1ـ لما كانت المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات المضافة بالقانون 120 لسنة 1962 قد نصت فى فقرتها الثانية على أنه " تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين إذا وقع التزوير أو الاستعمال فى محرر لإحدى الشركات أو الجمعيات المنصوص عليها فى الفقرة السابقة أو لأية مؤسسة أو منظمة أو منشأة أخرى إذا كان للدولة أو لإحدى الهيئات العامة نصيب فى مالها بأية صفة كانت " . وإذ كان المشرع قد جعل عقوبة التزوير الذى يقع فى المحررات الصادرة عن إحدى هذه الجهات السجن وهى عقوبة مقررة للجناية وفقاً للتعريف الوارد فى المادة العاشرة من قانون العقوبات إلَّا أنه يعتبر تزويراً فى محررات عرفية نظراً لأن المشرع لم يسبغ على العاملين فى هذه الجهات والذين تصدر عنهم مثل هذه المحررات صفة الموظف العام أو من فى حكمه - وهى صفة لازمة لإضفاء الرسمية على المحرر - وهو ما فعله بالنسبة للجرائم الواردة بالبابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وذلك بالنص صراحة بالمادتين 111/6 ، 119/هــ من قانون العقوبات بأنه يقصد بالموظف العام فى حكم - البابين الثالث والرابع - وعددهم ومن بينهم العاملون بالشركات التي تساهم الدولة أو إحدى جهاتها فى أموالها واعتبرت أموالها أموالاً عامة ومفاد ذلك أن المشرع قصد المغايرة بين تعريف الموظف العام فى الجرائم الواردة بالبابين الثالث والرابع من قانون العقوبات وما دون ذلك من الجرائم فتوسع فى مفهوم الموظف العام فى الأولى وترك تعريف الموظف العام فى غيرها من الجرائم إلى القواعد العامة ولو أراد التسوية بينهما لنص على ذلك صراحة كما فعل بالمادتين 111 ، 119 عقوبات وإذ كانت جرائم التزوير واستعمال المحرر المزور واردة بالباب السادس عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ، فإن تحديد الموظف العام والذى يضفى على الورقة صفة الرسمية تظل محكومة بالقواعد العامة فى تعريف الموظف العام . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الضرر عنصر من عناصر جريمة التزوير لا قيام لها بدونه وهو وإن افترض توافره وتحقق قيامه بالنسبة - للمحررات الرسمية - مجرد تغيير الحقيقة فيها ، لما فى ذلك من تقليل للثقة فيها إلَّا أنه ليس كذلك - بالنسبة للمحررات العرفية - والتي ينبغي أن يترتب على تغيير الحقيقة فيها حصول ضرر بالفعل أو احتمال حصوله وهو ما يتعين على المحكمة عند القضاء بالإدانة استظهاره - ولو لم تلتزم بالتحدث عنه صراحة واستقلالاً - وإلَّا كان حكمها مشوباً بالقصور . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أطلق القول أن المحرر الذى دان الطاعن بتزويره محرر رسمي ورتب على ذلك افتراض توافر الضرر فى هذا التزوير دون أن يقف على حقيقة المحرر وما إذا كان من محررات الشركة المجنى عليها أم غير ذلك ، وإذ كان المشرع - على نحو ما سلف بيانه - لم يسبغ على العاملين فى هذه الجهات والذين تصدر عنهم مثل هذه المحررات صفة الموظف العام أو من فى حكمه وهى صفة لازمة لإضفاء الرسمية على المحرر خلافاً لما فعله فى جرائم البابين الثالث والرابع من قانون العقوبات ، فإن المحررات التي تصدر عنهم تظل عرفية وإذ كان الحكم قد أرسل القول برسميتها فإنه تردى فى خطأ قانوني حجبه عن استظهار ركن الضرر فى جريمتي التزوير واستعمال المحرر المزور اللتين دان الطاعن بهما مما يعيبه فوق قصوره بالخطأ فى تطبيق القانون . لا يغير من ذلك أن تكون العقوبة مبررة لجريمة التربح التي لم يدلل الحكم عليها تدليلاً سائغاً إذ إن أساس الواقعة جريمتي التزوير واستعمال المحرر المزور .
( الطعن رقم 7995 لسنة 87 ق - جلسة 2018/02/11 )
2ـ من المقرر أن المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 قد نصت فى فقرتها الأولى على أنه " كل تزوير أو استعمال يقع فى محرر لإحدى الشركات المساهمة أو إحدى الجمعيات التعاونية أو النقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً أو إحدى المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام عقوبته السجن مدة لا تزيد على خمس سنين ". فالتزوير الذى يقع فى المحررات الصادرة عن إحدى هذه الجهات ، وإن كانت عقوبته السجن ، وهى عقوبة مقررة للجناية وفقاً للتعريف الوارد فى المادة العاشرة من قانون العقوبات إلا أنه يعتبر تزويراً فى محررات عرفية نظراً لأن المشرع لم يسبغ على العاملين فى هذه الجهات والذين تصدر عنهم هذه المحررات صفة الموظف العام أو من فى حكمه وهى صفة لازمة فى إضفاء صفة الرسمية على المحرر وهو ما فعله بالنسبة للنصوص التى تعاقب على جرائم الرشوة والاختلاس .
( الطعن رقم 2976 لسنة 65 ق - جلسة 2004/10/11 - س 55 ع 1 ص 669 ق 100 )
3ـ لما كانت المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات قد نصت على أن "كل تزوير أو استعمال يقع فى محرر لإحدى الشركات المساهمة أو إحدى الجمعيات التعاونية أو النقابات المنشأة طبقا للأوضاع المقررة قانوناً أو إحدى المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنين وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين إذا وقع التزوير أو الاستعمال فى محرر لإحدى الشركات أو الجمعيات المنصوص عليها فى الفقرة السابقة أو لأية مؤسسة أو منظمة أو منشأة أخرى إذا كانت للدولة أو إحدى الهيئات العامة نصيب فى مالها بأية صفة كانت". وكان البين من هذا النص أن كل تزوير أو استعمال يقع فى المحررات الصادرة من إحدى الجهات أنفة البيان أياً كانت, عقوبته السجن, وهي عقوبة مقررة للجناية بحسب التعريف الوارد فى المادة العاشرة من قانون العقوبات, ومن ثم فإن الجريمة فى كل أحوالها جناية لا جنحة .
( الطعن رقم 27492 لسنة 68 ق - جلسة 2001/09/19 - س 52 ع 1 ص 650 ق 119 )
4ـ إن المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 قد نصت فى فقرتها الثانية على انه " تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين إذا وقع التزوير أو الاستعمال فى محرر لإحدى الشركات أو الجمعيات المنصوص عليها فى الفقرة السابقة أو لأية مؤسسة أو منظمة أو منشأة أخرى إذا كان للدولة أو لاحدى الهيئات العامة نصيب فى مالها بأية صفة كانت " فالتزوير الذى يقع فى المحررات الصادرة من إحدى هذه الجهات وإن كانت عقوبته السجن، وهى عقوبة مقررة للجناية وفقا لتعريف الوارد فى المادة العاشرة من قانون العقوبات إلا أنه يعتبر تزويرا فى محررات عرفية نظرا لأن المشرع لم يسبغ على العاملين فى هذه الجهات والذين تصدر عنهم هذه المحررات صفة الموظف العام أو من فى حكمة وهى صفة لازمة لاضفاء الرسمية على المحرر _ وهى ما فعله بالنسبة للنصوص التى تعاقب على جرائم الرشوة والاختلاس .
( الطعن رقم 6108 لسنة 59 ق - جلسة 1992/10/11 - س 43 ع 1 ص 819 ق 125 )
5ـ يكفى لإعتبار المحرر لإحدى الجمعيات التعاونية فى حكم المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات أن تحتوى الورقة على ما يفيد تدخل الموظف المختص فى تحريرها ووقوع تغيير الحقيقة فيما أعدت الورقة لإثباته . وإذ كان الحكم قد أثبت أن التزوير قد تم فى بيان يتعلق بمركز الطاعن الوظيفى لدى الجمعية بما يلزم تدخل الموظف لإثباته وإقراره ومن ثم فلا يقدح فى إعتبار هذا المحرر من محررات الجمعية التعاونية كونه لا يتعلق بمال الجمعية أو بعض حساباتها .
( الطعن رقم 1078 لسنة 41 ق - جلسة 1971/12/27 - س 22 ع 3 ص 833 ق 200 )
6- الأدلة في المواد الجنائية إقناعيه ، فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية مادام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة مع باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من مقارفة الطاعن للجرائم المسندة إليه فإن ما يثيره بشأن إعراض الحكم عما قدمه من مستندات دالة على صحة دفاعه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة وفي استنباط المحكمة لمعتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، هذا فضلاً عن أن المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات قد نصت على أن: " كل تزوير أو استعمال يقع في محرر لإحدى الشركات المساهمة أو إحدى الجمعيات التعاونية أو النقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً أو إحدى المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنين وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين إذا وقع التزوير أو الاستعمال في محرر لإحدى الشركات أو الجمعيات المنصوص عليها في الفقرة السابقة أو لأية مؤسسة أو منظمة أو منشأة أخرى إذا كانت للدولة أو إحدى الهيئات العامة نصيب في مالها بأية صفة كانت " ، وكان البين من هذا النص أن كل تزوير أو استعمال يقع في المحررات الصادرة من إحدى الجهات آنفة البيان أياً كانت عقوبته السجن ، وهي عقوبة مقررة للجناية بحسب التعريف الوارد في المادة العاشرة من قانون العقوبات ، ومن ثم فإن الجريمة في كل أحوالها جناية لا جنحة ، وكان يكفي لاعتبار المحرر لإحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 214 مكرراً آنفة الذكر ، أن تحتوي الورقة على ما يفيد تدخل الموظف المختص في تحريرها ووقع تغيير الحقيقة فيما أعدت لإثباته. لما كان ذلك ، وكانت الدعوى الجنائية قد أقيمت على الطاعن بوصف أنه اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير محررات إحدى الشركات المساهمة " ......" وارتكابه تزويراً في نموذج تمويل ورادات وخطاب مصاريف إدارية ، ومن ثم فإن قيام المذكور بتغيير الحقيقة في تلك المحررات وتقديمها إلى موظفين بجهة رسميه " مصلحة الجمارك " الذين اعتدوا بها - يعد - في واقع الأمر تزويراً في محررات صادرة من أحد الجهات المنصوص عليها في المادة 214 مكرراً عقوبات معاقب عليه بعقوبة السجن - وهي العقوبة المقرر للجناية - وفق ما سلف - ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن غير قويم .
( الطعن رقم 7461 لسنة 92 ق - جلسة 27 / 12 / 2023 )
المحرر
أهمية المحرر في جرائم التزوير المحرر هو موضوع التزوير : فهو موطن الحماية التي يقررها القانون بالعقاب على التزوير، ذلك أن فحواه هو الحقيقة التي يريد حمايتها، وهو الموضوع الذي ينصب عليه فعل تغيير الحقيقة بإحدى طرقه التي حددها القانون .
فإذا انتفى المحرر انتفى التزوير : فلا محل للتزوير مهما أسرف المتهم في تغيير الحقيقة عن طريق القول أو الفعل، فقد جعل الشارع من تغيير الحقيقة بالقول أو الفعل جرائم متميزة عن التزوير : فمن يكذب في قوله ويبتز بالحيلة مال الغير، ومن يغش في البضاعة التي يتجر فيها، أو يغش فی الماركات التي يضبط بها بعض التجار حساباتهم، أو يعبث بعداد المياه أو الكهرباء أو عداد سيارة الأجرة، كل أولئك لا يسألون عن تزوير .
تعريف المحرر : المحرر مجموعة من العلامات والرموز تعبر إصطلاحاً عن مجموعة مترابطة من الأفكار والمعاني الصادرة عن شخص أو أشخاص معينين . فجوهر المحرر أنه وسيلة تعبير عن فكرة، وله – بناء على ذلك - دور اجتماعي، باعتباره أداة للتفاهم وتبادل الأفكار وللمحرر دور قانونی هام بالنظر إلى صلته الوثيقة بالمعاملات القانونية وقيمة المحرر ليست في مادته وما تحتويه من رموز، فهذه الرموز مجردة من القيمة الذاتية، وإنما تكمن قيمته فيما تعبر عنه رموزه، وفيما لهذا التعبير من دلالة اجتماعية .
