loading

موسوعة قانون العمل

المذكرة الإيضاحية

 ( الموسوعة العمالية ، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال ، مطبعة علاء الدين ، طبعة 2009 )

 ( الأحكام العامة ) : 

اعتبر المشروع أحكامه في القانون العام الذي يحكم علاقات العمل ، مع مراعاة اتفاقيات العمل الجماعية والاعتداد بالاتفاقات التي تزيد من حقوق العامل أو تضيف إليها ولو لم تكن واردة في أحكام المشروع (المادة 3) ، وأبقى المشروع على استثناء الفئات الواردة في القانون القائم ، ما لم يرد نص فيه يخضعهم لبعض أحكامه (المادة 4). وحرص على استمرار تمتع الدعاوى الناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكامه بالإعفاء من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي إذا رفعها العاملون والصبية المتدرجون وعمال التلمذة الصناعية أو المستحقون عنهم، وكذلك على إعفائهم من ضريبة الدمغة على كل الشهادات والصور التي تعطى لهم والشكاوى والطلبات التي تقدم منهم تطبيقاً لأحكام المشروع (المادة 5). وأبقى المشروع كذلك على حق الإمتياز لمستحقات العامل أو المستحقين عنه لدى صاحب العمل على جميع أموال المدين ، وأضاف حماية أوفي لأجر العامل بإعطائه أولوية في الإستيفاء تسبق المصروفات القضائية والمبالغ المستحقة للخزانة العامة ومصروفات الحفظ والترميم (المادة 6) . 

وإبقاء على الطابع الأمر لأحكام قانون العمل ، تنص المادة (7) على بطلان كل اتفاق مخالف لها ولو كان سابقاً على العمل بها إذا كان ينتقص من حقوق العامل ، أما إذا كان الإتفاق المخالف يزيد من حقوقه أو يتيح له مزايا لا يقررها القانون فمثل هذا الإتفاق لا يكون باطلاً . ويعيد المشروع ما كان منصوص عليه في قانون العمل الموحد رقم 91 لسنة 1959 وجرى القضاء على تقريره رغم غياب النص عليه في القانون القائم ، وهو امتداد البطلان إلى كل مصالحة تتضمن انتقاصاً أو إبراء من الحقوق الناشئة للعامل عن عقد العمل خلال مدة سريان هذا العقد أو خلال شهر من تاريخ إنتهائه (المادة 7) . وتقصر المادة (8) نطاق التضامن بين أصحاب الأعمال على الوفاء بالإلتزامات الناشئة عن تطبيق أحكام القانون بعد أن كان هذا التضامن شاملاً للمسئولية عن أية مخالفة لهذه الأحكام . 

 ( الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل ، الدكتور على عوض حسن ، الدكتور علاء فوزي زكي ، طبعة دار الحقانية ، المجلد الرابع )

نص المادة السابعة من المشروع هو ذات نص المادة الرابعة من قانون العمل 137 لسنة 1981 وهو يتضمن حكماً لا خلاف بشأنه ولذلك روى الإبقاء عليه للمحافظة على الطابع الأمر لأحكام هذا القانون ومن المعلوم أن المقصود بالشرط المخالف للقانون هو الشرط الذي يتضمن انتقاصاً من الحقوق التي قررها القانون لحماية العامل أما إذا كان الشرط المخالف يزيد من حقوق العامل ، أو يخالف حكم القانون مخالفة يترتب عليها إضافة مزايا للعامل لم يقررها القانون ، فمن الطبيعي أن مثل هذا الشرط لا يكون باطلاً . 

