مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة : 541
مذكرة المشروع التمهيدي :
مصروفات الصيانة والإدارة على المنتفع، أما التكاليف غير المعتادة والإصلاحات الجسيمة فعلى المنتفع أيضاً إذا كانت قد نشأت عن خطئه، وإلا فإن صاحب الرقبة هو الذي يتحملها، وليس معنى ذلك أنه ملزم بها فإنه بخلاف المؤجر لا يلتزم بشيء نحو المنتفع، ولكن إذا رأى وجوب القيام بها محافظة على العين فهو الذي يتحمل نفقاتها، ويدفع المنتفع فوائد هذه النفقات بالسعر القانوني طول مدة الانتفاع، وإذا لم يقم صاحب الرقبة بالإصلاحات الجسيمة جاز للمنتفع أن يقوم هو بها حتى يستكمل انتفاعه بالعين، وله أن يسترد رأس المال عند انتهاء حق الانتفاع .
1- البين من استعراض نصوص القانون المدنى فى المواد 985 إلى 995 منه أنه اعتبر حق الإنتفاع من الحقوق العينية وذلك بإدراجه فى باب الحقوق المتفرعة عن حق الملكية، وهو فى نظر القانون المصرى حق مالى قائم بذاته ولا يعتبر من القيود الواردة على حق الملكية، ومن ثم فإن حق الإنتفاع باعتباره من الحقوق العينية يخول صاحبة استعمال الشىء واستغلاله بنفسه أو بواسطة غيره دون قيود بشرط ألا يتجاوز حق الرقبة .
(الطعن رقم 2627 لسنة 60 جلسة 1994/11/03 س 45 ع 2 ص 1328 ق 250)
2- لا محل لما تقرره الشركة الطاعنة بأن العقد قصد منه ترتيب حق إنتفاع على المبنى يخضع لحكم المادتين 986 ، 1/989 من القانون المدنى ذلك أن هذا الحق - مع فرض أن العقد قد توافرت فيه خصائصه - حيث يرد على عقار لا ينشأ لا بالنسبة إلى الغير ولا فيما بين المتعاقدين إلا بالتسجيل بإعتباره حقاً عينياً ، ولم يدع الطاعن أن العقد المذكور قد تم تسجيله .
(الطعن رقم 1543 لسنة 51 جلسة 1986/11/27 س 37 ع 2 ص 911 ق 186)
تنص المادة 989 مدني على ما يأتي :
1 - المنتفع ملزم أثناء انتفاعه بكل ما يفرض على العين المنتفع بها من التكاليف المعتادة، وبكل النفقات التى تقتضيها أعمال الصيانة.
2 - أما التكاليف غير المعتادة والإصلاحات الجسيمة التى لم تنشأ عن خطأ المنتفع فإنها تكون على المالك، ويلتزم المنتفع بأن يؤدي للمالك فوائد ما أنفقه فى ذلك، فإن كان المنتفع هو الذي قام بالإنفاق، كان له استرداد رأس المال عند انتهاء حق الانتفاع .
ويخلص من هذا النص أن المنتفع ملتزم بصيانة الشىء المنتفع به، وبكل النفقات التي تقتضيها أعمال الصيانة، وبكل التكاليف المعتادة الأخرى، أما التكاليف غير المعتادة، كتكاليف الإصلاحات الجسيمة، فهي على مالك الرقبة على أن يتحمل المنتفع فوائد هذه التكاليف طول مدة الانتفاع.
فنستعرض الآن كلاً من التكاليف المعتادة والتكاليف غير المعتادة.
التكاليف المعتادة : لما كان المنتفع ملتزماً بصيانة الشيء المنتفع به كما قدمنا، فإن تكاليف الصيانة يتحملها المنتفع بأكملها، لأنها من التكاليف المعتادة ويعتبر كذلك من التكاليف المعتادة فيتحملها المنتفع، تكاليف إدارة الشيء المنتفع به، إذ أن هذه التكاليف ضرورية لحصول المنتفع على الثمار، ويعتبر أيضاً من التكاليف المعتادة، فيتحملها المنتفع وحده، الضرائب والرسوم المضروبة على الشيء المنتفع به، من أموال على الأراضى الزراعية وعوائد على المباني ورسوم بلدية وضريبة دفاع وضريبة خفر وضريبة إضافية وغير ذلك من أنواع الضرائب الأخرى .
ولكن يجوز للمنتفع أن يتفق مع مالك الرقبة على أن تكون هذه التكاليف المعتادة كلها أو بعضها على الأخير، وهذا لا يمنع، فيما يتعلق بالضرائب والرسوم، أن يلتزم المنتفع بدفعها لجهة الإدارة على أن يستردها من مالك الرقبة.
