مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس، الصفحة :507
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- هذه النصوص تعرض لقواعد التقادم المكسب بعد أن تقررت مدته وقواعد التقادم المكسب هي نفس قواعد التقادم المسقط فيما يتعلق باحتساب المدة (م 517) وفيما يتعلق بوقف التقادم (م 519 ) إلا أن التقادم المكسب يوقف أياً كانت مدته، أما التقادم المسقط فلا يوقف إذا كانت مدته لا تزيد على خمس سنوات ( م 1425، 519، وانظر المادتين 84 - 85 / 113 - 114 من التقنين الحالي واضطراب العبارة فيهما أمر مشهور ) وفيما يتعلق بانقطاع التقادم (م 520 - 522) إلا أن التقادم المكسب ينقطع انقطاعاً طبيعياً إذا فقد الحائز الحيازة ولم يستردها أو يرفع الدعوى باستردادها في خلال سنة (م 1426 ) ولا يتصور هذا الانقطاع الطبيعي في التقادم المسقط، وفيما يتعلق بالتمسك به أمام القضاء وجواز التنازل عنه والاتفاق على تعديل مدته (م 524 - 525) ألخ.
2 - وتوجد قاعدتان خاصتان بالتقادم المكسب ولا نظير لها في التقادم المسقط، وهما تتلخصان فيما يأتي :
(أ) يكفي أن يثبت الحائز التاريخ الذي بدأت فيه حيازته ثم يثبت أنه حائز في الحال فلا يحتاج بعد ذلك لإثبات أنه استمر حائزاً في المدة ما بين الزمنين، فإن هذا الاستمرار يكون مفروضاً حتى يقوم الدليل على العكس بل إن قيام الحيازة حالاً، إذا كان لدى الحائز سند يعطي الحق في الحيازة، قرينة على قيامها في وقت سابق هو بدء التاريخ الثابت لهذا السند ما لم يقم الدليل على عكس ذلك، ويتبين من هذا أن الحائز إذا قدم لإثبات حيازته عقد بيع مثلاً ثابت التاريخ منذ خمس عشرة سنة، فيكفي هذا العقد قرينة على أنه حاز منذ خمس عشرة سنة، وأنه مستمر في حيازته إلى اليوم، وعلى خصمه أن يثبت العكس إذا ادعاه، وفي هذه القرائن تيسير عظيم لإثبات الحيازة بدءاً واستمراراً .
(ب) إذا كان الحائز بيده سند إيجار مثلاً فهو حائز لحق المستأجر، وليس له بمجرد تغيير نيته أن يحوز حق الملكية إذا لم يقترن ذلك بفعل ظاهر يصدر من الغير أو من الحائز نفسه، كأن يتعرض الغير للحائز فيدعى هذا الملكية أو يعارض الحائز حق المالك بحمل ظاهر، ولا يبدأ سريان التقادم بالنية الجديدة إلا من وقت صدور هذا العمل الظاهر ( أنظر في هذا المعنى م 79/ 106 من التقنين الحالى وعبارتها مشوشة غامضة ).
1- وإذ كان من شأن المطالبة القضائية الصريحة الجازمة بالحق الذى يراد اقتضاؤه أن يقطع مدة التقادم إعمالا للمادة383من القانون المدنى إلا أنه يترتب على الحكم بترك الخصومة فى دعوى المطالبة إلغاء جميع إجراءتها وزوال الأثر المرتب على رفعها فى قطع التقادم لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد قضى برفض الدفع المبدى من الطاعنة والمطعون عليها الثانية بسقوط الدعوى بالتقادم على سند من أن المطعون عليه الأول أقام قبلهما الدعوى رقم1052لسنة1975مدنى جزئى عابدين بطلب التعويض المؤقت حكم فيها بإلزام المطعون عليها الثانية به دون أن يعرض للأثر المترتب على ترك الخصومة فى تلك الدعوى قبل الطاعنة ومدى حجية الحكم بالتعويض المؤقت الصادر فيها قبلها وهو ما يعيبه بالخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب.
(الطعن رقم 4281 لسنة 61 جلسة 1993/01/31 س 44 ع 1 ص 403 ق 71)
2- يشترط فى الإجراء القاطع للتقادم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يتم بالطريق الذى رسمه القانون وفى مواجهة المدين . لما كان ذلك ، وكانت الهيئة العامة للبريد هى طبقاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 458 لسنة 1966 بتعديل بعض أحكام القرار الجمهورى رقم 710 لسنة 1957 الخاص بإنشاء هيئة البريد ، هيئة عامة فى تطبيق القانون رقم 61 لسنة 1963 بإصدار قانون الهيئات العامة ويمثلها أمام القضاء رئيس مجلس إدارتها ، وكان الثابت فى الدعوى أن مورث المطعون ضدهما قد أقام دعواه إبتداء ضد وزير المواصلات بصفته الرئيس الأعلى لهيئة البريد بطلب الحكم بإلزامه ، بأن يؤدى له مبلغ 1839.350 تعويضاً عن الطرد المفقود ثم صحح شكل الدعوى بإختصام رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للبريد بجلسة 1977/3/19 ، وكان وزير المواصلات غير ذى صفة فى تمثيل الهيئة العامة للبريد ، فإن الدعوى لا تعتبر مرفوعة فى مواجهة الهيئة الطاعنة صاحبة الصفة فى الخصومة إلا من ذلك التاريخ ، لا يغير من ذلك ما نصت الدفع بعدم قبول الدعوى لإنتفاء صفة المدعى عليه قائم على أساس أجلت الدعوى لإعلان ذى الصفة ، ذلك أن تصحيح الصفة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يجب أن يتم فى الميعاد المقرر قانوناً ولا يخل المواعيد المحددة لرفع الدعاوى وبمدد التقادم . لما كان ذلك و كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأيد الحكم الإبتدائى فيما قضى به من رفض الدفع المبدى من الطاعنة بسقوط دعوى المسئولية - لمضى أكثر من سنة من تاريخ النقل عملاً بالمادة 104 من قانون التجارة تأسيساً على أن - الدعوى رفعت بإيداع صحيفتها قلم الكتاب فى 1976/10/28 قبل إنقضاء سنة على الوقت الذى كان يجب أن يتم فيه النقل وهو 1975/12/2 رغم رفعهما على غير ذى صفة وعدم إختصام الممثل القانونى للهيئة الطاعنة إلا فى 1977/3/19 أى بعد مضى أكثر من سنة على تاريخ النقل، فأنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يستوجب نقضه .
(الطعن رقم 1835 لسنة 56 جلسة 1990/01/29 س 41 ع 1 ص 316 ق 59)
3- إذ كان تقادم رسم الأيلولة و الضريبة على التركة فى ظل المادة 52 من القانون 142 لسنة 1944 - بعد تعديلها بالقانون 56 لسنة 1967 - يبدأ من اليوم التالى لإنقضاء الأجل المحدد لتقديم الإقرار أو قائمة الجرد المنصوص عليها فى المادة 19 ، 20 من هذا القانون ، وكانت الفقرة الأخيرة من هذه المادة قد إعتبرت إحالة النزاع إلى لجنة الطعن قاطعاً للتقادم علاوة على أسباب قطع التقادم المنصوص عليها فى القانون المدنى فإن هذه الإحالة تبقى حافظة لأثرها فى قطع التقادم حتى إنتهاء ميعاد الطعن فى قرار اللجنة فيبدأ تقادم جديد مدته خمس سنوات لا ينقطع إلا بمطالبة الممول إدارياً أو قضائياً.
(الطعن رقم 616 لسنة 51 جلسة 1985/12/30 س 36 ع 2 ص 1241 ق 256)
4- صحيفة الدعوى المرفوعة بحق ما ، لا تعتبر قاطعة للتقادم إلا إذا وجهت إلى المدين الذى ينتفع بالتقادم أو إلى من ينوب عنه ، فلو وجهت إلى من ليست له صفة فى تمثيله فإنها لا تقطع التقادم ، وتصحيح الدعوى بتوجيهها إلى الممثل القانونى للخصم لا ينسحب أثره فى قطع التقادم إلى تاريخ رفع الدعوى ، ذلك أن تصحيح الصفة يجب أن يتم فى الميعاد المقرر وألا يخل بالمواعيد المحددة لرفع الدعاوى وبمدد التقادم .
(الطعن رقم 354 لسنة 44 جلسة 1981/12/21 س 32 ع 2 ص 2374 ق 432)
5- قيام الإستحقاق فى الوقف الأصلى حين نفاذ القانون رقم 180 لسنة 1952 بشأن إلغاء الوقف على غير الخيرات ، هو أساس تملك المستحق فى أعيان هذا الوقف بمقدار نصيبه طبقاً للمادتين الثانية والثالثة من القانون المذكور ، فقد أصبح ذلك الاستحقاق هو أساس هذه الملكية التى تجب بوجوبه و تسقط بسقوطه ، وبالتالى يكون رفع الدعوى بطلب ثبوت الإستحقاق فى الوقف إلى وقت إلغائه قاطعاً للتقادم المكسب للملكية بالنسبة لنصيب رافع الدعوى قبل خصومه فيها و المطالبة القضائية بقدر من غلة الوقف الأهلى تنطوى ضمناً على طلب ثبوت الإستحقاق فى هذا الوقف .
(الطعن رقم 1590 لسنة 48 جلسة 1980/05/22 س 31 ع 2 ص 1476 ق 279)
تنص المادة 975 مدني على ما يأتي :
1 - ينقطع التقادم المكسب إذا تخلي الحائز عن الحيازة أو فقدها ولو بفعل الغير .
2 -غير أن التقادم لا ينقطع بفقد الحيازة إذا استردها الحائز خلال سنة أو رفع دعوى باستردادها في هذا الميعاد .