عناصر فكرة المحرر : عناصر فكرة المحرر عديدة، وهي جميعاً تصدر عن تعريفه السابق :
أن جوهر فكرة المحرر أنه يتضمن تعبيراً متكاملاً عن مجموعة من المعاني والأفكار المترابطة فيما بينها، إذ بهذا الشرط يمكن أن يكون له صدى على المعاملات القانونية والعلاقات الإجتماعية بوجه عام . وبناء على ذلك فإن صفة المحرر تنتفي عن مجموعة من الألفاظ التي لا تفيد في ذاتها هذه المجموعة من الأفكار، كبطاقة زيارة وتنتفي صفة المحرر كذلك عن الرموز التي لا تتضمن تعبيراً عن فكرة، وإنما يعني وجودها في ذاته دلالة اصطلاحية على أمر معين، فالعلامة التي يضعها تاجر على بضاعة بما يفيد أنها بيعت أو أنها غير معروضة للبيع لا تعتبر محرراً .
وتفترض فكرة المحرر أن دلالة الرموز تستشف بالنظر إليها : فالعين هي حاسة تكشف الفكرة التي يعبر عنها المحرر، ومن ثم فإن الإسطوانة أو شريط التسجيل الذي سجلت عليه عبارات أيا كانت أهميتها القانونية لا يعتبر محرراً، وما يدخل على الصوت الذي يحمله من تشويه لا يعد تزويراً .
ومن عناصر فكرة المحرر اتصاف علاماته ورموزه بثبات نسبی، فالفرض أنها لا تزول تلقائياً، وإنما تبقى طالما لم تتعرض لإتلاف . وعلة هذا العنصر أن وظيفة المحرر في التعامل القانوني أو الإجتماعي بوجه عام تفترض وجوده وإمكان الرجوع إليه، والاستعانة به عند الحاجة إلى ذلك خلال وقت طويل نسبياً وتطبيقاً لذلك، فإن صفة المحرر تنتفي عن الكتابة التي تختفي بجفاف السائل الذي إستعمل في تدوينها ؛ وعن الكتابة على الرمل أو الجليد، إذ هي بدورها تختفي بحركة الريح أو ارتفاع الحرارة . ويفترض هذا العنصر أن رموز الكتابة تحملها مادة صلبة مستقرة الكيان، كالورق أو الجلد أو القماش أو الحجر .
وتفترض فكرة المحرر أنه يكشف عن شخصية محرره . فالمعنى الذي يكشف عنه هو بالضرورة صادر عن شخص أو أشخاص معينين، ويفيد ارتباطهم بما يدل عليه ويتصل هذا العنصر بالوظيفة الاجتماعية للمحرر، وكونها التعبير عن علاقة إجتماعية أو إقامة الدليل عليها وما يقتضيه ذلك من ظهور أطراف هذه العلاقة، أو على الأقل إمكان التعرف عليهم عن طريق المحرر . وصاحب المحرر ليس بالضرورة من دونه بيده، وإنما من اتجهت إرادته إلى الإرتباط بمضمونه، ونتيجة لذلك فإنه إذا أملي المحرر شخص ودونه آخر، فصاحب المحرر هو الأول دون الثاني؛ وإذا كان مملى المحرر نائباً عن غيره فصاحب المحرر هو الأصيل دون النائب .
ما لا يعد من عناصر المحرر : ليس من عناصر فكرة المحرر أن يدون بلغة البلاد، فلا فرق بين محرر دون باللغة العربية وآخر دون بلغة أجنبية أيا كانت، ولو كانت لغة بدائية . بل إنه ليس بشرط أن تحسب رموز المحرر بين كلمات لغة من اللغات : فالرموز الاصطلاحية المتعارف عليها لدى فئة من الناس كرموز الشفرة أو علامات الإختزال يمكن أن يتكون بها المحرر وتطبيقاً لذلك تعتبر « الصورة الفوتوغرافية » التي يحملها المحرر أحد « بياناته »، إذ هي « رمز » دال على شخصية من ينسب المحرر إليه، وهي تسهم مع سائر بياناته في تحديد المعنى الإجمالي المستفاد منه.
وليس من عناصر فكرة المحرر أن تحمل رموزه مادة من نوع معين : فإذا كانت هذه المادة في الغالب ورقاً، فإنها قد تكون أحياناً خشباً أو قماشاً أو جلداً أو نحاساً أو أية مادة يتصور أن تستعمل لذلك ..
وليس من عناصر فكرة المحرر وضوح معانيه : فإذا كانت غامضة أو كان تعبيرها ضمنياً، فإن فكرة المحرر لا تنتفي بذلك . وإذا لم يكن فهم الدلالة الكاملة للرموز ممكناً بغير الاستعانة بشيء خارج عن كيانها . وكان الإطلاع على ذلك الشيء متاحاً للناظر إلى هذه الرموز، فإن فكرة المحرر لا تنتفي بذلك . وتطبيقاً لذلك، فإن الإمضاء الموقع به على لوحة فنية يعد في ذاته محرراً، إذ يعني الربط بينه وبين الرسم أو الصورة التي تحملها اللوحة، والشهادة أو التقرير بصدورها عن صاحب الإمضاء، كما يعني إعطاء مشتريها الضمان القانوني بذلك .
أنواع المحررات :
تعبير المحرر ينصرف للوهلة الأولى إلى المخطوط، وتغيير الحقيقة فيه هو من غير شك أوضح حالات التزوير. ولكن ليس من عناصر المحرر أن يكون مخطوطاً؛ فقد يكون المحرر مطبوعاً، ولذلك صورتان : فقد يكون أغلب المحرر مطبوعاً وتركت فيه أجزاء على بياض، کی تملأ بخط اليد كعقود الإيجار المطبوعة وقد يكون مطبوعاً كله كالأسهم والسندات وأوراق اليانصيب وتذاكر السكك الحديدية . والتزوير متصور في الحالتين : فمن يدخل التحريف على البيانات المدونة بخط اليد، ومن يصطنع محرراً مطبوعاً بأكمله يرتكبان تزويراً .
وقد يستعان بالتليفون على تزوير المحرر : فمن يتصل بأخر تليفونياً ويملي عليه بيانات مخالفة للحقيقة ويأمره بتدوينها - أو يكون عالماً بأنه سيدونها - يسأل عن تزوير ومن المتصور أن يكون التلغراف وسيلة للتزوير في المحرر : فمن يقدم لمكتب الإرسال برقية ينسبها زوراً إلى شخص لم تصدر عنه ؛ والموظف بمكتب الإرسال الذي يرسل برقية ناسباً إياها إلى شخص لم تصدر عنه، أو يحرف في البرقية التي سلمت إليه کی يرسلها؛ والموظف بمكتب الإستقبال الذي يشوه برقية تلقاها ويبلغها محرفة، كل هؤلاء يرتكبون التزوير : فهم إما قد دونوا المحرر أو أملوه - مستعينين بجهاز التلغراف - على شخص آخر، هو الموظف في مكتب الاستقبال .
الضرر :
أهمية الضرر في البنيان القانوني لجرائم التزوير : رجحنا - فيما تقدم - الرأي الذي يذهب إلى اعتبار الضرر ركناً على حدة من أركان التزوير، فإذا ثبت تخلف الضرر إنتفى التزوير، ولو توافرت سائر أركانه ويترتب على ذلك إلتزام قاضي الموضوع بأن يثبت في قضائه بالإدانة توافر هذا الركن، وإلا كان حكمه قاصر التسبيب .
وتقتضي دراسة الضرر في التزوير تفصيل موضوعات ثلاثة : ماهية الضرر وأنواعه ؛ وضابط الضرر، ومدى توافره في المحررات الباطلة .
ماهية الضرر وأنواعه
تعريف الضرر :
الضرر هو إهدار حق، أي إخلال بمصلحة مشروعة، ومن ثم يعترف بها القانون ويكفل لها حمايته .
وليس من عناصر فكرة الضرر أن يحل بشخص معين، فالناس سواء من حيث جدارتهم بالحماية إزاء أضرار التزوير . وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا إستهدف المتهم أن ينال الضرر شخصاً معيناً، فنال شخصاً آخر قام التزوير على الرغم من ذلك، بل يقوم التزوير ولو حقق للمجني عليه کسباً . ولا تقتضي فكرة الضرر أن يمثل جسامة معينة، فأقل الأضرار جسامة يقوم به التزوير .
انتفاء الضرر :
إذا ثبت انتفاء الضرر انتفى التزوير حتماً. وحالات انتفاء الضرر لا تدخل تحت حصر، ونعرض فيما يلي أهم هذه الحالات :
لما كانت المصلحة أو الحق الذي يهدره التزوير يقرره القانون لشخص، ويقابله بالضرورة التزام مفروض على شخص، فإنه إذا لم يوجد شخص يقرر له القانون الحق وآخر يفرض عليه الالتزام، فلا وجود للمجال الذي يمكن أن يتحقق فيه الضرر : وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا إصطنع شخص محرراً يدعى فيه لنفسه أو لغيره حقاً في ذمة شخص خيالي ليس له وجود حقيقي ووضع عليه إمضاء نسبة إلى هذا الشخص فهو غير مسئول عن تزوير، لأن المحرر مجرد من القيمة القانونية، ولا وجود لمصلحة أو حق يمسهما . ويمكن أن نستخلص من ذلك قاعدة عامة مؤداها أنه إذا عرض للمحرر سبب يفقده تماماً قيمته القانونية، وينفي عنه في صورة قاطعة أن يكون مقرراً لحق أو سنداً لحماية مصلحة، فإن العبث الذي يمتد إليه يستحيل أن ينشأ عنه ضرر، لأنه لا يتصور أن يكون من شأنه المساس بحق أو مصلحة . ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه إذا كان التزوير ظاهراً مفضوحاً بحيث لا يمكن أن يخدع به أحد فلا يتصور أن يقوم به ضرر .
وينتفى الضرر كذلك إذا إستهداف المتهم بالتزوير إنشاء سند الإثبات مرکز قانونی حقیقی، بشرط أن يكون الحق المتولد من هذا المركز ثابتاً وقت الفعل على نحو قاطع خالياً من النزاع ومستحق الأداء، إذ لن يترتب على إنشاء هذا السند تغيير في المراكز القانونية القائمة وقت ارتكاب الفعل، ولن يضار بذلك أحد . وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا أوفي المدين بدينه كاملاً ولم يحصل على مخالصة تثبت هذا الوفاء، فإصطنع وارثه مخالصة تثبت الوفاء ووضع عليها إمضاء مزوراً نسبه إلى دائنه السابق، فلا تقوم بفعله جريمة التزوير، إذ قد إنقضى حق الدائن، ولم يعد ثمة مجال للقول بمساس بحق أو مصلحة له على نحو يقوم به الضرر .
وقت تقدير الضرر : تطبق على جريمة التزوير القاعدة العامة القاضية بأن العبرة في تحديد ما إذا كانت أركان الجريمة متوافرة أم غير متوافرة هي بوقت ارتكاب الفعل . ولما كان الضرر أحد أركان التزوير، كان الوقت المتعين الاعتداد به لتقديره هو ((لحظة تغيير الحقيقة))، وكان متعیناً تبعاً لذلك صرف النظر عن أي وقت آخر : فإذا كان الضرر في ذلك الوقت محتملاً قام بذلك التزوير، ولا عبرة بأنه قد صار مستحيل التحقق بعد ذلك، والأسباب التي تجعل الضرر مستحيلاً إما أن تكون خارجة عن إرادة الجاني فلا يمكن أن يكون لها أثر في محو جريمته . وإما أن يكون الجاني نفسه هو الذي أراد أن يتلافى الأمر ويحول دون وقوع الضرر أو يصلح ما أفسده بسابق فعله . والمتفق عليه في هذه الصورة أن فعل الجاني اللاحق لا يمكن أن يمحو سابق جرمه، وتطبيقاً لهذه القاعدة فإن تزوير سند الدين بتغيير تاريخ استحقاقه يعاقب عليه ولو سدد الدين بعد ذلك ؛ وتزوير مخالصة يعاقب عليه ولو أوفي المدين بدينه أو سقط بالتقادم قبل أن ترفع في شأنه الدعوى ؛ وتزوير إمضاء شخص في شكوي يعاقب عليه ولو وافق بعد ذلك صاحب الإمضاء على كل ما تضمنته هذه الشكوي، و انتحال المتهم إسم شخص آخر في محضر تحقيق يقوم به التزوير ولو عدل عن الانتحال وذكر إسمه الحقيقي قبل أن ينتهي التحقيق .
أنواع الضرر :
الضرر أنواع عديدة، ويسوى القانون بينها: فلا فرق بین ضرر مادی وضرر معنوی، أو بين ضرر حال وضرر محتمل، أو بين ضرر فردی وضرر اجتماعی .
