذَا مَا إِذَا بَاعَ الصَّبِيُّ لأِجْنَبِيٍّ أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ، فَإِنْ بَاعَ لأِبِيهِ شَيْئًا أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: الْجِوَازُ وَعَدَمُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَإِنْ بَاعَ الصَّبِيُّ لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِ أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلصَّبِيِّ لاَ يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِدُونِ خِلاَفٍ.
وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلصَّبِيِّ وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِمَا مُحَابَاةٌ فَاحِشَةٌ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ نَفْعٍ ظَاهِرٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: لاَ يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ .
و - مُحَابَاةُ النَّائِبِ عَنِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ
7 - لاَ يَمْلِكُ وَلِيُّ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَلاَ وَصِيُّهُ الْمُحَابَاةَ فِي مَالِهِمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُحَابَاةً يَسِيرَةً أَوْ مُحَابَاةً فَاحِشَةً، لأِنَّ الْمُحَابَاةَ تَصَرُّفٌ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَهُوَ أَمْرٌ لاَزِمٌ عَلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ لِلصَّغِيرِ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ أَجَازُوا لِلأْبِ فَقَطْ بَيْعَ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِمُحَابَاةٍ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْبَيْعَ أَوْ بِدُونِ سَبَبٍ، وَذَلِكَ لأِنَّ بَيْعَهُ هَذَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّوَابِ وَالْمَصْلَحَةِ الَّتِي تَفُوقُ الْمُحَابَاةَ .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ عَقْدُهُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ بِالْمُحَابَاةِ الْيَسِيرَةِ، وَلاَ تَجُوزُ بِالْمُحَابَاةِ الْفَاحِشَةِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ الْعَقْدُ مَعَهَا عَلَى الإْجَازَةِ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ، لأِنَّهُ عَقْدٌ لاَ مُجِيزَ لَهُ أَثَنَاءَ التَّعَاقُدِ وَيَكُونُ الْعَقْدُ فِي حَالِ الشِّرَاءِ بِمُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ نَافِذًا عَلَى الْعَاقِدِ النَّائِبِ لاَ عَلَى الصَّغِيرِ .
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الأْبَ إِذَا بَاعَ عَقَارَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِمُحَابَاةٍ يَسِيرَةٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ إِذَا كَانَ الأْبُ مَحْمُودَ السِّيرَةِ مَسْتُورَ الْحَالِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ مُفْسِدًا فَلاَ يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ.
وَالْوَصِيُّ فِي بَيْعِ عَقَارِ الصَّغِيرِ كَالأْبِ الْمُفْسِدِ، وَالْقَاضِي كَالْوَصِيِّ.
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لِلْحَنَفِيَّةِ: إِذَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ يَجُوزُ إِذَا كَانَ خَيْرًا لِلصَّغِيرِ، وَمَعْنَى الْخَيْرِيَّةِ: أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَصَاعِدًا، أَوْ يَبِيعَ لَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةِ فَقَطْ دُونَ أَيِّ زِيَادَةٍ، وَبِهِ يُفْتَى .
وَجَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ بِمُحَابَاةٍ يَسِيرَةٍ لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ - كَابْنِهِ وَأَبِيهِ وَزَوْجَتِهِ - لاَ يَجُوزُ .
ز - مُحَابَاةُ الْوَكِيلِ
8 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بَيْعًا وَشِرَاءً بِغَبْنٍ يَسِيرٍ أَيْ بِمَا يُتَغَابَنُ بِهِ فِي الْعُرْفِ، كَشِرَاءِ مَا يُسَاوِي تِسْعَةً بِعَشَرَةٍ، أَوْ بَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ، إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُوَكِّلُ قَدْ قَدَّرَ قِيمَةَ الْمُثَمَّنِ لِلْوَكِيلِ، وَيَخْتَلِفُ الْعُرْفُ بِاخْتِلاَفِ الأْعْيَانِ مِنَ الأْمْوَالِ فَلاَ تُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ التَّوَقِّي وَالتَّحَرُّزُ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّعَامُلِ عَلَى الْجُمْلَةِ.
أَمَّا الْغَبْنُ الْفَاحِشُ، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ الْوَكِيلُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةٍ مَثَلاً فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَيَغْرَمُ الْوَكِيلُ لِمُوَكِّلِهِ مَا حَابَى بِهِ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْمُوَكِّلُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِجَازَتِهِ إِلاَّ إِذَا نَقَصَ الْمَبِيعُ فِي ثَمَنِهِ أَوْ بَدَنِهِ، فَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ حِينَئِذٍ الأَْكْثَرُ مِنَ الثَّمَنِ أَوِ الْقِيمَةِ .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَقَطْ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ لِمُوَكِّلِهِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَلاَ يَصِحُّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِدُونِ خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ.
وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَقَطْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَصِحُّ بَيْعُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لِمُوَكِّلِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَالْفَرْقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ احْتِمَالُ التُّهْمَةِ فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ، لِجَوَازِ أَنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا ظَهَرَتِ الزِّيَادَةُ الْفَاحِشَةُ فِي الثَّمَنِ جُعِلَ الشِّرَاءُ لِمُوَكِّلِهِ .
وَنَقَلَ الأَْتْقَانِيُّ عَنْ خُوَاهِرْ زَادَهْ: أَنَّ جَوَازَ عَقْدِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ يَكُونُ فِي سِلْعَةٍ يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى مُسَاوَمَةٍ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهَا ثَمَنٌ مَعْرُوفٌ وَمُحَدَّدٌ بَيْنَ النَّاسِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ سِعْرُهَا مَعْلُومًا أَوْ مُحَدَّدًا كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا إِذَا زَادَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ عَلَى ذَلِكَ السِّعْرِ لاَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، سَوَاءٌ قَلَّتِ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ، لأِنَّ هَذَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى رَأْيٍ أَوْ تَقْوِيمٍ، لِلْعِلْمِ بِهِ، قَالَ فِي بُيُوعِ التَّتِمَّةِ: وَبِهِ يُفْتَى .
وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إِذَا بَاعَ لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ يَسِيرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: يَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُمْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لاَ فَاحِشٍ.
وَإِنْ صَرَّحَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَأَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفَ مَعَ مَنْ يَشَاءُ جَازَ بَيْعُهُ لَهُمْ بِدُونِ خِلاَفٍ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى وَإِنْ صَرَّحَ الْمُوَكِّلُ لَهُ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إِذَا اشْتَرَى مِنْهُمْ .
ثَانِيًا: الْفَسْخُ لِلْمُحَابَاةِ :
9 - جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ: الْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ تَصَرُّفٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فِي نَفْسِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَيُفْسَخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ وَالإْقَالَةِ - إِذْ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - فَكَانَتِ الْمُحَابَاةُ مُحْتَمِلَةً لِلْفَسْخِ فِي الْجُمْلَةِ .
ثَالِثًا: الْمُحَابَاةُ فِي الإْجَارَةِ
10 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي إِجَارَةِ الْمَرِيضِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلاَ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ. قَالَ الشُّرُنْبُلاَلِيُّ: مَرِيضٌ أَجَّرَ دَارَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ قَالُوا: جَازَتِ الإْجَارَةُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلاَ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ لأِنَّهُ لَوْ أَعَارَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ جَازَتْ، وَالإْجَارَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْلَى .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَجَّرَ مَرِيضٌ مِلْكَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ مُعْتَبَرٌ مِنَ الثُّلُثِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَجَّرَهُ فِي الصِّحَّةِ فَلاَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مِنَ الثُّلُثِ بَلْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
رَابِعًا: الْمُحَابَاةُ فِي الشُّفْعَةِ
11 - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ إِذَا بَاعَ دَارًا لَهُ مَثَلاً وَحَابَى الْمُشْتَرِيَ: بِأَنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهَا ثَلاَثَةُ آلاَفٍ فَفِيهَا. التَّفْصِيلُ الآْتِي:
إِنْ بَاعَهَا لِوَارِثٍ مِنْ وَرَثَتِهِ وَشَفِيعُهَا غَيْرُ وَارِثٍ فَلاَ شَكَّ أَنَّهُ لاَ شُفْعَةَ أَصْلاً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأِنَّ بَيْعَهَا لِلْوَارِثِ بِدُونِ مُحَابَاةٍ فَاسِدٌ عِنْدَهُ، فَبَيْعُهَا بِالْمُحَابَاةِ أَوْلَى، وَلاَ شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، لَكِنْ يَدْفَعُ الْمُشْتَرِي قَدْرَ الْمُحَابَاةِ، فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ، قَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ: الأْصَحُّ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَإِنْ بَاعَهَا لِغَيْرِ وَارِثٍ، فَكَذَلِكَ لاَ شُفْعَةَ لِلْوَارِثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الدَّارَ بِنَفْسِ الصَّفْقَةِ مَعَ غَيْرِ الْوُرَّاثِ بَعْدَ تَحَوُّلِهَا إِلَيْهِ، أَوْ بِصَفْقَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مُقَدَّرَةٍ بَيْنَهُمَا، فَكَانَ ذَلِكَ بَيْعًا لِلْوَارِثِ بِالْمُحَابَاةِ، وَسَوَاءٌ أَجَازَتِ الْوَرَثَةُ الشُّفْعَةَ أَوْ لَمْ يُجِيزُوا، لأِنَّ الإْجَارَةَ مَحَلُّهَا الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ، وَالشِّرَاءُ وَقَعَ نَافِذًا مِنَ الْمُشْتَرِي، لأِنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ - قَدْرُ الثُّلُثِ، وَهِيَ نَافِذَةٌ فِي الأْلْفَيْنِ مِنَ الثَّلاَثَةِ لِلأْجْنَبِيِّ - غَيْرِ الْوَارِثِ فَانْتَفَتْ إِجَازَةُ الْوَرَثَةِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، فَتَنْتِفِي فِي حَقِّ الشَّفِيعِ أَيْضًا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لاَ شُفْعَةَ لَهُ، وَالثَّانِيَةُ: لَهُ الشُّفْعَةُ .
وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ أَجْنَبِيًّا: غَيْرَ وَارِثٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِأَلْفَيْنِ.
وَإِذَا بَرِئَ الْمَرِيضُ مِنْ مَرَضِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ وَالشَّفِيعُ وَارِثُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ إِلَى وَقْتِ الْبُرْءِ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ، لأِنَّ الْمَرَضَ إِذَا زَالَ وَشُفِيَ مِنْهُ الْمَرِيضُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَالَةِ الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ قَدْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يُطْلِبِ الشُّفْعَةَ حَتَّى بَرَأَ الْمَرِيضُ مِنْ مَرَضِهِ فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَرِيضُ دَارًا وَحَابَى الْبَائِعَ بِأَنِ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ، وَلَهُ سِوَى ذَلِكَ أَلْفٌ أُخْرَى، ثُمَّ مَاتَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ، لأِنَّهُ إِنَّمَا حَابَّاهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ فِي حَقِّ الأْجْنَبِيِّ، فَيَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الرُّهُونِيِّ عَلَى شَرْحِ الزُّرْقَانِيِّ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ جُزْءٌ فِي دَارٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، قِيمَتُهُ ثَلاَثُونَ دِينَارًا، فَيَبِيعُهُ لِرَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَهُوَ مَرِيضٌ؟ قَالَ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، إِذَا مَاتَ الْبَائِعُ وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ الْمُحَابَاةَ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: زِدِ الثَّمَنَ عَشَرَةً أُخْرَى وَخُذِ الدَّارَ، وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مُعَارَضَةُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَلِلشَّفِيعِ - إِنْ كَانَ - أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، وَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ عَشَرَةً وَأَبَتِ الْوَرَثَةُ تَسْلِيمَهُ الدَّارَ كَمَا أَوْصَى الْمَيِّتُ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ: أَعْطُوهُ ثُلُثَ الْجُزْءِ الْمُبَاعِ لَهُ بِدُونِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ بَاعَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ جُزْءًا مِنْ عَقَارٍ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ، وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ، بَطَلَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهِ، لأِنَّهُ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ.
فَإِنِ اخْتَارَ الشَّفِيعُ - وَارِثًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا - أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ بِالأْلْفِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، لأِنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهُ بِأَلْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ الشَّفِيعُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.
وَإِنْ بَاعَ لأِجْنَبِيٍّ وَحَابَاهُ وَالشَّفِيعُ وَارِثٌ، وَاحْتَمَلَ الثُّلُثُ الْمُحَابَاةَ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِي نِصْفِ الشِّقْصِ بِالأْلْفِ ، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَبْقَى النِّصْفُ لِلْمُشْتَرِي بِلاَ ثَمَنٍ، لأِنَّ الْمُحَابَاةَ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ لِلْمُشْتَرِي تَصِحُّ، لأِنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَلاَ تَصِحُّ لِلشَّفِيعِ لأِنَّهُ وَارِثٌ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ وَهَبَ لِلْمُشْتَرِي النِّصْفَ وَبَاعَ لَهُ النِّصْفَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ النِّصْفَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَبْقَى النِّصْفُ لِلْمُشْتَرِي بِدُونِ ثَمَنٍ.
الثَّانِي: يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهِ بِالأْلْفِ وَيَدْفَعُ إِلَى الشَّفِيعِ الْوَارِثِ بِدُونِ مُحَابَاةٍ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي.
الثَّالِثُ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ، لأِنَّ الْمُحَابَاةَ تَعَلَّقَتْ بِالْكُلِّ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ فِي نِصْفِهِ.
الرَّابِعُ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ، لأِنَّ إِثْبَاتَ الشُّفْعَةِ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ الْمَبِيعِ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ.