وواضح كما قدمنا أن هذا السبب لقطع التقادم ينفرد به التقادم المكسب دون التقادم المسقط لأن المفروض فيه أن تزول الحيازة والحيازة لا تكون إلا في التقادم المكسب ويؤخذ من النص سالف الذكر أنه إذا زالت الحيازة قبل أن يكتمل التقادم المكسب فإن هذا التقادم ينقطع ذلك بأن التقادم المكسب يقوم على أساسين : بقاء الحيازة عند الحائز المدة اللازمة قانوناً وعدم مطالبة المالك بحقه فإذا اختل أحد هذين الأساسين بأن لم تبق الحيازة عند الحائز إلي أن تكتمل مدة التقادم أو طالب المالك بحقه أو ما يعدل ذلك أقر له الحائز بهذا الحق فإن التقادم المكسب ينقطع ولا يعتد بالمدة التي سبقت انقطاعه. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع، المجلد / الثاني، الصفحة/ 1445)
يجب لكسب الحق بالحيازة أن تستمر هذه الحيازة طوال مدة التقادم أما إذا لم يتحقق هذا الاستمرار بأن يفقد الحائز حيازته طواعية بأن يتخلى عنها أو يفقدها كرها عنه فإن المدة اللازمة للتقادم تنقطع فتسقط المدة السابقة على الانقطاع ولا يعتد بها فإن أستأنف الحائز حيازته لذات العين بدأ تقادم جديد من وقت استئناف الحيازة ولو كان التخلي عن الحيازة ليوم واحد طواعية فإن الحيازة تزول بعنصريها فينقطع التقادم أما في حالة فقد الحيازة كرها فإن الركن المادي يزول وحده متی توافر لدى الحائز الركن المعنوي فتبقى الحيازة باقية للحائز بشرط أن يرفع دعوى استرداد الحيازة خلال سنة من فقد الحيازة أما إذا لم يفعل فقد أفترض المشرع أنه تنازل عن الحيازة بركنيها ومن ثم تزول الحيازة وتنقطع المدة من وقت زوالها أما إذا رفع دعوى استرداد الحيازة خلال السنة واسترد بموجبها الحيازة ولو بعد انقضاء السنة فلا يكون هناك انقطاع بل تستأنف الحيازة مسيرتها منذ أن زالت وكأنها لم تنقطع لحظة واحدة وكذلك إذا كان قد الحيازة بسبب الحراسة فالحراسة لا تسلب حيازة من كان واضعاً يده قبل الحراسة ومن ثم فإن الحراسة لا تقطع التقادم فيستمر الحائز قبلها حائزاً بعدها ويستمر سريان التقادم لمصلحته ولا ينقطع برفع يده بسبب الحراسة ولكل ذي مصلحة أن يتمسك بالانقطاع إن ثم سواء كان المالك أو سواه وقد تزول الحيازة بفقد ركنها المعنوي كان ينفق الحائز مع المالك على أن يستأجر العين ومن ثم يصبح حائزاً عرضياً كما تنقطع اللحيازة إذا أصبحت العين غير قابلة للتملك بالتقادم كأن ننزع ملكيتها للمنفعة العامة.
زوال الإنقطاع برفع دعوى الحيازة خلال سنة:
أن مدة التقادم المكسب تنقطع بفقد الحيازة إنقطاعاً طبيعياً فلم يعد للحائز وضع يد على العقار أو على الحق العيني سواء كان قد الحيازة طواعية أو بسلبها بمعرفة الغير ففي حالة التخلي عن الحيازة طواعية ينقطع التقادم فور هذا التخلي ولا يزول الإنقطاع إذا عاد الحائز ووضع يده مرة أخرى في أي وقت ويشترط لترتيب هذا الأثر أن ينصرف قصد الحائز إلى علم ترتيب أي أثر كان قد ترتب على حيازته فلا يكفي في استخلاص هذا القصد فقد العنصر المادي للحيازة لوقت قصير وتلك من مسائل الواقع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع .
فإن كان قد الحيازة بسبب إعتداء الغير عليها بسلبها أو التعرض للحائز فيها فإن الانقطاع يعتبر كأن لم يكن إذا تمكن الحائز من استردادها بطريقة مشروعة خلال سنة من فقدها كما لو قررت النيابة العامة ردها إليه أو قام المغتصب بردها طواعية أما إذا قام الحائز باستردادها بالقوة أو بالحيلة فإن الانقطاع لا يزول بحيث إذا إنقضت سنة من تاريخ سلب الحيازة دون أن يرفع الحائز دعوى الحيازة انقطع التقادم وزالت مدة وضع اليد السابقة على سلب الحيازة وتبدأ مدة تقادم جديدة من الوقت الذي تتوافر للحيازة الجديدة شروط الحيازة المكسبة للحق إعمالاً للقاعدة التي تقرر أنه لا يجوز لأحد أن يسترد حقه المغتصب بالقوة.
لكن إذا لجأ الحائز إلى دعوى الحيازة خلال سنة من سلبها فإن الانقطاع يصبح كأن لم يكن حتى لو صدر الحكم بعد إنقضاء هذه السنة فتصبح الحيازة كأنها لم تسلب ويتوافر شرط استمرارها طالما قضی بردها للحائز أما إذا قضى بعدم قبول الدعوى إنقطع القادم وأصبحت المدة السابقة على سلب الحيازة كأن لم تكن. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع عشر الصفحة/ 151)
المقصود بانقطاع التقادم:
أن تسقط مدة التقادم السارية بسبب معين فإذا بدأ بعد ذلك سريان التقادم كان هذا تقادماً جديداً لا تحسب فيه المدة السابقة على الانقطاع وهذا هو الفارق بين وقف التقادم وانقطاعه إذ أنه بعد زوال سبب الوقف يعود التقادم يسري كما كان فتدخل في حساب مدته الفترة السابقة على الوقف .
أسباب قطع التقادم :
رأينا أن المادة 973 مدني تنص على سريان قواعد التقادم المسقط على التقادم المكسب فيما يتعلق بانقطاع التقادم بالقدر الذي لا تتعارض فيه هذه القواعد مع طبيعة التقادم المكسب.
وأسباب الانقطاع هذه التي نص عليها في التقادم المسقط يطلق عليها (الانقطاع المدنی).
ثم نصت المادة 975 الواردة في التقادم المكسب على سبب لقطع التقادم المكسب لا مقابل له في التقادم المسقط وهو زوال الحيازة ويطلق على هذا السبب (الانقطاع الطبيعي).
ونعرض لأسباب قطع التقادم بالتفصيل فيما يلي.
أولاً : الانقطاع المدني للتقادم
- النص القانوني:
المادة 383 مدني :
ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة وبالتنبيه وبالحجز، وبالطلب الذي يتقدم به الدائن بقبول حقه في تفليس أو في توزيع وبأي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه أثناء السير في إحدى الدعاوى.
فهذه المادة تنص على أسباب قطع التقادم وهي:
1- المطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة.
2- التنبيه.
3- الحجز
4 - الطلب الذي يتقدم به الدائن لقبول حقه في تفليس أو في توزيع.
5- أي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه أثناء السير في إحدى الدعاوي ونعرض لهذه الأسباب تفصيلاً فيما يلي.
السبب الأول
المطالبة القضائية
- المقصود بالمطالبة القضائية:
المقصود بالمطالبة القضائية صحيفة الدعوى التي تتضمن مطالبة صاحب الحق بحقه فهي عبارة عن صحيفة الدعوى التي يوجهها صاحب الحق العيني أو نائبه إلى الحائز أو نائبه والتي يتوافر فيها معنى طلب الحق المراد استرداده.
ويجب التوسع في معنى المطالبة القضائية فهذه العبارة تشمل كل طلب يقدم أمام القضاء ومن ثم ينصرف معناها أيضاً إلى المطالبة بهذا الحق من طريق طلب عارض يتقدم به المدعي أو المدعى عليه أثناء نظر دعوى أصلية أو من طريق اختصام الغير أو من طريق التدخل في الدعوى ففي كل هذه الصور تتوفر المطالبة القضائية التي ينقطع بها التقادم ولهذا وردت في نهاية النص عبارة عامة تفيد انقطاع التقادم بأي عمل يقوم به صاحب الحق للتمسك بحقه أثناء السير في إحدى الدعاوي.
يجب أن يتوافر في المطالبة القضائية معنى الطلب الجازم بالحق الذي يراد استرداده:
لكي تكون المطالبة القضائية قاطعة للتقادم يجب أن يتوافر فيها معنى الطلب الجازم بالحق الذي يراد استرداده.
فصحيفة الدعوى المرفوعة بحق ما لا تعد قاطعة إلا في خصوص هذا الحق وما التحق به من توابعه بما يجب بوجوبه أو يسقط بسقوطه فإذا تغاير الحقان أو تغایر مصدرهما فالطلب الحاصل بأحدهما لا يكون قاطعاً لمدة التقادم بالنسبة إلى الحق الآخر.
وإذا رفع المدعي دعوى موضوعية أمام القضاء المستعجل وحكمت المحكمة المستعجلة فيها بعدم الاختصاص لتعلق النزاع بأصل الحق فتعتبر صحيفة الدعوى قاطعة للتقادم لأننا لسنا هنا بصدد طلب الحكم باتخاذ إجراء وقتي بل إن المدعي يبغي من رفع الدعوى المطالبة بأصل الحق ولكنه رفع دعواه خطأ أمام القاضي المستعجل وعلى ذلك تحدث هذه الصحيفة أثرها القاطع للتقادم بالنسبة لموضوع الحق المراد اقتضاؤه شأنها في ذلك شأن أي دعوى رفعت أمام محكمة غير مختصة نوعياً.
المطالبة بجزء من الحق تعتبر قاطعة للتقادم بالنسبة لباقي هذا الحق مادام أن هذه المطالبة الجزئية تدل في ذاتها على قصد صاحب الحق في التمسك بكامل حقه وكان الحقان غير متغايرين بل يجمعهما مصدر واحد.
يجب أن تكون الدعوى التي يترتب عليها قطع التقادم مرفوعة من الخصم الذي يسري التقادم ضده أو من وكيله ضد من يسري التقادم لصالحه أو وكيله.
تعتبر الدعوى المرفوعة أمام محكمين كالدعوى العادية فتقطع التقادم ويعود التقادم إلى السريان عند انتهاء مأمورية المحكم ويعتبر الانقطاع كأن لم يكن إذا رفض الطلب أو حصل النزول عنه أو أبطل .
رفع الدعوى إلى محكمة غير مختصة يقطع التقادم :
تنص المادة 383 مدني على أن:
ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة.... ألخ.
والحكمة في ذلك أن القواعد المتعلقة باختصاص المحاكم قد تكون من التعقيد بحيث يلتبس الأمر على صاحب الحق فيرفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة.
كما أن هذا الغلط من جانب صاحب الحق لا ينفي أنه برفعه الدعوى قد عقد النية على المطالبة بحقه وهذه النية من جانبه هي أساس قطع التقادم.
ويستوي أن تكون الدعوى رفعت إلى محكمة غير مختصة محلياً أو قيمياً أو نوعياً.
ويذهب الرأي الراجح أن رفع الدعوى إلى محكمة غير مختصة ولائياً يؤدي أيضاً إلى قطع التقادم إذ لم يوجب القانون التفرقة في هذا المجال كما أن المادة 590 من المشروع التمهيدي كان تقيد هذا الأثر بأن يكون رفع الدعوى إلى محكمة غير مختصة من جراء غلط مغتفر إلا أن لجنة المراجعة حذفت هذه العبارة الأخيرة مما يفهم منه أن أثر صحيفة الدعوى في قطع التقادم مطلق من كل قيد حتى بفرض الحكم في الدعوى بعدم الاختصاص.
