مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السابع ، الصفحة : 3
الحقوق العينية التبعية
أو التأمينات العينية
المذكرة الإيضاحية :
نظرة عامة (1):
جمع المشروع التأمينات العينية في كتاب واحد وبذلك وضع رهن الحيازة في مكانه بين الرهون الأخرى فأصلح عيباً وقع فيه التقنين الحالي .
وتنتظر التأمينات العينية جميعاً فكرة واحدة هي فكرة الرهن ضماناً لوفاء الدين فيكون الرهن بمقتضى اتفاق في الرهن الرسمي ورهن الحيازة وبمقتضى أمر من القاضي في حق الاختصاص وبمقتضى نص في القانون في حقوق الامتياز أما الحق في الحبس فقد تقدم أن المشروع لا يعتبره حقاً عينياً بل هو دفع يبديه من له حق التمسك به .
وقد قدم المشروع الرهن الرسمي على غيره من الرهون لأنه أوسعها انتشاراً و أكبرها خطراً ثم أعقب الرهن الرسمي بحق الاختصاص لأنه حق مصوغ على غرار الرهن الرسمي والأحكام بينهما مشتركة وتلا ذلك رهن الحيازة وهو رهن واسع الانتشار في البيئات الزراعية فلم يبق إلا حقوق الامتياز تختم بها التأمينات العينية .
الرهن الرسمي
المذكرة الإيضاحية :
نظرة عامة :
رتب المشروع أحكام الرهن الرسمي ترتيباً لانجده في التقنين الحالي واستحدث من النصوص ما حقق كثيراً من الإصلاح وعالج كثيراً من العيوب .
(1) أما الترتيب الذي اتبعه المشروع فنطقه واضح فقد بسط أحكام الرهن في فصول ثلاثة : تناول الفصل الأول منها إنشاء الرهن فعرف العقد وقرر رسميته وذكر من عناصره الراهن والعقار المرهون والدين المضمون وتناول الفصل الثاني آثار الرهن فقرر أثر الرهن فيما بين المتعاقدين ثم أثره بالنسبة للغير ويستخلص من مجموع هذه الأحكام أن عقد الرهن يرتب حقاً عينياً على العقار المرهون ويترتب هذا الحق دون حاجة إلى القيد فيما بين المتعاقدين ولا ينفذ في حق الغير إلا بالقيد ويمكن تعريف حق الرهن بأنه سلطة يرتبها القانون للدائن المرتهن على العقار المرهون يستطيع بها أن يستوفي حقه من ثمن هذا العقار فإذا استعمل هذه السلطة في مواجهة الراهن لم يكن هذا استعمالاً لضمانه العام بل استعمالاً لحق الرهن أو في مواجهة الغير كان هذا أيضاً استعمالاً لحق الرهن إلا أن هذا الاستعال يتخذ صورة خاصة يسمونها تقدما إذا كان الغير دائناً آخر وتتبعاً إذا كان الغير شخصياً انتقلت إليه ملكية العقار المرهون .
وتناول الفصل الثالث الأسباب التي ينقضي بها الرهن الرسمي بصفة تبعية مع الدين المضمون أو بصفة أصلية مستقلاً عن انقضاء هذا الدين .
(ب) أما النصوص التي استحدثها المشروع فيمكن إجمال أهمها فيما يأتي :
أولاً - من حيث إنشاء الرهن :
1 - ميز المشروع في الرهن الذي يصدر من غير المالك بين رهن ملك الغير رهن الأموال المستقبلة فعل رهن ملك الغير باطلاً بطلاناً نسبياً كبيع ملك الغير حتى يتسق التشريع في عقدين من عقود التصرف البيع والرهن لا مبرر للتفرقة بينهما في هذه المسألة أما رهن الأموال المستقبلة وهي الأموال التي تؤول إلى الراهن في المستقبل دون أن تتحدد في عقارات بالذات فباطل بطلاناً مطلقاً .
2- ذكر المشروع حكم رهن الأموال الشائعة بتفصيل يتفق مع أهمية هذا الحكم من الناحية العملية .
3- بين المشروع حكم رهن المباني القائمة على أرض الغير .
4- وضع المشروع مبدأ عدم تجزئة الرهن في ألفاظ واضحة وبين الشقين اللذين يتضمنهما هذا المبدأ فكل جزء من العقار ضامن لكل الدين وكل جزء من الدين مضمون بكل العقار .
ثانياً - من حيث آثار الرهن .
1- بين المشروع القيود التي ترد على حقوق الراهن في الإيجار وفي قبض الأجرة.
2- عرض المشروع لشرط التملك عند عدم الوفاء وشرط البيع دون إجراءات وجعل حكمهما البطلان والتقنين الحالى لايذكر هذا الحكم إلا في رهن الحيازة ويقصره على شرط التملك عند عدم الوفاء .
3- خص المشروع الكفيل العيني بعض الأحكام من ذلك تمسك هذا الكفيل بأوجه الدفع الخاصة به و بأوجه الدفع المتعلقة بالدين وعدم جواز التنفيذ على ماله إلا ما رهن من هذا المال دون أن يكون له حق الدفع بالتجريد وجواز تخليه عن العقار المرهون ليتفادى توجيه أي إجراء ضده .
4 - وضع قواعد تمنع الدائن المرتهن من التلاعب مرتبة رهنه والاحتيال في ذلك سعياً وراء محاباة بعض الدائنين على حساب الآخرين كما أجاز للدائن المرتهن أن يتنازل عن مرتبة رهنه في حدود الدين المضمون بهذا الرهن لمصلحة دائن آخر له رهن مقيد على نفس العقار .
5- أدخل المشروع في إجراءات التطهير تعديلاً جوهرياً من شأنه أن يسقط عن الدائن إذا هو لم يقبل القيمة التي عرضها الحائز للعقار الالتزام بزيادة العشر .
6- أتي المشروع بنصوص واضحة في تصفية مركز الحائز للعقار بعد نزع الملكية .
ثالثاً - من حيث انقضاء الرهن :
1- ذكر المشروع أسباب انقضاء الرهن مرتبة وأورد في هذا الصدد بعض أحكام هامة كانقضاء الرهن بالتطهير حتى لو فسخت ملكية الحائز الذي طهر الرهن وكانقضائه بالبيع الجبري .
2– أورد المشروع الحكم في تقادم الرهن الرسمي فنصت المادة 1187 على أنه لا ينقضي الرهن الرسمي بالتقادم مستقلاً عن الدين ومع ذلك إذا انتقل العقار المرهون إلى حائز فإن حق الرهن بالنسبة له يسقط بالتقادم إذا لم يرفع الدائن المرتهن دعوى الرهن عليه في خمس عشرة سنة تبدأ من وقت تمكن الدائن من رفع هذه الدعوى وينقطع التقادم بإنذار الحائز بالدفع أو التخلية وقد اضطرب القضاء المصري في هذه المسألة حسم المشروع الخلاف بهذا الحكم.
مذكرة المشروع التمهيدي :
يطلق الرهن على العقد الرسمي وعلى الحق العيني الذي ينشئه هذا العقد فالرهن عقد يتم بين الراهن والدائن المرتهن .
ويكون الراهن عادة هو المدين وقد يكون غير المدين فيسمى كفيلاً عينياً والرسمية ركن في العقد لا يقوم بدونها و نفقات العقد من كتابة ورسوم وقيد وغير ذلك تكون على الراهن إلا إذا كان هناك اتفاق على شيء آخر أما حق الرهن فهو سلطة للدائن على العقار المرهون يستوفي بمقتضاها الدين من ثمن هذا العقار فإن استوفاه في مواجهة دان آخر سمى هذا تقدماً وإن استوفاه في مواجهة من انتقلت ملكية العقار المرهون إليه سمي هذا تتبعاً .
1 ـ إن مؤدى نصوص المواد 1030 ، 1043 ، 1052 مدنى أن الرهن الرسمى عقد به يكسب الدائن على عقار مخصص لوفاء دينه حقاً عينياً يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التالين له فى المرتبة فى استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار فى أى يد يكون ، فالرهن عقد يتم بين الراهن والدائن المرتهن ويعطى لهذا الأخير حقاً عينياً عقارياً على العقار المخصص لوفاء الدين بجميع ما ينتج عن هذا الحق من مزايا وضمانة عينية كما يعطى له حق التتبع فى يد من تنتقل إليه ملكية العقار المرهون ، والراهن يبقى مالكاً للعقار المرهون وحائزاً له ويحتفظ بحقه فى التصرف فيه ولا يتقيد فى ذلك إلا بعدم الإضرار بحق الدائن المرتهن ، ويستوى فى ذلك أن يتصرف الراهن فى كل العقار المرهون أو فى جزء منه فقط ، فإذا باعه أجزاء متفرقة إلى عدد من المشترين فللدائن المرتهن أن يتتبع كل جزء من العقار فى يد من اشتراه كما يتتبع كل العقار فى يد المشترى ، كما يقع باطلاً كل اتفاق يجعل للدائن الحق عند عدم استيفاء الدين وقت حلول أجله فى أن يتملك العقار المرهون نظير ثمن معلوم أياً كان ، ولو كان هذا الاتفاق قد أُبرم بعد الرهن ، فقد أراد المشرع حماية الراهن من هذا الاستغلال المخالف للنظام العام ، فنص صراحة على أن هذا الاتفاق يكون باطلاً .
(الطعن رقم 9352 لسنة 66 جلسة 2009/07/07 س 60 ص 782 ق 131)
2 ـ النص فى المادة 1030 من القانون المدني يدل على أن الرهن الرسمي يرتب للدائن المرتهن حقاً عينياً على العقار المرهون لوفاء الدين ويكون له بموجب هذا الحق أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التاليين له فى المرتبة فى استيفاء حقه من ثمن العقار المرهون فى أي يد تكون، والراهن قد يكون هو المدين نفسه أو كفيلاً عينياً آخر يتكفل بضمان الوفاء بدين على الغير، وإذا لم يباشر الكفيل العيني الرهن الرسمي بنفسه وقام به غيره نيابة عنه، وجب أن يكون صادراً منه له وكالة خاصة.
