مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة : 621
حق الارتفاق
المذكرة الإيضاحية :
نظرة عامة :
وضع المشروع في حق الارتفاق نصوصاً تقرر القواعد العامة في هذا الموضوع بعد أن فصل ما بين حق الارتفاق بمعناه و بين القيود القانونية التي ترد على حق الملكية وكثيراً ما تسمى بحقوق الارتفاق القانونية .
وقد عرض المشروع الاسباب التي يكسب بها حق الارتفاق وأضاف إليها سبباً سكت عنه التقنين الحالى وهو تخصيص المالك الأصلي أو تخصيص رب الأسرة كما يدعي عادة وحسم وجوه خلاف قائمة فمن ذلك أن نص على جواز تملك حق المرور بالتقادم وأن قرر أن القيود التي تفرض على المالك عند إقامة بناء بأرضه تعتبر حقوق ارتفاق لفائدة العقارات المجاورة وأن الضرر الذي ينشأ عن مخالفة هذه القيود تمكن المطالبة بإصلاحه عيناً إلا إذا تبين أن الحكم بالتعويض جزاء عادل فيه الكفاية .
وانتقل المشروع بعد ذلك إلى الآثار التي تنشأ عن حق الارتفاق وبين بنوع خاص أنه يجب التوفيق بين مصلحة العقار المرتفق وعدم الإضرار بالعقار المرتفق به ورتب على ذلك نتائج هامة منها تعديل حق الارتفاق أو نقله إلى عقار آخر أو زواله إذا كان من شأن ذلك رفع الضرر عن العقار المرتفق به دون أن يصيب العقار المرتفق خسارة كبيرة وكل هذه أحكام عادلة استمدت من بعض التقنينات الأجنبية وخاصة من المشروع الإيطالي .
وانتهى المشروع بالأسباب التي ينقضي بها حق الارتفاق فعدد هذه الأسباب وبين أحكامها وذكر بنوع خاص أن حق الارتفاق ينتهي إذا تغير موضع الأشياء بحيث تصبح في حالة لا يمكن فيها استعمال هذا الحق أو إذا فقد الارتفاق كل منفعة للعقار المرتفق أو لم تبق له غير فائدة محدودة لا تتناسب مع الأعباء الواقعة على العقار المرتفق به .
مذكرة المشروع التمهيدي :
حق الارتفاق هو خدمة مقررة لعقار على عقار آخر وتكون هذه الخدمة غالباً شيئاً مما نص عليه في القيود القانونية التي ترد على حق الملكية كشرب أو مجرى أو مسيل أو مطل أو مرور أو غير ذلك ومن أجل ذلك سميت هذه القيود بحقوق الارتفاق القانونية .
والخدمة يؤديها العقار المرتفق به للعقار المرتفق أما صاحب العقار المرتفق به فلا يلتزم شخصية بشيء إلا أن يكون عملاً إضافياً يقتضيه استعمال حق الارتفاق على الوجه المألوف كإصلاح حق المرور وله على كل حال أن يتخلص من هذا الالتزام بتخليه عن ملكية الجزء المرتفق به .
وقد يترتب الارتفاق على مال عام إن كان لا يتعارض مع الاستعمال الذي خصص له هذا المال كحق إقامة أكشاك للإستحمام على شاطىء البحر .
1 ـ حق الإرتفاق طبقاً لنص المادة 1015 من القانون المدنى - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو خدمة يؤديها العقار المرتفق به للعقار المرتفق فيحد من منفعة الأول و يجعله مثقلاً بتكليف الفائدة الثانى و هو و إن لم يحرم مالك العقار الخادم من ملكيته إلا أنه ينقص من نطاقها و يوجب عليه ألا يمس فى إستعماله لحقوق ملكيته بحق الإرتفاق .
(الطعن رقم 463 لسنة 49 جلسة 1982/06/09 س 33 ع 2 ص 698 ق 124)
2 ـ مفاد النص فى المادة 1015 من القانون المدنى أن الإرتفاق كحق عينى هو تكليف يثقل به عقار خادم لفائدة عقار آخر مخدوم ، و الشفعة لا تقوم على الجوار من حد واحد فى غير العقارات المبنية و الأراضى المعدة للبناء إلا " إذا كان للأرض المبيعة حق إرتفاق على أرض الجار أو كان حق الإرتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة " طبقاً لنص البند الثانى من الفقرة ه من المادة 936 من القانون المدنى مما يتعين معه أن يقع حق الإرتفاق على عاتق الأرض المشفوع بها أو الأرض المشفوع فيها و يخدم الأخرى ، و لا يكفى فى هذا الخصوص أن تشترك الأرضان فى الإستفادة من حق إرتفاق واحده طالما لا يثقل إحداهما .
(الطعن رقم 1723 لسنة 50 جلسة 1981/06/03 س 32 ع 2 ص 1694 ق 303)
3 ـ حق الإرتفاق طبقاً للمادة 1015 من القانون المدنى هو خدمة يؤديها العقار المرتفق به للعقار المرتفق فيحد من منفعة الأول و يجعله مثقلاً بتكليف لفائدة الثانى ، و هو و إن لم يحرم مالك العقار الخادم من ملكيته إلا أنه ينتقص من نطاقها فيحرمة من القيام بأعمال فى عقاره كان له الحق فى أن يقوم بها لولا وجود حق الإرتفاق ، كما أنه يوجب عليه ألا يمس فى إستعماله لحقوق ملكيته بحق الإرتفاق فلا يعوق إستعماله أو ينقصه أو يجعله أكثر مشقة .
(الطعن رقم 724 لسنة 42 جلسة 1977/05/10 س 28 ع 1 ص 1158 ق 199)
4 ـ علاقة التبعية التى ينشئها المالك بين العقارين تدل عليها واقعة مادية أجاز المشرع إثباتها بأى طريق من طرق الإثبات - هى إقامة المالك الأصلى للعقارين علامة ظاهرة تنبئ فى وضوح عن أن أحد العقارين يخدم الآخر ، بحيث تبدو هذه التبعية مؤدية تأدية تامة للمهمة الإقتصادية للإرتفاق الذى لم يبرز وجوده قانوناً بسبب أتحاد المالك ، فإذا كان من أقام العلامة الظاهرة ليس هو المالك للعقارين فإن إستبقاء الأخير للوضع الفعلى القائم كما هو بعد أن تلقاه قائماً يتحقق به قيام التبعية بين العقارين ليخدم أحدهما الآخر ، تلك العلامة التى لا تشكل فى حد ذاتها أرتفاقاً بالمعنى القانونى المنصوص عليه فى المادة 1015 مدنى من حيث كونه مرتباً على عقار لفائدة عقار غيره يملكه شخص آخر و إنما تظل فى أداء مهمته إلى أن ينشأ من الناحية القانونية عندما يصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين مع بقائهما على حالهما و ذلك على أساس أن العلاقة الظاهرة الدالة على تبعية العقارين كانت ماثلة أمام مالك العقار المرتفق به فلم يبد إعتراضاً عليها مما يعد رضاء ضمنيا بنشؤ حق أرتفاق على عقاره ، و هو لا يشترط لنشوئه أن يكون لازماً لزوماً ضمنياً للعقار المخدوم .
(الطعن رقم 431 لسنة 45 جلسة 1978/12/13 س 29 ع 2 ص 1904 ق 368)
5 ـ علاقة التبعية التى ينشئها المالك بين العقارين تدل عليها واقعة مادية أجاز المشرع إثباتها بأى طريق من طرق الإثبات - هى إقامة المالك الأصلى للعقارين علامة ظاهرة تنبئ فى وضوح عن أن أحد العقارين يخدم الآخر ، بحيث تبدو هذه التبعية مؤدية تأدية تامة للمهمة الإقتصادية للإرتفاق الذى لم يبرز وجوده قانوناً بسبب أتحاد المالك ، فإذا كان من أقام العلامة الظاهرة ليس هو المالك للعقارين فإن إستبقاء الأخير للوضع الفعلى القائم كما هو بعد أن تلقاه قائماً يتحقق به قيام التبعية بين العقارين ليخدم أحدهما الآخر ، تلك العلامة التى لا تشكل فى حد ذاتها أرتفاقاً بالمعنى القانونى المنصوص عليه فى المادة 1015 مدنى من حيث كونه مرتباً على عقار لفائدة عقار غيره يملكه شخص آخر و إنما تظل فى أداء مهمته إلى أن ينشأ من الناحية القانونية عندما يصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين مع بقائهما على حالهما و ذلك على أساس أن العلاقة الظاهرة الدالة على تبعية العقارين كانت ماثلة أمام مالك العقار المرتفق به فلم يبد إعتراضاً عليها مما يعد رضاء ضمنيا بنشؤ حق أرتفاق على عقاره ، و هو لا يشترط لنشوئه أن يكون لازماً لزوماً ضمنياً للعقار المخدوم .
(الطعن رقم 431 لسنة 45 جلسة 1978/12/13 س 29 ع 2 ص 1904 ق 368)
6 ـ إن النص فى الفقرة الثانية من المادة 812 من القانون المدني على أن: "إذا كان الحبس عن الطريق العام ناشئا عن تجزئة عقار تمت بناء على تصرف قانوني وكان من المستطاع إيجاد ممر كاف فى أجزاء هذا العقار فلا تجوز المطالبة بحق المرور إلا فى هذه الأجزاء" يدل على أنه إذا تصرف مالك الأرض التي لها منفذ إلى الطريق العام فى جزء منها تصرفا قانونيا أدى إلى حبس الجزء الآخر عن هذا الطريق فإن حق المرور لا يكون إلا فى الجزء المبيع طالما كان ذلك مستطاعا ولو لم يكن المرور فيه أخف ضررا من المرور فى العقارات المجاورة لأن الحبس كان بفعل البائع.
(الطعن رقم 929 لسنة 63 جلسة 2000/11/07 س 51 ع 2 ص 970 ق 185)
7 ـ عرف الشارع الارتفاق فى المادتين 1015،1017 من القانون المدنى ومفاد هذا أن علاقة التبعية التى ينشئها المالك بين العقارين تدل عليها واقعة مادية أجاز المشرع إثباتها بأى طريق من طرق الإثبات هى أقامه المالك الأصلى للعقارين علامة ظاهرة تنبئ فى وضوح عن أن أحد العقارين يخدم الآخر، بحيث تبدو هذه التبعية مؤدية تأدية تامة للمهمة الاقتصادية للارتفاق الذى لم يبرز وجوده قانوناً بسبب إتحاد المالك، ذلك أن هذه العلاقة لا تشكل فى حد ذاتها ارتفاقا بالمعنى القانونى المنصوص عليه فى المادة 1015 من حيث كونه مرتبا على عقار لفائدة عقار غيرة يملكه شخص آخر وإنما تظل فى أداء مهمته إلى أن ينشأ من الناحية القانونية عند ما يصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين مع بقائهما على حالهما .
(الطعن رقم 1813 لسنة 57 جلسة 1993/01/21 س 44 ع 1 ص 273 ق 52)
8 ـ مفاد نص المادتين 1015 ، 1023 من القانون المدنى ، أن حق الإرتفاق هو خدمة يؤديها العقار المرتفق به للعقار المرتفق فيحد من منفعة الأول و يجعله مثقلاً بتكليف الثانى ،و لا يترتب على ذلك حرمان مالك العقار الخادم من ملكه فيجوز له أن يباشر حقوقه عليه من إستعمال و إستغلال و تصرف ، و كل ما يجب عليه هو ألا يمس فى إستعماله لحقوق ملكيته بحق الإرتفاق ، فإذا أخل بهذا الإلتزام ، ألزم بإعادة الحال إلى ما كانت عليه ، و بالتعويض إن كان له مقتضى ، و مؤدى ذلك أن تصرف المالك فى العقار المرتفق به يقع صحيحاً و لا يجوز لمالك العقار المرتفق طلب إبطاله أو محو تسجيله .