الأحكام

1- إذ كان الثابت بالأوراق أن المطعون ضدها قدمت استقالتها من العمل بتاريخ 28 / 3 / 2021 ، ووقعت في ذات التاريخ على إقرار باستلامها لجميع مستحقاتها من تعويض ومكافآت ومقابل رصيد الإجازات وهي حقوق قد تحولت عند انتهاء العقد إلى مصلحة مالية بحتة يجوز التصالح بشأنها، ولا يشوب هذا التصالح البطلان المنصوص عليه في المادة الخامسة من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ، وإذ لم تنكر المطعون ضدها صراحة توقيعها الوارد على هذا الإقرار ولم يثبت عدم صحة ما تضمنه من بيانات، فإن هذا الإقرار يكون حجة عليها بما ورد فيه ودليلاً على براءة ذمة الطاعنة من المستحقات التي تضمنها هذا الإقرار يغنيها عن تقديم دليل آخر يؤيده. هذا، وكان مؤدى الاستقالة والإقرار سالفي البيان أن المطعون ضدها صدر عنها إيجاباً بإنهاء خدمتها بالاستقالة مقابل حصولها على المستحقات المالية المنصوص عليها بالإقرار المشار إليه، وقد صادف هذا الإيجاب قبولاً من الطاعنة فانعقد بذلك العقد بينهما وفقاً للمادة 89 من القانون المدني، وانتهت بموجبه خدمة المطعون ضدها، ولما كان هذا العقد ملزم لطرفيه فلا يجوز لأي منهما نقضه أو تعديله بإرادته المنفردة، ولا ينال من ذلك ما تثيره المطعون ضدها من أن الطاعنة هددتها بحرمانها من مستحقاتها في حالة عدم قبول تلك التسوية طالما كان بمكنتها اللجوء إلى القضاء كما فعلت في دعواها الراهنة، فضلاً عن أنه لا جدوى من التحقق من أنها أكرهت على تقديم استقالتها حتى وإن ثبت طالما كان أمامها حق العدول عنها في الأجل المنصوص عليه قانوناً، وإذ خلت الأوراق من ثمة دليل على قيام المطعون ضدها بالعدول عن هذه الاستقالة كتابة وإخطار الطاعنة بهذا العدول خلال أسبوع من تاريخ تقديمها وقبول الطاعنة لها، فإن هذه الاستقالة تنتج أثرها في إنهاء عقد العمل، كما أنها أصبحت محلاً لعقد تسوية إنهاء خدمتها مقابل صرف مستحقاتها المالية المبرم بينهما عن إيجاب وقبول صحيحين فلا يجوز لها من بعد نقضه أو العدول عنه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر إنهاء خدمة المطعون ضدها فصلاً تعسفياً على سند من أنها أكرهت على تقديم استقالتها أخذاً بأقوال شاهديها من تهديد الطاعنة لها بحرمانها من مستحقاتها، وأهدر حجية المخالصة الموقعة منها بقالة بطلانها لمخالفتها نص المادة الخامسة من قانون العمل، ورتب على ذلك قضاءه لها بالتعويض عن الفصل، ومهلة الإخطار، ومقابل رصيد الإجازات، والفوائد القانونية فإنه يكون فضلاً عما شابه من فساد في الاستدلال قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه .

( الطعن رقم 5793 لسنة 93 ق - جلسة 21 / 4 / 2024 )

2- الإتفاق بالصلح أو التنازل بين رب العمل وعماله عن الحقوق الناشئة عن عقد العمل خلال سريانه يقع باطلاً وفقاً لنص المادة 3 / 6 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 إذا خالف أحكام القانون ، وإذ كانت إعانة غلاء المعيشة قد فرضها الشارع للعمال لإعتبارات تتعلق بالنظام العام وينبنى على ذلك وجوب دفعها لهم كاملة وفق النصاب الوارد بالأوامر العسكرية الصادرة بشأنها بإعتباره الحد الأدنى لكل فئة فإن الإتفاق بين رب العمل وعماله على التنازل عن جزء من هذه الإعانة يندرج تحت حكم هذه المادة فضلاً عن مخالفته للنظام العام . إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه برفض ما تتمسك به الطاعنان من أن تلك التسوية التى تمت بينهما وبين المؤسسة المطعون ضدها وقعت باطلة بالتطبيق لتلك المادة على نفيه شبهة الإكراه عنها ، وهو ما لا يصلح رداً على هذا الدفاع ولا يكفى لرفضه وإستغنى بذلك عن بحث ما إذا كانت هذه التسوية تنطوى على تنازل الطاعنين عن جزء من تلك الإعانة أم لا ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب .

( الطعن رقم 206 لسنة 41 ق - جلسة 29 / 5 / 1976 )

شرح خبراء القانون

يهدف تشريع العمل في المقام الأول إلى استقرار علاقات العمل بين طرفي الإنتاج بقواعد عادلة تحقق التوازن بين طرفي العلاقة . ولما كان العامل دائماً في موقف الطرف الضعيف فقد استهدف المشرع بهذا النص بأن قواعد هذا القانون آمرة ومتعلقة بالنظام العام ولا يجوز مخالفتها .

وبطلان الشرط المخالف ولو كان سابقاً على العمل بهذا القانون ليس تطبيقاً لرجعية القانون وإنما هو تطبيق للقاعدة المستقرة من أعمال الأثر الفوري أو المباشر للقوانين المتعلقة بالنظام العام .

والبطلان هنا مطلق مهما كان مكانه سواء كان في العقد نفسه أو عقد العمل المشترك أو في لائحة العمل التي تضعها المنشأة حتى ولو كان صحيحاً في ظل القانون القديم . وإذا كان هناك مزايا أفضل أو شروط أفضل مقررة في عقود العمل الفردية أو الجماعية أو الأنظمة الأساسية أو بمقتضى العرف فيستمر العمل بها في ظل القانون الجديد مادامت أفضل للعامل ، أي أنه قنن العرف أيضاً ما دام ينطوي على مزايا أفضل وتوافرت شروطه .

والبطلان ينصب على الشرط المخالف لأحكام القانون في العقد ويظل العقد منتجاً لكافة آثاره القانونية إلا إذا كان العقد لا يستقيم بدون هذا الشرط فيبطل العقد ككل".

وقد استحدث المشرع فقرة جديدة في نهاية هذه المادة وتقع باطلة كل مصالحة تتضمن انتقاصاً أو إبراء من حقوق العامل الناشئة عن عقد العمل خلال سريانه أو خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنتهائه متى كانت تخالف أحكام هذا القانون ». 

وقد استهدف المشرع من هذه الفقرة المستحدثة التأكيد على إصباغ الحماية التشريعية للعامل لأنه الطرف الضعيف وجاء ذلك بحسبان أن قانون العمل هو أحد فروع القانون الإجتماعي الرامي إلى تحقيق هدف أبعد ألا وهو التدخل في العلاقات الإنسانية الخاضعة له بقصد حماية الطرف الأضعف في العلاقة ، ذلك أن المساواة المجردة التي تقيمها القاعدة القانونية بين الناس غدت محل نقد بإعتبار أن الأفراد ليسوا جميعاً متساوين في القدرات الطبيعية ولا للإمكانيات الإقتصادية ولا المكانة الإجتماعية ومن ثم فإن « التطبيق المجرد للقاعدة القانونية عليهم لا يؤدي إلى تحقيق المساواة فيما بينهم بل في الواقع يؤدي إلى ترجيح كفة الميزان لصالح الأقوى اقتصادياً . ( الموسوعة العمالية ، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين ، طبعة 2009 ، الصفحة : 62 )

 النصوص المقابلة :

تقابل نص المادة (4) من القانون الملغي رقم 137 لسنة 1981. 

كما تقابل المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 1959. 

قاعدة بطلان الاتفاق المخالف : 

لا شك أن النص الجديد أفضل بكثير من النصوص الملغاة . 

وبيان ذلك أن النص القديم كان يكتفي باستثناء الشرط المخالف أما النص الجديد فيستثني الإتفاق (وهو أشمل وأعم) المخالف لأحكام القانون ولو كان سابقاً على العمل به إذا كان ينتقص من حقوق العامل بما يستفاد منه من مفهوم المخالفة أن الشرط أو الإتفاق السابق لا يكون باطلاً إذا لم يتضمن انتقاصاً لهذه الحقوق بل إن الإتفاق أو الشرط لا يبطل أيضاً إذا كان أكثر فائدة للعامل مما هو وارد بالقانون ، وهذه القاعدة في الواقع تحمي العامل وصاحب العمل على السواء .

وبطلان الشرط المخالف ولو كان سابقاً على العمل بالقانون ليس تطبيقاً لرجعية القانون وإنما هو تطبيق للقاعدة المستقرة من إعمال الأثر الفوري أو المباشر للقوانين المتعلقة بالنظام العام على المراكز العقدية التي تقررت في ظل القانون القديم وما زالت قائمة .

