التزوير التي يرتكبه شخص عادي في شهادة طبية :
نصت على التزوير الذي يرتكبه شخص عادي في شهادة طبية المادة 221 من قانون العقوبات في قولها ، كل شخص صنع بنفسه أو بواسطة شخص آخر شهادة مزورة على ثبوت عاهة لنفسه أو لغيره بإسم طبيب أو جراح بقصد أن يخلص نفسه أو غيره من أية خدمة عمومية يعاقب بالحبس .
وقد حصر الشارع نطاق هذا التزوير في حدود أربعة . فمن ناحية ، يقصره على التزوير المادي بطريقة الإصطناع، ومن ناحية ثانية ، يتطلب أن تكون الشهادة منسوبة زوراً إلى طبيب أو جراح، ومن ناحية ثالثة يشترط أن يكون موضوعها إثبات عاهة . وفي النهاية يتطلب أن يكون القصد من التزوير هو تخليص المتهم نفسه أو غيره من أية خدمة عامة وقد عدلت المادة 223 من قانون العقوبات بذلك حالة ما إذا كانت الشهادة الطبية « معدة لأن تقدم إلى المحاكم »، وغني عن البيان أنه يتعين أن تتوافر إبتداء الأركان العامة للتزوير في المحررات، فإذا جاوزت الواقعة الحدود الأربعة السابقة ، وتوافرت لها أركان التزوير العامة خضعت لنصوصه العامة، ونوضح حدود هذا التزوير المخفف على النحو التالي :
يتعين أن يكون التزوير مادياً ، وأن يكون بطريق الإصطناع دون سواه، ويعني ذلك أنه إذا إستعين فيه بطريقة أخرى ، كتغيير شهادة صحيحة في الأصل يخضع للقواعد العامة في التزوير ووقعت عقوباته العادية .
ويتعين أن تنسب الشهادة المصطنعة زوراً إلى طبيب أو جراح ؛ وسواء في ذلك أن تنسب إلى طبيب أو جراح موجود حقيقة وتحمل توقيعاً مزوراً له ، أو أن تنسب إلى طبيب خيالي لا وجود له ؛ بل ينطبق النص على من يحرر الشهادة بإسمه الخاص ثم يتبعه أو يقدم له بصفة الطبيب . ولكنه لا يتسع لمن ينسب الشهادة المصطنعة إلى صيدلي أو ينسبها إلى شخص عادى ، كجار يشهد بأن المتهم قد كسرت ذراعه .
ويجب أن يكون موضوع الشهادة إثبات عاهة . ويتسع لفظ العاهة للمرض . والأصل أن تكون العاهة غير حقيقية ، ولكن يطبق النص كذلك إذا كانت العاهة حقيقية : فالتزوير متحقق بنسبة الشهادة زوراً إلى الطبيب ، والضرر متحقق كذلك بإضفاء السلطات العامة ثقة خاصة على الشهادة المنسوبة إلى الطبيب .
ويتعين أن يكون القصد الخاص من التزوير هو التخلص من خدمة عامة ، كأداء الخدمة العسكرية أو واجب الشهادة أمام القضاء ؛ فلا ينطبق النص إذا كان القصد من التزوير التخلص من خدمة خاصة ، كمستخدم في مشروع خاص يصطنع الشهادة الطبية لتبرير تغيبه عن عمله ، أو للحصول من السلطات العامة على مزایا ويطبق النص - وفقاً للمادة 223 من قانون العقوبات – إذا كانت الشهادة معدة لأن تقدم إلى المحاكم في شأن مما تختص بالفصل فيه ، كتأييد طلب بالتأجيل أو بالتعويض عن إصابة وغني عن البيان أن الشهادة ينبغي أن تكون طبية ، فتزوير شهادة غير طبية وإعدادها لتقدم إلى القضاء ، كشهادة بحسن السلوك يتقدم بها متهم إلى القضاء لا يخضع لهذا النص . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة : 338 )
يتضح من ذلك أن الجريمة لا تقوم إلا إذا توافرت الشروط الآتية :
أولاً : إصطناع شهادة بإسم طبيب أو جراح :
فالمشرع لا يقرر التخفيف في هذه الحالة إلا إذا تم التزوير عن طريق إصطناع شهادة برمتها، وعلى ذلك فإذا وقع التزوير في شهادة صحيحة موجودة بتغيير تاريخها أو نوع المرض المثبت فيها أو إسم المريض المحرر بإسمه فإنه يخضع للقواعد العامة في التزوير .