الضرر المادي : يمس الضرر المادي عناصر الذمة المالية فيترتب عليه الإنقاص من عناصرها الإيجابية، أو الزيادة في عناصرها السلبية، وهو أوضح أنواع الضرر . وأهم تطبيقاته إصطناع سند دین، أو مخالصة من دين ينسبها مدين إلى دائنه زوراً، أو اصطناع عقد بيع أو هبة أو إيجار ونسبته إلى مالك عقار خلافاً للحقيقة . وأي قدر من الضرر المادي - ولو كان ضئيلاً - يكفى لقيام التزوير : فمن أضاف إلى سند دین مدنی عبارة الإذن أو لحامله يرتكب تزويراً، إذ تؤدي هذه الإضافة إلى تحول السند المدني إلى سند إذني أو سند لحامله، ومن شأن ذلك أن تتغير الأحكام القانونية التي يخضع لها، بحيث يصير الدين أكثر عبئاً على المدين، وفي ذلك ما يحقق الضرر المادي الذي يقوم به التزوير ويعد تزویراً كذلك أن يضيف المتهم إلى سند شرطاً يجعله مستحق الوفاء في مكان غير المكان المتفق عليه .
الضرر المعنوي :
يمس الضرر المعنوي الشرف والإعتبار، أي ينال من المكانة الإجتماعية للمزور عليه فيهبط بها، وأي قدر من المساس بهذه المكانة يكفي لتحقق التزوير ومن تطبيقات الضرر المعنوي أن يصطنع شخص محرراً ينسبه إلى شخص ويضمنه اعترافه بارتكاب جريمة أو اقتراف فعل مخل بالأخلاق أو مزر بالكرامة، بل إن الضرر المعنوي يعد متحققاً إذا نسب المتهم إلى غيره خلافاً للحقيقة واقعة تمس حالته الشخصية وإن لم تتضمن إخلالاً بالأخلاق، بالنظر إلى الإرتباط الوثيق بين عناصر الحالة الشخصية والمكانة التي لشخص في المجتمع : فيعد مزوراً من يصطنع محرراً ينسب فيه زوراً إلى رجل أو امرأة قبول الزواج من شخص معين، أو إنهاء العلاقة التي تربطه بزوجه، ويعد مزوراً من يتسمى بإسم غيره في محضر تحقيق جنائي، ومن يضع إمضاء شخص على شكوى بدون إذنه ويتحقق الضرر المعنوي إذا كان من شأن التزوير الإساءة إلى ذكرى شخص میت .
الضرر الاحتمالي : الضرر الاحتمالي هو ضرر لم يتحقق فعلاً، ولكن تحققه منتظر وفق السير العادي للأمور . ففعل المتهم لم يحدث ضرراً حالاً، ولكنه ينطوي على خطر إحداث الضرر، والمرجع إلى تفكير الشخص المعتاد وما إذا كان تحقق الضرر يبدو في تقديره متفقاً مع السير الطبيعي للأمور والدليل على كفاية الضرر الاحتمالي لقيام التزوير مستمد من خطة الشارع في التمييز بين التزوير واستعمال المحرر المزور، فكل منهما جريمة مستقلة عن الأخرى . ولما كان الضرر الفعلي مرتبطاً باستعمال المحرر، فإن معنى ذلك أن جريمة التزوير تكتمل أركانها ولو لم يترتب ضرر فعلی، إكتفاء بالضرر الذي يحتمل أن يترتب عليها إن إستعملت فيما بعد .
ويستخلص إحتمال الضرر من إحتمال استعمال ضار للمحرر المزور، إذ يكفي إحتمال ضرر الاستعمال لكي يوصف التزوير بأنه ضار . وتطبيقاً لذلك، فإنه لا يحول دون توافر الضرر في التزوير أن يكون تحقق الضرر من الاستعمال متوقفاً على ظروف خارجة عن إرادة المزور : مثال ذلك تزوير سند على ناقص الأهلية، إذ تحقق الضرر متوقف على عدم احتجاجه بنقص أهليته وإذا زور شخص سنداً خالقاً به إلتزاماً على آخر لمصلحة ثالث كان مسئولاً عن تزوير ولو لم يتمسك بالسند من اصطنع باسمه، إذ أن عدم تمسكه به « هو أمر خارج عن فعل التزوير الذي تم من جهة المزور ولزمته تبعته ولا يحول دون العقاب على التزوير إتلاف المحرر المزور، أو التنازل البات عن الإحتجاج به وصيرورة الضرر الفعلي غير متصور، إذ يكفي أنه كان محتملاً وقت ارتكاب التزوير . ومن تطبيقات الضرر الاحتمالي تزویر سند للوصول إلى حق ثابت .
تزویر سند من أجل الوصول إلى حق ثابت : أثار هذه التزوير جدلاً فقهياً : وصورته أن يكون الشخص حق في ذمة آخر، ولكنه لا يجوز السند الذي يتيح له إثباته، فيصطنع ذلك السند . ويلاحظ أن هذا الشخص كان يستطيع – دون حاجة إلى التزوير - أن يصل إلى حقه قضاء، ولكن ذلك كان يقتضيه سلوك طرق إثبات عسيرة وتحمل مخاطر العجز عن إقناع القضاء بحقه .
قد يقال نفياً للتزوير إنه لم ينل المدين ضرر، فالإلتزام ثابت في ذمته ولم يترتب على فعل دائنه تكليفه بشيء لم يكن مكلفاً به قانوناً، وليست له مصلحة مشروعة في التهرب من التزامه .
ولكن الرأي الراجح هو قيام التزوير لاحتمال الضرر : فإصطناع السند يجرد المدين من حصانة موضوعية وإجرائية تقررها له قواعد الإثبات، ومن حقه أن يظل متمتعاً بها، فلا يحرم منها فيلزم بالدين عن غير الطريق الذي رسمه القانون. ويعني ذلك أن هذه الحصانة تمثل حقاً أهدره الاصطناع على نحو يتحقق به الضرر ؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن نشاط المتهم قد رتب ضرراً إجتماعياً، تمثل في الإحتيال على القانون، وخداع القضاء بالوصول إلى الحق عن غير الطريق الذي رسمه القانون . وتصير الأمور أكثر وضوحاً إذا كان الحق متنازعاً فيه، أو غير واجب الأداء فوراً، أو كان المدين قد أفلس، فإصطنع الدائن المحرر الذي يصيره به غير متنازع فيه أو مستحق الأداء في الحال : فثمة ضرر محقق لا شك فيه .
الضرر الاجتماعي : الضرر الاجتماعي هو ما استحالت نسبة أذاه إلى شخص أو أشخاص معينين، لأنه قد إمتد إلى المجتمع في مجموعه : فهو ضرر أصاب المصالح المادية أو المعنوية للدولة بإعتبارها تمثل المجتمع وهو نوعان : مادی و معنوی ومن أهم تطبيقات الضرر الاجتماعي المادي تزوير محرر يستهدف التخلص من ضريبة أو رسم أو غرامة، أو يستهدف إنشاء سند للإستيلاء على مال للدولة، أو إنشاء دين في ذمتها، أو ستر غش من شأنه الإضرار بمصالحها .
أما الضرر الاجتماعي المعنوي فتتصور له تطبيقات عديدة . ولكن أهم هذه التطبيقات يتمثل فيما استقر عليه الفقه والقضاء من اعتبار كل تغيير للحقيقة في محرر رسمي منتجاً بذاته ضرراً إجتماعياً متمثلاً في الإقلال من الثقة التي يجب أن يحظى بها هذا النوع من المحررات : فالأصل في المحررات الرسمية أن تكون موضع ثقة مطلقة وأن تكون جميع بياناتها صادقة، وبغير هذه الثقة تعجز الدولة عن أداء وظائفها وينال المجتمع من جراء ذلك ضرر جسيم، فثمة ثقة مفترضة يهدرها أي عبث ولو كان قليلاً، وهذا الإهدار يلحق بالمجتمع ضرراً في جميع الأحوال، وإن تجرد هذا الضرر من الصبغة المادية فهو معنى على كل حال .
وأهمية هذا المبدأ هي إعفاء قاضي الموضوع - حين يدين المتهم بالتزوير في محرر رسمى - من إثبات تحقق ضرر نال فرداً أو أفراد، أو نال الدولة في مصالحها المادية، مكتفياً بالتثبت من العبث في بيانات المحرر والقول - دون بحث خاص - بتحقق الضرر الإجتماعي المعنوي المتمثل في الإقلال من الثقة في هذه المحررات .
ضابط الضرر :
وجه الحاجة إلى ضابط للضرر : اتضح فيما تقدم أن للضرر مدلولاً متسعاً، وأن الشارع قد سوى بين أنواعه، وإعتد بالضرر المحتمل، فلو ترك الضرر بغير ضابط، لاقتضى ذلك أن يكون الفصل في توافره لمحض تقدير قاضي الموضوع، ولترتب على ذلك الاتساع في نطاقه على نحو قد لا تقتضيه - المصلحة العامة ولذلك اجتهد بعض الفقهاء في صياغة ضابط للضرر يحكم فكرته ويهتدي به القضاء .
مذهب القضاء المصري : يتعين في استقراء مذهب القضاء المصرى التفرقة بين المحررات الرسمية والمحررات العرفية .
المحررات الرسمية : تبنى القضاء المصري منذ البداية « نظرية جارو » في شأن هذه المحررات، بل وتطرف في فهمها، وبالغ في النتائج المستخلصة منها، فتطلب للعقاب على التزوير أن يكون موضوعه بياناً أعد المحرر منذ البداية لإثباته فيه، أي كان الغرض من تدوين المحرر أن يكون حجة على صدق ما تضمنه، فإن لم يكن كذلك فإن تغيير الحقيقة فيه لا يقوم به التزوير وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا ادعت إمرأة بأنها بكر وتزوجت حالة كونها متزوجة وفي عصمة زوجها فهذا الفعل - لا يعاقب عليه ولا يعد تزويراً في عقد الزواج، لأن ذلك العقد الذي قالت فيه إنها بكر لم يكن من شأنه إثبات حالة بكارتها، بل من شأنه إثبات أنها قبلت الزواج ممن عقدت عليه وأنه قبل أن يتزوجها، وهذا القبول المتبادل حصل حقيقة منهما، فيكون العقد إذن صحيحاً بذاته لا تزوير فيه، ومن ثم فإن القول بأنها غير متزوجة هو كذب لا عقاب عليه وقضى كذلك بأن إثبات سن الزوجين أو أحدهما على غير الحقيقة لإخفاء المانع النظامی المستمد من صغر السن لا يعتبر تزویراً، لأن عقد الزواج لم يعد لإثبات السن، إذ المحرر المعد لذلك هو شهادة الميلاد وقضى بأن إثبات بيانات كاذبة في دفتر المواليد كنسبة طفل إلى غير أمه لا يعد تزويراً، لأن تلك الدفاتر أعدت لإثبات بيانات معينة طبقاً لما يرد على لسان من يبلغها وبصرف النظر عما إذا كانت صحيحة أو كاذبة، فإذا أثبت الموظف المختص هذه البيانات كما أمليت عليه كان معنى ذلك إنتفاء التزوير .
ولكن القضاء عدل بعد ذلك عن هذا التشدد في تحديد ضابط الضرر، فتحلل من اشتراط أن يكون موضوع تغيير الحقيقة بياناً أعد المحرر لإثباته فيه، وصرح بأن التزوير المعاقب عليه « هو التزوير الذي يقع في محرر يمكن أن يوجد عند من يقدم إليه عقيدة مخالفة للحقيقة » وأضاف إلى ذلك أن « القانون لا يشترط أن يكون المحرر قد أعد من وقت تحريره لأن يتخذ سنداً أو حجة بالمعنى القانونى »، وأن التزوير يقوم « مهما يكن مدى حجية المحرر في الإثبات » وقد خلصت محكمة النقض بذلك إلى نتائج تختلف عن تلك التي قالت بها طبقاً لمذهبها القديم : فاعتبرت التزوير متحققاً بإثبات بلوغ أحد الزوجين - على خلاف الحقيقة – السن التي يحددها القانون أو تجاوزها، إذ من شأن ذلك جعل القاضي يجيز سماع الدعوى الناشئة عن عقد الزواج واعتبرت تغيير الحقيقة في إسمي والدي الطفل أو أحدهما تزویراً، كما اعتبرت التزوير متحققاً بتغيير الحقيقة في البيان الخاص بتاریخ وفاة المورث في الإعلام الشرعي، واعتبرته متحققاً كذلك بتغيير الحقيقة في تاريخ المحرر الرسمي، وبتغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية فكل عبث يرمي إلى إثبات غير الحقيقة في هذا الصدد يعتبر تزویراً .
