1ـ لما كان ما يثيره الطاعنون من منازعة فى شأن التكييف القانونى للواقعة وأنها - بفرض صحتها - جنحة تندرج تحت المادة 204 من قانون العقوبات فإن ذلك مردود بأنه لا محل له لأنه لا يعدو أن يكون نعياً وارداً على سلطة محكمة الموضوع فى استخلاص الصورة الحقيقية لواقعة الدعوى أخذاً بأدلة الثبوت التى وثقت بها واطمأنت إليها مما تستقل به بغير معقب ما دام قضاؤها فى ذلك سليماً كما هو الحال فى الدعوى الراهنة .
( الطعن رقم 70964 لسنة 75 ق - جلسة 2012/10/09 - س 63 ص 465 ق 78 )
2ـ لما كانت المادة 204 من قانون العقوبات تعاقب على المسكوكات المزورة أو المغشوشة بإحدى الطرق المنصوص عليها فى المادتين 201 و202 السابقتين عليها ، وكانت هاتان المادتان وضعتا لحماية المسكوكات المتداولة قانوناً أو عرفاً فى البلاد من التقليد سواء أكانت هذه المسكوكات من الذهب أم الفضة أم غيرها ، وكانت طرق الغش والتقليد التى نص عليها فى المادة 202 لا يتصور وقوعها إلا فى العملة المعدنية ، وكانت المادة 206 من قانون العقوبات تعاقب كل من قلد أو زور أو إستعمل شيئاً من الأشياء التى ذكرتها مع العلم بتقليدها أو بتزويرها ومن بين ما ذكرت فى الفقرة الخامسة أوراق مرتبات أو بونات أو سراكى أو سندات أخرى صادرة من خزينة الحكومة أو فروعها وكانت الأوراق المضبوطة قصد من صنعها تزوير الأوراق المالية من فئة العشرة قروش الصادرة من خزانة الحكومة المصرية ، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ طبق المادة 206 عقوبات على واقعة الدعوى ولم يطبق المادة 204 من القانون المشار إليه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .
( الطعن رقم 139 لسنة 24 ق - جلسة 1954/05/25 - س 5 ع 3 ص 709 ق 236 )
(ملحوظة هامة: أصبح الإختصاص بنظر هذه الجرائم معقوداً للمحاكم الإقتصادية بموجب القانون رقم 120 لسنة 2008 الصادر في شأن إنشاء المحاكم الإقتصادية وتعديلاته.)
مركز الراية للدراسات القانونية
العذر المخفف للعقاب في جناية الترويج :
نصت على هذا العذر المادة 204 من قانون العقوبات في قولها « كل من قبل بحسن نية عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة ثم تعامل بها بعد علمه بعيبها يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه » وهذا العذر يرد على جناية ترويج توافرت جميع أركانها، ومن ثم كان نطاقه مقتصراً على هذه الجناية : فالمتهم قد دفع إلى التعامل عملة غير صحيحة وهو عالم بذلك ؛ ولكن بالإضافة إلى هذه الأركان فقد توافر عنصر جديد، ذلك أنه قد تلقى النقود وهو لا يعلم بعيبها، وإنما كان « حسن النية »، أي يعتقد أنها صحيحة وفي هذا العنصر تكمن علة التخفيف : ذلك أن المتهم قد خدع بتلقى هذه النقود وأضير بغير خطأ صدر عنه، فتصرفه مفهوم نفسياً حينما يسعى إلى التخلص من هذا الضرر وإلقائه على عاتق غيره .
وهذا العنصر ذو طبيعة نفسية، إذ هو « حسن النية » وقت تلقی العملة غير الصحيحة . وتعبير تلقى العملة أو « قبولها » – كما عبر الشارع - یعنی کل إكتساب للحيازة، ويصدق ذلك على من إكتسب الحيازة بسبب مشروع، كما لو تسلم النقود كثمن لمبيع أو على سبيل التبرع، كما يصدق على من اكتسبها بسبب غير مشروع، كما لو كان سارقاً لها أو حصل عليها أحياناً ويكفى توافر حسن النية لحظة إكتساب الحيازة، فلا يحول دون توافر العذر أن المتهم قد ساءت نيته بعد ذلك ولو ببرهة يسيرة ويعنى حسن النية اعتقاد المتهم صحة العملة، ويناقض القول بحسن نيته أن يرد إليه شك ولو يسير حول ذلك .
ويفترض العذر بعد ذلك أن المتهم قد ساءت نيته، أى علم بعيب العملة، وكل مصادر هذا العلم سواء، فدفعها إلى التعامل والدفع إلى التعامل هو ذات الفعل الذي تقوم به جناية الترويج وسواء أن يكون الدفع إلى التعامل نظير مقابل أو بغير مقابل، كما لو تبرع بها وسواء أن يكون من تلقي العملة جاهلاً عيبها أو عالماً به وينطبق العذر على من يتلقى النقود ثم يدفعها لحساب غيره، كصراف المحل التجاري إذا تلقی نقوداً غير صحيحة جاهلاً عيبها ثم تعامل بها أن علم بهذا العيب .
وأثر التخفيف أن تصير العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر والغرامة التي لا تتجاوز مائتي جنيه وتوقع عقوبة المصادرة الوجوبية وتصير الجريمة جنحة، وهي جنحة أياً كانت قيمة العملة موضوع التعامل ولا شروع فيها . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة : 208 )
الفرض أن الجاني قد ارتكب جريمة ترويج كاملة الأركان لعملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة، ويتمثل العذر المنصوص عليه في هذه المادة في كون من ارتكب جريمة ترويج العملة المزيفة كان « قد قبلها بحسن نية ». فالتخفيف يتحقق إذا كان الجاني وقت اكتساب حيازة هذه العملة غير عالم بتقليدها أو تزييفها أو تزويرها . ثم تبين له بعد ذلك أنها مزيفة فتعامل بها ويترتب على ذلك أن جريمة الترويج في صورتها العادية التي تعتبر وفقاً لها جناية، يشترط لتحققها أن يكون الجاني عالماً بتزييف العملة وقت قبولها ووقت التعامل بها، فالفيصل في اعتبار الترويج جناية أو جنحة هو في توافر أو عدم توافر العلم بتقليد العملة أو تزييفها أو تزويرها وقت تسلمها ويستوي في توافر العذر المخفف أن تكون وسيلة اكتساب حيازة العملة مشروعة أو غير مشروعة .
وإذا كان المشرع قد خص بالتخفيف جريمة ترويج العملة، فإن العذر المخفف يجب أن يمتد عن طريق القياس - وهو جائز في مجال التخفيف - إلى كل من جريمة حيازة العملة المزيفة وجريمة إدخالها إلى البلاد أو إخراجها منها .
