مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة : 501
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 1043 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الأربعين
تليت المادة 1043 وهي خاصة بإثبات قيام الحيازة فاقترح سعادة الرئيس حذف الفقرة (2) منها لأنها تثير شبهة من حيث قيام القرينة على مجرد الحيازة.
قرار اللجنة :
الموافقة على حذف الفقرة (2) من المادة 1043 اکتفاء بالقواعد العامة في وسائل إثبات الحيازة بالقرائن أو الشهود أو السندات .
وأصبح رقمها 971
ويراجع أيضاً ما جاء بشأنها في مناقشات اللجنة عن المادة 1040 المقابلة للمادة 968 من القانون .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
وقد كان المشروع التمهيدي لنص المادة 971 مدني سالفة الذكر يتضمن فقرة ثانية تجري علي الوجه الآتي : " ولا يعتبر قيام الحيازة في الحال قرينة علي قيامها في وقت سابق ، إلا إذا كان لدى الحائز سند يعطيه الحق في الحيازة,. ويعد في هذه الحالة حائزاً من بدء التاريخ الثابت لهذا السند، ما لم يقم الدليل علي غير ذلك، فكان إثبات الحيازة الحالية، طبقاً لهذا النص، يفترض وجود الحياة السابقة بشرط أن يكون لدي الحائز سند كعقد شراء يعطيه الحق في الحيازة، وبشرط أن يكون هذا السند ثابت التاريخ فإذا توافر هذان الشرطان افترض وجود حيازة سابقة من بدء التاريخ الثابت للسند، ما لم يقم الدليل علي غير ذلك، ومتي افترض وجود الحيازة السابقة ولم يقم دليل عكسي، افترض أيضاً افتراضاً قابلاً لإثبات العكس استمرار الحيازة من بدء التاريخ الثابت للسند إلي وقت قيام الحيازة الحالية وفقاً للقرينة القانونية التي تقدم ذكرها، ولكن لجنة مجلس الشيوخ حذفت هذه الفقرة الثانية "اكتفاء بالقواعد العامة في وسائل إثبات الحيازة بالقرائن أو بالشهود أو بالسندات " ،ويبنني علي حذف هذا النص أن وجود سند ثابت التاريخ يعطي الحق في الحيازة لا يكون قرينة قانونية علي قيام الحيازة وقت هذا التاريخ الثابت، ولكن هذا لا يمنع من أن يكون قرينة قضائية يأخذ بها القاضي أو لا يأخذ، وهي علي كل حال قرينة قابلة لإثبات العكس.
وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : " بل إن قيام الحيازة حالاً ، إذا كان لدى الحائز سند يعطي الحق في الحيازة، قرينة علي قيامها في وقت سابق هو بدء التاريخ الثابت لهذا السند، ما لم يقم الدليل علي عكس ذلك، ويتبين من هذا أن الحائز إذا قدم لإثبات حيازته عقد بيع مثلاً ثابت التاريخ منذ خمس عشرة سنة، فيكفي هذا العقد قرينة علي أنه حاز منذ خمس عشرة سنة، وأنه مستمر في حيازته إلي اليوم، وعلي خصمه أن يثبت العكس إذا ادعاه، وفي هذه القرائن تيسير عظيم لإثبات الحيازة ، بدءاً واستمراراً ( مجموعة الأعمال التحضيرية 6 ص 508 ) . الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع المجلد / الثاني.
تنص المادة 971 مدني على ما يأتي :
" إذا ثبت قيام الحيازة في وقت سابق معين وكانت قائمة حالاً، فإن ذلك يكون قرينة علي قيامها في المدة ما بين الزمنين، ما لم يقم الدليل على العكس "
فيكفي الحائز إذن، ليثبت أن حيازته دامت خمس عشرة سنة وهي مدة التقادم المكسب الطويل، أو دامت خمس سنوات وهي مدة التقادم المكسب القصير ، أن يثبت أنه يجوز العين حالاً، وأنه قد حازها بنفسه أو بواسطة سلف له في زمن سابق يرجع إلي خمس عشرة سنة أو خمس سنوات من قبل، وعند ذلك يقيم القانون قرينة قانونية علي أن الحيازة بقيت مستمرة في القترة ما بين الزمنين، أي بقيت مستمرة طوال مدة الخمس العشرة سنة أو طوال مدة الخمس السنوات بحسب الأحوال، وعلي ذلك يكون الحائز قد أثبت، بفضل هذه القرينة القانونية، علي أنه بقي حائزاً طوال المدة اللازمة للتقادم، ولكن هذه القرينة القانونية قرينة قابلة لإثبات العكس، فيجوز للمالك أن يدحضها بأن يثبت بجميع طرق الإثبات أن الحيازة لم تستمر في الفترة ما بين الزمنين بأن انتزعت من الحائز مثلاً أو تخلي عنها، أو يثبت أن الحيازة وإن استمرت فعلاً في الفترة ما بين الزمنين إلا أنها قد شابها عيب من عيوب الحيازة فجعلها غير صالحة لأن تؤدي إلي التملك بالتقادم .
