مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة : 560
في حق الحكر وحق القرار
المذكرة الإيضاحية :
نظرة عامة :
هذان حقان يشتركان في أن كلاً منهما حق عيني يترتب لصاحبه على أرض للغير ويراد به الانتفاع بهذه الأرض مدة طويلة وهذا ما يدعو إلى أن يكون الحق عينياً حتى يكون له من الاستقرار والبقاء ما ليس للحق الشخصي الذي يعطيه القانون للمستأجر .
ولكن الحقين يختلفان أحدهما عن الآخر في الصدر وفي الغرض الاقتصادي أما في المصدر فحق الحكر مأخوذ من الشريعة الإسلامية وحق القرار مستمد من التقنينات الأجنبية وأما في الغرض الاقتصادي فالغرض من الحكر تسلیم أرض في حاجة إلى الإصلاح إلى شخص يصلحها وينتفع بها مدة طويلة حتى يتمكن من استثمار الأرض استثماراً يجزي ما أنفق عليها في إصلاحها .
ولذلك يغلب أن تكون الأرض المحكرة وقفاً مخرباً وإن كان يجوز تحكير الأعيان غير الموقوفة والغرض من حق القرار إيجاد طريقة أكثر استقراراً من الإيجار لاستغلال الأرض بالبناء عليها أو بالغرس فيها والقرار يفضل الإيجار من حيث الاستقرار بأنه حق عيني و بأن مدته تكون عادة طويلة وليس الغرض من القرار استصلاح أرض مخربة كما هو الأمر في الحكر .
1- حق الحكر
المذكرة الإيضاحية :
نظرة عامة :
هذا الحق مأخوذ من الشريعة الإسلامية ولذلك اقتصر المشروع على أن قرر أحكام الشريعة الإسلامية فيه على الوجه الذي قرره القضاء المصري من أهلي و مختلط .
على أن المشروع استرشد في الحكر بسياسة عامة هي العمل على تحديد انتشاره والتضييق فيه فهو قيد خطير على حق الملكية بل هو ملكية تقوم على الملكية الأصلية مما يجعل أمر الاستغلال والتصرف في الأرض المحكرة من الأمور غير الميسرة فقصر المشروع الحكر على الأرض الموقوفة وحدد من مدة الحكر وجعل أقصاها تسعاً وتسعين سنة ثم ألزم كلاً من مالك الرقبة والمحتكر أن يبيع حقه لصاحبه في ظروف معينة وأجاز لكل منهما أن يشفع في حق الآخر.
ونص على أن أحكام الحكر هذه تسري على الأحكار القائمة على أرض غير موقوفة في وقت العمل بهذا القانون ( المادة 1090).
وذكر المشروع نوعين خاصين من الحكر هما حق الأجارتين وحق خلو الانتفاع وكل منهما لا يكون إلا على عين موقوفة ولكن أولها حق عيني والأخر حق شخصي .
مذكرة المشروع التمهيدي :
1 - عقد الحكر يرتب حقاً عينياً على الأرض المحتكرة هو حق الحكر ويعطي المحتكر الحق في الانتفاع بالأرض من طريق إصلاحها وإقامة بناء عليها أو استعمالها للغراس أو للزراعة وهذا لا يمنع من استعمالها لأغراض أخرى وفقاً لشروط العقد .
2 - ويجب ألا تزيد مدة الحكر على تسع و تسعين سنة وهذا تعديل في أحكام الحكر استحدثه المشروع للحد من هذا الحق فلا يجوز تأييده كما هو الأمر في الوقت الحاضر فإذا اتفق المتعاقدان على مدة أطول أو لم يتفقا على مدة ما اعتبرت مدة الحكر تسعاً وتسعين سنة على أن حق الحكر لا ينتهي بانقضاء هذه المدة إذا كان البناء أو الغراس لا يزال باقية بل يبقى الحق حتى يزول البناء أو الغراس أو حتى بدیع صاحب الرقبة أو المحتكر حقه لصاحبه وفقاً للاحكام التي سيأتي ذكرها .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 1256 من المشروع ، ورأت اللجنة قصر الحكر على الأرض الموقوفة وتعديل المادة على الوجه الآتي :
1 - الحكر عقد به يكسب المحتكر حقاً عينياً على أرض موقوفة يخوله الانتفاع بإقامة بناء عليها أو باستعمالها للغرس أو لأي غرض آخر وذلك في مقابل أجرة معينة .
2 - ولا يجوز الاتفاق على التحكير لمدة تزيد على تسع وتسعين سنة فإذا اتفق على مدة أطول أو على مدة غير معينة أو أغفل الاتفاق تعيين المدة اعتبر الحكر معقوداً لمدة تسع وتسعين سنة .
وأصبح رقم المادة 1074 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 1071 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الحادية والخمسين
تليت المادة 1071 فرأت اللجنة حذف الفقرة الأولى لوضوح حكمها بالنسبة إلى حقوق المحتكر ولأن الحكم الخاص بقصر الحكر على الأرض الموقوفة قد ورد في المادة 1012 وعدلت الفقرة الثانية على الوجه الآتي :
لا يجوز التحكير لمدة تزيد على ستين سنة فإذا عينت مدة أطول أو أغفل تعيين المدة اعتبر الحكر معقودة لمدة ستين سنة إلا إذا انتهى الوقف قبل ذلك .
وقد راعت اللجنة في هذا التعديل أن تخفض المدة التي لا يجوز الاتفاق على مجاوزتها في التحكير توخياً لإبراز معنى توقيت الحكر ولا سيما بعد أن أصبح تعمير العين المحكرة واستبدالها ميسورين في مدة أقصر من المدة التي كان يقتضيها تحقيق هذين الغرضين في الزمن الماضي و أريد بإضافة عبارة « إلا إذا انتهى الوقف قبل ذلك مواجهة حالة انتهاء الوقف الأهلي المؤقت إذ قد ينتهي قبل 60 سنة ».
ويلاحظ أن بقية التعديلات التي أدخلت على المادة تتعلق بالصياغة فقط .
محضر الجلسة الثانية والخمسين
أعادت اللجنة نظر المادة 1071 التي سبق أن عدلتها بإضافة عبارة « إلا إذا انتهى الوقف قبل ذلك » ، وقد رأت اللجنة حذف تلك العبارة من هذه المادة على أن يتضمن حكمها مادة أخرى هي المادة 1080 ( وهي المقابلة للمادة 1008 من القانون ).
تقرير اللجنة :
حذفت الفقرة الأولى لأنها من قبيل التعريفات وعدلت الفقرة الثانية على الوجه الآتي :
« لا يجوز التحكير لمدة تزيد على ستين سنة فإذا عينت مدة أطول أو أغفل تعيين المدة اعتبر الحكر معقودة لمدة ستين سنة » وقد راعت اللجنة في هذا التعديل أن تخفض المدة التي لا يجوز الاتفاق على مجاوزتها في التحذير من تسع وتسعين سنة إلى ستين سنة وذلك توخياً لإبراز معنى التوقيت في الحكر ولا سيما بعد أن أصبح تعمير العين المحكرة واستبدالها ميسورين في مدة أقصر من المدة التي كان يقتضيها تحقيق هذين الغرضين في الزمن الماضي وراعت اللجنة في سائر وجوه التعديل الأخرى اعتبارات تتعلق بمجرد الصياغة ولا تمس جوهر الأحكام .
وأصبح رقم المادة 999
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
1 ـ المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أنه إذا كان الإيجار مؤبداً لم يكن باطلاً بل يبقى سارياً لمدة ستين سنة وذلك قياساً على الحكر الذى لا تزيد مدته القصوى على تلك المدة وفقاً لنص المادة 999 من القانون المدنى ، أو إلى مدة أقل يحددها القاضى تبعاً للظروف وملابسات العقد .
(الطعن رقم 5472 لسنة 81 جلسة 2012/06/13 س 63 ص 901 ق 140)
2 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض – أنه وإن كان عقد الإيجار عقداً زمنياً مؤقتاً ، إلا أن المشرع لم يضع حداً أقصى لمدته فيستطيع المتعاقدان تحديد أية مدة للإيجار ما دامت هذه المدة لا تجعل الإيجار مؤبداً أو فى حكم المؤبد فإذا اتفقا على مدة طويلة تجعل الإيجار فى حكم المؤبد أو إذا اتفقا على مدة يتعذر تحديدها ، انعقد الإيجار لمدة يحددها القاضى تبعاً لظروف وملابسات التعاقد ويجوز له تحديدها بحياة المستأجر لأن حياة المستأجر مؤقتة ، فإذا قيست مدة الإيجار بها بقى الإيجار مؤقتاً ملزماً للمؤجر والمستأجر ما بقى المستأجر حياً بشرط ألا تجاوز مدته ستين سنة وذلك قياساً على الحكم الذى لا تزيد مدته القصوى على تلك المدة وفقاً لنص المادة 999 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 6993 لسنة 77 جلسة 2009/12/03 س 60 ص 885 ق 151)
3 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الإحتكار من وضع فقهاء الشريعة الإسلامية و هو عندهم عقد لإيجار يعطى للمحتكر حق البقاء و القرار على الأرض المحكورة ما دام يدفع أجرة المثل و نصوا على أنه لو خرب بناء المحتكر أو جف شجرة و لم يبق لهما أثر فى أرض الوقف و مضت مدة الإحتكار عادت الأرض إلى جهة الوقف و لم يكن للمحتكر و لا لورثته حق البقاء و إعادة البناء و نصوا أيضاً على أنه إذا لم يمكن الإنتفاع بالعين المؤجرة بفسخ العقد و تسقط الأجرة عن المحتكر عن المدة الباقية - لما كان ذلك - و كان البين من الأعمال التحضيرية للقانون المدنى الحالى أن النصف المادة 999 منه على توقيت الحكر و تحديد مدته إنما يسرى على الإحكار الجديدة التى تنشأ فى ظل العمل به إعتباراً من 1949/10/15 أما الإحكار السابقة على هذا التاريخ فلم ينص على كيفية إنتهائها و تركها إلى أن يصدر فى شأنها تشريع خاص بعد أن تعارضت مصالح و حقوق المحكرين و المحتكرين تعارضاً إستعصى على التوفيق و بذلك تبقى هذه الأحكار خاضعة لقواعد الشريعة الإسلامية التى كانت تحكمها وقت إنشائها
(الطعن رقم 645 لسنة 54 جلسة 1988/05/25 س 39 ع 2 ص 977 ق 159)
4 ـ لما كان الثابت بالأوراق أن دفاع هيئة الأوقاف الطاعنة جرى فى شق منه بأن المطعون ضده يضع يده على قطعة الأرض موضوع النزاع ويسدد مقابل انتفاعه بها ، وفى شق آخر بأنه غاصب للأرض ، فى حين جاء بتقرير الخبيرة المندوبة فى الدعوى ، وفى ردها على اعتراضات الطاعنة على هذا التقرير أن تلك الأرض كانت محكرة من الإصلاح الزراعي منذ عام 1964 ، وأن المطعون ضده أقام عليها مبان بالطوب الأحمر فى المدة السابقة علي عام 1972 ، ثم استبدلها بمبان بالطوب الأحمر والخرسانة المسلحة فى عام 1979 ..............وكان البين من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه برفض الدعوى على سند مما ورد بتقرير الخبير المندوب فيها من أن هيئة الأوقاف لم تقدم المستندات التي تلزم المطعون ضده بعدم إقامة مبان خراسانية على الأرض محل النزاع ، ولم يعن بتحديد طبيعة العلاقة التي تربط بين طرفي الدعوى ، وبيان ما إذا كانت تلك الأرض محكرة ، أم مؤجرة ، أم أن المطعون ضده كان يضع يده عليها بطريق الغصب ، الأمر الذي يبين أن محكمة الموضوع لم تحدد واقعة الدعوى تحديداً كافياً يكشف عن أنها فهمت هذا الواقع فهما صحيحاً مستمداً من أصول ثابتة فى الأوراق ، فإن حكمها يكون معيباً بقصور يبطله .
(الطعن رقم 2522 لسنة 63 جلسة 2000/05/30 س 51 ع 2 ص 748 ق 140)
5 ـ حق الحكر يعد حقاً عينياً لصاحبه على أرض الغير و يراد به الإنتفاع بالأرض مدة طويلة هى مدة الحكر فيكون للمحتكر الإستقرار و البقاء فيها
(الطعن رقم 1169 لسنة 48 جلسة 1982/11/14 س 33 ع 2 ص 910 ق 166)
7- القول بأن الحكر حق عينى بل هو حق متداخل مع ملكية المالك الأصلى و التحدى بنصوص المادتين 1086 ، 1087 من مشروع القانون المدنى الجديد ، مردود بأنه يبين مما ورد بالأعمال التحضيرية فى باب الحكر أن المشرع إنما أراد تقنين أحكام الشريعة الإسلامية على الوجه الذى أقره القضاء كما يبين منها أن لجنة القانون المدنى بمجلس الشيوخ لم توافق على نصوص المادتين 1086 ، 1087 من المشروع و استبدلت بهما فى بادىء الأمر نص المادة 1012 من مشروعها وكان هذا النص يجعل الاستبدال إجباريا على صاحب الرقبة نظير كل قيمة الأرض المحكرة لا نظير ثلث قيمتها ثم قدم إقتراح بحذف المادة 1012 وإعادة النصوص التى وردت فى المادتين 1086 ، 1087 من المشروع كما أقره مجلس النواب و قد ورد بتقرير اللجنة الإضافى مايلى "و لم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح على إطلاقه وإنما أقرت حذف المادة المقترح حذفها دون أن تستعيض عنها بنص آخر حتى لا تقطع بالرأى فى مسألة تعارضت فيها المصالح و الحقوق تعارضا " يستعصى على التوفيق ويحسن أن تترك هذه الحقوق والمصالح على حالها إلى ان يصدر فى شأنها تشريع خاص ."
(الطعن رقم 143 لسنة 24 جلسة 1958/12/25 س 9 ع 1 ص 816 ق 107)
الحكر هو عقد أجازة يقصد به استيفاء الأرض الموقوفة مقررة للبناء والتعلي أو للغراس أو لأحدهما والمحتكر هو المؤجر والمحتكر هو المستأجر ويدفع الأخير أجرة شهرية أو سنوية ويستمر منتفعاً بالعين سواء أكانت مبنية أو بها غراس أو فضاء ويحفظ الواقف بالرقبة ويصبح للمحتكر حتى انتفاع يتصرف كيفما يشاء في حدود العقد الشيء للحكر.
نصت المادة 999 على المدة التي يجب ألا يتجاوزها حق الحكر فجعلها ستين سنة كحد أقصى لحق الحكر فإذا اتفق المتعاقبة على مدة أطول وجب إنقاصها إلى ستين سنة فإن أغفل بيان المدة اعتبر الحكر معقودة لمدة ستين سنة وفي هذه الحالة الأخيرة لا يجوز إثبات أن مدة الحكر تقل عن ستين سنة إلا بدليل كتابي يكون مكملاً لعقد الحكر فإن لم يوجد جاز لأي من المتعاقدين طلب إنهاء الحكر بعد انقضاء تلك المدة دون حاجة إلى إعذار المتعاقد الآخر إذ طالما كانت المدة محددة تحديد حكمها بنص في القانون فإن العقد ينتهي حتماً بانقضائها دون حاجة لإعذار فقد افترض القانون تحقق علم المتعاقدين بأجل العقد بموجب قرينة قانونية قاطعة لا يجوز إثبات ما يناقضها وبالتالي لا يكون ثمة مبرر للأعذار .
الحكر عقد اجارة يقصد به استبقاء الأرض الموقوفة مقررة للبناء والتعلي أو الغراس أو لأحدهما والمحتكر هو المؤجرة والمحتكر هو المستأجر فإذا رفع المحكر دعوى ضد المحتكر لزيادة أجرة الحكر إلى مبلغ معين قدرت الدعوى بقيمة الزيادة في سنة مضروبة في عشرين بمعنى أن المحتكر إذا طلب زيادة أجرة الحكر من مائة جنيه في السنة إلى مائة وعشرين جنيهاً كانت الزيادة المطلوبة عشرين جنيهاً في السنة فتقدر قيمة الدعوى المحكر بضرب هذه الزيادة في عشرين لتكون قيمة الدعوى أربعمائة جنيه وتختص بها المحكمة الجزئية ويكون حكمها انتهائياً لصدوره في حدود النصاب الانتهائي لها.
أما إذا رفع المحتكر الدعوى ضد المحكر لتقدير قيمة معينة للحكر قدرت الدعوى بالقيمة السنوية المطلوب تقديرها مضروبة في عشرين لتحديد المحكمة المختصة نوعية ومعرفة ما إذا كان الحكم يقبل أو لا يقبل الاستئناف .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع عشر، الصفحة/ 236)
حق الحكر هو حق عيني يخول صاحبه الانتفاع بأرض موقوفة عن طريقة البناء عليها أو الغراس أو لأي غرض آخر وذلك مقابل أجرة معينة.
فالحكر حق من الحقوق المتفرعة عن الملكية إذ أنه يخول صاحبه الانتفاع بالأرض الموقوفة مع بقاء رقبتها لجهة الوقف إلا أنه يختلف عن حق الانتفاع من حيث أنه أطول منه مدة فهو لا ينقضي بوفاة المنتفع بل لا ينتهي إلا بانقضاء أجله الذي قد يصل إلى ستين سنة ثم إنه يخول صاحبه حقوقاً أوسع من حقوق المنتفع وتنظم حقوق طرفيه الشروط التي تذكر في العقد الصادر به.
والحكمة التي من أجلها أجيز هذا العقد هي أن العين التي يقرر عليها الحكر تكون في حالة لا ينتفع بها حتى أنه لا يوجد من يستبدل بها غيرها ولهذا السبب أباحت الشريعة الإسلامية للقاضي تحكيرها عند توافر شروط معينة.
مصدر حق الحكر هو الشريعة الإسلامية.
ولم يكن التقنين المدني القديم يتضمن تنظيماً لحق الحكر ولهذا كانت المحاكم ترجع إلى قواعد الشريعة الإسلامية.
أما القانون المدني الجديد فقد أورد تنظيما لحق الحكر، قرر فيه أحكام الشريعة الإسلامية على الوجه الذي قرره القضاء في ظل التقنين المدني القديم على أنه استرشد في الحكر بسياسة عامة في العمل على تحديد انتشاره والتضييق فيه فهو قيد خطير على حق الملكية بل هو ملكية تقوم على الملكية الأصلية مما يجعل أمر الاستغلال والتصرف في الأرض المحكرة من الأمور غير الميسرة.
التقنين المدني الجديد استرشد في الحكر بسياسة عامة هي العمل على تحديد انتشاره والتضييق منه.
ويظهر ذلك فيما يلي :
1 - لا يجوز منذ العمل بالقانون المدني الجديد ترتيب حق حكر على أرض غير موقوفة .
وذلك مع عدم الإخلال بحكم المادة 1008 الفقرة الثالثة.
ويقضي النص المشار إليه بإنتهاء حق الحكر - حتى قبل حلول الأجل الذي حدده القانون - إذا زالت صفة الوقف عن الأرض المحكرة إلا إذا كان زوال هذه الصفة بسبب رجوع الواقف في وقفه أو إنقاصه لمحته ففي هذه الحالة يبقى الحكر رغم زوال هذه الصفة .
2 - جعل التقنين المدني الجديد أقصى مدة الوقف ستين سنة .
3 - جعل التقنين الحق في الشفعة لكل من مالك الرقبة والمحتكر إذا باع الآخر حقه .
4 - ألزم التقنين كلاً من مالك الرقبة والمحتكر أن يبيع حقه لصاحبه فى ظروف معينة .
5 - ينص التقنين على سريان الأحكام الواردة به على الأحكام القائمة على أرض غير موقوفة في وقت العمل به (المادة 1092 / 2 ) .
قصر حق الحكر على الوقف الخيري بعد العمل بالمرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات :
رغبة من المشرع في إنهاء الأحكار القائمة على الوقف الخيري تمشياً مع سياسته في التضييق ما أمكن من نظام الحكر خول وزير الأوقاف الحق في إصدار قرارات بإنهاء هذه الأحكار وفق تفصیلات معينة بالقوانين رقم 649 لسنة 1953 ثم رقم 295 لسنة 1954 ثم رقم 52 لسنة 1960 .
إلغاء الأحكار على الأعيان الموقوفة بمقتضى القانون رقم 43 لسنة 1982 :
صدر القانون رقم 43 لسنة 1982 في شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة.
وقد نص في مادته الأولى على أن : يعتبر حق الحكر منتهياً دون تعويض في الأعيان الموقوفة الخالية من أي بناء أو غراس عند العمل بهذا القانون وتعتبر الأرض ملكاً خالصاً لجهة الوقف ولا يعتد بأي بناء أو غراس تقام في الأرض الفضاء المحكرة بعد العمل بهذا القانون .
وقضى في مادته الثانية بأن ينتهي حق الحكر على الأعيان الموقوفة المشغولة ببناء أو غراس بقرار يصدره وزير الأوقاف ويختص الوقف مالك الرقبة بثلاثة أرباع ثمن الأرض والمحتكر بباقي ثمنها وذلك بالإضافة إلى الأقل من ثمن البناء أو الغراس مستحقي الإزالة أو البقاء.
وبذلك تكون الأحكار التي كانت قائمة وقت صدور هذا القانون قد انتهت تماماً.
فقد وضعت المادة حداً أقصى لمدة الحكر هى ستون سنة ميلادية.
ومعنى ذلك أن حق الحكر لا يكون باطلاً إذا خلا الاتفاق عليه من تحديد مدة أو إذا حددت مدته بأكثر من ستين سنة.
على أن حق الشكر لا ينتهي بانقضاء هذه المدة إذا كان البناء أو الغراس لا يزال باقياً بل يبقى الحق حتى يزول البناء أو الغراس أو حتى يبيع صاحب الرقبة أو المحتكر حقه لصاحبه وفقاً للأحكام.
ولكنها لم تتعرض للأحكار التي أنشئت قبل العمل بأحكام التقنين المدني الجديد في 15 / 10 / 1949
إلا أن الواضح من نص المادة أن التحديد الوارد بها يتعلق بما يتم من أحكار بالنسبة للمستقبل فالنص يقضي بأنه لا يجوز التحكير والذي يؤخذ من هذه العبارة أن التحكير الذي يتم في ظل هذا النص ينبغي أن يتحدد طبقاً لما نص عليه من حيث المدة أما ما تم تحكيره من قبل فإنه يظل خاضعاً للقواعد التي كانت تحكمه فإذا كانت قد تحددت لها مدة فإنها تنتهي بانتهائها وإلا بقيت ما دام البناء أو الغراس قائماً في الأرض وما دام المحتكر يدفع مقابل الحكر وهذا هو المستفاد من الأعمال التحضيرية للتقنين المدني ، وهو ما أخذت به محكمة النقض . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع عشر، الصفحة/75)
مدة الحكر ستجيز الشريعة الإسلامية أن يكون الحكر لمدة غير محدودة وفي هذه الحالة يكون مؤبداً وكذلك تجيز أن يكون لأجل طويل معين وتخول المحتكر الانتفاع بالعقار وبما إقامة عليه من بناء أو غراس طوال مدة الحكر وتجيز له التصرف في ذات حق الحكر وفيما إقامه من بناء أو غراس (12 مكرر) .
غير أن واضعي مشروع تنقيح القانون المدني رأوا أن يضعوا لمدة الحكر حداً أقصى حدوده بتسع وتسعين سنة ( المادة 1256 فقرة ثانية من المشروع ) وذلك جرياً على السياسة التي اختطفها من حيث التضييق في حق الحكر وقد أقرتها الهيئات التشريعية على هذه السياسة بل أن لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ قررت خفض الحد الأقصى إلى ستين سنة بدلاً من تسع وتسعين فمصدر التقنين الحالي بالنص في المادة 999 منه على أنه لا يجوز التحكير لمدة تزيد على ستين سنة فإذا عينت مدة أطول أو أغفل تعيين المدة اعتبر الحكر معقوداً لمدة ستين سنة .
وبناءً على ذلك أصبح لا يجوز منذ العمل بالتقنين المدني الحالى تأييد الحكر ولا تحديد مدته بأكثر من ستين سنة .
أما الأحكار القائمة وقت بدء العمل بهذا التقنين فقد اتجه الرأي بادئ الأمر إلى النص على حكم ينظم إنهائها بمجرد مضى ستين سنة على إنشائها ولو لم تكن مدتها قد انقضت وذلك من طريق اباحة شراء صاحب الأرض حق الحكر أو شراء صاحب حق الحكر الأرض المحكرة (المادتان 1273 و 1274 من المشروع التمهيدي والتعديل الذي أدخلته عليهما لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ) ولكن هذه اللجنة رأت أخر الأمر العدول عن هذا النص وعن التعديل الذي أدخلته حتى لا تقطع بالرأي في مسألة تعارضت فيها المصالح والحقوق تعارضاً يستعصى على التوفيق وقالت أنه يحسن أن تترك هذه الحقوق والمصالح على حالها إلى أن يصدر في شأنها تشريع خاص .
وبناءً على ذلك تعتبر الأحكار المنشأة قبل العمل بالتقنين الحالي سارية لمدتها ولو زادت عن ستين سنة بل ولو بلغت حد التأبيد ولا يجوز انهاؤها إلا إذا صدر تشريع خاص يقضي بذلك وينظمه .
وقد تقدم أن أحكار الأوقاف الأهلية انقضت تبعاً لحل هذه الأوقاف وأن القانون رقم 649 لسنة 1953 ومن بعده القانون رقم 92 / 1960 أجاز لوزير الأوقاف حل أحكار الأوقاف الخيرية إذا اقتضت المصلحة ذلك فصار يجوز بناء على هذا النص أن يرى الوزير أن المصلحة تقتضي حل أحكار الأوقاف الخيرية متى انقضت على انشائها مدة معينة كستين سنة مثلاً أو بعد مضى مدة معينة كعشرين أو ثلاثين سنة وأن يصدر قرار بذلك فأصبح يحتاج إلى صدور تشريع خاص يخص الحكر إلا في الأحكار القديمة المرتبة على أموال مملوكة ( 13 مكرر). (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن الصفحة/ 919)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 53
حِكْرٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْحِكْرُ لُغَةً: الاِسْمُ مِنَ الْحَكْرِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ، وَهُوَ فِي الأْصْلِ الظُّلْمُ وَالتَّنَقُّصُ، وَالْعُسْرُ، وَالاِلْتِوَاءُ. وَمِنْهُ رَجُلٌ حَكْرٌ وَهُوَ مَنْ يُدْخِلُ عَلَى غَيْرِهِ الْمَشَقَّةَ فِي مُعَاشَرَتِهِ وَمُعَايَشَتِهِ، وَالاِحْتِكَارُ: أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ وَيَحْبِسَهُ لِيَقِلَّ فَيَغْلُوَ. وَالاِسْمُ مِنْهُ الْحِكْرُ وَالْحُكْرَةُ.
وَفِي الْقَامُوسِ وَشَرْحِهِ: الْحَكْرُ اللَّجَاجَةُ وَالْعُسْرُ، وَالاِسْتِبْدَادُ بِالشَّيْءِ، أَيْ الاِسْتِقْلاَلُ وَأَصْلُ الْحُكْرَةِ الْجَمْعُ وَالإْمْسَاكُ.
أَمَّا الْحِكْرُ بِالْكَسْرِ فَقَدِ انْفَرَدَ بِذَكَرِهِ الزَّبِيدِيُّ مُسْتَدْرِكًا لَهُ عَلَى الْقَامُوسِ، فَقَالَ: الْحِكْرُ بِالْكَسْرِ مَا يُجْعَلُ عَلَى الْعَقَارَاتِ، وَيُحْبَسُ، مُوَلَّدَةٌ.
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ عَلَى ثَلاَثَةِ مَعَانٍ:
الأْوَّلُ: الأْجْرَةُ الْمُقَرَّرَةُ عَلَى عَقَارٍ مَحْبُوسٍ فِي الإْجَارَةِ الطَّوِيلَةِ وَنَحْوِهَا. وَمِنْ هَذَا الاِسْتِعْمَالِ مَا قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: مَنْ بَنَى فِي الأْرْضِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَسْجِدًا وَقَفَهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِذَا جَازَ فَعَلَى مَنْ يَكُونُ حِكْرُهُ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَا دَامَتِ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً فَإِذَا انْقَضَتْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
وَفِي فَتَاوَى عُلَيْشٍ «مَنِ اسْتَوْلَى عَلَى الْخُلُوِّ يَكُونُ عَلَيْهِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ أُجْرَةٌ لِلَّذِي يَئُولُ إِلَيْهِ الْوَقْفُ يُسَمَّى عِنْدَنَا بِمِصْرَ حِكْرًا لِئَلاَّ يَذْهَبَ الْوَقْفُ بَاطِلاً».
الثَّانِي: أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الْعَقَارِ الْمُحْتَكَرِ نَفْسِهِ فَيُقَالُ: هَذَا حِكْرُ فُلاَنٍ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الإْجَارَةِ الطَّوِيلَةِ وَالْغَالِبُ أَنْ يُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ الاِحْتِكَارَ.
وَالاِسْتِحْكَارُ بِمَعْنَى الاِسْتِئْجَارِ إِجَارَةً طَوِيلَةً، وَيُسَمَّى (التَّحْكِيرَ) أَوِ (الإْحْكَارَ) بِمَعْنَى الإْيجَارِ أَوِ التَّأْجِيرِ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الاِحْتِكَارُ إِجَارَةٌ يُقْصَدُ بِهَا مَنْعُ الْغَيْرِ وَاسْتِبْقَاءُ الاِنْتِفَاعِ بِالأْرْضِ. وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ:
الاِسْتِحْكَارُ عَقْدُ إِجَارَةٍ يُقْصَدُ بِهِ اسْتِبْقَاءُ الأْرْضِ لِلْبِنَاءِ، أَوِ الْغَرْسِ، أَوْ لأِحَدِهِمَا. وَيَكُونُ فِي الدَّارِ وَالْحَانُوتِ أَيْضًا.
وَمُرَادُ ابْنِ عَابِدِينَ بِقَوْلِهِ يُقْصَدُ بِهَا مَنْعُ الْغَيْرِ أَيْ مَنْعُ الْغَيْرِ مِنَ الْمُنَافَسَةِ فِيمَا لَوْ أُوجِرَتِ الأْرْضُ إِجَارَةً قَصِيرَةً وَانْتَهَتِ الْمُدَّةُ. فَمَنْ يَسْتَأْجِرُهَا إِجَارَةً طَوِيلَةً يَأْمَنُ مِنَ الْمُنَافَسَةِ وَيَمْنَعُهَا، وَمِنْ هُنَا أُخِذَ هَذَا الاِصْطِلاَحُ وَهُوَ الاِحْتِكَارُ لأِنَّهُ يَئُولُ فِي مَعَانِيهِ اللُّغَوِيَّةِ إِلَى الْمَنْعِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
2 - أ - الْخُلُوُّ: هُوَ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي يَمْلِكُهَا الْمُسْتَأْجِرُ لِعَقَارِ الْوَقْفِ مُقَابِلَ مَالٍ يَدْفَعُهُ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ لِتَعْمِيرِهِ إِذَا تَخَرَّبَ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُعَمِّرُهُ بِهِ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ عَنْ بَاقِي الْمَنْفَعَةِ تُسَمَّى حِكْرًا.
3 - ب - الأْجْرَةُ: وَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الْحِكْرِ.
4 - ج - «الإْجَارَةُ الطَّوِيلَةُ» وَهُوَ اصْطِلاَحٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الاِحْتِكَارِ إِذْ الاِحْتِكَارُ يُقْصَدُ بِهِ اسْتِئْجَارُ الأْرْضِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ لِلْبِنَاءِ، أَوِ الْغَرْسِ، أَوْ أَحَدِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلاَمِ ابْنِ عَابِدِينَ، وَالإْجَارَةُ الطَّوِيلَةُ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ لَهُمَا، بَلْ قَدْ تَكُونُ لِلزَّرْعِ وَلِسَائِرِ أَنْوَاعِ اسْتِعْمَالاَتِ الأْرْضِ. وَتَكُونُ فِي غَيْرِ الأْرْضِ أَيْضًا كَالْمَسَاكِنِ وَالآْلاَتِ وَغَيْرِهَا.
أَقْسَامُ الْحِكْرِ:
5 - الْحِكْرُ يَكُونُ فِي الأْوْقَافِ وَهُوَ الأْغْلَبُ وَفِي غَيْرِهَا وَهِيَ الأْمْلاَكُ الْخَاصَّةُ، وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ كَلاَمُ الرَّمْلِيِّ وَابْنِ عَابِدِينَ، إِذْ أَطْلَقَا تَعْرِيفَ الاِحْتِكَارِ عَنْ قَيْدِ الْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي (مِنْحَةِ الْخَالِقِ) حَيْثُ قَالَ: الأْرْضُ الْمُقَرَّرَةُ لِلاِحْتِكَارِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا.
إِلاَّ أَنَّ أَكْثَرَ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ فِي شَأْنِ الْحِكْرِ يَنْصَبُّ عَلَى الْحِكْرِ فِي الأْوْقَافِ وَلاَ يَتَعَرَّضُونَ لِلْحِكْرِ فِي الأْمْلاَكِ إِلاَّ نَادِرًا، وَلِذَا عَرَّفَهُ صَاحِبُ قَانُونِ الْعَدْلِ وَالإْنْصَافِ بِأَنَّهُ اسْتِبْقَاءُ الأْرْضِ الْمَوْقُوفَةِ مُقَرَّرَةً لِلْبِنَاءِ أَوِ الْغِرَاسِ أَوْ أَحَدِهِمَا.
وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سَيَقْتَصِرُ الْكَلاَمُ فِيمَا يَلِي عَلَى الْحِكْرِ فِي الأْوْقَافِ، لأِنَّ الْحِكْرَ فِي الأْمْلاَكِ تَجْرِي أَحْكَامُهُ بِحَسَبِ صِيغَةِ التَّعَاقُدِ مِنْ حَيْثُ مِقْدَارُ الْمُدَّةِ وَالأْجْرَةُ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَتَرِدُ الإْشَارَةُ إِلَيْهِ.
حُكْمُ الإْجَارَةِ الطَّوِيلَةِ فِي الأْوْقَافِ:
6 - الأْصْلُ فِي الإْجَارَةِ الطَّوِيلَةِ فِي الأْمْلاَكِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ لأِنَّ الْمَالِكَ يَصْنَعُ فِي مِلْكِهِ مَا يَشَاءُ. وَنَقَلَ الْحَنَفِيَّةُ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ.
أَمَّا فِي الأْوْقَافِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِهَا فِيمَا زَادَ عَلَى ثَلاَثٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَرْبَعٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:
7 - فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ أَنْ يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ يَجُوزُ شَرْطُهُ لاَ مَحَالَةَ، وَإِنْ كَانَ شَرَطَ أَنْ لاَ يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ يَجِبُ مُرَاعَاةُ شَرْطِهِ لاَ مَحَالَةَ.
وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا فَالْمَنْقُولُ عَنْ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: أَنَا أُجَوِّزُ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ وَلاَ أُجَوِّزُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ كَانَ يَقُولُ: فِي الضِّيَاعِ (أَيِ الأْرَاضِيِ الزِّرَاعِيَّةِ) نُفْتِي بِالْجَوَازِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ، وَفِي غَيْرِ الضِّيَاعِ نُفْتِي بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِيمَا زَادَ عَنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي الْجَوَازِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الزَّمَانِ وَالْمَوْضِعِ. قَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ: فَلَوْ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الإْجَارَةُ وَتُفْسَخُ.
وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَنْعَ فِيمَا زَادَ عَلَى ثَلاَثِ سِنِينَ فِي الأْرْضِ وَسَنَةٍ فِي غَيْرِهَا كَمَا صَنَعَ صَاحِبُ تَنْوِيرِ الأْبْصَارِ. وَقَالَ الْخَصَّافُ: إِنْ كَانَتِ الأْرْضُ تُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَةٍ لاَ يُؤَجِّرُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَإِنْ كَانَتْ تُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ مُرَّةً لاَ تُؤَجَّرُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، أَوْ فِي كُلِّ ثَلاَثٍ لاَ تُؤْجَرُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ.
وَإِنَّمَا جَرَتِ الْفُتْيَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِذَلِكَ صِيَانَةً لِلأْوْقَافِ عَنْ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ بِطُولِ الْمُدَّةِ قَالُوا: لأِنَّ الْمُدَّةَ إِذَا طَالَتْ تُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ الْوَقْفِ، فَإِنَّ مَنْ رَآهُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ مُتَوَالِيًا وَلاَ مَالِكٌ يُعَارِضُ وَيُزَاحِمُ - وَمَالُ الْوَقْفِ مَالٌ ضَائِعٌ لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ الْمُهْتَمِّ - يَظُنُّهُ الرَّائِي بِتَصَرُّفِهِ الدَّائِمِ مَالِكًا، وَيَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ إِذَا ادَّعَاهُ. وَلاَ مَصْلَحَةَ لِلْوَقْفِ فِي أَمْرٍ يَدْعُو إِلَى هَذَا الضَّرَرِ.
وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جَرَتِ الْفُتْيَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى إِلْحَاقِ أَرْضِ الْيَتِيمِ بِأَرْضِ الْوَقْفِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، فَلاَ تُؤَجَّرُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِ سِنِينَ. وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ أَيْضًا أَرَاضِيَ بَيْتِ الْمَالِ، نَقَلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ.
وَفِي قَوْلِ مُتَقَدِّمِي الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ إِجَارَةُ الْوَقْفِ لِلْمُدَدِ الطَّوِيلَةِ. غَيْرَ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَذْكُورُ أَوَّلاً وَهُوَ التَّوْقِيتُ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِنَّمَا عَدَلَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْ قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِسَبَبِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَقْفِ.
ثُمَّ إِنْ آجَرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِ سِنِينَ فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُرْفَعُ إِلَى الْقَاضِي حَتَّى يُبْطِلَهُ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ.
وَرَأَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ إِنِ احْتَاجَ الْقَيِّمُ أَنْ يُؤَجِّرَ الْوَقْفَ إِجَارَةً طَوِيلَةً فَالْحِيلَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَعْقِدَ عُقُودًا، فَيَكْتُبُ: اسْتَأْجَرَ فُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ ثَلاَثِينَ عَقْدًا مَثَلاً، كُلُّ عَقْدٍ عَلَى سَنَةٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا شَرْطًا فِي بَعْضٍ، فَيَكُونُ الْعَقْدُ الأْوَّلُ لاَزِمًا لأِنَّهُ نَاجِزٌ، وَمَا بَعْدَهُ لاَ يَلْزَمُ، لأِنَّهُ مُضَافٌ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ كُلُّ سَنَةٍ إِذَا دَخَلَتْ.
8 - وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ كَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ كِرَاءُ الْوَقْفِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ، قَالَ الْحَطَّابُ: الْحَبْسُ إِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ كَبَنِي فُلاَنٍ، فَلِلنَّاظِرِ أَنْ يُكْرِيَهُ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَ سِنِينَ، وَلاَ يُكْرِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ وَقَعَ الْكِرَاءُ فِي السِّنِينَ الْكَثِيرَةِ فَعَثَرَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى بَعْضُهَا فَإِنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ يَسِيرًا كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ لَمْ يُفْسَخْ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فُسِخَ. وَنَقَلَ الْحَطَّابُ عَنِ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي وَقْفٍ أُكَرِي خَمْسِينَ عَامًا، إِنْ وَقَعَ الْكِرَاءُ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى النَّقْدِ (أَيْ تَعْجِيلِ الأْجْرَةِ) فُسِخَ، وَفِي جَوَازِهِ عَلَى غَيْرِ النَّقْدِ قَوْلاَنِ: الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدِي الْمَنْعُ. ا هـ.
ثُمَّ قَالَ الْحَطَّابُ: أَمَّا الْحَبْسُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَسَاكِينِ وَشَبَهِهَا فَلاَ يُكْرِيهَا النَّاظِرُ لأِكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ إِنْ كَانَتْ أَرْضًا، وَلاَ أَكْثَر مِنْ عَامٍ إِنْ كَانَتْ دَارًا، وَهُوَ عَمَلُ النَّاسِ، وَمَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ، فَإِنْ أَكْرَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مَضَى إِنْ كَانَ نَظَرًا (أَيْ مَصْلَحَةً)، وَلاَ يُفْسَخُ.
وَعَلَّلُوا لِمَنْعِ الإْجَارَةِ الطَّوِيلَةِ فِي الْوَقْفِ بِمِثْلِ مَا عَلَّلَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ، قَالُوا: لِخَوْفِ انْدِرَاسِهِ إِذَا طَالَ مُكْثُهُ بِيَدِ مُكْتَرِيهِ.
9 - وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ تُؤَجَّرَ الْعَيْنُ إِلَى مُدَّةٍ تَبْقَى إِلَيْهَا غَالِبًا - مَا لَمْ يُخَالِفْ شَرْطَ الْوَاقِفِ - فَتُؤَجَّرُ الأْرْضُ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ - قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ:
سَوَاءٌ الْمِلْكُ وَالْوَقْفُ - وَتُؤَجَّرُ الدَّارُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَالثَّوْبُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ. وَفِي قَوْلٍ: لاَ يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: إِنَّمَا يَجْرِي ذَلِكَ - أَيِ الإْجَارَةُ الطَّوِيلَةُ - فِي الْوَقْفِ إِنْ وَقَعَ عَلَى وَفْقِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لِعَيْنِ الْوَقْفِ، وَاصْطِلاَحُ الْحُكَّامِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُؤَجَّرُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثِ سِنِينَ، لِئَلاَّ يَنْدَرِسَ اسْتِحْسَانٌ مِنْهُمْ. قَالَ: وَإِنَّمَا اشْتَرَطْنَا ذَلِكَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ بِغَلَبَةِ الاِسْتِيلاَءِ عَلَى الْوَقْفِ عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ، وَلأِنَّ شَرْطَ إِجَارَةِ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَتَقْوِيمُ الْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ الْبَعِيدَةِ صَعْبٌ - أَيْ لِتَغَيُّرِ الأْسْعَارِ وَطُرُوءِ الرَّغَبَاتِ غَالِبًا - قَالَ: وَأَيْضًا فَفِيهَا مَنْعُ الاِنْتِقَالِ إِلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، وَضَيَاعُ الأْجْرَةِ عَلَيْهِمْ إِذَا كَانَتْ مُعَجَّلَةً. وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فِي فَتَاوَاهُ الْكُبْرَى الْفِقْهِيَّةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ قُضَاةَ الشَّافِعِيَّةِ مَالُوا فِي ذَلِكَ إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لأِنَّهُ أَحْوَطُ. وَنَقَلَهُ عَنِ السُّبْكِيِّ وَغَيْرِهِ. وَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ مُجَرَّدَ زِيَادَةِ الأْجْرَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ لاَ يُسَوِّغُ الإْجَارَةَ الطَّوِيلَةَ فِي الْوَقْفِ. وَقَالَ: وَأَلْحَقُوا بِأَرْضِ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ أَرْضَ الْيَتِيمِ.
10 - وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّ الإْجَارَةَ الطَّوِيلَةَ جَائِزَةٌ، عَلَى الأْصْلِ فِي الإْجَارَةِ إِذَا كَانَتْ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَبْقَى إِلَيْهَا الْعَيْنُ غَالِبًا وَإِنْ كَثُرَتْ.
وَاسْتَدَلَّ ابْنُ قُدَامَةَ لِهَذَا الأْصْلِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيْ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ ) قَالَ: وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى نَسْخِهِ دَلِيلٌ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّ مَا جَازَ لِسَنَةٍ جَازَ لأِكْثَرَ مِنْهَا، وَالتَّقْدِيرُ بِسَنَةٍ أَوْ ثَلاَثٍ تَحَكُّمٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي الْوَقْفِ، قَالَ: إِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ جَازَتْ إِجَارَتُهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَلاَ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ بِعَدَدٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى وَنَسَبَهُ إِلَى الرِّعَايَةِ وَالْمُغْنِي، وَأَنَّهُمْ قَالُوا: بَلِ الْوَقْفُ أَوْلَى أَيْ بِجَوَازِ الإْجَارَةِ الطَّوِيلَةِ.
وَابْنُ الْقَيِّمِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بَيَّنَ مَفَاسِدَ الإْجَارَةِ الطَّوِيلَةِ فِي الْوَقْفِ كَمَا بَيَّنَهَا أَصْحَابُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِبُطْلاَنِهَا حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ امْتِنَاعَهَا.
حُكْمُ التَّحْكِيرِ فِي الْوَقْفِ وَشُرُوطُ جَوَازِهِ:
12 - يَتَبَيَّنُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحْكِيرَ فِي الْوَقْفِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَقْوَالٍ: الْقَوْلُ الأْوَّلُ وَعَلَيْهِ الأَْكْثَرُونَ: إِنَّهُ جَائِزٌ، سَوَاءٌ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ مَنْعَهُ أَمْ لَمْ يَشْتَرِطْ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَرْضِ الْوَقْفِ لأِنَّهُ يَغُلُّ يَدَ الْوَاقِفِ أَوِ النَّاظِرِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الأْرْضِ، وَاسْتِغْلاَلِهَا لَمْ يُجِيزُوهُ إِلاَّ بِشُرُوطٍ:
أَوَّلاً: أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ قَدْ تَخَرَّبَ وَتَعَطَّلَ انْتِفَاعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. ثَانِيًا: أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْوَقْفِ حَاصِلٌ يُعَمَّرُ بِهِ.
ثَالِثًا: أَنْ لاَ يُوجَدَ مَنْ يُقْرِضُ الْوَقْفَ الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ.
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا أَنْ لاَ يُمْكِنَ اسْتِبْدَالُ الْوَقْفِ بِعَقَارٍ ذِي رِيعٍ.
فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ جَازَ إِيجَارُ الْوَقْفِ مُدَّةً طَوِيلَةً لِمَنْ يَبْنِيهِ، أَوْ يَغْرِسُ الأْرْضَ، لأِنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلاِنْتِفَاعِ بِالْوَقْفِ، وَلَمْ يَنْظُرْ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى احْتِمَالِ تَمَلُّكِ الْوَقْفِ لأِنَّهُ مَوْهُومٌ فَلاَ يُنْظَرُ إِلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِ الضَّرَرِ الْمُتَحَقِّقِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ وَجُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدْ مَنَعَ الإْجَارَةَ الطَّوِيلَةَ امْتَنَعَ إِلاَّ إِذَا حَصَلَتِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقَوْلِ الأْوَّلِ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ إِنَّهُ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا، وَمِنْ هَؤُلاَءِ الأْذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ. التّفْصيلُ في مُصْطلح: (خُلُوٌّ).
مَنْ يَجُوزُ مِنْهُ التَّحْكِيرُ:
14 - التَّحْكِيرُ إِذَا تَمَّتْ شُرُوطُهُ يَجُوزُ مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةُ إِجَارَةِ الْوَقْفِ وَهُوَ النَّاظِرُ فَلاَ يَمْلِكُهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إِلاَّ إِنْ كَانَ مُوَلًّى عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ، أَوْ مَأْذُونًا مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةُ الإْجَارَةِ مِنْ نَاظِرٍ أَوْ قَاضٍ، وَكَذَلِكَ وِلاَيَةُ قَبْضِ الأْجْرَةِ لِلنَّاظِرِ لاَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ النَّاظِرُ بِقَبْضِهَا.
الْمُدَّةُ فِي التَّحْكِيرِ:
15 - التَّحْكِيرُ نَوْعٌ مِنَ الإْجَارَةِ ، وَالشَّرْطُ فِي الإْجَارَةِ مِنْ حَيْثُ الأْصْلُ الْعِلْمُ بِالْمُدَّةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً. أَمَّا فِي التَّحْكِيرِ: فَقَدْ قَالَ الْعَدَوِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: جَرَى الْعُرْفُ عِنْدَنَا بِمِصْرَ أَنَّ الأْحْكَارَ مُسْتَمِرَّةٌ لِلأْبَدِ وَإِنْ عُيِّنَ فِيهَا وَقْتُ الإْجَارَةِ مُدَّةً، فَهُمْ لاَ يَقْصِدُونَ خُصُوصَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَالْعُرْفُ عِنْدَنَا كَالشَّرْطِ، فَمَنِ احْتَكَرَ أَرْضًا مُدَّةً وَمَضَتْ فَلَهُ أَنْ يَبْقَى وَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَمْرَ الْوَقْفِ إِخْرَاجُهُ. نَعَمْ إِنْ حَصَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الإْخْرَاجِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الأْبَدِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُحْتَكِرِ حَقُّ الْقَرَارِ إِذَا وَضَعَ بِنَاءَهُ فِي الأْرْضِ وَيَسْتَمِرُّ مَا دَامَ أُسُّ بِنَائِهِ قَائِمًا فِيهَا، فَلاَ يُكَلَّفُ بِرَفْعِ بِنَائِهِ، وَلاَ بِقَلْعِ غِرَاسِهِ مَا دَامَ يَدْفَعُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ الْمُقَرَّرَةَ عَلَى سَاحَةِ الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ.
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا لِبَقَاءِ الْمُحْتَكَرِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَقْفِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ بِأَنْ يُخَافَ مِنْهُ عَلَى رَقَبَةِ الأْرْضِ يَفْسَخُ الْقَاضِي الإْجَارَةَ، وَيُخْرِجُهُ مِنْ يَدِهِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ هُوَ أَوْ وَارِثُهُ مُفْلِسًا، أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ، أَوْ مُتَغَلِّبًا يُخْشَى عَلَى الْوَقْفِ مِنْهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ.
______________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
( مادة 590 )
الاستحكار هو عقد اجارة يقصد به استبقاء الأرض للبناء والغراس أو لأحدهما