ويترتب على توافر عذر التخفيف أن تصبح الجريمة جنحة عقوبتها الحبس الذي لا يزيد على ثلاثة أشهر أو الغرامة التي لا تتجاوز مائتي جنيه. وحينئذ لا يعاقب على الشروع فيها إذ لم ينص المشرع على ذلك، والقاعدة أن الشروع في الجنحة لا عقاب عليه إلا بنص خاص (م 47ع) ۔ ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة : 225 )
عذر مخفف : جريمة قبول العملة المزيفة بحسن نية ثم التعامل بها بعد العلم بعيبها :
يتعين لتوافر هذا العذر توافر عناصر معينة في أركان الجريمة، وذلك على النحو الآتي :
الشرط المفترض :
تفترض هذه الجريمة أن الجاني قد زيف العملة أو أدخلها البلاد بحسن نية. كما لا يصلح بديلاً عنه أن يكون قد حازها بحسن نية لحساب أحد الأشخاص أو حصل عليها بناء على سرقة أو تبديد غير عالم بما فيها من عيب، لأن القانون وقد عبر بالقبول قد إنصرف مراده إلى حالة أخذ العملة في التعامل، حيث يحتمل خداع الجمهور بالتزييف. ويتعين أن يكون الجاني حسن النية وقت قبوله العملة المزيفة، أما إذا كان قد ظن أن العملة ربما تكون مزيفة ولكنه قبل هذا الإحتمال واضعاً في ذهنه أنه سوف يروجها بدوره بين الجمهور، فإن القصد الاحتمالي يكون متوافراً لديه، ويتعين عقابه عن جريمتي حيازة عملة مزيفة وترويجها. ويكفي أن يكون حسن النية معاصرة لواقعة استلامه العملة المزيفة، فلا عبرة بما إذا ساءت نيته بعد ذلك .
ويقع على المتهم عبء إثبات حسن نيته، فإن عجز عن هذا الإثبات يتعين مساءلته وفقاً للقواعد العامة في جرائم التزييف. وإذا ثار الشك في مدى توافر حسن النية، تعين تفسيره لصالح المتهم .
الركن المادي :
يتحقق بالتعامل بالعملة المزيفة بعد علمه بعيبها، أي بوضعها في التداول مع العلم بزيفها، وقد واجه المشرع بذلك حالة التخلص من العملة المزيفة التي قبلها بحسن نية عندما يرغب الشخص في الحصول على قيمتها. وينطبق العذر المخفف بطريق القياس إذا اقتصر على مجرد حيازة العملة المزيفة بعد علمه بعيبها، أو إدخالها البلاد أو إخراجها منها بعد أن تبين عيوبها. فالقياس جائز في الإباحة والتخفيف، تطبيقاً لقاعدة أن الأصل في الإنسان البراءة .
الركن المعنوي :
هو القصد الجنائي اللازم لجريمة الترويج بعنصرية العام والخاص، أي اتجاه الإرادة إلى التعامل بالعملة المزيفة مع علمه بها بنية وضعها في التداول، بشرط أن يثبت إبتداء أنه كان قد قبلها بحسن نية. فلا جريمة إذا أخذ المتهم العملة المزيفة على أنها صحيحة ثم تعامل بها على هذا الاعتبار دون أن يكون قد إكتشف حقيقتها .
ولكن، ما الحل إذا ما عمد الجاني - بعد أن علم بتزييف العملة التي قبلها بحسن نية - إلى بيعها لأغراض ثقافية أو علمية أو صناعية أو تجارية؟ إن القول بانطباق المادة 204 مكرراً/ 1 في هذه الحالة يؤدي إلى مفارقة غير مستساغة، ذلك أن عقوبة الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة تزيد على العقوبات المنصوص عليها في المادة 204 عقوبات. ولا يعقل أن يخفف القانون العقاب عمن توافر لديه قصد الترویج بعد أن قبل العملة المزيفة بحسن نية ثم يشدده على من لا يتوافر لديه هذا القصد. ولعل الصحيح هو قياس هذه الحالة على الجريمة المنصوص عليها في المادة 204 عقوبات من باب أولى، إعمالاً لمبدأ جواز القياس فيما هو أصلح للمتهم فضلاً عن أن الجريمة المنصوص عليها في المادة 204 مكرراً (أولاً) لا تقع إلا إذا لم يكن الجاني قد قبلها بحسن نية، أي إعتقاد أنها صحيحة .
العقوبة :
عقوبة هذه الجريمة هي الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز عشرين جنيهاً، وقد كانت المادة 204 قبل صدور القانون رقم 68 لسنة 1956 تعاقب على هذه الجريمة بغرامة لا تتجاوز ستة أمثال (المسكوكات) المتعامل بها. وقد ثار هذا التحديد خلافاً حول تكييف هذه الجريمة، وهل هي جنحة أو جناية، نظراً لأن الحد الأقصى للغرامة في هذه الجريمة قد يجاوز مائة قرش. وقد لا يتجاوز هذا القدر تبعاً لقيمة النقود المتعامل بها. وقد قضي على هذا الخلاف بتحديد العقوبة وفقاً لمعيار ثابت .
وعلى ضوء هذا المعيار الأخير تعتبر هذه الجريمة جنحة وليست جناية لابسها عذر قانوني، وذلك بالنظر إلى أن الشارع قد فرض لها عقوبة الجنحة من أول الأمر. ويترتب على ذلك أنه لا عقاب على الشروع في هذه الجريمة، ما دام القانون لم ينص على ذلك . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة : 741 )
قبول العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة بحسن نية ثم التعامل بها :
راعى المشرع فى هذه الجريمة أن الجانى يرتكبها ليس لتحقيق فائدة تعود عليه من الترويج وإنما لدفع ضرر أصابه بحسن نية ويريد بجريمته تحميله على غير . وهذا ما يفسر العقوبة المخففة .
وجريمة الترويج هذه في صورتها المخففة تقوم على العناصر الآتية :
أولاً : صفة الجاني :
يفترض في هذه الجريمة أن الجاني ليس له أدني علاقة بواقعة التقليد أو التزييف أو التزوير المنصب على العملة كما يفترض فيه أن تلقی العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة في تعامل مع الغير على أنها عملة صحيحة .
ولذلك لا نكون بصدد تلك الصورة المخففة إذا كان الجاني قد قبل العملة المزيفة على أنها صحيحة لتوصيلها إلى آخر وعلم بعد ذلك بعيبها ورغم ذلك قام بتسليمها. ففي هذه الحالة نكون بصدد جناية ترويج أو مساهمة في جناية ترويج حسب ظروف الحال. فالجريمة المخففة هنا تفترض أن العملة المزيفة قد تم قبولها من قبل الجاني لنفسه ثم علم بعد ذلك بالعيب الذي يشوبها .