الْخَامِسُ: - وَهُوَ الصَّحِيحُ - يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِالأْلْفِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْجَمِيعَ بِالأْلْفِ ، لأِنَّ الْمُحَابَاةَ وَقَعَتْ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ، وَالْمُشْتَرِي أَجْنَبِيٌّ، فَصَحَّتِ الْمُحَابَاةُ لَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةً عَلَى مُحَابَاةِ الْوَارِثِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، لأِنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْغَايَاتِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ الشِّقْصِ - النَّصِيبِ - وَالْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ أَجْنَبِيَّانِ - غَيْرُ وَارِثَيْنِ - وَلَمْ يُجِزِ الْوَارِثُ الْبَيْعَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي ثُلُثَيِ الشِّقْصِ فَقَطْ بِثُلُثَيِ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ.
أَمَّا إِذَا مَلَكَ الْبَائِعُ الْمَرِيضُ غَيْرَ هَذَا الشِّقْصِ - السَّهْمِ وَالنَّصِيبِ - وَاحْتَمَلَ الثُّلُثُ الْمُحَابَاةَ، وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْبَيْعَ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِكُلِّ الثَّمَنِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ بَيْعَ الْمَرِيضِ بِالْمُحَابَاةِ لاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِوَارِثٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ لِوَارِثٍ بَطَلَتِ الْمُحَابَاةُ لأِنَّ هَا فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ لاَ تَجُوزُ، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ مِنَ الْمَبِيعِ، وَهَلْ يَصِحُّ فِيمَا عَدَاهُ؟ عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: لاَ يَصِحُّ لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ بَذَلَ الثَّمَنَ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَصِحَّ فِي بَيْعِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ، فَقَالَ: قَبِلْتُ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ، أَوْ قَالَ: قَبِلْتُهُ بِخَمْسَةٍ، أَوْ قَالَ: قَبِلْتُ نِصْفَهُ بِخَمْسَةٍ، وَلأِنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تُوَاجَبَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَيَصِحُّ فِيمَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الأْخْذِ وَالْفَسْخِ لأِنَّ الصِّفَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ، وَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ مَا صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ لأِنَّ الْبُطْلاَنَ إِنَّمَا جَاءَ مِنَ الْمُحَابَاةِ فَاخْتَصَّ بِمَا يُقَابِلُهَا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ لأِنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ صَحِيحَةٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ لَهُ، فَإِنْ أَجَازُوا الْمُحَابَاةَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ وَلاَ خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَيَمْلِكُ الشَّفِيعُ الأْخْذَ بِهِ لأِنَّهُ يَأْخُذُ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ رَدُّوا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَصَحَّ فِيمَا بَقِيَ، وَلاَ يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الأْخْذَ قَبْلَ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَرَدِّهِمْ، لأِنَّ حَقَّهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَبِيعِ فَلَمْ يَمْلِكْ إِبْطَالَهُ، وَلَهُ أَخْذُ مَا صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ. وَإِنِ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا وَاخْتَارَ الشَّفِيعُ الأْخْذَ بِالشُّفْعَةِ قُدِّمَ الشَّفِيعُ، لأِنَّهُ لاَ ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَجَرَى مَجْرَى الْمَعِيبِ إِذَا رَضِيَهُ الشَّفِيعُ بِعَيْبِهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا وَالشَّفْيِعُ أَجْنَبِيٌّ: فَإِنْ لَمْ تَزِدِ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ صَحَّ الْبَيْعُ، وَلِلشَّفِيعِ الأْخْذُ بِهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ حَصَلَ بِهِ فَلاَ يَمْنَعُ مِنْهَا كَوْنُ الْمَبِيعِ مُسْتَرْخَصًا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ فَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ أَصْلِ الْمُحَابَاةِ فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ وَارِثًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَهُ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لأِنَّ الْمُحَابَاةَ وَقَعَتْ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهَا تَمَكُّنُ الْوَارِثِ مِنْ أَخْذِهَا.
وَالثَّانِي: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلاَ تَجِبُ الشُّفْعَةُ .
الْمُحَابَاةُ فِي التَّبَرُّعَاتِ الْمَالِيَّةِ
أَوَّلاً: الْمُحَابَاةُ فِي الْوَصِيَّةِ
12 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُحَابَاةَ لاَ تُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْوَصَايَا .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: تُقَدَّمُ الْمُحَابَاةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَصَايَا لِلْعِبَادِ أَوْ بِالطَّاعَاتِ وَالْقُرَبِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فَيَبْدَأُ بِالْمُحَابَاةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحَابِي قَبْلَ كُلِّ وَصِيَّةٍ، ثُمَّ يَتَقَاسَمُ أَهْلُ الْوَصَايَا فِيمَا يَبْقَى مِنْ ثُلُثِ تَرِكَةِ الْمُحَابِي، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْمُحَابَاةَ تُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ ضَمَانٍ وَهُوَ الْبَيْعُ، إِذْ هُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ فِيهِ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَتَبَرُّعٌ، فَكَانَتِ الْمُحَابَاةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِعَقْدٍ أَقْوَى فَكَانَتْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ.