والواجب ، حتي تقوم القرينة القانونية سالفة الذكر ، أن يثبت الحائز أمرين :( 1 ) أنه حائز للعين حالاً، حيازة مستوفية لجميع شرائطها أي خالية من العيوب، بأن تكون الحيازة ظاهرة هادئة غير غامضة مستمرة واستمرار الحيازة معناه أن تكون الحيازة قد استقرت منتظمة علي الوجه المألوف مدة تكفي لاعتبارها مستمرة، وليس من الضروري أن تكون هذه المدة سنة فأية مدة يمكن أن يستخلص منها استمرار الحيازة وانتظامها تكفي ويستطيع الحائز أن يثبت كل ذلك بجميع طرق الإثبات، بما في ذلك البينة والقرائن والمعاينة، لأنه إنما يثبت واقعة مادية ( 2) وأنه قبل خمس عشرة سنة أو قبل خمس سنوات، كان هو أو سلفة من مورث أو موص أو بائع أو نحو ذلك يحوز العين هذه الحيازة المستوفية للشروط، أي حيازة ظاهرة هادئة غير غامضة مستمرة، ويكفي في الاستمرار هنا أيضاً أن تكون الحيازة قد دامت منتظمة علي الوجه المألوف مدة تكفي لاعتبارها مستمرة، وليس من الضروري أن تكون قد استمرت سنة كاملة ويستطيع الحائز هنا أيضاً أن يثبت كل ذلك بجميع طرق الإثبات، ولابد أن يثبت الحائز كلا من الأمرين المتقدمين الذكر، ولا يعني إثبات أحدهما عن إثبات الآخر ، فإثبات الحيازة السابقة لا يغني من وجود الحيازة الحالية، كما أن إثبات الحيازة الحالية لا يفترض وجود الحيازة السابقة .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع المجلد / الثاني الصفحة/ 1400)
تضمن المادة 971 من القانون المدني، قرينة قانونية بسيطة، تدل على أنه إذا قام الدليل على توافر الحيازة في وقت سابق، وكانت قائمة حالاً، فإنها تكون قائمة ما بين الزمنين، وحتى يستفيد الحائز من تلك القرينة، وجب عليه أن يثبت أنه كان يحوز العقار وقت البدء في الحيازة مع إقامة الدليل على تاريخ بدايتها، ثم يثبت أنه مازال حائزاً، وله ذلك بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً ومنها البينة والقرائن، ومتى أثبت ذلك، قامت قرينة قانونية بسيطة على أن حيازته إستمرت متوفية شرائطها القانونية منذ البدء فيها وحتى تاريخ الحكم في الدعوى، فإن كانت تلك المدة هي مدة التقادم الذي يتمسك به الحائز، اكتفت المحكمة بهذه القرينة لتقرر اكتمال مدة التقادم، وسبق أن أوضحنا فيما تقدم، أن الحيازة المادية قرينة على توافر الحيازة القانونية، وبالتالي فإنه يكفي أن يثبت الحائز بدء حيازته المادية وأنها مازالت قائمة حالاً، لتوافر الحيازة القانونية.
كما أوضحنا فيها قلم، أن سلب الحيازة، لا ينال من شرط استمرارها إذا استرد الحائر العقار باللجوء إلى دعاوى الحيازة وقضى فيها لصالحه ولو بعد انقضاء سنة من صلبها، وتكون الدعوی مقبولة إذا رفعت خلال سنة من تاريخ سلب الحيازة أو فعل التعرض، وبالتالي لا ينال من قرينة المادة 971 من القانون المدني، سلب الحيازة أو التعرض إذا لجأ لدعوى الحيازة وقضى فيها لصالحه، أما إذا قضي بعدم قبولها، إنقطعت الحيازة وانتفی شرط استمرارها.
وهذه القرينة، بسيطة قابلة لإثبات العكس، فللمالك أن يثبت أن الحيازة إنقطعت في فترة معينة، أو أنها كانت معيبة بالغموض أو الخفاء أو كانت غير هادئة ومتنازع فيها.
وإذ كان الحائز سبق له رفع دعوى استرداد الحيازة وقضی بسقوط الحق فيها لرفعها بعد انقضاء سنة من تاريخ سلبها، ثم تمكن بعد ذلك من وضع يده على ذات العين وتمسك بالتقادم المكسب مستنداً إلى قرينة المادة 971 من القانون المدني، كان من حق المالك نقض هذه القرينة بتقديم صورة رسمية من الحكم الصادر في دعوى الحيازة والقاضي بسقوط الحق فيها، وحينئذٍ تحسب مدة التقادم ابتداءً من وضع اليد اللاحق لهذا الحكم بعد استبعاد منه الحيازة السابقة عليه التي اعتبرت كأن لم تكن تعلم استرداد الحيازة خلال سنة من تاريخ سلبها .
أما إن عجز المالك عن نقض تلك القرينة اعتبرت الحيازة مستمرة منذ البدء فيها، والمقرر أن القرينة القانونية تحقي من تشهد له من الإثبات وتلقي عبء الإثبات على من تشهد عليه.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع عشر الصفحة/ 118 )
فلا يكلف الحائز بإثبات استمرار حيازته فيما بين الزمنين.
ولكن هذه القرينة بسيطة إذ يستطيع من يدعي العكس إثبات ذلك، وهو يجوز له هذا الإثبات بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة والقرائن.
فإذا كان الحائز يتمسك بأن حيازته دامت خمس سنوات وهي مدة التقادم المكسب القصير أو دامت خمس عشرة سنة وهي مدة التقادم المكسب الطويل، فإنه يكفيه إثبات أنه يحوز العين حالاً، وأنه قد حازها بنفسه أو بواسطة سلف له في زمن سابق يرجع إلى خمس سنوات أو خمس عشرة سنة من قبل.
ويشترط أن تكون الحيازة في الزمنين مستوفية لكافة شروطها القانونية، أن تكون حيازة ظاهرة هادئة غير غامضة مستمرة.
ويكفي في الاستمرار هنا أن تكون الحيازة قد دامت منتظمة على الوجه المألوف مدة تكفي لاعتبارها مستمرة وليس من الضروري أن تستمر سنة كاملة.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثالث عشر الصفحة/ 744)
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية)بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 153)
لواضع اليد على العقار أن يضم إلى مدة وضع يده مدة وضع يد من انتقل منه العقار إليه سواء كان انتقاله بشراء أو هبة أو وصية أو إرث أو غير ذلك فإن جمعت المدتان وبلغت المدة المحددة لمنع سماع الدعوى فلا تسمع على واضع اليد دعوى الملك المطلق ولا دعوى الإرث ولا الوقف.
(مادة 158)
وإذا ادعى في أثناء المدة في مجلس القضاء على واضع اليد ولم تفصل الدعوى فلا مانع من سماعها ثانياً ولو مضت المدة المحدودة ما لم يمض بين الدعوى الأولى والثانية المدة المحدودة.
(مادة 159)
المطالبة في أثناء المدة المحدودة في غير مجلس القضاء لا تعتبر ولو تكررت مراراً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث عشر ، الصفحة / 118
تَقَادُمٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّقَادُمُ لُغَةً: مَصْدَرُ تَقَادَمَ يُقَالُ: تَقَادَمَ الشَّيْءُ أَيْ: صَارَ قَدِيمًا . وَقَدْ عَبَّرَتْ مَجَلَّةُ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةُ عَنِ التَّقَادُمِ بِمُرُورِ الزَّمَانِ . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ فِي الْجُمْلَةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. التَّقَادُمُ الْمَانِعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى:
2 - لِوَلِيِّ الأْمْرِ مَنْعُ الْقُضَاةِ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي أَحْوَالٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَنْعُ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ بَعْدَ مُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَمَعَ أَنَّ الْحَقَّ لاَ يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، إِلاَّ أَنَّ وَجْهَ هَذَا الْمَنْعِ هُوَ تَلاَفِي التَّزْوِيرِ وَالتَّحَايُلِ؛ لأِنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى زَمَانًا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ إِقَامَتِهَا، يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا.
وَعَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى سُقُوطِ الْحَقِّ فِي ذَاتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مَنْعِ الْقُضَاةِ عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ لِصَاحِبِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الْخَصْمُ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ كَانَ التَّقَادُمُ مُسْقِطًا لِلْحَقِّ لَمْ يَلْزَمْهُ
مُدَّةُ التَّقَادُمِ الْمَانِعِ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى:
3 - فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ مُخْتَلِفُونَ فِي تَعْيِينِ الْمُدَّةِ الَّتِي لاَ تُسْمَعُ بَعْدَهَا الدَّعْوَى فِي الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَالْغَائِبِ وَالإْرْثِ، فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَبَعْضُهُمْ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَبَعْضُهُمْ ثَلاَثِينَ فَقَطْ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمُدَدُ طَوِيلَةً اسْتَحْسَنَ أَحَدُ السَّلاَطِينِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ جَعْلَهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَطْ، وَحَيْثُ كَانَ الْقَضَاءُ يَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْخُصُومَةِ، وَيَقْبَلُ التَّقْيِيدَ وَالتَّعْلِيقَ، فَقَدْ نُهِيَ قُضَاةُ ذَلِكَ السُّلْطَانِ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَى تَرَكَهَا الْمُدَّعِي خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِلاَ عُذْرٍ، لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمَنْعِ بَعْضَ مَسَائِلَ، وَعَلَى هَذَا النَّهْيِ اسْتَقَرَّ خُلَفَاؤُهُ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ التَّقَادُمَ بِمُرُورِ الزَّمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ:
الأْوَّلُ: حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ، نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ.