نظرية البيانات الجوهرية : يستخلص من دراسة قضاء محكمة النقض أنها تعتمد على فكرة البيانات الجوهرية لتحديد البيان الذي يصلح موضوعاً للتزوير : ففي أغلب أحكامها عللت قيام التزوير بأن موضوع تغيير الحقيقة كان أحد البيانات الجوهرية للمحرر، فسن الزوجين بيان جوهري في عقد الزواج، وتاريخ وفاة المورث في الإعلام الشرعى بیان جوهري، وتاريخ المحرر الرسمي هو أحد بياناته الجوهرية، وخلو الزوجة من الموانع الشرعية هو بيان جوهري في عقد الزواج، وقد وضعت المحكمة مبدأ عاماً قررت فيه أنه لا يكفي للعقاب أن يكون الشخص قد قرر غير الحقيقة في المحرر، بل يجب أن يكون الكذب قد وقع في جزء من أجزاء المحرر الجوهرية التي من أجلها أعد المحرر لإثباته . وفي بعض أحكامها عللت البراءة من التزوير بأن تغيير الحقيقة قد وقع في بيان غير جوهري من بيانات المحرر : فإثبات حالة المطلقة في إشهاد الطلاق من حيث الدخول بها أو عدم الدخول هو بيان غير جوهري إذ هو غير لازم في الإشهاد لأن الطلاق يصح شرعاً بدونه "، والقول عن الزوجة إنها بكر لم يسبق لها الزواج بدلاً من إثبات الحقيقة من أنها مطلقة طلاقاً يحل به العقد الجديد، هذا التغيير لا يقوم به التزوير، لأن إثبات حالة الزوجة من هذه الوجهة لا يعد بياناً جوهرياً من بيانات عقد الزواج .
وقد عرفت محكمة النقض البيان الجوهرى بأنه كل بيان يكون إثباته في المحرر « لازماً لإستكمال شكله القانوني »، أو هو في تعبير آخر « كل بيان واجب الإدراج في المحرر حتى يكون له الشكل الذي تحدده القوانين واللوائح » . ولا يحول دون إعتبار البيان جوهرياً أن يثبت أنه ليس الغرض من تدوين المحرر أن يكون دليل إثباته، أو يثبت أن ورود هذا البيان في المحرر لا يعني حتماً أنه بيان صحیح .
تطبيق ضابط الضرر على انتحال المتهم شخصية غيره في محضر تحقيق جنائي : قد يلجأ المتهم - في سبيل التهرب من التهمة – إلى إخفاء شخصيته، فيستعين على ذلك بانتحاله شخصية غيره : وقد يكون الغير شخصاً معروفاً له فيحاول عن طريق هذا الإنتحال أن يلصق التهمة به، وقد يكون شخصاً خيالياً - أي لا وجود له في بيئة المتهم - فيكون هدفه بالانتحال مجرد تضليل سلطات التحقيق، فهل يعد انتحال الشخصية في هذه الظروف تزويراً .
يبدو أنه يتعين الرد على هذا التساؤل بالإيجاب : ذلك أن انتحال المتهم شخصية غيره هو صورة لتزوير معنوي عن طريق جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، وهو تزوير في محرر رسمى، هو محضر التحقيق . ولكن يثير الشك في صواب هذه الإجابة أن محضر التحقيق لم يعد لإثبات شخصية المتهم، وإنما أعد لتلقى أسئلة المحقق وإجابات المتهم كما تصدر عنه، ومحضر التحقيق من هذه الوجهة لم يدخل عليه تحريف، فقد تضمن أسئلة المحقق وإجابات المتهم كما صدرت عنهما ولكن يرد على ذلك، بأنه إذا كان محضر التحقيق لم يعد لإثبات شخصية المتهم، فهو لم يعد لإثبات إجابة أي شخص، وإنما أعد لإثبات إجابة شخص بعينه، هو المتهم الذي يستجوبه المحقق، ومن ثم فإنتحاله شخصية غيره هو تزویر باعتباره ينطوي على نسبة الإجابات إلى شخص غير من صدرت عنه، أي ينطوي على تغيير للحقيقة في هذا الخصوص وبالإضافة إلى ذلك، فإن القول بأن المحضر لم يعد لإثبات شخصية المتهم مرفوض، ذلك أن ضابط الضرر لا يقتضي أن يكون المحرر قد أعد منذ تحريره لإثبات البيان الذي غيرت فيه الحقيقة، وإنما يكفي أن يكون صالحاً لتوليد عقيدة مخالفة للحقيقة لدى الإطلاع عليه، وهو ما يتحقق حينما يتصور المطلع على المحضر أن الإجابة صادرة عن شخص غير من صدرت عنه .
والذي يمكن استخلاصه مما تقدم أن انتحال المتهم شخصية غيره هو تغيير للحقيقة بإحدى طرق التزوير المعنوي التي نص القانون عليها، والضرر - وفقاً لضابطه - لا شك فيه، على الأقل في صورته الإحتمالية ؛ بل إنه يتعين اعتباره ضرراً اجتماعياً معنوياً، بالنظر إلى أن موضوعه محرر رسمى . ومؤدى ذلك اعتبار فعل المتهم تزویراً . ولكن ثمة قاعدة أساسية تحد من إطلاق هذه النتيجة : هذه القاعدة هي حرية المتهم فيما يقوله دفعاً للاتهام عن نفسه، ولو كان سبيله إلى ذلك هو إخفاء شخصيته الحقيقية ؛ ويحرص المجتمع على كفالة احترام هذه القاعدة لأنها ضمان لموضوعية التحقيق وكفالة لحق الدفاع في مواجهة الاتهام . وعلى هذا النحو يبرز الوجه الحقيقي للمشكلة : إذ كيف السبيل إلى التوفيق بين الأصل في إعتبار فعل المتهم تزویراً من ناحية، ووجوب نفي التزوير عن فعله إحتراماً لحقه في الدفاع عن نفسه من ناحية ثانية .
استقر القضاء على حل وسط، مضمونه أنه إذا انتحل المتهم شخصية خيالية لا وجود لها في بيئته، فلا تزوير في فعله، إذ يحميه حقه في الدفاع، وينزل المجتمع عن الضرر المعنوي الإجتماعي في سبيل كفالة هذا الحق أما إذا إنتحل شخصية حقيقية لكي يستتر وراء صاحبها فيوقعه في الاتهام بدلاً منه، اعتبر فعله تزویراً، فثمة ضرر أصاب شخصاً، وليست للمجتمع صفة في النزول عنه، وحق المتهم في الدفاع ينتهي حيث يبدأ المجال الذي يمكن أن ينال فيه الضرر شخصاً، ولو كان ضرراً إحتمالياً .
الضرر والمحررات الباطلة :
وضع المشكلة : إذا ثبت تزوير المحرر فذلك بذاته سبب لبطلانه، ومن ثم ساغ القول بأن كل محرر مزور هو محرر باطل، ولكن ليست هذه هي المشكلة محل البحث، وإنما الفرض أن المحرر (أو في عبارة أدق : العمل القانوني الذي يثبته المحرر) باطل لسبب مستقل عن تزويره، ثم أدخل عليه تغيير الحقيقة، فيثور التساؤل عما إذا كان التزوير يقوم بهذا التغيير . وفي عبارة أخرى : هل يعتبر بطلان المحرر استقلالاً عن تزويره حائلاً دون قيام التزوير ؟ مثال ذلك محرر رسمی باطل لأنه لم يحرره الموظف المختص بذلك، أو لأنه أغفلت في تحريره الإجراءات التي يتطلبها القانون لصحته، أو لعدم تضمنه جميع البيانات الجوهرية التي يشترطها القانون؛ وقد يكون بطلان المحرر الرسمي لاحقاً على تحريره، كما لو أغفل وضع توقيع ذوى الشأن أو توقيع الموظف المختص عليه، أو أغفل وضع خاتم السلطة التي صدر عنها، وقد يعرض البطلان للمحرر العرفي، كما لو صدر عن قاصر - أو غير ذي أهلية كاملة بصفة عامة - أو شاب العمل القانوني الذي يثبته أحد عيوب الرضاء .
وإن جوهر المشكلة هو التساؤل عما إذا كان من شأن البطلان نفی الضرر مما يعني نفي أحد أركان التزوير، أي أن حسم المشكلة إنما يكون على أساس ما بين البطلان واحتمال الضرر من صلة .
الصلة بين البطلان والضرر : الرأي الصحيح هو الذي يقوم على الربط بين بطلان المحرر والضرر کركن في التزوير : فيقوم التزوير حيث لا يحول البطلان دون ترتيب الضرر، وينتفي التزوير حيث يحول البطلان دون الضرر . ولا يقتصر نطاق الضرر على الضرر الفعلي، وإنما يتعداه إلى الضرر المحتمل : فحيث يحتمل أن يترتب على المحرر الباطل ضرر تتوافر أركان التزوير، أما حيث ينتفي هذا الاحتمال فلا تتوافر هذه الأركان. وقد أقر القضاء هذا الرأي، فقد قرر أن « التزوير في الأوراق الرسمية يعاقب عليه ولو كان حاصلاً في محرر باطل شكلاً لإحتمال حصول الضرر منه للغير أو للجميع إذ أن المحرر الباطل وإن جرده القانون من كل أثر فإنه قد تتعلق به ثقة الغير ممن لا يتضح أمامهم ما يشوبه من عيوب ويصح أن يخدع فيه كثير من الناس الذين يفوتهم ملاحظة ما فيه من نقص . وهذا وحده كاف لتوقع حصول الضرر بالغير بسبب هذا المحرر » وتطبيقاً لذلك، قضى بأن تزوير إيصال نسب صدوره إلى قاصر يعاقب عليه لإحتمال الضرر وقضى بأن بطلان المحرر لعدم إختصاص من نسب إليه تحريره لا يحول دون العقاب على تزويره .
وطبقاً لهذا الرأي يقوم التزوير في أغلب حالات تغيير الحقيقة في المحررات الباطلة، إذ من شأن هذا التغيير أن يحدث ضرراً في صورته الاحتمالية على الأقل ويفسر إحتمال الضرر بأمرين : أولهما، خفاء سبب البطلان على الشخص المعتاد؛ وثانيهما، الحاجة إلى إتخاذ إجراءات قضائية لإقامة الدليل على البطلان ويقتضي ذلك أن نسلم بالوجه المقابل لهذه القاعدة، ونجمله على النحو التالي : إذا استحال نشوء الضرر بالنظر إلى وضوح سبب البطلان إلى الحد الذي يجعل في استطاعة أقل الناس ذكاء وخبرة أن يكتشفه، ويجعل تقريره مسلماً وفي غير حاجة إلى إجراءات قضائية تثبته، فإن تغيير الحقيقة لا يقوم به التزوير وليس مرجع ذلك إلى البطلان في ذاته، ولكن مرجعه إلى ما يترتب على البطلان من تأثير على الضرر .
ونضيف إلى القاعدة السابقة قاعدة أخرى مضمونها أنه إذا كان سبب البطلان لاحقاً على تغيير الحقيقة سئل المتهم عن تزوير،، ولو كان من شأن البطلان إستحالة نشوء الضرر، طالما كان محتملاً وقت تغيير الحقيقة . وتفسير ذلك أن القول بتوافر أركان الجريمة أو عدم توافرها، إنما يكون بالنظر إلى وقت ارتكاب الفعل الإجرامي : فإذا ثبت أن الضرر كان محتملاً في هذا الوقت توافرت أركان التزوير، ولو طرأ في وقت لاحق سبب يلحق البطلان بالمحرر، ويجعل نشوء الضرر مستحيلاً .
القصد الجنائي :
تمهيد : جرائم التزوير في المحررات جرائم عمدية، ومن ثم يتخذ ركنها المعنوى صورة القصد الجنائي . وهذا القصد خاص يفترض أن أولاً : توافر القصد العام الذي يقوم بعلم المتهم بأركان جريمته، واتجاه إرادته إلى الفعل المكون لها ونتيجته ؛ ويفترض ثانياً : « نية » يقوم بها القصد الخاص في التزوير .
تعريف القصد الجنائي في التزوير : القصد الجنائي في التزوير هو « تعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً، وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة ». وقد رجح هذا التعريف في الفقه والقضاء .
القصد العام في التزوير : يتطلب القصد العام في المقام الأول علماً محيطاً بتوافر جميع أركان التزوير، فيجب أن يعلم المتهم أنه يغير الحقيقة، وأن فعله ينصب على محرر، وأنه يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حددها القانون، وأنه يترتب عليه ضرر حال أو احتمالی .
فيجب أن يعلم المتهم أن يغير الحقيقة بفعله، ويقتضي ذلك أن يعلم بالحقيقة وأن يدرك أن فعله ينتج أثراً مناقضاً لها . ويعني ذلك أن مجرد جهل المتهم بالحقيقة غير كاف لاعتبار القصد متوافراً لديه: فالموظف العام الذي يثبت في محرر ما يمليه عليه ذوو الشأن، وهو جاهل ما تتضمنه أقوالهم من مخالفة للحقيقة لا يعد القصد متوافراً لديه، ومثال ذلك المأذون الذي يثبت انتفاء موانع الزواج في حين أنه قد توافر أحدها ؛ أو يثبت للزوج شخصية غير شخصيته الحقيقية غير عالم بذلك . ولا يقوم الإهمال - وإن كان جسيماً – في تحري الحقيقة مقام العلم الفعلي بها، فلا يكفي لإثبات القصد القول بأن المتهم كان في إمكانه تجنب ذكر ما ينافي الحقيقة : وتطبيقاً لذلك فإن الموثق الذي يثبت لمتعاقد - وفقاً لأقواله - شخصية غير شخصيته جاهلاً مخالفة ذلك للحقيقة، لا يسأل عن تزوير، ولو أخل بالواجب المفروض عليه بالتحقق من شخصية المتعاقدين .
وقد يكون للحقيقة طابع قانونی، فيكون العلم بها مفترضاً العلم بقاعدة قانونية، بحيث لو جهل المتهم هذه القاعدة فقد جهل الحقيقة وصار يعتقد أن فعله لا ينطوي على تغييرها : فقد يجهل الزوجان أو شهود الزواج قواعد الشريعة الإسلامية التي تحرم زواج الأخت من الرضاع أو تحرم الجمع بين المرأة وخالتها أو بين المرأة وعمتها .. فيقررون تبعاً لذلك انتفاء موانع الزواج، والحقيقة هي توافر مانع يجهلونه : في هذه الحالات يعد القصد منتفياً .
ويتطلب القصد الجنائي العلم بأن تغيير الحقيقة ينصب على محرر، ويرتكب عن طريق إحدى الوسائل التي حصرها القانون وهذا النوع من العلم لا يثير صعوبات : فالعلم بأن تغيير الحقيقة ينصب على محرر تفترضه طبيعة الأشياء، ويتلازم وتوافر التمييز لدى المتهم والعلم بأن الفعل يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حصرها القانون هو علم تفترضه القواعد العامة في القصد، إذ هو علم بنطاق النهي الذي يتضمنه قانون العقوبات، ذلك أن الشارع لا يجرم تغيير الحقيقة إلا إذا كان عن طريق إحدى هذه الطرق، والعلم بقواعد التجريم مفترض على نحو لا يقبل إثبات العكس .
ويتطلب القصد الجنائي العلم بأن من شأن تغيير الحقيقة « إحداث ضرر بالغير، سواء أكان الضرر حالاً أم محتمل الوقوع »ومن ذلك يتضح أن القانون لا يتطلب علم المتهم بالضرر الذي ترتب فعلاً على تغيير الحقيقة، ولا يتطلب علمه بأن تغيير الحقيقة لابد أن يؤدي إلى حدوث ضرر، ولكنه يكتفي بالعلم بالضرر الاحتمالي . وقد يكون الضرر الذي تحقق غیر الضرر الذي توقعه المتهم، وقد لا يتحقق الضرر الذي كان محتملاً وقت تغيير الحقيقة، وقد لا يتحقق ضرر على الإطلاق، ولكن ذلك لا يحول دون توافر القصد طالما أنه قد ثبت العلم بالضرر الذي كان محتملاً أن يترتب على تغيير الحقيقة .
ويتطلب القصد العام إتجاه إرادة المتهم إلى الفعل المكون للجريمة والنتيجة المترتبة عليه، أي إلى فعل تغيير الحقيقة وإلى أثره المتمثل في اشتمال المحرر على بيانات مخالفة للحقيقة : فمن يريد وضع بيان في محرر ويكون ظهوره عليه غير متضمن تغييراً للحقيقة، ولكنه يضعه خطأ فى محرر آخر يعد اشتماله عليه مشوهاً للحقيقة فيه لا يعد القصد متوافراً لديه، لأن إرادته لم تتجه إلى أن يتضمن المحرر الثاني بياناً مخالفاً للحقيقة ومن تدس علیه ورقة تتضمن بيانات يعلم أنها مخالفة للحقيقة، فيوقع عليها دون أن يقرأها، معتقداً أنها ورقة أخرى لا يتوافر لديه القصد .
القصد الخاص في التزوير : النية التي يقوم بها القصد الخاص في التزوير هي « نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله »، وفي تعبير آخر « نية استعمال المحرر المزور في الغرض أو الأغراض التي أعد لها »، وهذه الأغراض تتنوع وتختلف من حالة إلى أخرى إختلافاً كبيراً، فليس في الاستطاعة حصرها، وأن أمكن ردها إلى فكرة تحقيق مصلحة للمتهم أو لغيره .
ومن ذلك يتضح أن العلاقة وثيقة في نفسية المتهم بين تزوير المحرر واستعماله مزوراً : فهدفه لا يتحقق بمجرد التزوير، بل لابد لذلك من فعل تال هو إستعمال المحرر بعد تزويره، ولا يعدو التزوير في ذاته أن يكون مرحلة تحضيرية لإدراك هذا الهدف من أجل ذلك أقام القانون علاقة وثيقة بين التزوير والاستعمال، وقدر أن التزوير لا يكون خطراً على المجتمع إلا إذا ارتكب بنية إستعمال المحرر بعد تزويره وهذه العلاقة نفسية ولا تعتمد على علاقة مادية تقابلها بين التزوير والاستعمال : فليس إستعمال المحرر ركناً في التزوير، إذ الشارع قد فصل بين الجريمتين . ولكن نية إستعمال المحرر المزور هي أحد عناصر التزوير، وقد تتوافر هذه النية على الرغم من أن المحرر قد لا يستعمل .
وإذا انتفت نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله فقد انتفى القصد الخاص . وتنتفي هذه النية إذا اتجهت نية المتهم إلى غاية لا يتطلب تحقيقها إستعمال المحرر المزور، أي غاية تتحقق بمجرد التزوير : مثال ذلك أن يريد المتهم باصطناع كمبيالة مزورة توضيح الشكل الذي يتطلبه القانون في الكمبيالات أو إثبات مهارته في التقليد أو مجرد المزاح، والفرض أن نيته منصرفة عن الإحتجاج بالكمبيالة المزورة على من زورت عليه .
وإستخلاص هذه النية من شأن قاضي الموضوع، وهو يستعين على ذلك بالقرائن التي تحيط بالفعل . ويعد تمزيق المحرر بعد تزويره وجعل إستعماله مستحيلاً من أهم هذه القرائن .
ويجب تحري القصد في ذات وقت إرتكاب فعل تغيير الحقيقة، فالتزوير شأنه شأن سائر الجرائم يخضع لقاعدة وجوب معاصرة القصد للفعل الإجرامي .
ويخضع القصد الجنائي في التزوير للقاعدة العامة التي تقرر أن الباعث ليس من عناصره، وإن كان نبيلاً فلا ينفيه، كمن يزور لتفريج ضائقة أصابت شخصاً أو لتمكين صاحب حق من الوصول إلى حقه عن طريق خلق سند إثبات لم يكن له وفي العادة يكون الباعث على التزوير هو الإثراء غير المشروع، ولكن يتصور أن يكون الإنتقام أو التخلص من إلتزام، ويتوافر القصد من باب أولى إذا أثبت المتهم ما يخالف الحقيقة مدفوعاً بالرغبة في تفادي بعض مشاق العمل أو إقتصاد الوقت : فالمحضر الذي يثبت في عريضة دعوى كلف بإعلانها أنه قد أعلنها بنفسه في حين أن شخصاً آخر هو الذي أعلنها، أو يثبت أنه سلمها إلى المعلن إليه نفسه في حين أنه سلمها إلى شخص آخر، أو يقرر أنه عاين الأشياء المحجوز عليها في حين أنه لم يفعل ذلك، والموثق الذي يثبت حضور شاهدين أثناء توثيق العقد، في حين أنه لم يحضر شهود أو حضر شاهد واحد فقط، كل أولئك يتوافر القصد لديهم .
والقصد أسهل إثباتاً في التزوير المادي منه في التزوير المعنوي .
ولما كان القصد کياناً نفسياً، فإنه يتصور توافره لدى أحد المساهمين في التزوير وإنتفاؤه لدى مساهم آخر فيه .
تعريف المحرر الرسمي : عرفت المادة 10 من قانون الإثبات المحررات الرسمية بأنها « التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه عن ذوى الشأن، وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته وإختصاصه » . وهذا التعريف يصدق على المحرر الرسمي في جريمة التزوير، وقد استقر القضاء على تبنيه : « فمناط رسمية الورقة هو أن يكون محررها موظفاً عاماً مكلفاً بتحريرها بحكم وظيفته وعلى موجب ما تقضى به القوانين واللوائح » ونستطيع تأصيل هذه الفكرة في قولنا : « المحرر الرسمي هو كل ورقة صادرة عن الدولة أو عن شخص معنوی عام مدونة طبقاً للأوضاع التي يحددها القانون بطريق مباشر أو غير مباشر .
عناصر فكرة المحرر الرسمي : إن أهم عناصر فكرة المحرر الرسمي هو صدوره عن الدولة أو عن شخص معنوي عام، فمصدر صفته الرسمية أنه تعبير عن إرادة الدولة في شأن تختص به، وصدوره عن الدولة یعنی صدوره عن شخص يعمل باسمها ولحسابها وله صفة تمثيلها، وهذا الشخص هو الموظف العام ولكن الدولة لا تعطى موظفاً عاماً تفويضاً مطلقاً بأن يحرر باسمها أية ورقة وفي أية صورة شاء، وإنما تحدد الكيفية وترسم الأوضاع التي ينبغي أن يدون المحرر الرسمي وفقاً لها . ومن هذه الوجهة يستخلص العنصر الثاني في فكرة المحرر الرسمى، وهو تدوینه وفقاً للأوضاع التي يحددها القانون بطريق مباشر أو غير مباشر .
يقتضي العنصر الأول أن يكون المحرر الرسمي موظف عام، ويتعين أن يكون هذا الموظف مختصاً من حيث الموضوع ومن حيث المكان : فهو ليس موظفاً، وليست له صفة إنشاء المحررات الرسمية إلا في حدود اختصاصه ويقتضى هذا العنصر أن تستبعد من نطاق المحررات الرسمية كل الأوراق التي تصدر عن الأفراد أو عن الأشخاص المعنوية الخاصة كالشركات أو الجمعيات، وذلك أيا كانت أهميتها : وتطبيقاً لذلك، فإن الأوراق التجارية ومحررات البنوك على اختلافها هي محررات عرفية . وهذا العنصر ينبغي أن يفسر تفسيراً واسعاً من ناحيتين : فمن ناحية، إذا صدر المحرر عن موظف غير مختص فكان لذلك باطلاً، ولكن سبب عدم اختصاصه هو مما تفوت على الشخص المعتاد ملاحظته، فإن ذلك لا يمس صفته الرسمية تطبيقاً للقاعدة التي سلف تفصيلها في شأن التزوير في المحررات الباطلة ومن ناحية ثانية، فإن إختصاص الموظف لا يتحدد حتماً بقانون، بل يجوز أن يكون تحديده بناء على قانون، ويتسع ذلك لتحديده بناء على لائحة أو قرار إداري، بل إن الموظف يستمد كذلك اختصاصه بتحرير الورقة الرسمية « من أوامر رؤسائه فيما لهم أن يكلفوه به كما قد يستمد المحرر رسميته من ظروف إنشائه أو من جهة مصدره أو بالنظر إلى البيانات التي تدرج به ولزوم تدخل الموظف لإثباتها أو لإقرارها أو طبقاً لمقتضيات العمل » ولا يشترط أن يصدر المحرر عن شخص يمثل الدولة باعتبارها سلطة عامة، وإنما تكفي « صفة تمثيلية أيا كانت » . وتطبيقاً لذلك، فإن القائمين على إدارة مشروع تديره الدولة وفقاً لأساليب القانون الخاص يعتبرون موظفين عامين، وما يصدر عنهم في حدود اختصاصاتهم يعتبر محررات رسمية، فالإيصالات التي تعطيها الدولة لمستأجرى أراضيها والبطاقات التي تثبت شخصية العاملين في مصنع تديره الدولة تعد محررات رسمية .