ويلزم فضلاً عن ذلك كأن يكون الجاني قد قبلها بحسن نية والمقصود بذلك ألا يكون على علم بما يشوبها من عيب، أي أن يكون قد قبلها على أنها صحيحة وإذا شك الجاني في صحة العملة فإن هذا الشك كاف لنفي العلم بأنها مزيفة أو مزورة، ذلك أن القصد الجنائي في جناية الترويج يقوم على العلم اليقيني بعناصر الجريمة ومن بينها العيب الذي يشوب العملة موضوع السلوك الإجرامي. ولذلك فإن الشك في صحة العملة ثم قبولها وتعامل بها بعد ذلك مع وجود هذا الشك يجعلنا في محيط جنحة الترويج المخففة وبعيداً عن جناية الترويج . ومع ذلك نكون بصدد مساهمة جنائية في جنحة الترويج تلك إذا كان الجاني بعد أن تلقى عملة مزيفة بحسن نية على أنها صحيحة ثم إكتشف عيبها أعطاها لآخر طالباً منه تصريفها بعد إخباره بما اكتشفه فيها من عيب .
ثانياً : السلوك الإجرامي . ( النتيجة غير المشروعة ) :
تقوم الجريمة على شكل معين من أشكال الترويج. وقد عبر المشرع عن ذلك بالتعامل بالعملة بعد علمه بعيبها. وبذلك فليست جميع صور الترويج تصلح أساساً للركن المادي في هذه الجريمة، وإنما فقط الصور التي تأخذ شكل التعامل، وهو ما يكون بالإتفاق أو بالوضع تحت تصرف الغير. ويستوي أن يكون التعامل مشروعاً أو غير مشروع. ويعتبر من قبيل التعامل الوضع في الحساب الجاري في بنك من البنوك أو تسليم العملة لبنك أو لمكتب بريد لتحويل المبلغ إلى الخارج أو إلى شخص بالداخل. وفي تلك الفروض يكون التعامل قد تم بقبول العملة المزيفة على أنها صحيحة حتى ولو إكتشف عيبها بعد ذلك وقبل إجراء التحويل .
أما فروض الترويج الأخرى والمتمثلة في إخراج العملة أو إدخالها إلى مصر بعد العلم بعيبها فهي تدخل تحت حكم المادة 203 عقوبات .
الموضوع المادي للسلوك :
ينصب السلوك المادي على عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة، مصرية كانت أم أجنبية، طالما أنها متداولة قانوناً في مصر أو في الخارج، ورقية كانت أم معدنية، ولا يشترط أن يكون التعامل بتلك العملة قد وقع في داخل مصر. فيمكن أن يمتد تطبيق قانون العقوبات المصري على تلك الواقعة إستناداً إلى معيار شخصية النص وليس معيار العينية الذي لا يطبق إلا بالنسبة لجنايات التزييف، وتستوي جسامة أو ضآلة قيمة العملة .
النتيجة :
تتمثل النتيجة غير المشروعة في قبول العملة من قبل الغير على أنها عملة صحيحة أو يتحقق بوضع العملة تحت تصرف الغير .
ثالثاً : الركن المعنوي :
يقوم الركن المعنوي على القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة. فيتعين أن يكون الجاني عالماً بأن العملة التي يتعامل بها معيبة أي غير صحيحة أما لكونها مقلدة أو مزيفة أو مزورة كما يجب أن تتجه إرادته إلى التعامل بها بنقلها إلى الغير على أنه صحيحة أما الشك في صحة العملة مهما كان قدره ودفعها إلى التعامل رغم ذلك فلا يكفي توافر القصد الجنائي الذي تقوم عناصره على اليقين. ولا مجال هنا لتطبيق نظرية القصد الاحتمالي، كما يرى البعض ذلك أن القصد الإحتمالي ينصرف إلى النتيجة المتوقعة، أما الشك هنا فينصرف إلى الموضوع المادي للسلوك وبالتالي ينفي عنصر العلم. فالقصد الاحتمالي والقصد المباشر يتفقان في عنصر العلم ويختلفان فقط في درجة الإرادة بالنسبة للنتيجة .
والقصد الجنائي يلزم توافره منذ بدء السلوك المتمثل في التعامل. أما وقت تلقى الجاني للعملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة فالمفروض أنه كان حسن النية أي أن يكون قد تلقاها على أنها صحيحة ثم إكتشف عيبها قبل التعامل بها .
العقوبة الأصلية المقررة للجريمة :
هي الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو الغرامة التي لا تزيد على مائتي جنيه، وذلك بطريق التخيير. ويجب في جميع الأحوال الحكم بالمصادرة بالتطبيق للمادة 30/ 2 عقوبات . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة : 400 )
تعرضت المادة التي نحن بصددها لعذر مخفف لعقوبة ترويج العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة. والفرض أن الجاني قد ارتكب جريمة ترويج كاملة الأركان لعملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة، ويتمثل العذر المنصوص عليه في المادة في كون من ارتكب جريمة ترويج العملة المزيفة كان قد ((قبلها بحسن نية)) .
فالتخفيف يتحقق إذا كان الجاني وقت اكتساب حيازة هذه العملة غير عالم بتقليدها أو تزييفها أو تزويرها. ثم تبين له بعد ذلك أنها مزيفة فتعامل بها. ويترتب على ذلك أن جريمة الترويج في صورتها العادية التي تعتبر وفقاً لها جناية، يشترط لتحققها أن يكون الجاني عالماً بتزييف العملة وقت قبولها ووقت التعامل بها، فالفيصل في اعتبار الترويج جناية أو جنحة هو توافر أو عدم توافر العلم بتقليد العملة أو تزييفها أو تزويرها وقت تسلمها. ويستوي في توافر العذر المخفف أن تكون وسيلة إكتساب حيازة العملة مشروعة أو غير مشروعة .
وإذا كان المشرع قد خص بالتخفيف جريمة ترويج العملة، فإن العذر المخفف يجب أن يمتد عن طريق القياس وهو جائز في مجال التخفيف - إلى كل من جريمة حيازة العملة المزيفة وجريمة إدخالها إلى البلاد أو إخراجها منها .