المقرر أن التقادم الذي ينقطع بالمطالبة القضائية يمتد طوال الوقت الذي يستغرقه سير الدعوى بمعنى أن حق المدعي يبقى بمأمن من كل سبب يكون أساسه مضى الزمن فيبقى التقادم منقطعاً إلى أن تسقط الدعوى بالتقادم أو يزول أثر صحيفتها بسبب من الأسباب الموجبة لذلك فالتقادم يظل مقطوعاً ما بقيت الدعوى قائمة .
زوال أثر الانقطاع بسقوط أثر صحيفة الدعوى:
ذلك أن انقطاع التقادم بالمطالبة القضائية من جانب صاحب الحق مناطه أن تنتهى الدعوى بحكم يصدر لصالحه في هذا الطلب ومن ثم فكل سبب يؤدي إلى سقوط هذه المطالبة أو رفضها يلغي معها انقطاع التقادم.
وبالترتيب على ذلك يزول أثر انقطاع الخصومة في الحالات الآتية:
(أ) - بطلان صحيفة الدعوى لعيب في الشكل :
إذا كانت صحيفة الدعوى باطلة لعيب في الشكل بأن شابها خطأ أو نقص في بيان من بياناتها يترتب على إغفاله الحكم بالبطلان أو رفعت دون التوقيع عليها أو على صورتها من محام مقرر أمام المحكمة فإنه لا يترتب عليها أثر ومن ثم لا تقطع التقادم.
(ب) - ترك الخصومة :
ذلك أنه طبقاً للمادة 143 مرافعات يترتب على ترك الخصومة إلغاء جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك رفع الدعوى ولكن لا يمس ذلك الحق المرفوع به الدعوى.
(ج) اعتبار الدعوى كأن لم تكن:
يزول أثر صحيفة الدعوى في قطع التقادم إذا حكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن ومثال ذلك:
1- إذا لم يتم تكليف المدعى عليه بالحضور في خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم الصحيفة إلى قلم الكتاب وكان ذلك راجعاً إلى فعل المدعى (مادة 70 مرافعات).
2- إذا تقرر شطب الدعوى وانقضى ستون يوماً ولم يطلب أحد الخصوم السير في الدعوى أو إذا لم يحضر الطرفان بعد السير فيها (مادة 1/82 مرافعات).
3- إذا قضت المحكمة بوقف الدعوى جزاء ومضت مدة الوقف ولم يطلب المدعي السير في دعواه خلال الثلاثين يوماً التالية لانتهائها أو لم ينفذ ما أمرت به المحكمة ( مادة 3 / 99 مرافعات ).
(د) سقوط الخصومة:
الكل ذي مصلحة من الخصوم في حالة عدم السير في الدعوى بفعل المدعى أو امتناعه أن يطلب الحكم بسقوط الخصومة متى انقضت ستة أشهر من آخر إجراء صحيح من إجراءات التقاضي (مادة 134).
ويترتب على الحكم بسقوط الخصومة سقوط الأحكام الصادرة فيها بإجراء الإثبات وإلغاء جميع الخصومة بما في ذلك رفع الدعوى (مادة 1/137 مرافعات).
(هـ) انقضاء الخصومة :
تنص المادة 140 من قانون المرافعات على أنه: في جميع الأحوال تنقضي الخصومة بمضي سنتين على آخر إجراء صحيح فيها.
ومع ذلك لا تسري حكم الفقرة السابقة على الطعن بطريق النقض .
وانقضاء الخصومة بمضي المدة هو إلغاؤها – بقوة القانون- وإلغاء جميع الإجراءات التي تمت فيها بسبب رکودها بغير مانع مادي أو قانوني مدة سنتين من تاريخ آخر إجراء صحيح باشره أحد الخصوم سواء كان سبب رکود الخصومة راجعاً إلى المدعي أو المدعى عليه أو قلم الكتاب.
ومن ثم فإنه يترتب على القضاء بانقضاء الخصومة إلغاء صحيفة الدعوى فيزول أثرها في قطع التقادم فيعتبر الانقطاع المبني عليها كأن لم يكن.
(و) رفض الدعوى:
الحكم برفض الدعوى يزيل أثرها في قطع التقادم فيعتبر الانقطاع المجني عليها كأن لم يكن.
(ز) عدم قبول الدعوى :
يترتب على الحكم بعدم قبول الدعوى لسبب شكلي أو لأي سبب آخر يجعل رفعها سابقاً لأوانه زوال جميع الآثار المترتبة على رفعها الأمر الذي يستتبع حتماً زوال الأثر القاطع للتقادم.
القضاء بوقف الدعوى لا يترتب عليه زوال أثر إيداع الصحيفة: القضاء بوقف الدعوى لعدم تنفيذ قرار المحكمة عملاً بالمادة 2 / 99 مرافعات غير منه للخصومة فيها، ومن ثم لا يزول به أثر إيداع صحيفتها قلم الكتاب في قطع التقادم.
لا يترتب على رفع الدعوى أمام القضاء المستعجل بطلب اتخاذ إجراء وقتي أو تحفظي قطع التقادم لأن القرارات التي يصدرها القاضي المستعجل في المسائل الوقتية أو التحفظية ليس لها أي تأثير في الموضوع أو أصل الحق إذا هي لا تحوز حجية الشيء المقضي به أمام محكمة الموضوع ومن ثم فلا يمكن القول بأن الطلب المستعجل ينصب على المطالبة بحق ما يريد المدعي استرداده اليقطع على خصمه مواعيد التقادم ويترتب على ذلك أن دعوى إثبات الحالة أو دعوى الحراسة لا تقطع التقادم بالنسبة إلى موضوع الحق.
طلب الإعفاء من الرسوم القضائية لا يعتبر من قبيل المطالبة القضائية ولو انتهى الأمر فيه إلى قبول الطلب لأن تقديمه إلى لجنة المساعدة القضائية لا يهدف إلا إلى الإعفاء من دفع الرسم المستحق قبل عرض النزاع على القضاء ولا يترتب على صدور قرار الإعفاء طرح النزاع تلقائياً على المحكمة - وإنما ترخص به للطالب - إذا شاء - في رفع الدعوى بغير رسوم .
لا تعتبر التظلمات المرفوعة إلى السلطات أو الهيئات الإدارية قاطعة للتقادم وكذلك الطلبات الحاصلة بالطرق الدبلوماسية لأن هذه الطلبات لا تعتبر مطالبة قضائية.
أما المطالبة أمام لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي مثل لجان الضرائب فيترتب عليها قطع التقادم.
عدم انقطاع التقادم بتقديم الطلب إلى لجنة التوفيق المنصوص عليها في القانون رقم 7 لسنة 2000 .
يكفي أن يدفع أمام المحكمة بالتقادم حتى يتعين عليها أن تبحث شرائطه القانونية ومنها المدة بما يعترضها من انقطاع إذ أن حصول الانقطاع يحول دون اكتمال مدة التقادم ومن ثم يكون للمحكمة ولو من تلقاء نفسها أن تقرر بانقطاع التقادم إذا تبينت سببه من أوراق الدعوى.
لا يشترط لقطع التقادم توافر أهلية التقاضي بل يكفي توافر أهلية القيام 383 بالأعمال التحفظية فيجوز للقاصر أو وكيل عن الشركة قبل الحصول على إذن من مجلس إدارتها القيام بإجراءات المطالبة القضائية التي تقطع التقادم إلا أنه يجب للاستمرار في السير في الدعوى أن تصحح إجراءاتها حتى يستقيم وضعها القانوني فيجب تدخل من يمثل ناقص الأهلية أو الحصول على إذن مجلس إدارة الشركة.
(السبب الثاني)
(التنبيه)
مضمون هذا السبب:
تنص المادة 383 مدني على أن التقادم ينقطع بالتنبية والمراد بالتنبيه هو الإجراء المنصوص عليه في المادة 281 من قانون المرافعات والذي بمقتضاه يقوم المحضر بإعلان السند التنفيذي الذي يسبق التنفيذ لنفس المدين أو لمحله الأصلي منبهاً عليه بأداء الالتزام المبين في السند أو الحكم بحيث إذا امتنع يكون معرضاً لأن يكره على ذلك بالقوة الجبرية أو بحجز أمواله وبيعها طبقاً للقانون وفاء لدين الدائن.
فقد نصت المادة سالفة الذكر على أن: يجب أن يسبق التنفيذ إعلان السند التنفيذي لشخص المدين في موطنه الأصلي وإلا كان باطلاً ويجب أن يشتمل هذا الإعلان على تكليف المدين الوفاء وبيان المطلوب وتعيين موطن مختار الطالب التنفيذ في البلدة التي بها مقر محكمة التنفيذ المختصة.
ويجب عند الشروع في تنفيذ عقد رسمي بفتح اعتماد أن يعلن معه مستخرج بحساب المدين من واقع دفاتر الدائن التجارية ولا يجوز إجراء التنفيذ إلا بعد مضي يوم على الأقل من إعلان السند التنفيذي.
ويجب أن يتوافر في التنبيه جميع البيانات اللازمة في أوراق المحضرين وصورة كاملة للسند التنفيذي إذا لم تكن قد أعلنت له من قبل.
ولكن لايعتبر تنبيها قاطعاً للتقادم التكليف بالوفاء السابق على أمر الأداء لأنه مجرد إنذار بالدفع لا يكفي لترتيب هذا الأثر.
وكما يعتبر التنبيه قاطعاً للتقادم المسقط يصح أيضاً أن يقطع التقادم المكسب كما لو حصل المالك على حكم ضد واضع اليد يلزمه بإخلاء العقار فيوجه إليه المالك تنبيها بناء على حكم الإخلاء قبل أن يلجأ إلى التنفيذ الجبري فعندئذ يحدث التنبيه أثره القانوني ويترتب عليه زوال كل أثر لمدة وضع اليد السابقة عليه .
ويقوم مقام التنبيه في قطع التقادم الإنذار الذي يوجهه الدائن المرتهن لحائز العقار المرهون بالدفع أو التخلية.
السبب الثالث
(الحجز)
مضمون هذا السبب:
تنص المادة 383 على أن التقادم ينقطع بالحجز.
وإذا كان الحجز يسبقه ضرورة التنبيه والتنبيه يقطع التقادم إلا أنه توجد بعض الحجوز يجوز استثناء من القاعدة العامة ترقيعها من غير تنبيه سابق وذلك مثل الحجز التحفظي ومن ثم لا ينقطع التقادم في الحجز التحفظي إلا من وقت توقيع الحجز.
ويبدأ التنفيذ على العقار بإعلان التنبيه بنزع الملكية إلي المدين( م 402 مدني) ويترتب على هذا التنبيه قطع التقادم الساري لمصلحة المدين ويترتب على تسجيل التنبيه اعتبار العقار محجوزاً (م 404) أي أن المشرع يعتبر العقار موضوعاً تحت يد القضاء وبالتالي فيعتبر هذا التسجيل قاطعاً للتقادم.
ولما كان التنبيه بنزع الملكية يقطع التقادم فإنه إذ سجل هذا التنبيه وهو بمثابة حجز فإنه ينقطع به التقادم مرة أخرى.