والبطلان هنا مطلق لا تصححه الإجازة وتحكم به المحكمة من تلقاء نفسها ولا يجوز التنازل عنه ويستطيع كل ذي مصلحة أن يتمسك به في أية مرحلة كانت عليه الدعوى . 

استمرار العمل بالشروط والمزايا الأفضل :

أكد المشرع في النص الجديد ما سبق أن نص عليه في المادة (4) من قانون الإصدار حين قرر أن أحكام القانون الراهن لا تخل بحقوق العمال السابق الحصول عليها من أجر وإعانة غلاء معيشة وغير ذلك من مزايا مستمدة من أحكام القوانين والقرارات السابقة على العمل بأحكام هذا القانون بل إن المشرع في المادة الحالية التي يؤكد فيها القاعدة السابقة قرر أن يستمر العمل بأية مزايا أو شروط أفضل تكون مقررة لا في القوانين والقرارات السابقة فحسب وإنما أيضاً في عقود العمل فردية كانت أو جماعية وكذا في نظم ولوائح المنشأة ثم وصل بحماية العمال إلى أبعد مدى حين أنهى المادة بعبارة «أو بمقتضى العرف» . 

فلائحة المنشأة الداخلية هي قانون المنشأة الداخلي التي تحدد شروط العمل وقواعد السلامة والصحة المهنية وطرق الوقاية من حوادث العمل وتحديد الأجور والمزايا وساعات العمل وسائر ظروف العمل التي تلائم المنشأة وهكذا يكون من حق العامل أن يستفيد من هذا القانون الداخلي بمجرد انخراطه بمقتضی عقد العمل مع المنشأة .

 هذا وقد ذهب المشرع في حماية العمال إلى مداها حين أنهى المادة بعبارة «أو بمقتضى العرف» أي أنه قنن العرف أيضاً إذا كان ينطوي على مزايا أفضل للعامل متى توافرت شروطه .

 بطلان الصلح والإبراء خلال سريان عقد العمل :

نصت الفقرة الأخيرة من المادة (5) التي نحن بصددها على أن « يقع باطلاً كل مصالحة تتضمن انتقاصاً أو إبراء من الحقوق الناشئة عن عقد العمل خلال مدة سريانه أو خلال شهر من تاريخ إنتهائه متى كانت تخالف أحكام هذا القانون » .

وهنا تجدر الإشارة إلى أن المشرع يعود مرة أخرى إلى الأخذ بهذه القاعدة التي كانت سارية في ظل قانون العمل الموحد رقم 59/91 ثم أغفلها القانون رقم 81/137 والتي تنطوي على خروج على القواعد العامة التي لا تمنع من التنازل أو التصالح عن الحقوق المالية بعد نشوئها كما أنها ردة تشريعية لا مبرر لإعادة النص عليها إذ لم يعد ثمة ذريعة للتعلل بقاعدة رعاية مصلحة العامل لأن هذه المصلحة وإن كانت عند وضع قانون 91 في سنة 1959 لها ما يبررها حيث كان بالإمكان تصور وقوع استغلال من صاحب العمل للعامل فإنه بعد أكثر من أربعين عاماً لا يسوغ أن تكون لهذه القاعدة محل خاصة وأنه من الناحية العملية ثبت في كثير من الأحيان أن صاحب العمل في بعض الظروف هو الأولى بالرعاية .  ( الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل ، الدكتور على عوض حسن ، الدكتور علاء فوزي زكي ، طبعة دار الحقانية ، المجلد الأول ، صفحة : 167 )

الصفة الآمرة لقانون العمل :

 يقصد بالصفة الآمرة تقهقر وتراجع الفكرة التعاقدية ومبدأ سلطان الإرادة أمام التدخل التشريعي للدولة ، فالدولة تتدخل بقواعد آمرة حتى تفرض عدم الإتفاق على ما يخالفها . 

والقاعدة الآمرة في مجال قانون العمل هي التي تتصل بالنظام العام الاجتماعي . 

