loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة : 621

حق الارتفاق

المذكرة الإيضاحية :

نظرة عامة :

وضع المشروع في حق الارتفاق نصوصاً تقرر القواعد العامة في هذا الموضوع بعد أن فصل ما بين حق الارتفاق بمعناه و بين القيود القانونية التي ترد على حق الملكية وكثيراً ما تسمى بحقوق الارتفاق القانونية .

وقد عرض المشروع الاسباب التي يكسب بها حق الارتفاق وأضاف إليها سبباً سكت عنه التقنين الحالى وهو تخصيص المالك الأصلي أو تخصيص رب الأسرة كما يدعي عادة وحسم وجوه خلاف قائمة فمن ذلك أن نص على جواز تملك حق المرور بالتقادم وأن قرر أن القيود التي تفرض على المالك عند إقامة بناء بأرضه تعتبر حقوق ارتفاق لفائدة العقارات المجاورة وأن الضرر الذي ينشأ عن مخالفة هذه القيود تمكن المطالبة بإصلاحه عيناً إلا إذا تبين أن الحكم بالتعويض جزاء عادل فيه الكفاية .

وانتقل المشروع بعد ذلك إلى الآثار التي تنشأ عن حق الارتفاق وبين بنوع خاص أنه يجب التوفيق بين مصلحة العقار المرتفق وعدم الإضرار بالعقار المرتفق به ورتب على ذلك نتائج هامة منها تعديل حق الارتفاق أو نقله إلى عقار آخر أو زواله إذا كان من شأن ذلك رفع الضرر عن العقار المرتفق به دون أن يصيب العقار المرتفق خسارة كبيرة وكل هذه أحكام عادلة استمدت من بعض التقنينات الأجنبية وخاصة من المشروع الإيطالي .

وانتهى المشروع بالأسباب التي ينقضي بها حق الارتفاق فعدد هذه الأسباب وبين أحكامها وذكر بنوع خاص أن حق الارتفاق ينتهي إذا تغير موضع الأشياء بحيث تصبح في حالة لا يمكن فيها استعمال هذا الحق أو إذا فقد الارتفاق كل منفعة للعقار المرتفق أو لم تبق له غير فائدة محدودة لا تتناسب مع الأعباء الواقعة على العقار المرتفق به .

مذكرة المشروع التمهيدي :

حق الارتفاق هو خدمة مقررة لعقار على عقار آخر وتكون هذه الخدمة غالباً شيئاً مما نص عليه في القيود القانونية التي ترد على حق الملكية كشرب أو مجرى أو مسيل أو مطل أو مرور أو غير ذلك ومن أجل ذلك سميت هذه القيود بحقوق الارتفاق القانونية .

والخدمة يؤديها العقار المرتفق به للعقار المرتفق أما صاحب العقار المرتفق به فلا يلتزم شخصية بشيء إلا أن يكون عملاً إضافياً يقتضيه استعمال حق الارتفاق على الوجه المألوف كإصلاح حق المرور وله على كل حال أن يتخلص من هذا الالتزام بتخليه عن ملكية الجزء المرتفق به .

وقد يترتب الارتفاق على مال عام إن كان لا يتعارض مع الاستعمال الذي خصص له هذا المال كحق إقامة أكشاك للإستحمام على شاطىء البحر .

الأحكام

1 ـ حق الإرتفاق طبقاً لنص المادة 1015 من القانون المدنى - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو خدمة يؤديها العقار المرتفق به للعقار المرتفق فيحد من منفعة الأول و يجعله مثقلاً بتكليف الفائدة الثانى و هو و إن لم يحرم مالك العقار الخادم من ملكيته إلا أنه ينقص من نطاقها و يوجب عليه ألا يمس فى إستعماله لحقوق ملكيته بحق الإرتفاق .

(الطعن رقم 463 لسنة 49 جلسة 1982/06/09 س 33 ع 2 ص 698 ق 124)

2 ـ مفاد النص فى المادة 1015 من القانون المدنى أن الإرتفاق كحق عينى هو تكليف يثقل به عقار خادم لفائدة عقار آخر مخدوم ، و الشفعة لا تقوم على الجوار من حد واحد فى غير العقارات المبنية و الأراضى المعدة للبناء إلا " إذا كان للأرض المبيعة حق إرتفاق على أرض الجار أو كان حق الإرتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة " طبقاً لنص البند الثانى من الفقرة ه من المادة 936 من القانون المدنى مما يتعين معه أن يقع حق الإرتفاق على عاتق الأرض المشفوع بها أو الأرض المشفوع فيها و يخدم الأخرى ، و لا يكفى فى هذا الخصوص أن تشترك الأرضان فى الإستفادة من حق إرتفاق واحده طالما لا يثقل إحداهما .

(الطعن رقم 1723 لسنة 50 جلسة 1981/06/03 س 32 ع 2 ص 1694 ق 303)

3 ـ حق الإرتفاق طبقاً للمادة 1015 من القانون المدنى هو خدمة يؤديها العقار المرتفق به للعقار المرتفق فيحد من منفعة الأول و يجعله مثقلاً بتكليف لفائدة الثانى ، و هو و إن لم يحرم مالك العقار الخادم من ملكيته إلا أنه ينتقص من نطاقها فيحرمة من القيام بأعمال فى عقاره كان له الحق فى أن يقوم بها لولا وجود حق الإرتفاق ، كما أنه يوجب عليه ألا يمس فى إستعماله لحقوق ملكيته بحق الإرتفاق فلا يعوق إستعماله أو ينقصه أو يجعله أكثر مشقة .