(الطعن رقم 348 لسنة 61 جلسة 1999/02/28 س 50 ع 1 ص 316 ق 59)
(الطعن رقم 395 لسنة 61 جلسة 1999/02/28 س 50 ع 1 ص 316 ق 59)
3 ـ أن المنع من اتخاذ الإجراءات الانفرادية بعد الحكم بشهر إفلاس المدين لا يسري إلا بالنسبة للدائنين العاديين والدانيين أصحاب حقوق الامتياز العامة الذين تضمهم جماعة الدائنين أما الدائنون المرتهنون وأصحاب حقوق الاختصاص وأصحاب حقوق الامتياز العقارية فلا يتدرجون فى عداد هذه الجماعة بسبب ما لهم من تأمينات تضمن حقوقهم وتدرأ عنهم خطر إفلاس المدين ومن ثم لا يتناولهم المنع من مباشرة الإجراءات الانفرادية فيجوز لهم مباشرة دعاويهم والتنفيذ على الأموال المحملة بتأميناتهم سواء قبل الحكم بشهر الإفلاس أو بعده فللدائن المرتهن رهناً رسمياً الحق فى التنفيذ على العقار فى أي وقت مراعاة الإجراءات المبينة فى القانون وأن يستوفي حقه من ثمن العقار المرهون إعمالا للمادة 1030 من القانون المدني.
(الطعن رقم 1401 لسنة 52 جلسة 1992/03/31 س 43 ع 1 ص 537 ق 114)
4 ـ مفاد نصوص المواد 1030، 1060، 1072 من القانون المدني والمادة 411 من قانون المرافعات المماثلة للمادة 626 من قانون المرافعات السابق أن للدائن المرتهن حق عيني على العقار المرهون يخوله مزية التتبع فيحق له عند حلول أجل الدين أن ينزع ملكية العقار المرهون فى يد الحائز لهذا العقار. والحائز هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - كل من أكتسب ملكية العقار المثقل بحق عيني تبعى أو حقاً عينياً عليه بموجب سند سابق فى تسجيله على تسجيل تنبيه نزع الملكية دون أن يكون مسئولاً شخصياً عن الدين المضمون، ما دام هذا الحائز قد تم إنذاره بالدفع أو التخلية طبقاً للقانون فلم يختر أياً منهما فإن للدائن المرتهن أن ينفذ على العقار المرهون تحت يده.
(الطعن رقم 75 لسنة 41 جلسة 1983/11/24 س 34 ع 2 ص 1678 ق 328)
يثير التعريف الوارد بالنص إلى خصائص الرهن الرسمي وقد كان يطلق عليه القانون السابق الرهن التأميني خصائص الرهن الرسمي هي :
(1) أنه حق عيني على العقار ينتج عنه حق التتبع الذي يخول الدائن المرتهن تتبع العقار في أي يد كما يخوله حق التقدم أو الأولوية على الدائنين العاديين أو التالين له في المرتبة عند توزیع ثمن العقار وتاريخ القيد هو الذي يحدد مرتبة الرهن ونفاذه بالنسبة للغير.
(2) والرهن الرسمی حق تابع للإلتزام الأصلي فلا يوجد بلونه وينقضي بإنقضائه و يتبعه من حيث الصحة والبطلان فإن كان الإلتزام الأصلي باطلاً كان الرهن باطلاً حتى لو كان سبب البطلان نقص في الأهلية م 1042 .
(3)وهو حق غير قابل للتجزئة فهو يرد على العقار بأكمله وجميع ملحقاته فإن انتقل العقار المرهون إلى الورقة ظل الرهن بالنسبة للعقار كله دون أن يقسم بحسب حصص کل وارث وأن سدد أحدهم ما يخصه من الدين فلا يجوز شطب الرهن بالنسبة لهذا الوفاء الجزئي إذا يظل الرهن حتى الوفاء بكل الدين وإلا فيتم التنفيذ على العقار بأكمله وقاء للباقي من الدين م 1041 .
(4) وهو عقد ملزم لجانب واحد وهو مقرر الرمن سواء كان هو المدين أو الكفيل العيني .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع عشر الصفحة/ 376)
تنص المادة 1030 مدني على ما يأتي :
الرهن الرسمي عقد به يكسب الدائن على عقار مخصص لوفاء دينه حقاً عينياً يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد يكون .
ويخلص النص أن الرهن الرسمي يطلق على العقد الذي يترتب به للدائن حق عيني على عقار مخصص لوفاء دينه ويطلق أيضاً على هذا الحق العيني الذي ترتب للدائن ضماناً لوفاء دينه وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد يطلق الرهن على العقد الرسمي وعلى الحق العيني الذي ينشئه هذا العقد فالرهن عقد يتم بين الراهن والدائن المرتهن .
أما العقد الرسمي فأمره ظاهر وهو عقد يتم بين الدائن المرتهن ومالك العقار المرهون سواء كان هذا المالك هو نفس المدين أو كان كفيلاً عينياً .
وأما الحق العيني الذي يترتب للدائن ضماناً لوفاء دينه فهو حق عيني عقاري يترتب على العقار المخصص لوفاء الدين ويكون للدين بموجبه حق تقدم في استيفاء دينه من ثمن العقار المرهون ويتقدم الدائن بموجب هذا الحق العيني ليس فحسب على الدائنين العاديين لمالك العقار المرهون بل أيضاً على الدائنين الذين لهم حق عيني آخر على هذا العقار من دائنين مرتهنين وأصحاب حقوق امتياز إذا كان هؤلاء الدائنون متأخرين في المرتبة أي مقيدين بعد تاريخ قيد الدائن المرتهن .
فإذا استوفى الدائن المرتهن حقه في مواجهة دائن آخر مع بقاء العقار في يد مالكه سمي هذا تقدماً أما إذا استوفاه وقد انتقلت ملكية العقار المرهون إلى غير المالك فإن ذلك يسمى تقدماً على الدائنين الآخرين وتتبعاً في يد من انتقلت إليه ملكية هذا العقار.
ويلجأ الدائن المرتهن عادة في استيفاء دينه من ثمن العقار المرهون إلى التنفيذ على هذا العقار وبيعه بالمزاد العلني ولكن العقار المرهون قد يهلك قبل بيعه بالمزاد العلني فينتقل حق الدائن المرتهن إلى قيمة هذا العقار كمبلغ تعويض في حالة تعدي الغير على العقار المرهون أو مبلغ تأمين في حالة التأمين على العقار عند إحدى شركات التأمين أو مبلغ مقابل لنزع ملكية العقار المرهون للمنفعة العامة وتقول المادة 1056 مدني في هذا الخصوص يستوفي الدائنون المرتهنون حقوقهم قبل الدائنين العاديين من ثمن العقار المرهون أو من المال الذي حل محل هذا العقار بحسب مرتبة كل منهم ولو كانوا قد أجروا القيد في يوم واحد .
فالرهن الرسمي إذن هو حق عيني ينشأ بموجب عقد رسمي هو الرهن ويتقرر ضماناً للوفاء بدين وهذا الحق العيني يتقرر على عقار مملوك للمدين أو لكفيل عيني وبموجبه يكون للدائن الحق في استيفاء دينه من ثمن هذا العقار مقدماً في ذلك على الدائنين العاديين لمالك هذا العقار وللدائنين أصحاب الحقوق العينية على هذا العقار المتأخرين في المرتبة ومتتبعاً هذا العقار تحت يد من انتقلت إليه ملكيته .
خصائص حق الرهن الرسمي :
ومن خصائص حق الرهن الرسمي أنه :
( 1 ) حق عيني عقاري .
( 2 ) حق تبعي .
( 3 ) حق غير قابل للتجزئة .
الرهن الرسمي حق عيني عقاري :
يعطي حق الرهن الرسمي للدائن المرتهن حقا عينياً عقارياًن بجميع ما ينتج عن هذا الحق من مزايا وضمانات عينية فيعطي هذا الحق العيني للدائن حق التقدم على جميع الدائنين العاديين والدائنين المتأخرين في المرتبة كما يعطي حق التتبع في يد من تنتقل إليه ملكية العقار المرهون فحق الرهن الرسمي ليس إذن جزءاً من حق الملكية كحق الارتفاق وحق الانتفاع بل هو حق الملكي ذاته أو حق عقاري آخر وضع ضماناً لدين معين .
وإذا كان الرهن الرسمي حقاً عقارياً تابعاً لدين كما سنرى فإن هذه التبعية تظهر يف أمور معينة منها أن ينتقل الدين ومعه الرهن الرسمي للموصي له من الدائن المرتهن ومنها أن ينتقل الدين ومعه الرهن الرسمي كذلك إلى المحال له ولكن الرهن الرسمي يبقى مع ذلك حقاً عقارياً فإذا أراد الدائن المرتهن أن يتخلى عنه أو أن يحيله لشخص آخر وجب أن يكون لهذا الدائن الأهلية اللازمة لنقل العقار .
الرهن الرسمي حق تبعي :
وحق الرهن الرسمي حق تبعي للدين الذي يضمنه هذا الرهن فلا يقوم هذا الحق إلا بقيام الدين المضمون به ويسير مع الدين وجوداً وعدماً فكل رهن رسمي يفترض إذن وجود التزام صحيح يضمنه هذا الرهن فإذا اعتور الالتزام عيب يؤدي إلى بطلانه أو إبطاله أو نقضه اختفى الرهن مع الإلتزام وينتقل الرهن مع الإلتزام للموصي له بالمنقول كما ينتقل مع الإلتزام للخلف العام أو الخاص للدائن المرتهن وينتهي إنتهاء الإلتزام بالوفاء أو بأية طريقة أخرى من طريق الإنقضاء ويقوم الرهن الرسمي لضمان أي إلتزام مهما كانت طبيعته وأوصافه فيجوز أن يضمن الرهن إلتزاماً مؤجلاً أو إلتزاماً شرطياً فيصبح مؤجلاً أو شرطياً كالإلتزام المضمون .
على أنه يجوز من جهة في القانون الفرنسي فصل الرهن الرسمي عن الإلتزام المضمون فيحتفظ صاحب العقار المرهون بالحق في منح مرتبة الرهن الرسمي لدائن مرتهن غير الدائن المرتهن كما يجوز من جهة أخرى إنشاء رهن رسمي لضمان حق مستقل .
أما عن احتفاظ صاحب العقار المرهون بالحق في منح مرتبة الرهن الرسمي لدائن مرتهن غير الدائن المرتهن الأول في القانون الفرنسي فيتحقق ذلك بأن يفي صاحب العقار المرهون الدائن المرتهن الأول ويستبقى مرتبة الرهن يعطيها لمن يشاء من الدائنين فيصبح لهذا الدائن مرتبة الدائن المرتهن الأول الذي سبق أن استوفى حقه وعلى الدائن المرتهن الجديد أن يذكر في القيد الذي يجريه مرتبته في الرهن أي مرتبة الدائن المرتهن الأول.
وأما عن إنشاء رهن رسمي لضمان حق مستقل فيتحقق ذلك إذا فتح مصرف اعتماداً لأحد عملائه مضموناً برهن يأخذه المصرف على عقار لهذا المدين فيوجد الرهن أولاً قبل أن يوجد الدين ثم يوجد الدين بعد ذلك ويجوز قيد الرهن قبل أن يوجد الدين يعتبر الرهن مورداً حتى قبل أن يقبض العميل الإعتماد المضمون بالرهن .
الرهن الرسمي حق غير قابل للتجزئة :
والرهن الرسمي حق غير قابل للتجزئة سواء بالنسبة إلى العقار المرهون أو بالنسبة إلى الدين المضمون .
أما بالنسبة إلى العقار المرهون فإنه إذا فرض أن هذا العقار انتقل إلى ورثة مالكه وأصبح كل وارث مسئولاً عن جزء من الدين فإن الجزء من العقار الذي يملكه هذا الوارث يبقى مرهوناً في كل الدين فإذا أدى الوارث الجزء من الدين الذي هو مسئول عنه بقي الجزء من العقار الذي دخل في ملكه مسئولاً عن باقي الدين ولا يجوز شطب الرهن عن هذا الجزء من العقار إلا بعد سداد الدين كله وإذا فرض أن عقارات متعددة مرهون في الدين فإن كل عقار منها يبقى مرهوناً إلى أن يسدد الدين كله ولا يكفي وفاء ما يقابل هذا العقار من الدين حتى يتخلص العقار من الرهن .
وأما بالنسبة إلى الدين المضمون فدعوى الرهن لا تتجزأ ويترتب على ذلك النتائج الآتية :
( 1 ) إذا انقضى جزء من الدين المضمون فإن العقار الضامن للدين يبقى ضامناً لما بقي من الدين فلا يخلص منه ما يقابل ما انقضى من الدين المضمون فإذا كان ما إنقضى هو ربع الدين مثلاً بقي العقار كله ضامناً لثلاثة أرباع الدين الباقية دون وفاء ولا يخلص ربع العقار من الرهن .
( 2 ) وإذا مات الدائن المرتهن وورثه ثلاثة أشخاص مثلاً فإن كل وارث من هؤلاء الثلاثة إذا كانت أنصبتهم في الميراث متساوية يكون له ثلث الدين المضمون بالرهن ولكنه يستطيع أن ينفذ بحقه على كل العقار المرهون .
( 3 ) وإذا مات المدين الراهن وترك ورثة ثلاثة أصبتهم متساوية ورث كل منهم ثلث الثلث فأصبح مديناً به كما هو الأمر في القانون المدني الفرنسي ولكن إذا انتقل إليه العقار المرهون فإنه يمكن للدائن أن ينفذ على هذا العقار بكل الدين ويكون للوارث في هذه الحالة الرجوع على الوارثين الآخرين كل بقدر نصيبه في الدين .
(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ العاشر الصفحة / 316)
عرفت الرهن الرسمي بأنه عقد به يكسب الدائن على عقار مخصص لوفاء دينه حقاً عينياً يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في إستيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد يكون .
ويلاحظ على هذا التعريف ما يلي:
1- أنه يتضمن مقومات الحق الذي يهدف العقد إلى إنشائه وهو حق الرهن الرسمي.
والواقع أن مصطلح الرهن يطلق على العقد الرسمي وعلى الحق العيني الذي ينشئه هذا العقد فالرهن عقد يتم بين الراهن والدائن المرتهن.
ولفظ الرهن في لغة القانون يحتمل ثلاثة معان : فقد يقصد به تارة العقد الذي يتولد عنه حق الرهن ويقصد به تارة أخرى حق الرهن ذاته (فيقول الدائن أن له رهناً على العقار) وقد يقصد به تارة ثالثة الشيء المرهون (فيقول الدائن أن معه رهناً للوفاء بحقه أي يحتفظ بشئ على سبيل الرهن).
ويذهب الفقه إلى أنه عند تعريف الرهن الرسمي يجب إبراز الرهن باعتباره حقاً لأن العقد ليس إلا وسيلة لنشأة الحق كما أن معالجة الرهن جاءت في باب الحقوق العينية التبعية وليس في باب العقد باعتباره مصدراً للحق.
2- أن المشرع استخدم عبارة "مخصص للوفاء وهي تشعر أن العقار المرهون لا يضمن إلا الوفاء بالدين المضمون بالرهن مع أن الواقع هو أن العقار المرهون يظل في الذمة المالية للمدين ويحق للدائنين العاديين التنفيذ عليه ولكن يتقدمهم الدائن المرتهن عند استيفاء الحقوق فالعقار المرهون لا يخصص السداد حق الدائن وحده وإنما كل ما هنالك أنه يخوله حق التقدم.
ولا يخفي في واقع الأمر أن التخصيص يقصد به أن الرهن يقتصر على عقار معين ولا يمتد إلى غيره من عقارات المدين ولا يقصد به أن هذا العقار مخصص لوفاء حق الدائن دون غيره والمشرع إذ يعرف الرهن لا يمس بالقواعد العامة الواردة في أحكام الضمان العام للدائنين.
3- أنه يؤخذ على هذا التعريف أنه أشار إلى أن التقدم يكون على ثمن العقار مع أن التقدم لا يكون فقط على ثمن العقار المتحصل من بيعه بعد التنفيذ عليه بل هو يكون أيضاً على أي مبلغ يحل محل العقار كالتعويض ومبلغ التأمين (مادة 1056) .
خصائص الرهن الرسمي:
يتميز الرهن الرسمي بالخصائص الآتية:
1- أنه حق عيني وقد صرح المشرع بذلك في المادة (1030) التي عرفت الرهن الرسمي فالرهن يخول صاحبه سلطة مباشرة على الشيء موضوع الحق يستعملها دون وساطة شخص آخر على أن هذه السلطة - على خلاف الحال في الحقوق العينية الأصلية - لا تخول حقاً في إستعمال الشيء أو إستغلاله وإنما فقط في اقتضاء الدائن المرتهن حقه من المقابل النقدي للشئ محل الحق بالأفضلية على غيره من الدائنين العاديين أو الدائنين المرتهنين اللاحقين له في المرتبة.
ولما كان حق الرهن الرسمي من الحقوق العينية فإنه يخول صاحبه حق التقدم وحق التتبع .
2- أنه حق عینی تابع، يتبع الالتزام الأصلي الذي وجد لضمانه والرهن ككل الحقوق التبعية لا يوجد مستقلاً بنفسه بل لابد أن يرتكز على إلتزام صحيح حتى يوفر ضمان الوفاء به.
والأصل أن الرهن لا يوجد إلا بعد وجود الإلتزام الأصلي المضمون ولكننا سنرى في بعض الأحوال ومراعاة لإعتبارات خاصة أن الرهن قد يوجد قبل تحمل ذمة المدين بالإلتزام المضمون ويترتب على فكرة التبعية أن الرهن يتبع الإلتزام الأصلي في وجوده وصحته وزواله.
3- أنه حق عقاري فهو لا يرد إلا على العقار دون المنقول.
وقد يرد الرهن استثناء على بعض المنقولات التي نظم القانون بالنسبة لها طريقة خاصة من طرق الشهر السفينة والمحل التجاري .
والسبب في أن الرهن الرسمي لا يرد على المنقول أن هذا الرهن هو رهن غير حيازي أي أن الحيازة فيه لا تنتقل إلى الدائن المرتهن بل يظل الشيء المرهون في حيازة الراهن وإذا كان من السهل تنظیم شهر للرهن في العقار حتى يستطيع الغير أن يعلموا به إلا أن هذا غير ميسور بالنسبة للمنقولات وإنما تقوم الحيازة في المنقول مقام إجراءات الشهر في العقار ولذلك لم يكن من الجائز رهن المنقول إلا رهناً حيازياً.
4- أنه حق غير قابل للتجزئة بمعنى أن العقار المرهون في جملته وفي كل جزء منه ضامن لوفاء الدين كله وكل جزء منه.
(انظر شرح المادة 1041).
الشروط الموضوعية في عقد الرهن الرسمي :
يشترط لانعقاد العقد كسائر العقود وجود الرضا ووجود محل وسبب مستوفين الشروط القانونية ويشترط لصحته أن يصدر الرضا سليماً من العيوب من شخص تتوافر فيه الأهلية وفيما يتعلق بالسبب لا يوجد ما يتخصص به الرهن عن سائر العقود.
الرضاء:
الرهن الرسمي عقد فيجب توافق الإيجاب والقبول الصادرين من طرفيه وطرفاً عقد الرهن هما الراهن والمرتهن ويغلب أن يكون الراهن هو المدين ولكن لا يوجد ما يمنع من أن يكون شخصاً آخر يقرر على عقاره رهناً ضماناً للوفاء بدين على غيره وهذا هو الكفيل العيني كما سنرى (م 1 / 1032 مدني). ويلزم تطبيقاً للقواعد العامة أن يأتي رضاء الراهن والمرتهن صحيحاً خالياً من العيوب التي تشوبه وهي الغلط والتدليس والإكراه والاستغلال .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع عشر الصفحة/ 272)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع ، الصفحة / 154
اسْتِيفَاءُ الْمُرْتَهِنِ قِيمَةَ الرَّهْنِ مِنَ الْمَرْهُونِ:
19 - حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الرَّاهِنُ مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى الْقَاضِي فَيَبِيعَ عَلَيْهِ الرَّهْنَ، وَيُنْصِفَهُ مِنْهُ، إِنْ لَمْ يُجِبْهُ الرَّاهِنُ إِلَى الْبَيْعِ.
وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ غَائِبًا، خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ.
وَإِنْ وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ جَازَ، وَكَرِهَهُ الإِْمَامُ مَالِكٌ، إِلاَّ أَنْ يَرْفَعَ الأْمْرَ إِلَى الْقَاضِي.
وَالرَّهْنُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَتَعَلَّقُ بِجُمْلَةِ الْحَقِّ الْمَرْهُونِ فِيهِ وَبِبَعْضِهِ. عَلَى مَعْنَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ أَدَّى بَعْضَ الدَّيْنِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ، فَإِنَّ الرَّهْنَ جَمِيعَهُ يَبْقَى بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ كُلَّ حَقِّهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: بَلْ يَبْقَى مِنَ الرَّهْنِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى مِنَ الْحَقِّ.
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، أَصْلُهُ حَبْسُ التَّرِكَةِ عَنِ الْوَرَثَةِ حَتَّى يُؤَدُّوا الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ.
وَحُجَّةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي أَنَّ جَمِيعَهُ مَحْبُوسٌ بِجَمِيعِهِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَبْعَاضُهُ مَحْبُوسَةً بِأَبْعَاضِهِ، أَصْلُهُ الْكَفَالَةُ .
وَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِثَمَنِ الرَّهْنِ مِنْ جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، حَيًّا كَانَ الرَّاهِنُ أَوْ مَيِّتًا، فَإِذَا ضَاقَ مَالُ الرَّاهِنِ عَنْ دُيُونِهِ وَطَالَبَ الْغُرَمَاءُ بِدُيُونِهِمْ، أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلَسِهِ، وَأُرِيدَ قِسْمَةُ مَالِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ رَهْنٌ يَخْتَصُّ بِثَمَنِهِ عَنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، لأِنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الرَّهْنِ وَذِمَّةِ الرَّاهِنِ مَعًا، وَبَاقِي الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُمْ بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ دُونَ عَيْنِ الرَّهْنِ، فَكَانَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ أَقْوَى، وَهَذَا مِنْ أَكْثَرِ فَوَائِدِ الرَّهْنِ، وَهُوَ تَقْدِيمُهُ بِحَقِّهِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْغُرَمَاءِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلاَفٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، فَيُبَاعُ الرَّهْنُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ قَدْرَ الدَّيْنِ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَنْ دَيْنِهِ رَدَّ الْبَاقِيَ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ أَخَذَ ثَمَنَهُ وَشَارَكَ الْغُرَمَاءَ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ وَلِلتَّفْصِيلِ يُرْجَعُ إِلَى بَابِ الرَّهْنِ.
ج - حَبْسُ الْمَبِيعِ لاِسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ:
20 - الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ اخْتَارَهُ ابْنُ قُدَامَةَ - أَنَّهُ إِنْ كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَقْضِيَ الثَّمَنَ، وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ قَبْلَ الاِسْتِيفَاءِ كَالْمُرْتَهِنِ. وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَجَبَ دَفْعُهُ أَوَّلاً لِيَتَعَيَّنَ. وَفِي رَأْيٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِنْ قَالَ الْبَائِعُ: لاَ أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لاَ أُسَلِّمُهُ حَتَّى أَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَكَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا، جُعِلَ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا، وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِمَا. مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ قَدْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الثَّمَنِ، كَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِعَيْنِ الْمَبِيعِ فَاسْتَوَيَا، وَقَدْ وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآْخَرِ حَقٌّ قَدِ اسْتَحَقَّ قَبْضَهُ، فَأُجْبِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إِيفَاءِ صَاحِبِهِ حَقَّهُ، وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ.
وَفِي قَوْلٍ لِلإْمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلإْمَامِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوَّلاً، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ الْبَائِعُ، لأِنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِقْرَارُ الْبَيْعِ وَتَمَامُهُ، فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، لأِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ، وَحَقَّ الْبَائِعِ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، وَتَقْدِيمُ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ أَوْلَى لِتَأَكُّدِهِ، وَهَذَا إِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع ، الصفحة / 32
هَذَا، وَهُنَاكَ عُقُودٌ أُخْرَى تُعْتَبَرُ لاَزِمَةً مِنْ جَانِبِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، جَائِزَةً مِنْ جَانِبِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ، كَعَقْدِ الْكَفَالَةِ، فَهِيَ لاَزِمَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْكَفِيلِ الَّذِي لاَ يَسْتَبِدُّ بِفَسْخِهَا، دُونَ إِذْنِ الْمَكْفُولِ لَهُ، لَكِنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ جَانِبِ الْمَكْفُولِ لَهُ يَسْتَبِدُّ بِفَسْخِهَا. وَكَعَقْدِ الرَّهْنِ، فَهُوَ لاَزِمٌ مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ، جَائِزٌ مِنْ قِبَلِ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي يَسْتَطِيعُ فَسْخَهُ بِدُونِ إِذْنِ الرَّاهِنِ.
أَثَرُ الْمَوْتِ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الرَّهْنِ:
19 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لاَ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَرْهُونِ، فَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ أَوِ الْمُرْهِنُ يَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَ الْمُتَوَفَّى، وَتَبْقَى الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ وَرَثَتِهِ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى خَلاَصِ الرَّهْنِ إِلاَّ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ إِبْرَاءِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ. وَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ وَبِثَمَنِهِ إِنْ بِيعَ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
وَعَقْدُ الرَّهْنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَرْهُونِ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) وَكَانَ الْمَفْرُوضُ أَنْ يَنْفَسِخَ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي انْفِسَاخِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ:
فَقَالَ الْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - لاَ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ. فَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْقَبْضِ، لَكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَلْزَمْ وَرَثَتَهُ الإْقْبَاضُ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - إِنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لأِنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ. أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَصَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّهْنَ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى التَّسْلِيمِ، إِلاَّ أَنْ يَتَرَاخَى الْمُرْتَهِنُ عَنِ الْمُطَالَبَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَنْفَسِخُ بِوَفَاةِ الْمُرْتَهِنِ، وَيَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ فِي مُطَالَبَةِ الْمَدِينِ وَقَبْضِ الْمَرْهُونِ، لَكِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَفَلْسِهِ قَبْلَ حَوْزِهِ وَلَوْ جَدَّ فِيهِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العاشر ، الصفحة / 35
ب - الرَّهْنُ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ لاَ يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ، وَمَتَى أُقِّتَ فَسَدَ؛ لأِنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْحَبْسُ الدَّائِمُ إِلَى انْتِهَاءِ الرَّهْنِ بِالأْدَاءِ أَوِ الإْبْرَاءِ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ مَنْ رَهَنَ رَهْنًا عَلَى أَنَّهُ إِنْ مَضَتْ سَنَةٌ خَرَجَ مِنَ الرَّهْنِ، فَإِنَّ هَذَا لاَ يُعْرَفُ مِنْ رُهُونِ النَّاسِ، وَلاَ يَكُونُ رَهْنًا .
وَالرَّهْنُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنَّمَا شُرِعَ لِلاِسْتِيثَاقِ، فَتَأْقِيتُهُ بِمُدَّةٍ يُنَافِي ذَلِكَ .
وَالرَّهْنُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ أَيْضًا، فَقَدْ جَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْمُتَعَاقِدَانِ تَأْقِيتَ الرَّهْنِ، بِأَنْ قَالاَ: هُوَ رَهْنٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ؛ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَالرَّهْنُ صَحِيحٌ .
التَّبْعِيضُ فِي الرَّهْنِ:
27 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الرَّهْنِ، فَيَجُوزُ رَهْنُ بَعْضِ الْمُشَاعِ عِنْدَهُمْ، رَهَنَهُ عِنْدَ شَرِيكِهِ أَوْ غَيْرِهِ، قَبِلَ الْقِسْمَةَ أَمْ لَمْ يَقْبَلْهَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْبَاقِي مِنَ الْمُشَاعِ لِلرَّاهِنِ أَمْ لِغَيْرِهِ .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مُقَارِنًا كَنِصْفِ دَارٍ، أَمْ طَارِئًا: كَأَنْ يَرْهَنَ الْجَمِيعَ ثُمَّ يَتَفَاسَخَا فِي الْبَعْضِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الطَّارِئَ لاَ يَضُرُّ، وَالصَّحِيحُ الأْوَّلُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ شَرِيكِهِ أَمْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يُقْسَمُ أَمْ لاَ.
فَالأْصْلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ، فَلاَ يَجُوزُ التَّبْعِيضُ فِيهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الأْصْلِ الصُّوَرُ التَّالِيَةُ:
أ - إِذَا كَانَتْ عَيْنًا بَيْنَهُمَا، رَهَنَاهَا عِنْدَ رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهْنًا وَاحِدًا.
ب - إِذَا ثَبَتَ الشُّيُوعُ فِيهِ ضَرُورَةً، كَمَا لَوْ جَاءَ بِثَوْبَيْنِ، وَقَالَ: خُذْ أَحَدَهُمَا رَهْنًا وَالآْخَرُ بِضَاعَةً عِنْدَكَ، فَإِنَّ نِصْفَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَصِيرُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ،؛ لأِنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنَ الآْخَرِ، فَيَشِيعُ الرَّهْنُ فِيهِمَا بِالضَّرُورَةِ، فَلاَ يَضُرُّ .
28 - أَمَّا حَقُّ الْوَثِيقَةِ فِي الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ لِلتَّوَثُّقِ، فَلاَ يَتَبَعَّضُ بِأَدَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ؛ لأِنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِالرَّهْنِ جَمِيعِهِ، فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ الْحَقِّ، وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، لاَ يَنْفَكُّ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ أَمْ لاَ يُمْكِنُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ رَهَنَ شَيْئًا بِمَالٍ فَأَدَّى بَعْضَ الْمَالِ، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ بَعْضِ الرَّهْنِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ، وَلاَ يَخْرُجُ شَيْءٌ حَتَّى يُوفِيَهُ آخِرَ حَقِّهِ أَوْ يُبْرِئَهُ مِنْ ذَلِكَ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛؛ لأِنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِحَقٍّ فَلاَ يَزُولُ إِلاَّ بِزَوَالِ جَمِيعِهِ كَالضَّمَانِ وَالشَّهَادَةِ .