وَلأِنَّ تَقْدِيمَ بَعْضِ الْوَصَايَا الَّتِي لِلْعِبَادِ عَلَى الْبَعْضِ يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمُرَجِّحِ وَلَمْ يُوجَدْ، لأِنَّ الْوَصَايَا كُلَّهَا اسْتَوَتْ فِي سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ، لأِنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ سَبَبِ صَاحِبِهِ، وَالاِسْتِوَاءُ فِي السَّبَبِ يُوجِبُ الاِسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ .
وَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَتَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُعَيَّنٍ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ وَالْمُحَابَاةُ مِنَ الثُّلُثِ عَلَى السَّوِيَّةِ، إِذْ لاَ مُرَجِّحَ، لأِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّخْصُ: أَوْصَيْتُ لِفُلاَنٍ بِمِائَةٍ، وَلِفُلاَنٍ بِثُلُثِ مَالِي فَالْوَصِيَّةُ بِالْمِائَةِ الْمُرْسَلَةِ تُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ.
جَاءَ هَذَا فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ، قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: مَعَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَتَرَجَّحَ الْمُحَابَاةُ لأِنَّ هَا عَقْدٌ لاَزِمٌ بِخِلاَفِ الْوَصِيَّةِ وَلَوْ بِمُعَيَّنٍ .
ثَانِيًا: الْمُحَابَاةُ فِي الْهِبَةِ
تَنَاوَلَ كَلاَمُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ أَمْرَيْنِ:
الأْمْرُ الأْوَّلُ: مُحَابَاةُ وَتَفْضِيلُ الْوَالِدِ بَعْضَ أَوْلاَدِهِ بِهِبَتِهِ
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الإْنْسَانَ مُطَالَبٌ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَوْلاَدِهِ فِي الْهِبَةِ بِدُونِ مُحَابَاةٍ وَتَفْضِيلٍ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِمَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رضي الله عنهما أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ - أَيْ أَعْطَيْتُ بِغَيْرِ عِوَضٍ - ابْنِي هَذَا غُلاَمًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لاَ فَقَالَ: فَأَرْجِعْهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلاَ تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» وَفِي ثَالِثَةٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ».
وَلأِنَّ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ تَأْلِيفَ قُلُوبِهِمْ، وَالتَّفْضِيلُ يَزْرَعُ الْكَرَاهِيَةَ وَالنُّفُورَ بَيْنَهُمْ فَكَانَتِ التَّسْوِيَةُ أَوْلَى.
وَلاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ التَّفْضِيلُ - فِي الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ - إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ تَدْعُو إِلَيْهِ مِثْلُ اخْتِصَاصِ أَحَدِ أَوْلاَدِهِ بِمَرَضٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَتِهِ أَوِ اشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ.
أَوِ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمْ بِمَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْهِبَةِ عَنْهُ لِفِسْقِهِ أَوْ يَسْتَعِينُ بِمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ أَوْ يُنْفِقُهُ فِيهَا، فَيَمْنَعُ عَنْهُ الْهِبَةَ وَيُعْطِيهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا.
وَيُكْرَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَابِلَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ حَاجَةٌ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ التَّفْضِيلُ حِينَئِذٍ وَتَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ - إِنْ فَعَلَ - إِمَّا بِرَدِّ مَا فَضَّلَ بِهِ الْبَعْضَ، وَإِمَّا بِإِتْمَامِ نَصِيبِ الآْخَرِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ، وَيَجُوزُ التَّفْضِيلُ قَضَاءً، لأِنَّ الْوَالِدَ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، لاَ حَقَّ لأِحَدٍ فِيهِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَكُونُ آثِمًا فِيمَا صَنَعَ بِدُونِ دَاعٍ لَهُ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي قوله تعالي : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ ( .
وَلُزُومُ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَمْرَيْنِ:
أ - أَنْ يَهَبَ كُلَّ مَالِهِ أَوْ أَكْثَرَهُ.
ب - أَلاَّ يُطَالِبَ أَوْلاَدُهُ الآْخَرُونَ بِمَنْعِهِ كُلَّ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَعُودَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ افْتِقَارِهِ، فَلَهُمْ رَدُّ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ وَإِبْطَالَهُ، وَأَمَّا إِذَا وَهَبَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ فَذَلِكَ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ.
وَكَيْفِيَّةُ التَّسْوِيَةِ الْمَطْلُوبَةِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - أَنْ يُعْطِيَ الأْنْثَى مِثْلَ مَا يُعْطِي الذَّكَرَ تَمَامًا بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: التَّسْوِيَةُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَ أَوْلاَدِهِ عَلَى حَسَبِ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ، فَيُجْعَلُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأْنْثَيَيْنِ، لأِنَّ ذَلِكَ نَصِيبُهُ مِنَ الْمَالِ لَوْ مَاتَ عَنْهُ الْوَاهِبُ .