وَالثَّانِي: أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ يَجِبُ عَلَى الْقُضَاةِ فِي زَمَنِهِ اتِّبَاعُهُ، لأِنَّ هُمْ بِمُقْتَضَاهُ مَعْزُولُونَ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَى مَضَى عَلَيْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِدُونِ عُذْرٍ، وَالْقَاضِي وَكِيلٌ عَنِ السُّلْطَانِ، وَالْوَكِيلُ يَسْتَمِدُّ التَّصَرُّفَ مِنْ مُوَكِّلِهِ، فَإِذَا خَصَّصَ لَهُ تَخَصَّصَ، وَإِذَا عَمَّمَ تَعَمَّمَ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَقَدْ فَرَّقَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ هَذَيْنِ الأْمْرَيْنِ بِأَنَّ مَنْعَ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَبْنِيٌّ عَلَى النَّهْيِ السُّلْطَانِيِّ، فَمَنْ نَهَى عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى لَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِسَمَاعِهَا، وَأَمَّا عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ ثَلاَثِينَ سَنَةً فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ الْفُقَهَاءِ، فَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَنْقُضَهُ، لأِنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ إِنَّمَا يَنْفُذُ إِذَا وَافَقَ الشَّرْعَ وَإِلاَّ فَلاَ.
وَدَعَاوَى الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَقَارِ الْمَمْلُوكِ وَالْمِيرَاثِ وَمَا لاَ يَعُودُ مِنَ الدَّعَاوَى إِلَى الْعَامَّةِ وَلاَ إِلَى أَصْلِ الْوَقْفِ فِي الْعَقَارَاتِ الْمَوْقُوفَةِ بَعْدَ أَنْ تُرِكَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِلاَ عُذْرٍ لاَ تُسْمَعُ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى تَعُودُ إِلَى أَصْلِ الْوَقْفِ فَتُسْمَعُ، وَلَوْ تُرِكَتِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ بِلاَ عُذْرٍ.
4 - وَمُدَّةُ الْمَنْعِ مَعَ سَمَاعِ الدَّعْوَى تُحْسَبُ بِالتَّارِيخِ الْقَمَرِيِّ (الْهِجْرِيِّ) كَمَا قَرَّرَتْ ذَلِكَ جَمْعِيَّةُ الْمَجَلَّةِ اتِّبَاعًا لِلْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ إِلاَّ إِذَا اتُّفِقَ عَلَى خِلاَفِهِ وَعَيَّنَا تَارِيخًا شَمْسِيًّا، وَالْمَنْعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى إِنَّمَا هُوَ لِلْقُضَاةِ، أَمَّا الْمُحَكَّمُونَ فَلاَ يَشْمَلُهُمُ النَّهْيُ، فَلَوْ حَكَّمَ اثْنَانِ شَخْصًا فِي نِزَاعٍ مَضَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَوْ بِلاَ عُذْرٍ فَإِنَّ الْمُحَكَّمَ يَسَعُهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَلاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي النِّزَاعِ.
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّزَاعِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ (وَهُوَ كُلُّ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْوَقْفِ) فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ حَتَّى سِتٍّ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّزَاعِ فِي غَيْرِ أَصْلِ الْوَقْفِ كَأُجْرَةِ النَّاظِرِ وَاَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْوَقْفِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ حَتَّى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَطْ.
الأْعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً:
5 - أَوْرَدَتْ مَجَلَّةُ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ مِنَ الأْعْذَارِ الَّتِي يُبَاحُ مَعَهَا سَمَاعُ الدَّعْوَى بَعْدَ مُدَّةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، الصِّغَرُ، وَالْجُنُونُ، وَالْغَيْبَةُ عَنِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ مَوْضُوعُ النِّزَاعِ مُدَّةَ السَّفَرِ، أَوْ كَوْنُ خَصْمِهِ مِنَ الْمُتَغَلِّبَةِ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُهَا:
1 - الصِّغَرُ: إِذَا كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ صَغِيرًا وَسَكَتَ عَنِ الدَّعْوَى الْمُدَّةَ الْمُقَرَّرَةَ فَإِنَّ الْمُدَّةَ تُحْسَبُ عَلَيْهِ مِنْ تَارِيخِ بُلُوغِهِ رَشِيدًا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ بِاتِّفَاقٍ، وَمَعَ الْخِلاَفِ فِي حَالِ وُجُودِ الْوَلِيِّ أَوِ الْوَصِيِّ، وَرَجَّحَتْ لَجْنَةُ الْمَجَلَّةِ الإْطْلاَقَ لِمَصْلَحَةِ الصَّغِيرِ، وَمَنْ فِي حُكْمِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَجْنُونُ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِلاَّ مِنْ تَارِيخِ إِفَاقَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ تُحْسَبُ مِنْ تَارِيخِ زَوَالِ الْعَتَهِ.
2 - غَيْبَةُ صَاحِبِ الْحَقِّ عَنِ الْبَلَدِ مُدَّةَ السَّفَرِ وَهِيَ مُدَّةُ الْقَصْرِ.
3 - إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْمُتَغَلِّبَةِ بِأَنْ كَانَ أَمِيرًا جَائِرًا مَثَلاً فَذَلِكَ عُذْرٌ يُبِيحُ لِلْمُدَّعِي السُّكُوتَ عَنْ رَفْعِ الدَّعْوَى، وَلاَ تَبْتَدِئُ الْمُدَّةُ حَتَّى يَزُولَ الْجَوْرُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ .
مَتَى تَبْتَدِئُ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَقِّ؟
6 - مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا جَاءَ فِي مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ مُرُورُ الزَّمَانِ مِنْ تَارِيخِ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْمُدَّعِي بِإِقَامَةِ الدَّعْوَى بِالْمُدَّعَى بِهِ، فَمُرُورُ الزَّمَانِ فِي دَعْوَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ إِنَّمَا يَبْتَدِئُ مِنْ تَارِيخِ حُلُولِ الأْجَلِ لأِنَّهُ قَبْلَ حُلُولِهِ لاَ يَمْلِكُ الْمُدَّعِي الدَّعْوَى وَالْمُطَالَبَةَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ، فَمَثَلاً لَوِ ادَّعَى وَاحِدٌ عَلَى آخَرَ فَقَالَ: لِي عَلَيْكَ كَذَا دَرَاهِمَ مِنْ ثَمَنِ الشَّيْءِ الَّذِي بِعْتُهُ لَكَ قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مُؤَجَّلاً ثَمَنُهُ لِثَلاَثِ سِنِينَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لأِنَّهُ يَكُونُ قَدْ مَرَّ اعْتِبَارًا مِنْ حُلُولِ الأْجَلِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً لاَ غَيْرُ، وَمَثَلاً لَوْ وَقَفَ وَاقِفٌ وَقْفَهُ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الاِسْتِحْقَاقُ لِذُرِّيَّتِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنَ الْبَطْنِ الثَّانِي إِلاَّ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الأْوَّلِ، فَلَوْ وَقَفَ رَجُلٌ عَقَارًا وَشَرَطَ وِلاَيَتَهُ وَغَلَّتَهُ لأِوْلاَدِهِ ثُمَّ لأِحْفَادِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَقَامَ أَحَدُ أَوْلاَدِهِ لِصُلْبِهِ «أَيْ مِنَ الْبَطْنِ الأْوَّلِ» وَبَاعَ ذَلِكَ الْعَقَارَ لآِخَرَ وَظَلَّ الآْخَرُ مُتَصَرِّفًا فِيهِ مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَبَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ تُوُفِّيَ الْبَائِعُ فَقَامَ أَحَدُ أَبْنَائِهِ يَدَّعِي ذَلِكَ الْعَقَارَ عَلَى الْمُشْتَرِي اسْتِنَادًا عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلاَ يَمْنَعُهُ مُضِيُّ هَذِهِ الْمُدَّةِ، لأِنَّ حَقَّ إِقَامَةِ الدَّعْوَى لاَ يَثْبُتُ لِلْحَفِيدِ إِلاَّ بَعْدَ وَفَاةِ وَالِدِهِ بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، فَلاَ يَبْتَدِئُ مُرُورُ الزَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّهِ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ وَفَاةِ أَبِيهِ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ وَقَفَ وَاقِفٌ عَقَارًا وَشَرَطَ غَلَّتَهُ لأِوْلاَدِهِ الذُّكُورِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِهِمْ عَلَى بَنَاتِهِ، فَبَاعَ أَوْلاَدُهُ الذُّكُورُ، ذَلِكَ الْعَقَارَ لِرَجُلٍ وَسَلَّمُوهُ إِيَّاهُ وَبَعْدَ سِتِّينَ سَنَةً مَثَلاً انْقَطَعَتْ ذُرِّيَّةُ الْوَاقِفِ الذُّكُورِ فَقَامَتْ بَنَاتُهُ يَدَّعِينَ ذَلِكَ الْعَقَارَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْوَقْفِ، تُسْمَعُ دَعْوَاهُنَّ وَلاَ يَمْنَعُ مُرُورُ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَاهُنَّ، لأِنَّ حَقَّ إِقَامَةِ الدَّعْوَى لَمْ يَثْبُتْ لَهُنَّ إِلاَّ بَعْدَ انْقِطَاعِ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ الذُّكُورِ.
وَيَبْتَدِئُ مُرُورُ الزَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ لِمُؤَجَّلِ الصَّدَاقِ مِنْ وَقْتِ الطَّلاَقِ أَوْ مِنْ تَارِيخِ مَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، لأِنَّ الصَّدَاقَ الْمُؤَجَّلَ لاَ يَصِيرُ مُعَجَّلاً إِلاَّ مِنْ تَارِيخِ الطَّلاَقِ الْبَائِنِ أَوِ الْوَفَاةِ.
7 - وَتَبْتَدِئُ مُطَالَبَةُ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ مِنْ تَارِيخِ زَوَالِ الإْفْلاَسِ كَأَنْ كَانَ لِدَائِنٍ عَلَى مَدِينٍ مَبْلَغٌ مِنَ الْمَالِ مَثَلاً وَكَانَ الْمَدِينُ مُفْلِسًا مُدَّةَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ مَثَلاً فَإِنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ لاَ تَدْخُلُ فِي الزَّمَنِ وَتَبْتَدِئُ مُدَّةُ الْمُطَالَبَةِ مِنْ تَارِيخِ يَسَارِ الْمُفْلِسِ لأِنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى بِسَبَبِ إِفْلاَسِ الْمَدِينِ كَانَ بِعُذْرٍ إِذْ لاَ يَتَأَتَّى لَهُ إِقَامَةُ الدَّعْوَى مَا دَامَ الْمَدِينُ مُفْلِسًا.
وَنَصَّتِ الْمَادَّةُ (1669) مِنَ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنَّهُ «إِذَا تَرَكَ وَاحِدٌ دَعْوَاهُ بِلاَ عُذْرٍ وَمَرَّ عَلَيْهَا الزَّمَانُ عَلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا فَكَمَا لاَ تُسْمَعُ تِلْكَ الدَّعْوَى فِي حَيَاتِهِ لاَ تُسْمَعُ أَيْضًا مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ».
وَجَاءَ فِي شَرْحِهَا: وَذَلِكَ لأِنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، فَمَا يَمْنَعُ سَمَاعَ دَعْوَى الْمُوَرِّثِ يَمْنَعُ سَمَاعَ دَعْوَى الْوَارِثِ. وَلَكِنَّ هَذَا إِذَا ادَّعَى الْوَارِثُ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِالإْرْثِ عَنْ مُوَرِّثِهِ، أَمَّا لَوِ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلاَ يَكُونُ تَرْكُ مُوَرِّثِهِ لِلدَّعْوَى مَانِعًا مِنْ سَمَاعِ دَعْوَاهُ، لأِنَّهُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لاَ يَدَّعِي تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ مُوَرِّثِهِ فَلاَ يَكُونُ قَائِمًا مَقَامَهُ، فَمَثَلاً لَوْ أَوْصَى رَجُلٌ بِعَقَارٍ لاِبْنِ زَيْدٍ الْقَاصِرِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَامَ ابْنُ زَيْدٍ الَّذِي بَلَغَ رَشِيدًا وَادَّعَى ذَلِكَ الْعَقَارَ بِمُقْتَضَى تِلْكَ الْوَصِيَّةِ عَلَى وَارِثِ الْمُوصِي تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلاَ يَمْنَعُهُ مِنْهَا تَرْكُ أَبِيهِ ذَلِكَ الْعَقَارَ فِي يَدِ وَارِثِ الْمُوصِي لأِنَّهُ هَاهُنَا لاَ يَدَّعِي الْمِلْكَ بِسَبَبِ الإْرْثِ عَنْ أَبِيهِ بَلْ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُوصِي قَدْ تَرَكَ الدَّعْوَى بِهَذَا الْعَقَارِ وَهُوَ فِي يَدِ آخَرَ مُدَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لاَ تُسْمَعُ بِهِ دَعْوَى الْمُوصَى لَهُ لأِنَّ الْمُوصَى لَهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فَمَا مُنِعَ عَنْهُ الْمُوصِي مُنِعَ عَنْهُ الْمُوصَى لَهُ لأِنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَمِثْلُ الْوَصِيَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْهِبَةُ.
وَإِذَا تَرَكَ الْمُوَرِّثُ الدَّعْوَى مُدَّةً وَتَرَكَهَا الْوَارِثُ مُدَّةً أُخْرَى وَبَلَغَ مَجْمُوعُ الْمُدَّتَيْنِ حَدَّ مُرُورِ الزَّمَانِ فَلاَ تُسْمَعُ تِلْكَ الدَّعْوَى، لأِنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْوَارِثُ قَائِمًا مَقَامَ الْمُوَرِّثِ كَانَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ حُكْمًا، فَلَوْ تَرَكَ الْمُوَرِّثُ الدَّعْوَى ثَمَانِيَ سِنِينَ مَثَلاً وَتَرَكَهَا الْوَارِثُ سَبْعَ سِنِينَ صَارَ كَأَنَّ الْوَارِثَ تَرَكَ الدَّعْوَى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَمِثْلُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي كَالْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُ، فَلَوْ كَانَ وَاحِدٌ مُتَصَرِّفًا فِي عَرْصَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِدَارٍ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَصَاحِبُ الدَّارِ سَاكِتٌ، ثُمَّ أَوْصَى صَاحِبُ الدَّارِ بِدَارِهِ هَذِهِ إِلَى رَجُلٍ، فَقَامَ الْمُوصَى لَهُ يَدَّعِي أَنَّ الْعَرْصَةَ طَرِيقٌ خَاصٌّ لِلدَّارِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا لاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ.
وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ وَفِي وَرَثَتِهِ بَالِغٌ وَقَاصِرٌ، فَإِنَّ الْبَالِغَ إِذَا تَرَكَ الدَّعْوَى الْمُدَّةَ الْمُقَرَّرَةَ بِلاَ عُذْرٍ فَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَأَمَّا الْقَاصِرُ فَلاَ يُحْسَبُ عَلَيْهِ مُرُورُ الزَّمَانِ إِلاَّ مِنْ تَارِيخِ بُلُوغِهِ رَشِيدًا، مَعَ مُلاَحَظَةِ الْخِلاَفِ السَّابِقِ فِي وُجُودِ الْوَصِيِّ وَعَدَمِهِ.