ويترتب على توافر عذر التخفيف أن تصبح الجريمة جنحة عقوبتها الحبس الذي لا يزيد على ثلاثة أشهر أو على الشروع فيها إذ لم ينص المشرع على ذلك، والقاعدة أن الشروع في الجنحة لا عقاب عليه إلا بنص خاص . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث ، الصفحة : 91 )
تفترض هذه الجريمة أن يتلقى الجانى بین ما يتلقاه في التعامل قطعة مزيفة أو أكثر ثم يعلم بعد ذلك بعيبها فيسعى إلى التخلص منها باستعمالها فهو مسئول عن تعامله بها بعد أن وقف على زيفها. وفعل الجاني على هذه الصورة ليس إلا ترويجاً مما يدخل في حكم المادتين 202، 203 عقوبات ولكن الشارع قصد إلى إخراج هذه الحالة من حكم المادتين المذكورتين بنص خاص. لما لاحظه من أن الجاني تحيط به ظروف تهون من وقع الجريمة إذ يكون مدفوعاً بذلك الشعور الطبيعي الذي يسوق الإنسان ليدفع عن نفسه سوءاً حل به فالمتعامل في هذه الصورة لا يريد إيقاع غيره في أكثر من تلك الخديعة التي كان هو ضحيتها من قبل ويعوض لنفسه خسارة فوجئ بنزولها .
ويتعين أن يكون الجاني حسن النية وقت قبوله العملة المزيفة أما إذا كان الجاني قد اعتقد بأن العملة ربما تكون مزيفة إلا أنه قبل هذا الاحتمال واضعاً في ذهنه أنه سوف يروجها بدوره بين الجمهور فإن القصد الاحتمالي يكون متوافر لديه ويتعين عقابه عن جريمتي حيازة عملة مزيفة وترويجها ويكفي أن يكون حسن النية معاصراً لواقعة استلامه العملة المزيفة فلا عبرة بما إذا ساءت به بعد ذلك ويقع على المتهم عبء إثبات حسن نيته فإن عجز عن هذا الإثبات عن مساءلته وفقاً للقواعد العامة في جرائم التزييف وإذا ثار الشك في مدى توافر حسن النية تعيين تفسيره لصالح المتهم، ويتحقق الركن المادي للجريمة بالتعامل بالعملة المزيفة بعد علمه بعيبها أي بوضعها في التداول مع العلم بزيفها والقصد الجنائي هو علم الجاني وقت وضع العملة للتداول بأنها مقلدة أو مزورة أو مزيفة أي معيبة. وإنما يلزم كذلك عند قبولها من الغير أن يكون الجاني قد أخذها على أنها صحيحة .
والعقوبة هي الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر والغرامة التي لاتتجاوز مائتي جنيه وتوقيع عقوبة المصادرة الوجوبية وتصبح الجريمة جنحة وهي جنحة أياً كانت قيمة العملة موضوع التعامل ولا شروع فيها . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 19 )
جنحة قبول عملة والتخلص منها عند اكتشاف عيبها
الركن المادي للجريمة :
تفترض هذه الجريمة أن الفاعل أخذ العملة الزائفة على اعتقاد أنها جيدة، ثم يكتشف أنها زائفة ومع ذلك يتعامل بها، وكان يجب في هذه الحالة تطبيق أحكام الترويج ولكن المشرع لاحظ أن جرم المتهم يخففه أنه أخذ العملة بصفة أنها جيدة وأنه إنما أراد بالتعامل بها الخلاص من ضرر وقع فيه بإلحاق هذا الضرر بغيره فقرر له عقوبة مخففة تتناسب مع ظروفه الخاصة وهي عقوبة الجنحة. ويدخل في حكم هذه المادة من أخذ العملة الزائفة على أنها جيدة ثم يدخلها القطر المصري بعد أن تحقق من أنها زائفة.
ويتعين أن يكون الجاني حسن النية وقت قبوله العملة المزيفة، أما إذا كان قد ظن أن العملة ربما تكون مزيفة ولكنه قبل هذا الاحتمال واضعاً في ذهنه أنه سوف يروجها بدوره بين الجمهور فإن القصد الاحتمالي يكون متوافراً لديه ويتعين عقابه عن جريمتي حيازة عملة مزيفة وترويجها، ويكفي أن يكون حسن النية معاصراً لواقعة استلامه العملة المزيفة، فلا عبرة بما ساءت نيته بعد ذلك.
وإن كانت المادة 202 من قانون العقوبات قد جاءت بنص عام يعاقب بعقوبة الجناية على الاشتغال بالتعامل بالمسكوكات المزورة أو ترويجها مع العلم بتزويرها فإن المادة 204 قد نصت على عقوبة مخففة لمن يتعامل بالمسكوكات المزورة مع علمه بتزويرها إذا كان قد أخذها وهو يجهل عيوبها. ولهذا فإنه يجب لسلامة الحكم الذي يصدر بالإدانة على أساس الجناية تطبيقاً للمادة 202 أن يتضمن أن المتهم لم يكن قد أخذ المسكوكات التي تعامل بها وهو يجهل تزويرها، وإذن فإذا كان الحكم قد أدان المتهم في جريمة ترويج المسكوكات المزورة مع علمه بتزويرها وعاقبه بعقوبة الجناية مع تمسك المتهم بأنه كان وقت أخذها يجهل أنها مزورة ودون أن يتعرض لنفي هذا الجهل فإنه يكون قد جاء قاصر البيان متعيناً نقضه.
- الركن المعنوي:
يقوم الركن المعنوي لهذه الجريمة باتجاه إرادة الجاني إلى التعامل بالعملة المزيفة مع علمه بها بقصد وضعها في التداول، بشرط أن يثبت ابتداء أنه قبلها بحسبانها عملة صحيحة.
العقوبة:
عقوبة هذه الجريمة هي الحبس مدة لا تزيد ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز عشرين جنيها.
- المصادرة
- مصادرة أوراق العملة المقلدة المضبوطة أمر وجوبي يقتضيه النظام العام لتعلقه بشيء خارج بطبيعته عن دائرة التعامل، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل القضاء بمصادرة أوراق العملة المقلدة المضبوطة يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون. (موسوعة المُري في الجرائم الاقتصادية، للمستشار بهاء المُري رئيس محكمة الجنايات، دار روائع القانون للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة 2023، الكتاب الأول، الصفحة 206)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 224 ، 226 ، 227
( مادة 453 ) :
في جميع الحالات المبينة في مواد هذا الفصل ، يقضى بمصادرة الأشياء المقلدة أو المزورة ، وكذا الآلات والأدوات المستعملة ، أو المعدة للإستعمال في التقليد أو التزوير .
( مادة 460 ) :
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على خمسة أمثال قيمة العملة ، أو بإحدى هاتين العقوبتين :
(أ) كل من أخذ بحسن نية عملة ورقية أو معدنية مزورة أو مزيفة أو مقلدة ، فاستعملها أو تعامل بها بعد علمه بعيبها .
(ب) كل من أدخل إلى مصر أو تداول أو استعمل أو روج عملة ورقية أو معدنية بطل العمل بها مع علمه بذلك .
(ج) كل من امتنع عن قبول العملة الوطنية في معاملاته بالقيمة الرسمية المقررة لها .
( مادة 462 ) :
فضلاً عن العقوبات المنصوص عليها في المواد السابقة ، يحكم بمصادرة العملات المزورة أو المزيفة أو المقلدة والأجهزة ، وغيرها من الأشياء التي إستعملت ، أو التي من شأنها أن تستعمل في التزوير أو التزييف أو التقليد .
تزييف وتزوير العملة الورقية والمعدنية ورفض التعامل بالعملة الوطنية
المواد من (455) - (464) :
تقابل مواد المشروع في عمومها المواد من (202) إلى (205) من القانون القائم ، مع ضبط صياغة النصوص الواردة في المشروع وإحكام عباراتها ، وأهم سمات مواد المشروع ما يلي :
1- لم تتضمن مواد المشروع المقابلة للمواد (202)، (204) مکرراً (أ)، (204) مکرراً (ب) من القانون الحالي ، ما كانت تنص عليه هذه المواد من إعتبار أوراق البنكنوت المأذون بإصدارها قانوناً في حكم العملة الورقية ، ذلك بأن هذه الأوراق هي في الواقع والقانون معاً، عملة ورقية تدخل في وضوح في حكم النص دون حاجة إلى الحكم الإعتباري المذكور ، وعلى هذا الأساس جاء نص المادة (455) من المشروع خالياً من العبارة تلك .
وقد استحدث في النص المذكور فقرة جديدة بموجبها تعد في حكم العملة الورقية السندات التي صدرت أو تصدر في مصر أو في دولة أجنبية أخرى ، عن الحكومة المصرية أو مصرف مصري ، بقصد تداولها كعوض أو بديل عن العقود ؛ لما تقوم به هذه السندات الصادرة بناء على طلب الحكومة المصرية ، أو مصرف له الحق في ذلك قانوناً ، كفاء وغناء عن النقود ، فلزم والحال كذلك أن تشملها الحماية الجنائية .
2- أورد المشروع نص المادة (456) الذي يقابل نص المادة (202) مکررا من القانون القائم ، والتي أضيفت بالقانون رقم (29) لسنة 1982 ؛ حتى تشمل الحماية العملة الذهبية أو الفضية التذكارية المأذون بإصدارها قانوناً ؛ لما لهذه العملات من قيمة مرتفعة تجعلها محل إقتناء وتعامل بين الأفراد .
3- استحدث نص الفقرة (ب) من المادة (460) من المشروع لسد ثغرة ، فقد قصد به إسباغ الحماية الجنائية على من يقع فريسة التعامل في عملة بطل العمل بها ، فجرم كل من أدخل إلى مصر أو تداول أو إستعمل أو روج عملة ورقية أو معدنية بطل العمل بها ، متى كان يعلم بذلك ، إذ الجريمة عمدية لا يقوم فيها الإهمال أو التقصير مقام العمد .
4- نقل المشروع في الفقرة (ج) من المادة (460) منه الحكم الوارد في الفقرة الثالثة من المادة (386) من القانون القائم ؛ لأنه يمثل الحماية الجنائية لعملة البلاد ، ومن ثم كان من المناسب أن تتضمنه نصوص هذا الفصل الخاصة بالعملة ورقية كانت أم معدنية ، أو أصبح النص بعد تعديله يعاقب بعقوبة الجنحة كل من إمتنع عن قبول العملة الوطنية في معاملاته بالقيمة الرسمية المقررة لها ، ومن البداهية أن المقصود بالنص العملة الصحيحة ، وكان حرياً بالمشروع لحماية تداول هذه العملة بعد إلغاء قاعدة الذهب ، وتحديد المشرع المصري سعراً إلزامياً للعملة الورقية - أن تقوم هذه العملة مقام الذهب ، وإذا كانت الحماية الجنائية في هذا الشأن القائمة حالياً ليست كافية ، إذ هي تعاقب من يمتنع عن قبول عملة البلاد بغرامة لا تتجاوز جنيها - فقد صار لزاماً لتأكيد جدية هذه الحماية لعملة البلاد أن يرتفع المشروع بالعقوبة إلى عقوبة الجنحة .
5- المادة (463) من المشروع تقابل المادة (204) مکرراً عقوبات ، المضافة بالقانون رقم (29) لسنة 1983، وقد أبقى عليها المشروع دون تعديل .
6- المادة (464) من المشروع تعرض للإعفاء من العقاب ، بالنسبة لمن يبادر من الجناة بإبلاغ الجهات المختصة بالجريمة قبل قيامها ، أو قبل البدء في التحقيق ، إذا كانت الجريمة قد تمت ، والإعفاء في الحالة وجوبي ، ويمتد حكم هذا الإعفاء الوجوبي إذا مكن الجاني الجهة المختصة بعد بدء التحقيق وأثناء سريانه من ضبط باقي الجناة ، وكانت الفقرة الثانية من المادة (205) من القانون القائم تجعل هذه الحالة من حالات الإعفاء الجوازي ، وقد رأى المشروع - تشجيعاً منه لكشف الجريمة - أن يثيب الجاني ولو بعد بدء التحقيق وأثناء جریانه بالإعفاء من العقاب ، إذا كان إبلاغه مثمراً ، بأن أدى إلى ضبط باقي الجناة ، هذا ومن المفهوم أن حكم هذا النص لا يسري - شأنه شأن حالات الإعفاء للإبلاغ عن الجريمة - إلا في حالة تعدد الجناة فيها فاعلين كانوا أم شرکاء .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العشرون ، الصفحة / 247
دَرَاهِمُ
التَّعْرِيفُ :
الدَّرَاهِمُ جَمْعُ دِرْهَمٍ، وَهُوَ لَفْظٌ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ النَّقْدِ ضُرِبَ مِنَ الْفِضَّةِ كَوَسِيلَةٍ لِلتَّعَامُلِ، وَتَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ وَأَوْزَانُهُ بِاخْتِلاَفِ الْبِلاَدِ الَّتِي تَتَدَاوَلُهُ وَتَتَعَامَلُ بِهِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الدَّنَانِيرُ :
2 - الدَّنَانِيرُ جَمْعُ دِينَارٍ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: دِينَارٌ أَصْلُهُ أَعْجَمِيٌّ غَيْرَ أَنَّ الْعَرَبَ تَكَلَّمَتْ بِهِ فَصَارَ عَرَبِيًّا.
وَالدِّينَارُ اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ الْمَضْرُوبَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْمِثْقَالِ.فَهِيَ تَخْتَلِفُ عَنِ الدَّرَاهِمِ فِي أَنَّهَا مِنَ الذَّهَبِ فِي حِينِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مِنَ الْفِضَّةِ.
ب - النَّقْدُ.