ويستوي أن يصطنع الجاني الشهادة بنفسه أو أن يتم ذلك بواسطة شخص آخر ، فالنص يعتبر الجاني فاعلاً أصلياً في الحالتين .
ويجب أن تنسب الشهادة المصطنعة إلى طبيب أو جراح ، سواء كان معلوماً أو شخصاً خيالياً لا وجود له بل إن الجريمة تقع إذا حرر الجاني الشهادة بإسمه الشخصي طالما أنه ألحق به صفة الطبيب أو الجراح وعلى ذلك لا تقع الجريمة إذا نسب الجاني الشهادة إلى غير الطبيب أو الجراح كما لو نسبها إلى ممرض أو صيدلي أو شخص عادى .
ثانياً : أن يكون موضوع الشهادة ثبوت عاهة :
يجب أن يكون موضوع الشهادة ثبوت عاهة ، ويتسع معنى العاهة ليشمل المرض ، فإذا كان موضوعها ثبوت أمر آخر کالوفاة لا يطبق النص ويستوي في ثبوت العاهة أن تكون موجودة فعلاً أو غير موجودة ، ولا يجوز الإعتراض على ذلك في حالة ما إذا كان للعاهة وجود حقیقی حیث لا يكون هناك تغيير للحقيقة بالنسبة للعاهة ، إذ أن تغيير الحقيقة - على الرغم من وجود العاهة حقيقة - ظل قائماً ومتمثلاً في نسبة الشهادة زوراً إلى طبيب أو جراح كذلك لا يجوز الإعتراض بعدم توافر عنصر الضرر في حالة وجود العاهة حقيقة ، ذلك أن الضرر قائم بالنسبة للطبيب الذي وقع بإسمه زوراً ، وبالنسبة للمصلحة العامة حيث تضع السلطات العامة ثقة خاصة في الشهادة التي تنسب إلى طبيب .
ثالثاً : أن يستهدف الجاني بالتزوير تخليص نفسه أو غيره من خدمة عمومية أو تقديم الشهادة المزورة إلى المحاكم :
يجب أن يكون الغرض من إصطناع الشهادة تخليص الجاني نفسه أو غيره من خدمة عامة كالخدمة العسكرية أو تقديمها للمحاكم لتعزيز طلب التأجيل مثلاً فإذا كان الغرض من إصطناع الشهادة التخلص من خدمة خاصة ، أو الحصول على مزايا من السلطات العامة لا يطبق النص، وإنما يخضع الفعل للقواعد العامة في التزوير ، مثال ذلك أن يصطنع سجين شهادة طبية لينقل من السجن إلى المستشفى أو أن يصطنع طالب شهادة طبية لتبرير تخلفه عن الإمتحان حتى يتجنب آثار التخلف عن الإمتحان دون عذر مرضي . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة : 335 )
الاصطناع :
لم تنص المادة 211 عقوبات على الاصطناع كطريق من طرق التزوير الواردة بها ولكن نصت عليه المادة 217 ، 221 في صدد تزوير تذاكر السفر والشهادات الطبية، ذلك أن التزوير بطرق الاصطناع غالباً ما يتضمن وضع إمضاءات مزورة ، سواء بالنسبة للأوراق العرفية أو الرسمية، وإذا كانت الأوراق الرسمية لا تتطلب لشكلها القانونی وجود توقيع، فإن الاصطناع لها يصطحب بوضع أختام مزورة للجهة المنسوب صدورها منها أو بإساءة استعمال الأختام الصحيحة، وكلتا الصورتين معاقب عليها بنصوص قانون العقوبات في باب التزوير .