وإذا تعلقت بالنظام العام فما هو مصير الإتفاق المخالف ، وهل تبطل كل الاتفاقات أياً كان الاتفاق ووقت إبرامه؟ 

وإصراراً من المشرع على عدم الخروج على هذه القواعد فإنه يوقع جزاءاً جنائياً على مخالفتها . 

وندرس فيما يلي هذه الأمور الثلاثة : 

النظام العام الإجتماعي :

 يتكون النظام العام الإجتماعي من مجموعة القواعد الأساسية لقانون العمل ، وتستخلص هذه القواعد من مجموع النصوص القانونية المطبقة في لحظة معينة ، فلا يوجد في قانون العمل أي نص مقرر أو مفسر .  

ويشمل النظام العام الإجتماعي ، القواعد المتعلقة بالنظام العام المرتبط بالمصلحة العامة أي تلك التي تستهدف تحقيق الأمن والإستقرار ، فقواعد تشغيل الأجانب ترتبط بالنظام العام المرتبط بالمصلحة العامة ، وذلك حماية للعمالة الوطنية .

فيتعلق بالنظام العام الإجتماعي المبادئ الدستورية المتعلقة بالحق في العمل وحماية العمال ويدخل في ذلك مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ، والحق في توفير فرص العمل ، ومشاركة العمال في الإدارة بالنسبة لقطاعات معينة . 

كما يشمل النظام العام الإجتماعي نوعاً آخر من القواعد ، فهو يتكون أيضاً من مجموعة القواعد والمبادئ التي تستهدف حماية العمال والتي لا يمكن نقضها أو تعديلها بناء على اتفاقات فردية أو جماعية . 

فيدخل في إطار النظام العام الإجتماعي القواعد التي تكفل الظروف الإنسانية للعمل ولحياة العامل ، وتشمل الأحكام الخاصة بالأجور مثل الحد الأدنى وضمانات الأجور ، ويتعلق بالنظام العام أحكام إنهاء عقد العمل والفصل ، فهذه الأحكام تستهدف ضمان استقرار العمالة وتوفير مصدر دخل مستقر للعامل ، وكذلك أحكام التعويض عن الفصل التعسفي ، كما أن أحكام تنظيم العمل تكفل الظروف الإنسانية للعمل ولهذا تتعلق بالنظام العام الاجتماعي ، وتتعلق قواعد السلامة المهنية والرعاية الصحية والإجتماعية وقواعد الأجازات وحماية الضعفاء مثل المرأة والطفل بالنظام العام الاجتماعي .

وإذا كانت قواعد النظام العام الإجتماعي قد وضعت لحماية العامل فإنها تعتبر الحد الأدنى لما يجب أن يتمتع به العامل ، وهنا تظهر خصيصة هامة للنظام العام الإجتماعي ، فلا يجوز الإتفاق على ما يخالفه إذا كان الإتفاق ينطوي على اإتقاص من هذه الحقوق ، أما إذا كان الإتفاق المخالف يستهدف زيادة الضمانات والحقوق فإنه يعتبر صحيحاً ، وهو ما يسمى بالنظام العام الحمائي . 

ويتميز النظام العام الإجتماعي على هذا الأساس بأنه يكون الحد الأدنى للحماية أو يمثل الحد الأدنى الإجتماعي . 

فأحكام قانون العمل يتعلق بعضها بالنظام العام المرتبط بالمصلحة العامة ومعظمها يتعلق بالنظام العام الحمائي . 

كما يتسم النظام العام الإجتماعي بخصيصة أخرى مستمدة من أن قانون العمل لم يعد قانوناً مالياً بحتاً منذ أن انتشرت فكرة أن العمل سلعة ، فالعمل أصبح ينظر إليه على أنه قيمة إنسانية ، ومن ثم فإن قانون العمل يهتم بحماية القيم الإنسانية وليس مجرد مصالح مالية ، وعلى هذا فإن النظام العام الإجتماعي يتميز بطابع غير مالي أكثر مما يتمتع بطابع مالي ، فهو يستهدف كفالة الحياة الإنسانية لشخص العامل وحماية حقوقه الشخصية المتعلقة بالعامل ، وهو يقترب في هذا الصدد من الوضع في مجال الأحوال الشخصية ، ولهذا فإن من النظام العام الإجتماعي حماية النساء والأطفال . 