ويتطلب العنصر الثاني في فكرة المحرر الرسمي أن يكون تدوينه وفقاً للأوضاع والإجراءات التي يحددها القانون مباشرة أو في صورة غير مباشرة عن طريق هيئات فوض إليها ذلك ويعين القانون البيانات الجوهرية التي يتعين أن يتضمنها المحرر، والشكل الذي يتعين أن يفرغ فيه وهذا العنصر ينبغي كذلك التوسع في تفسيره : فإذا كان الأصل أن يثبت الموظف بنفسه جميع بيانات المحرر الرسمي بعد أن يتحقق منها وينسبها إلى نفسه على نحو تكون معه حجة على الكافة وثابتة على نحو لا يجوز معه إثبات عکسها إلا بالطعن فيها بالتزوير، إلا أن ذلك الأصل لا تقوم به قاعدة مطلقة : فقد يكون دور الموظف في تدوين الورقة الرسمية محدوداً دون أن يمس ذلك صفتها الرسمية، فقد يقتصر دور الموظف على إثبات أقوال أصحاب الشأن رواية عنهم ودون أن يقدم من جانبه أي ضمان بصحتها، فهو يثبتها كما صدرت عنهم، فيكون دوره دور الرواية فحسب . بل إن دور الموظف قد يقتصر على مجرد مراجعة البيانات التي أثبتها أصحاب الشأن والتصديق عليها "، فيكون دور الموظف دور المراجع فحسب .
وتأخذ صورة المحرر الرسمي - متى كانت مطابقة له - حكم أصل المحرر، فيعتبر تغيير الحقيقة فيها تزويراً في محرر رسمي .
نشاة المحرر الرسمي : الأصل أن ينشأ المحرر رسمياً منذ بداية تدوينه . ولكن بعض المحررات قد ينشأ عرفياً، إذ قد دونه الأفراد بصفتهم الخاصة ثم إكتسب الصفة الرسمية فيما بعد حينما تدخل الموظف العام في تحريره . وقد يقتصر تدخله على مراجعته أو التصديق عليه، وقد يمتد إلى إضافة بعض البيانات إليه أو القيام بإجراء معين في شأنه كإعلانه مثلاً . فإذا إكتسب المحرر الصفة الرسمية، فإن تغيير الحقيقة فيه يعتبر تزویراً في أوراق رسمية، سواء كان التغيير قبل أن يكتسب المحرر الصفة الرسمية أو بعد أن اكتسبها وغنى عن البيان أن تغيير الحقيقة لا يعد تزويراً فی محرر رسمي إلا إذا اكتسبت الورقة الصفة الرسمية، أما إذا لم تكتسبها فالجريمة تبقى تزويراً في محرر عرفي : فعريضة الدعوى هي ورقة عرفية حينما يحررها المدعى أو وكيله، ولكن إذا قدمت إلى المحضر فأعلنها إكتسبت بذلك صفة رسمية، « لأن العبرة هي بما تؤول إليه، وكان تغيير الحقيقة فيها تزويراً في أوراق رسمية، سواء ارتكب قبل إعلانها أو بعد إعلانها ؛ أما إذا لم تعلن فالجريمة تظل تزويراً في محرر عرفي .
استقلال الصفة الرسمية للمحرر عن قوة بياناته في الإثبات : إذا توافر للمحرر الرسمي عنصراه السابقان كانت لبياناته جميعاً الصفة الرسمية دون أن يكون ذلك متوقفاً على قوتها في الإثبات : وتأويل ذلك أن بيانات المحرر الرسمي - من حيث قوتها في الإثبات - نوعان : نوع ذو حجية « مطلقة » بحيث لا يجوز دحضه إلا عن طريق الطعن بالتزوير، ونوع ذو حجية « مقيدة » يجوز إثبات عكسه دون حاجة إلى الطعن بالتزوير والبيانات ذات الحجية المطلقة هي ما يثبته الموظف العام وينسبه إلى نفسه مقرراً أنه قد تحقق منه، أما البيانات ذات الحجية المقيدة، فهي ما يثبته الموظف رواية عن ذوى الشأن أو ما يثبتونه أنفسهم ويقتصر دور الموظف علی مراجعته وهذه التفرقة تقتصر أهميتها على قوة المحرر في الإثبات، ولكن لا شأن لها بأحكام التزوير، فتغيير الحقيقة في نوعي البيانات تزوير في محرر رسمي، مثال ذلك عقد البيع الرسمي، فقد يثبت الموظف أن المشتري قد دفع الثمن أمامه فيكون دفع الثمن واقعة ثابتة على نحو مطلق بحيث لا يجوز إثبات عكسها إلا عن طريق الطعن بالتزوير، وقد يقتصر الموظف على ذكر أن البائع قرر أمامه أنه تسلم الثمن من المشتري فتكون واقعة دفع الثمن ذات حجية مقيدة يجوز إنكارها دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ؛ ولكن تغيير الحقيقة في الحالتين تزوير محرر رسمى . ويعد تغيير الحقيقة في عريضة الدعوى تزويراً في محرر رسمي دون تمييز بين ما إذا كان التغيير قد تعلق بالجزء الذي دونه المدعى أو تعلق بالبيانات التي أثبتها المحضر ونسبها إلى نفسه .
المحرر الرسمي المصطنع : لا يشترط لاعتبار الواقعة تزويراً في محرر رسمي أن يكون موضوع تغيير الحقيقة محرراً صدر فعلاً عن موظف عام وفقاً للأوضاع التي يقررها القانون، بل يكفي أن ينسب إليه زوراً ويخلع عليه الشكل المعتاد لنوع معين من الأوراق الرسمية . فالمحرر الرسمي المصطنع له حكم المحرر الرسمي الصحيح .
أنواع المحررات الرسمية : المحررات الرسمية أنواع أربعة : محررات سياسية كالمعاهدات والاتفاقيات الدولية والقوانين والقرارات الجمهورية ؛ ومحررات إدارية كشهادات الميلاد والوفاة وأوراق الامتحانات والشهادات الدراسية ودفاتر التوفير وإشعارات الضرائب وأوراق البريد والبرق والشهادات الإدارية أيا كانت الواقعة التي تثبتها ؛ ومحررات قضائية، ومثالها الأحكام ومحاضر الجلسات ومحاضر التحقيق وتقارير الخبراء ؛ ومحررات مدنية، ونعني بها كل عمل قانوني يفرغ في الصورة الرسمية سواء أكان ذلك تطبيقاً لنص قانونی آمر كالرهن الرسمي أو الهبة أو عقد الزواج أو قسائم الطلاق، أم كان ذلك لرغبة الأطراف في إضفاء حجية خاصة على ما صدر عنهم كعقد بيع رسمی ولا فرق بين هذه الأنواع من حيث حكم التزوير الذي قد تكون محلاً له.
الأوراق الرسمية الأجنبية : إذا توافرت للورقة عناصر المحرر الرسمي وفقاً لقانون أجنبي، فإن إعتبارها محرراً رسمياً وفقاً للقانون المصري موضع للخلاف الفقهي : فالبعض اعتبر تغيير الحقيقة فيها تزویراً في محرر رسمي لخطورة الآثار التي يمكن أن تترتب عليه وتوثق العلاقات بين الدول إلى الحد الذي يجعل أحياناً لمحرر أجنبي ذات قيمة ودور المحرر الوطني ولكنا نرى أن الفكرة الأساسية في المحرر الرسمي لا تتوافر له : فالفرض في المحرر الرسمي أنه تعبير عن إرادة الدولة في مجال تختص به، ولذلك إشترط صدوره عن شخص له صفة تمثيلها في هذا المجال، والمحرر الأجنبي تعبير عن إرادة دولة أجنبية، فهو بذلك ليس تعبيراً عن إرادة الدولة المصرية، ولذلك نرى اعتبار تغيير الحقيقة فيه تزويراً في محرر عرفي .
التزوير في محررات القطاع العام :
نص الشارع على هذا التزوير - في الفقرة الثانية من المادة 214 مكرراً التي قضت بأن (( تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين إذا وقع التزوير أو الإستعمال في محرر لإحدى الشركات أو الجمعيات المنصوص عليها في الفقرة السابقة أو لأية مؤسسة أو منظمة أو منشأة أخرى إذا كان للدولة أو لإحدى الهيئات العامة نصيب في مالها بأية صفة كانت )) .
وقد تناول هذا النص جرائم تتميز بنوع المحررات التي تكون موضوعاً لها، ويميز هذه المحررات صدورها عن هيئات القطاع العام، وهي هيئات كانت في الأصل أشخاصاً معنوية خاصة ثم أممتها الدولة تأميماً كلياً أو جزئياً، فصار للدولة أو لإحدى الهيئات العامة « نصيب في مالها بأية صفة كانت ». وقد لاحظ الشارع أن التزوير الذي تتعرض له هذه المحررات أشد على المجتمع خطورة من التزوير الذي يقع في المحررات العرفية، ولكنه في الوقت ذاته أقل خطورة من التزوير الذي تتعرض له المحررات الرسمية، فقرر له عقوبة متوسطة بين عقوبتي التزوير في المحررات العرفية والتزوير في المحررات الرسمية، هى السجن مدة لا تزيد على عشر سنين .
وهذا التزوير يعتبر مع ذلك تزويراً في محررات عرفية، لأن الشارع لم يسبغ على من يعهد إليهم بتحريرها صفة الموظف العام .
وهذا النص يتسع نطاقه لكل جرائم التزوير التي تكون هذه المحررات موضوعاً لها : فلا فرق بين التزوير المادي والتزوير المعنوي، ولا فرق بين التزوير الذي يرتكبه الموظف المعهود إليه بتدوين هذه المحررات والتزوير الذي يرتكبه شخص سواه. بل إن العقوبة ذاتها توقع من أجل جريمة استعمال هذه المحررات وهي مزورة .
التزوير في المحررات العرفية الصادرة عن الشركات المساهمة أو الجمعيات التعاونية أو النقابات أو المؤسسات ذات النفع العام : نصت المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات في فقرتها الأولى على أن « كل تزوير أو استعمال يقع في محرر لإحدى الشركات المساهمة أو إحدى الجمعيات التعاونية أو النقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً أو إحدى المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام تكون عقوبته السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات )) .
والمحررات التي يتناولها هذا النص هي محررات عرفية : ذلك أن من دونها هو مستخدم في هيئة متجردة من الصفة العامة، بل إنها ليست من هيئات القطاع العام، إذ لا تمتلك الدولة رأسمالها كله أو جزءاً منه. ولكن الشارع لاحظ أن هذه الهيئات الخاصة تحتل في التنظيم الإقتصادي والإجتماعي الحديث أهمية ملموسة، وذلك بالنظر إلى خضوعها لتنظيم قانوني محدد، وتجسيدها لمصالح عدد كبير من الأفراد، وقيامها في المجتمع بوظائف تمت إلى المصلحة العامة بصلة وثيقة، فشدد عقوبة التزوير الذي يقع في محرراتها، وإن أبقى هذه العقوبة أقل من عقوبة التزوير في المحررات الرسمية ومحررات القطاع العام .
وتقوم هذه الجريمة بالأركان العامة للتزوير، مضافاً إليها كون المحرر من نوع معين يتمثل في صدوره عن إحدى الهيئات السابقة. ويتسع نطاق هذه الجريمة التزوير المادي والمعنوي في هذه المحررات على السواء، ولا تفرقة بين ما إذا ارتكبه المستخدم المعهود إليه بتدوين المحرر أو شخص سواه .
والعقوبة التي قررها القانون لهذه الجريمة هي السجن مدة لا تزيد على خمس سنين. وتوقع هذه العقوبة كذلك من أجل جريمة استعمال هذه المحررات وهي مزورة . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة : 278 )
أولاً : عقوبة التزوير في محررات القطاع العام
نصت على عقوبة التزوير في محررات القطاع العام المادة 214 مكرراً في فقرتها الثانية التي تقضي بأن: «تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين إذا وقع التزوير أو الاستعمال في محرر لإحدى الشركات أو الجمعيات المنصوص عليها في الفقرة السابقة أو لأية مؤسسة أو منظمة أو منشأة أخرى إذا كان للدولة أو لإحدى الهيئات العامة نصيب فی مالها بأية صفة كانت» .