لِلنَّقْدِ ثَلاَثَةُ مَعَانٍ فَيُطْلَقُ عَلَى الْحُلُولِ أَيْ خِلاَفِ النَّسِيئَةِ، وَعَلَى إِعْطَاءِ النَّقْدِ، وَعَلَى تَمَيُّزِ الدَّرَاهِمِ وَإِخْرَاجِ الزَّيْفِ مِنْهَا، وَمُطْلَقِ النَّقْدِ وَيُرَادُ بِهِ مَا ضُرِبَ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي يَتَعَامَلُ بِهَا النَّاسُ.
ج - الْفُلُوسُ :
الْفُلُوسُ جَمْعُ فَلْسٍ، وَتُطْلَقُ الْفُلُوسُ وَيُرَادُ بِهَا مَا ضُرِبَ مِنَ الْمَعَادِنِ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَصَارَتْ عُرْفًا فِي التَّعَامُلِ وَثَمَنًا بِاصْطِلاَحِ النَّاسِ.
د - سِكَّةٌ :
السَّكُّ: تَضْبِيبُ الْبَابِ أَوِ الْخَشَبِ بِالْحَدِيدِ. وَالسِّكَّةُ: حَدِيدَةٌ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهَا، وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا الدَّرَاهِمُ، وَهِيَ الْمَنْقُوشَةُ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى أَثَرِهَا وَهِيَ النُّقُوشُ الْمَاثِلَةُ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الْقِيَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ الْوَظِيفَةُ فَصَارَ عَلَمًا عَلَيْهَا فِي عُرْفِ الدُّوَلِ، وَتُسَمَّى الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ سِكَّةً.
الدِّرْهَمُ الإْسْلاَمِيُّ وَكَيْفِيَّةُ تَحْدِيدِهِ وَتَقْدِيرِهِ :
كَانَتِ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ قَبْلَ الإْسْلاَمِ مُتَعَدِّدَةً مُخْتَلِفَةَ الأْوْزَانِ، وَكَانَتْ تَرِدُ إِلَى الْعَرَبِ مِنَ الأْمَمِ الْمُجَاوِرَةِ فَكَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهَا، لاَ بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ بَلْ بِأَوْزَانٍ اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا، وَجَاءَ الإْسْلاَمُ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى هَذِهِ الأْوْزَانِ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ».
وَلَمَّا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى تَقْدِيرِ الدِّرْهَمِ فِي الزَّكَاةِ كَانَ لاَ بُدَّ مِنْ وَزْنٍ مُحَدَّدٍ لِلدِّرْهَمِ يُقَدَّرُ النِّصَابُ عَلَى أَسَاسِهِ، فَجُمِعَتِ الدَّرَاهِمُ الْمُخْتَلِفَةُ الْوَزْنِ وَأُخِذَ الْوَسَطُ مِنْهَا، وَاعْتُبِرَ هُوَ الدِّرْهَمُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الَّذِي تَزِنُ الْعَشَرَةُ مِنْهُ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ مِنَ الذَّهَبِ، فَضُرِبَتِ الدَّرَاهِمُ الإْسْلاَمِيَّةُ عَلَى هَذَا الأْسَاسِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فُقَهَاءَ وَمُؤَرِّخِينَ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْعَهْدِ الَّذِي تَمَّ فِيهِ هَذَا التَّحْدِيدُ، فَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ تَمَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ تَمَّ فِي عَهْدِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ تَمَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ أَمْ فِي عَهْدِ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ الأْمْرُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي ضُرِبَ فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَانَ هُوَ أَسَاسَ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ.
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ وَالْمُؤَرِّخِينَ أَثْبَتُوا أَنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْوَضْعِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الإْجْمَاعُ فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ، بَلْ أَصَابَهُ تَغْيِيرٌ كَبِيرٌ فِي الْوَزْنِ وَالْعِيَارِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَصَارَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ يَسْتَخْرِجُونَ الْحُقُوقَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ نَقْدِهِمْ بِمَعْرِفَةِ النِّسْبَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقَادِيرِهَا الشَّرْعِيَّةِ إِلَى أَنْ قِيلَ: يُفْتَى فِي كُلِّ بَلَدٍ بِوَزْنِهِمْ.
وَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ اضْطِرَابٌ فِي مَعْرِفَةِ الأْنْصِبَةِ، وَهَلْ تُقَدَّرُ بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْعَدَدِ؟ وَأَصْبَحَ الْوُصُولُ إِلَى مَعْرِفَةِ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ غَايَةً تَمْنَعُ هَذَا الاِضْطِرَابَ. وَإِلَى عَهْدٍ قَرِيبٍ لَمْ يَصِلِ الْفُقَهَاءُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حَتَّى أَثْبَتَ الْمُؤَرِّخُ عَلِيُّ بَاشَا مُبَارَكٌ - بِوَاسِطَةِ اسْتِقْرَاءِ النُّقُودِ الإْسْلاَمِيَّةِ الْمَحْفُوظَةِ فِي دُورِ الآْثَارِ بِالدُّوَلِ الأْجْنَبِيَّةِ - أَنَّ دِينَارَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يَزِنُ 4،25. جِرَامٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ وَزْنُ الدِّرْهَمِ. 2،975 جِرَامًا مِنَ الْفِضَّةِ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ مِعْيَارًا فِي اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ زَكَاةٍ، وَدِيَةٍ، وَتَحْدِيدِ صَدَاقٍ، وَنِصَابِ سَرِقَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
مَنْ يَتَوَلَّى ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ :
ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَظِيفَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِلدَّوْلَةِ، إِذْ بِهَا يَتَمَيَّزُ الْخَالِصُ مِنَ الْمَغْشُوشِ بَيْنَ النَّاسِ فِي النُّقُودِ عِنْدَ الْمُعَامَلاَتِ، وَيُتَّقَى الْغِشُّ بِخَتْمِ السُّلْطَانِ عَلَيْهَا بِالنُّقُوشِ الْمَعْرُوفَةِ.وَقَدْ قَالَ الإْمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: لاَ يَصْلُحُ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ إِلاَّ فِي دَارِ الضَّرْبِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، لأِنَّ النَّاسَ إِنْ رُخِّصَ لَهُمْ رَكِبُوا الْعَظَائِمَ، فَقَدْ مَنَعَ الإْمَامُ أَحْمَدُ مِنَ الضَّرْبِ بِغَيْرِ إِذْنِ السُّلْطَانِ لِمَا فِيهِ مِنَ الاِفْتِيَاتِ عَلَيْهِ.
وَفِي الرَّوْضَةِ لِلنَّوَوِيِّ: يُكْرَهُ لِلرَّعِيَّةِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَتْ خَالِصَةً، لأِنَّ ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ مِنْ شَأْنِ الإْمَامِ.