ولكن قانون العمل يهتم أيضاً بالمال ، فهو يحكم العلاقات الشخصية ذات الأثر المالي ، ولقد زاد الإهتمام بالجانب المالي في الوقت الحاضر حيث ضعفت العلاقات الشخصية فالصلة أصبحت بين العامل والمشروع ولا يهتم العامل بأن يعرف إسم صاحب العمل ، كما أن العامل أصبح لا يهتم بنوع العمل بقدر ما يهتم بالحصول على دخل مالي ، مما جعل البعض يرى أن فكرة العمل سلعة أصبحت تطل برأسها من جديد بل أنها لم تختف إلا نظرياً . 

فعلاقات العمل ليست علاقة دائن بمدين ، وليست علاقة شخصية مثل العلاقات الأسرية ، ولهذا فإن النظام العام الإجتماعي يستهدف حماية حقوق الشخصية للأجير داخل المجتمع الحرفي والمهني . 

انعكاسات الصفة الآمرة على مستوى القانون المدني 

ندرس في هذا الصدد مدى صحة الشروط العقدية المخالفة للقانون ثم مدى إمكان النزول عن الحقوق الواردة في القانون .

أولاً : بطلان الشرط العقدي المخالف للقانون :

يستهدف قانون العمل حماية العامل بإعتباره طرفاً ضعيفاً في العلاقة التعاقدية مع صاحب العمل ، ولا تؤتى الحماية التشريعية للعامل ثمارها إلا إذا كانت القواعد التي تتضمنها قواعد آمرة لا يجوز الإتفاق على ما يخالف حكمها .

ولقد حرص المشرع على إيضاح هذه الصفة في المادة (5) من قانون العمل حيث تقرر أنه يقع باطلاً كل شرط أو اتفاق يخالف أحكام هذا القانون ولو كان سابقاً على العمل به إذا كان يتضمن انتقاصاً من حقوق العامل المقررة فيه . 

وهذا النص يواجه من جهة الشرط السابق على القانون ، ومن جهة أخرى الشرط اللاحق على القانون .

أ - الشرط المخالف السابق على العمل بالقانون : 

 عندما يقرر المشرع أن الشرط الوارد في العقود التي أبرمت قبل العمل بالقانون يعتبر باطلاً إذا خالف نص القانون الجديد ، فإنه في الحقيقة يحسم مشكلة تتعلق بتطبيق القانون من حيث الزمان ، فتقضى القواعد العامة في مسائل تنازع القوانين من حيث الزمان بأن العقود التي نشأت في ظل القانون القديم وما زال العمل ممتداً بها في ظل القانون الجديد تظل خاضعة للقانون القديم مالم يكن حكم النص الجديد من النظام العام .  

ولقد حسمت المادة الخامسة من قانون العمل كل مشكلة في هذا المجال حيث أنها اعتبرت كل نصوص القانون الجديد متعلقة بالنظام العام ، ومن ثم تسري بأثر مباشر من تاريخ العمل بالقانون ويبطل كل شرط مخالف .

ب - الشرط المخالف اللاحق على العمل بالقانون : 

 ويقصد به أن أي اتفاق يتم بين العامل ورب العمل على شروط مخالفة للقانون تعتبر باطلة ، ولكن هذه النصوص متعلقة بالنظام العام الحمائي أي أنها تستهدف فقط حماية العامل وليس إجراء موازنة عادلة بين حقوق العامل ورب العمل ، ومن ثم فإن الشرط الذي يخالف القانون ولكن يؤدي إلى تحقيق مزية للعامل لا يحققها القانون يعتبر صحيحاً فهو لا يمس الحماية الواجبة للعامل بل يدعم الحماية ويزيدها ، ولهذا نص القانون على استمرار تمتع العامل بأية مزايا أفضل تكون مقررة أو تقرر في المستقبل في العقد أو طبقاً للعرف . 