فالتزوير الذي يقع في المحررات الصادرة عن إحدى هذه الجهات يعتبر تزويراً في محررات عرفية نظراً لأن المشرع لم يعتبر العاملين في هذه الجهات من الموظفين العامين أو في حكمهم كما فعل بالنسبة لنصوص الرشوة والاختلاس (المادتان 111، 119 مکرراً ع)، ولكن بالنظر إلى أهمية هذه المحررات فقد اعتبر المشرع التزوير فيها جناية قرر لها عقوبة السجن الذي لا يزيد على عشر سنين. سواء كان التزوير مادياً أو معنوياً، وسواء وقع ممن يختص بتدوين المحرر أو من شخص آخر .
ثانياً : عقوبة التزوير في محررات الشركات المساهمة وما إليها :
نصت على عقوبة تزوير محررات الشركات المساهمة وما إليها المادة 214 مكرراً في فقرتها الأولى فقضت بأن «كل تزوير أو استعمال يقع في محرر لإحدى الشركات المساهمة أو إحدى الجمعيات التعاونية أو النقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً أو إحدى المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام تكون عقوبته السجن مدة لا تزيد على خمس سنين».
رأى المشرع أن المحررات الصادرة عن هذه الهيئات على قدر من الأهمية ولكنها لا تبلغ القدر الذي يبلغه المحرر الرسمي أو المحرر الصادر عن إحدى هيئات القطاع العام ولذلك اعتبر التزوير الواقع في أحد هذه المحررات جناية وقرر له عقوبة أخف من عقوبة تزوير أحد محررات القطاع العام، هي عقوبة السجن الذي لا تزيد مدته على خمس سنين .
ويستوي أن يكون التزوير مادياً أو معنوياً، واقعاً من المختص بتدوين المحرر أو من شخص آخر .
ثالثاً : عقوبة التزوير في المحرر العرفي العادي :
إذا وقع التزوير - مادياً كان أو معنوياً - في محرر عرفي غير ما تقدم، من محررات القطاع العام والشركات المساهمة وما إليها مما نص عليه في المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات، فإن الجريمة تعتبر جنحة يعاقب عليها المشرع بالحبس مع الشغل (م 215 ع) . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة : 325 )
أركان الجريمة :
تقوم جريمة استعمال المحررات المزورة على أركان ثلاثة: الأول ، فعل الاستعمال ، والثاني ، محل الجريمة وهو المحرر المزور، والثالث ، القصد الجنائي .
فعل الاستعمال :
لم يحدد المشرع معنى الاستعمال المعاقب عليه، ولم يقيده بطرق أو بأغراض معينة ، ولذلك فإن تحديد ما إذا كان الفعل يعتبر استعمالاً أو لا يعتبر يترك لتقدير القاضي ويمكن القول بأن الاستعمال هو التمسك بالمحرر المزور والاحتجاج به بعد تقديمه إلى فرد معين أو إلى جهة معينة من أمثلة ذلك تقديم شهادة دراسية مزورة إلى الجهة التي يريد الجاني أن يعين في إحدى وظائفها، أو تقديم عقد مزور إلى مكتب الشهر العقاري لتسجيله، أو تقديم إذن بريد مزور إلى مكتب البريد لصرف قيمته، أو تمسك المتهم بالبطاقة المزورة إثر ضبطه في سرقة .
يستوى في ذلك أن يكون هذا الاستعمال قد بوشر مع جهة رسمية أو مع موظف عام أو كان حاصلاً في معاملات الأفراد، فالاستعمال يفترض أمرين: تقديم المحرر المزور، والاحتجاج به ويجب أن يتوافر هذان الأمران ليتحقق معنى الاستعمال .
وعلى ذلك لا يتحقق الاستعمال إذا كانت الورقة لم تقدم، فإذا اقتصر نشاط المتهم على الإشارة إلى المحرر في عريضة دعوى، أو أبدى رغبته أمام المحكمة في الاستعانة بالمحرر، لا يعتبر فعله استعمالاً يقوم به الركن المادي للجريمة، وإنما مجرد عمل تحضيري لا عقاب عليه .
كذلك لا يتحقق الاستعمال إذا اقتصر نشاط المتهم على تقديم المحرر المزور دون أن يحتج به على أنه صحيح، كما لو قدمه للغير على أنه مزور، أو قدمه دون أن يتمسك به لتحقيق غرض معين، ولكن لا يشترط لتحقق الاستعمال أن يكون مقدم المحرر هو نفسه الذي يحتج به، فيكفى لقيام الركن المادي أن يحتج الجاني بمحرر مزور قدمه شخص آخر .
المحرر المزور :
لا تتحقق جريمة الاستعمال إلا إذا كان محلها محرراً ثبت تزويره، ولذلك فإن الاستناد في الإدانة من أجل استعمال على جريمة تزوير لم تثبت قانوناً يعتبر استناداً مشوباً بالقصور .
وتوافر الركن المادي في التزوير يكفي لاعتبار المحرر المزور محلاً لجريمة الاستعمال، فلا يشترط أن يتوافر الركن المعنوي، فانتفاء القصد لدى المزور لا يحول دون وقوع الاستعمال، فيعاقب المستعمل دون المزور، من ذلك أن يصطنع شخص كمبيالة ليبين للحاضرين شكلها ويضع عليها إمضاء صديق له دون أن تتجه نيته إلى استعمالها، فإذا انتقلت الورقة إلى حوزة شخص آخر فاستعملها توقع العقوبة على الأخير دون الأول، وتفسير ذلك استقلال إجرام المزور عن إجرام المستعمل .
وتقع جريمة الاستعمال سواء كان محلها المحرر المزور نفسه أو صورته .
القصد الجنائي :
هذه الجريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي ، وهو يتمثل في اتجاه إرادة الجاني إلى استعمال المحرر مع العلم بتزويره، ولا يكفي للقول بتوافر العلم أن يتمسك الجاني بالورقة المزورة، إذ قد يتمسك بها على الرغم من جهله بتزويرها، وإنما يجب أن يثبت علم الجاني اليقيني بتزوير الورقة، على أنه إذا كان المستعمل هو نفسه المزور وثبت توافر قصد التزوير لديه فإن ذلك يلزم عنه أن يتوافر في حقه رکن العلم بتزوير المحرر الذي أسند إليه استعماله، فلا تلتزم المحكمة أن تتحدث عنه استقلالاً إذا قضت بالإدانة .
وإذا انتفى العلم بتزوير المحرر انتفى القصد الجنائي لدى المستعمل فلا تقع منه الجريمة ، ولو كان جهله بالتزوير راجعاً إلى إهماله في تحري الحقيقة، كذلك ينتفي القصد إذا كانت إرادة المتهم لم تتجه إلى استعمال المحرر، فإذا سرق منه واستعمله السارق لا يسأل المسروق منه عن جريمة الاستعمال .
وقد يستعمل شخص محرراً دون أن يكون عالماً بتزويره، ثم يعلم بعد ذلك بحقيقة أمره، ومع ذلك يستمر في التمسك به، فحينئذٍ تقع منه الجريمة نظراً لأن جريمة الاستعمال جريمة مستمرة .
ولا يعتبر الباعث عنصراً من عناصر القصد، فالجريمة تقع بتوافر القصد الجنائي أيا كان الباعث على ارتكابها، فتقع الجريمة ولو كان الباعث على ارتكابها الوصول إلى حق ثابت شرعاً .
العقوبة :
إذا كان المحرر المزور الذي استعمله الجاني محرراً رسمياً أو محرراً عرفياً، فيقرر لاستعمال المحرر الرسمي المزور عقوبة السجن المشدد أو السجن من ثلاث إلى عشر سنين (المادة 214 ع) وهي ذات العقوبة المقررة لجريمة التزوير في المحرر الرسمي الذي يقع من غير موظف عام . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة : 349 )
المحرر العرفى :
المحرر العرفي هو كل محرر لم يسبغ عليه القانون الصفة الرسمية، أو بعبارة أخرى هو كل محرر يصدر من أحد الأفراد أو الهيئات الخاصة، أو من موظف عام غير مختص بتحريره .
وقد بينا فيما تقدم أن المحرر العرفي قد يكون مسطوراً مع محرر رسمي في ورقة عرفية واحدة، وأن المحرر قد يولد عرفياً ثم تنسحب عليه الصفة الرسمية إذا ما تدخل موظف عام مختص واعتمد البيانات الواردة في المحرر العرفي .
جنايتا التزوير في المحررات العرفية :
يجب على القاضي أن يتحقق من أن المحرر يصلح حجة للإثبات بحسب الأصل أو بصفة عارضة، وأن القانون يرتب عليه أثراً، فذلك هو مناط الثقة العامة في المحررات حتى يتمتع بالحماية الجنائية المنصوص عليها في مواد التزوير .
وتمشياً مع الروح التي صدر بها القانون رقم 120 لسنة 1962، رفع المشرع وصف تجريم التزوير في نوعين مهمين من المحررات العرفية إلى مصاف الجنايات، فميز بين نوعين من هذه المحررات: محررات عرفية عامة، ومحررات عرفية خاصة .
1- التزوير في المحررات العرفية العامة :
نصت المادة 214 مكرراً عقوبات في فقرتها الثانية على أن تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين إذا وقع التزوير أو الاستعمال في محرر لإحدى الشركات المساهمة أو الجمعيات التعاونية أو لأية مؤسسة أو منظمة أو منشأة أخرى إذا كان للدولة أو لأحد الأشخاص المعنوية العامة نصيب في مالها بأية صفة كانت. وقد إحتاج المشرع إلى هذا النص حتى يحقق غايته في كفالة حماية أوفر لهذا النوع من المحررات؛ لأنها لا تعد من المحررات الرسمية، بالنظر إلى أن موظفي الشركات العامة ليسوا موظفين عموميين، وتخضع رابطتهم بالدولة إلى القانون الخاص .
ونرى أنه كان يحسن بالمشرع أن يجعل محررات الشركات العامة في حكم المحررات الرسمية، وأن يخضعها لقواعد التزوير في هذا النوع من المحررات. وهذا ما فعله القانون رقم 51 لسنة 1969 بشأن الجمعيات التعاونية الزراعية، إذ نص في المادة 29 منه على اعتبار العاملين بها وأعضاء مجالس إداراتها وأعضاء لجان مراقبتها في حكم الموظفين العموميين، وإعتبر أوراق الجمعية وسجلاتها وأختامها في حكم الأوراق والأختام والسجلات الرسمية وبناء عليه، فإن التزوير الذي يقع في أوراق هذا النوع من الجمعيات يخضع لحكم التزوير في الأوراق الرسمية المنصوص عليه في المادتين 211 و 212 عقوبات .
2- التزوير في المحررات العرفية الخاصة :
میز القانون بين نوعين من المحررات العرفية الخاصة على الوجه الآتي :
نصت المادة 214 مكرراً عقوبات في فقرتها الأولى على أن كل تزوير أو إستعمال يقع فى محرر لإحدى الشركات المساهمة أو إحدى الجمعيات أو النقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً أو إحدى المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام - تكون عقوبته السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات .
وغني عن البيان أن الفرض في هذا النوع من المنشآت أن الدولة لا تسهم بنصيب فيها، وإلا اندرجت محرراتها تحت حكم الفقرة الثانية من المادة 214 مكرراً .
ويلاحظ أن المشرع في هاتين الجريمتين لم يتطلب صفة معينة في الجاني، فيستوي أن يكون موظفاً بإحدى الجهات التي يتعين أن يصدر عنها المحرر أو أن يكون من أحاد الناس .
أما عدا ما تقدم من محررات عرفية، فقد عاقبت المادة 215 عقوبات على تزويرها بالحبس مع الشغل لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة : 915 )
يلاحظ على النص السابق أن المشرع ساوى بين التزوير الذي يقع من موظفي الجهات المنصوص عليها فيه وبين التزوير الذي يقع من أحاد الناس. وكل ما يلزم لتوافر جريمة التزوير في محررات تلك الجهات هو ما يأتي :
أولاً : أن يكون هناك تغيير للحقيقة بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادتين 211، 213 عقوبات. ويستوي في ذلك طرق التزوير المادي بوضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو بزيادة كلمات أو بوضع أسماء أشخاص آخرين مزورة وطرق التزوير المعنوي إقرارات أولى الشأن التي كان الغرض من المحرر إدراجها به، أو يجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة أو يجعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها، ويندرج في طرق التزوير الاصطناع أيضاً .
ثانياً : أن ينصب التزوير على محرر لإحدى الجهات المنصوص عليها وهي الشركات المساهمة أو الجمعيات التعاونية أو النقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً أو المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام أو أي مؤسسة أو منشأة إذا كانت الدولة أو إحدى هيئاتها العامة تساهم في مالها بأية صفة كانت، ولا يلزم أن يتعلق المحرر بمال تلك الجهات أو حساباتها. مع ملاحظة أن مساهمة الدولة أو الهيئات العامة إنما تنصرف إلى المساهمة في رأسها مالها ولا تنصرف إلى مجرد الإعانات التي تمنحها الدولة لبعض الجهات الخاصة .
وتعتبر الورقة أو المحرر لها تلك الصفة إذا كانت صادرة من موظف مختص بتحريرها بإحدى تلك الجهات، أو تحتوي الورقة أو المحرر على ما يفيد تدخل الموظف المختص في تحريرها. ولا يلزم أن تكون محررة على نموذج خاص أو على ورقة تحمل علامة الجهة المنسوبة إليها .
ولا يشترط في جريمة تزوير محررات الجهات المنصوص عليها في المادة 214 مكرراً أن تصدر فعلاً عن الموظف المختص بتحرير الورقة، بل يكفي أن تعطي هذه الأوراق المصطنعة شكل الأوراق الصادرة عنها ومظهرها ولو نسب صدورها زوراً إلى الموظف المختص مع أنها في الحقيقة لم تصدر عنه .
ويلزم أن ينصب تغيير الحقيقة على بيان من بيانات المحرر الجوهرية التي أعد لإثباتها. ولكن لا يلزم أن يتحقق ضرر فعلی بل يكفي مجرد احتمال تحققه .
وتطبيقاً للمبادئ السابقة فقد قضت محكمة النقض بأن مناط اعتبار المحرر لإحدى الشركات المساهمة هو صدورها من موظف مختص بتحريرها ووقوع تغيير الحقيقة فيما أعدت الورقة لإثباتها، فإذا كان الحكم قد أثبت على لسان الطاعن تسليمه بأن المحريين هما من محررات المؤسسة بما قرره من أنه حرر الوصلين مقابل مبالغ تسلمها المفوض منه لصرفها في شئون المطحن ريثما يقدم له مستندات وجوه الصرف، فإنه لا يقدح في اعتبار المحررين من محررات المؤسسة العامة خلوهما في ذاتهما كورقتين من علامة تشهد أو تشيد إلى أنهما كذلك بعد أن أثبت الحكم توقيع المفوض عليهما قبل أن ينال مضمون صلبهما التغيير الذي دین به الطاعن على سند صحيح من إعمال نص المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات .
كما قضت أيضاً بأن سندات الشحن والفواتير الصادرة من الجمعية التعاونية البترول هي من محررات الشركات التي تساهم الدولة في مالها بنصيب وقد قام الطاعن بوصفه موظفاً عاماً بالمصنع 81 بالتوقيع عليها بما يفيد على خلاف الحقيقة ورود كميات الوقود المبينة بتلك السندات إلى المصنع الأمر الذي يشكل إحدى طرق التزوير التي أوضحتها المادة 213 عقوبات والمعاقب عليها بالمادة 214 مكرراً منه، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن على تلك الجريمة فإنه يكون قد أصاب صميم القانون .
كما قضى بأنه يكفي لاعتبار المحرر لإحدى الجمعيات التعاونية في حكم المادة 214 مكرراً أن تحتوي الورقة على ما يفيد تدخل الموظف المختص في تحريرها ووقوع تغيير الحقيقة فيما أعدت الورقة لإثباتها. وإذا كان الحكم قد أثبت أن التزوير قد تم في بيان يتعلق بمركز الطاعن الوظيفي لدى الجمعية بما يلزم تدخل الموظف لإثباته وإقراره، ومن ثم فلا يقدح في اعتبار هذا المحرر من محررات الجمعية التعاونية كونه لا يتعلق بمال الجمعية أو بعض حساباتها .
وقضى أيضاً بأنه من المقرر أن الضرر في تزوير المحررات الخاصة بالشركات المملوكة للدولة مفترض لما في التزوير من تقليل الثقة بها على اعتبار أنها من الأوراق التي يعتمد عليها في إثبات ما فيها، وكان لا يلزم في التزوير المعاقب عليه أن يكون متقناً بحيث يلزم لكشفه أو متقناً يتعذر على الغير أن يكشفه، مادام تغيير الحقيقة في الحالتين يجوز أن ينخدع به بعض الناس .
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعن والمتهم الأخر قاما بوضع أختام مزورة لبنك مصر على جوازات بتحويل المبالغ المطلوبة من النقد الأجنبي وذلك على خلاف الحقيقة. كما أن من مدونات الحكم أن الشاهد قد شهد بأن التزوير الذي حدث قد انخدع به بعض الناس فعلاً، إذ تمكن المواطنون من السفر بناء على الأختام والتأشيرات المزورة المنسوبة إلى بنك مصر، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن افتضاح التزوير وانعدام الضرر يكون غير سديد .
كما قضى بأنه لا يصح اعتبار الأندية منظمات تسهم الحكومة في مالها بنصيب عن طريق ما تمنحه لها من معونات وما تضفيه عليها من ميزات، لأن تلك الأندية ليست منظمات مالية لها رأس مال يقبل المشاطرة والإسهام، ومن ثم فإن تغيير الحقيقة في محرراتها يعتبر تزويراً في ورقة عرفية يعاقب عليه بعقوبة الجنحة المنصوص عليها في المادة 215 لجناية طبقاً للمادة 214 مكرراً .
ثالثاً - القصد الجنائي :
يلزم توافر العلم بصفة المحرر وبأن تغيير الحقيقة فيه من شأنه أن يحقق ضرراً للغير، وبأن تتجه إرادة الجاني إلى ذلك التغيير .
العقوبة :
فرق المشرع في العقوبة بين التزوير الواقع على محررات الشركات والجمعيات التعاونية والنقابات والجمعيات والمؤسسات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام وبين التزوير الواقع على محررات المؤسسات والمنشآت التي تساهم الدولة في مالها بنصيب ما فبالنسبة للطائفة الأولى فإن العقوبة المقررة للجريمة، هي السجن مدة لا تزيد على خمس سنين. أما بالنسبة للطائفة الثانية فقد جعل من مساهمة الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مال الشركات أو الجمعيات المنصوص عليها ظرفاً مشدداً للعقوبة حيث ارتفع بالحد الأقصى للسجن إلى عشر سنوات .
وبالنسبة للمؤسسات والمنشآت التي لا تندرج تحت الفقرة الأولى من المادة 214 مكرراً إلا أن الدولة تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت فقد جعل العقوبة المقررة للتزوير في محرراتها السجن الذي لا يزيد على عشر سنوات، ومع ملاحظة أن المساهمة المقصودة ليست مجرد الإعانات وإنما يقصد بها المشاطرة في رأس المال . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة : 491 )
يلزم لانطباق هذا النص : أولاً : توفر الأركان العامة في التزوير. ثانياً : أن يكون المحرر الذي حصل تغيير الحقيقة فيه قد صدر أو من شانه أن يصدر عن مستخدم مختص بتحريره بإحدى الجهات المذكورة أو بالتدخل فيه .
فإذا كان المستخدم المختص قد حرر الورقة كلها، أو اعتمدها، أو أثبت بيانات متوقفه على كل ما دونه أصحاب الشأن فيها، فإن الورق تعد من محررات هذه الجهة في جميع أجزائها، أما إذا كان تدخل المستخدم أو مراجعته أو اعتماده قاصرة على بعض بياناتها، فإن الجزء الذي تدخل فيه وحده، هو الذي يعد من محررات الجهة التي يتبعها المستخدم، وماعدا ذلك من بيانات الورقة التي حررها الأفراد والتي لم يتدخل المستخدم بإعتمادها تأخذ حكم المحررات العرفية .
وغني عن البيان أن العبرة في تحديد نوع التزوير هي بما آل إليه المحرر، لا بما كان عليه من أول الأمر. فبيانات الأفراد عرفية، إلى أن يراجعها، أو يعتمدها المختص بإحدى هذه الجهات، فيكون التغيير الحاصل فيها تزوير، مما ينطبق عليه هذا النص، إذا توافرت الأركان العامة للجريمة .
ويتحدد إختصاص المستخدم وفقاً لأنظمة الجهات المذكورة، وتبعاً لتوزيع العمل فيها ولو بأوامر شفوياً أو كتابياً، فإذا انتفي إختصاص المستخدم بتحرير الورقة أو التدخل فيها للمراجعة أو الإعتماد وما إليه، أو كان من نسب إليه المحرر لمصطنع على فرض صحته قد عمل في غير اختصاصه، فإن التزوير في الحالتين يكون عرفياً مما تحكمه المادة (215) عقوبات .
ويعاقب الجاني في تزوير محررات الجهات المذكورة في النص بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنين. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين إذا وقع التزوير في محرر لإحدى الشركات أو الجمعيات المنصوص عليها أو لأية مؤسسة أو منظمة أو منشأة أخرى وكان للدولة أو إحدى الهيئات العامة نصيب في مالها بأية صفة كانت (الفقرة الثانية من المادة التي نحن بصددها) .
ويلاحظ أنه لا فرق في العقاب في الحالتين بين وقوع التزوير من المستخدم المختص نفسه أو من غيره من آحاد الناس، خلافاً للتفرقة القائمة في شأن تزوير المحررات الرسمية. كما أن عقوبة الإستعمال هي نفس عقوبة التزوير في هذه المحررات . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 219 )
هذه المادة مضافة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 الصادر في 19 يوليو سنة 1962، الجريدة الرسمية في 25 يوليو 1962- العدد 168
أضيفت هذه المادة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 لتغليظ العقوبة على جرائم تزوير واستعمال المحررات المذكورة فقبل هذا القانون كانت محررات الشركات والجمعيات المذكورة من المحررات العرفية ولو كانت الدولة تساهم في مالها بنصيب بل ولو كانت تابعة للهيئات والمؤسسات العامة وقد رؤی إسباغ حماية أكبر على محررات هذه الشركات والجمعيات فتقرر لتزويرها عقوبة وسط بين عقوبة التزوير في محرر رسمي وبين عقوبة التزوير في محرر عرفي وفرق النص في العقوبة بين محررات نوعين من الشركات والجمعيات والمؤسسات وغيرها فالنوع الأول هو ما لا تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب ويشمل الشركات المساهمة والجمعيات التعاونية الخاصة والنقابات ثم المؤسسات والجمعيات الخاصة المعتبرة قانوناً ذات نفع عام وتعتبر المؤسسة أو الجمعية ذات نفع عام إذا قصد من إنشائها تحقيق مصلحة عامة وصدر قرار من رئيس الجمهورية باعتبارها كذلك .
( المادة 63 من القانون رقم 32 لسنة 1964 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة ) .
ويرتفع الحد الأقصى لعقوبة السجن إلى عشر سنوات إذا كان التزوير واقعاً في محرر لشركة أو جمعية أو مؤسسة.. إلخ تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب. ومن باب أولى لو كان المحرر لهيئة أو مؤسسة عامة أو شركة مؤممة ذلك أن نصوص التزوير في المحررات الرسمية لاتجرى إلا على الأوراق التي تصدر أو من شأنها تصدر عن الحكومة كسلطة عامة دون سائر ما تباشره من أوجه النشاط الصناعي أو التجاري ويلزم لانطباق هذا النص أولاً توافر الأركان العامة في التزوير وثانياً أن يكون المحرر الذي حصل تغيير الحقيقة فيه قد صدر أو من شأنه أن يصدر عن مستخدم مختص بتحريره بإحدى الجهات المذكورة أو بالتداخل فيه فإذا كان المستخدم قد حور الورقة كلها أو اعتمادها أو أثبت بیانات متوقعة عليه كل ما دونه أصحاب الشأن فيها فإن الورقة تعد من محررات هذه الجهة في جميع أجزائها أما إذا كان تدخل المستخدم أو مراجعته أو اعتماده قاصراً على بعض بياناتها فإن الجزء الذي تدخل فيه وحده هو الذي يعد من محررات الجهة التي يتبعها المستخدم وما عدا ذلك من بيانات الورقة التي حررها الأفراد والتي لم يتدخل المستخدم باعتمادها تأخذ حكم المحررات العرفية كما وأن اصطناع ورقة مما يصدر عن المختص بإحدى الجهات المذكورة يعد تزويراً في هذا النوع من الأوراق وتحكمه المادة 214 مكرراً . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 132 )