التكاليف غير المعتادة : وهذه كما قدمنا على المالك، على أن يتحمل المنتفع فوائدها طول مدة الانتفاع، ومن التكاليف غير المعتادة تكاليف الإصلاحات الجسيمة التى لم تنشأ عن خطأ المنتفع، أما إذا نشأت عن خطأ المنتفع فهو الذي يتحملها وحده، فإذا احتاجت الدار المنتفع بها مثلاً إلى إصلاحات جسيمة لم تنشأ عن خطأ المنتفع، لم يلتزم أحد، لا المنتفع ولا مالك الرقبة، بالقيام بهذه الإصلاحات كما سنرى ولكن يجوز لمالك الرقبة، للمحافظة على ملكه، أن يقوم بها، وفى هذه الحالة تكون التكاليف عليه، وعلى المنتفع أن يدفع فوائدها بالسعر القانوني لمالك الرقبة طول مدة الانتفاع، ويصح عند امتناع مالك الرقبة عن القيام بها، أن يقوم بها المنتفع للمحافظة على حق انتفاعه، وفى هذه الحالة يدفع تكاليف هذه الإصلاحات، على أن يستردها من مالك الرقبة عند نهاية حق الانتفاع ، فيكون هنا أيضاً قد تحمل فوائدها طوال مدة الانتفاع .
ويعتبر من التكاليف غير المعتادة مصروفات دعوى تعيين الحدود، فهذه يلتزم بها مالك الرقبة، ويتحمل المنتفع الفوائد طوال مدة الانتفاع، وإذا قدم المنتفع هذه المصروفات فله الحق فى استردادها من المالك عند نهاية حق الانتفاع، وكذلك يعتبر من التكاليف غير المعتادة المبالغ الباقي دفعها من القيمة الاسمية للأسهم التى لم يتم الوفاء بكل قيمتها الأسمية، فهذه على مالك الرقبة ويتحمل المنتفع الفوائد طول مدة الانتفاع، فإن قدمها المنتفع محافظة على الأسهم من السقوط فإنه يسترد ما دفعه من المالك عند نهاية حق الانتفاع .
وإذا كان العقار المنتفع به مثقلاً برهن رسمي، فإن الدين المضمون بالرهن يلتزم بدفعه مالك الرقبة المدين بهذا الدين، فإن لم يدفعه، ورجع الدائن المرتهن بدعوى الرهن على المنتفع باعتباره حائزاً للعقار فيدفع هذا ما على العقار من الدين، فإنه يرجع بما دفع فوراً على مالك الرقبة، ولا يجبر على الانتظار إلى نهاية حق الانتفاع حتى يسترده.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع عشر، الصفحة/ 219)
يلتزم المنتفع بكل التكاليف المعتادة التي تنفق على العين كالضرائب العقارية والرسوم وتكاليف الإدارة سواء انتفع صاحب حق الانتفاع بالعين أو لم ينتفع طالما أن المالك قد مكنه منها ويلتزم بها حتى لو كانت الثمار أقل من التكاليف المقررة ما لم يوجد اتفاق على غير ذلك، أما التكاليف غير المعتادة التي تتطلبها الاصلاحات الجسيمة، فلا يجبر لا المالك ولا المنتفع على القيام بها، ولكن للمالك أن يقوم بها وفي هذه الحالة يلتزم المنتفع بالفوائد القانونية المستحقة على المبلغ الذي أنفق على هذه الإصلاحات فيؤديه للمالك، كما يجوز للمنتفع القيام، بها على نفقته وفي هذه الحالة يسترد ما أنفقه من المالك في نهاية الانتفاع، وأن كانت العين مثقلة برهن رجع الدائن على المنتفع كحائز للعقار ودفع الأخير الذين قله استيفاءه من المالك فوراً دون انتظار لنهاية الانتفاع، ويلتزم الموصى له بالانتفاع بجزء من التركة بفوائد دين التركة بما يتناسب مع هذا الجزء، أما إن دفع هو جزء الدين الذي يتناسب مع الجزء الذي ينتفع به فإنه يرجع به على الورثة بعد انتهاء الانتفاع .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع ، المجلد / الثاني الصفحة/ 1685)
ويقصد بالتكاليف المعتادة التكاليف التي تفرض عادة على العين المنتفع بها والتي تدفع من الثمار، مثل تكاليف إدارة الشيء فهي ضرورية للحصول على الثمار والضرائب العقارية والرسوم بأنواعها المفروضة على العين، كالضرائب العقارية الأصلية وضريبة الخفر.
وسنرى أن تكاليف الصيانة تدخل في التكاليف المعتادة، ولذلك يتحملها المنتفع جميعها.
غير أنه لا يوجد ما يحول دون الاتفاق بين المالك والمنتفع على أن يتحمل الأول هذه التكاليف.
التزام المنتفع بنفقات الصيانة:
يلتزم المنتفع بكل النفقات التي تقتضيها أعمال الصيانة طوال انتفاعه.
والمقصود بنفقات الصيانة، النفقات التي تدفع عادة من الثمار ويحتمها الاستعمال أو الاستغلال العادي لمن له سلطة الإدارة، ويدخل فيها بالنسبة للبناء إعادة بياضه أو تجديد سلمه أو أرضيته، فتتسع نفقات الصيانة عن الترميمات التأجيرية التي يلتزم بها المستأجر.
ويعتبر التزام المنتفع بالصيانة نتيجة لالتزامه باستعمال الشيء كما يستعمله مالكه من ناحية ومقابلاً للثمار التي يجنيها لأن صيانة الشيء تدفع عادة من ريعه من ناحية أخرى.
ويرتبط الالتزام بالصيانة بالانتفاع بالشيء فيبدأ وينتهي معه.
التزام المالك بالتكاليف والإصلاحات الجسيمة:
يلتزم المالك بالتكاليف والإصلاحات الجسيمة اللازمة للشئ محل الانتفاع، طالما أنها لم تنشأ عن خطأ المنتفع والمقصود بالتكاليف غير المعتادة تلك التي تفرض على العين والتي لا يمكن القول بأنها تؤدي في العادة من إيرادها، وهي لذلك لا تعتبر تكاليف على الإيراد أو الثمار، ومثلها القروض الجبرية التي قد تقرضها الدولة، والأقساط المفروضة على المالك والمضمونة بالعين والواجب دفعها لأحد البنوك العقارية. وباقي المبالغ الواجب دفعها من ثمن الأسهم المنتفع بها إذا كان مالكها لم يقم عند بدء الانتفاع بوفاء قيمتها كاملة وقت الاكتتاب بها. وكذلك مصاريف دعوى، وضع الحدود.
ولما كان القانون لم يعرف الإصلاحات الجسيمة فإنه يمكن الاهتداء في هذا الخصوص بنص المادة (606) من المجموعة المدنية الفرنسية، والتي أوضحت ما يعد من النفقات الجسيمة وما يعد من نفقات الصيانة وهي تقرر أن الإصلاحات الجسيمة هي إصلاحات الجدران الرئيسية والقباب وأخشاب السقف والأسقف بتمامها والجسور ودعائم البناء وجدر الأسوار بتمامها.
وواضح من ذلك أن الإصلاحات الجسيمة هي الإصلاحات التي تحتاج إلى مبالغ كبيرة تجاوز في العادة الإيراد الناتج من الشيء، وهي أعمال تقتضي إعادة الإنشاء أو إعادة البناء.
فإذا كانت الإصلاحات الجسيمة قد نشأت عن خطأ المنتفع، كإهماله في القيام بأعمال الصيانة المعتادة فترة طويلة، فإن المنتفع هو الذي يلزم بنفقات هذه الإصلاحات.
ولم يلزم القانون مالك الرقبة بالقيام بالإصلاحات الجسيمة اللازمة للعين.
وفي هذا يختلف الانتفاع عن الإيجار، إذ يلتزم المؤجر بأن يتعهد العين المؤجرة بالصيانة وبالقيام بجميع الترميمات الضرورية (م 1/ 567 مدنی)، أما مالك الرقبة فهو لا يلتزم بشئ نحو المنتفع، ولكن المنتفع يلتزم على أي حال بإخبار المالك عن حاجة الشيء إلى الإصلاحات الجسيمة (م ۹۹۱ مدنی). وهو إذا أخبره بذلك أو علم به المالك من تلقاء نفسه كان حراً في أن يقوم بها أولاً يقوم.
فإذا رأى القيام بها محافظة على العين فهو الذي يتحمل نفقاتها ولكن لما كان المالك غير ملزم أمام المنتفع بالقيام بها فإنه يكون له الحق في أن يقتضي من المنتفع طوال مدة الانتفاع فوائد هذه النفقات التي أنفقها محسوبة بالسعر القانوني.
فإذا لم يقم المالك بهذه الإصلاحات، جاز للمنتفع القيام بها هو حتى يستكمل انتفاعه بالعين، فإذا قام بها كان له الحق في استرداد رأس المال الذي أنفقه عند انتهاء حق الانتفاع، ولا يجوز له استرداده في الحال لأن المالك كما ذكرنا غیر ملزم بالقيام بهذه الإصلاحات.
والمنتفع يسترد رأس المال الذي دفعه أي دون فوائد، فيكون بذلك قد تحمل فوائده طوال مدة الانتفاع.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع عشر ، الصفحة/ 42)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس ، الصفحة / 305
حدود الانْتفاع
الانْتفاع بالشّيْء له حدودٌ يجب على الْمنْتفع مراعاتها وإلاّ كان ضامنًا. ومن الْحدود الْمقرّرة الّتي بحثها الْفقهاء في الانْتفاع بالشّيْء ما يأْتي:
25 - أوّلاً: يجب أنْ يكون الانْتفاع موافقًا للشّروط الشّرْعيّة ولا يكون على وجْهٍ يبْطل حقّ الْغيْر. ولهذا اشْترط الْفقهاء في جميع عقود الانْتفاع (الإْجارة والإْعارة والْوصيّة بالْمنْفعة) أنْ تكون الْعيْن منْتفعًا بها انْتفاعًا مباحًا. كما اشْترطوا فِي الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ؛ لأَِنَّ الْمَنَافِعَ لاَ يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْمَعَاصِي .
كَذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ الاِنْتِفَاعَ بِالْمُبَاحِ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ. وَالاِنْتِفَاعُ بِالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الإِْضْرَارِ بِالْغَيْرِ. وَالْجُلُوسُ عَلَى الطُّرُقِ الْعَامَّةِ لِلاِسْتِرَاحَةِ أَوِ الْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَوَضْعُ الْمِظَلاَّتِ - إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ.
وَكَذَلِكَ الاِنْتِفَاعُ بِالْمُحَرَّمِ حَالَ الاِضْطِرَارِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ. فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ يَجُوزُ لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِالْمُحَرَّمَاتِ بِمِقْدَارِ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ وَيَأْمَنُ مَعَهُ الْمَوْتَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا؛ لأَِنَّ مَا جَازَ سَدُّ الرَّمَقِ مِنْهُ جَازَ الشِّبَعُ مِنْهُ كَالْمُبَاحِ. بَلِ الْمَالِكِيَّةُ جَوَّزُوا التَّزَوُّدَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ احْتِيَاطًا خَشْيَةَ اسْتِمْرَارِ حَالَةِ الاِضْطِرَارِ، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ نُصُوصُهُمْ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ الاِنْتِفَاعُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَدْفَعُ الْهَلاَكَ وَيَسُدُّ الرَّمَقَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّدَ؛ لأَِنَّ الضَّرُورَةَ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا .
26 - ثَانِيًا: يَلْزَمُ الْمُنْتَفِعَ أَنْ يُرَاعِيَ حُدُودَ إِذْنِ الْمَالِكِ، إِذَا ثَبَتَ الاِنْتِفَاعُ بِإِذْنٍ مِنْ مَالِكٍ خَاصٍّ، كَإِبَاحَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الضِّيَافَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهُ لاَ يَرْضَى بِإِطْعَامِ الْغَيْرِ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَكَذَلِكَ الإِْذْنُ بِسُكْنَى الدَّارِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِلشَّخْصِ، فَإِنَّ الاِنْتِفَاعَ بِهَا مَحْدُودٌ بِشُرُوطِ الْمُبِيحِ .
27 - ثَالِثًا: يَلْزَمُ الْمُنْتَفِعَ التَّقَيُّدُ بِالْقُيُودِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا فِي الْعَقْدِ، إِذَا كَانَ مُسَبِّبُ الاِنْتِفَاعِ عَقْدًا. لأَِنَّ الأَْصْلَ مُرَاعَاةُ الشُّرُوطِ بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ. فَإِذَا حُدِّدَ الاِنْتِفَاعُ فِي الإِْجَارَةِ أَوِ الْعَارِيَّةِ أَوِ الْوَصِيَّةِ بِوَقْتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلاَ يَتَجَاوَزُهَا مَا لَمْ تَكُنِ الشُّرُوطُ مُخَالِفَةً لِلشَّرْعِ .
28 - رَابِعًا: يَلْزَمُ الْمُنْتَفِعَ أَنْ لاَ يَتَجَاوَزَ الْحَدَّ الْمُعْتَادَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الاِنْتِفَاعُ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ أَوْ شَرْطٍ؛ لأَِنَّ الْمُطْلَقَ يُقَيَّدُ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَالْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا كَمَا جَرَى عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ. فَلَوْ أَعَارَهُ وَأَطْلَقَ فَلِلْمُسْتَعِيرِ الاِنْتِفَاعُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُهَيَّأٌ لَهُ. وَمَا هُوَ غَيْرُ مُهَيَّأٍ لَهُ يُعَيِّنُهُ الْعُرْفُ وَلَوْ قَالَ: آجَرْتُكَهَا لِمَا شِئْتَ صَحَّ، وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لِرِضَاهُ بِهِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ كَالْعَارِيَّةِ .
أَحْكَامُ الاِنْتِفَاعِ الْخَاصَّةُ
الاِنْتِفَاعُ الْمُجَرَّدُ مِلْكٌ نَاقِصٌ، وَلَهُ أَحْكَامٌ وَآثَارٌ خَاصَّةٌ تُمَيِّزُهُ عَنِ الْمِلْكِ التَّامِّ.
مِنْ هَذِهِ الأَْحْكَامِ مَا يَأْتِي:
أَوَّلاً: تَقْيِيدُ الاِنْتِفَاعِ بِالشُّرُوطِ:
29 - يَقْبَلُ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ التَّقْيِيدَ وَالاِشْتِرَاطَ، لأَِنَّهُ حَقٌّ نَاقِصٌ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ إِلاَّ التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي يُجِيزُهَا الْمَالِكُ، وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُعَيِّنُهُ صِفَةً وَزَمَنًا وَمَكَانًا، وَإِلاَّ فَإِنَّ الاِنْتِفَاعَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، فَإِذَا أَعَارَ إِنْسَانًا دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا الْمُسْتَعِيرُ بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا غَيْرَهُ، وَإِذَا أَعَارَ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَلْبَسَهُ بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْبِسَهُ غَيْرَهُ. وَكَذَلِكَ إِنْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَوْ بِهِمَا فَلاَ يَتَجَاوَزُ إِلَى مَا سِوَى ذَلِكَ.
وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِأَيِّ نَوْعٍ شَاءَ وَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ، لأَِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلاَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ إِلاَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ مِنْ تَقْيِيدٍ أَوْ إِطْلاَقٍ.
وَمَنِ اسْتَأْجَرَ دَارًا لِلسُّكْنَى إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إِلاَّ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لأَِنَّ الاِنْتِفَاعَ مُقَيَّدٌ بِقَيْدِ الزَّمَانِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ.
كَذَلِكَ لَوْ قَيَّدَ الْوَاقِفُ الاِنْتِفَاعَ بِالْوَقْفِ بِشُرُوطٍ مُحَدَّدَةٍ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ لأَِنَّ الشُّرُوطَ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْوَاقِفُونَ هِيَ الَّتِي تُنَظِّمُ طَرِيقَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةٌ مَا لَمْ تُخَالِفِ الشَّرْعَ هَذَا، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الاِنْتِفَاعَ بِالْمَأْجُورِ وَالْمُسْتَعَارِ بِمِثْلِ الْمَشْرُوطِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ ضَرَرًا جَائِزٌ لِحُصُولِ الرِّضَا وَلَوْ حُكْمًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ نَهَاهُ عَنْ مِثْلِ الْمَشْرُوطِ أَوِ الأَْدْوَنِ مِنْهُ امْتَنَعَ .
30 - وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ فِي الاِنْتِفَاعِ لِشَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ مُعْتَبَرٌ فِيمَا يَكُونُ التَّقْيِيدُ فِيهِ مُفِيدًا، وَذَلِكَ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْمُسْتَعْمِلِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ. أَمَّا فِيمَا لاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْمُسْتَعْمِلِ كَسُكْنَى الدَّارِ مَثَلاً فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقَيْدِ؛ لأَِنَّ النَّاسَ لاَ يَتَفَاوَتُونَ فِيهِ عَادَةً. فَلَمْ يَكُنِ التَّقْيِيدُ بِسُكْنَاهُ مُفِيدًا، إِلاَّ إِذَا كَانَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا يُوهِنُ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اعْتِبَارِ الْقَيْدِ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَى مُشْتَرٍ أَنْ لاَ يَبِيعَ الْعَيْنَ لِلْغَيْرِ .
________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 31)
المصاريف اللازمة لمؤنة العين المنتفع بها وحفظها تلزم صاحب المنفعة والكسوة على المالك.
(مادة 214)
عقد المعاوضة من الجانبين إذا وقع على منافع الأعيان المالية مستوفياً شرائط الصحة والنفاذ يستوجب التزام المتصرف في العين بتسليمها للمنتفع والتزام المنتفع بتسليم ما استحق من بدل المنفعة لصاحب العين.