وتسجيل التنبيه بنزع الملكية لا يبقى منتجاً آثاره ما شاء الدائن بل يسقط هذا التسجيل إذا كان التنفيذ في مواجهة حائز العقار ولم يسجل مباشر التنفيذ إنذار الحائز ويؤشر بتسجيله على هامش تسجيل التنبيه خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تسجيل التنبيه (م 412 مرافعات). وإذا سقط التسجيل على هذا النحو زال أثره في قطع التقادم وأيضاً يزول أثر التنبيه في قطع التقادم ولا يعتبر التقادم قد انقطع لا بالحجز ولا بالتنبيه ويبقى مستمراً في سريانه منذ البداية.
(السبب الرابع)
إقرار الحائز بحق المالك
- النص القانوني:
1-تنص المادة 384 مدني الواردة في التقادم المكسب - على أن : ينقطع التقادم إذا أقر المدين بحق الدائن إقراراً صريحاً أو ضمنياً.
2- ويعتبر إقراراً ضمنياً أن يترك المدين تحت يد الدائن مالاً مرهوناً رهناً حيازياً تأميناً لوفاء الدين".
ولا ينطبق من هذا النص على التقادم المكسب إلا الفقرة الأولى أما الفقرة الثانية فيقتصر تطبيقها على التقادم المسقط.
ذلك أن الإقرار لا يقتصر أثره على أنه تقرير للواقع وإلا كان واقعة مادية لا تكفي بذاتها لقطع التقادم وإنما ينطوي فضلاً عن ذلك على تصرف قانوني هو النزول عما انقضى من مدة التقادم.
وقد رأينا سلفاً أن هذا النزول جائز إذ يجوز التنازل عن التقادم بعد ثبوت الحق فيه أي بعد اكتمال مدته وتوفر شروطه الأخرى، ويجوز من باب الأولى النزول عما انقضى من المدة فإذا صدر هذا الإقرار انقطع التقادم فتسقط المدة التي مضت ويسري تقادم جديد يبدأ من وقت صدور الإقرار .
والإقرار تصرف من جانب واحد فهو ينعقد بإرادة الحائز وحدها فلا تكون هناك حاجة إلى أن يقبله صاحب الحق بل إنه تعبير عن الإرادة غير واجب التسليم بمعنى أنه لا يتعين إعلانه لشخص معين حتى يتحقق أثره القانوني فهو ينتج أثره قبل أن يصل إلى علم الحائز ولا يجوز للحائز بعد صدوره أن يرجع فيه .
- الإقرار الصريح والإقرار الضمني :
الإقرار إما أن يكون صريحاً أو ضمنياً ولا يشترط في الإقرار الصريح أن يتم في شكل خاص فأي تعبير عن الإرادة يفيد معنى الإقرار بالحق يكفي.
فيصح أن يكون الإقرار ثابتاً في محرر عرفي أو رسمي كما لو كان ثابتاً في صورة رسالة موجهة من المدين أو الحائز يعترف فيها بحق الدائن أو المالك أو يكون مكتوباً في عقد يبرمه المدين أو الحائز مع الغير دون وساطة من الدائن أو المالك كما لو باع الحائز عقاراً لآخر وأقر في عقد البيع بأن الأرض المبيعة محملة بحق لصالح جهة وقف معين ليست طرفاً في العقد.
ويصح أن يكون الإقرار مكتوباً في محضر جرد لتركة الحائز أو في مذكرة مقدمة في قضية.
كما يعتبر إنذار العرض بمثابة إقرار قاطع للتقادم سواء تلاه الإيداع أم لا ولو لم يصادف قبولاً من الجانب الآخر كما يصح أن يكون الإقرار شفاهة أمام القضاء أو في غير مجلس القضاء.
ويقطع الإقرار التقادم ولو ورد في عقد باطل إذا كان البطلان لا يشوب الإقرار نفسه فإذا تضمنت تسوية إقراراً بالدين ثم أبطلت التسوية بقي الإقرار قاطعاً للتقادم .
ويشترط في الإقرار أن يكون كاشفاً عن نية الحائز في الاعتراف بالحق.
أما الإقرار الضمني فيستفاد من أي عمل يصدر من الحائز تنطوي دلالته على معنى الإقرار كما لو دفع الحائز أجرة العين التي يحوزها للمالك أو طلب منه القيام بإصلاح فيها.
وإذا عرض الحائز على المالك أن يدفع مبلغاً على سبيل الصلح لم يعتبر هذا العرض إقراراً ضمنياً بحق المالك إذ أن رغبة الحائز في الصلح وحسم النزاع لا يستخلص منها حتماً أنه يقر بحق المالك وعدم منازعة المدين في دعوى الحراسة ووضع أمواله تحت يد الحارس والترخيص له في اقتضاء حق الدائن من ريعها لا ينطوي على إقرار ضمني بالحق.
قد يكون الإقرار مقروناً بتحفظات وفي هذه الحالة يجب التمييز بين ما إذا كانت هذه التحفظات عامة ترد عادة في المذكرات والأوراق التي يتبادلها الخصوم فمثل هذه التحفظات يجب عدم التعويل عليها كما لو ذكر في محضر العرض الصادر من المدين بأنه يؤدي قيمة الفوائد رغم اعتقاده بعدم وجوبها أو أنه يؤدي قيمة الدين مؤقتاً حتى يستطيع إثبات براءة ذمته منه أما إذا كانت التحفظات دقيقة ومحددة بحيث تبدو أنها متعارضة مع الإقرار ووجب القول بانتفاء الإقرار كأن يقرر المدين في محضر العرض أنه يعرض الوفاء على سبيل التضحية أو كي يتفادى رفع دعوى ضده فإنه يجوز للمدين التمسك بالتقادم إذا رفض الدائن هذا العرض إذ لا يستطيع الدائن الاحتجاج بأن عرض الدين يعتبر بمثابة نزول ضمني عن التقادم لأن العرض هنا لم يكن على سبيل الوفاء وإنما كان على سبيل التضحية ليتفادى المدين إجراءات التقاضي.
- طلب براءة الذمة لا يعتبر إقراراً:
الدعوى المرفوعة ممن هو مطالب بالحق لا من صاحبه ويكون موضوعها طلب القضاء ببراءة ذمته مما يدعيه قبله دائنه لا تعتبر إقراراً قاطعاً للتقادم من المدين رافع الدعوى لأن المدين الذي رفع بدعوى براءة ذمته من الدين لا يعتبر مطلقاً أنه اعترف بالحين اعترافاً يفوت عليه سقوط الحق بالتقادم .
الأهلية اللازمة لإقرار الحائز بحق المالك هي أهلية التصرف في العين التي يحوزها لأن هذا الإقرار قطع للتقادم ولو لم يقطعه فاكتملت مدته لملك الحائز العين فالإقرار إذن ينطوي على ضرب من التصرف في العين بالنزول عنها.
وبناء على ذلك لا يجوز للوصى على القاصر أو القيم على المحجور عليه أن يعترف بحق المالك على عقار في حيازة أيهما إلا بعد استئذان محكمة الأحوال الشخصية.
ويلاحظ أن الإقرار حجة قاصرة على المقر ومن ثم فإن إقرار بعض الورثة بالدين الثابت في ذمة مورثهم لا يترتب عليه قطع التقادم بالنسبة لمن عداهم .
يقع عبء إثبات الإقرار على صاحب الحق الذي يدعي انقطاع التقادم ويخضع هذا الإثبات للقواعد العامة في إثبات التصرف القانوني فيجب الكتابة أو ما يقوم مقامها في إثبات الإقرار إذا زادت قيمة الحق المقر به على ألف جنيه سواء صدر الإقرار في صورة اتفاق بين الحائز وصاحب الحق أو صدر من جانب الحائز وحده دون أي اتفاق.
وتنطبق هذه القاعدة أيضاً في إثبات الإقرار الضمني الذي يستخلص من تصرف قانوني صادر إلى صاحب الحق كما في حالة دفع أجرة العين محل الحيازة حتى لو كان مقدار هذه الأجرة لا يجاوز ألف جنيه مادام أن الحق محل الحيازة تزيد قيمته على هذا النصاب أما لو استخلص هذا الإقرار من تصرف لم يكن صاحب الحق طرفاً فيه فإنه يجوز إثباته بكافة الطرق شأنه في هذا شأن الإقرار الذي يستفاد من وقائع مادية .
ويجوز توجيه اليمين الحاسمة عن الوقائع القاطعة التقادم ويلاحظ هنا أن اليمين لا تنصب على واقعة وجود الدين في ذمة المدين وإنما تنصب فقط على العمل القاطع للتقادم.
وكذلك يحوز للمالك أن يطلب استجواب المدين (الحائز) أو مناقشته بشأن الإقرار القاطع للتقادم المدعى به عليه وإذا كانت الورقة التي تتضمن الإقرار بالدين ورقة عرفية فهي لا تعتبر حجة على الغير إلا إذا كانت ثابتة التاريخ .
ويجوز أيضاً إثبات الإقرار القاطع للتقادم بسند مؤيد لسند سابق والمراد بالسند المؤيد هو السند الذي يتضمن إقراراً بحق سبق إثباته في محرر یسمی الأصلي ويتميز السند المؤيد عن مطلق الإقرار بالحق بأنه لا يتضمن إقراراً على إطلاقه بل يشير إلى أن الحق المقر به قد سبق إثباته في سند أصلي وعلى هذا النحو يصلح السند المؤيد لقطع التقادم.
الأثر المترتب على انقطاع التقادم المكسب:
تنص المادة 385 مدني على أنه:
1- إذا انقطع التقادم بدأ تقادم جديد يسري من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الانقطاع وتكون مدته هي مدة التقادم الأولى .
2- على أنه إذا حكم بالدين وحاز الحكم قوة الأمر المقضي أو إذا كان الدين مما يتقادم بسنة واحدة وانقطع تقادمه بإقرار المدين كانت مدة التقادم الجديد خمس عشرة سنة إلا أن يكون الدين المحكوم به متضمناً لالتزامات دورية متجددة لا تستحق الأداء إلا بعد صدور الحكم .
فإذا كان سبب انقطاع التقادم المكسب هو المطالبة القضائية فالتقادم الذي ينقطع بهذه المطالبة يمتد طوال الوقت الذي يستغرقه سير الدعوى بمعنى أن حق المدعي يبقى بمأمن من كل سبب يكون أساسه مضي الزمن فيبقى التقادم منقطعاً حتى يقضى فيها.
والحكم في الدعوى لا يخرج عن أربعة فروض:
1- أن يكون الحكم في غير موضوع الدعوى عدا الحكم بعدم الاختصاص كأن يكون قد حكم ببطلان صحيفتها أو اعتبارها كأن لم تكن أو بسقوط الخصومة أو بانقضائها أو بإثبات ترك الخصومة فيها.