8 - وَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى لِمُرُورِ الزَّمَانِ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ إِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذَا اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ لِلْمُدَّعِي تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي مَهْمَا طَالَ الزَّمَانُ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الإْنْكَارِ إِنَّمَا هُوَ عَدَمُ الإْنْكَارِ أَمَامَ الْقَاضِي فَلاَ يُعْتَبَرُ عَدَمُ الإْنْكَارِ خَارِجَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَلاَ يَصِحُّ الاِحْتِجَاجُ بِهِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ التَّزْوِيرِ، وَلأِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَنْعُ مِنْ سَمَاعِ أَصْلِ الدَّعْوَى
فَفَرْعُهَا وَهُوَ ادِّعَاءُ الإْقْرَارِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ السَّمَاعِ لأِنَّ النَّهْيَ يَشْمَلُهَا، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ الإْقْرَارُ الْمُدَّعَى بِهِ قَدْ أُيِّدَ بِسَنَدٍ جَاءَ بِخَطِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ خَتْمِهِ الْمَعْرُوفَيْنِ وَلَمْ تَمُرَّ مُدَّةُ التَّقَادُمِ مِنْ تَارِيخِ السَّنَدِ إِلَى وَقْتِ رَفْعِ الدَّعْوَى فَعِنْدَ ذَلِكَ تُسْمَعُ دَعْوَى الإْقْرَارِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَالأْحْكَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْخَاصَّةُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ إِنَّمَا هِيَ لِلْحُقُوقِ الْخَاصَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالإْقْرَارِ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالأْمُورِ الْعَامَّةِ كَالطَّرِيقِ وَنَحْوِهَا فَلاَ تَسْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ مُرُورِ الزَّمَانِ، فَتُسْمَعُ وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ خُلاَصَةُ أَحْكَامِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمُرُورِ الزَّمَانِ.
9 - أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيُعَبِّرُونَ عَنْ مُرُورِ الزَّمَانِ بِالْحَوْزِ وَالْحِيَازَةِ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ هُنَاكَ دَعَاوَى لاَ تُسْمَعُ مُطْلَقًا، وَهِيَ الدَّعَاوَى الَّتِي تُوجِبُ مَعَرَّةً كَالدَّعَاوَى الَّتِي تُرْفَعُ عَلَى مَنْ عُرِفَ بِالاِسْتِقَامَةِ وَالشَّرَفِ فِي الْمُعَامَلَةِ كَأَنْ يَدَّعِي شَخْصٌ مَعْرُوفٌ بِالْفَقْرِ وَالتَّجَنِّي عَلَى النَّاسِ عَلَى شَخْصٍ يُطَالِبُهُ بِعَقَارٍ فِي يَدِهِ.
وَالْحِيَازَةُ عِنْدَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ:
1 - حِيَازَةٌ مَعَ جَهْلِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ؟.
2 - حِيَازَةٌ مَعَ عِلْمِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ؟.
فَالأْولَى تَكْفِي فِيهَا الْحِيَازَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى لِمُدَّةِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَحُوزُ عَقَارًا أَمْ غَيْرَهُ.
وَالثَّانِيَةُ لاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ عَشْرِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ فِي الْعَقَارِ، أَوْ عَامَيْنِ فِي الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا، وَيُشْتَرَطُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى فِي كُلٍّ مِنَ الْحِيَازَتَيْنِ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِذِكْرِ الْيَدِ، وَتَصَرُّفُ الْحَائِزِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، وَالنِّسْبَةُ، وَعَدَمُ الْمُنَازَعِ، وَطُولُ الْمُدَّةِ عَشْرَةُ أَشْهُرٍ فِي الأْولَى وَعَشَرُ سِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ، وَعَدَمُ عِلْمِهِمْ بِمَا يُفَوِّتُ عَلَى الْمَالِكِ الأْصْلِيِّ حَقَّهُ فِي اسْتِرْجَاعِ مِلْكِهِ، فَلاَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ مَعَ فَقْدِ هَذِهِ الأْمُورِ أَوْ صِيغَةِ الشَّهَادَةِ الَّتِي تُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمُدَّعِي، وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الشَّاهِدِ ذِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ.
10 - وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ يَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ يُسْأَلُ عَنْ مَصْدَرِ حِيَازَتِهِ فَلاَ يُقَالُ لَهُ: كَيْفَ حُزْتَ مَا تَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهِ؟ خِلاَفًا لاِبْنِ رُشْدٍ، فَإِنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ سُؤَالِ الْحَائِزِ عَنْ مَصْدَرِ حِيَازَتِهِ، هَلْ هُوَ الْمِيرَاثُ مَثَلاً أَوِ الشِّرَاءُ أَوِ الْهِبَةُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ وَلاَ بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ، فَأَمَّا مُجَرَّدُ دَعْوَى الْمِلْكِ دُونَ أَنْ يَدَّعِيَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَلاَ يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ الْحِيَازَةِ إِذَا ثَبَتَ أَصْلُ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ .
وَرَأَى ابْنُ رُشْدٍ خِلاَفَ رَأْيِ الْجُمْهُورِ، وَرَأْيُ الْجُمْهُورِ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ، اللَّهُمَّ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْحَائِزُ مَعْرُوفًا بِالتَّسَلُّطِ وَالْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي، فَلاَ بُدَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنْ يُبَيِّنَ بِأَيِّ وَجْهٍ صَارَ إِلَيْهِ وَلاَ يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ اشْتَرَيْتُهُ مِنَ الْقَائِمِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ وَرَثَتِهِ بَلْ لاَ بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِهِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ بِيَدِهِ بِمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ.
وَإِنْ عُرِفَ أَنَّ حِيَازَتَهُ كَانَتْ بِبَاطِلٍ لَمْ يَنْفَعْهُ طُولُ الْحِيَازَةِ وَإِنِ ادَّعَى شِرَاءَهُ، إِلاَّ أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ نَحْوَ الْخَمْسِينَ سَنَةً وَنَحْوَهَا وَالْقَائِمُ حَاضِرٌ لاَ يُغَيِّرُ وَلاَ يَدَّعِي شَيْئًا، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْحَائِزَ إِذَا حَازَ الْعَقَارَ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ مَعَ وُجُودِ الْمُدَّعِي وَسُكُوتِهِ بِلاَ عُذْرٍ فَإِنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ يَمْنَعُ سَمَاعَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَمَا قَارَبَ عَشْرَ سِنِينَ يَأْخُذُ حُكْمَ الْعَشْرِ فَإِذَا نَقَصَتْ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَخَذَتْ حُكْمَ الْعَشْرِ، وَأَمَّا إِذَا قَامَتِ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْحَائِزِ أَمَامَ الْقَضَاءِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْمُحَكِّمِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ الْمُدَّةَ، وَفِي غَيْرِ الْعَقَارِ يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ مُضِيُّ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَهُنَاكَ خِلاَفَاتٌ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ، وَالتَّخَاصُمُ يَقْطَعُ مُضِيَّ الْمُدَّةِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَكْرَارَ التَّخَاصُمِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْ سَحْنُونٍ، وَإِذَا سَكَتَ بَعْدَ الْمُنَازَعَةِ عَشْرَ سِنِينَ فَإِنَّ سُكُوتَهُ يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَاهُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا سَكَتَ الْمُدَّعِي عَنْ مُخَاصَمَةِ الْحَائِزِ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ رَفَعَ الْمُدَّعِي أَمْرَهُ لِيَقْضِيَ لَهُ وَعَلَّلَ سُكُوتَهُ بِأَنَّ بَيِّنَتَهُ كَانَتْ غَائِبَةً ثُمَّ جَاءَتْ، فَقِيلَ: يُقْبَلُ عُذْرُهُ وَقِيلَ: لاَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كُنْتُ فَاقِدًا مُسْتَنَدِي ثُمَّ وَجَدْتُهُ، وَكَذَلِكَ جَهْلُ الْحُكْمِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ جَهْلَهُ أَنَّ الْحِيَازَةُ تَمَلُّكُ الْحَائِزِ لَيْسَ عُذْرًا وَسُكُوتُ الْمُوَرِّثِ ثُمَّ الْوَارِثِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى لأِنَّ هُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ تُحْسَبُ مُدَّةُ الْمُوَرِّثِ وَحْدَهَا وَمُدَّةُ الْوَارِثِ وَحْدَهَا فَلاَ يُجْمَعَانِ مَعًا.
11 - وَنَفَقَةُ غَيْرِ الزَّوْجَةِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلاَ تَصِيرُ بِفَوْتِهَا دَيْنًا فِي ذِمَّةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِاقْتِرَاضِ قَاضٍ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ احْتِيَاجُ الْفَرْعِ وَغِنَى الأْصْلِ مَثَلاً.
أَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فَلاَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بَلْ تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ هُنَا مَا سِوَى الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ، لأِنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لِلاِسْتِمْتَاعِ وَالتَّمْكِينِ، وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ، بَلْ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَيُسْتَحَقُّ بِالْمَوْتِ أَوِ الطَّلاَقِ الْبَائِنِ وَيَصِيرُ مَأْمُونًا مِنْ سُقُوطِهِ.
12 - وَيُبَيِّنُ أَيْضًا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ يَكَادُونَ يَتَّفِقُونَ عَلَى إِبَاحَةِ سَمَاعِ الدَّعْوَى لِلأْعْذَارِ، وَهِيَ عَلَى الْجُمْلَةِ الصِّغَرُ وَالْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ وَالْجُنُونُ وَالْعَتَهُ وَكُلُّ عُذْرٍ يَمْنَعُ الْمُدَّعِيَ مِنْ رَفْعِ الدَّعْوَى كَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا سَطْوَةٍ وَيُخَافُ مِنْهُ - عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ.