مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السابع ، الصفحة : 54
مذكرة المشروع التمهيدي :
في جميع الأحوال التي يحل فيها محل العقار المرهون أو محل جزء منه شيء آخر كتعويض أو مبلغ تأمين أو من يرسو به المزاد أو من ملحقات يتم تسليمها فان الرهن ينتقل إلى هذا الشيء الآخر ويستوفي الدائن منه الدين بحسب مرتبته وهذا مثل آخر للحلول العيني .
من المقرر طبقاً للمادتين 1049، 1102/2 من القانون المدني أن هلاك الشيء المرهون يترتب عليه إنتقال حق الدائن المرتهن إلى ما حل محله من حقوق ليستوفي دينه منها فإذا كانت البضاعة المرهونة والمؤمن عليها قد احترقت وتقرر حق الدائن المرتهن فى مبلغ التأمين المستحق وكان مقتضى ذلك حلول مبلغ التأمين محل البضاعة المرهونة - فإنه ليس هناك محل لرجوع المدين الراهن على الدائن المرتهن وحسبه أن تجرى المحاسبة بينهما على أساس عقد القرض المضمون بالرهن وإذ قضى الحكم المطعون فيه مع ذلك بمسئولية الدائن المرتهن عن هلاك البضاعة المرهونة فإنه يكون قد خالف القانون.
(الطعن رقم 51 لسنة 31 جلسة 1965/12/28 س 16 ع 3 ص 1347 ق 211)
إذا هلك العقار المرهون أو تلف واستحق الراهن تعويضاً من المتسبب أو مبلغ تأمين من شركة تأمين م 770 أو ثمن يقرر مقابل نزع ملكيته للمنفعة العامة فإن الرهن ينتقل إلى هذا المبلغ ویستوفی الدائن المرتهن منه الدين بحسب مرتبته بحكم الحلول العيني إذ ينتقل حق المرتهن من العقار إلى المبلغ المستحق عنه ومتى قلم الراهن هذا المبلغ للمرتهن كان ذلك بمثابة تأمين كاف فلا يسقط أجل الدين وليس للمرتهن الاعتراض على ذلك فلا يحل الدين إلا بحلول أجله فإن لم یستحق مقابل للهلاك سرت القواعد المتقدمة المتعلقة بهلاك العقار المرهون. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع عشر الصفحة/434)
تنص المادة 1049 مدني على ما يأتي :
إذا هلك العقار المرهون أو تلف لأي سبب كان انتقل الرهن بمرتبته إلى الحق الذي يترتب على ذلك كالتعويض أو مبلغ التأمين أو الثمن الذي يقرر مقابل نزع ملكيته للمنفعة العامة .
وظاهر من هذا النص أن فيه تطبيقاً للحلول العيني فهو يفترض أن العقار المرهون قد هلك أو تلف لأي سبب كان سواء كان ذلك بخطأ الراهن أو بغير خطأه ولكن ترتب على الهلاك أو التلف أن استحق حق آخر فإن هذا الحق الآخر ينتقل الرهن إليه والسبب في ذلك أن الحق قد حل محل العقار المرهون الهالك أو التالف حلولاً عينياً فأصبح مرهوناً مثله .
ويورد النص أمثلة ثلاثة لاستحقاق حق بسبب هلاك العقار المرهون أو تلفه فقد يكون هذا الحق هو حق تعويض في ذمة الغير الذي تسبب بخطأه في هلاك العقار أو تلفه وقد يكون مبلغ تأمين يجب أن تدفعه شركة التأمين بسبب هلاك العقار المؤمن عليه أو تلفه وقد يكون ثمناً تقرر في مقابل نزع ملكية العقار المرهون للمنفعة العامة وهناك أمثلة أخرى فقد ينزع الراهن بعض العقارات بالتخصيص ويبيعها منقولاً لمشتري حسن النية فيتسلمها هذا المشتري ويبقى الثمن في ذمته فيحل الثمن حلولاً عينياً محل هذه العقارات بالتخصيص وقد يكون هلاك العقار المرهون نتيجة لحرب أو غارة جوية أو زلال وتقدم الدولة تعويضاً للمنكوبين على سبيل المساعدة فيحل هذا التعويض حلولاً عينياً محل العقار المرهون وقد يهدم الراهن المبنى المرهون ويبيعه أنقاضاً للمشتري ويبقى الثمن في ذمة المشتري فيحل الثمن محل المبنى المرهون في بعض قيمته حلولاً عينياً هذه الأمثلة وغيرها تدل على أنه يحل محل العقار المرهون حق آخر يستحق بسبب هلاك العقار أو تلفه فيقرر النص أن هذا الحق يحل محل العقار المرهون حلولاً عينياً ويصبح مرهوناً مثله وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الخصوص في جميع الأحوال التي يحل فيها محل العقار المرهون أو محل جزء منه شيء آخر كتعويض أو مبلغ تأمين أو ثمن يرسو به المواد أو ثمن ملحقات يتم تسليمها فإن الرهن ينتقل إلى هذا الشيء الآخر وستوفي الدائن منه الدين بحسب مرتبته وهذا مثل آخر للحلول العيني .
وهذا هو الرأي السائد في الفقه المصري فما دام الحق قد استحق في مقابل هلاك العقار المرهون أو تلفه فإنه يحل حلولاً عينياً محل هذا العقار وينتقل حق الدائن المرتهن بحكم هذا الحلول العيني من العقار الهالك أو التالف إلى الحق الذي حل محله فإذا كان الحق منقولاً كما في التعويض ومبلغ التأمين ومقابل نزع الملكية فإن الدائن المرتهن يختص به ويستوفي دينه منه وينقلب الرهن في هذه الحالة إلى رهن حيازي للنقود وهذا هو صريح النص فهو يقول كما رأينا إذا هلك العقار المرهون أو تلف لأي سبب كان انتقل الرهن بمرتبته إلى الحق الذي يترتب على ذلك كالتعويض أو مبلغ التأمين أو الثمن الذي يقرر مقابل نزع ملكيته للمنفعة العامة .
وعلى ذلك إذا تسبب الراهن بخطأه في هلاك العقار المرهون أو تلفه وكان الدائن المرتهن مخيراً بين أن يقتضي تأميناً كافياً أو أن يستوفي حقه فوراً م 1048/1 مدني فقد يكون العقار المرهون مؤمناً عليه فتدفع شركة التأمين كل قيمته وفي هذه الحالة تحل هذه القيمة التي تدفعها شركة التأمين محل العقار حلولاً عينياً ويكون الدائن المرتهن مخيراً بين استيفاء ما دفعته شركة التأمين مرهوناً في حقه أو استيفاء حقه فوراً بعد إسقاط الأجل .
وإذا كان هلاك العقار المرهون أو تلفه قد نشأ من سبب أجنبي ولم يقبل الدائن بقاء المدين بلا تأمين كان المدين الراهن هو المخير بين أن يقدم تأميناً كافياً أو أن يوفي الدين قبل حلول الأجل بعد إستنزال الفوائد بالسعر القانوني على النحو الذي قدمناه م 1048/2 مدني وقد يكون هلاك العقار أو تلفه بفعل الغير وهذا سبب أجنبي فيدفع الغير تعويضاً يحل محل العقار المرهون ويستطيع المدين الراهن في هذه الحالة أن يقدم هذا التعويض تأميناً كافياً للدائن المرتهن بدلاً من وفاء الدين قبل حلول الأجل وقد يكون العقار المرهون مؤمناً عليه فتدفع شركة التأمين مبلغ التأمين فيقدمه المدين الراهن تأميناً كافياً للدائن المرتهن وقد يكون هلاك العقار المرهون هو عبارة عن نزع ملكيته للمنفعة العامة فالمبلغ الذي يدفع في مقابل ذلك يكون تأميناً كافياً يقدمه المدين الراهن .
فيمكن إذن المواءمة بين أحكام المادتين 1048 و 1049 مدني على الوجه الذي قدمناه الاستفادة من حلول الحق محل العقار المرهون حلولاً عينياً عندما يراد تقديم تأمين كافٍ يحل محل العقار المرهون وذلك بتقديم الحق الذي يحل محل العقار المرهون تأميناً كافاً لا يستطيع الدائن المرتهن الاعتراض عليه في شيء .
ونصت المادة 1049 مدني على أنه إذا هلك العقار المرهون أو تلف لأي سبب انتقل الرهن بمرتبته إلى الحق الذي يترتب على ذلك كالتعويض أو مبلغ التأمين أو الثمن الذي يقدر مقابل نزع ملكيته للمنفعة العامة .
فالدائن المرتهن رهناً رسمياً لا يستوفي حقه من ثم العقار المرهون فسحب بل أيضاً يستوفيه من المال الذي حل محل العقار المرهون ذلك أن هذا الحق يتعلق بالقيمة الاقتصادية للعقار المرهون وهذه القيمة الاقتصادية تتمثل في قيمة المال الذي حل محل العقار المرهون .
والصورة المأمونة لتحويل العقار المرهون إلى مقابل نقدي هي بيعه بيعاً جبرياً واستيفاء الحق من الثمن الذي رسا به المزاد والبيع طريقة لتقويم العقار بمبلغ من النقود وتوجد طرق أخرى كمبلغ التعويض وعوض التأمين وما يستحق عن نزع ملكية العقار المرهون للمنفعة العامة .
ونقتصر هنا على استعراض هذه الحالات الثلاث مبلغ التعويض وعوض التأمين و مقابل نزع الملكية للمنفعة العامة .
مبلغ التعويض :
نفرض هنا أن العقار المرهون قد هلك أو تلف بخطأ الغير فيكون على الغير أن يدفع مبلغ التعويض وقد حل مبلغ التعويض هذا محل العقار المرهون فينتقل إليه حق الرهن ويباشر عليه حق التقدم الدائن المرتهن رهناً رسمياً .
ويجب على الدائن المرتهن الذي يرغب في المحافظة على حقه أن يبادر فور هلاك العقار المرهون أو تلفه إلى إخطار المسئول عن هذا الهلاك أو التلف بالامتناع عن أداء التعويض إلى الراهن لأن العقار الهالك أو التالف مرهون .
ويجوز للدائن المرتهن أن يبادر إلى حجز ما للمدين لدى الغير والغير هنا هو المسئول عن الهلاك أو التلف والمدين هو صاحب العقار المرهون 504 ومن ثم يلجأ الدائن المرتهن إلى حجز ما لصاحب العقار المرهون وهو المدين لدى المسئول عن التلف أو الهلاك وهو الغير من تعويض مستحق بسبب التلف أو الهلاك .
عوض التأمين :
والمفروض هنا أن العقار المرهون كان مؤمناً عليه فاحترق مثلاً فاستحق عوض التأمين .
وقد اتجه جانب من الفقه الفرنسي إلى أن شركة التأمين لا تؤدي عوض التأمين بل تحتفظ به لأن الرهن قد شهر بالقيد وقد يقال هنا إن شهر الرهن لم يشرع لإخطار الناس كافة بوجود الرهن بل شرع لصالح من يتعاملون مع الراهن في العقار المرهون فيحكم التزاحم بينهما قاعدة الأسبقية في الشهر .
واتجه الفقه الغالب في فرنسا إلى القول بأن على الدائن المرتهن إذا ما هلك العقار أو تلف أن يبادر إلى إخطار شركة التأمين بوجود رهنه وإخطار الشركة في الوقت المناسب بمنعها من دفع عوض التأمين إلى صاحب العقار المرهون والتربص به حتى يسوي الخلاف بين الراهن والدائن المرتهن أو حتى يستوفي الدائن المرتهن مطلوبة من شركة التأمين .
ولكن المادة 770/2 مدني مصري تنص ، كما رأينا على أنه إذا شهرت هذه الحقوق التأمينات العينية التبعية أو أعلنت إلى المؤمن ولو بكتاب موصي عليه فلا يجوز له أن يدفع ما في ذمته له إلا برضاء الدائنين ومعنى ذلك أنه يكفي شهر حق الدائن المرتهن رهناً رسمياً وكل دائن آخر له حق عيني تبعي عقاري لوقف شركة التأمين عن دفع ما في ذمتها لصاحب العقار المرهون إلا برضاء الدائن المرتهن رهناً رسمياً أو غيره من الدائنين ذو الحقوق العينية التبعية العقارية فيجب إذن الإكتفاء بشهر حق الرهن الرسمي وعلى شركة التأمين أن تعرف ذلك من الرجوع إلى دفاتر الشهر وهذا هو الرأي الأول .
مقابل نزع الملكية للمنفعة العامة :
القانون 577 لسنة 1954 ببيان طرق حماية أصحاب الحقوق العينية التبعية فنصت المادة 6 من هذا القانون على ما يأتي تعد المصلحة القائمة بإجراءات نزع الملكية كشوفاً من واقع عملية الحصر سالفة الذكر تبين فيها العقارات والمنشآت التي تم حصرها ومساحتها ومواقفها وأسماء ملاكها وأصحاب الحقوق فيها ومحال إقامتهم والتعويضات التي تقدر لهم وتعرض هذه الكشوف ومعها خرائط تبين موقع هذه الممتلكات في المقر الرئيسي للمصلحة وفي المكتب التابع لها بعاصمة المديرية أو المحافظة وفي مقر العمدة أو مقر البوليس لمدة شهر ويخطر الملاك وأصحاب الشأن بهذا العرض بخطاب موصي عليه بعلم الوصول ويسبق هذا لعرض إعلان في الجريدة الرسمية وفي جريدتين يوميتين واسعتي الإنتشار يشمل بيان المشروع والمواعيد المحددة لعرض الكشوف والخرائط في الأماكن المذكورة وتقول المادة 7 من القانون المذكور إن لذوي الشأن من الملاك وأصحاب الحقوق خلال ثلاثين يوماً من تاريخ انتهاء مدة عرض الكشوف الاعتراض على البيانات الواردة فيها وإذا كان الاعتراض متعلقاً بحق على العين الواردة في الكشوف المتقدمة الذكر وجب أن يرفق بكافة المستندات المؤدية له وتاريخ شهر الحقوق المقدم بشأنها الاعتراض وأرقامها وتقرر المادة 11 من القانون المتقدم الذكر أن على المصلحة القائمة بإجراءات نزع الملكية أن تحقق في المعارضات التي يقدمها أصحاب الشأن طبقاً لما هو منصوص عليه في المادة 7 لتقرر دفع التعويض المستحق ويكون قيام المصلحة بأداء التعويض في هذه الحالة على مسئوليتها وإذا قام مانع يحول دون دفع التعويض المستحق وجب على المصلحة إخطار ذوي الشأن بكتاب موصي عليه بعلم الوصول وبالأسباب التي تحول دون دفع التعويض وبالشروط الواجب استيفاؤها بمعرفتهم وتظل المبالغ التي يشملها النزاع بأمانات المصلحة لحين إستيفاء شروط الدفع .
ويستفاد مما تقدم أن القانون كفل للدائن المرتهن الوسيلة لمنع الراهن من استيفاء التعويض المستحق له بأن مكن الدائن من العلم بأمر نزع الملكية وذلك بالإعلان عن الكشف الذي يتضمن بيان العقار وتقدير التعويض وعلى الدائن للمحافظة على حقه أن يتقدم بما يثبت وجود هذا الحق للجهة الحكومية التي تقوم بنزع الملكية وعلى الجهة الحكومية المذكورة أن تمتنع عن أداء التعويض للراهن وتحتفظ به في خزانة مخصصة لذلك لحساب أصحاب الحقوق المقيدة .
ثمن العقار وملحقاته :
فحق الدائن المرتهن رهناً رسمياً يمتد إلى ما على محل العقار من مال كما رأينا .
وهو قبل كل شيء يتركز في ثمن العقار وملحقاته والملحقات تتناول بصفة خاصة حقوق الارتفاق والعقارات بالتخصيص والإنشاءات والتحسينات دون حاجة للنص على ذلك فيعقد الرهن وإذا أراد الراهن إخراج هذه الملحقات وجب الإتفاق على ذلك صراحة .
ويلحق بالعقار المرهون أيضاً ما يغله من ثمار عن المدة التي أعقبت تسجيل تنبيه نزع الملكية ، ويجري في توزيع هذه الغلة ما يجري في توزيع ثمن العقار .
وقد يعترض حق الدائن وهو في سبيل التنفيذ على العقارات بالتخصيص باعتبارها من ملحقات العقار وجود امتياز بائع المنقول الذي كسب صفة العقار باعتباره عقاراً بالتخصيص وهو امتياز يضمن الوفاء بثمنه .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ العاشر الصفحة/ 455)
تشير المادة إلى المبالغ التي تستحق للراهن نتيجة هلاك الشيء المرهون مادياً أو قانونياً.
كما إذا هلك العقار ماديا بفعل الغير وقضى للمالك بالتعويض أو كان مؤمناً عليه ضد الحريق واستحق له عوض التأمين أو هلك بكارثة عامة عوضت عنها الدولة ففي هذه الحالة يستعمل الدائن المرتهن حقه على التعويض أو عوض التأمين وكذلك إذا باع الراهن المنزل المرهون أنقاضاً وهدم العقار فعلاً ولا يزال في ذمة المشتري ثمن الأنقاض كله أو بعضه أو فصل من العقار بعض المنقولات الثابتة بالتخصيص وسلمها إلى مشتر حسن النية وما زال ثمنها في ذمته.
وكذلك الحال في حالة الهلاك القانوني ويقصد به انتقال ملكية العقار المرهون دون أن يكون للدائن المرتهن حق في تتبعه مثل نزع ملكية العقار المرهون للمنفعة العامة في هذه الحالة يستعمل الدائن المرتهن حقه على مبلغ التعويض.
ويستوي أن يكون الهلاك كلياً أو جزئياً وهذا الحكم هو تطبيق لمبدأ الحلول العيني إذ يحل المقابل محل العقار فيما كان عليه من حق للدائن المرتهن. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع عشر الصفحة/ 376)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 256
ضَمَانُ الرَّهْنِ:
62 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ، إِذَا هَلَكَتِ الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، بَعْدَ قَبْضِهَا وَبَعْدَ تَحَقُّقِ شُرُوطِ الرَّهْنِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، لاَ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ، إِلاَّ إِذَا تَعَدَّى فِيهِ، أَوِ امْتَنَعَ مِنْ رَدِّهِ بَعْدَ طَلَبِهِ مِنْهُ أَوْ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِنَ الدَّيْنِ، وَلاَ يَسْقُطُ بِشَيْءٍ مِنَ الدَّيْنِ بِهَلاَكِهِ (أَيِ الرَّهْنِ) مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَذَلِكَ:
لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الرَّهْنَ إِذَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ، كَانَتْ مَالِيَّتُهُ مَضْمُونَةً، أَمَّا عَيْنُهُ فَأَمَانَةٌ، وَذَلِكَ: لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ حَدَّثَ: «أَنَّ رَجُلاً رَهَنَ فَرَسًا، فَنَفَقَ فِي يَدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم لِلْمُرْتَهِنِ: ذَهَبَ حَقُّكَ» .
وَلِحَدِيثِ عَطَاءٍ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ» (وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ الَّذِي وُضِعَ فِي مُقَابِلِهِ).
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ بِشُرُوطٍ:
أ - أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، لاَ فِي يَدِ غَيْرِهِ، كَالْعَدْلِ.
ب - أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، أَيْ يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ، كَالْحُلِيِّ وَالسِّلاَحِ وَالْكُتُبِ وَالثِّيَابِ.