ففي هذا الفرض يترتب على هذا القضاء زوال ما ترتب على صحيفة الدعوى من أثر في قطع التقادم فكأن الخصومة لم تنقطع أصلاً ويظل التقادم سارياً.
2- أن يقضي في الدعوى بعدم الاختصاص وفي هذا الفرض يظل التقادم منقطعاً طوال مدة نظر الدعوى لأن رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة قاطع للتقادم كما قدمنا وعلى ذلك تبدأ مدة تقادم جديدة لصالح الحائز من يوم الحكم النهائي بعدم الاختصاص تكون مدته هي مدة التقادم السابق فإذا كان التقادم الذي قطع قد بدأ بالشروط التي يتطلبها التقادم الخمسي فإن التقادم الجديد الذي يسري من وقت الحكم النهائي بعدم الاختصاص تكون مدته هي مدة التقادم القديم حتى ولو كان الحائز سيء النية وقت بدء سريان التقادم الجديد.
فالتقادم الجديد يكون مماثلاً للتقادم السابق في مدته وطبيعته فهو يحتفظ بكافة صفاته ويبقى خاضعاً لنفس القواعد التي تحكمه .
أن يحكم في الدعوى برفضها لعدم ثبوت حق المدعى:
وفي هذا الفرض لا يكون لصحيفة الدعوى أي أثر أي لا يكون هناك قطع للتقادم وإنما يستمر الحائز في نفس التقادم الساري.
4- أن يحكم في الدعوى بطلبات المدعي بحكم حاز حجية الشيء المحكوم به:
في هذا الفرض يسري تقادم جديد ولكن يحكم مدته ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 385 مدني فتكون مدة التقادم الجديد الذي يبدأ سريانه منذ صدور هذا الحكم النهائي خمس عشرة سنة كاملة ولو كانت مدة التقادم السابق أقصر لأن الحكم يعزز قوى الحق في هذه الحالة.
وينبني على ذلك أنه إذا قضى بتثبيت ملكية المدعى لعقار وكانت مدة التقادم المكسب الذي انقطع خمس سنوات لأن المدعى عليه كان يستند في وضع يده إلى سبب صحيح فإن مدة التقادم الجديد تصبح خمس عشرة سنة .
والانقطاع الحاصل بسبب التنبيه يبدأ من وقت إعلان هذا التنبيه إلى الحائز ولا يقطعه إلا الحجز الذي يلي التنبيه والوقت الذي يمضي بين التنبيه والحجز يصبح عديم الفائدة من حيث التقادم .
أما الانقطاع بسبب الحجز فيمتد حتى تصل إجراءات التنفيذ إلى المرحلة النهائية إما بالبيع أو التقسيم أو التوزيع فإذا قفل التقسيم أو التوزيع بدأ التقادم الجديد في السريان من هذا الوقت.
أما إذا قضى بإلغاء الحجز أو ببطلانه أو باعتباره كأن لم يكن فإنه يترتب على ذلك زوال كافة الآثار التي ترتبت عليه ومنها قطع التقادم فيعتبر التقادم لا يزال سارياً منذ البداية .
وإذا كان قطع التقادم بسبب الإقرار الذي يصدر من الحائز فإن هذا الإقرار لا يمنع من ابتداء تقادم جديد ولكنه يتعين التفرقة بين فرضين:
الفرض الأول: إذا كان الإقرار قاصراً على الإقرار بحق المالك فحسب فإن مؤدي ذلك اعتراف الحائز بأنه مغتصب للعين وواقعة الغصب لا تحول بذاتها دون بدء حيازة جديدة نافعة في كسب الملكية بالتقادم.
الفرض الثاني: أن يكون الحائز قد زاد على الإقرار السابق أنه اتفق مع المالك على الاستمرار في حيازة العين بسبب معلوم كالإيجار فإن ذلك هو ما يحول بينه وبين الحيازة النافعة في التقادم ما لم يغير سند وضع يده .
الأصل أن انقطاع التقادم لا يسري إلا على الحق الذي تناوله السبب القاطع للتقادم فلا يمتد أثر الانقطاع إلى غير هذا الحق فلو أن حائز العقار قد فقد حيازته لجزء من هذا العقار فإن التقادم ينقطع بالنسبة إلى هذا الجزء فحسب دون الجزء الآخر من العقار وكذلك يكون الحل أيضاً إذا انصبت المطالبة القضائية من مالك هذا العقار على جزء منه فحسب أو كان الحائز قد أقر بحق المالك بالنسبة إلى هذا الجزء دون الجزء الآخر من العقار.
وتستثنى من هذه القاعدة حالة ما إذا كان الحق الذي تناوله السبب القاطع للتقادم يتضمن حقاً آخر أو يتضمنه هو حق آخر فإذا قطع المالك التقادم بالنسبة إلى حقه انقطع التقادم أيضاً بالنسبة إلى حق الانتفاع أو الاستعمال أو السكن الذي رتبه الحائز وإذا قطع صاحب حق الانتفاع أو الاستعمال أو السكن التقادم بالنسبة إلى حقه انقطع التقادم أيضاً بالنسبة إلى حق الملكية الواردة عليه الحيازة.
وإذا رفع أحد الدائنين المتضامنين الدعوى على المدين فإنه يقطع التقادم ويفيد من ذلك سائر الدائنين المتضامنين لأن الدائن المتضامن الذي قطع التقادم يعتبر نائباً عنهم فيما يفيدهم فيعتبر التقادم قد انقطع لمصلحتهم هم أيضاً أما إذا قضى ضده برفض الدعوى فلا يضار برفضها سائر الدائنين المتضامنين لأن الدائن المتضامن لا يعتبر نائباً عنهم فيما يضرهم (م 2 / 282 مدني) فلا يتعدى إليهم أثر الحكم برفض الدعوى وعلى ذلك إذا رفع أحد هؤلاء الدعوى على المدين فلا يجوز للمدين أن يدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وإنما يستطيع أن يدفعها بتقادم الحق إذا كانت مدة التقادم قد اكتملت ولا يجوز للدائن في هذه الحالة أن يعترض بأن التقادم قد انقطع برفع الدعوى الأولى لأن هذا الانقطاع قد ازال أثره برفض هذه الدعوى.
ثانياً : الانقطاع الطبيعي للتقادم بزوال الحيازة
- مضمون هذا السبب:
رأينا أن المادة 975مدني تنص على أن ينقطع التقادم المكسب إذا تخلی الحائز عن الحيازة أو فقدها ولو بفعل الغير.
غير أن التقادم لا ينقطع بفقد الحيازة إذا استردها الحائز خلال سنة أو رفع دعوى باستردادها في هذا الميعاد .
والانقطاع الطبيعي للتقادم بزوال الحيازة ينفرد به التقادم المكسب دون التقادم المسقط لأن المفروض فيه أن تزول الحيازة والحيازة لا تكون إلا في التقادم المكسب والتقادم طبقاً لهذا النص ينقطع انقطاعاً طبيعياً في حالتين نعرض لهما فيما يلي:
الحالة الأولى :
تخلى الحائز عن الحيازة اختياراً:
في هذه الحالة يتخلى الحائز عن حيازة المال باختياره.
ويتحقق ذلك حين يتصرف الحائز فى المال ويسلمه إلى المتصرف إليه أو حين يتخلى الحائز عن المال بنية تركه.
أي أن الحائز هنا يفقد ركنى الحيازة المادي والمعنوي.
أما لو اقتصر الحائز على التخلي عن الركن المادي في الحيازة بأن نقل مجرد وضع اليد إلى الغير على سبيل الإيجار أو ما شابهه من السندات الناقلة للحيازة المادية فلا يعتبر هذا بالطبع تخلياً عن الحيازة مؤدياً إلى فقدها وقاطعاً التقادم بالتالي فالمستأجر ومن ماثلة ينوبون عن الحائز القانوني في الحيازة المادية.
والتخلي عن الحيازة على هذا النحو يسقط مدة حيازة الحائز نهائياً لأن حيازته تكون قد انقضت نهائياً والتقادم في هذه الحالة ينقطع فور وقوع التخلي ولو دام التخلي يوماً واحداً بحيث إذا استرد الحيازة بعد ذلك فإنه يصبح بصدد حيازة جديدة لا صلة لها بالحيازة السابقة.
ولكن يراعي أن مجرد امتناع الحائز عن الانتفاع بالشيء لا يترتب عليه.
قطع التقادم إذا لم يقصد التخلي عن الحيازة :
الحالة الثانية :
فقد الحائز الحيازة بدون إرادته:
في هذه الحالة لا يفقد الحائز الحيازة باختياره بل يفقدها بغير إرادته ويستوي أن يكون فقد الحيازة من طريق صاحب الحق بالذات أم أجنبياً غصب العين موضوع الحيازة.
ولا يهم أن يكون فقد الحيازة حصل بدون علم الحائز أو بحضوره.
ولكن يجب لقطع التقادم أن تزول الحيازة فعلاً فمجرد الاعتداء البسيط على الشيء لا يكفي .
ففقد الحيازة هنا إنما ينصب على الركن المادي فقط.
وفي بيان حكم فقد الحيازة في هذه الحالة يتعين التفرقة بين المنقول والعقار:
(أ) فإذا وردت الحيازة على منقول فإن الحائز يفقدها حين يستحوذ الغير فعلاً على الشيء وحين يخرج الشيء فعلاً من حوزة حائزه دون تدخل من جانب أحد وفي هذه الصورة أيضاً تنقضي الحيازة نهائياً بمجرد الفقد فتسقط مدتها وينقطع التقادم بصفة نهائية .
(ب) وإذا وردت الحيازة على عقار فإن الحائز يفقدها إذا استحوذ الغير على العقار بحيث تقوم من جانبه حيازة معارضة للحيازة الأولى إنما يكون للحائز أن يطلب استرداد حيازته للعقار خلال السنة التالية لهذا الفقد طبقاً للمادة 958 مدني وقد عرضنا لها تفصيلاً في موضعها من الموسوعة ومن ثم فإنه لا يترتب على فقد الحيازة قطع التقادم إذا استردها الحائز خلال سنة أو رفع الدعوى باستردادها في هذا الميعاد ولو حكم برد الحيازة بعد انقضاء السنة أما إذا رفعت الدعوى ورفضت بحكم نهائي ولو قبل انتهاء مدة السنة فإن المدة تقطع.
وعلى ذلك إذا وضع (أ) يده على عقار وكان في طريق كسبه بالتقادم ثم وضع (ب) يده على العقار أو حرم (أ) من وضع يده بفعل المالك وجب إجراء التفرقة الآتية:
إذا استرد (أ) الحيازة بواسطة دعوى الحيازة التي رفعها خلال سنة من التعرض فلا ينقطع التقادم ويعتبر أنه لم يتخل عن الحيازة أية لحظة ويستمر التقادم في سريانه ولكن إذا لم يرفع (أ) دعوى الحيازة خلال السنة من وقت التعرض انقطع التقادم لأنه يكون قد أضاع الحيازة ومن ذلك يرى أن حيازة المالك أو شخص أجنبى العقار الذي وضع (أ) يده عليه وسار في طريق كسبه بالتقادم لا تكفي لقطع المدة بل تجب الحيازة مدة سنة لقطع التقادم.