(الطعن رقم 724 لسنة 42 جلسة 1977/05/10 س 28 ع 1 ص 1158 ق 199)

4 ـ علاقة التبعية التى ينشئها المالك بين العقارين تدل عليها واقعة مادية أجاز المشرع إثباتها بأى طريق من طرق الإثبات - هى إقامة المالك الأصلى للعقارين علامة ظاهرة تنبئ فى وضوح عن أن أحد العقارين يخدم الآخر ، بحيث تبدو هذه التبعية مؤدية تأدية تامة للمهمة الإقتصادية للإرتفاق الذى لم يبرز وجوده قانوناً بسبب أتحاد المالك ، فإذا كان من أقام العلامة الظاهرة ليس هو المالك للعقارين فإن إستبقاء الأخير للوضع الفعلى القائم كما هو بعد أن تلقاه قائماً يتحقق به قيام التبعية بين العقارين ليخدم أحدهما الآخر ، تلك العلامة التى لا تشكل فى حد ذاتها أرتفاقاً بالمعنى القانونى المنصوص عليه فى المادة 1015 مدنى من حيث كونه مرتباً على عقار لفائدة عقار غيره يملكه شخص آخر و إنما تظل فى أداء مهمته إلى أن ينشأ من الناحية القانونية عندما يصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين مع بقائهما على حالهما و ذلك على أساس أن العلاقة الظاهرة الدالة على تبعية العقارين كانت ماثلة أمام مالك العقار المرتفق به فلم يبد إعتراضاً عليها مما يعد رضاء ضمنيا بنشؤ حق أرتفاق على عقاره ، و هو لا يشترط لنشوئه أن يكون لازماً لزوماً ضمنياً للعقار المخدوم .

(الطعن رقم 431 لسنة 45 جلسة 1978/12/13 س 29 ع 2 ص 1904 ق 368)

5 ـ علاقة التبعية التى ينشئها المالك بين العقارين تدل عليها واقعة مادية أجاز المشرع إثباتها بأى طريق من طرق الإثبات - هى إقامة المالك الأصلى للعقارين علامة ظاهرة تنبئ فى وضوح عن أن أحد العقارين يخدم الآخر ، بحيث تبدو هذه التبعية مؤدية تأدية تامة للمهمة الإقتصادية للإرتفاق الذى لم يبرز وجوده قانوناً بسبب أتحاد المالك ، فإذا كان من أقام العلامة الظاهرة ليس هو المالك للعقارين فإن إستبقاء الأخير للوضع الفعلى القائم كما هو بعد أن تلقاه قائماً يتحقق به قيام التبعية بين العقارين ليخدم أحدهما الآخر ، تلك العلامة التى لا تشكل فى حد ذاتها أرتفاقاً بالمعنى القانونى المنصوص عليه فى المادة 1015 مدنى من حيث كونه مرتباً على عقار لفائدة عقار غيره يملكه شخص آخر و إنما تظل فى أداء مهمته إلى أن ينشأ من الناحية القانونية عندما يصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين مع بقائهما على حالهما و ذلك على أساس أن العلاقة الظاهرة الدالة على تبعية العقارين كانت ماثلة أمام مالك العقار المرتفق به فلم يبد إعتراضاً عليها مما يعد رضاء ضمنيا بنشؤ حق أرتفاق على عقاره ، و هو لا يشترط لنشوئه أن يكون لازماً لزوماً ضمنياً للعقار المخدوم .

(الطعن رقم 431 لسنة 45 جلسة 1978/12/13 س 29 ع 2 ص 1904 ق 368)

6 ـ إن النص فى الفقرة الثانية من المادة 812 من القانون المدني على أن: "إذا كان الحبس عن الطريق العام ناشئا عن تجزئة عقار تمت بناء على تصرف قانوني وكان من المستطاع إيجاد ممر كاف فى أجزاء هذا العقار فلا تجوز المطالبة بحق المرور إلا فى هذه الأجزاء" يدل على أنه إذا تصرف مالك الأرض التي لها منفذ إلى الطريق العام فى جزء منها تصرفا قانونيا أدى إلى حبس الجزء الآخر عن هذا الطريق فإن حق المرور لا يكون إلا فى الجزء المبيع طالما كان ذلك مستطاعا ولو لم يكن المرور فيه أخف ضررا من المرور فى العقارات المجاورة لأن الحبس كان بفعل البائع.

(الطعن رقم 929 لسنة 63 جلسة 2000/11/07 س 51 ع 2 ص 970 ق 185)

7 ـ عرف الشارع الارتفاق فى المادتين 1015،1017 من القانون المدنى ومفاد هذا أن علاقة التبعية التى ينشئها المالك بين العقارين تدل عليها واقعة مادية أجاز المشرع إثباتها بأى طريق من طرق الإثبات هى أقامه المالك الأصلى للعقارين علامة ظاهرة تنبئ فى وضوح عن أن أحد العقارين يخدم الآخر، بحيث تبدو هذه التبعية مؤدية تأدية تامة للمهمة الاقتصادية للارتفاق الذى لم يبرز وجوده قانوناً بسبب إتحاد المالك، ذلك أن هذه العلاقة لا تشكل فى حد ذاتها ارتفاقا بالمعنى القانونى المنصوص عليه فى المادة 1015 من حيث كونه مرتبا على عقار لفائدة عقار غيرة يملكه شخص آخر وإنما تظل فى أداء مهمته إلى أن ينشأ من الناحية القانونية عند ما يصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين مع بقائهما على حالهما .

(الطعن رقم 1813 لسنة 57 جلسة 1993/01/21 س 44 ع 1 ص 273 ق 52)

8 ـ مفاد نص المادتين 1015 ، 1023 من القانون المدنى ، أن حق الإرتفاق هو خدمة يؤديها العقار المرتفق به للعقار المرتفق فيحد من منفعة الأول و يجعله مثقلاً بتكليف الثانى ،و لا يترتب على ذلك حرمان مالك العقار الخادم من ملكه فيجوز له أن يباشر حقوقه عليه من إستعمال و إستغلال و تصرف ، و كل ما يجب عليه هو ألا يمس فى إستعماله لحقوق ملكيته بحق الإرتفاق ، فإذا أخل بهذا الإلتزام ، ألزم بإعادة الحال إلى ما كانت عليه ، و بالتعويض إن كان له مقتضى ، و مؤدى ذلك أن تصرف المالك فى العقار المرتفق به يقع صحيحاً و لا يجوز لمالك العقار المرتفق طلب إبطاله أو محو تسجيله .

(الطعن رقم 572 لسنة 53 جلسة 1987/04/08 س 38 ع 2 ص 550 ق 118)

9 ـ إذ كان مفاد الإتفاق - فى عقد البدل - هو تقرير حق إرتفاق سلبى بعدم المطل على ملك المطعون عليهم ، و هو أمر لا مخالفة فيه للقانون ، و كان الحكم المطعون فيه فى خصوص الرد على دفاع الطاعنتين بأن هذا الشرط تعسفى قد عرض للحالات الثلاث التى أوردتها المادة الخامسة من القانون المدنى و قرر إنها غير متوافرة فى الدعوى لأن المصلحة المقصودة من هذا الشرط مشروعة و لم يثبت من الأوراق أن المطعون عليهم قصدوا إلى مجرد الإضرار بالطاعنتين ، بل الثابت أن المصالح التى يرجون تحقيقها مصالح أدبيه جوهرية حرصوا على النص عليها صراحة بما لا يدع مجالاً للقول بأنها قليلة الأهمية بالنسبة لما يصيب الطاعنتين من ضرر بسببها ، و إذا يتضح مما سلف أن المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية أطرحت بأسباب سائغة لها أصلها الثابت فى الأوراق ما تمسكت به الطاعنتان من أن الشرط المشار إليه تعسفى ، فإن النعى يكون غير سديد .

(الطعن رقم 724 لسنة 42 جلسة 1977/05/10 س 28 ع 1 ص 1158 ق 199)

شرح خبراء القانون
الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثالث ، الصفحة / 9

ارْتِفَاقٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - مِنْ مَعَانِي الاِرْتِفَاقِ لُغَةً: الاِتِّكَاءُ. وَارْتَفَقَ بِالشَّيْءِ انْتَفَعَ بِهِ. وَمَرَافِقُ الدَّارِ: مَصَابُّ الْمَاءِ وَنَحْوُهَا، كَالْمَطْبَخِ وَالْكَنِيفِ

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ حَقٌّ مُقَرَّرٌ عَلَى عَقَارٍ لِمَنْفَعَةِ عَقَارٍ آخَرَ. وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ تَحْصِيلُ مَنَافِعَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَقَارِ فَالاِرْتِفَاقُ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّهُ يَشْمَلُ انْتِفَاعَ الشَّخْصِ بِالْعَقَارِ فَضْلاً عَنِ انْتِفَاعِ الْعَقَارِ بِالْعَقَارِ.

وَاَلَّذِي يُسْتَفَادُ مِمَّا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي صُوَرِ الاِرْتِفَاقِ أَنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ مَعَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الاِخْتِصَاصُ:

2 - الاِخْتِصَاصُ: مَصْدَرٌ، اخْتَصَصْتُهُ بِالشَّيْءِ فَاخْتَصَّ هُوَ بِهِ وَمَتَى اخْتَصَّ شَخْصٌ بِشَيْءٍ فَقَدِ امْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ الاِنْتِفَاعُ بِهِ إِلاَّ بِإِذْنٍ مِنْهُ، فَالْفَرْقُ، عَدَا شَرْطِ الإْذْنِ، هُوَ أَنَّ الاِرْتِفَاقَ تُتَصَوَّرُ فِيهِ الْمُشَارَكَةُ فِي الاِنْتِفَاعِ، خِلاَفًا لِلاِخْتِصَاصِ، كَمَا أَنَّ الاِرْتِفَاقَ تَغْلِبُ عَلَيْهِ الدَّيْمُومَةُ، أَمَّا الاِخْتِصَاصُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ عَدَمُهَا.

ب - الْحِيَازَةُ أَوِ الْحَوْزُ:

3 - مِنْ مَعَانِي الْحِيَازَةِ أَوِ الْحَوْزِ لُغَةً: الْجَمْعُ وَالضَّمُّ.

 

وَاصْطِلاَحًا: وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَيْهِ.

ج - الْحُقُوقُ:

4 - الْحُقُوقُ جَمْعُ حَقٍّ، وَالْحَقُّ لُغَةً: الأْمْرُ الثَّابِتُ الْمَوْجُودُ. وَاصْطِلاَحًا يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ فِيمَا ثَبَتَ لإِنْسَانٍ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ مِنْ أَجْلِ صَالِحِهِ.

وَمِمَّا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقَارِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمَا يُذْكَرُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ مِنْ قَوْلِهِ بِحُقُوقِهِ وَمَرَافِقِهِ: فَحُقُوقُهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ وَطَرِيقِ غَيْرِهِ وِفَاقًا، وَمَرَافِقُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَنَافِعُ الدَّارِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمَرَافِقُ: هِيَ الْحُقُوق.

فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرَافِقُ وَالْحُقُوقُ سَوَاءٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَرَافِقُ أَعَمُّ، لأِنَّهَا تَوَابِعُ الدَّارِ مِمَّا يُرْتَفَقُ بِهِ، كَالْمُتَوَضِّئِ، وَالْمَطْبَخِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَحَقُّ الشَّيْءِ تَابِعٌ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ، كَالطَّرِيقِ وَالشُّرْبِ فَهُوَ أَخَصُّ.

صِفَتُهُ (الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ):

5 - الْحُكْمُ الأْصْلِيُّ لِلاِرْتِفَاقِ الإْبَاحَةُ، مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُرْتَفِقِ ضَرَرٌ، أَوْ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ، أَمَّا الإْرْفَاقُ فَهُوَ مَنْدُوبٌ لِحَضِّهِ عَلَيْهِ، حَيْثُ قَالَ: «لاَ يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» وَقَالَ صلي الله عليه وسلم «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ خَافَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».

أَنْوَاعُهُ مِنْ حَيْثُ قَابِلِيَّةُ رُجُوعِ الْمُرْفِقِ:

6 - الإْرْفَاقُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا بِزَمَنٍ كَسَنَةٍ، أَوْ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ إِلَى الأْبَدِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ اُتُّبِعَ، وَكَانَ لاَزِمًا لِلْمُرْفِقِ، لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الإْرْفَاقُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِأَجَلٍ، وَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ قَدْرُ مَا يُعَدُّ ارْتِفَاقًا بَيْنَ الْجِيرَانِ، بِأَنْ يَتْرُكَ مُدَّةً يَنْتَفِعُ فِيهَا عَادَةً أَمْثَالُهُ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الإْرْفَاقُ بِالْغَرْزِ، أَوْ فَتْحِ بَابٍ، أَوْ سَقْيِ مَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَإِعَادَةِ عَرْصَةٍ لِلْبِنَاءِ.

وَيَأْتِي تَفْصِيلُ أَحْكَامِ الرُّجُوعِ فِي (ف 24)

أَسْبَابُ الاِرْتِفَاقِ:

7 - يَنْشَأُ الاِرْتِفَاقُ عَنْ إِذْنِ الشَّارِعِ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلأْمْوَالِ الْعَامَّةِ، أَوِ الْمُبَاحَاتِ كَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَغَيْرِهِ، أَوْ إِذْنِ الْمَالِكِ بِالنِّسْبَةِ لِلأْمْوَالِ الْخَاصَّةِ، أَوْ بِاقْتِضَاءِ التَّصَرُّفِ بِثُبُوتِ الاِرْتِفَاقِ كَمَا فِي الإْجَارَةِ وَالْوَقْفِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطِ الاِنْتِفَاعَ بِحُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ، وَقَدْ يَثْبُتُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ دُونَ مَعْرِفَةِ سَبَبِ نُشُوئِهِ، وَذَلِكَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَلَيْهِ.

 

الاِرْتِفَاقُ بِالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ وَالأْوْلَوِيَّةُ فِيهِ:

8 - صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: يَجُوزُ الاِرْتِفَاقُ بِالْقُعُودِ فِي الْوَاسِعِ مِنَ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ وَالرِّحَابِ بَيْنَ الْعُمْرَانِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَضِيقُ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، لاِتِّفَاقِ أَهْلِ الأْمْصَارِ فِي جَمِيعِ الأْعْصَارِ عَلَى إِقْرَارِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَلأِنَّهُ ارْتِفَاقٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَالاِجْتِيَازِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي السَّابِقِ إِلَى دَكَاكِينِ السُّوقِ (أَيِ الأْمَاكِنِ الْمُعَدَّةِ لِلْبَاعَةِ غَيْرِ الدَّائِمِينَ) غَدْوَةً: فَهُوَ لَهُ إِلَى اللَّيْلِ. وَكَانَ هَذَا فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ فِيمَا مَضَى. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» وَلَهُ أَنْ يُظَلِّلَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لاَ ضَرَرَ فِيهِ... فَإِنْ قَامَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إِزَالَتُهُ، لأِنَّ يَدَ الأْوَّلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَلَ مَتَاعَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِ، لأِنَّ يَدَهُ قَدْ زَالَتْ، وَإِنْ قَعَدَ وَأَطَالَ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، لأِنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ، وَيَخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِيهِ فِيهِ غَيْرُهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لاَ يُزَالُ، لأِنَّهُ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ. وَإِنْ اسْتَبَقَ اثْنَانِ إِلَيْهِ احْتَمَلَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَدِّمَ الإْمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا. وَإِنْ كَانَ الْجَالِسُ يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْجُلُوسُ فِيهِ، وَلاَ يَحِلُّ لِلإْمَامِ تَمْكِينُهُ بِعِوَضٍ وَلاَ غَيْرِهِ.

وَبِنَحْوِ ذَلِكَ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ قَالَ الرَّمْلِيُّ: (وَمَنْ أَلِفَ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ النَّاسَ، أَوْ يُقْرِئُ فِيهِ قُرْآنًا، أَوْ عِلْمًا شَرْعِيًّا، أَوْ آلَةً لَهُ، أَوْ لِتَعَلُّمِ مَا ذُكِرَ كَسَمَاعِ دَرْسٍ بَيْنَ يَدَيْ مُدَرِّسٍ فَهُوَ كَالْجَالِسِ فِي الشَّارِعِ لِمُعَامَلَةٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يُفِيدَ أَوْ يَسْتَفِيدَ. بَلْ هُوَ أَوْلَى مِمَّنْ يَجْلِسُ فِي الشَّارِعِ لِمُعَامَلَةٍ، لأِنَّ لَهُ غَرَضًا فِي مُلاَزَمَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَأْلَفَهُ النَّاسُ. وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ وَطَنًا... مَخْصُوصٌ بِمَا عَدَا ذَلِكَ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ إِذْنُ الإْمَامِ، وَإِذَا غَابَ الْمُدَرِّسُ فَلِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِي مَكَانِهِ، حَتَّى لاَ تَتَعَطَّلَ مَنْفَعَتُهُ).

 

وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ وَانْطَبَقَ عَلَيْهِ شَرْطُهُ، أَوْ فَقِيهٌ إِلَى مَدْرَسَةٍ، أَوْ مُتَعَلِّمُ قُرْآنٍ إِلَى مَا بُنِيَ لَهُ، أَوْ صُوفِيٌّ إِلَى خَانِقَاهُ لَمْ يُزْعَجْ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْهُ بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ مِنَ الأْعْذَارِ، وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَتَاعًا وَلاَ نَائِبًا. وَمَتَى عَيَّنَ الْوَاقِفُ مُدَّةً لِلإْقَامَةِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَفِقِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، إِلاَّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، لأِنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُرِدْ خُلُوَّ الْمَدْرَسَةِ، وَكَذَا يُعْمَلُ بِالْعُرْفِ فِي كُلِّ شَرْطٍ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ، وَلاَ يُزَادُ فِي رِبَاطٍ مُدَّةٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ.

9 - هَذَا وَقَدْ فَصَّلَ كُلٌّ مِنَ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَبِي يَعْلَى بَيَانَ الاِرْتِفَاقِ بِالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ وَلاَ سِيَّمَا مِنْ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَى إِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ عَدَمُهَا فَقَالاَ: وَأَمَّا الإْرْفَاقُ فَهُوَ مِنِ ارْتِفَاقِ النَّاسِ بِمَقَاعِدِ الأْسْوَاقِ، وَأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ، وَحَرِيمِ الأْمْصَارِ، وَمَنَازِلِ الأْسْفَارِ فَتَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَخْتَصُّ الاِرْتِفَاقُ فِيهِ بِالصَّحَارِيِ وَالْفَلَوَاتِ، وَقِسْمٌ يَخْتَصُّ الاِرْتِفَاقُ فِيهِ بِأَفْنِيَةِ الأْمْلاَكِ، وَقِسْمٌ يَخْتَصُّ بِالشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ.

وَالْقِسْمُ الأْوَّلُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لاِجْتِيَازِ السَّابِلَةِ وَاسْتِرَاحَةِ الْمُسَافِرِينَ فِيهِ فَلاَ نَظَرَ لِلسُّلْطَانِ فِيهِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ وَضَرُورَةِ السَّابِلَةِ فِيهِ. وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ السُّلْطَانُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إِصْلاَحُ عَوْرَتِهِ «خَلَلِهِ» وَحِفْظُ مِيَاهِهِ، وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَنُزُولُهُ، وَيَكُونُ السَّابِقُ إِلَى الْمَنْزِلِ أَحَقَّ بِحُلُولِهِ مِنَ الْمَسْبُوقِ حَتَّى يَرْتَحِلَ. فَإِنْ وَرَدُوهُ عَلَى سَوَاءٍ وَتَنَازَعُوا فِيهِ، نَظَرَ فِي التَّعْدِيلِ بَيْنَهُمْ بِمَا يُزِيلُ تَنَازُعَهُمْ. وَكَذَلِكَ الْبَادِيَةُ إِذَا انْتَجَعُوا أَرْضًا طَلَبًا لِلْكَلأَ وَارْتِفَاقًا بِالْمَرْعَى وَانْتِقَالاً مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ كَانُوا فِيمَا تَرَكُوهُ وَارْتَحَلُوا عَنْهُ كَالسَّابِلَةِ لاَ اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ فِي تَنَقُّلِهِمْ وَرَعْيِهِمْ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي. أَنْ يَقْصِدُوا بِنُزُولِهِمْ بِهَا الإْقَامَةَ وَالاِسْتِيطَانَ، فَلِلسُّلْطَانِ فِي نُزُولِهِمْ بِهَا نَظَرٌ يُرَاعَى فِيهِ الأْصْلَحُ فَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِالسَّابِلَةِ مُنِعُوا مِنْهَا قَبْلَ النُّزُولِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالسَّابِلَةِ رَاعَى الأْصْلَحَ فِي نُزُولِهِمْ بِهَا أَوْ مَنَعَهُمْ مِنْهَا وَنَقَلَ غَيْرَهُمْ إِلَيْهَا، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ حِينَ مَصَّرَ الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ. نَقَلَ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمِصْرَيْنِ مَنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، لِئَلاَّ يَجْتَمِعَ فِيهِ الْمُسَافِرُونَ، فَيَكُونَ سَبَبًا لاِنْتِشَارِ الْفِتْنَةِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، كَمَا يُفْعَلُ فِي إِقْطَاعِ الْمَوَاتِ مَا يُرَى، فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنُوهُ حَتَّى نَزَلُوا فِيهِ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْهُ. كَمَا لاَ يَمْنَعُ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَدَبَّرَهُمْ بِمَا يَرَاهُ صَلاَحًا لَهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ إِحْدَاثِ زِيَادَةٍ مِنْ بَعْدُ، إِلاَّ عَنْ إِذْنِهِ. رَوَى كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي عُمْرَتِهِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، فَكَلَّمَهُ أَهْلُ الْمِيَاهِ فِي الطَّرِيقِ أَنْ يَبْنُوا مَنَازِلَ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَذِنَ لَهُمْ، وَاشْتَرَطَ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ وَالظِّلِّ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ وَالأْمْلاَكِ. يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِأَرْبَابِهَا مُنِعَ الْمُرْتَفِقُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُضِرٍّ بِهِمْ فَفِي إِبَاحَةِ ارْتِفَاقِهِمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ قَوْلاَنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُمُ الاِرْتِفَاقَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَرْبَابُهَا، لأِنَّ الْحَرِيمَ مِرْفَقٌ إِذَا وَصَلَ أَهْلُهُ إِلَى حَقِّهِمْ مِنْهُ سَاوَاهُمْ النَّاسُ فِيمَا عَدَاهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِرْتِفَاقُ بِحَرِيمِهِمْ إِلاَّ عَنْ إِذْنِهِمْ، لأِنَّهُ تَبَعٌ لأِمْلاَكِهِمْ فَكَانُوا بِهِ أَحَقَّ وَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ أَخَصَّ.

وَأَمَّا حَرِيمُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ فَيُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الاِرْتِفَاقُ بِهَا مُضِرًّا بِأَهْلِ الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ مُنِعُوا مِنْهُ، وَلَمْ يَجُزْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ، لأِنَّ الْمُصَلِّينَ بِهَا أَحَقُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا جَازَ ارْتِفَاقُهُمْ بِحَرِيمِهَا.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ فَكِلاَهُمَا فِيهِ لاَ يَخْرُجُ عَمَّا سَبَق.

حُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

10 - تَبَيَّنَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يُطْلِقُونَ الاِرْتِفَاقَ عَلَى مَا يَرْتَفِقُ بِهِ، وَيَخْتَصُّ بِمَا هُوَ مِنْ التَّوَابِعِ،

 

كَالشُّرْبِ وَمَسِيلِ الْمَاءِ وَالطَّرِيقِ وَالْمُرُورِ وَالْمَجْرَى وَالْجِوَارِ، وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ خَصَّ الاِرْتِفَاقَ بِمَنَافِعِ الدَّارِ. وَلِكُلٍّ مِنَ الْمَرَافِقِ الْمَذْكُورَةِ مُصْطَلَحٌ خَاصٌّ بِهِ، وَلِذَلِكَ فَيَكْفِي هُنَا أَنْ يَعْرِفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَافِقِ، وَيُبَيِّنَ حُكْمَهُ، عَلَى أَنْ يَتْرُكَ التَّفْصِيلَ لِلْمُصْطَلَحَاتِ الْخَاصَّةِ.

الشُّرْبُ:

11 - الشُّرْبُ: لُغَةً النَّصِيبُ مِنَ الْمَاءِ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ النَّصِيبُ مِنَ الْمَاءِ لِلأْرَاضِيِ لاَ لِغَيْرِهَا.

وَرُكْنُهُ الْمَاءُ لأِنَّهُ يَقُومُ بِهِ.

وَشَرْطُ حِلِّهِ أَنْ يَكُونَ ذَا حَظٍّ مِنَ الشُّرْبِ.

وَحُكْمُهُ الإْرْوَاءُ، لأِنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يُفْعَلُ لأِجْلِهِ.

مَسِيلُ الْمَاءِ:

12 - الْمَسِيلُ: الْمَجْرَى وَمَسِيلُ الْمَاءِ مَجْرَاهُ وَإِذَا كَانَ لِشَخْصٍ مَجْرَى مَاءٍ جَارٍ أَوْ سِيَاقِ مَاءٍ بِحَقٍّ قَدِيمٍ فِي مِلْكِ شَخْصٍ آخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ مَنْعُهُ. وَإِذَا كَانَ لِدَارٍ مَسِيلُ مَطَرٍ عَلَى دَارِ جَارٍ مِنْ قَدِيمٍ فَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ، وَصُورَةُ حَقِّ الْمَسِيلِ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ لَهَا مَجْرَى مَاءٍ فِي أَرْضٍ أُخْرَى.

حَقُّ التَّسْيِيلِ:

13 - صُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ لِشَخْصٍ دَارٌ لَهَا حَقُّ تَسْيِيلِ 

الْمَاءِ عَلَى أَسْطُحَةِ دَارٍ أُخْرَى، أَوْ عَلَى أَرْضِ دَارٍ أُخْرَى

الطَّرِيقُ:

14 - فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ أَنَّ الطُّرُقَ ثَلاَثَةٌ: طَرِيقٌ إِلَى الطَّرِيقِ الأْعْظَمِ، وَطَرِيقٌ إِلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، وَطَرِيقٌ خَاصٌّ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ وَسَيَأْتِي أَحْكَامُ التَّصَرُّفِ فِيهَا.

حَقُّ الْمُرُورِ:

15 - هُوَ أَنْ يَكُونَ لِشَخْصٍ حَقُّ الْمُرُورِ فِي أَرْضِ شَخْصٍ آخَرَ.

وَالْحُكْمُ فِيهِ مَا نَصَّتْ عَلَيْهِ الْمَادَّةُ (1225) مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ: «إِذَا كَانَ لأِحَدٍ حَقُّ الْمُرُورِ فِي عَرْصَةِ آخَرَ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْمُرُورِ وَالْعُبُورِ».

وَقَدْ نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1224) عَلَى حُكْمٍ عَامٍّ يَتَعَلَّقُ بِثُبُوتِ الْحُقُوقِ فِي الْمَرَافِقِ، هُوَ: «يُعْتَبَرُ الْقِدَمُ فِي حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ الْمَجْرَى وَحَقِّ الْمَسِيلِ. يَعْنِي تُتْرَكُ هَذِهِ الأْشْيَاءُ وَتَبْقَى عَلَى وَجْهِهَا الْقَدِيمِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ، لأِنَّ الشَّيْءَ الْقَدِيمَ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (6) وَلاَ يَتَغَيَّرُ إِلاَّ أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلاَفِهِ. أَمَّا الْقَدِيمُ الْمُخَالِفُ لِلشَّرْعِ فَلاَ اعْتِبَارَ لَهُ. يَعْنِي إِذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمَعْمُولُ بِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ فِي الأْصْلِ فَلاَ اعْتِبَارَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا، وَيُزَالُ إِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ. مَثَلاً إِذَا كَانَ لِدَارٍ مَسِيلٌ قَذِرٌ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ، وَلَوْ مِنَ الْقَدِيمِ، وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لِلْمَارَّةِ فَإِنَّ ضَرَرَهُ يُرْفَعُ، وَلاَ اعْتِبَارَ لِقِدَمِهِ».

وَفِي شَرْحِ الْمَادَّةِ قَالَ الأْتَاسِيُّ: (وَكَذَا لاَ اعْتِبَارَ لِقِدَمِهِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ،) وَإِنْ كَانَ ضَرَرُهُ خَاصًّا. كَمَا إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ كَوَّةٌ تُشْرِفُ عَلَى مَقَرِّ نِسَاءِ جَارِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ إِزَالَةُ الضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا، كَمَا أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ قَائِلاً: وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ حَيْثُ كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا، فَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا كَمَا إِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ الْجَارَ أَحْدَثَ الْبِنَاءَ بَعْدَ أَنْ كَانَتِ الْكَوَّةُ تُشْرِفُ عَلَى أَرْضٍ سَبْخَةٍ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِزَالَةُ الضَّرَرِ.

حَقُّ التَّعَلِّي:

16 - نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1198) مِنَ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنَّ (كُلَّ أَحَدٍ لَهُ التَّعَلِّي عَلَى حَائِطِهِ الْمِلْكِ، وَبِنَاءُ مَا يُرِيدُ، وَلَيْسَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا فَاحِشًا).

وَقَالَ الأْتَاسِيُّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ: (وَلاَ عِبْرَةَ بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَسُدُّ عَنْهُ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ، كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ، لأِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ. وَفِي الأْنْقِرَوِيَّةِ: لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى حَائِطِ نَفْسِهِ أَزْيَدَ مِمَّا كَانَ، وَلَيْسَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ وَإِنْ بَلَغَ عَنَانَ السَّمَاءِ). أَقُولُ: هَذَا مُسَلَّمٌ إِذَا كَانَ التَّعَلِّي يَسُدُّ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ عَنْ مِثْلِ سَاحَةِ دَارِ الْجَارِ. أَمَّا إِذَا كَانَ يَسُدُّهُمَا عَنْ سَطْحِ بَيْتِهِ الْمُسَقَّفِ بِالْخَشَبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ.

حَقُّ الْجِوَارِ:

17 - نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1201) مِنَ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنَّ: (مَنْعَ الْمَنَافِعِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنَ الْحَوَائِجِ الأْصْلِيَّةِ، كَسَدِّ  الْهَوَاءِ وَالنَّظَّارَةِ، أَوْ مَنْعِ دُخُولِ الشَّمْسِ لَيْسَ بِضَرَرٍ فَاحِشٍ، لَكِنْ سَدُّ الضِّيَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ. فَإِذَا أَحْدَثَ رَجُلٌ بِنَاءً فَسُدَّ بِسَبَبِهِ شُبَّاكُ بَيْتِ جَارِهِ، وَصَارَ بِحَالٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ مَعَهَا مِنَ الظُّلْمَةِ، فَلَهُ أَنْ يُكَلَّفَ رَفْعُهُ لِلضَّرَرِ الْفَاحِشِ، وَلاَ يُقَالُ: الضِّيَاءُ مِنَ الْبَابِ كَافٍ، لأِنَّ بَابَ الْبَيْتِ يُحْتَاجُ إِلَى غَلْقِهِ لِلْبَرْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الأْسْبَابِ. وَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْمَحَلِّ شُبَّاكَانِ فَسُدَّ أَحَدُهُمَا بِإِحْدَاثِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فَلاَ يَضُرُّ ضَرَرًا فَاحِشًا.