ج - أَنْ لاَ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلاَكِهِ أَوْ تَلَفِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ، كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ، وَغَارَاتِ الأْعْدَاءِ، وَمُصَادَرَةِ الْبُغَاةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ، ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ، وَلَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ الْبَرَاءَةَ وَعَدَمَ ضَمَانِهِ، لأِنَّ هَذَا إِسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَالتُّهْمَةُ مَوْجُودَةٌ، خِلاَفًا لأِشْهَبَ، الْقَائِلِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ عِنْدَ الشَّرْطِ .
63 - وَفِي اعْتِبَارِ قِيمَةِ الرَّهْنِ الْمَضْمُونِ، بَعْضُ الْخِلاَفِ وَالتَّفْصِيلِ:
فَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ، عَلَى أَنَّ قِيمَةَ الْمَرْهُونِ إِذَا هَلَكَ، تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْقَبْضِ، لأِنَّهُ يَوْمئِذٍ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ، وَفِيهِ يَثْبُتُ الاِسْتِيفَاءُ يَدًا، ثُمَّ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلاَكِ .
أَمَّا إِذَا اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الاِسْتِهْلاَكِ، لِوُرُودِهِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ، وَتَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا عِنْدَهُ .
وَلِلْمَالِكِيَّةِ - فِي اعْتِبَارِ قِيمَةِ الرَّهْنِ التَّالِفِ - ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ، كُلُّهَا مَرْوِيَّةٌ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ:
الأْوَّلُ: يَوْمُ التَّلَفِ، لأِنَّ عَيْنَ الرَّهْنِ كَانَتْ قَائِمَةً، فَلَمَّا تَلِفَتْ قَامَتْ قِيمَتُهَا مَقَامَهَا.
الثَّانِي: يَوْمُ الْقَبْضِ، لأِنَّهُ كَشَاهِدٍ، وَضَعَ خَطَّهُ وَمَاتَ، فَيُعْتَبَرُ خَطُّهُ، وَتُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُ يَوْمَ كَتْبِهِ.
الثَّالِثُ: يَوْمُ عَقْدِ الرَّهْنِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهُوَ أَقْرَبُ، لأِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا يَرْهَنُونَ مَا يُسَاوِي الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ فِيهِ غَالِبًا .
ضَمَانُ الرَّهْنِ الْمَوْضُوعِ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ:
64 - يَصِحُّ وَضْعُ الرَّهْنِ عِنْدَ عَدْلٍ ثَالِثٍ، غَيْرِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَيَتِمُّ وَيَلْزَمُ بِقَبْضِ الْعَدْلِ ، لأِنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ.
وَلاَ يَأْخُذُهُ أَحَدُهُمَا مِنْهُ، لأِنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ، وَتَعَلَّقَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ اسْتِيفَاءً، فَلاَ يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إِبْطَالَ حَقِّ الآْخَرِ.
وَلَوْ دَفَعَ الرَّهْنَ إِلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ، لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمَا بِهِ، لأِنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ، وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ، وَكِلاَهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ صَاحِبِهِ، وَالْمُودَعُ يُضْمَنُ بِالدَّفْعِ إِلَى الأْجْنَبِيِّ .
وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ: فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَهْلَكُ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ، لأِنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ، وَهِيَ الْمَضْمُونَةُ، فَإِذَا هَلَكَ، هَلَكَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ .
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ: أَنَّهُ إِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الأْمِينِ، هَلَكَ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ: عَلَى أَنَّ الأْمِينَ إِذَا دَفَعَ الرَّهْنَ إِلَى الرَّاهِنِ أَوِ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَتَلِفَ:
فَإِنْ سَلَّمَهُ إِلَى الرَّاهِنِ، ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، أَوْ ضَمِنَ لَهُ الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ هُوَ فِيهِ، فَيَضْمَنُ أَقَلَّهُمَا.
وَإِنْ سَلَّمَهُ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، ضَمِنَ قِيمَةَ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ .
________________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (53) إذا بطل الأصل
إذا بطل الأصل يصار إلى البدل.
مادة (742) ضمان إتلاف الرهن من غير الراهن
إذا أتلف الرهن شخص غير الراهن والمرتهن ضمن قيمته يوم إتلافه وتكون تلك القيمة رهناً عند المرتهن.