(الطعن رقم 572 لسنة 53 جلسة 1987/04/08 س 38 ع 2 ص 550 ق 118)
9 ـ إذ كان مفاد الإتفاق - فى عقد البدل - هو تقرير حق إرتفاق سلبى بعدم المطل على ملك المطعون عليهم ، و هو أمر لا مخالفة فيه للقانون ، و كان الحكم المطعون فيه فى خصوص الرد على دفاع الطاعنتين بأن هذا الشرط تعسفى قد عرض للحالات الثلاث التى أوردتها المادة الخامسة من القانون المدنى و قرر إنها غير متوافرة فى الدعوى لأن المصلحة المقصودة من هذا الشرط مشروعة و لم يثبت من الأوراق أن المطعون عليهم قصدوا إلى مجرد الإضرار بالطاعنتين ، بل الثابت أن المصالح التى يرجون تحقيقها مصالح أدبيه جوهرية حرصوا على النص عليها صراحة بما لا يدع مجالاً للقول بأنها قليلة الأهمية بالنسبة لما يصيب الطاعنتين من ضرر بسببها ، و إذا يتضح مما سلف أن المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية أطرحت بأسباب سائغة لها أصلها الثابت فى الأوراق ما تمسكت به الطاعنتان من أن الشرط المشار إليه تعسفى ، فإن النعى يكون غير سديد .
(الطعن رقم 724 لسنة 42 جلسة 1977/05/10 س 28 ع 1 ص 1158 ق 199)
ينص الشطر الأول من المادة 1015 مدنى على ما يأتى :
الارتفاق حق يحد من منفعة عقار لفائدة عقار غيره يملكه شخص آخر .
ويخلص من هذا التعريف أن هناك عناصر ثلاثة يتكون منها حق الارتفاق : العقار المرفق و العقار المرتفق به و منفعة يقدمها العقار المرتفق به للعقار المرتفق .
فأولاً : يجب أن يكون هناك عقار مرتفق وهو العقار الذى تقرر لفائدته حق الارتفاق . ولا يتقرر هذا الحق إلا لفائدة عقار ويقرره مالك هذا العقار ويعتبر هذا الحق تابعاً للعقار المرتفق وملحقاً به وينتقل معه إلى أي يد ينتقل إليها هذا العقار ولذلك يزيد حق الارتفاق من قيمة العقار المرتفق أياً كان المالك لهذا العقار وجميع الأسباب التي تنقل ملكية العقار المرتفق من مالك إلى آخر من ميراث ووصية وعقد وشفعة وتقادم تنقل إلى المالك الجديد مع ملكية العقار المرتفق حق الارتفاق .
وثانياً : يجب أن يكون هناك عقار مرتفق به وهو العقار الذي تقرر عليه حق الارتفاق فحد من منفعته لفائدة العقار المرتفق وكما أن حق الارتفاق لا يتقرر إلا لفائدة عقار فهو أيضاً لا يترتب إلا على عقار ويرتبه مالك هذا العقار ومن ثم يكون حق الارتفاق دائماً حقاً عينياً عقارياً فهو عقار حتماً وينتقل حق الارتفاق سلبياً مع العقار المرتفق به إلى أي يد ينتقل إليها هذا العقار كما ينتقل إيجابياً مع العقار المرتفق فيما رأينا ويجب أن يكون العقار المرتفق به مملوكاً لشخص غير الشخص الذي يملك العقار المرتفق فلا يقوم حق ارتفاق بين عقارين مملوكين لشخص واحد يصح أن يكون هناك عقاران مملوكان لشخص واحد وقد خصص المالك أحد العقارين لتقديم فائدة للعقار الآخر ولكن تقاضى هذه الفائدة لا يكون استعمالاً لحق ارتفاق وإنما هو استعمال لحق الملكية ما دام العقاران مملوكين لشخص واحد فإذا ما أصبح مالك أحد العقارين غير مالك للعقار الآخر فهنا يقوم حق ارتفاق بين العقارين لاختلاف المالك ويترتب حق الارتفاق في هذه الحالة بتخصيص المالك الأصلى كما سنرى أنظر المادة 1017 مدني .
وثالثاً : يجب أن يقدم العقار المرتفق به للعقار المرتفق فائدة تحد من منفعة العقار الأول فالعقار المرتفق به يخدم العقار المرتفق ومن أجل ذلك سمى العقار الأول بالعقار الخادم وسمى العقار الثانى بالعقار المخدوم وهذه الخدمة أو هذا التكليف يحدده السند الذي أنشأ حق الارتفاق وهو يتنوع بحسب حاجة العقار المرتفق وقابلية العقار المرتفق به وهو في جميع الأحوال يزيد من فائدة العقار الأول أي من قيمته ويحد من منفعة العقار الثاني إذ يجعله مثقلاً بتكليف معين ومن أمثلة هذا التكليف أن يكون العقار المرتفق به ممراً للعقار المرتفق أو مورداً للمياه التي تسقيه أو مجرى للمياه التي تأتيه للري أو مكاناً تسيل منه مياه الصرف فيكون هناك حقوق ارتفاق بالمرور أو بالشراب أو بالمجرى أو بالمسيل وهذه غير القيود القانونية المتعلقة بالمرور أو بمياه الري التي سبق بحثها عند الكلام في حق الملكية والفرق بين هذه وتلك أن القيود القانونية تستوجب استيفاء شروطه معينة متى توافرت فإن القانون نفسه هو الذي يرتب تكليفاً على عقار لفائدة عقار آخر أما حقوق الارتفاق التي نحن بصددها فلا تستوجب توافر هذه الشروط ولا يرتبها القانون وإنما يرتبها الاتفاق أو غيره من أسباب كسب حق الارتفاق التي سيأتي بيانها وقد يختلف التكليف في نوعه عن التكاليف المقررة فى القيود القانونية فيوجد مثلاً حق ارتفاق بالرؤية بموجبه يمتنع مالك العقار المرتفق به من أن يبني في عقاره حتى يفسح للعقار المرتفق مجال الرؤية البعيدة التي يتمتع بها وتوجد أيضاً حقوق الارتفاق التى تحد من حق مالك العقار المرتفق به في البناء عليه كيفما شاء كأن يمنع من تجاوز حد معين في الارتفاع بالبناء أو في مساحة رقعته ويوجد كذلك حق ارتفاق بالتجميل يترتب على العقارات المحاذية لطريق عام يراد تجميله وبموجبه يترك ملاك هذه العقارات مسافة معينة تفصل بين العقار والطريق العام ويبني المالك في هذه المسافة حوضاً يغرس فيه زهوراً بقصد تجميل المنظر العام للطريق ونرى من ذلك أن التكليف الذي يثقل العقار المرتفق به كما يقصد به فائدة العقار المرتفق وهو الغالب قصد يقصد به تزيين هذا العقار والزيادة في رونقه كما هو الأمر في حق الارتفاق بالرؤية وحق الارتفاق بالتجميل .
ولا يشترط فى الفائدة أن تكون حالة بل يصح أن تكون مستقبلة ولا تستلزم الفائدة التي يقدمها العقار المرتفق به للعقار المرتفق تلاصق هذين العقارين بل ولا تجاورهما فيصح أن يكون أحد ما بعيداً عن الآخر كما إذا ترتب حق ارتفاق باغتراق المياه أو باستخراج الأحجار والمواد الأخرى لمصلحة عقار على عقار آخر يبعد عنه بمسافة طويلة.
خصائص حق الارتفاق : وقد تبين مما قدمناه أن حق الارتفاق هو حق عيني يترتب على عقار لفائدة عقار آخر فهو إذن حق عيني عقاري كما سبق القول ولحق الارتفاق إلى جانب هذه الخاصية خصائص أخرى أهمها ثلاث :
( 1 ) فهو حق تابع .
( 2 ) وهو حق دائم.
( 3 ) وهو حق غير قابل للتجزئة .
فحق الارتفاق حق تاعب : تابع للعقار المرتفق فهو من ملحقاته الإيجابية ولا ينفصل عن هذا العقار فيما يجري على العقار من تصرفات فإذا بيع العقار المرتفق أو وهب أو رهن أو جرى عليه أي تصرف آخر فإن التصرف يشمل العقار وحق الارتفاق معاً كذلك إذا ترتب على العقار حق استعمال أو حق سكنى فإذا هذا الحق يمتد أيضاً إلى حق الارتفاق وإذا حجز على العقار فإن الحجز يشمل العقار وحق الارتفاق فحق الارتفاق يتبع إذن العقار المرتفق أينما انتقل ويجري عليه ما يجري على العقار .
وكذلك يتبع حق الارتفاق العقار المرتفق به على النحو الذي يتبع به العقار المرتفق فإذا بيع العقار المرتفق به أو وهب أو رتب عليه حق انتفاع أو حق رهن أو جرى عليه أي تصرف آخر فإنه يجري عليه هذا التصرف وهو محمل بحق الارتفاق فينتقل إلى المشتري أو الموهوب له أو المنتفع مثلاً مثقلاً بحق الارتفاق .
وحق الارتفاق حق دائم : والمقصود بدوام حق الارتفاق شيء غير المقصود بدوام حق الملكية فقد قدمنا أن الملكية حق دائم بمعان ثلاثة : بمعنى إنه يبقى ما دام الشيء المملوك باقياً فلم يحدد له القانون وقتاً معيناً لإنقضائه كما حدد لحق الانتفاع مثلاً وبمعنى أنه حق لا يزول بعدم الاستعمال وبمعنى أنه حق لا يجوز أن يقترن بأجل أما حق الارتفاق فإنه لا يتفق في صفة الدوام مع حق الملكية إلا في جزء من المعنى الأول .
فحق الارتفاق يختلف مع حق الملكية في المعنى الثالث إذ يجوز أن يقترن حق الارتفاق بأجل واقف أو بأجل فاسخ ويختلف مع حق الملكية فى المعنى الثانى إذ ينتهي حق الارتفاق بعدم استعماله مدة خمس عشرة سنة م 1027 / 1 مدني أما في المعنى الأول فإن حق الارتفاق يشترك مع حق الملكية في جزء من هذا المعنى وهذا الجزء المشترك هو الذي دعا إليه القول بأن حق الارتفاق حق دائم فحق الارتفاق حق دائم بمعنى أن هذا الدوام من طبيعته فما لم يوقت بأجل فهو دائم كحق الملكية إذ هو يتبع حق الملكية في العقار المرتفق فيدوم بدوامه ولكن الدوام في حق الارتفاق ليس من جوهره كما هو من جوهر حق الملكية فقد رأينا أن يجوز توقيت حق الارتفاق ولا يجوز توقيت حق الملكية فإذا قلنا إن حق الارتفاق حق دائم فإنما تعنى بذلك أن هذا هو الأصل فيه ولكن هذا لا يمنع من أن حق الارتفاق ينتهي مستقلاً عن حق الملكية بأسباب متعددة منها انقضاء الأجل المحدد له وعدم الاستعمال وتغير وضع الأشياء وفقد الارتفاق منفعته للعقار المرتفق .
وحق الارتفاق حق غير قابل للتجزئة : فإذا جزئ العقار المرتفق بقى الارتفاق مستحقاً لكل جزء منه م 1024 / 1 مدني وإذا جزئ العقار المرتفق به بقى الارتفاق واقعاً على كل جزء منه م 1025 / 1 مدنى وإذا كان هناك عقار مملوك على الشيوع لعدة أشخاص لم يجز ترتيب حق ارتفاق على جزء شائع من هذا العقار أو لمصلحة جزء شائع منه بل يكون حق الارتفاق مترتباً على العقار الشائع في مجموعه أو لصالح كل العقار الشائع ويجب لذلك إنفاق جميع الملاك على الشيوع .
ينص الشطر الأخير من المادة 1015 مدنى على ما يأتى :
يجوز أن يترتب الارتفاق على مال عام إن كان لا يتعارض مع الاستعمال الذي خصص له هذا المال .
وقدمنا عند الكلام فى الدومين العام أن هذا المال لا يجوز التصرف فيه بما يتعارض مع المنفعة العامة التي تخصص لها فلا يجوز للشخص الإداري أن يبيع المال العام أو أن يرهنه أو أن يجري فيه أي تصرف يتعارض مع تخصيصه فإن مثل هذا التصرف من شأنه أن يزيل ملكية الشخص الإداري للمال العام فلا يستطيع بعد ذلك متابعة تخصيصه للمنفعة العامة على أن هناك أنواعاً من التصرف تلائم الأموال العامة وهذه غير ممنوعة لأنها لا تتعارض مع تخصيص المال للمنفعة العامة وهذه غير ممنوعة لأنها لا تتعارض مع تخصيص المال للمنفعة العامة من ذلك منح التزام بمرفق عام فهذا تصرف يرد على مال عام وهو جائز لملاءمته لطبيعة المرفق العام كذلك هناك أموال مخصصة للمنفعة العامة وهذا التخصيص في ذاته يقتضي استغلال الدولة لها وذلك كالسكك الحديدية وخطوط التلغراف والتليفون فإن تخصيص هذه الأشياء للمنفعة العامة يكون في صورة استغلال يعود عادة بربح على الدولة .
ونضيف هنا أنه يجوز ترتيب حق ارتفاق على المال العام إن كان ترتيب هذا الحق لا يتعارض مع الاستعمال الذي خصص له هذا المال وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 1015 مدني سالفة الذكر ويجب التمييز هنا بين فروض ثلاثة : أن يكون التكليف المراد تقريره على المال العام متعارضاً مع المنفعة العامة التي خصص لها هذا المال كأن يترتب لدار مجاورة لحديقة عامة حق ارتفاق في إقامة أكشاك أو وضع مقاعد خشبية تختص بها الدار مثل هذا الارتفاق لا يجوز ترتيبه على المال العام لأنه يتعارض مع المنفعة العامة التي خصصت لها الحديقة فهى حديقة أعدت للجمهور دون تمييز بين طائفة وأخرى أن يكون التكليف المراد تقريره على المال العام مطابقاً للمنفعة العامة التي خصص لها هذا المال ومثل هذا الارتفاق لاشك في جواز ترتيبه على المال العام من ذلك ما يسمى في الفقه الإداري بمنافذ التطرق وهى منافع تعود على الأملاك المجاورة للطرق العامة بسبب هذا الجوار وتشمل المطل والمسيل والنفاذ ومن ذلك أيضاً ارتفاقات الري المترتبة على الترع العامة والمصارف العامة فهى ارتفاقات مطابقة للمنفعة العامة التي خصصت لها هذه الترع والمصارف أن يكون التكليف المراد تقريره على المال العام ليس متعارضاً مع المنفعة العامة التي خصص لها هذا المال وفي هذا الفرض كما في الفرض السابق يجوز ترتيب حق الارتفاق على المال العام من ذلك أن يحصل مالك الدار على ممر تحت الطريق العام للوصول إلى داره وأن يحصل مالك الأرض التي يفصل بين أجزائها ترعة أو سكة حديدية على حق المرور على الكوبري المقام على الترعة أو على المزلقان " الذى يخترق السكة الحديدية وأن يحصل مالك المقهى المجاور للطريق العام على حق وضع كراسي ملاصقة لمقهاه فوق الرصيف وأن يحصل مالك المبنى المجاور لساحل البحر على حق وضع كشك للاستحمام على هذا الساحل. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع المجلد / الثاني، الصفحة/ 1726)
حق الارتفاق هو حق عيني عقاري يترتب لمصلحة عقار على عقار آخر أو العقار الخادم وينصرف ويسمى العقار الأول العقار المرتفق أو العقار المخدوم ويسمى الثاني العقار المرتفق به حق الارتفاق إلى الحق في المرور أو الشرب أو المسيل ويتبع حتى الارتفاق العقار المرتفق ويكون من ملحقاته عند التصرف فيه فيتقل معه إلى المنصرف إليه بدون حاجة إلى ذكره في العقد ولا يقبل الانقسام إذا تم التصرف في العقار المرتفق على أجزاء أو إذا أصبح هذا العقار مملوكاً على الشروع لعدة أشخاص فيظل الارتفاق على ما كان عليه ويمتنع على الملاك الجدد بعقار المرتفق طلب قمة الارتفاق فيما بينهم إذ تأبى طبيعته الانقسام لانتفاء ذلك مع الانتفاع المرجو منه.
ويجوز أن يترتب الاتفاق على مال عام إن كان لا يتعارض مع الإستعمال الذي خصص له هذا المال ولكنه في هذه الحالة لا يكتسب بالتقادم مهما طال عليه من زمن.
يدل ذلك على أن حق الإرتفاق يتقرر لمصلحة عقار على آخر فيخدم أحد العقارين العقار الآخر ومن ثم يكون حق الارتفاق دائماً حقاً عينياً عقارياً فالعقار المحبوس عن الطريق العام يتطلب ممراً يصله بالطريق العام ويتحقق ذلك بتقرير حق ارتفاق بالمرور لمصلحة العقار المحبوس على العقار المجاور المتصل بالطريق العام وينشأ هذا الحق بتصرف قانوني أو بالتقادم عندما تستمر حيازة هذا الممر خمس عشرة سنة حيازة مستوفية شروطها القانونية فينشأ ارتفاق بالمرور لمصلحة العقار المحبوس فإن لم يكن العقار محبوساً فإن مرور مالكه عبر عقار جاره قد يكون من قبيل التسامح تيسيراً له فيكون المرور في هذه الحالة مقرراً لمصلحة الجار التيسير عليه فإن استند هذا المرور إلى عقد أبرمه الجاران فلا يترتب عليه إلا التزامات شخصية توجب السماح بهذا المرور وعدم التعرض فيه وعلى الطرف الآخر الوفاء بالمقابل المتفق عليه فلا يترتب على ذلك نشوء حق ارتفاق وإنما حقوق شخصية بين المتعاقدين .
قد يسمح مالك الأرض لجاره بالمرور عبر أرضه من مكان معين وذلك على سبيل التسامح فيكون ذلك بمثابة رخصة للجار بالمرور ومن ثم فإن الجار لا يكتسب بهذا المرور حق ارتفاق على أرض جاره مهما انقضى من زمن لأن أعمال التسامح لا تكسب حقاً فإن انتفت هذه الأعمال جاز للجار إكساب حق ارتفاق بالمرور بالتقادم متى توافرت شروطه.
أما الرخصة فهي السماح ولو ضمنياً لشخص باستعمال جزء من عقار فني المثال المتقدم يلزم تقرير حق ارتفاق أما إن كان العقار غير محبوس عن الطريق العام أو كان محبوساً ثم تقرر لمصلحته ارتفاق بالمر فأصبح غير محبوس فإن لجوء مالكه أو أحد المنتفعين به بعد ذلك إلى المرور من مكان آخر غير الذي تحدد فيه حق الارتفاق للوصول إلى الطريق العام هو من قبيل الرخصة لأن الوصول إلى الطريق العام كان ممكناً عن طريق آخر ويترتب على ذلك أن رخصة أولاً تكسب حقاً مهما طال عليها من زمن إذ أن الرخص لا يرد عليها التقادم ويكون لمن سمح لشخص بالمرور عبر أرضه أن يمنعه من ذلك في أي وقت دون مسئولية عليه.
حق الارتفاق وحق الاستعمال حقاً من الحقوق العينية و يتقرر حق الارتفاق المصلحة عقار على عقار آخر كالارتفاق بالمطل والمرور وبالشراب والمسيل فيرجع الالتزام المثقل به العقار الخادم إلى حق تقرر قانوناً أو اتفاقاً لمصلحة العقار المخدوم دون اعتداد بالاشخاص المالكين للعقار لأن الحق المقرر هنا هو حق عیني مقرر على عقار لمصلحة عقار.
أما حق الاستعمال فهو أيضاً حق عیني لوروده على عين معينة بالذات سواء كانت منقولاً أو عقاراً ولكن المنفعة فهی لشخص وليست لعقار .
حق الارتفاق و القيد الوارد على الملكية :
حق الارتفاق حق عینی مقرر لمصلحة عقار حتى يمكن الانتفاع به على الوجه الأكمل فقد يحرم من اتصاله بطريق عام على نحو يتمكن معه صاحب العقار من المرور بسيارات نقل في حين يمكنه المرور بدويه فيتعاقد مع جاره على أن يخصص له طريقاً يسمح بمرور هذه السيارات حتى يمكن استغلال العقار وفقاً لا يتطلبه النشاط الذي خصص له فإذا ما تم الاتفاق نشأ حق ارتفاق بالمرور أما إذا كان العقار الذي تقرر له هذا الحق محبوساً تماماً عن الطريق العام فإن القانون يخول صاحبه حتى المرور بأرض جاره على النحو الذي يتفق وطبيعة هذه الأرض وفقاً لاستغلال العادي والمألوف لها وليس وفقاً لأغراض أخرى تتنافى مع هذه الطبيعة وتخرج بالقيد القانوني الوارد على الملكية عن أحكامه وتجعل منه حق ارتفاق.
إذ أن حق الارتفاق كما سبق البيان هو حق عيني يترتب لمصلحة عقار على عقار آخر فالعقار المحبوس من جميع الجهات عن الطريق العام يتقرر له حق ارتفاق على أحد العقارات المجاورة ويكون الارتفاق في هذه الحالة هو ارتفاق بالمرور مقرر لمصلحة العقار المحبوس على العقار الآخر.
فالقيد الوارد على الملكية مصدره القانون فهو ينشأ فور تحقق شروطه ولا يخضع بالتالي لإجراءات الشهر أما حق الارتفاق فمصدره الاتفاق ومن ثم فلا ينشأ فيما بين المتعاقدين ولا بالنسبة للغير إلا إذا شير بطريق التسجيل وقد يكتسب حق الارتفاق بالتقادم والتقادم واقعة مادية لا تخضع للشهر.
الارتفاقات الإيجابية والسلبية :
وتوجد ارتفاقات أخرى إيجابية كارنفاق اغتران المياه ورعي المواشي واستخراج الأحجار ومسيل مياه الأمطار والمياه المنزلية والميازيب وإلقاء القمامة والاحتطاب ووضع عوارض خشبية على الحائط الفاصل باختراق عقار الجار لإصلاح منزل أو حائط ملاصق وغير ذلك من الارتفاقات كما توجد ارتفاقات سلبية كعلم البناء وعدم تعلية البناء وعدم البناء بما يجاوز رقعة معينة والرؤية.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع عشر ، الصفحة/ 278)
عرفت المادة حق الارتفاق بأنه حق يحد من منفعة عقار لفائدة عقار غيره يملكه شخص آخر أي هو خدمة مقررة لعقار على عقار آخر مملوك للغير.
ويسمى العقار المقرر لفائدته هذا الحق العقار المرتفق أو المخدوم ویسمی العقار المقرر عليه التكليف العقار المرتفق به أو الخادم ومضمون الارتفاق أن يكون المالك العقار المرتفق أن يستعمل العقار المرتفق به على نحو معين أو أن يمنع صاحب العقار المرتفق به من استعمال بعض سلطاته.
والارتفاقات تختلف فيما بينها من حيث موضوعها وتكون غالباً مما نص عليه في القيود القانونية التي ترد على حق الملكية كحق شرب أو مجرى أو مطل أو مرور أو غير ذلك ومن أجل ذلك سميت هذه القيود بحقوق الارتفاق القانونية.
فمن شأن الارتفاق إذن الحد من منفعة العقار الخادم ولذلك يترتب عليه إنقاص من قيمته ومن شأنه من ناحية أخرى جلب فائدة للعقار المخدوم ولذلك فهو يزيد من قيمته.
يجب أن يتوافر في حق الإرتفاق الشروط الأربعة الآتية :
الشرط الأول :
أن يوجد عقاران :
يفترض الارتفاق وجود عقارين يتقرر على أحدهما وهو العقار الخادم أو المرتفق به خدمة للعقار للأخر وهو العقار المخدوم أو المرتفق .
ويجب أن يكون العقاران الخادم والمخدوم من العقارات بطبيعتها من أرض وبناء فقط .
ولا يهم أن يكون العقاران في المدن أو القري .
ولا يشترط أن يكون العقاران متلاصقين وإن كان هذا هو الغالب، فالجوار أو التلاصق ليسا شرطين لازمين لوجود الارتفاق ولذلك فإنه من الجائز أن يتقرر حق الارتفاق على عقار لمصلحة عقار بعيد عنه كارتفاق المجرى وحق الشرب وحق اعتراف المياه.
الشرط الثاني
أن يكون العقاران مملوكين لشخصين مختلفين :
الارتفاق هو حق عيني مقرر على مال الغير ولذلك يجب أن يكون العقار المرتفق مملوكا لغير صاحب العقار المرتفق به فالإنسان لا يكون له ارتفاق على شئ يملكه.
فإذا استعمل المالك أحد عقاراته لخدمة عقار آخر يملكه فهو لا ينشئ بهذا حق ارتفاق لأحدهما على الآخر وإنما هو يفعل ذلك بمقتضى ما له من حق ملكيته على العقار يخوله استعماله على النحو الذي يراه غير أنه يصح أن يكون هناك عقاران مملوكان لشخص واحد وقد خصص المالك أحد العقارين التقديم فائدة للعقار الأخر ولكن تقاضي هذه الفائدة لا يكون استعمالا لحق ارتفاق وإنما هو استعمال لحق الملكية ما دام العقاران مملوكين لشخص واحد.
أما إذا انفصلت ملكية هذين العقارين وأصبح كل منهما مملوكا لشخص غير مالك العقار الآخر فهنا يقوم حق ارتفاق بين العقارين ويترتب حق الارتفاق في هذه الحالة بتخصيص المالك الأصلي كما سنرى (م 1017 مدني).
وإذا كان المالك في عقار على الشيوع مالكاً ملكية مفرزة لعقار آخر جاز أن يتحمل أي من العقارين بارتفاق لصالح الآخر لاختلاف المالكين .
الشرط الثالث: أن يكون التكليف واقعاً على العقار لا مفروضاً على الشخص :
يشترط لوجود حق الارتفاق أن يكون التكليف الناشئ منه مقرراً على العقار نفسه لا على الشخص فمالك العقار الخادم لا يلتزم أن يؤدي عملاً ما لصالح العقار المخدوم أما إذا كان محل الحق عملاً يؤديه الشخص لم نكن بصدد حق ارتفاق وإنما كنا بصدد حق شخصي أي التزام.
ولما كانت المنفعة تتقرر لصالح العقار المخدوم نفسه لا لصالح مالك العقار فإنها تظل ملازمة له حتى ولو تغير مالكه.
فالإرتفاق هو كالانتفاع من الحقوق المتفرعة عن حق الملكية ولذلك فهو يقع مباشرة على الشيء ولا يصح أن يكون محله عملاً يؤديه المالك.
ولهذا نجد نوعين من الارتفاقات : ارتفاقات إيجابية وهي التي تخول صاحبها القيام بعمل على عقار الغير كالمجري أو المرور وهذه لا تلزم مالك العقار الخادم إلا بترك المنتفع بالارتفاق يقوم بهذه الأعمال على عقاره وارتفاقات سلبية توجب على صاحب العقار الخادم الامتناع عن استعمال ملكه على نحو معين كالإرتفاق بعدم البناء أو بعدم التعلية ولكن لا يمكن تصور حق ارتفاق يكون محله عملاً يقوم به مالك العقار.
الشرط الرابع:
أن يكون التكليف مقرراً لصالح العقار لا الشخص :
يشترط أن يكون التكليف مرتباً لمنفعة العقار المرتفق وهذه المنفعة قد تكون إيجابية كحق المرور وقد تكون سلبية كارتفاق علم البناء.
ويترتب على هذا الشرط نتيجتان :
1 - أن مزية الارتفاق باعتبارها متعلقة بالعقار المرتفق تظل ملازمة له وتنتقل معه مهما انتقلت ملكيته من شخص إلى آخر فكل من ملك العقار المرتفق أو ترتب له حق انتفاع عليه جاز له الاستفادة من حقوق الارتفاق المقررة للعقار فهو يمثل اقتصادياً زيادة في قيمة العقار المرتفق يفيد منها كل مالك له.
2 - أن المنفعة الناجمة عن الارتفاق يجب أن تكون مسخرة للعقار المرتفق لا لشخص مالكه ولئن أفاد هذا الأخير من الارتفاق من حيث المآل فإنه يفيد منه باعتباره مالكاً للعقار لا باعتبار الارتفاق تكليفاً مسخراً لشخصه ولذلك فهذه الإفادة تثبت لكل مالك لهذا العقار.
فإذا منح مالك عقار جاره حق التنزه في أرضه أو قطف الأزهار منها أو حق الصيد منها أو حق الرعي فإن هذا لا يعد حق ارتفاق لأنه مسخر لمنفعة الجار الشخصية لا لمنفعة عقاره.
غير أن الاتفاق يكون منشئاً لحق ارتفاق إذا كانت الخدمة متصلة اتصالاً مباشراً وثيقاً بطريقة استعمال العقار المخدوم واستغلاله كما لو اتفق صاحب مصنع مع مالك منجم مجاور على أن يكون له الحق في أن يأخذ من المنجم المواد الخام التي يحتاج إليها وعلى الخصوص مواد الوقود لأن حق أخذه هذه المواد لا يفيد من تقررله إلا بصفته صاحب مصنع يحتاج إلى استعمال هذه المواد فنحن هنا بصدد خدمة أو فائدة مقررة للعقار وليست خدمة لشخص المالك.
ومثل ذلك أيضاً نقل القوة المائية الناتجة من مسقط مياه بعد تحويلها إلى قوة كهربائية يجوز أن يكون محلاً لحق ارتفاق لصالح مصنع مجاور مهما تكن الطريقة التي تنقل بها هذه القوة.
وكذلك إذا كان العقار فندقاً وترتب له حق إيداع سيارات نزلائه في حظيرة موجودة بأرض جاره فإن هذا الحق يمكن أن يعتبر حق ارتفاق حيث أن المنفعة هنا منفعة عينية مقرره للعقار باعتباره فندقاً وليست مقررة لصاحبه وقد أورد المشرع - كما سنرى - تطبيقاً تشريعياً لذلك فنصت المادة 1018 / 1 مدني على أنه إذا فرضت قيود معينة تحد من حق مالك العقار في البناء عليه كيف شاء كأن يمنع من تجاوز حد معين في الإرتفاع بالبناء أو في مساحة رقعته فإن هذه القيود تكون حقوق ارتفاق على هذا العقار لفائدة العقارات التي فرضت لمصلحتها هذه القيود هذا ما لم يكن هناك اتفاق يقضي بغيره .
وتفهم كلمة فائدة الواردة بالنص بمعناها الأعم فتشمل كل خدمة حالية أو مستقبلة تعود على العقار فيجوز الاتفاق أثناء بناء منزل على تقرير ارتقاق كحق مطل لمصلحة هذا المنزل .
ويصح أن تكون الفائدة احتمالية فيكون صحيحاً الاتفاق الذي يقرر حق ارتفاق لفائدة عقار لم يشيد بعد أو لمصلحة عقار ينوي شخص شراؤها .
يتميز حق الارتفاق بالخصائص الآتية :
أنه حق عيني عقاري :
فهو حق عيني لأن محله شئ من الأشياء وليس عملاً أو امتناعاً عن عمل وهو حق عقاري لأنه لا يرد إلا على العقارات.
وهو بذلك يختلف عن حق الانتفاع الذي يرد على العقارات والمنقولات ولصاحب حق الارتفاق سلطة على العقار الخادم يحتج بها قبل جميع من تنتقل إليهم ملكية هذا العقار.
أنه حق تابع :
حق الارتفاق ليس حقاً قائماً بذاته بل هو حق تابع للعقار المرتفق بحيث لا يمكن فصله عنه فينتقل معه كلما انتقلت ملكيته من شخص لآخر سواء كان ذلك بمقابل كالبيع والمقايضة أو بدون مقابل كالهبة والوصية.
كذلك إذا ترتب على العقار حق انتفاع أو حق استعمال أو حق سكن فإن هذا الحق لا يخل بحق الإرتفاق.
وليس لمالك العقار المرتفق أن يلحق الارتفاق بعقار آخر أو أن يتصرف فيه من غير العقار كما أنه لا يجوز لمالك العقار المقرر عليه الارتقاق أن ينقل الارتفاق إلى عقار آخر.
ولكن يصح للمالك تغيير محل الارتفاق إذا كان هذا التغيير ألا يجعل استعمال حق الارتفاق أشق على صاحب هذا الحق مما كان قبل التغيير (المادة 1023 مدني).
وبما أن حق الارتفاق لا يوجد من غير العقارين المرتفق والمرتفق به فلا يجوز بيعه أو إجارته أو رهنه أو حجزه مستقلاً فهو حق لا يجوز التصرف فيه للغير.
ولكن إذا كان العقار المقرر لمصلحته حق الارتفاق مرهوناً فإن الرهن يشمل حق الارتفاق باعتباره من ملحقات العقار .
كذلك إذا كان حق الارتفاق مقرراً لمصلحة عقار وحجز دائنوا المالك على هذا العقار فإن حق الارتفاق يدخل في الحجز فيباع مع العقار ولكن لا يمكن حجزه مستقلاً عن العقار كما تقدم ، ولا تكون حقوق الارتفاق محلاً لحق الامتياز.
وعلى ذلك فمالك العقار المرتفق به الذي يخول ارتفاقاً مقابل مبلغ من المال لا يكون ممتازاً بالمبلغ المستحق له إذا بيع العقار المرتفق.
أنه حق دائم :
الارتفاق حق دائم مثل الملكية المتعلق بها وهذه نتيجة كونه حقاً تابعاً ويختلف الارتفاق بهذا عن جميع الحقوق العينية التي تتفرع عن الملكية .
غير أن الدوام إذا كن من طبيعة الارتفاق إلا أنه ليس مع ذلك من مستلزماته ويجوز من ثم الاتفاق على تحديد حق ارتفاق بمدة معينة إنما لا يجوز لصاحب العقار المرتفق به وفي مقابل تقدمة مالية التخلص منه دون رضاء مالك العقار المرتفق .
كما يمكن أن ينتهي حق الارتفاق بأسباب أخرى منها انقضاء الأجل المحدد له وعدم الاستعمال وتغير وضع الأشياء وفقد الارتفاق منفعته للعقار المرتفق .
أنه حق غير قابل للتجزئة :
حق الارتفاق غير قابل للتجزئة ولهذه الخاصية معنى مزدوج :
(أ) فهو يعني أولاً أن الارتفاق يرتب لمنفعة كل جزء من أجزاء العقار المرتفق ويترتب على كل جزء من أجزاء العقار المرتفق به وعلى ذلك فلا يجوز إنشاؤه على حصة شائعة ولا لمنفعة حصة شائعة في عقار مشترك وإذا كان مقرراً على عقار مشترك فلا يقع على حصة دون أخرى من ذلك العقار بل يقع على العقار كله.
(ب) أنه إذا جزى العقار المرتفق بقى حق الارتفاق لكل جزء من أجزائه دون أن يزيد العبء من جراء ذلك على العقار المرتفق به وأن العقار المرتفق به إذا جزى بقى الارتفاق بكامله جاثماً على كل جزء من أجزائه كما لو كان العقار المرتفق به مثقلاً بعدم البناء وانتقل إلى عدة ورثة واقتسموه فإن حصة كل شريك من الشركاء تظل مثقلة بهذا الحق بالرغم من فرزها .
وإذا كانت هذه هي القاعدة إلا أنه عند تجزئة العقار قد يبدو أن الارتفاق لا يفيد إلا جزءاً معيناً منه أو أنه لا يستعمل إلا على بعض أجزائه ولذلك فإنه من المنطقي القول بتجزئة الارتفاق في هاتين الحالتين أي بحصره في أجزاء دون أجزاء وهو ما تنبه له المشرع في المادتين 1024 ، 1025 مدني.
ومفاد هذا أن الارتفاق لا يرد إلا على عقار.
ومن ثم لا يرد الارتفاق على المنقول.
ولما كان استعمال حق الارتفاق هو عن طريق القيام بأعمال مادية فإن العقار الذي يصلح أن يكون محلاً لذلك يجب أن يكون عقاراً بطبيعته .
والعقار بطبيعته الذي يصلح لأن يرد الارتفاق عليه أو يتقرر لفائدته هو الأرض والمباني والمنشآت.
فالأرض سواء كانت زراعية أو أرض فضاء في المدن أو القرى تصلح أن تكون محلاً لحق الارتفاق.
والمباني والمنشآت تصلح أيضاً أن تكون محلاً للارتفاق لأنها عقار بطبيعته لإندماجها في الأرض ولا تصبح عقاراً إلا إذا شيدت فاندمجت في الأرض وأصبحت ثابتة مستقرة فلا يمكن تحويلها أو نقلها إلا إذا هدمت ويشمل ذلك المساكن والمكاتب والحوانيت والقناطر والسدود والخزانات .
أما الأشجار ولو أنها عقاراً بطبيعته إلا أنها ليست دائمة بطبيعتها ولا يمكن أن يرتكز عليها حق الارتفاق الذي هو دائم بطبيعته .
وينبني على ما تقدم أن الارتفاق لا يتقرر على العقارات بالتخصيص لأن العقارات بالتخصيص هي بطبيعتها أشياء منقولة وإنما اكتسبت صفة العقار افتراضاً بالتبعية بحكم كونها مخصصة لخدمة عقار.
ولا يمكن أن يتقرر الارتفاق على الأموال العقارية أي الحقوق العقارية كحق الانتفاع والرهن الرسمي وكحق الارتفاق ذاته فلا يصلح أن يكون محلاً لحق ارتفاق آخر يترتب عليه لأن طبيعة الارتفاق تقتضي لاستعماله القيام بأعمال مادية لا يمكن أن تتصور إلا بالنسبة للعقارات المادية أي الأشياء العقارية دون الحق.
ترتيب الارتفاق على المال العام إذا كان لا يتعارض مع الاستعمال الذي خصص له :
الأصل أنه يجب في العقار الذي يرد عليه حق الارتفاق أن يكون قابلاً للتعامل غير أن المادة 1015 مدني نصت في عجزها على أن يجوز أن يترتب الارتفاق على مال عام إن كان لا يتعارض مع الاستعمال الذي خصص له هذا المال فإذا كان الارتفاق لا يتعارض مع الاستعمال الذي خصص له المال العام فإنه يجوز ترتيب حق ارتفاق عليه.
ويجب هنا التفرقة بين فروض ثلاثة :
1- أن يكون التكليف المراد تقريره على العقار المعتبر من الأموال العامة لمصلحة عقار مجاور يخالف تخصيص العقار الأول أي لا يتفق مع الاستعمال الذي أعد له فإنه لا يمكن تقرير حق الارتفاق عليه.
فالمالك المجاور للطريق العام أو الميدان العام لا يستطيع اكتساب الحق في أن تكون له أكشاك أو أرائك أو مجرى ماء.
وإنه وإن كان للحكومة أن تسمح ببعض أعمال الاستعمال فإن لها أن تقف هذه الأعمال بدون أن يكون للمالك الذي يجريها حق طلب ثمة تعويض.
2 - أن يكون التكليف المراد تقريره على المال العام متفقاً مع تخصيص العقار فإنه يجوز ترتيب هذا الارتفاق ومثل ذلك أن يفتح الجار نوافذ أو أبواب على الطريق العام وكارتفاقات الري المترتبة على الترع والمصارف العامة وحق الشرب والمسيل للأراضي الزراعية المجاورة للترع العامة والمصارف العامة.
3- أن يكون التكليف المراد تقريره على المال العام ليس مطابقاً لتخصيص العقار الداخل في الملك العام ولكنه لا يتعارض مع هذا التخصيص ومثل ذلك أن يحصل مالك الدار على ممر تحت الطريق العام للوصول إلى داره وأن يحصل مالك المقهى المجاورة للطريق العام على حق وضع كراسي ملاصقة المقهى فوق الرصيف .
الأثر المترتب على ترتيب حق الارتفاق في الحالتين الثانية والثالثة :
التكليف الذي يترتب على العقار المعتبر من الأموال العامة في الحالتين الثانية والثالثة سالفتي الذكر بالبند السابق هو حق ارتفاق إداري عملاً بنص المادة ولأصحاب حقوق الارتفاق الإدارية هذه أن يحتجوا بها على الغير عن طريق دعوى الإقرار بالحق ولهم رفع دعاوى الحيازة والمطالبة بالتعويض على أساس المسئولية التقصيرية أو بموجب الإدعاء مدنياً في دعوى مخالفات الطريق العام أو برفع دعوى المخالفة المباشرة.
غير أنه لما كان للحكومة الحق دائماً في تغيير حالة الأمكنة وإزالة صفة الملك العام عن الطرق فإن ذلك يؤدي ولا محالة إلى زوال حق الملاك أصحاب الارتفاقات على الملك العام طالما يتفق ذلك والمصلحة العامة.
غير أنه يجب في حالة إنهاء الحكومة للارتفاق أن تعوض صاحب حق الارتفاق.
كما يجوز للحكومة إذا أنهت تخصيص الطريق العام المنفعة العامة أن تلزم المشتري باحترام حقوق الارتفاق التي ترتبت على الطريق أو بتعويض أصحابها.
ويجب إذا ألغت الحكومة التخصيص للمنفعة العامة ألا ينطوي ذلك على مخالفة للقانون أو تعسف في استعمال السلطة.
أقسام حقوق الارتفاق :
تنقسم حقوق الارتفاق إلى ثلاثة أقسام هي :
القسم الأول : الارتفاقات المستمرة وغير المستمرة
يكون الارتفاق مستمراً إذا كان من الممكن أن يستمر استعماله دون تدخل الإنسان.
ومنها ما لا يحتاج إلى تدخل الإنسان أصلاً مثل الارتفاق بعدم التعلية أو الارتفاق بعدم البناء وهو ارتفاق سلبي كما سنري.
ومنها ما يحتاج إلى القيام ببعض الأعمال إلا أنها متى أنشئت هذه الأعمال أمكن استعمال حق الارتفاق دون تدخل الإنسان ومثال هذه الارتفاقات المطلات فكل ما تستلزمه المطلات هو إقامة فتحاتها فقط أما استعمالها فلا يستلزم تدخل صاحب العقار المرتفق.
وأيضا حق المجرى وهو جلب المياه اللازمة للري من قناة تمر في أرض الغير فمتى أنشئت القناة استطاع صاحب العقار المرتفق أن يستفيد من الارتفاق دون حاجة إلى عمل جديد متكرر.
أما حقوق الارتفاق غير المستمرة فهي التي يلزم لاستعمالها عمل الإنسان أي التدخل الحالي للإنسان بأعمال متوالية من جانب مالك العقار المرتفق ومثال ذلك حق المرور فلا يتصور الإفادة من الارتفاق إلا بمرور الإنسان على العقار المقرر عليه الارتفاق وأيضاً حق اعتراف المياه إذ يقتضي قيام المالك بعمل إيجابي هو اغتراف المياه وحق الشرب إذ يقتضي قيام المالك بالحصول على المياه .
فالفكرة الجوهرية في التمييز بين الارتفاقات المستمرة وغير المستمرة ليست في استمرار الحق بما لهذا اللفظ من معنى معروف ولكنها تدور حول ضرورة تدخل الإنسان الاستعمال الارتفاق أو عدم ضرورة ذلك وتظهر أهمية هذا التقسيم فيما يتعلق باحتساب مدة التقادم المسقط عند انتهاء حق الارتفاق بعدم الاستعمال فسنرى أن مدة السقوط بالنسبة لحق الارتفاق غير المستمر تبدأ في السريان من آخر وقت قام فيه صاحب العقار المرتفق بعمل من أعمال استعمال الارتفاق ذلك أن هذا النوع من حقوق الارتفاق يستلزم لاستعماله كما ذكرنا تدخلاً مستمراً من جانب المستفيد منه في كل مرة يريد فيها استعمال الارتفاق أما الارتفاق المستمر فإن مدة سقوطه بعدم الإستعمال لا تبدأ في السريان إلا من اليوم الذي يمنع فيه صاحبه من استعماله بعمل مضاد يقوم به صاحب العقار المرفق.
القسم الثاني : الارتفاقات الظاهرة و الارتفاقات غير الظاهرة
تقسم الارتفاقات إلى ارتفاقات ظاهرة وارتفاقات غير ظاهرة.
وحقوق الارتفاق الظاهرة هي التي يكون لها مظهر مادي خارجي بدل على وجودها أي يكون لها علامة ظاهرة تدل على وجود حق الارتفاق.
فحقوق الارتفاق الظاهرة هي التي يتوافر فيها شرط الإعلان الذي يتطلبه وضع اليد فيجب أن يظهر حق الارتفاق لمالك العقار المرتفق به وأن يعلن بطريقة محققة لا لبس فيها وجود هذا الارتفاق.
والعلامة في الارتفاق الظاهر قد تكون بالعقار المرتفق به كما هو الحال في حق المرور إذا دل عليه تخطيط الطريق أما إذا لم يكن الطريق مخططاً فإن حق المرور يكون ارتفاقاً غير ظاهراً ، أو تكون العلامة نافذة مفتوحة في بناء كما لو قام مالك بناء بفتح نافذة فيه تطل على بناء مملوك لآخر دون ترك المسافة القانونية مما يوحي بوجود حق ارتفاق بالمطل.
والعلامة في الارتفاق الظاهر قد تكون بالعقار المرتفق إذا كانت واضحة لمالك العقار المرتفق به.
ويجب أن يكون مالك أحد العقارين هو الذي أقام هذه العلامة فإذا أقامها شخص غيرهما دون تفويض منهما كمستأجر مثلاً فلا نكون بصدد علامة ظاهرة.
أما ظهور الارتفاق في سند مسجل فلا يكفي لجعله ظاهراً بهذا المعنى.
أما حقوق الارتفاق غير الظاهرة فهي التي لا يكون لها مظهر مادي خارجي يدل على وجودها فلا يكون لها ثمة علامة تميزها.
ومثل ذلك الارتفاق بعدم البناء أو علم التعلية عن ارتفاع معين وبصفة عامة جميع حقوق الارتفاق السلبية.
ولئن كان الاستمرار أو عدم الاستمرار بالنسبة إلى كل ارتفاق صفة غير متغيرة تعين له مكاناً ثابتاً فإن الحال بخلاف ذلك بالنسبة إلى الظهور وعدمه فنفس الارتفاق قد يكون تارة ظاهراً وتارة غير ظاهر فمثلاً حق المجرى الذي يستعمل بواسطة أنابيب موضوعة على سطح الأرض يكون ظاهراً في حين أن الأنابيب إذا دفنت في الأرض فإن ذلك يجعله غير ظاهر.
وحق المرور يكون ظاهراً إذا دل على وجوده طريق من الحجر أو ممر مخطط أو باب ويكون غير ظاهر إذا لم يوجد أثر يدل عليه .
التقسيمان السابقان متداخلان وإن كان كل منهما متميزاً عن الآخر فالإرتفاق المستمر قد يكون ظاهراً وقد يكون غير ظاهر ، فمثلاً الارتفاق بالمطل المنشأ في غير المسافة القانونية هو ارتفاق مستمر وظاهر في ذات الوقت لأنه لا يستلزم تدخلاً من الإنسان لاستعماله ولأنه ظاهر بعلامة مادية هي النافذة وارتفاق المجرى بأنابيب غير ظاهرة هو ارتفاق مستمر غير ظاهر وبالمثل فإن الارتفاق غير المستمر قد يكون ظاهراً وقد يكون غير ظاهر كما رأينا بالنسبة لحق المرور .
القسم الثالث : الارتفاقات الإيجابية و الارتفاقات السلبية :
حقوق الارتفاق الإيجابية هي تلك التي تمنح أصحابها الحق في إجراء أفعال على العقار المقررة عليه مما تدخل عادة ضمن حق المالك في استعمال الشيء أو استغلاله مثل حق المرور وحق المرعي وحق اعتراف المياه.
أما حقوق الارتفاق السلبية فهي التي لا تسمح لأصحابها بإجراء أعمال مباشرة بل تمنع مالك العقار المقررة عليه من الحق في إجراء بعض الأعمال مثل عدم فتح مناور أو مطلات على العقار المجاور أو عدم البناء أو عدم التعلية أكثر من ارتفاع معين .
وكل حقوق الارتفاق السلبية مستمرة وغير ظاهرة .
القسم الرابع : الارتفاقات القانونية والاتفاقات الاتفاقية : (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع عشر ، الصفحة/ 142)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث ، الصفحة / 9
ارْتِفَاقٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - مِنْ مَعَانِي الاِرْتِفَاقِ لُغَةً: الاِتِّكَاءُ. وَارْتَفَقَ بِالشَّيْءِ انْتَفَعَ بِهِ. وَمَرَافِقُ الدَّارِ: مَصَابُّ الْمَاءِ وَنَحْوُهَا، كَالْمَطْبَخِ وَالْكَنِيفِ
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ حَقٌّ مُقَرَّرٌ عَلَى عَقَارٍ لِمَنْفَعَةِ عَقَارٍ آخَرَ. وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ تَحْصِيلُ مَنَافِعَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَقَارِ فَالاِرْتِفَاقُ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّهُ يَشْمَلُ انْتِفَاعَ الشَّخْصِ بِالْعَقَارِ فَضْلاً عَنِ انْتِفَاعِ الْعَقَارِ بِالْعَقَارِ.
وَاَلَّذِي يُسْتَفَادُ مِمَّا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي صُوَرِ الاِرْتِفَاقِ أَنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ مَعَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِخْتِصَاصُ:
2 - الاِخْتِصَاصُ: مَصْدَرٌ، اخْتَصَصْتُهُ بِالشَّيْءِ فَاخْتَصَّ هُوَ بِهِ وَمَتَى اخْتَصَّ شَخْصٌ بِشَيْءٍ فَقَدِ امْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ الاِنْتِفَاعُ بِهِ إِلاَّ بِإِذْنٍ مِنْهُ، فَالْفَرْقُ، عَدَا شَرْطِ الإْذْنِ، هُوَ أَنَّ الاِرْتِفَاقَ تُتَصَوَّرُ فِيهِ الْمُشَارَكَةُ فِي الاِنْتِفَاعِ، خِلاَفًا لِلاِخْتِصَاصِ، كَمَا أَنَّ الاِرْتِفَاقَ تَغْلِبُ عَلَيْهِ الدَّيْمُومَةُ، أَمَّا الاِخْتِصَاصُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ عَدَمُهَا.
ب - الْحِيَازَةُ أَوِ الْحَوْزُ:
3 - مِنْ مَعَانِي الْحِيَازَةِ أَوِ الْحَوْزِ لُغَةً: الْجَمْعُ وَالضَّمُّ.
وَاصْطِلاَحًا: وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَيْهِ.
ج - الْحُقُوقُ:
4 - الْحُقُوقُ جَمْعُ حَقٍّ، وَالْحَقُّ لُغَةً: الأْمْرُ الثَّابِتُ الْمَوْجُودُ. وَاصْطِلاَحًا يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ فِيمَا ثَبَتَ لإِنْسَانٍ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ مِنْ أَجْلِ صَالِحِهِ.
وَمِمَّا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقَارِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمَا يُذْكَرُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ مِنْ قَوْلِهِ بِحُقُوقِهِ وَمَرَافِقِهِ: فَحُقُوقُهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ وَطَرِيقِ غَيْرِهِ وِفَاقًا، وَمَرَافِقُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَنَافِعُ الدَّارِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمَرَافِقُ: هِيَ الْحُقُوق.
فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرَافِقُ وَالْحُقُوقُ سَوَاءٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَرَافِقُ أَعَمُّ، لأِنَّهَا تَوَابِعُ الدَّارِ مِمَّا يُرْتَفَقُ بِهِ، كَالْمُتَوَضِّئِ، وَالْمَطْبَخِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَحَقُّ الشَّيْءِ تَابِعٌ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ، كَالطَّرِيقِ وَالشُّرْبِ فَهُوَ أَخَصُّ.
صِفَتُهُ (الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ):
5 - الْحُكْمُ الأْصْلِيُّ لِلاِرْتِفَاقِ الإْبَاحَةُ، مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُرْتَفِقِ ضَرَرٌ، أَوْ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ، أَمَّا الإْرْفَاقُ فَهُوَ مَنْدُوبٌ لِحَضِّهِ عَلَيْهِ، حَيْثُ قَالَ: «لاَ يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» وَقَالَ صلي الله عليه وسلم «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ خَافَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».
أَنْوَاعُهُ مِنْ حَيْثُ قَابِلِيَّةُ رُجُوعِ الْمُرْفِقِ:
6 - الإْرْفَاقُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا بِزَمَنٍ كَسَنَةٍ، أَوْ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ إِلَى الأْبَدِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ اُتُّبِعَ، وَكَانَ لاَزِمًا لِلْمُرْفِقِ، لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الإْرْفَاقُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِأَجَلٍ، وَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ قَدْرُ مَا يُعَدُّ ارْتِفَاقًا بَيْنَ الْجِيرَانِ، بِأَنْ يَتْرُكَ مُدَّةً يَنْتَفِعُ فِيهَا عَادَةً أَمْثَالُهُ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الإْرْفَاقُ بِالْغَرْزِ، أَوْ فَتْحِ بَابٍ، أَوْ سَقْيِ مَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَإِعَادَةِ عَرْصَةٍ لِلْبِنَاءِ.
وَيَأْتِي تَفْصِيلُ أَحْكَامِ الرُّجُوعِ فِي (ف 24)
أَسْبَابُ الاِرْتِفَاقِ:
7 - يَنْشَأُ الاِرْتِفَاقُ عَنْ إِذْنِ الشَّارِعِ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلأْمْوَالِ الْعَامَّةِ، أَوِ الْمُبَاحَاتِ كَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَغَيْرِهِ، أَوْ إِذْنِ الْمَالِكِ بِالنِّسْبَةِ لِلأْمْوَالِ الْخَاصَّةِ، أَوْ بِاقْتِضَاءِ التَّصَرُّفِ بِثُبُوتِ الاِرْتِفَاقِ كَمَا فِي الإْجَارَةِ وَالْوَقْفِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطِ الاِنْتِفَاعَ بِحُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ، وَقَدْ يَثْبُتُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ دُونَ مَعْرِفَةِ سَبَبِ نُشُوئِهِ، وَذَلِكَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَلَيْهِ.
الاِرْتِفَاقُ بِالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ وَالأْوْلَوِيَّةُ فِيهِ:
8 - صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: يَجُوزُ الاِرْتِفَاقُ بِالْقُعُودِ فِي الْوَاسِعِ مِنَ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ وَالرِّحَابِ بَيْنَ الْعُمْرَانِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَضِيقُ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، لاِتِّفَاقِ أَهْلِ الأْمْصَارِ فِي جَمِيعِ الأْعْصَارِ عَلَى إِقْرَارِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَلأِنَّهُ ارْتِفَاقٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَالاِجْتِيَازِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي السَّابِقِ إِلَى دَكَاكِينِ السُّوقِ (أَيِ الأْمَاكِنِ الْمُعَدَّةِ لِلْبَاعَةِ غَيْرِ الدَّائِمِينَ) غَدْوَةً: فَهُوَ لَهُ إِلَى اللَّيْلِ. وَكَانَ هَذَا فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ فِيمَا مَضَى. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» وَلَهُ أَنْ يُظَلِّلَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لاَ ضَرَرَ فِيهِ... فَإِنْ قَامَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إِزَالَتُهُ، لأِنَّ يَدَ الأْوَّلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَلَ مَتَاعَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِ، لأِنَّ يَدَهُ قَدْ زَالَتْ، وَإِنْ قَعَدَ وَأَطَالَ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، لأِنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ، وَيَخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِيهِ فِيهِ غَيْرُهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لاَ يُزَالُ، لأِنَّهُ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ. وَإِنْ اسْتَبَقَ اثْنَانِ إِلَيْهِ احْتَمَلَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَدِّمَ الإْمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا. وَإِنْ كَانَ الْجَالِسُ يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْجُلُوسُ فِيهِ، وَلاَ يَحِلُّ لِلإْمَامِ تَمْكِينُهُ بِعِوَضٍ وَلاَ غَيْرِهِ.
وَبِنَحْوِ ذَلِكَ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ قَالَ الرَّمْلِيُّ: (وَمَنْ أَلِفَ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ النَّاسَ، أَوْ يُقْرِئُ فِيهِ قُرْآنًا، أَوْ عِلْمًا شَرْعِيًّا، أَوْ آلَةً لَهُ، أَوْ لِتَعَلُّمِ مَا ذُكِرَ كَسَمَاعِ دَرْسٍ بَيْنَ يَدَيْ مُدَرِّسٍ فَهُوَ كَالْجَالِسِ فِي الشَّارِعِ لِمُعَامَلَةٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يُفِيدَ أَوْ يَسْتَفِيدَ. بَلْ هُوَ أَوْلَى مِمَّنْ يَجْلِسُ فِي الشَّارِعِ لِمُعَامَلَةٍ، لأِنَّ لَهُ غَرَضًا فِي مُلاَزَمَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَأْلَفَهُ النَّاسُ. وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ وَطَنًا... مَخْصُوصٌ بِمَا عَدَا ذَلِكَ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ إِذْنُ الإْمَامِ، وَإِذَا غَابَ الْمُدَرِّسُ فَلِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِي مَكَانِهِ، حَتَّى لاَ تَتَعَطَّلَ مَنْفَعَتُهُ).
وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ وَانْطَبَقَ عَلَيْهِ شَرْطُهُ، أَوْ فَقِيهٌ إِلَى مَدْرَسَةٍ، أَوْ مُتَعَلِّمُ قُرْآنٍ إِلَى مَا بُنِيَ لَهُ، أَوْ صُوفِيٌّ إِلَى خَانِقَاهُ لَمْ يُزْعَجْ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْهُ بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ مِنَ الأْعْذَارِ، وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَتَاعًا وَلاَ نَائِبًا. وَمَتَى عَيَّنَ الْوَاقِفُ مُدَّةً لِلإْقَامَةِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَفِقِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، إِلاَّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، لأِنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُرِدْ خُلُوَّ الْمَدْرَسَةِ، وَكَذَا يُعْمَلُ بِالْعُرْفِ فِي كُلِّ شَرْطٍ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ، وَلاَ يُزَادُ فِي رِبَاطٍ مُدَّةٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ.
9 - هَذَا وَقَدْ فَصَّلَ كُلٌّ مِنَ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَبِي يَعْلَى بَيَانَ الاِرْتِفَاقِ بِالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ وَلاَ سِيَّمَا مِنْ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَى إِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ عَدَمُهَا فَقَالاَ: وَأَمَّا الإْرْفَاقُ فَهُوَ مِنِ ارْتِفَاقِ النَّاسِ بِمَقَاعِدِ الأْسْوَاقِ، وَأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ، وَحَرِيمِ الأْمْصَارِ، وَمَنَازِلِ الأْسْفَارِ فَتَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَخْتَصُّ الاِرْتِفَاقُ فِيهِ بِالصَّحَارِيِ وَالْفَلَوَاتِ، وَقِسْمٌ يَخْتَصُّ الاِرْتِفَاقُ فِيهِ بِأَفْنِيَةِ الأْمْلاَكِ، وَقِسْمٌ يَخْتَصُّ بِالشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ.