الأْمْرُ الثَّانِي: الْمُحَابَاةُ فِي الْهِبَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
14 - جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ: لَوْ وَهَبَ مَرِيضٌ شَيْئًا قِيمَتُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ لِرَجُلٍ صَحِيحٍ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَتَقَابَضَا، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي وَهَبَهُ، وَرَفَضَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا مَا صَنَعَ الْوَاهِبُ، كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْخِيَارُ: إِنْ شَاءَ فَسَخَ الْهِبَةَ وَرَدَّ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ كُلَّهُ وَأَخَذَ عِوَضَهُ. وَإِنْ شَاءَ رَدَّ ثُلُثَ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ إِلَى الْوَرَثَةِ وَسَلَّمَ لَهُ ثُلُثَيْهِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْعِوَضِ شَيْئًا. وَإِنْ عَرَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْعِوَضِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ مِنَ الْمُحَابَاةِ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَجَاءَ فِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ لِلشَّافِعِيَّةِ: يُنْفِذُ الأْوَّلَ فَالأْوَّلَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ الْمُرَتَّبَةِ الْمُنْجَزَةِ كَالإْبْرَاءِ وَالإْعْتَاقِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ حَتَّى يُتِمَّ الثُّلُثَ عِنْدَ ضِيقِهِ عَنْهَا، ثُمَّ يُبْقِي بَاقِيَ تَبَرُّعَاتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَلاَ أَثَرَ لَهِبَةٍ بِدُونِ مُحَابَاةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلاَ تُقَدَّمُ عَلَى مَا تَأَخَّرَ عَنْهَا مِنْ نَحْوِ وَقْفٍ أَوْ مُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ، لأِنَّهُ إِنَّمَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ، بِخِلاَفِ الْمُحَابَاةِ فِي بَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ، لأِنَّ هَا فِي ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ .
ثَالِثًا: الْمُحَابَاةُ فِي الإْعَارَةِ
15 - الإْعَارَةُ مِنَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ تُعْتَبَرُ مِنَ الْمُحَابَاةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لأِنَّ هَا تَبَرُّعٌ تَمْتَدُّ إِلَيْهِ أَطْمَاعُ الْوَرَثَةِ
فَلاَ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ إِعَارَةُ دَارِهِ مَثَلاً إِذَا كَانَتْ مَنَافِعُ الدَّارِ أَزْيَدَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوِ انْقَضَتْ مُدَّةُ إِعَارَةِ الدَّارِ وَلَوْ فِي مَرَضِ الْمُعِيرِ وَاسْتَرَدَّهَا اعْتُبِرَتِ الأْجْرَةُ مِنَ الثُّلُثِ لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا بِمَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ أَطْمَاعُ الْوَرَثَةِ.
وَمِنَ الْمُحَابَاةِ أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْوَصِيَّةُ بِالإْعَارَةِ ، أَمَّا إِعَارَةُ الْمَرِيضِ نَفْسِهُ فَلَيْسَتْ مِنَ الْمُحَابَاةِ، لأِنَّ هَا امْتِنَاعٌ مِنَ التَّحْصِيلِ، وَلَيْسَتْ تَفْوِيتًا لِلْحَاصِلِ، وَلاَ مَطْمَعَ لِلْوَرَثَةِ فِي عَمَلِهِ .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِعَارَةُ الْمَرِيضِ لِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ إِعَارَةً مُنَجَّزَةً لاَ تُعْتَبَرُ مِنَ الْمُحَابَاةِ فَتَجُوزُ، وَتَكُونُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، وَلاَ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ .
وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالإْعَارَةِ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ .
الْحَجْرُ عَلَى الْمَرِيضِ
38 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْمُتَّصِلَ بِالْمَوْتِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ، وَتُحْجَرُ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْمَرَضِ تَبَرُّعَاتُهُ فِيمَا زَادَ عَنْ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ، فَإِذَا تَبَرَّعَ بِمَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ إِذَا مَاتَ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي (مَرَضِ الْمَوْتِ).
_________________________________________________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (395) البيع في مرض الموت بأقل من ثمن
إذا باع شخص في مرض موته ماله بأقل من ثمن المثل ثم مات مديوناً وتركته مستغرقة كان لأصحاب الديون أن يكلفوا المشتري بإبلاغ قيمة ما اشتراه إلى ثمن المثل وإكماله وأدائه للتركة فإن لم يفعل فسخوا البيع.
مادة (393) البيع في مرض الموت لأحد الورثة
إذا باع شخص في مرض موته شيئاً من ماله لأحد ورثته يعتبر ذلك موقوفاً على إجازة سائر الورثة فإن أجازوا بعد موت المريض ينفذ البيع وان لم يجيزوا لا ينفذ.
مادة (394) البيع في مرض الموت لأجنبي
إذا باع المريض في مرض موته شيئاً لأجنبي بثمن المثل صح بيعه وإن باعه بدون ثمن المثل وسلم المبيع كان بيع محاباة يعتبر من ثلث ماله فإن كان الثلث وافياً بها صح وإن كان الثلث لا يفي بها لزم المشتري إكمال ما نقص من ثمن المثل وإعطاؤه للورثة فإن أكمل لزم البيع وإلا كان للورثة فسخه. مثلاً لو كان شخص لا يملك إلا داراً تساوي الفاً وخمسمائة قرش فباع الدار المذكورة في مرض موته لأجنبي غير وارث له بألف قرش وسلمها له ثم مات فبما أن ثلث ماله الذي يفي بما حابى به وهو خمسمائة قرش كان هذا البيع صحيحاً معتبراً وليس للورثة فسخه حينئذ وإذا كان المريض قد باع هذه الدار بخمسمائة قرش وسلمها للمشتري فبما إن ثلث ماله الذي هو خمسمائة قرش يعدل نصف ما حابى به وهو ألف قرش فحينئذ للورثة أن يطلبوا من المشتري نصف ما حابى به مورثهم وهو خمسمائة قرش فإن أداها للتركة لم يكن للورثة فسخ البيع وان لم يؤدها كان للورثة الفسخ وإسترداد الدار.
مادة (1595) مرض الموت
مرض الموت هو المرض الذي يخاف فيه الموت في الأكثر الذي يعجز المريض عن رؤية مصالحه الخارجة عن داره إن كان من الذكور. ويعجزه عن رؤية المصالح الداخلة في داره إن كان من الإناث، ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة يكون في حكم الصحيح وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح مالم يشتد مرضه ويتغير حاله ولكن لو اشتد مرضه وتغير حاله ومات يعد حاله اعتباراً من وقت التغير إلى الوفاة مرض موت.
مادة (1596) إقرار من لم يكن له وارث
إقرار من لم يكن له وارث أو لم يكن له وارث سوى زوجته أو المرأة التي لم يكن لها وارث سوى زوجها في مرض الموت يعتبر إقراره إنه نوع وصية فإذا نفى الملك من لا وارث له في مرض موته عن جمعي أمواله وأقر بها لغيره فيصح وليس لأمين بيت المال أن يتعرض لتركته بعد وفاته كذلك لو نفى الملك عن جميع أمواله في مرض موته من لا وارث له سوى زوجته وأقر به لها أو لو نفت الملك من لا وارث لها سوى زوجها عن جميع أموالها وأقرت بها له يصح وليس لأمين بيت المال أن يتعرض لتركة أحدهما بعد الوفاة.
مادة (1597) الإقرار للورثة في مرض الموت
لو اقر أحد حال مرضه بمال لأحد ورثته وأفاق بعد إقراره من ذلك المرض يكون إقراره هذا معتبرا.
مادة (1598) الإقرار بالدين لأحد الورثة
إذا اقر أحد في مرض موته بعين أو دين لأحد ورثته ثم مات يكون إقراره موقوفا على إجازة باقي الورثة فإن أجازوه كان معتبرا وإلا فلا، ولكن إذا كان قد صدقه باقي الورثة في حال حياة المقر فليس لهم الرجوع عن تصديقهم ويكون ذلك الإقرار معتبرا وأيضاً الإقرار للوارث بالأمانة صحيح على كل حال وهو أنه إذا أقر أحد في مرض موته بكونه قد قبض أمانته التي هي عند وارثه أو أقر بكونه قد استهلك أمانة وارثة المعلومة التي أودعها عنده يصح إقراره. مثلاً لو أقر في مرض موته بقوله أخذت وقبضت أمانتي التي أودعتها عند ابني فلان يصح إقراره ويكون معتبراً. وكذا لو قال إن ابني فلاناً أخذ طلبي الذي هو على فلان بالوكالة وسلمه إلي يكون معتبراً. وكذلك لو قال قد بعت خاتم الألماس الذي كان وديعة أو عارية عندي لابني فلان وقيمته خمسة الآف قرش وصرفت ثمنه في أموري واستهلكته يكون إقراره معتبراً ويلزم تضمين قيمة ذلك الخاتم من التركة.
مادة (1599) الوارث
المراد من الوارث في هذا المبحث هو الذي كان وارثا للمريض في وقت وفاته وأما الوارثة الحادثة الحاصلة بالسبب الحادث في وقت وفاة المقر ولم تكن قبل فلا تكون مانعة لصحة الإقرار فعليه كما أنه إذا اقر أحد بمال لامرأة أجنبية في مرض موته ثم تزوج بها ومات فيكون إقراره نافذاً وأما الإقرار لمن كانت وراثته قديمة ولم تكن حاصلة بسبب حادث فلا يكون نافذا . مثلاً لو أقر من له ابن بمال لأحد إخوته من أبويه ثم مات بعد موت ابنه لا يكون إقراره نافذاً لما أن أخاه يرثه من حيث كونه أخا له.
مادة (1600) الإقرار في مرض الموت في حكم الإقرار في المرض
إقرار المريض حال كونه في مرض موته بالإسناد إلى زمان الصحة في حكم الإقرار في زمان المرض. فلو أقر أحد حال كونه في مرض موته بأنه قد استوفى طلبه الذي على وارثه في زمان صحته لا ينفذ إقراره مالم يجزه باقي الورثة. كذلك لو أقر أحد بأنه كان قد وهب ماله الفلاني الذي هو من ورثته وكان سلمه إياه لا ينفذ إقراره ما لم يثبت ببينة أو يجزه باقي الورثة.
مادة (1601) إقرار المريض بعين أو دين لأجنبي
إقرار المريض بعين أو دين لأجنبي إي لمن لم يكن وارثه في مرض موته صحيح وإن أحاط بجميع أموبذمته فيإن ظهر كذب المقر بكونه قد ملك المقر به بسبب في وقت الإقرار أو انتقل إليه إرثاً أو أتهبه أو اشتراه في ذلك الوقت ينظر على هذا الحال إلى أن الإقرار هل كان في أثناء مذاكرة الوصية أم لا فإن كان ليس في أثناء مذاكرتها يحمل على معنى الوصية وعلى كلتا الحالتين لا يعتبر إقراره إلا من ثلث ماله.
مادة (1602) ديون الصحة
ديون الصحة مقدمة على ديون المرض. يعني تقدم الديون التي تعلقت بذمة من كانت تركته غريمة في حال صحته على الديون التي تعلقت بذمته في مرض موته بإقراره. وهو أنه تستوفي ديون الصحة من تركة المريض ثم تؤدي ديون المرض إن بقيت فضلة ولكن الديون التي تعلقت بذمة المريض بأسباب معروفة أي أسباب مشاهدة ومعلومة عند الناس غير الإقرار كالشراء والاستقراض وإتلاف مال فهي في حكم ديون الصحة وإذا كان المقرُّ به شيئاً من الأعيان فحكمه على هذا المنوال أيضاً يعني إذا أقر أحد لأجنبي بأي شيء كان في مرض موته فلا يستحقه المقر له ما لم تؤد ديون الصحة أو الديون التي هي في حكم ديون الصحة التي لزمت بأسباب معروفة كما ذكر آنفا.
مادة (1603) استيفاء الدين الذي في ذمة الأجنبي
إذا اقر أحد في مرض موته بكونه قد استوفى طلبه الذي في ذمة أجنبي فينظر إن كان هذا الدين قد تعلق بذمة الأجنبي حال المرض يصح إقراره ولكن لا ينفذ في حق غرماء الصحة وإن كان تعلق في حال الصحة فيصح على كل حال يعني سواء كانت عليه ديون صحة أو لم تكن. مثلاً لو أقر المريض حال مرضه بأنه قبض ثمن المال الذي باعه في ذلك الحال يصح إقراره ولكن إن كان له غرماء صحة فلهم أن لا يعتبروا هذا الإقرار. وإن باع مالاً في حال صحته واقر بقبض ثمنه في مرض موته يصح على كل حال. وان كان له غرماء صحة فليس لهم أن يقولوا لا نعتبر هذا الإقرار.
مادة (1604) أداء الدين
ليس لأحد أن يؤدي دين أحد في مرض موته ويبطل حقوق باقيهم ولكن له أن يؤدي ثمن المال الذي اشتراه أو القرض الذي استقرضه حال كونه مريضاً.
مادة (1605) الكفالة بالمال
الكفالة بالمال في هذا المبحث هي في حكم الدين الأصلي بناء عليه لو تكفل أحد دين وارثه أو طلبه في مرض موته لا يكون نافذاً وإذا كفل للأجنبي فيعتبر من ثلث ماله وأما إذا أقر في مرض موته بكونه قد كفل في حال صحته فيعتبر إقراره من مجموع ماله ولكن تقدم ديون الصحة إن وجدت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية)بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 940)
لا يصح إبراء المريض في مرض موته وارثه من الدين الذي له عليه أو من بعضه سواء كان على المريض دين أم لم يكن.
(مادة 941)
إذا أبرأ المريض في مرض موته غير وارثه من الدين الذي له عليه يعتبر ذلك من ثلث تركته بعد وفاء ما يكون عليه من الدين وإن كانت التركة مستغرقة بالدين فلا يعتبر ذلك الإبراء وللغرماء مطالبة المديون بما عليه من الدين.