وَكَذَلِكَ إِنْ تَلِفَ بَعْضُ الرَّهْنِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والعشرون ، الصفحة / 124
تَوْثِيقُ الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ:
55 - الْمُرَادُ بِالرَّهْنِ «الْمَالُ الَّذِي يُجْعَلُ وَثِيقَةً بِالدَّيْنِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ .» وَبِهَذِهِ الْوَثِيقَةِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِالرَّهْنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، فَإِذَا كَانَ عَلَى الرَّاهِنِ دُيُونٌ أُخْرَى لاَ تَفِي بِهَا أَمْوَالُهُ، وَبِيعَ الرَّهْنُ لِسَدَادِ مَا عَلَيْهِ، كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ أَوَّلاً، فَإِذَا بَقِيَ شَيْءٌ فَهُوَ لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ .
حُكْمُ التَّوْثِيقِ بِالرَّهْنِ:
56 - ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَوْثِيقَ الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَأَنَّ الأْمْرَ بِهِ فِي الآْيَةِ لِلإْرْشَادِ . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: «وَالرَّهْنُ غَيْرُ وَاجِبٍ، لاَ نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لأِنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ، فَلَمْ يَجِبْ كَالضَّمَانِ وَالْكِتَابَةِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ( فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) إِرْشَادٌ لَنَا لاَ إِيجَابٌ عَلَيْنَا، بِدَلِيلِ قوله تعالي : ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) ؛ وَ لأِنَّهُ أَمَرَ بِهِ عِنْدَ إِعْوَازِ الْكِتَابَةِ، وَالْكِتَابَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَكَذَا بَدَلُهَا ».
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والعشرون ، الصفحة / 175
رَهْن
التَّعْرِيفُ:
1 - الرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ: الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ، يُقَالُ: مَاءٌ رَاهِنٌ أَيْ: رَاكِدٌ وَدَائِمٌ، وَنِعْمَةٌ رَاهِنَةٌ أَيْ: ثَابِتَةٌ دَائِمَةٌ.
وَيَأْتِي بِمَعْنَى الْحَبْسِ . وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قوله تعالي : (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) وَحَدِيثُ: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مَرْهُونَةٌ - أَيْ مَحْبُوسَةٌ - بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ».
وَشَرْعًا: جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا أَوْ مِنْ ثَمَنِهَا إِذَا تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الضَّمَانُ:
2 - وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الاِلْتِزَامُ .
وَشَرْعًا هُوَ الْتِزَامٌ بِحَقٍّ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ، أَوْ بِإِحْضَارِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ ضَامِنًا، وَكَفِيلاً، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الضَّمَانِ فِي الأْمْوَالِ وَالْكَفَالَةِ فِي النُّفُوسِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ كُلًّا مِنَ الرَّهْنِ وَالضَّمَانِ عَقْدُ وَثِيقَةٍ لِلدَّيْنِ، لَكِنَّ الضَّمَانَ يَكُونُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، أَمَّا الرَّهْنُ فَلاَ بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا الدَّيْنُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ.
مَشْرُوعِيَّةُ الرَّهْنِ:
3 - الأْصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الرَّهْنِ قوله تعالي : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وَالْمَعْنَى: فَارْهَنُوا، وَاقْبِضُوا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) .
وَخَبَرُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم: اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ» .
وَقَدْ أَجْمَعَتِ الأْمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الرَّهْنِ، وَتَعَامَلَتْ بِهِ مِنْ لَدُنْ عَهْدِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - الرَّهْنُ جَائِزٌ وَلَيْسَ وَاجِبًا. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: لاَ نَعْلَمُ خِلاَفًا فِي ذَلِكَ، لأِنَّهُ وَثِيقَةٌ بِدَيْنٍ، فَلَمْ يَجِبْ كَالضَّمَانِ، وَالْكَفَالَةِ. وَالأْمْرُ الْوَارِدُ بِهِ أَمْرُ إِرْشَادٍ، لاَ أَمْرُ إِيجَابٍ، بِدَلِيلِ قوله تعالي : (فَإِنْأَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) وَلأِنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ تَعَذُّرِ الْكِتَابَةِ، وَالْكِتَابَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَكَذَلِكَ بَدَلُهَا .
جَوَازُ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ:
5 - الرَّهْنُ فِي الْحَضَرِ جَائِزٌ جَوَازُهُ فِي السَّفَرِ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمُغْنِي عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ قَالَ: لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ ذَلِكَ إِلاَّ مُجَاهِدًا، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَخَالَفَ فِيهِ الضَّحَّاكُ أَيْضًا .
وَاسْتَدَلُّوا بِخَبَرِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم: تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» وَلأِنَّهَا وَثِيقَةٌ تَجُوزُ فِي السَّفَرِ، فَجَازَتْ فِي الْحَضَرِ كَالضَّمَانِ، وَقَدْ تَتَرَتَّبُ الأْعْذَارُ فِي الْحَضَرِ أَيْضًا فَيُقَاسُ عَلَى السَّفَرِ.
وَالتَّقْيِيدُ بِالسَّفَرِ فِي الآْيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلاَ مَفْهُومَ لَهُ، لِدَلاَلَةِ الأْحَادِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي الْحَضَرِ، وَأَيْضًا السَّفَرُ مَظِنَّةُ فَقْدِ الْكَاتِبِ، فَلاَ يُحْتَاجُ إِلَى الرَّهْنِ غَالِبًا إِلاَّ فِيهِ .
أَرْكَانُ الرَّهْنِ:
أ - مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الرَّهْنُ:
6 - يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ بِالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهِ بِالْمُعَاطَاةِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّ الرَّهْنَ لاَ يَنْعَقِدُ إِلاَّ بِإِيجَابِ وَقَبُولِ قَوْلِيَّيْنِ كَالْبَيْعِ. وَقَالُوا: لأِنَّهُ عَقْدٌ مَالِيٌّ فَافْتَقَرَ إِلَيْهِمَا.
وَلأِنَّ الرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ لاَ اطِّلاَعَ لَنَا عَلَيْهِ فَجُعِلَتِ الصِّيغَةُ دَلِيلاً عَلَى الرِّضَا، فَلاَ يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ، وَنَحْوِهِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الرَّهْنَ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا عُرْفًا فَيَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ، وَالإْشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، وَالْكِتَابَةِ، لِعُمُومِ الأْدِلَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلأِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ اسْتِعْمَالُ إِيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي مُعَامَلاَتِهِمْ، وَلَوِ اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ لَنُقِلَ إِلَيْنَا شَائِعًا، وَلَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ يَتَعَامَلُونَ فِي عُقُودِهِمْ بِالْمُعَاطَاةِ .
وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي صِيغَةِ الْبَيْعِ. (ر: بَيْع).
ب - الْعَاقِدُ:
7 - شُرِطَ فِي كُلٍّ مِنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلاً بَالِغًا رَشِيدًا، غَيْرَ مَحْجُورٍ مِنَ التَّصَرُّفِ، فَأَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ فَلاَ يَصِحُّ مِنْهُ الرَّهْنُ، وَلاَ الاِرْتِهَانُ لأِنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْمَالِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُمْ .
وَالرَّهْنُ نَوْعُ تَبَرُّعٍ؛ لأِنَّهُ حَبْسُ مَالٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَمْ يَصِحَّ إِلاَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، فَيَصِحُّ رَهْنُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الرَّشِيدِ مَالَهُ، أَوْ مَالَ مُوَلِّيهِ بِشَرْطِ وُقُوعِهِ عَلَى وَجْهِ الْغِبْطَةِ الظَّاهِرَةِ، فَيَكُونُ بِهَا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ، بِأَنْ تَكُونَ فِي رَهْنِهِ إِيَّاهُ غِبْطَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ ضَرُورَةٌ .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ يَجُوزُ لَهُ الرَّهْنُ وَالاِرْتِهَانُ؛ لأِنَّ الرَّهْنَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَيَمْلِكُهُ مَنْ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ وَالسَّفِيهَ يَصِحُّ رَهْنُهُمَا وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ .
ج - الْمَرْهُونُ بِهِ:
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِكُلِّ حَقٍّ لاَزِمٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ آيِلٍ إِلَى اللُّزُومِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّفَاصِيلِ.
فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ فِيمَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ ثَلاَثَةُ شُرُوطٍ:
1 - أَنْ يَكُونُ دَيْنًا، فَلاَ يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِالأْعْيَانِ مَضْمُونَةً كَانَتْ أَوْ أَمَانَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ ضَمَانُ الْعَيْنِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ أَوْ بِحُكْمِ الْيَدِ، كَالْمُسْتَعَارِ، وَالْمَأْخُوذِ بِالسَّوْمِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَالأْمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا، وَقَالُوا: لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الرَّهْنَ فِي الْمُدَايَنَةِ فَلاَ يَثْبُتُ فِي غَيْرِهَا؛ وَلأِنَّ الأْعْيَانَ لاَ تُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِقَرْضِ الرَّهْنِ عِنْدَ بَيْعِهِ.
2 - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ ثَابِتًا، فَلاَ يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِمَا لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ، فَلاَ يَصِحُّ بِمَا سَيُقْرِضُهُ غَدًا، أَوْ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ غَدًا؛ لأِنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةُ حَقٍّ فَلاَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَابِلَةِ.
3 - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لاَزِمًا أَوْ آيِلاً إِلَى اللُّزُومِ، فَلاَ يَصِحُّ بِجَعْلِ الْجِعَالَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعَمَلِ؛ لأِنَّهُ لاَ فَائِدَةَ فِي الْوَثِيقَةِ مَعَ تَمَكُّنِ الْمَدْيُونِ مِنْ إِسْقَاطِهَا.
فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ أَخْذُ الرَّهْنِ بِكُلِّ حَقٍّ لاَزِمٍ فِي الذِّمَّةِ ثَابِتٍ غَيْرِ مُعَرَّضٍ لِلإْسْقَاطِ مِنَ الرَّاهِنِ، كَدَيْنِ السَّلَمِ، وَعِوَضِ الْقَرْضِ، وَثَمَنِ الْمَبِيعَاتِ، وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَالْمَهْرِ، وَعِوَضِ الْخُلْعِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَيْنِ، وَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بَعْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ، وَالأْجْرَةِ فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِجَمِيعِ الأْثْمَانِ الْوَاقِعَةِ فِي جَمِيعِ الْبُيُوعَاتِ، إِلاَّ الصَّرْفَ، وَرَأْسَ مَالِ السَّلَمِ؛ لأِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِدَيْنِ السَّلَمِ وَالْقَرْضِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ فِي الأْمْوَالِ، وَجِرَاحِ الْعَمْدِ الَّذِي لاَ قَوَدَ فِيهِ كَالْمَأْمُومَةِ، وَالْجَائِفَةِ، وَارْتِهَانٌ قَبْلَ الدَّيْنِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ، وَمَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنَ الأْجْرَةِ بِسَبَبِ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الأْجِيرُ لَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ، وَمَا يَلْزَمُ بِسَبَبِ جِعَالَةِ مَا يَلْزَمُ بِالْعَارِيَّةِ الْمَضْمُونَةِ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِعِوَضِ الْقَرْضِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ثُبُوتِهِ، بِأَنْ يَرْهَنَهُ لِيُقْرِضَهُ مَبْلَغًا مِنَ النُّقُودِ فِي الشَّهْرِ الْقَادِمِ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَانَ مَضْمُونًا بِمَا وَعَدَ مِنَ الدَّيْنِ، وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَثَمَنِ الصَّرْفِ، وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ تَمَّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ، وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ حُكْمًا، وَإِنِ افْتَرَقَا قَبْلَ نَقْدٍ (قَبْضٍ) أَوْ هَلاَكٍ بَطَلاَ.
وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِالأْعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِعَيْنِهَا كَالْمَغْصُوبَةِ، وَبَدَلِ الْخُلْعِ، وَالصَّدَاقِ، وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لأِنَّ الضَّمَانَ مُتَقَرِّرٌ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ قَائِمًا وَجَبَ تَسْلِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا تَجِبُ قِيمَتُهُ، فَكَانَ رَهْنًا بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ.
أَمَّا الأْعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَالأْمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْوَدَائِعِ، وَالْعَوَارِيِّ، وَالْمُضَارَبَاتِ، وَمَالِ الشَّرِكَةِ، فَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهَا .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَصِحُّ الرَّهْنُ بِكُلِّ دَيْنٍ وَاجِبٍ أَوْ مَآلُهُ إِلَى الْوُجُوبِ، كَقَرْضٍ، وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَثَمَنٍ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَعَلَى الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْعَوَارِيِّ، وَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ، وَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.
لأِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الرَّهْنِ الْوَثِيقَةُ بِالْحَقِّ، وَهُوَ حَاصِلٌ، فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الأْعْيَانِ يَحْمِلُ الرَّاهِنَ عَلَى أَدَائِهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَدَاؤُهَا اسْتَوْفَى بَدَلَهَا مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، فَأَشْبَهَتْ مَا فِي الذِّمَّةِ.
وَيَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَى مَنْفَعَةٍ إِجَارَةً فِي الذِّمَّةِ، كَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِبِنَاءِ دَارٍ، وَحَمْلِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ إِلَى مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْمَلِ الأْجِيرُ الْعَمَلَ بِيعَ الرَّهْنُ، وَاسْتُؤْجِرَ مِنْهُ مَنْ يَعْمَلُهُ. وَيَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ بَعْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ لِوُجُوبِهَا، أَمَّا قَبْلَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَلاَ يَصِحُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا. وَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَى جُعْلِ الْجِعَالَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَلاَ عَلَى عِوَضِ مُسَابَقَةٍ قَبْلَ الْعَمَلِ لِعَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَئُولُ إِلَى الْوُجُوبِ. وَبَعْدَ الْعَمَلِ جَازَ فِيهِمَا.
وَلاَ يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِعِوَضٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كَقِطْعَةٍ مِنَ الذَّهَبِ جُعِلَتْ بِعَيْنِهَا ثَمَنًا، وَالأْجْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي الإْجَارَةِ، وَالْمَنْفَعَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا فِي الإْجَارَةِ، كَدَارٍ مُعَيَّنَةٍ، وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، لِحَمْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ إِلَى مَكَانٍ مَعْلُومٍ؛ لأِنَّ الذِّمَّةَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَلاَ يَئُولُ إِلَى الْوُجُوبِ؛ وَلأِنَّ الْحَقَّ يَتَعَلَّقُ بِأَعْيَانِ هَذِهِ الأْشْيَاءِ .
د - الْمَرْهُونُ:
9 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ رَهْنُ كُلِّ مُتَمَوَّلٍ يُمْكِنُ أَخْذُ الدَّيْنِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّفَاصِيلِ. فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ كُلَّ عَيْنٍ جَازَ بَيْعُهَا جَازَ رَهْنُهَا، لأِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الرَّهْنِ أَنْ يُبَاعَ وَيُسْتَوْفَى الْحَقُّ مِنْهُ إِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ عَيْنٍ جَازَ بَيْعُهَا، وَلأِنَّ مَا كَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَانَ مَحَلًّا لِحِكْمَةِ الرَّهْنِ، فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ بَيْعُ الْمَشَاعِ سَوَاءٌ رَهَنَ عِنْدَ شَرِيكِهِ أَمْ عِنْدَ غَيْرِهِ قَبِلَ الْقِسْمَةَ أَمْ لَمْ يَقْبَلْهَا، وَمَا لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ لاَ يَصِحُّ رَهْنُهُ، فَلاَ يَصِحُّ رَهْنُ الْمُسْلِمِ، أَوِ ارْتِهَانُهُ كَلْبًا، أَوْ خِنْزِيرًا، أَوْ خَمْرًا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ رَهْنُ مَا فِيهِ غَرَرٌ يَسِيرٌ، كَبَعِيرٍ شَارِدٍ، وَثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ، لأِنَّ لِلْمُرْتَهِنِ دَفْعُ مَالِهِ بِغَيْرِ وَثِيقَةٍ، فَسَاغَ أَخْذُهُ بِمَا فِيهِ غَرَرٌ، لأِنَّهُ شَيْءٌ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ لاَ شَيْءٍ، بِخِلاَفِ مَا فِيهِ غَرَرٌ شَدِيدٌ كَالْجَنِينِ، وَزَرْعٍ لَمْ يُخْلَقْ .
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَرْهُونِ مَا يَلِي:
1 - أَنْ يَكُونَ مَحُوزًا أَيْ مَقْسُومًا، فَلاَ يَجُوزُ رَهْنُ الْمَشَاعِ.
2 - وَأَنْ يَكُونَ مُفْرَغًا عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ، فَلاَ يَجُوزُ رَهْنٌ مَشْغُولٌ بِحَقِّ الرَّاهِنِ، كَدَارٍ فِيهَا مَتَاعُهُ.
3 - وَأَنْ يَكُونَ مُمَيَّزًا، فَلاَ يَجُوزُ رَهْنُ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِهِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ كَالثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ بِدُونِ الشَّجَرِ، لأِنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِغَيْرِ الْمَرْهُونِ خِلْقَةً فَصَارَ كَالشَّائِعِ .
رَهْنُ الْمُسْتَعَارِ:
10 - لاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ، فَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُسْتَعَارِ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمُغْنِي عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ الاِسْتِعَارَةِ لِلرَّهْنِ، لأِنَّهُ تَوَثُّقٌ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَا لاَ يَمْلِكُهُ الرَّاهِنُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الإْشْهَادِ وَالْكَفَالَةِ، وَلأِنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ دَيْنَ غَيْرِهِ، فَيَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَ عَيْنَ مَالِهِ؛ لأِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ حَقِّهِ، وَتَصَرُّفِهِ .
شُرُوطُ صِحَّةِ رَهْنِ الْمُسْتَعَارِ لِلرَّهْنِ:
11 - يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْعَارِيَّةِ لِلرَّهْنِ: ذِكْرُ قَدْرِ الدَّيْنِ، وَجِنْسِهِ وَصِفَتِهِ، وَحُلُولِهِ وَتَأْجِيلِهِ، وَالشَّخْصِ الْمَرْهُونِ عِنْدَهُ، وَمُدَّةِ الرَّهْنِ لأِنَّ الْغَرَرَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ فَاحْتِيجَ إِلَيْهِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ . وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يَجِبُ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِشَيْءٍ صَحَّ الْعَقْدُ، وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْهَنَ بِمَا شَاءَ؛ لأِنَّ الإْطْلاَقَ وَاجِبُ الاِعْتِبَارِ خُصُوصًا فِي الإْعَارَةِ؛ لأِنَّ الْجَهَالَةَ لاَ تُفْضِي فِيهَا إِلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لأِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَالْمَالِكُ قَدْ رَضِيَ بِتَعَلُّقِ دَيْنِ الْمُسْتَعِيرِ بِمَالِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَا يَمْلِكُ تَعَلُّقَهُ بِذِمَّتِهِ بِالْكَفَالَةِ .
وَإِنْ شَرَطَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَخَالَفَ الْمُسْتَعِيرَ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي هَذَا الرَّهْنِ، فَأَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي أَصْلِ الرَّهْنِ.
إِلاَّ أَنْ يُخَالِفَ إِلَى خَيْرٍ مِنْهُ، كَأَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بِقَدْرٍ، وَيَرْهَنَ بِأَقَلَّ مِنْهُ فَيَصِحُّ؛ لأِنَّ مَنْ رَضِيَ بِقَدْرٍ فَقَدْ رَضِيَ بِمَا دُونَهُ .
ضَمَانُ الْمُسْتَعَارِ:
12 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَمَانِ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ لِلرَّهْنِ، وَفِيمَنْ يَضْمَنُهَا.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الأْصْلَ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ لِلرَّهْنِ الضَّمَانُ، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهَا ضَمِنَ؛ لأِنَّهُ مُسْتَعِيرٌ، وَالْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ. وَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ بِلاَ تَعَدٍّ وَلاَ تَفْرِيطٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، وَلاَ يَسْقُطُ الْحَقُّ عَنْ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ. لأِنَّ الْمُرْتَهِنَ أَمِينٌ؛ وَلأِنَّ الْعَقْدَ عَقْدُ ضَمَانٍ أَيْ ضَمَانِ الدَّيْنِ عَلَى رَقَبَةِ الْمَرْهُونِ، فَتَكُونُ يَدُ الْمُرْتَهِنِ يَدَ أَمَانَةٍ بَعْدَ الرَّهْنِ، فَلاَ ضَمَانَ بِالتَّعَدِّي .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الاِسْتِعَارَةَ لِلرَّهْنِ عَقْدُ ضَمَانٍ، فَيَضْمَنُ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ إِنْ هَلَكَتْ، بِتَفْرِيطٍ أَوْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ لأِنَّ الْعَقْدَ لاَ يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ عَقْدَ عَارِيَّةٍ وَالْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ، فَيَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ وَهُوَ الرَّاهِنُ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ لِلرَّهْنِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَلاَ يَضْمَنُ الْعَيْنَ الْمُسْتَعَارَةَ لِلرَّهْنِ إِنْ هَلَكَتْ قَبْلَ رَهْنِهِ أَوْ بَعْدَ فَكِّهِ، وَإِنِ اسْتَخْدَمَهُ أَوْ رَكِبَهُ مِنْ قَبْلُ؛ لأِنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْوِفَاقِ، أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَيَدُهُ يَدُ ضَمَانٍ، فَإِذَا هَلَكَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ لِلرَّهْنِ فِي يَدِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ وَوَجَبَ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الرَّاهِنِ مِثْلُ الدَّيْنِ .
لُزُومُ الرَّهْنِ:
13 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمُ بِهِ الرَّهْنُ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ وَالإْقْبَاضِ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَلِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لقوله تعالي : (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) .
فَلَوْ لَزِمَ عَقْدُ الرَّهْنِ بِدُونِ قَبْضٍ لَمَا كَانَ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ؛ وَلأِنَّهُ عَقْدُ إِرْفَاقٍ يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ فَافْتَقَرَ إِلَى الْقَبْضِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: إِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا لاَ يَلْزَمُ رَهْنُهُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ إِحْدَاهُمَا: لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، وَالأْخْرَى: يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَلْزَمُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالْعَقْدِ، ثُمَّ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى التَّسْلِيمِ لِلْمُرْتَهِنِ، لأِنَّهُ عَقْدٌ يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ، فَيَلْزَمُ بِالْعَقْدِ قَبْلَهُ كَالْبَيْعِ .
هَذَا، وَإِذَا شُرِطَ الرَّهْنُ أَوِ الْكَفِيلُ فِي عَقْدٍ مَا ثُمَّ لَمْ يَفِ الْمُلْتَزِمُ بِالشَّرْطِ فَلِلآْخَرِ الْفَسْخُ.
رَهْنُ الْعَيْنِ عِنْدَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ:
14 - إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً، أَوْ مَغْصُوبَةً، فَرَهَنَهَا مِنْهُ صَحَّ الرَّهْنُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لأِنَّهُ مَالُهُ، لَهُ أَخْذُهُ فَصَحَّ رَهْنُهُ كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ .
وَيَلْزَمُ الرَّهْنُ فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى أَمْرٍ زَائِدٍ؛ لأِنَّ الْيَدَ ثَابِتَةٌ، وَالْقَبْضَ حَاصِلٌ، فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى إِقْبَاضٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ . وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الإْقْبَاضُ، أَوِ الإْذْنُ بِهِ إِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ يُشْتَرَطُ مَعَ إِذْنِ الْقَبْضِ مُضِيُّ مُدَّةِ إِمْكَانِ الْقَبْضِ، وَقَالُوا: لأِنَّ الْيَدَ كَانَتْ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ الرَّهْنِ، فَلَمْ يَحْصُلِ الْقَبْضُ بِهَا .
ثُمَّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِتَجْدِيدِ الْقَبْضِ يَزُولُ الضَّمَانُ بِالرَّهْنِ؛ لأِنَّهُ مَأْذُونٌ فِي إِمْسَاكِهِ رَهْنًا، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ مِنْهُ عُدْوَانٌ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ مِنْهُ، ثُمَّ أَقْبَضَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِهِ؛ وَلأِنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ: الْغَصْبُ، وَالإْعَارَةُ، وَلَمْ يُعَدَّ الْمُرْتَهِنُ غَاصِبًا أَوْ مُسْتَعِيرًا . وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَبْرَأُ الْغَاصِبُ الْمُرْتَهِنُ، وَلاَ الْمُسْتَعِيرُ عَنِ الضَّمَانِ وَإِنْ لَزِمَ الْعَقْدُ، لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ عَقْدَ أَمَانَةٍ: الْغَرَضُ مِنْهُ التَّوَثُّقُ - وَهُوَ لاَ يُنَافِي الضَّمَانَ - فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَوْ تَعَدَّى فِي الْمَرْهُونِ ضَمِنَهُ مَعَ بَقَاءِ الرَّهْنِ، فَإِذَا كَانَ لاَ يَرْفَعُ الضَّمَانَ فَلأَنْ لاَ يَدْفَعَهُ ابْتِدَاءً أَوْلَى، وَلِلْغَاصِبِ إِجْبَارُ الرَّاهِنِ عَلَى إِيقَاعِ يَدِهِ عَلَى الْمَرْهُونِ (أَيْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ) لِيَبْرَأَ مِنَ الضَّمَانِ، ثُمَّ يَسْتَعِيدُهُ مِنْهُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ رُفِعَ إِلَى الْحَاكِمِ لِيَأْمُرَهُ بِالْقَبْضِ، فَإِنِ امْتَنَعَ قَبَضَهُ الْحَاكِمُ أَوْ مَأْذُونُهُ، وَيَرُدُّهُ إِلَى الْمُرْتَهِنِ .
الاِمْتِنَاعُ مِنْ بَذْلِ مَا وَجَبَ:
20 - إِذَا امْتَنَعَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَصَرَّ فَعَلَهُ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَإِنْ قَامَ الْمُرْتَهِنُ بِالْمُؤْنَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ صَارَ مُتَطَوِّعًا فَلاَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ قَامَ بِالْمُؤْنَةِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، أَوْ أَشْهَدَ عَلَى الإْنْفَاقِ عِنْدَ فَقْدِ الْحَاكِمِ وَامْتِنَاعِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ أَوْ كَانَ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَنْفَقَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْحَاكِمُ أَوِ الرَّاهِنُ.
مَا يَبْطُلُ بِهِ عَقْدُ الرَّهْنِ قَبْلَ اللُّزُومِ:
21 - يَبْطُلُ الرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِرُجُوعِ الرَّاهِنِ عَنِ الرَّهْنِ بِالْقَوْلِ وَبِتَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ كَالْبَيْعِ وَالإْصْدَاقِ، وَجَعْلِهِ أُجْرَةً وَرَهْنِهِ عِنْدَ آخَرَ مَعَ الْقَبْضِ، وَهِبَةٍ، وَوَقْفٍ؛ لأِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ إِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، أَمَّا مَوْتُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَجُنُونُهُ، وَتَخَمُّرُ الْعَصِيرِ، وَشُرُودُ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ قَبْلَ اللُّزُومِ فَلاَ يُبْطِلُ، أَمَّا فِي الْمَوْتِ: فَلأِنَّ مَصِيرَ الرَّهْنِ إِلَى اللُّزُومِ فَلاَ يَتَأَثَّرُ بِمَوْتِهِ كَالْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، فَيَقُومُ وَارِثُ الرَّاهِنِ مَقَامَهُ فِي الإْقْبَاضِ، وَوَارِثُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْقَبْضِ، أَمَّا الْمَجْنُونُ وَنَحْوُهُ فَكَالْمَوْتِ بَلْ أَوْلَى فَيَعْمَلُ الْوَلِيُّ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لَهُ، مِنَ الإْجَازَةِ أَوِ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ عَنِ الْعَقْدِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ، وَفَلَسِهِ وَمَرَضِهِ وَجُنُونِهِ الْمُتَّصِلَيْنِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْحَوْزِ، وَإِذْنِهِ بِسُكْنَى الدَّارِ أَوْ إِجَارَةِ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، وَلَوْ لَمْ يَسْكُنْ .
مَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ:
22 - يَبْطُلُ الْعَقْدُ بَعْدَ لُزُومِهِ: بِتَلَفِ الْمَرْهُونِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ مَنْ لاَ يَضْمَنُ كَحَرْبِيٍّ، لِفَوَاتِهِ بِلاَ بَدَلٍ، وَبِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ لأِنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَالْعَقْدَ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنَ الدَّيْنِ بِأَدَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ أَوْ حَوَالَةٍ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ، وَبِتَصَرُّفِ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، كَالْهِبَةِ، وَالْوَقْفِ، وَالْبَيْعِ، أَوْ إِجَارَةٍ يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا، وَرَهْنٍ عِنْدَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِهِ أَيْضًا .
الشَّرْطُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ:
23 - الشَّرْطُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ كَالشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَرْهُونِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْغُرَمَاءِ وَكَوْنِ الْمَرْهُونِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، كَأَنْ لاَ يُبَاعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الْبَيْعِ أَوْ لاَ يُبَاعُ إِلاَّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ بِيَدِ الرَّاهِنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ أَوِ الرَّاهِنَ بَطَلَ الشَّرْطُ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَ الرَّهْنِ وَمُقْتَضَاهُ، وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ .
اسْتِحْقَاقُ بَيْعِ الْمَرْهُونِ:
24 - إِذَا حَلَّ الدَّيْنُ لَزِمَ الرَّاهِنَ بِطَلَبِ الْمُرْتَهِنِ إِيفَاءُ الدَّيْنِ لأِنَّهُ دَيْنٌ حَالٌّ فَلَزِمَ إِيفَاؤُهُ كَاَلَّذِي لاَ رَهْنَ بِهِ، فَإِنْ وَفَى الدَّيْنَ جَمِيعَهُ فِي مَالِهِ غَيْرِ الْمَرْهُونِ انْفَكَّ الْمَرْهُونُ، فَإِنْ لَمْ يُوفِ كُلَّ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ بَيْعُ الْمَرْهُونِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ لأِنَّ لَهُ حَقًّا فِيهِ، وَيُقَدِّمُ فِي ثَمَنِهِ الْمُرْتَهِنَ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ . فَإِنِ امْتَنَعَ عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَبَيْعِ الْمَرْهُونِ لأِدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِوَفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ، أَوْ بَيْعِ الْمَرْهُونِ، وَأَدَائِهِ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الاِمْتِنَاعِ مِنْ كِلاَ الأْمْرَيْنِ عَزَّرَهُ الْحَاكِمُ بِالْحَبْسِ أَوِ الضَّرْبِ لِيَبِيعَ الْمَرْهُونَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَ الْحَاكِمُ الْمَرْهُونَ، وَقَضَى الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ لأِنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لأِدَاءِ الْوَاجِبِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُضْرَبُ، وَلاَ يُحْبَسُ، وَلاَ يُهَدَّدُ بِهِمَا، بَلْ يَقْتَصِرُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لِلْمُرْتَهِنِ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ بِيَدِهِ، وَأَنْ يُطَالِبَ بِحَبْسِهِ لِدَيْنِهِ لأِنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَالرَّهْنُ لِزِيَادَةِ التَّوْثِيقِ وَالصِّيَانَةِ فَلاَ تَمْتَنِعُ بِهِ الْمُطَالَبَةُ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ، وَحَبَسَهُ الْقَاضِي إِنْ ظَهَرَ مَطْلُهُ، وَلاَ يَبِيعُ الْقَاضِي الْمَرْهُونَ لأِنَّهُ نَوْعُ حَجْرٍ، وَفِي الْحَجْرِ إِهْدَارُ أَهْلِيَّتِهِ، فَلاَ يَجُوزُ، وَلَكِنَّهُ يُدِيمُ الْحَبْسَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَهُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ . (ر: حَجْر).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع والثلاوثون ، الصفحة / 302
الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ:
وَتَشْمَلُ هَذِهِ الْعُقُودُ الرَّهْنَ وَالْكَفَالَةَ، إِذِ الرَّهْنُ لاَزِمٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ، وَالْكَفَالَةُ لاَزِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ دُونَ الْمَكْفُولِ لَهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ - الرَّهْنُ:
فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ فِي تَأْثِيرِ الْمَوْتِ عَلَى الْتِزَامِ الرَّاهِنِ بَيْنَ حَالَتَيْنِ:
73 - الْحَالَةُ الأْولَى: مَوْتُ الرَّاهِنِ بَعْدُ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لِلْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ بَعْدُ الْقَبْضِ يَكُونُ لاَزِمًا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا اللُّزُومِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ فَسْخُهُ بِإِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ، فَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْتِزَامَهُ النَّاشِئَ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ لاَ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، لأِنَّ الرَّهْنَ قَدْ لَزِمَ مِنْ جِهَتِهِ، وَلاَ حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِي إِبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، وَإِنْ كَانَ مِيرَاثًا لَهُمْ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَيْنَ تَبْقَى تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ إِلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ، وَإِلاَّ بِيعَتِ الْعَيْنُ لِوَفَاءِ حَقِّهِ إِذَا تَعَذَّرَ الاِسْتِيفَاءُ مِنْ غَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .
74 - الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: مَوْتُ الرَّاهِنِ قَبْلَ الْقَبْضِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَأْثِيرِ الْمَوْتِ عَلَى الْتِزَامِ الرَّاهِنِ بَعْدَ الرَّهْنِ إِذَا مَاتَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ ، وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَيَنْتَهِي الْتِزَامُهُ بِمَوْتِهِ، وَلاَ يَلْزَمُ وَرَثَتَهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَبِذَلِكَ لاَ يَخْتَصُّ الْمُرْتَهِنُ بِالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، بَلْ يَكُونُ فِي دَيْنِهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ .
وَالثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ لاَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، لأِنَّ مَصِيرَ الرَّهْنِ إِلَى اللُّزُومِ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِالْمَوْتِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَيَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي الإْقْبَاضِ إِنْ شَاؤُوا وَلاَ يُجْبَرُونَ عَلَيْهِ، لأِنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ لاَزِمًا فِي حَقِّ مُوَرِّثِهِمْ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَمْ يَلْزَمْ بِمَوْتِهِ، وَيَرِثُ وَرَثَتُهُ خِيَارَهُ فِي التَّسْلِيمِ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ عَدَمِهِ.
غَيْرَ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ وَبَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ نَصُّوا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ لِوَرَثَةِ الرَّاهِنِ أَنْ يَخُصُّوا الْمُرْتَهِنَ بِالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، إِذَا كَانَ عَلَى مُوَرِّثِهِمْ دَيْنٌ آخَرُ سِوَى دَيْنِهِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ .
ب - الْكَفَالَةُ:
75 - الْكَفَالَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ نَوْعَانِ: كَفَالَةٌ بِالْمَالِ، وَكَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ (رَبَّ الْحَقِّ) إِذَا مَاتَ، فَإِنَّ الْكَفَالَةَ لاَ تَسْقُطُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ كَفَالَةً بِالْمَالِ أَوْ بِالنَّفْسِ، وَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ إِلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمَوْرُوثَةِ، فَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ .
أَمَّا عَنْ أَثَرِ مَوْتِ الْكَفِيلِ فِي بُطْلاَنِ عَقْدِ الْكَفَالَةِ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ - الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ:
76 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْتِزَامَ الْكَفِيلِ بِأَدَاءِ الْمَالِ فِيهَا لاَ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، لأِنَّ مَالَهُ يَصْلُحُ لِلْوَفَاءِ بِذَلِكَ، فَيُطَالَبُ بِهِ وَصِيُّهُ أَوْ وَارِثُهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ .
وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ بِهِ مُؤَجَّلاً، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وأحمد فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ يَحِلُّ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ حَالًّا. وَلَكِنَّ وَرَثَتَهُ لاَ تَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إِلاَّ بَعْدَ حُلُولِ الأْجَلِ، لأِنَّ الأْجَلَ بَاقٍ فِي حَقِّ الْمَكْفُولِ لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ .
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَذْهَبِ فَقَالُوا: لاَ يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ بِهِ الْمُؤَجَّلُ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ إِذَا وَثَّقَهُ الْوَرَثَةُ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ لأِنَّ التَّأْجِيلَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمَيِّتِ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ .
ب - الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ:
77 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَأْثِيرِ مَوْتِ الْكَفِيلِ عَلَى الْتِزَامِهِ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلِ الأْوَّلِ : لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْكَرْخِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْتِزَامَ الْكَفِيلِ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ لاَ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَلاَ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَلِكَ، فَيُطَالَبُ وَرَثَتُهُ بِإِحْضَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا أَوْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أُخِذَ مِنَ التَّرِكَةِ قَدْرُ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ .
الْقَوْلِ الثَّانِي: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْكَفَالَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ، لأِنَّ تَسْلِيمَ الْكَفِيلِ الْمَطْلُوبَ بَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ لاَ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ، وَلاَ تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى وَرَثَتِهِ، لأِنَّهُمْ لَمْ يَكْفُلُوا لَهُ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَخْلُفُونَهُ فِيمَا لَهُ لاَ فِيمَا عَلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّهُ لاَ شَيْءَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ فِي تَرِكَتِهِ، لأِنَّ مَالَهُ لاَ يَصْلُحُ لإِيفَاءِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ .
78 - أَمَّا إِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ - فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ - فَإِنَّ الْكَفَالَةَ تَسْقُطُ عَنِ الْكَفِيلِ، وَلاَ يُلْزَمُ بِشَيْءٍ، لأِنَّ النَّفْسَ الْمَكْفُولَةَ قَدْ ذَهَبَتْ، فَعَجَزَ الْكَفِيلُ عَنْ إِحْضَارِهَا، وَلأِنَّ الْحُضُورَ قَدْ سَقَطَ عَنِ الْمَكْفُولِ، فَبَرِئَ الْكَفِيلُ تَبَعًا لِذَلِكَ، لأِنَّ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ أَجْلِهِ سَقَطَ عَنِ الأْصْلِ فَبَرِئَ الْفَرْعُ، كَالضَّامِنِ إِذَا قَضَى الْمَضْمُونُ عَنْهُ الدَّيْنَ أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ، وَبِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ .
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ اللَّيْثُ وَالْحَكَمُ فَقَالُوا: يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ غُرْمُ مَا عَلَيْهِ، لأِنَّ الْكَفِيلَ وَثِيقَةٌ بِحَقٍّ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، اسْتُوْفِيَ مِنَ الْوَثِيقَةِ كَالرَّهْنِ، وَلأِنَّهُ تَعَذَّرَ إِحْضَارُهُ، فَلَزِمَ كَفِيلَهُ مَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ غَابَ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 174)
يشترط لانعقاد عقود البيع والشراء والإيجار والاستئجار والشركة والحوالة والرهن والوكالة ونحوها من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر أن يكون كل من العاقدين مميزاً يعقل معنى العقد ويقصده ولا يشترط بلوغهما غير أن عقودهما لا تكون نافذة أن كانا محجوراً عليهما
(مادة 230)
ما كان مبادلة مال بغير مال كالنكاح والخلع على مال أو كان من عقود التبرعات كالهبة والقرض أو من التقييدات كعزل الوكيل والحجر على الصبي من التجارة فإنه يصح مع اقترانه بالشرط الفاسد ويلغو الشرط ولا يصح تعليقه بالشرط بل يبطل العقد أن تعلق به.
وكذلك الرهن والاقالة باقترانها بالشرط الفاسد ويبطل الشرط ولا يصح تعليقها بالشرط.