ويقصد بالاصطناع الإنشاء الكامل للمحرر ونسبه إلى شخص أو جهة لم يصدر عنها المحرر، والاصطناع لا يتطلب بالضرورة وضع توقيع مزور ، فيعاقب على تزوير أوراق رسمية أو عرفية بطريق الاصطناع ولو كانت الورقة لا تحمل توقيعاً طالما استوفت في ظاهرها الشكل الذي يمكن أن يرتب عليه القانون آثاراً معيناً ، كمبدأ الثبوت بالكتابة أو الاستدلال بها في الإثبات بطريق القرائن، ومن ذلك أيضاً ما ينص عليه القانون المدني في المادة 399 من أن التأشير على سند الدين بما يستفاد منه براءة ذمة المدين يكون حجة على الدائن ولو لم يكن موقعاً منه طالما أن السند لم يخرج من حيازته ، ومن ثم فإن اصطناع هذا التاشير يعتبر تزویراً معاقباً عليه تم بطريق الاصطناع .
وقد أثار الفقه مشكلة خاصة بحالة جمع مستند صحيح بعد تمزيقه لاستنفاد الغرض منه وتديمه بعد لصقه على أنه مستند صحيح للاحتجاج به مرة أخر،. فهل هذا السلوك يعتبر اصطناعاً للمحرر .
بينما يرى الراجح من الفقه أن السلوك السابق يعتبر نصباً وليس معدوم، ذلك أن تمزيق المحرر يفيد عدم وجوده ، ومن ثم فإن تجميعه بعد ذلك هو بمثابة إصطناع لمحرر غير موجود .
بينما يرى الراجح من الفقه أن السلوك السابق يعتبر نصباً وليس تزوير بطريق الاصطناع لأن المحرر بعد تجميعه هو محرر صحيح في جميع بياناته وتوقيعاته وأن ما يرمي إليه الجاني بفعله هو الإيهام بإستمرار الآثار القانونية للمحرر، فسلوك الجاني لا ينصب على المحرر بقدر ما ينصب على إبطال مفعول واقعة الوفاء بالدين أو الإلتزام والذي تم تمزيق المحرر بعدها، ومن ثم فإن سلوك الجاني قد يعاقب عليه بوصفه النصب إن توافرت شرائطه ولا يعتبر تزویراً .
اصطناع شهادة طبية مزورة :
نصت المادة 221 عقوبات على أنه ( كل شخص صنع بنفسه أو بواسطة شخص آخر شهادة مزورة على ثبوت عاهة لنفسه أو لغيره بإسم طبيب أو جراح بقصد أنه يخلص نفسه أو غيره من أي خدمة عمومية يعاقب عليها بالحبس ) . كما نصت المادة 223 على أن يحكم بتلك العقوبة أيضاً إذا كانت الشهادة معدة لأن تقدم إلى المحاكم .
والركن المادي للجريمة يقوم على الإصطناع للشهادة الطبية، وقد ثار خلاف حول ما إذا كان يندرج تحت حكم المادة 221، 223 التزوير المادي بطرق أخرى غير الإصطناع والذي ينصب على شهادة طبية صحيحة في الأصل أم أن النص قاصراً فقط على الإصطناع ؟
ذهب الغالب من الفقه إلى أن الجريمة لا تتوافر إلا في حالة الإصطناع الكامل للشهادة ولا تتوافر في حالة التزوير المادي المنصب على شهادة كانت في الأصل صحيحة ، ذلك أن سكوت الشارع عن الغرض الأخير لابد أن يكون مقصوداً وهذا القصور التشريعي لا يعالج إلا بنص تشريعي وليس على سبيل الإجتهاد .
بينما يذهب البعض الآخر إلى أن النص يشمل الإصطناع كما يشمل التزوير المادي الواقع على شهادة طبية صحيحة .