وَالْقِسْمُ الأْوَّلُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لاِجْتِيَازِ السَّابِلَةِ وَاسْتِرَاحَةِ الْمُسَافِرِينَ فِيهِ فَلاَ نَظَرَ لِلسُّلْطَانِ فِيهِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ وَضَرُورَةِ السَّابِلَةِ فِيهِ. وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ السُّلْطَانُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إِصْلاَحُ عَوْرَتِهِ «خَلَلِهِ» وَحِفْظُ مِيَاهِهِ، وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَنُزُولُهُ، وَيَكُونُ السَّابِقُ إِلَى الْمَنْزِلِ أَحَقَّ بِحُلُولِهِ مِنَ الْمَسْبُوقِ حَتَّى يَرْتَحِلَ. فَإِنْ وَرَدُوهُ عَلَى سَوَاءٍ وَتَنَازَعُوا فِيهِ، نَظَرَ فِي التَّعْدِيلِ بَيْنَهُمْ بِمَا يُزِيلُ تَنَازُعَهُمْ. وَكَذَلِكَ الْبَادِيَةُ إِذَا انْتَجَعُوا أَرْضًا طَلَبًا لِلْكَلأَ وَارْتِفَاقًا بِالْمَرْعَى وَانْتِقَالاً مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ كَانُوا فِيمَا تَرَكُوهُ وَارْتَحَلُوا عَنْهُ كَالسَّابِلَةِ لاَ اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ فِي تَنَقُّلِهِمْ وَرَعْيِهِمْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي. أَنْ يَقْصِدُوا بِنُزُولِهِمْ بِهَا الإْقَامَةَ وَالاِسْتِيطَانَ، فَلِلسُّلْطَانِ فِي نُزُولِهِمْ بِهَا نَظَرٌ يُرَاعَى فِيهِ الأْصْلَحُ فَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِالسَّابِلَةِ مُنِعُوا مِنْهَا قَبْلَ النُّزُولِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالسَّابِلَةِ رَاعَى الأْصْلَحَ فِي نُزُولِهِمْ بِهَا أَوْ مَنَعَهُمْ مِنْهَا وَنَقَلَ غَيْرَهُمْ إِلَيْهَا، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ حِينَ مَصَّرَ الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ. نَقَلَ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمِصْرَيْنِ مَنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، لِئَلاَّ يَجْتَمِعَ فِيهِ الْمُسَافِرُونَ، فَيَكُونَ سَبَبًا لاِنْتِشَارِ الْفِتْنَةِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، كَمَا يُفْعَلُ فِي إِقْطَاعِ الْمَوَاتِ مَا يُرَى، فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنُوهُ حَتَّى نَزَلُوا فِيهِ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْهُ. كَمَا لاَ يَمْنَعُ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَدَبَّرَهُمْ بِمَا يَرَاهُ صَلاَحًا لَهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ إِحْدَاثِ زِيَادَةٍ مِنْ بَعْدُ، إِلاَّ عَنْ إِذْنِهِ. رَوَى كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي عُمْرَتِهِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، فَكَلَّمَهُ أَهْلُ الْمِيَاهِ فِي الطَّرِيقِ أَنْ يَبْنُوا مَنَازِلَ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَذِنَ لَهُمْ، وَاشْتَرَطَ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ وَالظِّلِّ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ وَالأْمْلاَكِ. يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِأَرْبَابِهَا مُنِعَ الْمُرْتَفِقُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُضِرٍّ بِهِمْ فَفِي إِبَاحَةِ ارْتِفَاقِهِمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُمُ الاِرْتِفَاقَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَرْبَابُهَا، لأِنَّ الْحَرِيمَ مِرْفَقٌ إِذَا وَصَلَ أَهْلُهُ إِلَى حَقِّهِمْ مِنْهُ سَاوَاهُمْ النَّاسُ فِيمَا عَدَاهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِرْتِفَاقُ بِحَرِيمِهِمْ إِلاَّ عَنْ إِذْنِهِمْ، لأِنَّهُ تَبَعٌ لأِمْلاَكِهِمْ فَكَانُوا بِهِ أَحَقَّ وَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ أَخَصَّ.
وَأَمَّا حَرِيمُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ فَيُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الاِرْتِفَاقُ بِهَا مُضِرًّا بِأَهْلِ الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ مُنِعُوا مِنْهُ، وَلَمْ يَجُزْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ، لأِنَّ الْمُصَلِّينَ بِهَا أَحَقُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا جَازَ ارْتِفَاقُهُمْ بِحَرِيمِهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ فَكِلاَهُمَا فِيهِ لاَ يَخْرُجُ عَمَّا سَبَق.
حُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
10 - تَبَيَّنَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يُطْلِقُونَ الاِرْتِفَاقَ عَلَى مَا يَرْتَفِقُ بِهِ، وَيَخْتَصُّ بِمَا هُوَ مِنْ التَّوَابِعِ،
كَالشُّرْبِ وَمَسِيلِ الْمَاءِ وَالطَّرِيقِ وَالْمُرُورِ وَالْمَجْرَى وَالْجِوَارِ، وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ خَصَّ الاِرْتِفَاقَ بِمَنَافِعِ الدَّارِ. وَلِكُلٍّ مِنَ الْمَرَافِقِ الْمَذْكُورَةِ مُصْطَلَحٌ خَاصٌّ بِهِ، وَلِذَلِكَ فَيَكْفِي هُنَا أَنْ يَعْرِفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَافِقِ، وَيُبَيِّنَ حُكْمَهُ، عَلَى أَنْ يَتْرُكَ التَّفْصِيلَ لِلْمُصْطَلَحَاتِ الْخَاصَّةِ.
الشُّرْبُ:
11 - الشُّرْبُ: لُغَةً النَّصِيبُ مِنَ الْمَاءِ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ النَّصِيبُ مِنَ الْمَاءِ لِلأْرَاضِيِ لاَ لِغَيْرِهَا.
وَرُكْنُهُ الْمَاءُ لأِنَّهُ يَقُومُ بِهِ.
وَشَرْطُ حِلِّهِ أَنْ يَكُونَ ذَا حَظٍّ مِنَ الشُّرْبِ.
وَحُكْمُهُ الإْرْوَاءُ، لأِنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يُفْعَلُ لأِجْلِهِ.
مَسِيلُ الْمَاءِ:
12 - الْمَسِيلُ: الْمَجْرَى وَمَسِيلُ الْمَاءِ مَجْرَاهُ وَإِذَا كَانَ لِشَخْصٍ مَجْرَى مَاءٍ جَارٍ أَوْ سِيَاقِ مَاءٍ بِحَقٍّ قَدِيمٍ فِي مِلْكِ شَخْصٍ آخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ مَنْعُهُ. وَإِذَا كَانَ لِدَارٍ مَسِيلُ مَطَرٍ عَلَى دَارِ جَارٍ مِنْ قَدِيمٍ فَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ، وَصُورَةُ حَقِّ الْمَسِيلِ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ لَهَا مَجْرَى مَاءٍ فِي أَرْضٍ أُخْرَى.
حَقُّ التَّسْيِيلِ:
13 - صُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ لِشَخْصٍ دَارٌ لَهَا حَقُّ تَسْيِيلِ
الْمَاءِ عَلَى أَسْطُحَةِ دَارٍ أُخْرَى، أَوْ عَلَى أَرْضِ دَارٍ أُخْرَى
الطَّرِيقُ:
14 - فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ أَنَّ الطُّرُقَ ثَلاَثَةٌ: طَرِيقٌ إِلَى الطَّرِيقِ الأْعْظَمِ، وَطَرِيقٌ إِلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، وَطَرِيقٌ خَاصٌّ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ وَسَيَأْتِي أَحْكَامُ التَّصَرُّفِ فِيهَا.
حَقُّ الْمُرُورِ:
15 - هُوَ أَنْ يَكُونَ لِشَخْصٍ حَقُّ الْمُرُورِ فِي أَرْضِ شَخْصٍ آخَرَ.
وَالْحُكْمُ فِيهِ مَا نَصَّتْ عَلَيْهِ الْمَادَّةُ (1225) مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ: «إِذَا كَانَ لأِحَدٍ حَقُّ الْمُرُورِ فِي عَرْصَةِ آخَرَ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْمُرُورِ وَالْعُبُورِ».
وَقَدْ نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1224) عَلَى حُكْمٍ عَامٍّ يَتَعَلَّقُ بِثُبُوتِ الْحُقُوقِ فِي الْمَرَافِقِ، هُوَ: «يُعْتَبَرُ الْقِدَمُ فِي حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ الْمَجْرَى وَحَقِّ الْمَسِيلِ. يَعْنِي تُتْرَكُ هَذِهِ الأْشْيَاءُ وَتَبْقَى عَلَى وَجْهِهَا الْقَدِيمِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ، لأِنَّ الشَّيْءَ الْقَدِيمَ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (6) وَلاَ يَتَغَيَّرُ إِلاَّ أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلاَفِهِ. أَمَّا الْقَدِيمُ الْمُخَالِفُ لِلشَّرْعِ فَلاَ اعْتِبَارَ لَهُ. يَعْنِي إِذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمَعْمُولُ بِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ فِي الأْصْلِ فَلاَ اعْتِبَارَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا، وَيُزَالُ إِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ. مَثَلاً إِذَا كَانَ لِدَارٍ مَسِيلٌ قَذِرٌ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ، وَلَوْ مِنَ الْقَدِيمِ، وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لِلْمَارَّةِ فَإِنَّ ضَرَرَهُ يُرْفَعُ، وَلاَ اعْتِبَارَ لِقِدَمِهِ».
وَفِي شَرْحِ الْمَادَّةِ قَالَ الأْتَاسِيُّ: (وَكَذَا لاَ اعْتِبَارَ لِقِدَمِهِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ،) وَإِنْ كَانَ ضَرَرُهُ خَاصًّا. كَمَا إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ كَوَّةٌ تُشْرِفُ عَلَى مَقَرِّ نِسَاءِ جَارِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ إِزَالَةُ الضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا، كَمَا أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ قَائِلاً: وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ حَيْثُ كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا، فَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا كَمَا إِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ الْجَارَ أَحْدَثَ الْبِنَاءَ بَعْدَ أَنْ كَانَتِ الْكَوَّةُ تُشْرِفُ عَلَى أَرْضٍ سَبْخَةٍ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِزَالَةُ الضَّرَرِ.
حَقُّ التَّعَلِّي:
16 - نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1198) مِنَ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنَّ (كُلَّ أَحَدٍ لَهُ التَّعَلِّي عَلَى حَائِطِهِ الْمِلْكِ، وَبِنَاءُ مَا يُرِيدُ، وَلَيْسَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا فَاحِشًا).
وَقَالَ الأْتَاسِيُّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ: (وَلاَ عِبْرَةَ بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَسُدُّ عَنْهُ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ، كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ، لأِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ. وَفِي الأْنْقِرَوِيَّةِ: لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى حَائِطِ نَفْسِهِ أَزْيَدَ مِمَّا كَانَ، وَلَيْسَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ وَإِنْ بَلَغَ عَنَانَ السَّمَاءِ). أَقُولُ: هَذَا مُسَلَّمٌ إِذَا كَانَ التَّعَلِّي يَسُدُّ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ عَنْ مِثْلِ سَاحَةِ دَارِ الْجَارِ. أَمَّا إِذَا كَانَ يَسُدُّهُمَا عَنْ سَطْحِ بَيْتِهِ الْمُسَقَّفِ بِالْخَشَبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ.
حَقُّ الْجِوَارِ:
17 - نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1201) مِنَ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنَّ: (مَنْعَ الْمَنَافِعِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنَ الْحَوَائِجِ الأْصْلِيَّةِ، كَسَدِّ الْهَوَاءِ وَالنَّظَّارَةِ، أَوْ مَنْعِ دُخُولِ الشَّمْسِ لَيْسَ بِضَرَرٍ فَاحِشٍ، لَكِنْ سَدُّ الضِّيَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ. فَإِذَا أَحْدَثَ رَجُلٌ بِنَاءً فَسُدَّ بِسَبَبِهِ شُبَّاكُ بَيْتِ جَارِهِ، وَصَارَ بِحَالٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ مَعَهَا مِنَ الظُّلْمَةِ، فَلَهُ أَنْ يُكَلَّفَ رَفْعُهُ لِلضَّرَرِ الْفَاحِشِ، وَلاَ يُقَالُ: الضِّيَاءُ مِنَ الْبَابِ كَافٍ، لأِنَّ بَابَ الْبَيْتِ يُحْتَاجُ إِلَى غَلْقِهِ لِلْبَرْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الأْسْبَابِ. وَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْمَحَلِّ شُبَّاكَانِ فَسُدَّ أَحَدُهُمَا بِإِحْدَاثِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فَلاَ يَضُرُّ ضَرَرًا فَاحِشًا.
وَالْعِلَّةُ فِي الْمَنْعِ هُوَ تَحَقُّقُ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ مُنِعَ الْعَمَلُ، وَإِلاَّ أُبِيحَ.
تِلْكَ هِيَ حُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
18 - وَيُمْكِنُ إِنْشَاءُ حُقُوقِ ارْتِفَاقٍ أُخْرَى غَيْرِهَا حَسْبَمَا يَجْرِي الْعُرْفُ وَاسْتِعْمَالُ النَّاسِ، فَإِنْ حَدَثَتْ حُقُوقُ ارْتِفَاقٍ أُخْرَى بِالاِسْتِعْمَالِ تُطَبَّقُ عَلَيْهَا الأْحْكَامُ السَّابِقَةُ، فَفِي وَسَائِلِ الْمُوَاصَلاَتِ الْعَامَّةِ مَثَلاً كَالْقِطَارَاتِ وَالطَّيَّارَاتِ وَالسَّيَّارَاتِ، وَالْمَقَاعِدِ فِي الأْمَاكِنِ الْعَامَّةِ وَغَيْرِهَا، إِمَّا أَنْ يُخَصَّصَ مَقْعَدٌ مُعَيَّنٌ لِكُلِّ رَاكِبٍ أَوْ لاَ، فَإِنْ خُصِّصَ لِكُلِّ رَاكِبٍ مَقْعَدٌ مُعَيَّنٌ فَلاَ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ تُعَيَّنْ الْمَقَاعِدُ لِلرَّاكِبِينَ فَلِكُلِّ رَاكِبٍ أَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَقْعَدِ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ، وَهَكَذَا الأَْمْرُ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
19 - هَذَا وَقَدْ أَوْرَدَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَحْكَامَ الْمَرَافِقِ السَّابِقَةِ، لَكِنْ تَحْتَ عَنَاوِينَ أُخْرَى غَيْرِ الاِرْتِفَاقِ، حَيْثُ أَوْرَدَهَا الْمَالِكِيَّةُ فِي بَابِ (نَفْيُ الضَّرَرِ وَسَدُّ الذَّرَائِعِ)، وَأَوْرَدَهَا الشَّافِعِيَّةُ فِي بَابِ (تَزَاحُمُ الْحُقُوقِ) وَأَوْرَدَهَا الْحَنَابِلَةُ فِي بَابِ (الصُّلْحُ)
التَّصَرُّفُ فِي حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ:
20 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الطَّرِيقَ نَوْعَانِ: نَافِذٌ، وَغَيْرُ نَافِذٍ. فَالطَّرِيقُ النَّافِذُ مُبَاحٌ لاَ يُمْلَكُ لأَِحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ فَتْحُ بَابِ مِلْكِهِ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، فَلِلْعَامَّةِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا لاَ يَضُرُّ الْمَارَّةَ.
وَأَمَّا غَيْرُ النَّافِذِ فَهُوَ مِلْكُ مَنْ نَفَذَتْ أَبْوَابُهُمْ إِلَيْهِ، لاَ مَنْ لاَصَقَهُ جُدْرَانُهُمْ مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ أَبْوَابِهِمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ نَفَذَتْ أَبْوَابُهُمْ إِلَيْهِ فَهُمُ الْمُلاَّكُ وَهُمْ شُرَكَاءُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ إِشْرَاعُ جَنَاحٍ فِيهِ، أَوْ بَابٍ لِلاِسْتِطْرَاقِ إِلاَّ بِرِضَاهُمْ. وَهَذَا فِي الْمَذَاهِبِ الثَّلاَثَةِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
21 - وَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بَيْعَ الشُّرْبِ، أَوْ بَعْضَهُ، وَبَيْعَ حُقُوقِ الأَْمْلاَكِ، كَحَقِّ الْمُرُورِ، وَحَقِّ الْمَجْرَى، وَحَقِّ التَّعَلِّي، لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ، وَجَوَّزُوا الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً، إِرْفَاقًا بِالنَّاسِ، لَكِنِ اشْتَرَطُوا فِي حَقِّ إِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَى السُّطُوحِ وَإِجَارَتِهِ وَإِعَارَتِهِ أَنْ تُعْرَفَ السُّطُوحُ الَّتِي يَجْرِي عَلَيْهَا وَمِنْهَا، كَمَا أَجَازُوا إِعَارَةَ الْعُلُوِّ مِنْ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ، وَإِجَارَتَهُ لِذَلِكَ كَسَائِرِ الأَْعْيَانِ الَّتِي تُعَارُ وَتُؤْجَرُ، فَإِنْ بَاعَهُ حَقَّ الْبِنَاءِ أَوِ الْعُلُوِّ الْمَعْلُومِ اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ عَلَيْهِ.
22 - أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ جَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ أَنَّ الطُّرُقَ ثَلاَثَةٌ:
طَرِيقٌ إِلَى الطَّرِيقِ الأْعْظَمِ، وَطَرِيقٌ إِلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، وَطَرِيقٌ خَاصٌّ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ، فَالأْخِيرُ لاَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِلاَ ذِكْرِهِ أَوْ ذِكْرِ الْحُقُوقِ أَوِ الْمَرَافِقِ. وَالأْوَّلاَنِ يَدْخُلاَنِ بِلاَ ذِكْرٍ. وَالْمُرَادُ بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ لاَ حَقِّ الْمُرُورِ، فَإِذَا كَانَتْ دَارُهُ دَاخِلَ دَارِ رَجُلٍ، وَكَانَ لَهُ طَرِيقٌ فِي دَارِ ذَلِكَ الرَّجُلِ إِلَى دَارِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْمُرُورِ فَقَطْ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ رَقَبَةُ الطَّرِيقِ، فَإِذَا بَاعَ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ صَحَّ، فَإِنْ حَدَّ فَظَاهِرٌ، وَإِلاَّ فَلَهُ بِقَدْرِ عَرْضِ الْبَابِ الْعُظْمَى.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الطَّرِيقِ وَاَلَّذِي يَكُونُ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ أَنَّ الطَّرِيقَ الأْوَّلَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، وَالثَّانِي مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ السِّكَّةِ، وَفِيهِ أَيْضًا حَقٌّ لِلْعَامَّةِ.
وَلاَ يُبَاعُ الشُّرْبُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُؤْجَرُ وَلاَ يُتَصَدَّقُ بِهِ إِلاَّ تَبَعًا لِلأْرْضِ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَنُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ جَوَّزَ بَيْعَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْفُذُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ.
23 - أَمَّا حَقُّ الْمَسِيلِ فَإِذَا كَانَ مُحَدَّدًا بِبَيَانِ الْمِقْدَارِ الَّذِي يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُبَيَّنٍ فَلاَ يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ. أَمَّا بَيْعُ الرَّقَبَةِ فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَيْعِ حَقِّ الْمَسِيلِ مَعَهُ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ تَحْدِيدُهُ، وَيَصِحُّ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ تَبَعًا لِلأْرْضِ بِلاَ خَوْفٍ، وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ فِي رِوَايَةٍ، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ حَقِّ التَّعَلِّي، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ، أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الأْرْضِ وَهِيَ مَالٌ هُوَ عَيْنٌ، أَمَّا حَقُّ التَّعَلِّي فَمُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ، وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْنٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ
وَحْدَهُ وَصَحَّحَهُ أَبُو اللَّيْثِ.
وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ حَقِّ الشُّرْبِ إِلاَّ تَبَعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ أَنَّهُ بَاطِلٌ، قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا لاَ بَاطِلاً، لأِنَّ بَيْعَهُ يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ، وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ.
أَحْكَامُ رُجُوعِ الْمُرْفِقِ وَأَثَرِهِ عَلَى الاِرْتِفَاقِ:
24 - الْمُعْتَمَدُ فِي الإْرْفَاقِ بِالْغَرْزِ أَنَّهُ لاَ رُجُوعَ فِيهِ بَعْدَ الإْذْنِ، طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَصُرَ، عَاشَ أَوْ مَاتَ (الْمُرْتَفِقُ)، إِلاَّ أَنْ يَنْهَدِمَ الْجِدَارُ فَلاَ يُعِيدُ الْغَرْزَ إِلاَّ بِإِرْفَاقٍ جَدِيدٍ، وَأَمَّا إِعَادَةُ الْعَرْصَةِ لِلْبِنَاءِ فَالرَّاجِحُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَجَلٍ، وَلَوْ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مَا يُرْفَقُ وَيُعَارُ لِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ، وَلَكِنْ عَلَى الْمُرْفِقِ دَفْعُ مَا أَنْفَقَ الْمُرْتَفِقُ أَوْ قِيمَتِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرْصَةِ وَالْجِدَارِ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الْقَضَاءَ بِإِعَارَةِ الْجِدَارِ إِذَا امْتَنَعَ صَاحِبُهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الإْعَارَةِ ضَرَرٌ، وَهُوَ قَوْلُ الإْمَامِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ.
وَمَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَرْصَةِ مِنْ جَوَازِ الرُّجُوعِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.
وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ زَرْقُونٍ حُكْمَ الْعَرْصَةِ جَارِيًا فِي الْجِدَارِ أَيْضًا، لأِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ رِجَالٍ فَقَالَ: قَدْ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمَذْهَبَ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْجِدَارِ وَالْعَرْصَةِ فِي أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ صَاحِبَيْهِمَا الرُّجُوعَ حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَجَلٍ بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْفِقُ كُلًّا مِنْهُمَا مَا أَنْفَقَهُ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إِلاَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يَرْتَفِقُ فِيهَا الْمُعَارُ، فَهُنَاكَ إِذَنْ رَأْيَانِ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ فِي الْعَرْصَةِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع والثلاوثون ، الصفحة / 263
حُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ
21 - حَقُّ الاِرْتِفَاقِ عِبَارَةٌ عَنْ حَقٍّ مُقَرَّرٍ عَلَى عَقَارٍ لِمَنْفَعَةِ عَقَارٍ آخَرَ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِ مَالِكِ الْعَقَارِ الأْوَّلِ ، وَتَشْمَلُ حُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: حَقَّ الشُّرْبِ، وَحَقَّ الْمَجْرَى، وَحَقَّ الْمَسِيلِ، وَحَقَّ الْمُرُورِ، وَحَقَّ التَّعَلِّي، وَحَقَّ الْجِوَارِ .
وَحُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ لَيْسَتْ بِمُفْرَدِهَا مَالاً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّ هَا أُمُورٌ لاَ يُمْكِنُ حَوْزُهَا وَادِّخَارُهَا، وَلِذَلِكَ قَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهَا وَإِجَارَتِهَا وَهِبَتِهَا اسْتِقْلاَلاً، وَلَكِنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَهَا حُقُوقًا مَالِيَّةً لِتَعَلُّقِهَا بِأَعْيَانٍ مَالِيَّةٍ، وَمِنْ هُنَا أَجَازُوا بَيْعَهَا تَبَعًا لِلْعَقَارِ الَّذِي ثَبَتَتْ لِمَنْفَعَتِهِ.
أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَقَدِ اعْتَبَرُوهَا مِنْ قَبِيلِ الأْمْوَالِ ، وَأَجَازُوا - فِي الْجُمْلَةِ - بَيْعَهَا وَهِبَتَهَا اسْتِقْلاَلاً .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ لاَ تَسْقُطُ بِمَوْتِ صَاحِبِ الْحَقِّ، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ الَّذِي ثَبَتَتْ لِمَصْلَحَتِهِ، لأِنَّهُ حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ، فِيهَا مَعْنَى الْمَالِ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَعْيَانٍ مَالِيَّةٍ، وَلِهَذَا فَلاَ تَأْثِيرَ لِلْمَوْتِ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّهَا أَمْوَالٌ ذَاتُهَا أَوْ حُقُوقٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَعْيَانٍ مَالِيَّةٍ .
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 37)
الارتفاق هو حق مقرر على عقار لمنفعة عقار لشخص آخر.