ولقد أوضح المشرع أن جميع نصوص قانون العمل تتعلق بالنظام العام ، ولكن يختلف الهدف من اعتبارها متعلقة بالنظام العام بحسب النصوص ، فهناك من النصوص التي تتعلق بالنظام العام لمصلحة المجتمع ولتحقيق المصلحة العامة ولإقامة العمل على شروط إنسانية ، وهذه النصوص لا يجوز الإتفاق على ما يخالفها بصرف النظر عن الفائدة التي تعود على العامل منها ، وهناك من النصوص ما يتعلق بالنظام العام من أجل حماية العامل ، وهذه النصوص يجوز الإتفاق على ما يخالف حكمها في اتجاه واحد وهو توسيع المزايا التي يحصل عليها العامل ، وهذه النصوص هي التي تتعلق بعقد العمل الفردي . 

ويلاحظ أن الشرط المخالف للقانون يعتبر باطلاً بصرف النظر عن موضعه ، فقد يكون في عقد العمل ، أو في اللائحة أو غيرها من القواعد التي تحكم علاقة العمل . 

وتقرير ما إذا كان الشرط المخالف أكثر فائدة أم لا مسألة موضوعية يفصل فيها قاضى الموضوع ، ولا يتقيد القاضي في ذلك بوجهة نظر العامل أو رب العمل ، وإنما على القاضي أن يتحقق ويوازن بين الفوائد والمضار التي تعود على العامل من الشرط حتى يستخلص المصلحة النهائية للشرط أي ما إذا كان مفيداً أو ضاراً ، فقد تكون رغبة العامل في الحصول على المال دافعاً له لقبول أي شرط يحقق له فائدة مادية قصوى حتى ولو كان على حساب صحته وعدم حصوله على أجازات ، فيجب على القاضي إعتبار مثل هذا الشرط ضاراً ومن ثم باطلاً وإذا ورد في عقد عمل جماعي فإن تقرير صحة وفائدة الشرط تتوقف على النظر لمجموع العمال وليس بعضهم .

ثانياً : بطلان الصلح والإبراء في حالات خاصة : 

تقرر المادة الخامسة من القانون بطلان كل مصالحه أو إبراء من الحقوق الناشئة عن عقد العمل خلال سريانه أو خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنتهائه ، متى كانت تخالف أحكام هذا القانون . 

الأصل طبقاً للقواعد العامة في القانون المدني هو جواز التصالح والإبراء فيما يتعلق بالحقوق المالية ، ففي العلاقات المالية التي تقوم على التساوى بين طرفيها ينزل كل طرف أحياناً عن جزء من حقه في سبيل الوصول إلى تسوية أو اتفاق حول ما يثور بينهما من مشاكل . 

أما في مجال قانون العمل ، فقد افترض المشرع عدم وجود مساواة اقتصادية بين طرفي العقد ، حيث يعتبر العامل الطرف الضعيف ورب العمل الطرف القوى ، ومن ثم فإن التصالح والإبراء حول الحقوق الناشئة عن قانون العمل خلال فترة سريان العقد تثير شبهة وقوع العامل تحت ضغط يفسد إرادته ، فالظاهر هو الإتفاق ، والحقيقة هي الرضوخ لسلطة صاحب العمل ، فقد يخشى العامل التعطل أو الفصل أو الحصول على حقوقه بعد فترة من الزمن ، وقد يدفعه ذلك إلى التصالح ويتنازل عن حقوقه الناشئة عن عقد العمل بإرادته ومن أجل مصلحته العاجلة .

والمشرع ينص على الإبراء ، وهو إنقضاء الإلتزام متي أبرأ الدائن مدينه مختاراً ، أي يفترض وجود علاقة دائنية فعلية لحظة الإبراء ، ومن ثم فإن الإبراء لا يكون إلا لاحقاً  على نشوء الحق .

أما الصلح فهو عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقیان به نزاعاً محتملاً وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من إدعاءاته ، وعلى هذا فالصلح قد يتعلق بالحق بعد نشأته وإثارة النزاع حوله ، كما قد يكون مقدماً وقبل نشوء الحق المتصالح عليه . 

وهذا النص يعتبر تطبيقاً للمادة 551 من القانون المدني التي لا تجيز الصلح في المسائل المتعلقة بالنظام العام ، وأحكام قانون العمل تتعلق جميعاً بالنظام العام . 