وَذَكَرَ الْبَلاَذُرِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُتِيَ بِرَجُلٍ يَضْرِبُ عَلَى غَيْرِ سِكَّةِ السُّلْطَانِ فَعَاقَبَهُ وَسَجَنَهُ وَأَخَذَ حَدِيدَهُ فَطَرَحَهُ فِي النَّارِ، وَحَكَى الْبَلاَذُرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَخَذَ رَجُلاً يَضْرِبُ عَلَى غَيْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَعَاقَبَهُ، قَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ: فَرَأَيْتُ مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ شُيُوخِنَا حَسَّنُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ.
حُكْمُ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ وَقَطْعِهَا :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ وَقَطْعِهَا، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ إِلَى كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ مُطْلَقًا، لِحَاجَةٍ وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ، لأِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَسَادِ فِي الأْرْضِ وَيُنْكَرُ عَلَى فَاعِلِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ نَهَى عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ بَيْنَهُمْ».
وَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ الإْمَامِ أَحْمَدَ لِلتَّحْرِيمِ عَلَى مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ وَرِوَايَةِ حَرْبٍ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ - فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي مِنَ الْفَسَادِ فِي الأَْرْضِ وَكَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً. لَكِنَّهُ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الدَّرَاهِمِ تُقَطَّعُ فَقَالَ: لاَ، «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ»، وَقِيلَ لَهُ: فَمَنْ كَسَرَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ قَدْ فَعَلَ مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو يَعْلَى: وَقَوْلُهُ: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، مَعْنَاهُ لاَ مَأْثَمَ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءُ الْعِرَاقِ إِلَى أَنَّ كَسْرَهَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ.
وَفَصَّلَ قَوْمٌ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ. إِنْ كَسَرَهَا لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهُ لَهُ، وَإِنْ كَسَرَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ كُرِهَ لَهُ، لأِنَّ إِدْخَالَ النَّقْصِ عَلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ سَفَهٌ.
وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَالَ الْبَلَدِ فَقَالَ: إِنَّ كَرَاهَةَ الْقَطْعِ مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى بَلَدٍ لاَ يَجُوزُ فِيهِ الْقَطْعُ، وَلاَ يَنْفُقُ الْمَقْطُوعُ مِنَ الدَّرَاهِمِ نَفَاقَ الصَّحِيحِ.
وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَطْعَ السِّكَّةِ مَانِعًا مِنَ الشَّهَادَةِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: إِلاَّ أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ، وَقَالَ عَنْهُ الْعُتْبِيُّ: لاَ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً.
وَقَالَ سَحْنُونُ: لَيْسَ قَطْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِجُرْحَةٍ.
قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا الاِخْتِلاَفُ إِنَّمَا هُوَ إِذَا قَطَعَهَا وَهِيَ وَازِنَةٌ فَرَدَّهَا نَاقِصَةً وَالْبَلَدُ لاَ تَجُوزُ فِيهِ إِلاَّ وَازِنَةٌ، وَهِيَ تَجْرِي فِيهِ عَدَدًا بِغَيْرِ وَزْنٍ، فَانْتَفَعَ بِمَا قَطَعَ مِنْهَا، وَيُنْفِقُهَا بِغَيْرِ وَزْنٍ فَتُجْرَى مَجْرَى الْوَازِنَةِ، فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ ذَلِكَ جُرْحَةٌ، وَلَوْ قَطَعَهَا وَكَانَ التَّبَايُعُ بِهَا بِالْمِيزَانِ فَلاَ خِلاَفَ أَنَّ التَّبَايُعَ بِهَا لَيْسَ بِجُرْحَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ.
أَمَّا قَطْعُ الدَّرَاهِمِ لِصِيَاغَتِهَا حُلِيًّا لِلنِّسَاءِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَقْطَعَ الرَّجُلُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ حُلِيًّا لِبَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ.
وَقَدْ مَنَعَ الإْمَامُ أَحْمَدُ أَنْ تُقْطَعَ لِلصِّيَاغَةِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَقَدْ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ يَقْطَعُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ يَصُوغُ مِنْهَا - قَالَ: لاَ تَفْعَلْ، فِي هَذَا ضَرَرٌ عَلَى النَّاسِ، وَلَكِنْ يَشْتَرِي تِبْرًا مَكْسُورًا بِالْفِضَّةِ.
إِنْفَاقُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِنْفَاقِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ.
فَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ الشِّرَاءَ بِالدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ وَلاَ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِجِنْسِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الزُّيُوفِ إِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِحَالِهَا خَاصَّةً لأِنَّهُ رَضِيَ بِجِنْسِ الزُّيُوفِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لاَ يَعْلَمُ لاَ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِجِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَيِّدِ مِنْ نَقْدِ تِلْكَ الْبَلَدِ، لأِنَّهُ لَمْ يَرْضَ إِلاَّ بِهِ إِذَا كَانَ لاَ يَعْلَمُ بِحَالِهَا.
وَيُجِيزُ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ تُبَاعَ لِمَنْ لاَ يَغُشُّ بِهَا النَّاسَ بَلْ لِمَنْ يُكَسِّرُهَا وَيَجْعَلُهَا حُلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ.
فَإِنْ بَاعَ لِمَنْ يَغُشُّ بِهِ فُسِخَ الْبَيْعُ.
وَفِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ إِنْ عُلِمَ مِعْيَارُ الْفِضَّةِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ صَحَّتِ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مُعَيَّنَةً، وَفِي الذِّمَّةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولاً فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا الصِّحَّةُ مُطْلَقًا، لأِنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا وَهِيَ رَائِجَةٌ، وَلِحَاجَةِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا.. ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ لَهُ إِمْسَاكُهَا بَلْ يَسْبِكُهَا وَيُصَفِّيهَا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: إِلاَّ إِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلاَ يُكْرَهُ إِمْسَاكُهَا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ الْغِشُّ يَخْفَى لَمْ يَجُزِ التَّعَامُلُ بِهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: الْمَنْعُ وَالْجَوَازُ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (صَرْفٌ، رِبًا، غِشٌّ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 91
زُيُوفٌ
التَّعْرِيفُ :
الزُّيُوفُ لُغَةً : النُّقُودُ الرَّدِيئَةُ، وَهِيَ جَمْعُ زَيْفٍ، وَهُوَ فِي الأْصْلِ مَصْدَرٌ، ثُمَّ وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ، فَيُقَالُ: دِرْهَمٌ زَيْفٌ، وَدَرَاهِمُ زُيُوفٌ، وَرُبَّمَا قِيلَ: زَائِفَةٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الزُّيُوفُ هِيَ الْمَطْلِيَّةُ بِالزِّئْبَقِ الْمَعْقُودِ بِمُزَاوَجَةِ الْكِبْرِيتِ وَتُسَكُّ بِقَدْرِ الدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةِ لِتَلْتَبِسَ بِهَا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ بَاعَ نُفَايَةَ بَيْتِ الْمَالِ وَكَانَتْ زُيُوفًا وَقَسِّيَّةً. أَيْ رَدِيئَةً.