وَالْعِلَّةُ فِي الْمَنْعِ هُوَ تَحَقُّقُ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ مُنِعَ الْعَمَلُ، وَإِلاَّ أُبِيحَ.

تِلْكَ هِيَ حُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

18 - وَيُمْكِنُ إِنْشَاءُ حُقُوقِ ارْتِفَاقٍ أُخْرَى غَيْرِهَا حَسْبَمَا يَجْرِي الْعُرْفُ وَاسْتِعْمَالُ النَّاسِ، فَإِنْ حَدَثَتْ حُقُوقُ ارْتِفَاقٍ أُخْرَى بِالاِسْتِعْمَالِ تُطَبَّقُ عَلَيْهَا الأْحْكَامُ السَّابِقَةُ، فَفِي وَسَائِلِ الْمُوَاصَلاَتِ الْعَامَّةِ مَثَلاً كَالْقِطَارَاتِ وَالطَّيَّارَاتِ وَالسَّيَّارَاتِ، وَالْمَقَاعِدِ فِي الأْمَاكِنِ الْعَامَّةِ وَغَيْرِهَا، إِمَّا أَنْ يُخَصَّصَ مَقْعَدٌ مُعَيَّنٌ لِكُلِّ رَاكِبٍ أَوْ لاَ، فَإِنْ خُصِّصَ لِكُلِّ رَاكِبٍ مَقْعَدٌ مُعَيَّنٌ فَلاَ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ تُعَيَّنْ الْمَقَاعِدُ لِلرَّاكِبِينَ فَلِكُلِّ رَاكِبٍ أَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَقْعَدِ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ، وَهَكَذَا الأَْمْرُ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.

19 - هَذَا وَقَدْ أَوْرَدَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَحْكَامَ الْمَرَافِقِ السَّابِقَةِ، لَكِنْ تَحْتَ عَنَاوِينَ أُخْرَى غَيْرِ الاِرْتِفَاقِ، حَيْثُ أَوْرَدَهَا الْمَالِكِيَّةُ فِي بَابِ (نَفْيُ الضَّرَرِ وَسَدُّ الذَّرَائِعِ)، وَأَوْرَدَهَا الشَّافِعِيَّةُ فِي بَابِ (تَزَاحُمُ الْحُقُوقِ) وَأَوْرَدَهَا الْحَنَابِلَةُ فِي بَابِ (الصُّلْحُ)

التَّصَرُّفُ فِي حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ:

20 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الطَّرِيقَ نَوْعَانِ: نَافِذٌ، وَغَيْرُ نَافِذٍ. فَالطَّرِيقُ النَّافِذُ مُبَاحٌ لاَ يُمْلَكُ لأَِحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ فَتْحُ بَابِ مِلْكِهِ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، فَلِلْعَامَّةِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا لاَ يَضُرُّ الْمَارَّةَ.

وَأَمَّا غَيْرُ النَّافِذِ فَهُوَ مِلْكُ مَنْ نَفَذَتْ أَبْوَابُهُمْ إِلَيْهِ، لاَ مَنْ لاَصَقَهُ جُدْرَانُهُمْ مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ أَبْوَابِهِمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ نَفَذَتْ أَبْوَابُهُمْ إِلَيْهِ فَهُمُ الْمُلاَّكُ وَهُمْ شُرَكَاءُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ إِشْرَاعُ جَنَاحٍ فِيهِ، أَوْ بَابٍ لِلاِسْتِطْرَاقِ إِلاَّ بِرِضَاهُمْ. وَهَذَا فِي الْمَذَاهِبِ الثَّلاَثَةِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

21 - وَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بَيْعَ الشُّرْبِ، أَوْ بَعْضَهُ، وَبَيْعَ حُقُوقِ الأَْمْلاَكِ، كَحَقِّ الْمُرُورِ، وَحَقِّ الْمَجْرَى، وَحَقِّ التَّعَلِّي، لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ، وَجَوَّزُوا الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً، إِرْفَاقًا بِالنَّاسِ، لَكِنِ اشْتَرَطُوا فِي حَقِّ إِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَى السُّطُوحِ وَإِجَارَتِهِ وَإِعَارَتِهِ أَنْ تُعْرَفَ السُّطُوحُ الَّتِي يَجْرِي عَلَيْهَا وَمِنْهَا، كَمَا أَجَازُوا إِعَارَةَ الْعُلُوِّ مِنْ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ، وَإِجَارَتَهُ لِذَلِكَ كَسَائِرِ الأَْعْيَانِ الَّتِي تُعَارُ وَتُؤْجَرُ، فَإِنْ بَاعَهُ حَقَّ الْبِنَاءِ أَوِ الْعُلُوِّ الْمَعْلُومِ اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ عَلَيْهِ.

22 - أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ جَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ أَنَّ الطُّرُقَ ثَلاَثَةٌ:

طَرِيقٌ إِلَى الطَّرِيقِ الأْعْظَمِ، وَطَرِيقٌ إِلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، وَطَرِيقٌ خَاصٌّ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ، فَالأْخِيرُ لاَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِلاَ ذِكْرِهِ أَوْ ذِكْرِ الْحُقُوقِ أَوِ الْمَرَافِقِ. وَالأْوَّلاَنِ يَدْخُلاَنِ بِلاَ ذِكْرٍ. وَالْمُرَادُ بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ لاَ حَقِّ الْمُرُورِ، فَإِذَا كَانَتْ دَارُهُ دَاخِلَ دَارِ رَجُلٍ، وَكَانَ لَهُ طَرِيقٌ فِي دَارِ ذَلِكَ الرَّجُلِ إِلَى دَارِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْمُرُورِ فَقَطْ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ رَقَبَةُ الطَّرِيقِ، فَإِذَا بَاعَ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ صَحَّ، فَإِنْ حَدَّ فَظَاهِرٌ، وَإِلاَّ فَلَهُ بِقَدْرِ عَرْضِ الْبَابِ الْعُظْمَى.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الطَّرِيقِ وَاَلَّذِي يَكُونُ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ أَنَّ الطَّرِيقَ الأْوَّلَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، وَالثَّانِي مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ السِّكَّةِ، وَفِيهِ أَيْضًا حَقٌّ لِلْعَامَّةِ.

وَلاَ يُبَاعُ الشُّرْبُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُؤْجَرُ وَلاَ يُتَصَدَّقُ بِهِ إِلاَّ تَبَعًا لِلأْرْضِ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَنُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ جَوَّزَ بَيْعَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْفُذُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ.

23 - أَمَّا حَقُّ الْمَسِيلِ فَإِذَا كَانَ مُحَدَّدًا بِبَيَانِ الْمِقْدَارِ الَّذِي يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُبَيَّنٍ فَلاَ يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ. أَمَّا بَيْعُ الرَّقَبَةِ فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَيْعِ حَقِّ الْمَسِيلِ مَعَهُ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ تَحْدِيدُهُ، وَيَصِحُّ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ تَبَعًا لِلأْرْضِ بِلاَ خَوْفٍ، وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ فِي رِوَايَةٍ، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ حَقِّ التَّعَلِّي، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ، أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الأْرْضِ وَهِيَ مَالٌ هُوَ عَيْنٌ، أَمَّا حَقُّ التَّعَلِّي فَمُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ، وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْنٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ

وَحْدَهُ وَصَحَّحَهُ أَبُو اللَّيْثِ.

وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ حَقِّ الشُّرْبِ إِلاَّ تَبَعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ أَنَّهُ بَاطِلٌ، قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا لاَ بَاطِلاً، لأِنَّ بَيْعَهُ يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ، وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ.

أَحْكَامُ رُجُوعِ الْمُرْفِقِ وَأَثَرِهِ عَلَى الاِرْتِفَاقِ:

24 - الْمُعْتَمَدُ فِي الإْرْفَاقِ بِالْغَرْزِ أَنَّهُ لاَ رُجُوعَ فِيهِ بَعْدَ الإْذْنِ، طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَصُرَ، عَاشَ أَوْ مَاتَ (الْمُرْتَفِقُ)، إِلاَّ أَنْ يَنْهَدِمَ الْجِدَارُ فَلاَ يُعِيدُ الْغَرْزَ إِلاَّ بِإِرْفَاقٍ جَدِيدٍ، وَأَمَّا إِعَادَةُ الْعَرْصَةِ لِلْبِنَاءِ فَالرَّاجِحُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَجَلٍ، وَلَوْ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مَا يُرْفَقُ وَيُعَارُ لِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ، وَلَكِنْ عَلَى الْمُرْفِقِ دَفْعُ مَا أَنْفَقَ الْمُرْتَفِقُ أَوْ قِيمَتِهِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرْصَةِ وَالْجِدَارِ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الْقَضَاءَ بِإِعَارَةِ الْجِدَارِ إِذَا امْتَنَعَ صَاحِبُهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الإْعَارَةِ ضَرَرٌ، وَهُوَ قَوْلُ الإْمَامِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ.

وَمَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَرْصَةِ مِنْ جَوَازِ الرُّجُوعِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.

وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ زَرْقُونٍ حُكْمَ الْعَرْصَةِ جَارِيًا فِي الْجِدَارِ أَيْضًا، لأِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ رِجَالٍ فَقَالَ: قَدْ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمَذْهَبَ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْجِدَارِ وَالْعَرْصَةِ فِي أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ صَاحِبَيْهِمَا الرُّجُوعَ حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَجَلٍ بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْفِقُ كُلًّا مِنْهُمَا مَا أَنْفَقَهُ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إِلاَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يَرْتَفِقُ فِيهَا الْمُعَارُ، فَهُنَاكَ إِذَنْ رَأْيَانِ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ فِي الْعَرْصَةِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / التاسع والثلاوثون  ، الصفحة /  263

حُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ

21 - حَقُّ الاِرْتِفَاقِ عِبَارَةٌ عَنْ حَقٍّ مُقَرَّرٍ عَلَى عَقَارٍ لِمَنْفَعَةِ عَقَارٍ آخَرَ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِ مَالِكِ الْعَقَارِ الأْوَّلِ ، وَتَشْمَلُ حُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: حَقَّ الشُّرْبِ، وَحَقَّ الْمَجْرَى، وَحَقَّ الْمَسِيلِ، وَحَقَّ الْمُرُورِ، وَحَقَّ التَّعَلِّي، وَحَقَّ الْجِوَارِ .

وَحُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ لَيْسَتْ بِمُفْرَدِهَا مَالاً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّ هَا أُمُورٌ لاَ يُمْكِنُ حَوْزُهَا وَادِّخَارُهَا، وَلِذَلِكَ قَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهَا وَإِجَارَتِهَا وَهِبَتِهَا اسْتِقْلاَلاً، وَلَكِنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَهَا حُقُوقًا مَالِيَّةً لِتَعَلُّقِهَا بِأَعْيَانٍ مَالِيَّةٍ، وَمِنْ هُنَا أَجَازُوا بَيْعَهَا تَبَعًا لِلْعَقَارِ الَّذِي ثَبَتَتْ لِمَنْفَعَتِهِ.

أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَقَدِ اعْتَبَرُوهَا مِنْ قَبِيلِ الأْمْوَالِ ، وَأَجَازُوا - فِي الْجُمْلَةِ - بَيْعَهَا وَهِبَتَهَا اسْتِقْلاَلاً .

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ لاَ تَسْقُطُ بِمَوْتِ صَاحِبِ الْحَقِّ، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ الَّذِي ثَبَتَتْ لِمَصْلَحَتِهِ، لأِنَّهُ  حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ، فِيهَا مَعْنَى الْمَالِ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَعْيَانٍ مَالِيَّةٍ، وَلِهَذَا فَلاَ تَأْثِيرَ لِلْمَوْتِ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّهَا أَمْوَالٌ ذَاتُهَا أَوْ حُقُوقٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَعْيَانٍ مَالِيَّةٍ .

 

 

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له  (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

(مادة 37)
الارتفاق هو حق مقرر على عقار لمنفعة عقار لشخص آخر.