والواقع أن الإصطناع يستغرق كل التزوير المادي الأخرى بإعتباره السلوك الأعم والأشمل الذي ينطوي بالضرورة على كل الطرق المادية ، ولعل ذلك هو الذي دعا البعض إلى القول بأن النص يتسع ليشمل الإصطناع وغيره من طرق التزوير المادي التي تنصب على شهادة طبية صحيحة غير أن هناك إعتبارين أساسين في تحديد مضمون النص .
الأول : أن النص على الإصطناع يستبعد طرق التزوير المادي الأخرى الأقل جسامة بينما النص على تلك الطرق يشمل الإصطناع من باب أولى، وهذا فعلاً ما إنتهى إليه الفقه والقضاء بالنسبة للمادة 211 عقوبات التي حددت طرق التزوير المادي ، فإشترط السلوك الأشد جسامة يفيد بمفهوم المخالفة إستبعاد غيره من أنماط السلوك الأقل جسامة .
الثاني : أن المشرع في المادة 221 جرم تغيير الحقيقة المنصب على واقعتين هما واقعة العاهة أو المرض وواقعة نسبة الشهادة إلى طبيب أو جراح .
ولذلك فإن الشهادة الصحية في الأصل من حيث مصدرها ينصب التزوير فيها على واقعة المرض أو العاهة فقط ولاشك أن الإصطناع الكامل للشهادة من شأنه أن يعبر عن خطورة إجرامية أكبر من مجرد التزوير المادي المنصب على شهادة صحيحة ولعل هذا هو الذي دعا المشرع إلى تجريم الإصطناع من غيره من طرق التزوير الأخرى .
ويجب أن تكون الشهادة المصطنعة منسوبة إلى طبيب أو جراح ولكن لا يلزم أن تنسب إليه معلومات ، بل أن الجريمة تقوم في ركنها المادي ولو كان إسم الطبيب أو الجراح موظفاً عاماً ، ومن ثم فإن الشهادة المنسوبة إليه تأخذ الشكل الرسمي ، أو كان طبيباً عادياً ذلك أن المشرع أخرج الشهادات الطبية الرسمية منها والعرفية من نطاق المحررات الخاضعة للقواعد الخاصة الواردة في المواد 221 وما بعدها .
وإذا وقع المزور على الشهادة بإسمه على أنه طبيب أو جراح فإن الجريمة تتوافر أيضاً في ركنها المادي ، ومع ذلك فهناك بعض الفقه يذهب إلى نفي الجريمة كلية في هذا الفرض لإنتفاء التزوير .
ويلزم أن تكون الشهادة المصطنعة مثبتة لمرض أو عاهة لنفس المزور أو لغيره فالمشرع يسوي بين صنع الشهادة بمعرفة المستفيد منها أو بواسطة شخص آخر وفي هذا الفرض الأخير يكون المستفيد شريكاً في الجريمة سواء كان الفاعل معلوماً أو مجهولاً .
ويلاحظ أن المشرع لم يذكر بالمادة 221 سوى العاهة ، إلا أن الفقه مستقر على المساواة بين العاهة وبين الأمراض الأخرى التي تتساوى معها في الأثر القانوني المتمثل في الإعفاء من الخدمة العمومية أو في الإستناد إليها في نظر الدعاوى أمام المحاكم .
وقد ثار خلاف حول ما إذا كان المرض أو العاهة حقيقياً فذهب البعض إلى نفي التزوير . بإعتبار أن الشهادة تهدف أساساً إلى إثبات المرض أو العاهة ، فإذا كانت تتطابق مع الحقيقة في هذا الصدد فلا تزوير لإنعدام الضرر ، بينما يذهب البعض الآخر إلى قيام الجريمة نظراً لأن هناك تزويراً في مصدر الشهادة وهو ما يمكن أن يتحقق عنه ضرر لا يمكن تجاهله والرأي الثاني هو الأولى بالإتباع بإعتبار أن المشرع في التزوير لا يحمي الحقيقة المطلقة وإنما تلك التي يعبر عنها المحرر في ذاته وليس في الواقع .
ويلاحظ أن الجريمة تتم بمجرد الإصطناع للشهادة ولو لم يستعملها الجاني فعلاً كما يلاحظ أن المشرع لم يجرم إستعمال الشهادة المصطنعة بإعتبار أن الإستعمال مستغرق بالتزوير ، وهذا المسلك من المشرع أن كان مقبولاً في الأحوال التي يكون فيها مستعمل الشهادة شريكاً أو فاعلاً للتزوير ، إلا أنه من المتصور أن يكون مستعمل الشهادة لم يشترك في التزوير ومن ثم فلا يمكن عقابه وفقاً لنص الحالي وهذا قصور يتعين تدارکه .
القصد الجنائى :
يلزم توافر القصد الجنائي العام والذي يتحقق بإتجاه الإرادة إلی الإصطناع مع العلم بتغيير الحقيقة المتعلقة بواقعة العاهة أو المرض وبصفة مصدر الشهادة كما يلزم توافر قصد خاص يتمثل في الإحتجاج بالشهادة أمام السلطات المختصة للإعفاء من خدمة عمومية أو لتقديم الشهادة إلى المحاكم ولو لطلب التأجيل .
وإذا كان الهدف من إصطناع الشهادة غير التخلص من الخدمة العمومية أو تقديمها إلى المحاكم فقد ذهب البعض إلى وجوب تطبيق القواعد العامة في التزوير والتي تقرر عقوبة أشد تبعاً لما إذا كانت الشهادة رسمية أو عرفية .
غير أننا نرى عكس ذلك، فالذي يستفاد من نص المادة 221 والمادة 223 أن المشرع أراد إستخراج الشهادات الطبية من نطاق الأوراق والمحررات الخاضعة لحكم المواد 211 وما بعدها وعالج التزوير فيها بمقتضى تلك النصوص الأولى ومؤدى ذلك وفقاً لقواعد التفسير والتنازع الظاهري بين النصوص أن الأفعال التي تخضع للتجريم تحت وصف التزوير في الشهادات الطبية هي تلك المنصوص عليها وبالشروط : المقررة في النصوص الخاصة . وقد قصر المشرع إعمال حكم المادتين 221، 223 على إصطناع الشهادات الطبية بقصد معين ، مما مؤداه إستبعاد التجريم بالنسبة لغير ذلك من البواعث والأهداف والقول بغير ذلك يؤدي إلى نتائج شاذة، فالسجين الذي يصطنع شهادة طبية منسوبة إلى طبيب السجن لنقله إلى المستشفى يرتكب جناية تزوير ، بينما لو كان هدفه من إصطناعها هو أن يتقدم بها إلى المحكمة ولتخليص نفسه من خدمة عمومية عقب خروجه من السجن يعاقب بوصف الجنحة .
العقوبة :
العقوبة المقررة للجريمة هي الحبس من أربع وعشرون ساعة إلى ثلاث سنوات . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة : 460 )
إصطناع شهادة طبية بإسم طبيب أو جراح
أركان الجريمة :
هذه الجريمة تتطلب كباقى جرائم التزوير توافر أركانه الضرورية ، فهى تقتضى :
أولاً : فعل تزوير مادى بإصطناع شهادة طبية مثبتة لعاهة كذباً .
ثانياً : الضرر .
ثالثاً : القصد الجنائى .
أولاً : فعل التزوير :
الفعل المعاقب عليه هنا هو اصطناع شهادة طبية مزورة، والاصطناع يعد من طرق التزوير المادية وإنه يتطلب إنشاء محرر جديد، فلا يعد إصطناعاً التغيير في شهادة طبيبة صحيحة بالزيادة أو بالحذف .
وينبغي أن تسند الشهادة المصطنعة إلى طبيب أو جراح ولو كان خيالياً ، أما إذا أنشأ الجاني الشهادة الكاذبة بإسمه ولكن وصف نفسه بأنه طبيب، فتكون الواقعة إنتحاله لصفة كاذبة لا تزويراً مما يخضع لحكم المادة التي نحن بصددها .
وينبغي كذلك أن تكون الشهادة المصطنعة مثبتة لعاهة بنفس الجاني أو بغيره. وطبقاً للرأي الراجح يسري النص ولو كانت العاهة حقيقية لا وهمية، لأن فعل الإصطناع يتطلب في حد ذاته تغييراً للحقيقة بوضع إمضاء مزور، ولأن الضرر يتحقق بخداع السلطة العمومية والإخلال بالثقة المستمدة من صدور الشهادة من طبيب أو جراح ولا يسري النص لو كانت الشهادة مثبتة لأمر كاذب لا يعد عاهة ولا مرضاً، کالسن لو سلامة البنية أو الصلاحية لخدمة معينة .
ثانياً : الضرر :
الضرر المباشر الذي يحظره القانون ويعاقب عليه في هذه الجريمة هو تخلص الجاني أو غيره من خدمة عمومية أو إحتمال ذلك والخدمة العمومية على أنواع فمنها الخدمة العسكرية، وتأدية الشهادة أمام المحاكم .
إنما لا يسري النص إذا كان اصطناع الشهادة للإلتحاق بخدمة عمومية لا للتخلص منها، أو لتحقيق مصلحة أخرى مثل تقديمها لشركة تأمين على الحياة أو لتأجيل إمتحان أو لنقل سجين إلى المستشفى، بل يخضع التزوير حينئذ للأحكام العامة .
ثالثاً : القصد الجنائي :
يشترط أن يتوافر لدى الجاني القصد الجنائي العام وكذلك قصد خاص والقصد العام هو إرادة ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها كما يتطلبها القانون، والقصد الخاص هو أن يكون الجاني قد اصطنع الشهادة الطبية المزورة (بقصد أنه يخلص نفسه أو غيره من أي خدمة عمومية)، ولذلك يجب أن تقوم لدى الجاني نية إستعمال الشهادة المزورة على هذا الوجه دون غيره وإلا فلا تتطبق المادة ويستوي بعدئذ أن تستعمل الشهادة بالفعل أو يحول حائل دون إستعمالها .
العقوبة :
الحبس . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 258 )
إصطناع شهادة بإسم طبيب أو جراح مثبته لعاهة بقصد التخلص من خدمة عامة ( م 221 عقوبات )
أركان هذه الجريمة :
1- إصطناع شهادة بإسم طبيب أو جراح :
ولم ينص القانون في هذه المادة إلا على طريقة التزوير بالإصطناع وهي طريقة من طرق التزوير المادي فإذا حصل التزوير بطريقة أخرى فلا عقاب عليه. وسواء نسبت الشهادة إلى طبيب معلوم إلى شخص خیالی ولافرق بين أن يصطنع الجاني الشهادة بنفسه أو بواسطة شخص آخر فهو فاعل أصلي في الحالتين .
2- ذكر العاهة أو المرض في الشهادة :
ينبغي كذلك أن تكون الشهادة المصطنعة مثبتة لعاهة بنفس الجاني أو بغيره وطبقاً للرأي السائد يسرى النص ولو كانت العاهة حقيقية لا وهمية لأن فعل الإصطناع يتطلب في حد ذاته تغييراً للحقيقة بوضع إمضاء مزور ولأن الضرر يتحقق بخداع السلطة العمومية والإخلال بالثقة المستمدة من صدور الشهادة من طبيب أو جراح ولا يسرى النص لو كانت الشهادة مثبتة لأمر كاذب لا يعد عاهة ولا مرضاً کالسن أو سلامة النية أو الصلاحية لخدمة معينة .
3- الغاية من تحرير الشهادة :
يجب أن يكون غرض الجاني من إصطناع الشهادة المزورة التوصل إلى إعفاء نفسه أو غيره من خدمة عامة فمن يحرر شهادة مصطنعة بحصول عاهة لأخيه قاصداً تخليصه من ملزومیته بخدمة عامة يعاقب كل منهما بإعتباره فاعلاً أصلياً بشرط أن يتوفر القصد الجنائي لدى الأخ الذي حررت الشهادة توصلاً لإعفاءه والشارع سوى بين من يصنع الشهادة المزورة بنفسه أو بواسطة غيره. ويلاحظ أنه إذا كان الغرض من تزوير الشهادة هو التخلص من خدمة خاصة فلا جريمة ولا عقاب .
4- القصد الجنائى :
يشترط أن يتوافر لدى الجاني القصد الجنائي العام وكذلك قصد خاص والقصد العام هو إرادة إرتكاب الجريمة مع العلم بأركانها كما يتطلبها القانون... والقصد الخاص كما إستلزمته المادة 221 هو أن يكون الجاني قد إصطنع الشهادة الطبية المزورة بقصد أن يخلص نفسه أو غيره من أية خدمة عمومية، ولذلك يجب أن تقوم لدى الجاني نية إستعمال الشهادة المزورة على هذا الوجه دون غيره وإلا فلا تنطبق المادة ويستوی بعدئذ أن تستعمل الشهادة بالفعل أو أن يحول حائل دون إستعمالها . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 146 )
الاصطناع :
لم يرد ذكر الاصطناع في المادة 211 عقوبات وإنما جاء ذكره بالمادتين 217، 221 عقوبات وهما من مواد التزوير ولذلك فلا خلاف بالفقه أو القضاء في أن الاصطناع طريقة من طرق التزوير المادي .
والاصطناع هو إنشاء محرر برمته ونسبته زوراً إلى شخص لم يكتبه ولا يلزم لوقوع التزوير بهذه الطريقة أن يتوخى الجاني تقليد محرر بعينه أو تقليد خط إنسان معين. ومن أمثلة التزوير بالاصطناع إنشاء سند دين ونسبته زوراً إلى الغير واصطناع شهادة إدارية بالوفاة ونسبتها إلى العمدة واصطناع حكم ونسبته إلى محكمة معينة . واصطناع شهادة علمية وإدعاء صدورها من أحد المعاهد .
ويغلب أن يكون التزوير بالاصطناع مصطحباً بإمضاء مزور سواء أكانت الورقة المصطنعة رسمية أم عرفية إلا أن وجود التوقيع على المحرر ليس شرط لاعتبار الاصطناع تزويراً معاقباً عليه. خصوصاً وأن هذا الشرط لا يتطلبه القانون بالنسبة للأوراق الرسمية بصفة خاصة لما لها من الحجية في إثبات ما تحتويه. فسواء أوجد عليها توقيعات أم لم يوجد فالتزوير قائم مادامت هذه الورقة الرسمية قد استوفت شكلها القانوني ووقع عليها الموظف للدلالة على صدورها على يده فإذا اصطنعت ورقة على مثال الورقة الرسمية كان ذلك تزويراً باصطناع محرر شبيه بالمحرر الرسمي مستوجباً لعقوبة التزوير في المحررات الرسمية. ويلاحظ أن عدم التوقيع على المحرر العرفي يضعف من قيمته إذ الأصل أن كاتب المحرر يقوم عادة بالتوقيع عليه ليصح إسناده ونسبة ما فيه إليه ومع ذلك فاصطناع محرر عرفي خالي من الإمضاء أو الختم يعاقب عليه باعتباره تزويراً لأنه قد يتخذ مبدأ للثبوت بالكتابة عندما تمسك به من زوره وقلد فيه خط من نسبه إليه . ويستعين بالقرائن أو البينات عند ذلك يكون الضرر من التزوير محتملاً ، وقد اختلف الرأي في حالة جمع أجزاء سند ممزق وإعادتها إلى أصلها فيرى البعض اعتبار هذا الفعل تزویراً بالاصطناع ويرى البعض الآخر أن جمع أجزاء السند ليس اصطناعاً بالمعنى الصحيح .
ويعد تزويراً بالاصطناع التزوير بالحصول على الإمضاء مباغتة من المجني عليه وبالحصول منه على ورقة ممضاة أو مختومة على بياض .
والتزوير بطريق الاصطناع يكون في أغلب الأحيان تزويراً معنوياً بجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة أو جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 79 )