مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة : 463
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- تنتقل الحيازة بالاتفاق ما بين السلف والخلف، مصحوباً بانتقال السيطرة الفعلية على الشيء أو الحق إلى الخلف، وقد يكون انتقال الحيازة معنوياً فلا يتم تسليم مادي، كما إذا استمر السلف حائزاً ولكن لحساب الخلف ( مثل ذلك البائع يستأجر الشيء المبيع) أو استمر الخلف حائزاً ولكن لحساب نفسه ( مثل ذلك المستأجر يشترى العين )، كما قد يكون انتقال الحيازة رمزياً، كتسليم السندات المعطاة عن البضائع المعهود بها إلى أمين النقل أو المودعة في المخازن، لكن إذا تعارض التسليم الحقيقي مع التسليم الرمزي، كان الأول هو المعتبر، كما إذا تسلم شخص شهادة البضاعة وتسلم آخر البضاعة نفسها، فالحيازة في هذا الفرض عند الأخير .
2 - والخلف قد يكون خلفاً عاماً، كالوارث تنتقل إليه حيازة مورثه بالصفات التي اقترنت بها، على أنه إذا كان الوارث حسن النية والمورث سيء النية جاز للوارث التمسك بحسن نيته على أن يضم مدة حيازة مورثه، وقد يكون من تنتقل إليه الحيازة خلفاً خاصاً، كمشتر من الحائز تنتقل إليه حيازة المبيع، وللمشتري في هذه الحالة أن يضم إلى مدة حيازته مدة حيازة البائع، فإن كانا حسني النية معاً أو سيئ النية معاً كان ضم المدد على أساس أن الحيازة بحسن نية أو بسوء نية على حسب الأحوال، وإن كان البائع سيء النية والمشتري حسن النية فالضم يجوز على أساس أسوأ الفرضين أي على أساس سوء النية، كما إذا كان البائع قد حاز مدة اثنتي عشرة سنة والمشتري مدة ثلاث سنوات، فلا يستطيع المشتري التمسك بالتقادم القصير إذ لايجوز له أن يكمل المدة التي حاز فيها بحسن نية إلى خمس سنوات، ولكن يستطيع التمسك بالتقادم الطويل إذ يجوز له أن يعتبر حيازته كما لو كانت حيازة بسوء نية فيكمل مدتها إلى خمس عشرة سنة بضم مدة سلفه.
1- سند الشحن و إن كان يمثل فى الأصل دليل الشاحن أو المرسل إليه قبل الناقل فى شحن البضاعة أو حق تسلمها عند الوصول و هو مما يمثل الطابع الشخصى لوظيفة السند إلا أنه أيضا أداة إئتمان . فهو يمثل البضاعة المشحونة لذاتها و يقوم مقامها بحيث تندمج البضاعة فى سند الشحن و يعتبر حامله بمثابة حائز للبضاعة و إن كانت هذه الحيازة رمزية تتمثل فيها الطابع العينى لوظيفة السند .
(الطعن رقم 147 لسنة 40 جلسة 1977/03/28 س 28 ع 1 ص 801 ق 142)
2- حيازة مفتاح الخزانة هى حيازة رمزية لمنقول غير حاصل فعلاً فى اليد ، وليست بذاتها دليلاً قاطعاً على حيازة ما هو فى الخزانة . وكون الشئ حاصلاً فعلاً فى حوزة من يدعى حيازته أو غير حاصل فيها هو من الواقع الذى يحصله قاضى الموضوع فى كل دعوى مما يتوافر فيها من دلائل . وإذا كان القانون قد نص فى باب البيع على أن تسليم المنقولات المبيعة يصح أن يتم بتسليم مفاتيح المخازن الموضوعة فيها ، فإن هذا النص لا يعنى أن كل من يحمل مفتاحاً لخزانة يكون ولابد حائزاً فعلاً لمحتوياتها لأن حمل المفتاح لا يلزم عنه حتماً أن حامله مسلط على الخزانة مستأثر بالتصرف فى فراغها ، ومن ثم كانت العبرة فى كل دعوى بظروفها الواقعية ، فحيث تدل هذه الظروف على أن حامل مفتاح الخزانة كان متسلطاً فعلاً على ما فيها جاز إعتباره حائزاً و إلا فلا . وما يراه قاضى الموضوع فى هذا الشأن هو رأى فى مسألة واقعية يستقل هو بتقديرها ولا يخضع قضاؤه فيها لرقابة محكمة النقض .
(الطعن رقم 107 لسنة 15 جلسة 1947/01/30 س ع ع 5 ص 327 ق 147)
الحيازة الرمزية بتسليم سندات الملكية :
تقوم الحيازة الرمزية مقام الحيازة المادية، فإذا باع شخص بضائع مملوكة له مودعة لدى أمين نقل أو في المخازن، فله بدلاً من تسليمها مادياً أن يكتفي بتسليم المشتري السندات الخاصة بها كبوليصة الشحن أو إيصال استلامها من المخازن فيقوم تسليم هذه المستندات مقام تسليم البضاعة إذ يستطيع المشتري تسلم البضاعة بتقديمه مستنداتها، ولكن إذا تصرف البائع مرة ثانية في ذات البضائع بعد أن سلم للمشتري السابق مستنداتها، وتمكن المشتري الثاني من تسلم البضائع تسلماً مادياً فإنه يفضل على المشتري الأول الذي تسلم المستندات طالما كان حسن النية لا يعلم بأن البائع سبق له أن تصرف في البضائع من قبل ومن ثم يتملكها بحيازته المادية لها.
والمثلان الواردان بالمادة 954 ليس على سبيل الحصر، فيسری شکمها في حالات تسليم مفتاح مخزن أو خزانة حديدية أو صندوق أو أي مكان به متقول.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثالث عشر الصفحة/ 536)
وتنص المادة 954 مدني على ما يأتي :
" 1 – تسليم السندات المعطاة عن البضائع المعهود بها إلى أمين النقل أو المودعة في المخازن يقوم مقام تسليم البضائع ذاتها " .
" 2 – على أنه إذا تسلم شخص هذه المستندات وتسلم آخر البضاعة ذاتها ، وكان كلاهما حسن النية ، فإن الأفضلية تكون لمن تسلم البضاعة ".
انتقال الحيازة انتقالاً رمزياً عن طريق المتمسكين : رأينا أن المادة 954 مدني تنص على أن " 1 – تسليم السندات المعطاة عن البضائع المعهود بها إلى أمين النقل أو المودعة في المخازن يقوم مقام تسليم البضائع ذاتها . 2 – على أنه إذا تسلم شخص هذه المستندات وتسلم آخر البضاعة ذاتها ، وكان كلاهما حسن النية، فإن الأفضلية تكون لمن تسلم البضاعة"، ونورد هنا تطبيقاً لهذا النص أيضاً في انتقال حيازة المبيع من البائع إلى المشتري .
فنفرض أن شخصاً اشترى من آخر بضائع، كان البائع قد عهد بها إلى أمين النقل أو أودعها المخازن، ويتسلم صاحب البضائع عادة سندات عن البضائع، يأخذها من أمين النقل أو من المخازن التي أودعت بها البضائع، ليسحب بموجبها بضاعة، ففي انتقال حيازة هذه البضائع انتقال مادياً من البائع إلى المشتري، يجب أولاً أن يسحب البائع البضائع من أمين النقل أو من المخازن بموجب السندات التي تسلمها ، ثم يسلم هذه البضائع بعد سحبها تسليماً فعلياً إلى المشتري، أما في انتقال الحيازة انتقالاً رمزياً، وهو الفرض الذي نحن بصدده، فبدلاً من أن يسحب البائع ثم يسلمها للمشتري، يكتفي بتسليم المشتري سندات البضائع فيستطيع هذا الأخير أن يقوم بسحبها بنفسه بموجب هذه السندات من أمين النقل أو من المخازن، ولكن مجرد تسلم المشتري لسندات البضائع من البائع يعد انتقالاً لحيازة البضائع إليه، إذ أن هذه السندات متى صارت في يده أصبح صاحب الحق في سحب البضائع، ومن ثم يعتبر تسلم المشترى لسندات البضائع انتقالاً لحيازة البضائع إليه لأن البضائع أصبحت تحت تصرفه في يد أمين النقل أو في المخازن، وانتقال الحيازة هذا ليس انتقالاً فعلياً بل هو انتقال رمزي ، لأن المشتري لم يتسلم البضائع تسلماً فعلياً بمجرد تسلمه للسندات، بل تسلمها رمزياً، وعليه بعد ذلك أن يتسلمها تسلماً فعلياً بسحبها من تحت يد أمين النقل أو من المخازن بموجب السندات التي تسلمها .
والمثلان اللذان ذكرناهما – تسلم سندات البضائع المعهود بها إلى أمين النقل وتسلم سندات البضائع المودعة في المخازن – لم يذكرا في المادة 954 مدني على سبيل الحصر بل على سبيل المثال ومن الأمثلة الأخرى، في نقل حيازة المنقول، تسليم البائع للمشترى مفاتيح منزل أو مخزن أو صندوق أو أي مكان آخر يحتوي هذا المنقول، وقد قضت محكمة النقض في هذا الخصوص بأن حيازة مفتاح الخزانة هي حيازة رمزية لمنقول غير حاصل فعلاً في اليد، وليست بذاتها دليلاً قاطعاً على حيازة ما هو في الخزانة، وكون الشيء حاصلاً فعلاً في حوزة من يدعى حيازته أو غير حاصل فيها هو من الواقع الذي يحصله قاضي الموضوع في كل دعوى بما يتوافر فيها من دلائل، وإذا كان القانون المدني السابق، قد نص في باب البيع على أن تسليم المنقولات المبيعة يصح أن يتم بتسليم مفاتيح المخازن الموضوعة فيها، فإن هذا النص لا يعني أن كل من يحمل مفتاحاً لخزانة يكون ولا بد حائزاً فعلاً لمحتوياتها، لأن حمل المفتاح لا يلزم عنه حتماً أن حامله مسلط على الخزانة، فحيث تدل الظروف على أن حامل مفتاح الخزائن كان متسلطاً فعلاً على ما فيها حاز اعتباره حائزاً، وإلا فلا، وما يراه قاضي الموضوع في هذا الشأن هو رأي في مسألة واقعية يستقل هو بتقديرها، ولا يخضع قضاؤه فيها لرقابة محكمة النقض.
وإذا تعارض انتقال الحيازة المادي مع انتقال الحيازة الرمزي، كانت الأفضلية لانتقال الحيازة المادي، لأنه أكثر واقعية من انتقال الحيازة الرمزي ولأن من حصل على الحيازة المادية جدير به أن يكون أكثر اطمئناناً ممن لم يحصل إلا على حيازة رمزية، فإذا باع صاحب البضائع بضائع وهي في يد أمين النقل، لشخصين متعاقبين، فإن ملكية البضائع تنتقل للمشترى الأول بموجب عقد البيع الصادر له، فإذا ما تسلم هذا المشتري الأول البضائع تسلماً رمزياً بتسلمه سندات البضائع، ولم يتسلم المشتري الثاني البضائع أصلاً، بقيت ملكية البضائع عند المشتري الأول، فهو صاحب البيع الأول وهو الذي تسلم البضائع، ولكن إذا تسلم المشتري الثاني البضائع ذاتها تسلماً فعلياً من أمين النقل ولو بعد أن تسلم المشتري الأول سندات هذه البضائع، كان المشتري الثاني هو صاحب الحيازة المادة والمشتري الأول هو صاحب الحيازة الرمزية، وتعارضت الحيازتان، وعند تعارضهما تفضل الحيازة المادية كما قدمنا، فيعتبر المشتري الثاني صاحب الحيازة المادية هو الحائز للبضائع دون المشترى الأول صاحب الحيازة الرمزية، ومن ثم يكون البائع قد باع الضائع مرتين، وسلمها تسليماً فعلياً للمشتري الثاني دون المشتري الأول، فتنتقل ملكية البضائع إلى المشتري الثاني، لا بموجب عقد البيع الثاني الصادر له فقد سبق هذا البيع الثاني بيع أول نقل الملكية إلى المشتري الأول، بل بموجب الحيازة المادة التي انتقلت إلى المشتري الثاني كما قدمنا، فتنقل هذه الحيازة المادة وحدها إليه ملكية البضائع ما دام حسن النية، طبقاً للقاعدة التي تقضي بأن الحيازة في المنقول سند الملكية، وتقول الفقرة الثانية من المادة 954 مدني ، كما رأينا ، تأكيداً لذلك : " على أنه إذا تسلم شخص هذه المستندات وتسلم آخر البضاعة ذاتها، وكان كلاهما حسن النية، فإن الأفضلية تكون لمن تسلم البضاعة " .
صفات الحيازة بعد انتقالها إلى الخلف الخاص :
رأينا أن الحيازة تنتقل إلى الخلف العام بالصفات التي كانت عليها عند السلف، فتكون كما كانت عند السلف حيازة عرضية أو حيازة أصلية، مشوبة بعيب أو غير مشوبة، مقترنة بحسن النية أو بسوء النية، ذلك بأن الحيازة عند ما تنتقل إلى الخلف العام ليست إلا استمرار حيازة السلف، فكما كانت عند السلف تكون عند الخلف العام، أما الحيازة عند ما تنتقل إلى الخلف الخاص، فأنها تطو حيازة جديدة مستقلة عن حيازة السلف، تتميز بصفاتها الخاصة التي قد تغاير الصفات التي كانت عليها عند السلف، ويترتب على أن حيازة الخلف الخاص حيازة جديدة، وليست مجرد استمرار لحيازة السلف، أن تكون هناك حيازتان، حيازة السلف وحيازة الخلف الخاص، وقد تختلفان في الصفات، وقد تضم مدة إحداهما إلى مدة الأخرى وقد لا تضم بحسب مصلحة الصلف الخاص.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع المجلد/ الثاني الصفحة/ 1194)
ذكرت الفقرة الأولى من المادة مثلاً للتسليم الرمزي.
فقضت بأن تسليم المستندات المعطاة عن البضائع المعهود بها إلى أمين التنقل أو المودعة في المخازن يقوم مقام تسليم البضائع ذاتها.
فإذا باع شخص بضائع عهد بنقلها إلى شركة نقل أو أودعها مخازن عامة، فإن تسليم سند الشحن أو الإيداع إلى المشتري يقوم مقام تسجيل البضاعة ذاتها حيث يصبح المشترى حائزاً لهذه البضائع، فهو يستطيع أن يقوم بسحبها بنفسه بموجب هذه السندات من أمين النقل أو من المخازن ومن ثم يعتبر تسليم المشتري لسندات البضائع انتقالاً لحيازة البضائع إليه.
حيازة مفتاح الخزانة هي حيازة رمزية لمنقول غیر حاصل فعلاً في اليد، فقد ذكرنا سلفاً أن ما ورد في المادة من تسليم المستندات المعطاة عن البضائع هو مجرد مثال للحيازة الرمزية.
وتسليم مفتاح الخزانة ليس بذاته دليلاً قطعياً على حيازة ما هو في الخزانة.
إذا تعارض التسليم المادي مع التسليم الرمزی، بأن تسلم شخص السندات المعطاة عن البضائع المعهود بها إلى أمين النقل أو المودعة في المخازن، بينما تسلم شخص آخر البضائع ذاتها، وكان كلاهما حسن النية فإن الأول الذي تسلم البضائع هو الذي يفضل فإذا باع صاحب البضائع بضاعته وهي في يد أمين النقل أو مودعة بالمخازن لشخصين متعاقبين فإن ملكية البضائع تنتقل إلى المشتري الأول بموجب عقد البيع، فإذا ما تسلم هذا المشتري الأول البضائع تسلماً رمزياً بتسلمه سندات البضائع ولم يتسلم المشتري الثاني البضائع أصلاً، بقيت ملكية البضائع عند المشتري الأول، ولكن إذا تسلم المشتري الثاني البضائع ذاتها تعلماً فعلياً ولو بعد تسلم المشتري الأول سندات هذه البضائع، كان المشتري الثاني هو صاحب الحيازة المادية والمشتري الأول هو صاحب الحيازة الرمزية وتعارضت الحيازتان، ويفضل المشتري صاحب الحيازة المادية.
والمقصود بحسن النية ألا يعلم كل منهما بسبق تسليم المستندات إلى غيره، فإن كان مسيء النية فيجب تفضيل من تسلم المستندات ما دام حسن النية، فيعتبر هو الحائز.
وفضل صاحب الحيازة المادية، لأن من حصل عليها جدير به أن يكون أكثر اطمئناناً ممن لم يحصل إلا على حيازة رمزية. كما أن الحيازة المادية حالة واقعة ومن ثم يفضل التسليم الواقعي على التسليم الرمزي في حالة التعارض، كما أن ذلك يوفر الحماية للعين الذي يتعامل مع الحائز المادي، ومن ثم تستقر المعاملات أحد الأهداف الأساسية لنظرية الحيازة.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثالث عشر الصفحة/ 471)