وَالتَّزْيِيفُ لُغَةً: إِظْهَارُ زَيْفِ الدَّرَاهِمِ.
وَلاَ يَخْرُجُ اصْطِلاَحُ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَقَدْ أَصْبَحَ لِلزُّيُوفِ فِي الْعَصْرِ الْحَاضِرِ مَعْنًى آخَرَ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الْجِيَادُ :
- الْجِيَادُ لُغَةً: جَمِيعُ جَيِّدَةٍ، وَالدَّرَاهِمُ الْجِيَادُ مَا كَانَ مِنَ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ تَرُوجُ فِي التِّجَارَاتِ وَتُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَهُمَا التَّضَادُّ.
ب - النَّبَهْرَجَةُ :
التَّبَهْرُجُ وَالْبَهْرَجُ: الرَّدِيءُ مِنَ الشَّيْءِ، وَدِرْهَمٌ نُبَهْرَجٌ، أَوْ بَهْرَجٌ، أَوْ مُبَهْرَجٌ أَيْ رَدِيءُ الْفِضَّةِ، وَهُوَ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ، وَقِيلَ هُوَ: مَا ضُرِبَ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ.
ج - السَّتُّوقَةُ :
وَهِيَ صُفْرٌ مُمَوَّهٌ بِالْفِضَّةِ نُحَاسُهَا أَكْثَرُ مِنْ فِضَّتِهَا.
د - الْفُلُوسُ :
الْفُلُوسُ جَمْعُ فَلْسٍ، وَهُوَ قِطْعَةٌ مَضْرُوبَةٌ مِنَ النُّحَاسِ يُتَعَامَلُ بِهَا.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا :
- يَجُوزُ التَّعَامُلُ بِدَرَاهِمَ زُيُوفٍ أَيْ «مَغْشُوشَةٍ» وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ غِشِّهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ لَهَا قِيمَةٌ إِنِ انْفَرَدَتِ الْفِضَّةُ أَمْ لاَ، اسْتُهْلِكَتْ فِيهَا أَمْ لاَ، وَلَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَلاَ يَضُرُّ اخْتِلاَطُهَا بِالنُّحَاسِ؛ لأِنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا، وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَامَلُونَ بِدَرَاهِمِ الْعَجَمِ؛ لأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَضْرِبْ نُقُودًا وَلاَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، رضي الله عنهم، وَكَانُوا إِذَا زَافَتْ عَلَيْهِمْ أَتَوْا بِهَا إِلَى السُّوقِ وَقَالُوا: مَنْ يَبِيعُنَا بِهَذِهِ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي دَرَاهِمَ يُقَالُ لَهَا: الْمُسَيَّبِيَّةُ عَامَّتُهَا مِنْ نُحَاسٍ، إِلاَّ أَنَّ فِيهَا شَيْئًا مِنَ الْفِضَّةِ فَقَالَ: إِذَا كَانَ شَيْئًا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ أَرْجُو أَلاَّ يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ؛ وَلأِنَّهُ لاَ تَغْرِيرَ فِيهِ وَلاَ يُمْنَعُ النَّاسُ مِنْهُ، لأِنَّهُ مُسْتَفِيضٌ فِي سَائِرِ الأْعْصَارِ جَارٍ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَعَارَفِ النَّاسُ عَلَى التَّعَامُلِ بِهَا فَلاَ يَجُوزُ.
ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ الزُّيُوفِ :
- يُكْرَهُ لِلإْمَامِ ضَرْبُ نُقُودٍ زَائِفَةٍ، كَمَا يُكْرَهُ لِلأْفْرَادِ اتِّخَاذُهَا، أَوْ إِمْسَاكُهَا؛ لأِنَّهُ قَدْ يَتَعَامَلُ بِهَا مَنْ لاَ يَعْرِفُ حَالَهَا فَيَظُنُّهَا جَيِّدَةً وَلِخَبَرِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».
وَمَنِ اجْتَمَعَتْ عِنْدَهُ زُيُوفٌ فَلاَ يُمْسِكُهَا بَلْ يَسْبِكُهَا وَيَصُوغُهَا، وَلاَ يَبِيعُهَا لِلنَّاسِ، إِلاَّ أَنْ يُبَيِّنَ حَالَهَا لِلْمُشْتَرِي؛ لأِنَّهُ رُبَّمَا خَلَطَهَا بِدَرَاهِمَ جَيِّدَةٍ، وَيُعَامِلَ مَنْ لاَ يَعْرِفُهَا فَيَكُونُ تَغْرِيرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَإِدْخَالاً لِلضَّرَرِ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَغُرَّ بِهَا الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ أَقُولُ إِنَّهَا حَرَامٌ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلإْمَامِ أَنْ يَأْخُذَ الزُّيُوفَ لِبَيْتِ الْمَالِ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ وَمِنْ أَهْلِ الأْرَاضِي الْخَرَاجِيَّةِ.
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَكْسِرُ الزُّيُوفَ وَهُوَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الأْظْهَرِ عِنْدَهُمْ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ زَائِفٍ بِدِرْهَمٍ جَيِّدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلاَ بِعَرَضٍ؛ لأِنَّ ذَلِكَ دَاعِيَةٌ إِلَى إِدْخَالِ الْغِشِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يُرِيقُ اللَّبَنَ الْمَشُوبَ بِالْمَاءِ، تَأْدِيبًا لِصَاحِبِهِ، فَإِجَازَةُ شِرَائِهِ إِجَازَةٌ لِغِشِّهِ وَإِفْسَادٌ لأِسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِخَبَرِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».
وَقَدْ نَهَى عُمَرُ رضي الله عنه عَنْ بَيْعِ نُفَايَةِ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَانَتْ زُيُوفًا؛ وَلأِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ - وَهُوَ الْفِضَّةُ - مَجْهُولٌ، فَأَشْبَهَ تُرَابَ الصَّاغَةِ، وَاللَّبَنُ الْمَشُوبُ بِالْمَاءِ.
وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَيُعَلِّلُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مَنْعَ بَيْعِ الدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةِ بِالدَّرَاهِمِ الزُّيُوفِ بِأَنَّهُ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ التَّمَاثُلِ مَعَ وَحْدَةِ الْجِنْسِ فِي الْعِوَضَيْنِ.