والعلة في اشتراط مدة السنة هو أنه إن لم يمتد الانقطاع وقتاً معيناً فقد يفترض أن هذا مجرد خطأ من جانب من استولى على العين، وأن من كان واضعا يده عليها قد سارع إلى استردادها أو طالب بذلك بمجرد علمه بحيازة غيره وأنه لم يقصد بحال أن يقر هذه الحيازة وقد رؤى أن الحيازة المؤقتة للعين لو اعتبرت كافية للحرمان من آثار وضع اليد لأدى ذلك إلى الفوضى فيصبح كل حائز مضطراً لرفع دعوى لتأييد حق ملكيته فاشتراط الحيازة مدة سنة يؤدي إلى حفظ النظام العام.
يضاف إلى ذلك أنه في دورة سنة تجمع ثمرات العين ففي خلال مثل هذه المدة تكون الحيازة الظاهرة المستمرة قد اتخذت صفة تمنع من خلطها بمجرد الاستيلاء .
وإزالة الحيازة بقوة قاهرة، كالفيضان ولو لمدة أكثر من سنة لا يقطع التقادم والذي يحفظ وضع اليد في هذه الحالة هو نية الحيازة.
والحيازة لا تفقد إذا امتنع المالك عن القيام بالأعمال المادية للحيازة متى كان امتناعه هذا لا يرجع إلى حيازة للعقار حيازة مناهضة ومادام أن الشيء تحت تصرفه بحيث يستطيع دائماً أن يباشر عليه أعمال الحيازة المادية وهو هنا يحتفظ بالحيازة عن طريق القصد وحده وبتعبير آخر يجب أن يكون من شأن رفع يد الحائز حرمانه من ثمرات العين التي كان يحوزها ومن منافعها .
إثبات انقطاع الحيازة:
نظراً لأن الحيازة لا تؤدي دورها في كسب الحق بالتقادم إلا إذا استمرت طوال المدة المطلوبة دون انقطاع فقد كان مقتضى هذا أن يكون على الحائز الذي يتمسك بالتقادم المكسب الحق أن يثبت هذا الاستمرار أي يثبت أن الحيازة لم تزل طوال المدة ولكن المشرع وضع قرينة على استمرار الحيازة فنص في المادة 971 على أنه: "إذا ثبت قيام الحيازة في وقت سابق معين وكانت قائمة حالاً فإن ذلك يكون قرينة على قيامها في المدة ما بين الزمنين ما لم يقم الدليل على العكس وعلى ذلك لا يكلف الحائز بإثبات عدم زوال الحيازة طوال المدة إنما على من يدعي انقطاع التقادم بزوال الحيازة أن يثبت هو ذلك .
يترتب على الانقطاع الطبيعي للحيازة زوال المدة التي استمرت خلالها الحيازة مفقودة.
ولكن ليس هناك ما يمنع من عودة الحائز إلى حيازة المال وعندئذ يبدأ تقادم جديد من يوم عودة الحائز إلى المال الذي تخلى عن حيازته أو الذي اغتصب منه منذ أكثر من سنة.
ويتوقف نوع التقادم الجديد على الشروط التي تتوفر للحائز فإذا استرد العقار بناء على سبب صحيح وكان حسن النية كان التقادم قصيراً مدته خمس سنوات وإلا كان التقادم طويلاً مدته خمس عشرة سنة.
وعلى ذلك فلا محل هنا لتطبيق ما نصت عليه المادة 385 مدنى بخصوص التقادم المسقط من أنه إذا انقطع التقادم بدأ تقادم جديد يسري من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الانقطاع وتكون مدته هي مدة التقادم الأولى.
والانقطاع الطبيعي مطلق الأثر أي أنه ينتج أثره في مواجهة الكافة لأنه يقوم على واقعة مادية هي زوال الحيازة.
فلا يقتصر الاحتجاج بانقطاع التقادم على من انتزع الحيازة بل يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به كشريك في الشيوع أو أي شخص آخر كانت حقوقه معرضة لضياعها بالتقادم.
ولكن من البديهي أن الانقطاع لا يتحقق إلا بالنسبة للشيء الذي زالت حيازته فإذا زالت عن حائز العقار حيازة جزء منه فقط فلا ينقطع التقادم إلا بالنسبة لهذا الجزء.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثالث عشر، الصفحة/ 823)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث عشر ، الصفحة / 118
تَقَادُمٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّقَادُمُ لُغَةً: مَصْدَرُ تَقَادَمَ يُقَالُ: تَقَادَمَ الشَّيْءُ أَيْ: صَارَ قَدِيمًا . وَقَدْ عَبَّرَتْ مَجَلَّةُ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةُ عَنِ التَّقَادُمِ بِمُرُورِ الزَّمَانِ . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ فِي الْجُمْلَةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. التَّقَادُمُ الْمَانِعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى:
2 - لِوَلِيِّ الأْمْرِ مَنْعُ الْقُضَاةِ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي أَحْوَالٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَنْعُ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ بَعْدَ مُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَمَعَ أَنَّ الْحَقَّ لاَ يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، إِلاَّ أَنَّ وَجْهَ هَذَا الْمَنْعِ هُوَ تَلاَفِي التَّزْوِيرِ وَالتَّحَايُلِ؛ لأِنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى زَمَانًا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ إِقَامَتِهَا، يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا.
وَعَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى سُقُوطِ الْحَقِّ فِي ذَاتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مَنْعِ الْقُضَاةِ عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ لِصَاحِبِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الْخَصْمُ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ كَانَ التَّقَادُمُ مُسْقِطًا لِلْحَقِّ لَمْ يَلْزَمْهُ
مُدَّةُ التَّقَادُمِ الْمَانِعِ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى:
3 - فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ مُخْتَلِفُونَ فِي تَعْيِينِ الْمُدَّةِ الَّتِي لاَ تُسْمَعُ بَعْدَهَا الدَّعْوَى فِي الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَالْغَائِبِ وَالإْرْثِ، فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَبَعْضُهُمْ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَبَعْضُهُمْ ثَلاَثِينَ فَقَطْ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمُدَدُ طَوِيلَةً اسْتَحْسَنَ أَحَدُ السَّلاَطِينِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ جَعْلَهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَطْ، وَحَيْثُ كَانَ الْقَضَاءُ يَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْخُصُومَةِ، وَيَقْبَلُ التَّقْيِيدَ وَالتَّعْلِيقَ، فَقَدْ نُهِيَ قُضَاةُ ذَلِكَ السُّلْطَانِ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَى تَرَكَهَا الْمُدَّعِي خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِلاَ عُذْرٍ، لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمَنْعِ بَعْضَ مَسَائِلَ، وَعَلَى هَذَا النَّهْيِ اسْتَقَرَّ خُلَفَاؤُهُ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ التَّقَادُمَ بِمُرُورِ الزَّمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ:
الأْوَّلُ: حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ، نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ.
وَالثَّانِي: أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ يَجِبُ عَلَى الْقُضَاةِ فِي زَمَنِهِ اتِّبَاعُهُ، لأِنَّ هُمْ بِمُقْتَضَاهُ مَعْزُولُونَ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَى مَضَى عَلَيْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِدُونِ عُذْرٍ، وَالْقَاضِي وَكِيلٌ عَنِ السُّلْطَانِ، وَالْوَكِيلُ يَسْتَمِدُّ التَّصَرُّفَ مِنْ مُوَكِّلِهِ، فَإِذَا خَصَّصَ لَهُ تَخَصَّصَ، وَإِذَا عَمَّمَ تَعَمَّمَ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَقَدْ فَرَّقَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ هَذَيْنِ الأْمْرَيْنِ بِأَنَّ مَنْعَ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَبْنِيٌّ عَلَى النَّهْيِ السُّلْطَانِيِّ، فَمَنْ نَهَى عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى لَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِسَمَاعِهَا، وَأَمَّا عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ ثَلاَثِينَ سَنَةً فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ الْفُقَهَاءِ، فَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَنْقُضَهُ، لأِنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ إِنَّمَا يَنْفُذُ إِذَا وَافَقَ الشَّرْعَ وَإِلاَّ فَلاَ.
وَدَعَاوَى الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَقَارِ الْمَمْلُوكِ وَالْمِيرَاثِ وَمَا لاَ يَعُودُ مِنَ الدَّعَاوَى إِلَى الْعَامَّةِ وَلاَ إِلَى أَصْلِ الْوَقْفِ فِي الْعَقَارَاتِ الْمَوْقُوفَةِ بَعْدَ أَنْ تُرِكَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِلاَ عُذْرٍ لاَ تُسْمَعُ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى تَعُودُ إِلَى أَصْلِ الْوَقْفِ فَتُسْمَعُ، وَلَوْ تُرِكَتِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ بِلاَ عُذْرٍ.
4 - وَمُدَّةُ الْمَنْعِ مَعَ سَمَاعِ الدَّعْوَى تُحْسَبُ بِالتَّارِيخِ الْقَمَرِيِّ (الْهِجْرِيِّ) كَمَا قَرَّرَتْ ذَلِكَ جَمْعِيَّةُ الْمَجَلَّةِ اتِّبَاعًا لِلْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ إِلاَّ إِذَا اتُّفِقَ عَلَى خِلاَفِهِ وَعَيَّنَا تَارِيخًا شَمْسِيًّا، وَالْمَنْعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى إِنَّمَا هُوَ لِلْقُضَاةِ، أَمَّا الْمُحَكَّمُونَ فَلاَ يَشْمَلُهُمُ النَّهْيُ، فَلَوْ حَكَّمَ اثْنَانِ شَخْصًا فِي نِزَاعٍ مَضَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَوْ بِلاَ عُذْرٍ فَإِنَّ الْمُحَكَّمَ يَسَعُهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَلاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي النِّزَاعِ.
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّزَاعِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ (وَهُوَ كُلُّ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْوَقْفِ) فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ حَتَّى سِتٍّ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّزَاعِ فِي غَيْرِ أَصْلِ الْوَقْفِ كَأُجْرَةِ النَّاظِرِ وَاَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْوَقْفِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ حَتَّى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَطْ.
الأْعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً:
5 - أَوْرَدَتْ مَجَلَّةُ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ مِنَ الأْعْذَارِ الَّتِي يُبَاحُ مَعَهَا سَمَاعُ الدَّعْوَى بَعْدَ مُدَّةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، الصِّغَرُ، وَالْجُنُونُ، وَالْغَيْبَةُ عَنِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ مَوْضُوعُ النِّزَاعِ مُدَّةَ السَّفَرِ، أَوْ كَوْنُ خَصْمِهِ مِنَ الْمُتَغَلِّبَةِ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُهَا:
1 - الصِّغَرُ: إِذَا كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ صَغِيرًا وَسَكَتَ عَنِ الدَّعْوَى الْمُدَّةَ الْمُقَرَّرَةَ فَإِنَّ الْمُدَّةَ تُحْسَبُ عَلَيْهِ مِنْ تَارِيخِ بُلُوغِهِ رَشِيدًا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ بِاتِّفَاقٍ، وَمَعَ الْخِلاَفِ فِي حَالِ وُجُودِ الْوَلِيِّ أَوِ الْوَصِيِّ، وَرَجَّحَتْ لَجْنَةُ الْمَجَلَّةِ الإْطْلاَقَ لِمَصْلَحَةِ الصَّغِيرِ، وَمَنْ فِي حُكْمِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَجْنُونُ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِلاَّ مِنْ تَارِيخِ إِفَاقَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ تُحْسَبُ مِنْ تَارِيخِ زَوَالِ الْعَتَهِ.
2 - غَيْبَةُ صَاحِبِ الْحَقِّ عَنِ الْبَلَدِ مُدَّةَ السَّفَرِ وَهِيَ مُدَّةُ الْقَصْرِ.
3 - إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْمُتَغَلِّبَةِ بِأَنْ كَانَ أَمِيرًا جَائِرًا مَثَلاً فَذَلِكَ عُذْرٌ يُبِيحُ لِلْمُدَّعِي السُّكُوتَ عَنْ رَفْعِ الدَّعْوَى، وَلاَ تَبْتَدِئُ الْمُدَّةُ حَتَّى يَزُولَ الْجَوْرُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ .
مَتَى تَبْتَدِئُ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَقِّ؟
6 - مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا جَاءَ فِي مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ مُرُورُ الزَّمَانِ مِنْ تَارِيخِ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْمُدَّعِي بِإِقَامَةِ الدَّعْوَى بِالْمُدَّعَى بِهِ، فَمُرُورُ الزَّمَانِ فِي دَعْوَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ إِنَّمَا يَبْتَدِئُ مِنْ تَارِيخِ حُلُولِ الأْجَلِ لأِنَّهُ قَبْلَ حُلُولِهِ لاَ يَمْلِكُ الْمُدَّعِي الدَّعْوَى وَالْمُطَالَبَةَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ، فَمَثَلاً لَوِ ادَّعَى وَاحِدٌ عَلَى آخَرَ فَقَالَ: لِي عَلَيْكَ كَذَا دَرَاهِمَ مِنْ ثَمَنِ الشَّيْءِ الَّذِي بِعْتُهُ لَكَ قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مُؤَجَّلاً ثَمَنُهُ لِثَلاَثِ سِنِينَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لأِنَّهُ يَكُونُ قَدْ مَرَّ اعْتِبَارًا مِنْ حُلُولِ الأْجَلِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً لاَ غَيْرُ، وَمَثَلاً لَوْ وَقَفَ وَاقِفٌ وَقْفَهُ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الاِسْتِحْقَاقُ لِذُرِّيَّتِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنَ الْبَطْنِ الثَّانِي إِلاَّ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الأْوَّلِ، فَلَوْ وَقَفَ رَجُلٌ عَقَارًا وَشَرَطَ وِلاَيَتَهُ وَغَلَّتَهُ لأِوْلاَدِهِ ثُمَّ لأِحْفَادِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَقَامَ أَحَدُ أَوْلاَدِهِ لِصُلْبِهِ «أَيْ مِنَ الْبَطْنِ الأْوَّلِ» وَبَاعَ ذَلِكَ الْعَقَارَ لآِخَرَ وَظَلَّ الآْخَرُ مُتَصَرِّفًا فِيهِ مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَبَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ تُوُفِّيَ الْبَائِعُ فَقَامَ أَحَدُ أَبْنَائِهِ يَدَّعِي ذَلِكَ الْعَقَارَ عَلَى الْمُشْتَرِي اسْتِنَادًا عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلاَ يَمْنَعُهُ مُضِيُّ هَذِهِ الْمُدَّةِ، لأِنَّ حَقَّ إِقَامَةِ الدَّعْوَى لاَ يَثْبُتُ لِلْحَفِيدِ إِلاَّ بَعْدَ وَفَاةِ وَالِدِهِ بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، فَلاَ يَبْتَدِئُ مُرُورُ الزَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّهِ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ وَفَاةِ أَبِيهِ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ وَقَفَ وَاقِفٌ عَقَارًا وَشَرَطَ غَلَّتَهُ لأِوْلاَدِهِ الذُّكُورِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِهِمْ عَلَى بَنَاتِهِ، فَبَاعَ أَوْلاَدُهُ الذُّكُورُ، ذَلِكَ الْعَقَارَ لِرَجُلٍ وَسَلَّمُوهُ إِيَّاهُ وَبَعْدَ سِتِّينَ سَنَةً مَثَلاً انْقَطَعَتْ ذُرِّيَّةُ الْوَاقِفِ الذُّكُورِ فَقَامَتْ بَنَاتُهُ يَدَّعِينَ ذَلِكَ الْعَقَارَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْوَقْفِ، تُسْمَعُ دَعْوَاهُنَّ وَلاَ يَمْنَعُ مُرُورُ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَاهُنَّ، لأِنَّ حَقَّ إِقَامَةِ الدَّعْوَى لَمْ يَثْبُتْ لَهُنَّ إِلاَّ بَعْدَ انْقِطَاعِ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ الذُّكُورِ.
وَيَبْتَدِئُ مُرُورُ الزَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ لِمُؤَجَّلِ الصَّدَاقِ مِنْ وَقْتِ الطَّلاَقِ أَوْ مِنْ تَارِيخِ مَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، لأِنَّ الصَّدَاقَ الْمُؤَجَّلَ لاَ يَصِيرُ مُعَجَّلاً إِلاَّ مِنْ تَارِيخِ الطَّلاَقِ الْبَائِنِ أَوِ الْوَفَاةِ.
7 - وَتَبْتَدِئُ مُطَالَبَةُ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ مِنْ تَارِيخِ زَوَالِ الإْفْلاَسِ كَأَنْ كَانَ لِدَائِنٍ عَلَى مَدِينٍ مَبْلَغٌ مِنَ الْمَالِ مَثَلاً وَكَانَ الْمَدِينُ مُفْلِسًا مُدَّةَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ مَثَلاً فَإِنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ لاَ تَدْخُلُ فِي الزَّمَنِ وَتَبْتَدِئُ مُدَّةُ الْمُطَالَبَةِ مِنْ تَارِيخِ يَسَارِ الْمُفْلِسِ لأِنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى بِسَبَبِ إِفْلاَسِ الْمَدِينِ كَانَ بِعُذْرٍ إِذْ لاَ يَتَأَتَّى لَهُ إِقَامَةُ الدَّعْوَى مَا دَامَ الْمَدِينُ مُفْلِسًا.
وَنَصَّتِ الْمَادَّةُ (1669) مِنَ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنَّهُ «إِذَا تَرَكَ وَاحِدٌ دَعْوَاهُ بِلاَ عُذْرٍ وَمَرَّ عَلَيْهَا الزَّمَانُ عَلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا فَكَمَا لاَ تُسْمَعُ تِلْكَ الدَّعْوَى فِي حَيَاتِهِ لاَ تُسْمَعُ أَيْضًا مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ».
وَجَاءَ فِي شَرْحِهَا: وَذَلِكَ لأِنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، فَمَا يَمْنَعُ سَمَاعَ دَعْوَى الْمُوَرِّثِ يَمْنَعُ سَمَاعَ دَعْوَى الْوَارِثِ. وَلَكِنَّ هَذَا إِذَا ادَّعَى الْوَارِثُ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِالإْرْثِ عَنْ مُوَرِّثِهِ، أَمَّا لَوِ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلاَ يَكُونُ تَرْكُ مُوَرِّثِهِ لِلدَّعْوَى مَانِعًا مِنْ سَمَاعِ دَعْوَاهُ، لأِنَّهُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لاَ يَدَّعِي تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ مُوَرِّثِهِ فَلاَ يَكُونُ قَائِمًا مَقَامَهُ، فَمَثَلاً لَوْ أَوْصَى رَجُلٌ بِعَقَارٍ لاِبْنِ زَيْدٍ الْقَاصِرِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَامَ ابْنُ زَيْدٍ الَّذِي بَلَغَ رَشِيدًا وَادَّعَى ذَلِكَ الْعَقَارَ بِمُقْتَضَى تِلْكَ الْوَصِيَّةِ عَلَى وَارِثِ الْمُوصِي تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلاَ يَمْنَعُهُ مِنْهَا تَرْكُ أَبِيهِ ذَلِكَ الْعَقَارَ فِي يَدِ وَارِثِ الْمُوصِي لأِنَّهُ هَاهُنَا لاَ يَدَّعِي الْمِلْكَ بِسَبَبِ الإْرْثِ عَنْ أَبِيهِ بَلْ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُوصِي قَدْ تَرَكَ الدَّعْوَى بِهَذَا الْعَقَارِ وَهُوَ فِي يَدِ آخَرَ مُدَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لاَ تُسْمَعُ بِهِ دَعْوَى الْمُوصَى لَهُ لأِنَّ الْمُوصَى لَهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فَمَا مُنِعَ عَنْهُ الْمُوصِي مُنِعَ عَنْهُ الْمُوصَى لَهُ لأِنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَمِثْلُ الْوَصِيَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْهِبَةُ.
وَإِذَا تَرَكَ الْمُوَرِّثُ الدَّعْوَى مُدَّةً وَتَرَكَهَا الْوَارِثُ مُدَّةً أُخْرَى وَبَلَغَ مَجْمُوعُ الْمُدَّتَيْنِ حَدَّ مُرُورِ الزَّمَانِ فَلاَ تُسْمَعُ تِلْكَ الدَّعْوَى، لأِنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْوَارِثُ قَائِمًا مَقَامَ الْمُوَرِّثِ كَانَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ حُكْمًا، فَلَوْ تَرَكَ الْمُوَرِّثُ الدَّعْوَى ثَمَانِيَ سِنِينَ مَثَلاً وَتَرَكَهَا الْوَارِثُ سَبْعَ سِنِينَ صَارَ كَأَنَّ الْوَارِثَ تَرَكَ الدَّعْوَى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَمِثْلُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي كَالْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُ، فَلَوْ كَانَ وَاحِدٌ مُتَصَرِّفًا فِي عَرْصَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِدَارٍ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَصَاحِبُ الدَّارِ سَاكِتٌ، ثُمَّ أَوْصَى صَاحِبُ الدَّارِ بِدَارِهِ هَذِهِ إِلَى رَجُلٍ، فَقَامَ الْمُوصَى لَهُ يَدَّعِي أَنَّ الْعَرْصَةَ طَرِيقٌ خَاصٌّ لِلدَّارِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا لاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ.
وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ وَفِي وَرَثَتِهِ بَالِغٌ وَقَاصِرٌ، فَإِنَّ الْبَالِغَ إِذَا تَرَكَ الدَّعْوَى الْمُدَّةَ الْمُقَرَّرَةَ بِلاَ عُذْرٍ فَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَأَمَّا الْقَاصِرُ فَلاَ يُحْسَبُ عَلَيْهِ مُرُورُ الزَّمَانِ إِلاَّ مِنْ تَارِيخِ بُلُوغِهِ رَشِيدًا، مَعَ مُلاَحَظَةِ الْخِلاَفِ السَّابِقِ فِي وُجُودِ الْوَصِيِّ وَعَدَمِهِ.
8 - وَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى لِمُرُورِ الزَّمَانِ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ إِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذَا اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ لِلْمُدَّعِي تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي مَهْمَا طَالَ الزَّمَانُ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الإْنْكَارِ إِنَّمَا هُوَ عَدَمُ الإْنْكَارِ أَمَامَ الْقَاضِي فَلاَ يُعْتَبَرُ عَدَمُ الإْنْكَارِ خَارِجَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَلاَ يَصِحُّ الاِحْتِجَاجُ بِهِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ التَّزْوِيرِ، وَلأِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَنْعُ مِنْ سَمَاعِ أَصْلِ الدَّعْوَى
فَفَرْعُهَا وَهُوَ ادِّعَاءُ الإْقْرَارِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ السَّمَاعِ لأِنَّ النَّهْيَ يَشْمَلُهَا، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ الإْقْرَارُ الْمُدَّعَى بِهِ قَدْ أُيِّدَ بِسَنَدٍ جَاءَ بِخَطِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ خَتْمِهِ الْمَعْرُوفَيْنِ وَلَمْ تَمُرَّ مُدَّةُ التَّقَادُمِ مِنْ تَارِيخِ السَّنَدِ إِلَى وَقْتِ رَفْعِ الدَّعْوَى فَعِنْدَ ذَلِكَ تُسْمَعُ دَعْوَى الإْقْرَارِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَالأْحْكَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْخَاصَّةُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ إِنَّمَا هِيَ لِلْحُقُوقِ الْخَاصَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالإْقْرَارِ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالأْمُورِ الْعَامَّةِ كَالطَّرِيقِ وَنَحْوِهَا فَلاَ تَسْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ مُرُورِ الزَّمَانِ، فَتُسْمَعُ وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ خُلاَصَةُ أَحْكَامِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمُرُورِ الزَّمَانِ.
9 - أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيُعَبِّرُونَ عَنْ مُرُورِ الزَّمَانِ بِالْحَوْزِ وَالْحِيَازَةِ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ هُنَاكَ دَعَاوَى لاَ تُسْمَعُ مُطْلَقًا، وَهِيَ الدَّعَاوَى الَّتِي تُوجِبُ مَعَرَّةً كَالدَّعَاوَى الَّتِي تُرْفَعُ عَلَى مَنْ عُرِفَ بِالاِسْتِقَامَةِ وَالشَّرَفِ فِي الْمُعَامَلَةِ كَأَنْ يَدَّعِي شَخْصٌ مَعْرُوفٌ بِالْفَقْرِ وَالتَّجَنِّي عَلَى النَّاسِ عَلَى شَخْصٍ يُطَالِبُهُ بِعَقَارٍ فِي يَدِهِ.
وَالْحِيَازَةُ عِنْدَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ:
1 - حِيَازَةٌ مَعَ جَهْلِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ؟.
2 - حِيَازَةٌ مَعَ عِلْمِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ؟.
فَالأْولَى تَكْفِي فِيهَا الْحِيَازَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى لِمُدَّةِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَحُوزُ عَقَارًا أَمْ غَيْرَهُ.
وَالثَّانِيَةُ لاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ عَشْرِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ فِي الْعَقَارِ، أَوْ عَامَيْنِ فِي الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا، وَيُشْتَرَطُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى فِي كُلٍّ مِنَ الْحِيَازَتَيْنِ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِذِكْرِ الْيَدِ، وَتَصَرُّفُ الْحَائِزِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، وَالنِّسْبَةُ، وَعَدَمُ الْمُنَازَعِ، وَطُولُ الْمُدَّةِ عَشْرَةُ أَشْهُرٍ فِي الأْولَى وَعَشَرُ سِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ، وَعَدَمُ عِلْمِهِمْ بِمَا يُفَوِّتُ عَلَى الْمَالِكِ الأْصْلِيِّ حَقَّهُ فِي اسْتِرْجَاعِ مِلْكِهِ، فَلاَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ مَعَ فَقْدِ هَذِهِ الأْمُورِ أَوْ صِيغَةِ الشَّهَادَةِ الَّتِي تُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمُدَّعِي، وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الشَّاهِدِ ذِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ.
10 - وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ يَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ يُسْأَلُ عَنْ مَصْدَرِ حِيَازَتِهِ فَلاَ يُقَالُ لَهُ: كَيْفَ حُزْتَ مَا تَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهِ؟ خِلاَفًا لاِبْنِ رُشْدٍ، فَإِنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ سُؤَالِ الْحَائِزِ عَنْ مَصْدَرِ حِيَازَتِهِ، هَلْ هُوَ الْمِيرَاثُ مَثَلاً أَوِ الشِّرَاءُ أَوِ الْهِبَةُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ وَلاَ بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ، فَأَمَّا مُجَرَّدُ دَعْوَى الْمِلْكِ دُونَ أَنْ يَدَّعِيَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَلاَ يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ الْحِيَازَةِ إِذَا ثَبَتَ أَصْلُ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ .
وَرَأَى ابْنُ رُشْدٍ خِلاَفَ رَأْيِ الْجُمْهُورِ، وَرَأْيُ الْجُمْهُورِ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ، اللَّهُمَّ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْحَائِزُ مَعْرُوفًا بِالتَّسَلُّطِ وَالْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي، فَلاَ بُدَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنْ يُبَيِّنَ بِأَيِّ وَجْهٍ صَارَ إِلَيْهِ وَلاَ يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ اشْتَرَيْتُهُ مِنَ الْقَائِمِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ وَرَثَتِهِ بَلْ لاَ بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِهِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ بِيَدِهِ بِمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ.
وَإِنْ عُرِفَ أَنَّ حِيَازَتَهُ كَانَتْ بِبَاطِلٍ لَمْ يَنْفَعْهُ طُولُ الْحِيَازَةِ وَإِنِ ادَّعَى شِرَاءَهُ، إِلاَّ أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ نَحْوَ الْخَمْسِينَ سَنَةً وَنَحْوَهَا وَالْقَائِمُ حَاضِرٌ لاَ يُغَيِّرُ وَلاَ يَدَّعِي شَيْئًا، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْحَائِزَ إِذَا حَازَ الْعَقَارَ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ مَعَ وُجُودِ الْمُدَّعِي وَسُكُوتِهِ بِلاَ عُذْرٍ فَإِنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ يَمْنَعُ سَمَاعَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَمَا قَارَبَ عَشْرَ سِنِينَ يَأْخُذُ حُكْمَ الْعَشْرِ فَإِذَا نَقَصَتْ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَخَذَتْ حُكْمَ الْعَشْرِ، وَأَمَّا إِذَا قَامَتِ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْحَائِزِ أَمَامَ الْقَضَاءِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْمُحَكِّمِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ الْمُدَّةَ، وَفِي غَيْرِ الْعَقَارِ يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ مُضِيُّ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَهُنَاكَ خِلاَفَاتٌ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ، وَالتَّخَاصُمُ يَقْطَعُ مُضِيَّ الْمُدَّةِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَكْرَارَ التَّخَاصُمِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْ سَحْنُونٍ، وَإِذَا سَكَتَ بَعْدَ الْمُنَازَعَةِ عَشْرَ سِنِينَ فَإِنَّ سُكُوتَهُ يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَاهُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا سَكَتَ الْمُدَّعِي عَنْ مُخَاصَمَةِ الْحَائِزِ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ رَفَعَ الْمُدَّعِي أَمْرَهُ لِيَقْضِيَ لَهُ وَعَلَّلَ سُكُوتَهُ بِأَنَّ بَيِّنَتَهُ كَانَتْ غَائِبَةً ثُمَّ جَاءَتْ، فَقِيلَ: يُقْبَلُ عُذْرُهُ وَقِيلَ: لاَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كُنْتُ فَاقِدًا مُسْتَنَدِي ثُمَّ وَجَدْتُهُ، وَكَذَلِكَ جَهْلُ الْحُكْمِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ جَهْلَهُ أَنَّ الْحِيَازَةُ تَمَلُّكُ الْحَائِزِ لَيْسَ عُذْرًا وَسُكُوتُ الْمُوَرِّثِ ثُمَّ الْوَارِثِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى لأِنَّ هُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ تُحْسَبُ مُدَّةُ الْمُوَرِّثِ وَحْدَهَا وَمُدَّةُ الْوَارِثِ وَحْدَهَا فَلاَ يُجْمَعَانِ مَعًا.
11 - وَنَفَقَةُ غَيْرِ الزَّوْجَةِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلاَ تَصِيرُ بِفَوْتِهَا دَيْنًا فِي ذِمَّةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِاقْتِرَاضِ قَاضٍ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ احْتِيَاجُ الْفَرْعِ وَغِنَى الأْصْلِ مَثَلاً.
أَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فَلاَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بَلْ تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ هُنَا مَا سِوَى الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ، لأِنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لِلاِسْتِمْتَاعِ وَالتَّمْكِينِ، وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ، بَلْ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَيُسْتَحَقُّ بِالْمَوْتِ أَوِ الطَّلاَقِ الْبَائِنِ وَيَصِيرُ مَأْمُونًا مِنْ سُقُوطِهِ.
12 - وَيُبَيِّنُ أَيْضًا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ يَكَادُونَ يَتَّفِقُونَ عَلَى إِبَاحَةِ سَمَاعِ الدَّعْوَى لِلأْعْذَارِ، وَهِيَ عَلَى الْجُمْلَةِ الصِّغَرُ وَالْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ وَالْجُنُونُ وَالْعَتَهُ وَكُلُّ عُذْرٍ يَمْنَعُ الْمُدَّعِيَ مِنْ رَفْعِ الدَّعْوَى كَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا سَطْوَةٍ وَيُخَافُ مِنْهُ - عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ.