مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس، الصفحة : 387
مذكرة المشروع التمهيدي :
كان طبيعياً أن يعقب النص الذي يعدد الشفعاء نص يبين ترتيبهم إذا تزاحموا، والنص السابق ذكرهم مرتبين طبقة بعد طبقة، فإذا تزاحم الشفعاء من الطبقة الواحدة فاستحقاق كل منهم الشفعة يكون على قدر ما يشفع به كما إذا كان العقار يملكه ثلاثة في الشيوع، فباع واحد منهم نصيبه لأجنبي فللشريكين الآخرين أن يشفعا في المبيع كل شريك بنسبة حصته المشاعة، أما إذا باع أحد الشركاء الثلاثة نصيبه الشائع لشريك آخر فإن الشريك الثالث لا يشفع، ذلك لأن المشتري هو أيضاً شفيع من نفس الطبقة التي ينتمي إليها الشريك الثالث، والقاعدة أنه إذا توافرت في المشترى الشروط التي تجعله شفيعاً فإنه يفضل على الشفعاء الذين هم من طبقته أو من طبقة أدنى ولكن يتقدمه الذين هم من طبقة أعلى ( قارن م 8 من قانون الشفعة الحالى، وعبارتها غامضة ) . ومن هنا نصت المادة السابقة، على أن الشريك في الشيوع لا يشفع إلا إذا باع الشريك الآخر حصته لأجنبي، لأنه لو باع لشريك في الشيوع، فإن المشتري يفضل على أي شريك آخر يريد الأخذ بالشفعة، أما إذا تزاحم الجيران في الأخذ بالشفعة، فإن الذي يقدم منهم هو من تعود على ملكه منفعة أكثر من غيره، ويترك هذا التقدير للقاضي.
1- النص فى المادة 936 من القانون المدنى - على أن " يثبت الحق فى الشفعة .( أ ) لمالك الرقبة إذا بيع كل حق الانتفاع الملابس له أو بعضه .( ب ) للشريك فى الشيوع إذا بيع شىء من العقار الشائع إلى أجنبى .( ج) لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أو بعضها .( د ) لمالك الرقبة فى الحكر إذا بيع حق الحكر و للمستحكر إذا بيعت الرقبة .( ه ) للجار المالك " . والنص فى المادة 937 من ذات القانون على أن " وإذا تزاحم الشفعاء يكون إستعمال حق الشفعة على حسب الترتيب المنصوص عليه فى المادة السابقة " مفادها أن المشرع فرد حق الشفعة لكل من مالك الرقبة ولصاحب حق الانتفاع لحكمة توخاها هى جمع شتات الملكية برد حق الانتفاع إلى مالك الرقبة وبرد الرقبة إلى صاحب الانتفاع ، وتحقيقاً لذات الحكمة فقد جعل المشرع الأفضلية عند تزاحم الشفعاء - لمالك الرقبة على سائر الشفعاء عند بيع حق الانتفاع الملابس للرقبة التى يملكها ، وكذلك لمالك حق الانتفاع عند التزاحم إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أو بعضها ، وإذ قرر المشرع الأفضلية بين الشفعاء عند تزاحمهم وفق ما جرى به النص السالف فإن مؤدى ذلك أن الشفعة فى حق الانتفاع أو فى حق الرقبة مقررة أصلاً لسائر الشفعاء المنصوص عليهم لتوفر الحكمة فى تقرير الشفعة لكل منهم وهى المضارة على أن تجرى المفاضلة بينهم عند تزاحمه.
(الطعن رقم 1644 لسنة 51 جلسة 1985/04/09 س 36 ع 1 ص 565 ق 119)
2- مفاد نص المادتين 936 ، 937 من القانون المدنى أن المشرع قرر حق الشفعة لمالك الرقبة - فى بيع حق الإنتفاع لحكمة توخاها هى جمع شتات الملكية برد حق الإنتفاع إلى مالك الرقبة إذ بدون هذا النص الصريح ما كان لمالك الرقبة أن يشفع فى بيع حق الإنتفاع إذ هو ليس شريكاً مشتاعاً ولا جاراً مالكاً - وتحقيقاً لذات الحكمة فقد فضل المشرع مالك الرقبة على سائر الشفعاء عند مزاحمتهم له فى الشفعة فى بيع حق الإنتفاع الملابس للرقبة التى يملكها وذلك على ما جرى به نصالمادة 937 من القانون المدنى المشار إليها - وإذ قرر المشرع الأفضلية لمالك الرقبة على باقى الشفعاء عند مزاحمتهم له وفق ما جرى به هذا النص فقد تصور أن يزاحم الشفعاء الآخرين مالك الرقبة فى بيع حق الإنتفاع فتكون الأفضلية للأخير مؤكداً بذلك أن الشفعة فى حق الإنتفاع مقررة لسائر الشفعاء وذلك لتوفر الحكمة فى تقرير الشفعة وهى منع المضار - لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بثبوت حق الشفعة للجار المالك " المطعون ضدها الأولى " يكون قد أصاب فى النتيجة التى إنتهى إليها .
(الطعن رقم 103 لسنة 48 جلسة 1979/12/13 س 30 ع 3 ص 261 ق 387)
3- متى كان يبين من الحكم أن المحكمة رجحت الرأى الذى يقول بعدم جواز الشفعة فى الحالة التى يكون فيها الشفيع من مرتبة المشترى أخذا بما انتهى اليه الشارع فى المادة 937 من القانون المدنى الجديد ، وكان هذا الذى ذهبت اليه المحكمة وأقامت عليه قضاءها ، من حرمان الشفيع من الشفعة لمجرد كونه مساويا للمشترى فى سبب الأخذ بها ، غير صحيح فى القانون على ماجرى به قضاء هذه المحكمة ، ذلك أن المادة الثامنة من قانون الشفعة [ القديم ] وهى الواجبة التطبيق على واقعة الدعوى تقضى بأن حق الشفعة يبقى ولو كان المشترى حائزا لما يجعله شفيعا وفى هذه الحالة تتبع قواعد التفضيل المقررة فى المادة السابعة لتزاحم الشفعاء ، وتنص هذه المادة الأخيرة على حالة تعدد الجيران فيقدم منهم من تعود على ملكه منفعة من الشفعة أكثر من غيره ، وأنه إعمالا لهذين النصين كان على محكمة الموضوع أن توازن بين المنفعة التى تعود على ملك الشفيع و تلك التى تعود على ملك المشترى ، وأن تفصل فى طلب الشفعة وفقا لنتيجة الموازنة ، فتقضى بالشفعة للشفيع متى ثبت أن منفعة ملكه من الشفعة أكبر ، وترفض دعواه اذا كانت المنفعة التى تعود على ملك المشترى أكبر ، أواذا تساوت المنفعتان ، أما وهى لم تفعل و رفضت دعوى الشفعة بناء على المساواة فى سببها فانها تكون قد أخطأت فى تطبيق القانون
(الطعن رقم 32 لسنة 21 جلسة 1952/12/11 س 4 ع 1 ص 189 ق 30)
4- النص فى الفقرة الثانية من المادة 937 من القانون المدني يدل على أن المشرع لم يضع قاعدة عامة تحكم موضوع التزاحم بين الشفعاء جميعاً. ذلك أن القاعدة التي تقضى بأن يقتسم الشفعاء عند تعددهم العقار المشفوع فيه كل بنسبة نصيبه فى العقار المشفوع به لا تنطبق فى حالة التزاحم فيما بين الجيران عند تعددهم إذ أنهم يختلفون عن غيرهم من الشفعاء فى أنهم لا يشتركون جميعاً فى عقار مشفوع به واحد، فلكل جار عقاره الذي يشفع به لا يشترك فيه معه غيره من الجيران الآخرين وإذ لم يورد النص حكماً لتلك الحالة فيجب - وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المدني الرجوع إلى القاعدة التي تضمنها قانون الشفعة السابق بإعتبارها عرفاً مستقراً جرى عليه العمل - والتي تقض بتفضيل الجار الذي تعود على ملكه منفعة من الشفعة أكثر من غيره من الجيران وهي أيضاً الحكم العادل عند سكوت النص.
(الطعن رقم 3160 لسنة 58 جلسة 1991/05/28 س 42 ع 1 ص 1221 ق 191)
5- يفترض نص الفقرة الثالثة من المادة 937 من القانون المدنى أن المشترى نفسه قد توافرت فيه وقت الشراء شروط الأخذ بالشفعة فى العقار الذى أشتراه بأن يكون مالكاً بالفعل فى هذا الوقت لما يجعله شفيعاً ثم يتقدم لأخذ العقار منه بالشفعة شفيع من نفس طبقته أو من طبقة أدنى - فإن المشترى يفضل فى هذه الحالة ولا يجوز للشفيع أن يأخذ بالشفعة .
(الطعن رقم 2320 لسنة 52 جلسة 1986/04/17 س 37 ع 1 ص 444 ق 96)
نص التقنين المدني الجديد صراحة على أنه إذا توافرت في المشتري الشروط التي كانت تجعله شفيعاً، " فإنه يفضل على الشفعاء الذين هم من طبقته " ( م 937 / 3 مدني ) . وقد كانت محكمة النقض، بالتطبيق لأحكام القانون الشفعة السابق، لا تفضل المشتري الشفيع على شفيع من طبقته، فكانت تفتح باباً للأخذ بالشفعة أغلقه التقنين المدني الجديد بالنص سالف الذكر، وسنعرض لهذه المسألة في موضعها.
تنص المادة 937 مدني على ما يأتي :
1- " إذا تزاحم الشفعاء، يكون استعمال حق الشفعة على حسب الترتيب المنصوص عليه في المادة السابقة".
2- " وإذا تزاحم الشفعاء من طبقة واحدة، فاستحقاق كل منهم للشفعة يكون على قدر نصيبه " .
3 - " فإذا كان المشترى قد توافرت فيه الشروط التي كانت تجعله شفيعاً بمقتضى نص المادة السابقة، فإنه يفضل على الشفعاء الذين هم من طبقته أو من طبقة أدنى، ولكن يتقدمه الذين هم من طبقة أعلى".
الحالات المختلفة لتزاحم الشفعاء : وقد أوردت المادة 937 مدني المشار إليها حالات ثلاثاً لتزاحم الشفعاء :
(الحالة الأولى ) تزاحم الشفعاء وهم من طبقات مختلفة ( م 937 / 1 مدني ).
(الحالة الثانية ) تزاحم الشفعاء وهم من طبقة واحدة ( م 937 / 2 مدني )، وهنا يعرض بحث عدم جواز تفرق الصفقة على المشتري.
(الحالة الثالثة ) تزاحم الشفعاء مع المشتري وهو شفيع مثلهم ( م 937 / 3 مدني )، وهنا يجب بحث فروض ثلاثة :
(1) تزاحم المشتري مع شفعاء أدنى من طبقته. (2) تزاحم المشتري مع شفعاء من نفس طبقته. (3) تزاحم المشتري مع شفعاء أعلى من طبقته .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع، المجلد/ الأول، الصفحة/ 630)
فإذا قام بسبب الشفعة في أكثر من شخص واتخذوا جميعا الإجراءات المقررة في مواعيدها، فإن كان المشتري لم يقم به سبب من أسباب الشفعة، فإن الشفعة تثبت لمن هم في درجة أعلى وفقاً للترتيب الذي أوردته المادة السابقة اذ أنها حددت الأشخاص الذين يكون لهم الحق في الشفعة والتزمت في تحديدهم ترتيباً يتعين الأخذ به عند تزاحم الشفعاء لتفضيل صاحب الطبقة الأعلى، فتكون الأولوية لمالك الرقبة عند بيع حق الانتفاع، ثم الشريك في الشيوع عند بيع المال الشائع، ثم صاحب حق الانتفاع عند بيع الرقبة، ثم مالك الرقبة في الحكر والمستحكر عندما يبيع أحدهما حقه في الحكر، ثم الجار المالك في الطبقة الأخيرة.
إذا تزاحم شفعاء من طبقة واحدة كشركاء في الشيوع ثبتت الشفعة الهم جميعاً كل بقدر حصته، ويسري هذا الحكم بالنسبة للطبقات الأربع الأولى الواردة بالمادة السابقة فلكل منهم حصة في المبيع، أما إذا تزاحم الشفعاء وكانوا من طبقة الجيران وهي الخامسة فيجب تفضيل الجار الذي تعود عليه منفعة أكبر من العقار المشفوع فيه ويترك لقاضي الموضوع التقدير في ذلك مستهديا بموقع كل عقار والغرض المخصص له وحاجته إلى التوسعة واتصاله بالطريق العام دون اعتبار للفوائد التي قد تعود على الشفيع شخصياً من الأخذ بالشفعة، فيفضل الشفيع الأكثر التصاقاً بالأرض المشفوع فيها أو المثقلة أرضه بارتفاق للعقار المشفوع فيه، ويفضل من كان ارتفاقه أثقل من غيره، ومن يملك وحده العقار المشفوع به على المالك في الشيوع، ومن ظل عقاره لم تنزع ملكيته للمنفعة العامة أما أن نزع جزء منه فيكون أحق بالعقار المشفوع فيه لتوسعة ملكه وتعويضه عما نزع منه.
ويرى بعض الفقهاء أنه اذا تساوت المنفعة بالنسبة للشفعاء فإن العقار المشفوع فيه يقسم بينهم كل بنسبة عقاره، ولكن الرأي الراجح ذهب إلى أن المنفعة لايمكن أن تتساوى بل لابد يكون هناك شفیع تعود عليه منفعة أكبر بأي قدر فيقضي له وحده بالشفعة.
ويلزم أيا ما كانت طبقة المتزاحمين أن يطلب كل شفيع العقار المبيع كله ولا يكتفي بطلب جزء منه أو بما يساوي حصته حتى اذا لم يتقدم سواه لطلب الشفعة أو سقط حق من عداه كان له أخذ العقار جميعه وحتى لا تتجزأ الصفقة على المشتري، أما أن استحق المتزاحمون أصحاب الطبقات الأربع الأولى الشفعة قسم القدر المبيع عليهم كل بنسبة حصته في العقار، ويفضل من يطلب الصفقة كلها على من يطلب جزء منها حتى لو كان من طبقة أدنى ولا يجوز لمن طلب الجزء أن يعود ويطلب الكل إلا إذا كانت المواعيد لم تزل مفتوحة، كما لا يجوز للمشترى أن يجزيء الصفقة على الشفيع.
أما إن قام بالمشتري سبب من أسباب الأخذ بالشفعة وكان من طبقة الشفعاء الذين يزاحمونه فإنه يفضل عليهم كما إذا باع شريك في الشيوع حصته لشريك آخر فليس لباقي الشركاء المطالبة بالشفعة لأنهم من ذات طبقة الشريك المشتري وكذلك يفضل الجار المشتري على باقي الجيران اذ أنهم جميعاً من طبقة واحدة.
وإذا توفي الشفيع قبل إعلان رغبته في أخذ العقار بالشفعة، ثبت الحق فيها الورثته جميعاً، فإن قام كل منهم باتخاذ إجراءات إنفرادية، بأن أعلن رغبته وأودع الثمن ورفع الدعوى، كان الجميع من طبقة واحدة ويستحق كل منهم حصة في العقار مساوية لحصته في الميراث، فقد استمد كل منهم حقه في الشفعة من مورثه وحلوا جميعاً محله في ذات الحق، فأصبح كل منهم في ذات طبقته متساويين فيها، وبذلك يكون الإرث سبباً للتزاحم بين الشفعاء.
أما إن قام بالمشتري سبب من أسباب الأخذ بالشفعة وكان من طبقة أدنى من الشفعاء الذين يزاحمونه فإنهم يفضلون عليه.
والمقرر أن حق الشفيع لا يسقط إلا إذا أنذر من البائع أو المشترى، فإن لم ينذر ظل حقه في طلب الشفعة قائماً، ويجوز له طلبها ولو لم ينذر.
فإذا وجه الإنذار إلى شفيع أدنى درجة من شفيع آخر، أو رفع الشفيع الأدنى درجة دعوى الشفعة رغم عدم إنذاره، فإنها تكون مقبولة، فإن صدر حكم فيها، فإنه لا بحاج به إلا من كان ممثلاً فيه بشخصه أو بمن ينوب عنه قانوناً، وبالتالي لا تتعدى حجيته لمن لم يكن مختصماً في الدعوى.
ينطوى الشراء بشرط إختيار الغير، على صورية بطريق التسخير، بأن يسخر المشتري الحقيقي، المشتري الظاهر، في شراء عقار معين، وحينئذ تنصرف آثار البيع إلى المشتري الحقيقي وليس للمشتري الظاهر، ومن هذه الآثار، أن تتم المفاضلة في الشفعة بين الشفيع والمشتري الحقيقي، فإن كان الأخير في مرتبة أعلى من الشفيع، كان أحق بالشفعة، دون اعتداد بمرتبة المشترى الظاهر.
ويجب التحقق الشراء مع حق إختيار الغير، أن يتضمن عقد البيع شرط إختيار الغير والمدة اللازمة لإعمال هذا الشرط، فإذا جاء العقد خلواً من ذلك، فإن المشتري الذي أبرم العقد، يكون هو المشتري الحقيقي صاحب الصفة الوحيد في دعوى الشفعة مما يحول دونه والتمسك بحق إختيار الغير. كما لا يجوز لمن يدعي أنه المشتري الحقيقي أن يتدخل في دعوى الشفعة.
فإن تضمن العقد شرط إختيار الغير، وقام المشترى الظاهر بإعلان اختياره للبائع، حل المشتري الحقیقی محله في عقد البيع، وتعين توجيه إجراءات الشفعة له دون المشتري الظاهر، فإن كان الشفيع قد رفع دعواه قبل هذا الإعلان، وجب عليه إدخال المشتري الحقيقي بعد أن يتحقق علمه به دون أن يؤدي ذلك إلى سقوط حقه في الشفعة قولا بأن إدخاله تم بعد الميعاد المقرر لرفع الدعوى .
ويجب أن يتم إعلان اختيار الغير قبل أن يسجل الشفيع إعلان رغبته في أخذ العقار بالشفعة حتى يحاج به، بحيث أن تم بعد هذا التسجيل فلا يحاج به، وتظل دعوى الشفعة موجهة للمشتري الذي تضمنه العقد دون المشتري الحقیقی حتی لو كان الأخير يفضل على الشفيع، إذ المقرر بموجب المادة 942 من القانون المدني، أن الشفيع لا يحاج بأي حق اكتسبه الغير ضد المشتري بعد تسجيل إعلان الرغبة بالأخذ بالشفعة.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثالث عشر الصفحة/ 97)
وقد رتبت هذه المادة الشفعاء على النحو الآتي:
1- مالك الرقبة عندما يشفع في حق الانتفاع الملابس لها.
2- الشريك في الشيوع في الملكية أو غيرها إذا بیعت حصة شائعة في العقار.
3- صاحب حق الانتفاع عندما يشفع في الرقبة الملابسة.
4- مالك الرقبة عندما يشفع في حق الحكر أو صاحب حق الحكر عند ما يشفع في الرقبة.
5- الجار المالك عندما يشفع في العقار المجاور سواء كانت ملكية تامة أو ملكية رقبة.
التزاحم بين الشفعاء من طبقة واحدة :
تنص الفقرة الثانية من المادة 937 مدني على أنه : "إذا تزاحم الشفعاء من طبقة واحدة، فاستحقاق كل منهم للشفعة يكون على قدر نصيبه".
وتطبيق هذا النص على الطبقات الأربع الأولى لا يثير أدنى صعوبة. فإذا كان الشفعاء المتزاحمون شركاء في ملكية الرقبة عند بيع حق الانتفاع، أو شركاء في الشيوع عند بيع شيء من العقار الشائع إلى أجنبي، أو شركاء في حق الانتفاع عند بيع الرقبة، أو شركاء في ملكية الرقبة عند بيع حق الحكر، أو شركاء في حق الحكر عند بيع الرقبة. ففي جميع هذه الحالات يقسم المبيع بین الشفعاء المتزاحمين، حيث يستحق كل منهم على قدر نصيبه، أي يأخذ كل منهم بنسبة حصته الشائعة. مثل ذلك أن يكون هناك عقار مملوك على الشيوع لثلاثة شركاء، ثم باع أحدهم حصته الشائعة لأجنبي، إذ يكون للشريكين الآخرين أن يشفعا في الحصة المبيعة فيأخذ كل منهما بنسبة حصته.
-قاعدة عدم تجزئة الشفعة :
إذا تعدد الشفعاء من الطبقة الواحدة، وكان لهذه الطبقة الحق في أخذ العقار بالشفعة، باعتبارها الطبقة الأعلى، وانفرد كل من الشفعاء بطلب الشفعة لنفسه مستقلاً عن غيره من الشفعاء، فإنه يجب أن يطلب الأخذ بالشفعة في كامل العقار المبيع، ولا يقتصر على طلب جزء من العقار بنسبة نصيبه في العقار المشفوع به، طبقاً لما تقضى به قاعدة عدم جواز تجزئة الشفعة. إذ من حق المشتري ألا تتجزأ عليه الصفقة.
أما في حالة اشتراك الشفعاء المتعددين في طلب الشفعة معا بإجراءات واحدة فإنه لا يلزم أن يطلب كل شفيع منهم العقار المبيع كله طالما أنهم أعلنوا رغبتهم في أخذ العقار المبيع كله بالشفعة، إذ لا يكون ثمة تبعيض للشفعة على المشتري أو تجزئة للشفعة، ولا يغير من ذلك أن يرد في إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة أو في صحيفة الدعوى ما يشير إلى اقتسام طالبي الشفعة للعقار المبيع على نحو معين لأن ذلك من شأنهم ولا أثر له على حقوق المشترى.
ولكن إذا تعددت الصفقة ببيع العقار أجزاء مفرزة لمشترين متعددين لكل هم جزء مفرز فإنه يجوز للشفيع أن يأخذ بالشفعة في بعض الصفقات دون بعض إذا توافرت شروط الشفعة فيما يأخذ بالشفعة فيه دون أن يكون في ذلك تجزئة للشفعة.
إذا تزاحم جاران في أخذ أرض معدة للبناء بالشفعة، وكان عقار أحد الجارين ملاصقاً للأرض المشفوع فيها ولها في الوقت ذاته حق ارتفاق عليها كمطل أو حق مرور، وكان عقار الجار الآخر ملاصقاً للأرض المشفوع فيها ولا شيء غير ذلك، فضل الجار الأول وأخذ وحده الأرض بالشفعة، لأن عقاره أكثر اتصالاً بالعقار المشفوع فيه، فتعود الشفعة على عقاره بمنفعة أكبر.
وإذا حصل التزاحم بين جارين للعقار المشفوع فيه، وكان عقاراهما مثقلين بحقوق ارتفاق، كانت الأولوية لمن كان عقاره مثقلاً بحقوق ارتفاق أوسع نطاقاً وأشد عبئاً من التي تثقل عقار الجار الآخر.
وإذا كان التزاحم بين جارين شفيعين لكل منهما حق ارتفاق بالرى على الأرض المشفوعة، ولكن أحدهما جواره من جهة واحدة، في حين أن جوار الآخر من جهتين، فإن الأخير هو الذي يفضل.
وإذا كان التزاحم بين جارين عقار أحدهما أكبر مساحة وأحسن موقعاً عن عقار الآخر، كانت الأولوية لصاحب العقار الأصغر، لأنه بضمه إلى العقار المشفوع يحصل على منفعة أكثر من الجار الآخر.
ويفضل صاحب العقار الأصغر على صاحب العقار الأكبر الذي لعقاره شكل منتظم، وله اتصال بالطريق العام من ثلاث جهات.
والترجيح بين المنافع التي تعود على ملك كل من الشفعاء المتزاحمين، وهو ما يستقل قاضي الموضوع بتقديره. فإذا استحال هذا الترجيح واستبان للقاضي أن الشفعاء متساوون من حيث ما يعود على كل منهم من الأخذ بالشفعة، فقد رأى البعض وجوب قسمة العقار المشفوع بين الشركاء. ووجه هذا النظر أن الترجيح لا يكون إلا بوجود المرجح، وهو منعدم هنا لتساوي جميع الشفعاء في المنفعة من الأخذ بالشفعة، ومن ثم تجب القسمة نزولا عند حكم القانون الذي يقضي بها عند تزاحم الشفعاء من طبقة واحدة لعدم إمكان ترجيح مصلحة أحدهم على مصلحة الآخرين، ويرى البعض أن يكون التقسيم ما بين الجيران بنسبة ما يملك كل منهم من عقار مشفوع به.
وقد رد البعض على هذا الرأي بأن قسمة العقار المشفوع فيه بين الجيران المتعددين التي كانت مقررة في الشريعة الإسلامية قد ألغاها قانون الشفعة الذي يعطي في حالة التزاحم الأولوية للجار الذي تعود على عقاره منفعة أكثر من غيره، ولا يقرر القسمة إلا في حالة التزاحم بين ملاك الرقبة أو الشركاء في الملك أو أصحاب حقوق الانتفاع.
التزاحم بين شفعاء يكون المشتري واحدا منهم:
وعلى ذلك إذا توافر للمشتري سبب من أسباب الشفعة وزحمه شفعاء آخرون، فإن النص يفرق بين ثلاثة فروض هي:
الفرض الأول :
أن يزاحم المشتري شفيع أو شفعاء آخرون أدنى منه طبقة:
وفي خصوص هذا الفرض لم يأت النص بجديد حيث يتفق الحل الوارد فيه مع الحكم المنصوص في الفقرة الأولى من المادة (937). فيفصل المشتري، ولا يجوز للشفيع أو الشفعاء الآخرون أخذ العقار بالشفعة.
الفرض الثاني :
يزاحم المشتري شفعاء آخرون من طبقته :
وفي هذا الفرض يفضل المشترى رغم أن هؤلاء الشفعاء من طبقته.
فإذا باع أحد الشركاء حصته الشائعة لشريك آخر في الشيوع، ثم تقدم شريك ثالث للأخذ بالشفعة فإن الشريك المشتري هو الذي يفضل.
وإذا بيع لشريك في الرقبة حق الانتفاع الملابس لنصيبه، وطلب الشركاء الأخرون في الرقبة الشفعة في هذا الحق، فضل الشريك المشتري.
أما إذا كان المبيع من حق الانتفاع يزيد على القدر الملابس لنصيب المشتري في الرقبة، فإن الزيادة تقسم بين الشفعاء المتزاحمين عدا المشتري على قدر نصيب كل منهم طبقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة (937)، لأن المشتري ما كان يجوز له أن يشفع في هذه الزيادة.
وإذا بيعت لشريك في حق الانتفاع الرقبة الملابسة لنصيبه، وطلب الشركاء الأخرون في حق الانتفاع الشفعة في الرقبة المبيعة، فضل الشريك المشتري. أما اذا كان المبيع من الرقبة يزيد على القدر الملابس لنصيب المشتري في الانتفاع، فإن الزيادة تقسم بين الشفعاء المتزاحمين عن المشتري على قدر نصيب كل سه طبقا لحكم الفقرة الثانية من المادة 937 لأن المشترى ما كان له أن يشفع في هذه الزيادة.
ففي هذين المثلين لا يقسم المبيع بين الشفعاء المتزاحمين بما فيهم المشتري طبقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة 937، بل يفضل المشتري على غيره من شتاء طبقاً لحكم الفقرة الثالثة من هذه المادة.
وإذا باع شريك في الشيوع حصته الشائعة في العقار إلى أحد الجيران، فطلب الشفعة فيها الجيران الآخرون، فضل الجار المشتري. ويصدق هذا الحل حتى لو كان بين الجيران الآخرين من تعود على ملکه منفعة من الشفعة أكثر من المشتري ذلك أن الجيران جميعاً يعتبرون من طبقة واحدة، فهم في هذا الخصوص سواء بصرف النظر عن مقدار المنفعة التي تعود على ملك كل منهم من الشفعة.
الفرض الثالث :
أن يزاحم المشترى شفعاء آخرون من طبقة أعلى :
فإذا باع صاحب الطبقة طبقته لصاحب الطبقة الأعلى لم يستطع ص احب الطبقة الأسفل أن يأخذ بالشفعة من مشتر هو من طبقته، وأيضاً إذا باع صاحب الطبقة طبقة لصاحب الطبقة الأسفل، لم يستطع صاحب الطبقة الأعلى أن يأخذ بالشفعة لذات السبب.
وإذا كان البناء مكوناً من عدة طوابق وبكل طابق أكثر من شقة ولكل شقة مالك، فإذا تصورنا أن صاحب شقة باع شقته إلى صاحب الشقة التي تعلوها أو صاحب الشقة التي أسفلها، وتقدم صاحب الشقة الملاصقة للشقة المبيعة والموجودة بذات الطابق ليشفع كان له ذلك ويفصل على صاحب الشقة الأعلى.
فالجوار الجانبي في هذا الفرض وبالذات في ملكية الشقق يفضل الجوار الرأسى، فالشفعة ولاشك تعود على الشقة المجاورة أفقيا بمنفعة أكبر. وإذا تعددت الشقق الملاصقة للشقة المبيعة رأساً، كانت المفاضلة أيضاً على أساس الشفيع الذي تعود على شقته من الشفعة منفعة أكبر .
التفضيل لا يقتضى القيام بإجراءات الشفعة :
تفضيل المشتري الذي توفر له سبب الشفعة على الشفعاء الذين هم من طبقته أو من طبقة أدني لا يقتضي منه أن يقوم بالإجراءات التي يستلزمها القانون الإمكان طلب الشفعة. فحسبه أن تتوفر لديه الشروط الموضوعية التي كانت تجعله شفيعاً، أما الشروط الشكلية فليست مطلوبة بالنسبة إليه، لأنه يستعمل حقه بطريق الدفع لا بطريق الدعوى، حيث أنه لا ينشد الحصول على ملكية جديدة بالحلول محل مشترى آخر، وإنما هو يبغي استبقاء الملك الذي اشتراه. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثالث عشر، الصفحة/ 123)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع ، الصفحة / 22
انْفِرَادُ أَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلشُّفْعَةِ بِطَلَبِهَا:
10 - إِنْ كَانَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلشُّفْعَةِ حَاضِرًا أَوْ قَدِمَ مِنَ السَّفَرِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا وَطَلَبَ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ، فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ تَرْكُهُ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَعْلَمِ الآْنَ مُطَالِبَ سِوَاهُ؛ وَلأِنَّ فِي أَخْذِهِ الْبَعْضَ تَبْعِيضًا لِصَفْقَةِ الْمُشْتَرِي، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَلاَ يُمْكِنُ تَأْخِيرُ حَقِّهِ إِلَى أَنْ يَقْدُمَ شُرَكَاؤُهُ لأِنَّ فِي التَّأْخِيرِ إِضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي.
وَإِنْ كَانَ الشُّفَعَاءُ كُلُّهُمْ غَائِبِينَ لَمْ تَسْقُطِ الشُّفْعَةُ لِمَوْضِعِ الْعُذْرِ. فَإِذَا أَخَذَ مَنْ حَضَرَ جَمِيعَ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ، ثُمَّ حَضَرَ شَرِيكٌ آخَرُ قَاسَمَهُ إِنْ شَاءَ؛ لأِنَّ الْمُطَالَبَةَ إِنَّمَا وُجِدَتْ مِنْهُمَا، وَإِنْ عَفَا بَقِيَ الشِّقْصُ لِلأْوَّلِ. فَإِنْ قَاسَمَهُ ثُمَّ حَضَرَ الثَّالِثُ قَاسَمَهُمَا إِنْ أَحَبَّ الأْخْذَ بِالشُّفْعَةِ، وَبَطَلَتِ الْقِسْمَةُ الأْولَى؛ لأِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ لَهُمَا شَرِيكًا لَمْ يُقَاسِمْ وَلَمْ يَأْذَنْ، وَإِنْ عَفَا الثَّالِثُ عَنْ شُفْعَتِهِ بَقِيَ الشِّقْصُ لِلأْوَّلَيْنِ؛ لأِنَّهُ لاَ مُشَارِكَ لَهُمَا وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَالتَّفْصِيلُ يَكُونُ فِي مُصْطَلَحِ: (شُفْعَةٌ).
هـ - انْفِرَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ:
11 - إِذَا كَانَتِ الشَّرِكَةُ شَرِكَةَ مِلْكٍ، كَمَنْ وَرِثُوا دَارًا وَلَمْ يَقْسِمُوهَا، فَلَيْسَ لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الدَّارِ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي، أَوْ بِالْمُهَايَأَةِ أَيِ اسْتِقْلاَلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالاِنْتِفَاعِ بِجَمِيعِهَا زَمَنًا مُحَدَّدًا وَهَكَذَا.
أَمَّا فِي شَرِكَاتِ الْعَقْدِ، فَفِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ يَجُوزُ لأِحَدِ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّ هَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالأَْمَانَةِ؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَفْعِ الْمَالِ إِلَى صَاحِبِهِ أَمِنَهُ، وَبِإِذْنِهِ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ وَكَّلَهُ، وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا أَنْ يَأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ تَصَرَّفَ فِيهَا، وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ مُسَاوَمَةً، وَمُرَابَحَةً، وَتَوْلِيَةً، وَمُوَاضَعَةً، وَكَيْفَمَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ؛ لأِنَّ هَذَا عَادَةُ التُّجَّارِ، وَأَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَالثَّمَنَ، وَيَقْبِضَهُمَا، وَيُخَاصِمَ فِي الدَّيْنِ وَيُطَالِبَ بِهِ، وَيُحِيلَ وَيَقْبَلَ الْحَوَالَةَ، وَيَرُدَّ بِالْعَيْبِ فِيمَا وَلِيَهُ هُوَ، وَفِيمَا وَلِيَ صَاحِبُهُ، وَأَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَيُؤَجِّرَ، وَأَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِ مِنَ التُّجَّارِ، إِذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً؛ لِتَنَاوُلِ الإْذْنِ لِذَلِكَ دُونَ التَّبَرُّعِ، وَالْحَطِيطَةِ، وَالْقَرْضِ، وَتَزْوِيجِهِ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ، وَإِنَّمَا فَوَّضَ إِلَيْهِ الْعَمَلَ بِرَأْيِهِ فِي التِّجَارَةِ. وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلآْخَرِ جِنْسًا، أَوْ نَوْعًا، أَوْ بَلَدًا، تَصَرَّفَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لأِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالإْذْنِ فَوَقَفَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَأْذَنِ الآْخَرُ تَصَرَّفَ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الْجَمِيعِ، وَلاَ يَتَصَرَّفُ الآْخَرُ إِلاَّ فِي نَصِيبِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَالتَّفْصِيلُ يَكُونُ فِي مُصْطَلَحِ (شَرِكَةٌ) .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العاشر ، الصفحة / 84
التَّبْعِيضُ فِي الشُّفْعَةِ:
23 - قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الشَّفِيعَيْنِ لَوْ تَرَكَ شُفْعَتَهُ، لَمْ يَكُنْ لِلآْخَرِ إِلاَّ أَخْذُ الْجَمِيعِ أَوْ تَرْكُ الْجَمِيعِ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْبَعْضِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لأِنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ إِضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَالضَّرَرُ لاَ يُزَالُ بِالضَّرَرِ.
وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ بَعْضِ الْمَبِيعِ لِذَلِكَ. فَإِنْ فَعَلَ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ؛ لأِنَّهَا لاَ تَتَبَعَّضُ، فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهَا سَقَطَ جَمِيعُهَا كَالْقِصَاصِ .
وَالأْصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَاعِدَةُ «مَا لاَ يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ يَكُونُ اخْتِيَارُ بَعْضِهِ كَاخْتِيَارِ كُلِّهِ، وَإِسْقَاطُ بَعْضِهِ كَإِسْقَاطِ كُلِّهِ».
وَقَاعِدَةُ «مَا جَازَ فِيهِ التَّخْيِيرُ لاَ يَجُوزُ فِيهِ التَّبْعِيضُ» قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ: وَالشَّفِيعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الأْخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَالتَّرْكِ، فَلَوْ أَرَادَ أَخْذَ بَعْضِ الشُّفْعَةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ إِذَا وَجَدَ الشَّفِيعُ بَعْضَ ثَمَنِ الشِّقْصِ لاَ يَأْخُذُ قِسْطَهُ مِنَ الْمُثَمَّنِ (الْمَبِيعِ) طِبْقًا لِقَاعِدَةِ «إِنَّ بَعْضَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لاَ يَجِبُ قَطْعًا» .
ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بَعْضُهُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ عَنِ الْبَعْضِ، أَمَّا إِنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا عَنِ الْبَعْضِ، بِأَنِ اشْتَرَى دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ إِحْدَاهُمَا دُونَ الأُخْرَى، وَكَانَ شَفِيعًا لَهُمَا أَوْ لإِحْدَاهُمَا دُونَ الأْخْرَى. فَاخْتَلَفَ الأْئِمَّةُ عَلَى آرَاءٍ وَأَقْوَالٍ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 360
التَّسْوِيَةُ فِي الشُّفْعَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ :
13 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التَّسْوِيَةِ فِي الشُّفْعَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بِالشُّفْعَةِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ مِنَ الْمِلْكِ؛ لأِنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ بِالْمِلْكِ عَلَى قَدْرِهِ، فَلَوْ كَانَتْ أَرْضٌ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ مَثَلاً: لِوَاحِدٍ نِصْفُهَا، وَلآِخَرَ ثُلُثُهَا، وَلِثَالِثٍ سُدُسُهَا، فَبَاعَ الأْوَّلُ - وَهُوَ صَاحِبُ النِّصْفِ - حِصَّتَهُ أَخَذَ الثَّانِي سَهْمَيْنِ، وَالثَّالِثُ سَهْمًا وَاحِدًا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِلَى أَنَّ الشُّرَكَاءَ يَقْتَسِمُونَ الشِّقْصَ عَلَى قَدْرِ رُءُوسِهِمْ، وَعَلَى هَذَا يُقْسَمُ النِّصْفُ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ؛ لأِنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ هُوَ أَصْلُ الشَّرِكَةِ، وَهُمْ مُسْتَوُونَ فِيهَا، فَيَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي اقْتِسَامِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع عشر ، الصفحة / 203
تَوَهُّمٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّوَهُّمُ فِي اللُّغَةِ: الظَّنُّ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ: تَجْوِيزُ وُجُودِ الشَّيْءِ فِي الذِّهْنِ تَجْوِيزًا مَرْجُوحًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّوَهُّمُ يَجْرِي مَجْرَى الظُّنُونِ، يَتَنَاوَلُ الْمُدْرَكَ وَغَيْرَ الْمُدْرَكِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّصَوُّرُ:
2 - التَّصَوُّرُ هُوَ حُصُولُ صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْلِ، وَإِدْرَاكُ الْمَاهِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهَا بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ . وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوَهُّمِ وَالتَّصَوُّرِ: أَنَّ تَصَوُّرَ الشَّيْءِ يَكُونُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ، وَتَوَهُّمَهُ لاَ يَكُونُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ؛ لأِنَّ التَّوَهُّمَ مِنْ قَبِيلِ التَّجْوِيزِ، وَالتَّجْوِيزُ يُنَافِي الْعِلْمَ.
ب - الظَّنُّ:
3 - الظَّنُّ هُوَ الاِعْتِقَادُ الرَّاجِحُ مَعَ احْتِمَالِ النَّقِيضِ، وَيُسْتَعْمَلُ أَيْضًا فِي الْيَقِينِ وَالشَّكِّ.
وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْوَهْمَ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ مُطْلَقًا
وَقِيلَ: الظَّنُّ أَحَدُ طَرَفَيِ الشَّكِّ بِصِفَةِ الرُّجْحَانِ
وَقِيلَ: الظَّنُّ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ، الْوَهْمُ: الطَّرَفُ الرَّاجِحُ غَيْرُ الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ .
ج - الشَّكُّ:
4 - الشَّكُّ هُوَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ بِلاَ تَرْجِيحٍ لأِحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ عِنْدَ الشَّاكِّ
وَقِيلَ: الشَّكُّ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ، وَهُوَ الْوُقُوفُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لاَ يَمِيلُ الْقَلْبُ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَإِذَا تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُطْرَحِ الآْخَرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ.
د - الْيَقِينُ:
5 - الْيَقِينُ فِي اللُّغَةِ: الْعِلْمُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: اعْتِقَادُ الشَّيْءِ بِأَنَّهُ كَذَا، مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ كَذَا، مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ غَي ْرَ مُمْكِنِ الزَّوَالِ.
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
6 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ التَّوَهُّمَ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ لاَ عِبْرَةَ لَهُ فِي الأَْحْكَامِ، فَكَمَا لاَ يَثْبُتُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ اسْتِنَادًا عَلَى وَهْمٍ، لاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الشَّيْءِ الثَّابِتِ بِصُورَةٍ قَطْعِيَّةٍ بِوَهْمٍ طَارِئٍ.
مِثَالُ ذَلِكَ: إِذَا تُوُفِّيَ الْمُفْلِسُ، تُبَاعُ أَمْوَالُهُ وَتُقْسَمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ تُوُهِّمَ أَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ جَدِيدٌ؛ لأِنَّهُ لاَ عِبْرَةَ لِلتَّوَهُّمِ .
وَكَمَا إِذَا ظَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ مِنْ صَلاَةٍ، وَتَوَهَّمَ شَغْلَهَا بِهَا فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ. إِذْ لاَ عِبْرَةَ لِلْوَهْمِ .
وَيُذْكَرُ التَّوَهُّمُ وَيُرَادُ بِهِ مَا يُقَابِلُ الْيَقِينَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ: فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ فَقْدَ الْمَاءِ تَيَمَّمَ بِلاَ طَلَبٍ وَإِنْ تَوَهَّمَهُ (أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِهِ: أَيْ ذِهْنِهِ، بِأَنْ جَوَّزَ وُجُودَ ذَلِكَ تَجْوِيزًا رَاجِحًا وَهُوَ الظَّنُّ، أَوْ مَرْجُوحًا وَهُوَ الْوَهْمُ، أَوْ مُسْتَوِيًا وَهُوَ الشَّكُّ) طَلَبَهُ .
وَقَدْ يُعْمَلُ بِالْوَهْمِ فِي حَالِ شَغْلِ الذِّمَّةِ وَتَوَهُّمِ بَرَاءَتِهَا، وَهِيَ لاَ تَبْرَأُ إِلاَّ بِالْيَقِينِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ: «إِذَا ظَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ مِنْ صَلاَةٍ، وَتَوَهَّمَ شَغْلَهَا بِهَا، فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، بِخِلاَفِ مَنْ ظَنَّ تَمَامَ صَلاَتِهِ، وَتَوَهَّمَ بَقَاءَ رَكْعَةٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالْوَهْمِ» .
وَتَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَنْ قَاعِدَةِ «لاَ عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ» . وَقَاعِدَةِ «لاَ عِبْرَةَ بِالتَّوَهُّمِ» وَفَرَّعُوا عَلَيْهِمَا مَسَائِلَ كَثِيرَةً يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا بِاخْتِلاَفِ الْمَوَاطِنِ، وَلاَ يُمْكِنُ حَصْرُهَا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فَيُرْجَعُ إِلَى مَظَانِّهَا فِي كُلِّ مَذْهَبٍ.
قَالَ صَاحِبُ دُرَرِ الْحُكَّامِ شَرْحِ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ عِنْدَ قَاعِدَةِ (لاَ عِبْرَةَ لِلتَّوَهُّمِ) مَا نَصُّهُ:
يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ كَمَا لاَ يَثْبُتُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ اسْتِنَادًا عَلَى وَهْمٍ لاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الشَّيْءِ الثَّابِتِ بِصُورَةٍ قَطْعِيَّةٍ بِوَهْمٍ طَارِئٍ.
مِثَالُ ذَلِكَ: إِذَا تُوُفِّيَ الْمُفْلِسُ تُبَاعُ أَمْوَالُهُ وَتُقْسَمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ تُوُهِّمَ أَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ جَدِيدٌ، وَالْوَاجِبُ مُحَافَظَةً عَلَى حُقُوقِ ذَلِكَ الدَّائِنِ الْمَجْهُولِ، أَلاَّ تُقْسَمَ، وَلَكِنْ لأِنَّهُ لاَ اعْتِبَارَ لِلتَّوَهُّمِ تُقْسَمُ الأْمْوَالُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَمَتَى ظَهَرَ غَرِيمٌ جَدِيدٌ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُمْ حَسَبَ الأْصُولِ الْمَشْرُوعَةِ.
كَذَا إِذَا بِيعَتْ دَارٌ وَكَانَ لَهَا جَارَانِ لِكُلٍّ حَقُّ الشُّفْعَةِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَادَّعَى الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ فِيهَا يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ إِرْجَاءُ الْحُكْمِ بِدَاعِي أَنَّ الْغَائِبَ رُبَّمَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِي الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ. كَذَلِكَ إِذَا كَانَ لِدَارِ شَخْصٍ نَافِذَةٌ عَلَى أُخْرَى لِجَارِهِ تَزِيدُ عَلَى طُولِ الإْنْسَانِ فَجَاءَ الْجَارُ طَالِبًا سَدَّ تِلْكَ النَّافِذَةِ بِدَاعِي أَنَّهُ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُ النَّافِذَةِ بِسُلَّمِ وَيُشْرِفَ عَلَى مَقَرِّ النِّسَاءِ فَلاَ يُلْتَفَتُ لِطَلَبِهِ. وَكَذَا لاَ يُلْتَفَتُ لِطَلَبِهِ فِيمَا لَوْ وَضَعَ جَارُهُ فِي غُرْفَةٍ مُجَاوِرَةٍ لَهُ تِبْنًا وَطَلَبَ رَفْعَهُ بِدَاعِي أَنَّهُ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ تَعْلَقَ بِهِ النَّارُ فَتَحْتَرِقَ دَارُهُ.
كَذَا: إِذَا جَرَحَ شَخْصٌ آخَرَ ثُمَّ شُفِيَ الْمَجْرُوحُ مِنْ جُرْحِهِ تَمَامًا وَعَاشَ مُدَّةً ثُمَّ تُوُفِّيَ فَادَّعَى وَرَثَتُهُ بِأَنَّهُ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ وَالِدُهُمْ مَاتَ بِتَأْثِيرِ الْجُرْحِ فَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع عشر ، الصفحة / 288
شُفْعَةُ صَاحِبِ الْخُلُوِّ :
21 - مِنْ صُوَرِ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْعَدَوِيُّ أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ نَاظِرِ الْوَقْفِ أَرْضًا بِثَلاَثِينَ دِينَارًا فِي كُلِّ عَامٍ مَثَلاً وَبَنَوْا عَلَيْهَا دَارًا وَلَكِنَّ الدَّارَ تُكْرَى بِسِتِّينَ، فَحَقُّهُمْ يُقَالُ لَهُ الْخُلُوُّ، فَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ فِي الْبِنَاءِ فَلِشُرَكَائِهِ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ .
وَمِنْ صُوَرِهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ أَبُو السُّعُودِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الأْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ أَنَّ مَنْ لَهُ خُلُوٌّ فِي أَرْضٍ مُحْتَكَرَةٍ وَكَانَ خُلُوُّهُ عِبَارَةً عَنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لأِنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِالأْرْضِ اتِّصَالَ قَرَارٍ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ. وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: هَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْصُوصَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَيْ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ لاَ شُفْعَةَ لَهُ وَلاَ شُفْعَةَ فِيهِ .
وَقْفُ الْخُلُوِّ :
22 - رَجَّحَ جُمْهُورُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْخُلُوَّ يَجُوزُ وَقْفُهُ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ بَعْضُهَا مَوْقُوفٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مَوْقُوفٍ، وَهَذَا الْبَعْضُ الثَّانِي هُوَ الْخُلُوُّ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْوَقْفُ. وَبِمِثْلِهِ قَالَ الرَّحِيبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِذَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ خَرَّجَهُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمَاءِ إِنْ كَانُوا قَدِ اعْتَادُوهُ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَجِدْهُ مَسْطُورًا، لَكِنَّ الْقِيَاسَ لاَ يَأْبَاهُ وَلَيْسَ فِي كَلاَمِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ.
قَالَ الْعَدَوِيُّ: عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْخُلُوُّ لِكِتَابِيٍّ فِي وَقْفِ مَسْجِدٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ وَقْفِهِ عَلَى كَنِيسَةٍ مَثَلاً.
وَالرَّأْيُ الآْخَرُ لَدَى كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَصَرَّحَ بِهِ الشِّرْوَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّ الْخُلُوَّاتِ لاَ يَجُوزُ وَقْفُهَا؛ لأِنَّ هَا مَنْفَعَةُ وَقْفٍ، وَمَا تَعَلَّقَ الْوَقْفُ بِهِ لاَ يُوقَفُ .
وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ وَعَلِيٌّ الأْجْهُورِيُّ، قَالَ الأْجْهُورِيُّ: مَحَلُّ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْفَعَةَ حَبْسٍ، لِتَعَلُّقِ الْحَبْسِ بِهَا، وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْحَبْسُ لاَ يُحْبَسُ، وَلَوْ صَحَّ وَقْفُ مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ لَصَحَّ وَقْفُ الْوَقْفِ، وَاللاَّزِمُ بَاطِلٌ شَرْعًا وَعَقْلاً، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ ذَاتٍ وُقِفَتْ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْوَقْفُ بِمَنْفَعَتِهَا وَأَنَّ ذَاتَهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْوَاقِفِ. قَالَ: وَبِهَذَا تَعْلَمُ بُطْلاَنَ تَحْبِيسِ الْخُلُوِّ . وَوَافَقَ الأْجْهُورِيُّ عَلَى فُتْيَاهُ هَذِهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي، ثُمَّ لَمَّا رُوجِعَ بِفَتْوَى اللَّقَانِيِّ بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَإِرْثِهَا أَفْتَى بِجَوَازِ وَقْفِهَا قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: وَالْعَمَلُ عَلَى الْفَتْوَى بِجَوَازِ وَقْفِ الْخُلُوِّ، وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَلَمْ يُخَالِفِ الأْجْهُورِيُّ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، كَالْبَيْعِ، وَالإْجَارَةِ، وَالإْعَارَةِ وَالرَّهْنِ .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ تَعَرُّضًا لِمَسْأَلَةِ وَقْفِ مَنْفَعَةِ الْخُلُوِّ. وَلَكِنَّهُمْ يَتَعَرَّضُونَ لِمَسْأَلَةِ وَقْفِ مَا بَنَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ أَوْ غَرْسِهِ فِيهَا. مِمَّا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ.
وَالأْصْلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ بِدُونِ الأْرْضِ ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الأْرْضُ مَمْلُوكَةً أَوْ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَفْتَى بِذَلِكَ الْعَلاَّمَةُ قَاسِمٌ، وَعَزَاهُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَإِلَى هِلاَلٍ وَالْخَصَّافِ، وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: فَحَيْثُ تُعُورِفَ وَقْفُهُ جَازَ. وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: إِنَّ النَّاسَ مُنْذُ زَمَنٍ قَدِيمٍ نَحْوِ مِائَتَيْ سَنَةٍ عَلَى جَوَازِهِ، وَالأْحْكَامُ بِهِ مِنَ الْقُضَاةِ الْعُلَمَاءِ مُتَوَاتِرَةٌ، وَالْعُرْفُ جَارٍ بِهِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ فِيهِ ا. هـ. وَأَمَّا إِذَا وَقَفَهُ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي كَانَتِ الْبُقْعَةُ وَقْفًا عَلَيْهَا جَازَ اتِّفَاقًا تَبَعًا لِلْبُقْعَةِ، وَحَرَّرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ الْقَوْلَ الأَْوَّلَ وَوَافَقَهُ ابْنُ عَابِدِينَ. قَالَ: لأِنَّ شَرْطَ الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ، وَالأْرْضُ إِذَا كَانَتْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ فَلِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهَا وَأَمْرُهُ بِنَقْضِ الْبِنَاءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ، فَإِنَّ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ ذَلِكَ، فَلاَ يَكُونُ الْوَقْفُ مُؤَبَّدًا. قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتِ الأْرْضُ مُعَدَّةً لِلاِحْتِكَارِ؛ لأِنَّ الْبِنَاءَ يَبْقَى فِيهَا كَمَا إِذَا كَانَ وَقْفُ الْبِنَاءِ عَلَى جِهَةِ وَقْفِ الأْرْضِ فَإِنَّهُ لاَ مُطَالِبَ لِنَقْضِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَجْهُ جَوَازِ وَقْفِهِ إِذَا كَانَ مُتَعَارَفًا.
وَنَقَلَ صَاحِبُ الدُّرِّ أَنَّ ابْنَ نُجَيْمٍ سُئِلَ عَنِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ، هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ ؟ فَأَجَابَ: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَوَقْفُ الشَّجَرِ كَوَقْفِ الْبِنَاءِ. أَمَّا مُجَرَّدُ الْكَبْسِ بِالتُّرَابِ أَيْ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مُسْتَهْلَكٌ كَالسَّمَادِ فَلاَ يَصِحُّ وَقْفُهُ، وَنُقِلَ عَنِ الإْسْعَافِ فِي أَحْكَامِ الأْوْقَافِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَقْفُ مَا بُنِيَ فِي الأْرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَا لَمْ تَكُنْ مُتَقَرِّرَةً لِلاِحْتِكَارِ . وَمَا يُسَمَّى الْكَدَكَ أَوِ الْجَدَكَ فِي حَوَانِيتِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا مِنْ رُفُوفٍ مُرَكَّبَةٍ فِي الْحَانُوتِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَقْفُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ الشَّائِعِ بِخِلاَفِ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ .
إِرْثُ الْخُلُوَّاتِ :
23 - الَّذِينَ قَالُوا مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنَّ الْخُلُوَّ يُمْلَكُ وَيُبَاعُ وَيُرْهَنُ ذَهَبُوا كَذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ يُورَثُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ فُتْيَا اللَّقَانِيِّ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ مَنْ وَافَقُوهُ عَلَيْهَا . (ف 16).
وَلاَ يَخْفَى أَنَّ الْخُلُوَّ فِي الأْوْقَافِ عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ يُمْلَكُ، يُورَثُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.
تَكَالِيفُ الإْصْلاَحَاتِ :
24 - عَلَى صَاحِبِ الْخُلُوِّ أَوْ أَصْحَابِهِ مَا يَقُومُونَ بِهِ مِنَ الإْصْلاَحَاتِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ مِنْهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوِ اشْتَرَكُوا فِي بِنَاءٍ فِي أَرْضِ وَقْفٍ اكْتَرَوْهُ مِنْ نَاظِرِهِ لِذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى النَّاظِرِ بِالنِّسْبَةِ، كَمَا لَوْ عَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ حَانُوتَ الْوَقْفِ إِذَا تَخَرَّبَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ خُلُوًّا .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ أَحْوَالِ نُشُوءِ حَقِّ الْخُلُوِّ فِي عَقَارَاتِ الأْوْقَافِ :
25 - أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي عَقَارِ الْوَقْفِ حَقُّ الْقَرَارِ بِسَبَبِ مَا يُنْشِئُهُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ إِذَا أَنْشَأَهُ بِإِذْنِ النَّاظِرِ لأِجْلِ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَهُ، وَخُلُوًّا يَنْتَفِعُ بِهِ، مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ أَوْ كَبْسٍ بِالتُّرَابِ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (الْكِرْدَارَ) أَوْ مَا يُنْشِئُهُ كَذَلِكَ فِي مَبْنَى الْوَقْفِ، مِنْ بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ مُتَّصِلٍ اتِّصَالَ قَرَارٍ، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ (الْجَدَكَ) قَالَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ لِصَاحِبِ الْكِرْدَارِ حَقَّ الْقَرَارِ، فَتَبْقَى فِي يَدِهِ. وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنِ الْقُنْيَةِ وَالزَّاهِدِيِّ، قَالَ الزَّاهِدِيُّ: اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا وَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إِلاَّ الْقَلْعَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ. ا. هـ .
لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي الْبَقَاءِ ضَرَرٌ لَمْ يَجِبِ الاِسْتِبْقَاءُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ وَارِثُهُ مُفَلِّسًا، أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ، أَوْ مُتَغَلِّبًا يُخْشَى مِنْهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَصْلُ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ حَيْثُ قَالَ: « حَانُوتٌ أَصْلُهُ وَقْفٌ وَعِمَارَتُهُ لِرَجُلٍ، وَهُوَ لاَ يَرْضَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ الأْرْضَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ »، قَالُوا: « إِنْ كَانَتِ الْعِمَارَةُ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَتْ يَسْتَأْجِرُ الأْصْلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَأْجِرُ صَاحِبُ الْبِنَاءِ كُلِّفَ رَفْعَهُ وَيُؤَجِّرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلاَ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الأْجْرِ » .
وَلاَ يَخْفَى أَنَّ الأْصْلَ فِي الإْجَارَةِ أَنَّهُ إِذَا انْتَهَتِ الْمُدَّةُ فَالنَّاظِرُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُجَدِّدَ عَقْدَ الإْجَارَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الأْوَّلِ أَوْ لاَ يُجَدِّدَهُ بَلْ تَنْتَهِي الإْجَارَةُ، وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ الأْوَّلِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ إِجْمَاعِيَّةٌ. لَكِنَّ اسْتِبْقَاءَ الأْرْضِ الْوَقْفِيَّةِ الْمُؤَجَّرَةِ عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِهِ إِنْ بَنَى عَلَيْهَا مُسْتَأْجِرُهَا عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَجْهُهُ أَنَّهُ أَوْلَوِيٌّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ، لاَ سِيَّمَا مَعَ مَا ابْتُلِيَ بِهِ النَّاسُ كَثِيرًا .
وَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ أَفْتَى بِثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ أَنْ لاَ تُجَدَّدَ الإْجَارَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مَنْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْوَقْفِ، كَمَا أَنَّ حَقَّ الاِسْتِبْقَاءِ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ لَوْ طُولِبَ بِرَفْعِ جَدَكَةٍ أَوْ كِرْدَارَةٍ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ إِيجَارُ الْوَقْفِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلَوْ زَادَ أَجْرُهُ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ زِيَادَةً فَاحِشَةً، فَالأْصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ بِالأْجْرَةِ الزَّائِدَةِ، وَقَبُولُ الْمُسْتَأْجِرِ الزِّيَادَةَ يَكْفِي عَنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ.
وَالْمُرَادُ أَنْ تَزِيدَ أُجْرَةُ الْوَقْفِ فِي نَفْسِهِ لِزِيَادَةِ الرَّغْبَةِ، لاَ زِيَادَةَ مُتَعَنِّتٍ، وَلاَ بِمَا يَزِيدُ بِعِمَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ. فَإِنْ قَبِلَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالزِّيَادَةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لأِنَّهُ يَزُولُ الْمُسَوِّغُ لِلْفَسْخِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ دَاعٍ. فَإِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْمُسْتَأْجِرُ الاِلْتِزَامَ بِالزِّيَادَةِ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُ الإْجَارَةِ، فَإِنِ امْتَنَعَ فَسَخَهَا الْقَاضِي، وَيُؤَجِّرُهَا الْمُتَوَلِّي مِنْ غَيْرِهِ.
وَهَذَا إِنْ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْعَقْدِ، فَبَعْدَ انْتِهَائِهَا أَوْلَى.
هَذَا وَيُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ حَقِّ الْقَرَارِ عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِهِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَا صَنَعَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ وَضْعِ غِرَاسِهِ، أَوْ بِنَائِهِ، أَوْ جَدَكَةٍ بِإِذْنِ النَّاظِرِ لِيَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِلْكًا وَخُلُوًّا، فَإِنْ وَضَعَهُ دُونَ إِذْنٍ فَلاَ عِبْرَةَ بِهِ، وَلاَ يَجِبُ تَجْدِيدُ الإْجَارَةِ لَهُ .
أَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي مَحَلِّ الإْجَارَةِ جَدَكٌ وَلاَ كِرْدَارٌ فَلاَ يَكُونُ لَهُ فِيهِ حَقُّ الْقَرَارِ فَلاَ يَكُونُ أَحَقَّ بِالاِسْتِئْجَارِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ اسْتِئْجَارِهِ، سَوَاءٌ أَزَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ قَبِلَ الزِّيَادَةَ أَمْ لاَ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ إِنَّ قَبْلَ الزِّيَادَةِ الْعَارِضَةِ يَكُونُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، فَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ كُتُبُ الْمَذْهَبِ مِنْ مُتُونٍ، وَشُرُوحٍ، وَحَوَاشٍ، وَفِيهِ الْفَسَادُ وَضَيَاعُ الأْوْقَافِ، حَيْثُ إِنَّ بَقَاءَ أَرْضِ الْوَقْفِ بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ وَاحِدٍ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ يُؤَدِّي بِهِ إِلَى دَعْوَى تَمَلُّكِهَا، مَعَ أَنَّهُمْ مُنِعُوا مِنْ تَطْوِيلِ الإْجَارَةِ فِي الْوَقْفِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ. ا. هـ إِذِ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْوَقْفَ لاَ يُؤَجَّرُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لِلْبِنَاءِ، وَثَلاَثَ سِنِينَ لِلأْرْضِ .
وَلَوْ كَانَ لإِنْسَانٍ حَقُّ الْقَرَارِ فِي عَقَارٍ وُقِفَ بِسَبَبِ كِرْدَارَهِ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْكِرْدَارُ زَالَ حَقُّهُ فِي الْقَرَارِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: فِي أَرْضٍ فَنِيَتْ أَشْجَارُهَا، وَذَهَبَ كِرْدَارُهَا وَيُرِيدُ مُحْتَكِرُهَا أَنْ تَسْتَمِرَّ تَحْتَ يَدِهِ بِالْحَكْرِ السَّابِقِ وَهُوَ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ: قَالَ: لاَ يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ، بَلِ النَّاظِرُ يَتَصَرَّفُ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ لِجَانِبِ الْوَقْفِ مِنْ دَفْعِهَا بِطَرِيقِ الْمُزَارَعَةِ، أَوْ إِجَارَتِهَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالْحَكْرُ لاَ يُوجِبُ لِلْمُسْتَحْكِرِ اسْتِبْقَاءَ الأْرْضِ فِي يَدِهِ أَبَدًا عَلَى مَا يُرِيدُ وَيَشْتَهِي .
ثُمَّ قَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ هَذَا الْجَدَكَ الْمُتَّصِلَ اتِّصَالَ قَرَارٍ الْمَوْضُوعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبِينِ قَالَ فِيهِ أَبُو السُّعُودِ: إِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خُلُوٌّ وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ كَالْخُلُوِّ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ بِجَامِعِ الْعُرْفِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا .
وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَتَاوَى الْمَهْدِيَّةِ وَقَالَ: إِنَّ الْحَقَّ الْمَذْكُورَ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ إِذَا بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ فِعْلاً، أَوْ غَرَسَ فِعْلاً، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَغْرِسَ انْفَسَخَتِ الإِْجَارَةُ وَفَاتَ الْوَرَثَةَ ذَلِكَ الْحَقُّ .
بَيْعُ الْخُلُوِّ الثَّابِتِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُبَيَّنَةِ :
26 - إِذَا ثَبَتَ حَقُّ الْقَرَارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، أَوْ حَوَانِيتِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُبَيَّنَةِ سَابِقًا وَوَضَعَ أَبْنِيَةً أَوْ جَدَكًا ثَابِتًا، أَوْ أَشْجَارًا فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، فَإِنَّ مَا يَضَعُهُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَيَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الإْجَارَةِ أَوْ بَعْدَهَا بَيْعُ مَا أَحْدَثَهُ مِنَ الأْعْيَانِ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْقَرَارِ لِلْمُشْتَرِي، وَيَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلُ أَجْرِ الأْرْضِ خَالِيَةً عَمَّا أَحْدَثَهُ فِيهَا، وَكَذَا الْحَانُوتُ .
أَمَّا الأْرْضُ الْمَوْقُوفَةُ إِذَا اسْتَأْجَرَهَا عَلَى وَجْهٍ لاَ يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الْقَرَارِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ كَانَ اسْتِئْجَارُهَا عَلَى وَجْهٍ يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الْقَرَارِ لَكِنْ لَمْ يَبْنِ فِعْلاً، أَوْ بَنَى شَيْئًا فَفَنِيَ وَزَالَ فَلاَ يُبَاعُ ذَلِكَ الْحَقُّ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لأِنَّهُ مُجَرَّدٌ. وَقَدْ تَعَرَّضَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ لِلْفَرَاغِ عَنْ ذَلِكَ مُقَابِلَ عِوَضٍ مَالِيٍّ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْبَيْعِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ التَّنَازُلِ عَنِ الْحَقِّ الْمُجَرَّدِ بِمَالٍ. فَفِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَصْلاً، وَنُقِلَ فِي وَاقِعَةٍ: حَكَمَ بِصِحَّتِهِ قَاضٍ حَنْبَلِيٌّ نَفَذَ لَوْ كَانَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ، لَكِنْ قَالَ إِنَّهُ لاَ يَنْفُذُ لأِنَّ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ (لاَ يَصِحُّ الْفَرَاغُ فِي الأْوْقَافِ الأَْهْلِيَّةِ، وَأَوْقَافِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا، سَوَاءٌ أَذِنَ فِي ذَلِكَ النَّاظِرُ أَمْ لَمْ يَأْذَنْ، بَلْ لِلنَّاظِرِ إِيجَارُهَا وَصَرْفُ أُجْرَتِهَا فِي جِهَاتِ الْوَقْفِ، وَلاَ يَصِحُّ الْفَرَاغُ إِلاَّ فِي مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ وَضُرِبَ عَلَيْهِ خَرَاجٌ يُؤْخَذُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ) .
وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: سُئِلَ فِي أَرْضِ وَقْفٍ دَفَعَهَا النَّاظِرُ لِمُزَارِعٍ يَزْرَعُهَا بِالْحِصَّةِ هَلْ يَمْلِكُ الْمُزَارِعُ دَفْعَهَا لِمُزَارِعٍ آخَرَ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ فِي مُقَابِلِهَا، أَمْ لاَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. فَلاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلاَ فَرَاغُهُ، وَيَرْجِعُ الْمُزَارِعُ الثَّانِي عَلَى الأْوَّلِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ مَالٍ ؟
فَأَجَابَ: أَرْضُ الْوَقْفِ لاَ يَمْلِكُهَا الْمُزَارِعُ وَلاَ تَصَرُّفَ لَهُ فِيهَا بِالْفَرَاغِ عَنْ مَنْفَعَتِهَا بِمَالٍ يَدْفَعُهُ لَهُ مُزَارِعٌ آخَرُ لِيَزْرَعَهَا لِنَفْسِهِ؛ لأِنَّ انْتِفَاعَ الأْوَّلِ بِهَا مُجَرَّدُ حَقٍّ، لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ بِمَالٍ، فَإِذَا أَخَذَ مَالاً فِي مُقَابَلَةِ الاِعْتِيَاضِ عَنْهُ يَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ صَاحِبُهُ شَرْعًا. وَالْوَقْفُ مُحَرَّمٌ بِحُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَتَاوَى الْمَهْدِيَّةِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ. وَنَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَابِدِينَ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ (تَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ فِيمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالإْجَارَةِ) وَقَالَ: لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِسْقَاطُ حَقِّهِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ يَأْخُذُهُ، ثُمَّ يَسْتَأْجِرُ الْمُسْقَطَ لَهُ مِنَ النَّاظِرِ إِذْ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهَا، كَحَقِّ الشُّفْعَةِ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا لاَ يَمْنَعُ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يُؤَجِّرَ لِغَيْرِهِ إِلَى بَاقِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ؛ لأِنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ إِلَى نِهَايَةِ مُدَّةِ الإْجَارَةِ فَلَهُ بَيْعُهَا بِطَرِيقِ الإْجَارَةِ .
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَلَمْ نَجِدِ التَّصْرِيحَ مِنْهُمْ بِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ أَنَّ الشَّيْخَ عُلَيْشًا ذَكَرَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنَ إِنْ آجَرَ الْوَقْفَ وَأَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الْبِنَاءِ فِيهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ، وَالْبِنَاءُ مِلْكٌ لِلْبَانِي فَلَهُ نَقْضُهُ أَوْ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا إِنْ كَانَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يَدْفَعُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهَذَا إِنْ كَانَ الْوَقْفُ لاَ يَحْتَاجُ لِمَا بَنَاهُ وَإِلاَّ فَيُوَفَّى لَهُ مِنَ الْغَلَّةِ قَطْعًا. قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: أَفَادَ ذَلِكَ الشَّيْخُ الْخَرَشِيُّ رحمه الله .
وَلَمْ نَجِدْ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَا فِيهِ النَّصُّ عَلَى ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الإْجَارَةِ تَقْتَضِي إِنْهَاءَ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ بِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الإْجَارَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: غِرَاسُ الْمُسْتَأْجِرِ وَبِنَاؤُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إِذَا لَمْ يُقْلِعْهُ الْمَالِكُ، فَلِلْمُؤَجِّرِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ وَيُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فَصْلُهُ بِدُونِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ مَالِكَ الأْصْلِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ قَهْرًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ مِنْ صَاحِبِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الْفَرَاغُ مُقَابِلَ مَالٍ فِي الأْوْقَافِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 155
تَعَدُّدُ الشُّفَعَاءِ وَتَزَاحُمُهُمْ:
أَوَّلاً. عِنْدَ اتِّحَادِ سَبَبِ الشُّفْعَةِ:
40 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ عَلَى الشُّفَعَاءِ عِنْدَ اتِّحَادِ سَبَبِ الشُّفْعَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِأَنْ كَانُوا جَمِيعًا مِنْ رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ - أَيْ شُرَكَاءَ مَثَلاً -
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، فِي الأْظْهَرِ ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَدَّدَ الشُّفَعَاءُ وُزِّعَتِ الشُّفْعَةُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ الْحِصَصِ مِنَ الْمِلْكِ، لاَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالْمِلْكِ فَقُسِّطَ عَلَى قَدْرِهِ كَالأْجْرَةِ وَالثَّمَنِ .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ: وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ، إِلَى أَنَّهَا تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لاَ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السَّبَبَ فِي مَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ أَصْلُ الشَّرِكَةِ، وَقَدِ اسْتَوَيَا فِيهِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الاِسْتِحْقَاقِ .
41 - وَكَمَا يُقْسَمُ الْمَشْفُوعُ فِيهِ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِالتَّسَاوِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، يُقْسَمُ أَيْضًا عَلَى الْجِيرَانِ بِالتَّسَاوِي بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ مِقْدَارِ الْمُجَاوَرَةِ، فَإِذَا كَانَ لِدَارٍ وَاحِدَةٍ شَفِيعَانِ جَارَانِ جِوَارُهُمَا عَلَى التَّفَاوُتِ بِأَنْ كَانَ جِوَارُ أَحَدِهِمَا بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ الدَّارِ وَجِوَارُ الآْخَرِ بِسُدُسِهَا، كَانَتِ الشُّفْعَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لاِسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ أَصْلُ الْجِوَارِ.
فَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي السَّبَبِ أَصْلُ الشَّرِكَةِ لاَ قَدْرُهَا، وَأَصْلُ الْجِوَارِ لاَ قَدْرُهُ، وَهَذَا يَعُمُّ حَالَ انْفِرَادِ الأْسْبَابِ وَاجْتِمَاعِهَا .
ثَانِيًا: عِنْدَ اخْتِلاَفِ سَبَبِ الشُّفْعَةِ:
42 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَسْبَابَ الشُّفْعَةِ إِذَا اجْتَمَعَتْ يُرَاعَى فِيهَا التَّرْتِيبُ بَيْنَ الشُّفَعَاءِ فَيُقَدَّمُ الأْقْوَى فَالأْقْوَى ، فَيُقَدَّمُ الشَّرِيكُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ عَلَى الْخَلِيطِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ، وَيُقَدَّمُ الْخَلِيطُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ عَلَى الْجَارِ الْمُلاَصِقِ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنَ الْخَلِيطِ وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ» وَلأِنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ هُوَ دَفْعُ ضَرَرِ الدَّخِيلِ وَأَذَاهُ، وَسَبَبُ وُصُولِ الضَّرَرِ وَالأْذَى هُوَ الاِتِّصَالُ، وَالاِتِّصَالُ عَلَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ، فَالاِتِّصَالُ بِالشَّرِكَةِ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ أَقْوَى مِنَ الاِتِّصَالِ بِالْخَلْطِ، وَالاِتِّصَالُ بِالْخَلْطِ أَقْوَى مِنَ الاِتِّصَالِ بِالْجِوَارِ، وَالتَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ التَّأْثِيرِ تَرْجِيحٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ وَجَبَتْ لِلْخَلِيطِ.
وَإِنِ اجْتَمَعَ خَلِيطَانِ يُقَدَّمُ الأْخَصُّ عَلَى الأْعَمِّ، وَإِنْ سَلَّمَ الْخَلِيطُ وَجَبَتْ لِلْجَارِ لِمَا قُلْنَا، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ الشَّرِيكُ فَلاَ شُفْعَةَ لِغَيْرِهِ.
فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَيْسَ لِلْمُتَأَخِّرِ حَقٌّ إِلاَّ إِذَا سَلَّمَ الْمُتَقَدِّمُ، فَإِنْ سَلَّمَ فَلِلْمُتَأَخِّرِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ؛ لأِنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي حَقِّ الْكُلِّ إِلاَّ أَنَّ لِلشَّرِيكِ حَقَّ التَّقَدُّمِ.
وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْجَارُ طَلَبَ الشُّفْعَةَ مَعَ الشَّرِيكِ إِذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ لِيُمْكِنَهُ الأْخْذُ إِذَا سَلَّمَ الشَّرِيكُ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ حَتَّى سَلَّمَ الشَّرِيكُ فَلاَ يَحِقُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ . وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لاَ يُثْبِتُونَ الشُّفْعَةَ إِلاَّ لِلشَّرِيكِ فِي الْمِلْكِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلاَ يَتَأَتَّى التَّزَاحُمُ عِنْدَهُمْ لأِنَّ هُمْ وَإِنْ وَافَقُوهُمْ فِي ذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّهُمْ ذَهَبُوا مَذْهَبًا آخَرَ فَجَعَلُوهَا لِلشُّرَكَاءِ فِي الْعَقَارِ دُونَ تَرْتِيبٍ إِذَا مَا كَانُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يَكُونُ كُلُّ شَرِيكٍ أَصْلاً فِي الشَّرِكَةِ لاَ خَلَفًا فِيهَا عَنْ غَيْرِهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ خَلَفًا فِي الشَّرِكَةِ عَنْ غَيْرِهِ دُونَ بَعْضٍ فَلاَ تَكُونُ لَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ الشَّرِيكُ فِي السَّهْمِ الْمُبَاعِ بَعْضُهُ عَلَى الشَّرِيكِ فِي أَصْلِ الْعَقَارِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْوَرَثَةِ، فَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ جَدَّتَيْنِ، وَزَوْجَتَيْنِ، وَشَقِيقَتَيْنِ، فَبَاعَتْ إِحْدَى هَؤُلاَءِ حَظَّهَا مِنَ الدَّارِ كَانَتِ الشُّفْعَةُ أَوَّلاً لِشَرِيكَتِهَا فِي السَّهْمِ دُونَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَالشَّرِيكِ الأْجْنَبِيِّ، فَتَكُونُ الْجَدَّةُ - مَثَلاً - أَوْلَى بِمَا تَبِيعُ صَاحِبَتُهَا (وَهِيَ الْجَدَّةُ الأْخْرَى) لاِشْتِرَاكِهِمَا فِي السُّدُسِ، وَهَكَذَا .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا، إِنْ أَعَارَ شَخْصٌ أَرْضَهُ لِقَوْمٍ يَبْنُونَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسُونَ فِيهَا فَفَعَلُوا ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمْ حَظَّهُ مِنَ الْبِنَاءِ أَوِ الشَّجَرِ قُدِّمَ الشَّخْصُ الْمُعِيرُ عَلَى شُرَكَاءِ الْبَائِعِ فِي أَخْذِ الْحَظِّ الْمَبِيعِ بِقِيمَةِ نَقْضِهِ مَنْقُوضًا أَوْ بِثَمَنِهِ الَّذِي بِيعَ بِهِ فَالْخِيَارُ لَهُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ، هَذَا فِي الإْعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدَةُ بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يُنْقَضْ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إِنْ بَاعَ أَحَدُهُمْ حَظَّهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الإْعَارَةِ عَلَى الْبَقَاءِ فَلِشَرِيكِهِ الشُّفْعَةُ وَلاَ مَقَالَ لِرَبِّ الأْرْضِ إِنْ بَاعَهُ عَلَى الْبَقَاءِ، وَإِنْ بَاعَهُ عَلَى النَّقْضِ قُدِّمَ رَبُّ الأْرْضِ .
فَإِذَا بَنَى رَجُلاَنِ فِي عَرْصَةِ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنَ النَّقْضِ فَلِرَبِّ الأْرْضِ أَخْذُهُ بِالأْقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا أَوْ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ، فَإِنْ أَبَى فَلِشَرِيكِهِ الشُّفْعَةُ لِلضَّرَرِ إِذْ هُوَ أَصْلُ الشُّفْعَةِ .
ثَالِثًا: مُزَاحَمَةُ الْمُشْتَرِي الشَّفِيعَ لِغَيْرِهِ مِنَ الشُّفَعَاءِ:
43 - إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي شَفِيعًا، فَإِنَّهُ يُزَاحِمُ غَيْرَهُ مِنَ الشُّفَعَاءِ بِقُوَّةِ سَبَبِهِ وَيُزَاحِمُونَهُ كَذَلِكَ بِقُوَّةِ السَّبَبِ وَيُقَاسِمُهُمْ وَيُقَاسِمُونَهُ إِذَا كَانُوا مِنْ دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ.
فَالْمُشْتَرِي الشَّفِيعُ يُقَدَّمُ عَلَى مَنْ دُونَهُ فِي سَبَبِ الشُّفْعَةِ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ فِي السَّبَبِ .
وَعَلَى هَذَا إِذَا تَسَاوَى الْمُشْتَرِي مَعَ الشُّفَعَاءِ فِي الرُّتْبَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَفِيعًا مِثْلَهُمْ فَيُشَارِكُهُمْ وَلاَ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمْ عَلَى الآْخَرِ بِشَيْءٍ وَيُقْسَمُ الْعَقَارُ الْمَشْفُوعُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ رُءُوسِهِمْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَى قَدْرِ أَمْلاَكِهِمْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ كَمَا هُوَ أَصْلُ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي تَقْسِيمِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ عَلَى الشُّفَعَاءِ فِي حَالَةِ مَا إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا .
______________________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1009) مراتب الشفعة
حق الشفعة أولاً للمشارك في نفس المبيع. ثانياً للخليط في حق المبيع. ثالثاً: للجار الملاصق. وما دام الأول طالباً ليس للآخرين حق الشفعة، وما دام الثاني طالباً فليس للثالث حق الشفعة.
مادة (1013) تعددالشفعاء
إذا تعدد الشفعاء فيعتبر عدد الرؤوس ولا يعتبر مقدار السهام يعني لا اعتبار لمقدار الحصص. مثلاً لو كان نصف الدار لأحد وثلثها وسدسها لآخرين وباع صاحب النصف حصته لآخر وطالب الآخران بالشفعة يقسم النصف بينهما بالمناصفة وليس لصاحب الثلث أن يأخذ بموجب حصته حصة زائدة على الآخر.
مادة (1014) اجتماع الخلطاء
إذا اجتمع صنفان من الخلطاء فيقدم الأخص على الأعم مثلاً لو بيعت إحدى الرياض التي لها حق شرب في الخرق الذي أحدث من النهر الصغير مع شربها يقدم ويرجح في حق الشفعة الذين لهم حق الشرب في ذلك الخرق وأما لو بيعت إحدى الرياض التي لها حق الشرب في ذلك النهر مع شربها فالشفعة تعم من له حق شرب في ذلك النهر مع شربها فالشفعة تعم من له حق شرب في النهر ومن له حق شرب في خرقة كما انه إذا بيعت دار بابها في زقاق غير سالك منشعب من زقاق آخر غير سالك فلا يكون شفيعاً إلا من باب داره في المتشعب وإذا بيعت دار بابها في الزقاق المنشعب منه غير السالك تعم الشفعة من له حق المرور في الزقاق المنشعب والمنشعب منه.
مادة (1016) حق الشرب
حق الشرب مقدم على حق الطريق بناء عليه لو بيعت روضة خليطها أحد في حق الشرب الخاص وآخر في طريقها الخاص يقدم ويرجح صاحب حق الشرب على صاحب حق الطريق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 103)
إذا اجتمعت أسباب الشفعة يقدم الأقوى فالأقوى فيقدم الشريك في نفس العقار ثم الشريك في أرض الحائط المشترك ثم الشريك في حقوق المبيع الخاصة ثم الجار الملاصق.
وأي ترك الشفعة أو سقط حقه فيها تنتقل الشفعة إلى من يليه في الرتبة.
(مادة 104)
استحقاق الشفعة للشركاء يكون بقدر رؤوسهم لا بقدر أنصباتهم في الملك فإذا باع أحد الشركاء حصته لأحد منهم يحسب المشتري واحداً منهم في الشفعة وتقسم الحصة المبيعة بينهم.
(مادة 135)
الشفعة لا تقبل التجزئة فليس للشفيع أن يأخذ بعض العقار المشفوع ويترك بعضه جبراً على المشتري إنما إذا تعدد المشترون واتحد البائع وقبضوا المبيع منه أو لم يقبضوه ودفعوا له الثمن فللشفيع أن يأخذ نصيب بعضهم ويترك الباقي.