وتبدو أهمية المادة الخامسة في أنها تحدد نوع النظام العام بأنه النظام العام الحمائي ، فهي تقرر بطلان الصلح أو الإبراء عن الحقوق الناشئة عن عقد العمل إذا كان يخالف أحكام القانون أو نص فيه على خلاف الواقع بحصوله على حقوقه ، فالذي يبطل هو الصلح أو الإبراء عن حق عقدي مقرر في قانون العمل ، وعلى هذا فإن كان الصلح أو الإبراء متضمناً إعطاء العامل فائدة لم ترد في قانون العمل ، فالإتفاق صحيح بالرغم من مخالفته الظاهرية للقانون ، والمخالفة ظاهرية وليست حقيقية فقانون العمل يضع الحد الأدنى لحقوق العمال ، ومن ثم فإن التوسع فيها لا يخالف النص بقدر ما يتفق مع القانون عن طريق دعم وحماية العامل . 

ولهذا فقد قضى بأن البطلان لا يشمل إلا الصلح أو الإبراء الذي ينطوي على الإنتقاص من حقوق العامل ، أما الصلح الذي يكون أكثر فائدة للعامل فإنه يعتبر صحيحاً . 

 والمحظور هو تنازل العامل عن حقوقه المقررة طبقاً للقانون بصرف النظر عن وجود إكراه من عدمه ، وقضى بأن النزول عن جزء من إعانة غلاء المعيشة يعتبر باطلاً ولا يجوز الحكم صحته استناداً إلى انتفاء شبهة الإكراه ، ويبطل كذلك التنازل عن الفروق المالية الناتجة عن منح مرتب يقل عن أول مربوط الدرجة التي سويت عليها حالة العامل ، وكذا بطلان التنازل عن الدعوى بهذه الفروق استناداً إلى المادة 3 / 6 .

أما إذا كان الإتفاق لا يمس حقوقاً تقررها قوانين العمل فإنه يكون صحيحاً إلا أن يشوب إرادة العامل ما يفسدها أو أي عيب آخر من عيوبها ، والحاجة إلى المال لم تعتبر من قبيل الإكراه . 

ولا تجوز إثارة بطلان الشروط لأول مرة أمام محكمة النقض لما يخالطه من واقع كان يجب طرحه على محكمة الموضوع . 

 والبطلان يشمل الصلح أو الإبراء الذي يتم خلال سريان عقد العمل أو خلال ثلاثة شهور من تاريخ إنتهائه ، وتكون المخالصة بمنأى عن البطلان إذا صدرت من العامل بعد إنقضاء ثلاثة شهور من تاريخ إنتهاء عقد العمل . 

وأوضحت محكمة النقض أن البطلان يشمل النزول أو الصلح بصدد حق ناشئ عن قانون العمل ، أما المصالحة المتعلقة بصورة أداء الأجر باستبدال أجر ثابت بجزء من العمولة فإنه وإن كان يخالف العقد إلا أنها لا تمس حقوقاً تقررت في قانون العمل ومن ثم تكون صحيحة ، فالبطلان لا يشمل إلا الصلح المخالف لقانون العمل ولا يشمل المصالحة التي تخالف نصوص عقد العمل فقط ، فالعقد شريعة المتعاقدين ، فلا يوجد في أحكام قانون العمل ما يقيد حرية العامل وصاحب العمل في تعديل شروط العقد . والبطلان يشمل الصلح أو الإبراء الذي يتم خلال سريان عقد العمل أو خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنتهائه . 

ويثور التساؤل عما إذا كان الإبراء أو الصلح يعتبر باطلاً سواء كان متعلقاً بحق سبق ثبوته للعامل أم كان ثبوته لاحقاً على الإتفاق ، ونلاحظ أن الإبراء يفترض ثبوت الحق والحصول على الفائدة ، أما الصلح فقد يسبق الحصول على الميزة وقد يكون لاحقاً على ثبوتها والحصول عليها . 

ذهب القضاء إلى بطلان كل اتفاق أو إبراء أثناء سريان العقد أو خلال ثلاثة شهور من إنتهائه بصرف النظر عن سبق ثبوت الحق من عدمه ، فالنص صريح ولا يفرق بين الحق السابق ثبوته أم اللاحق، فيعتبر باطلاً كل نزول من العامل عن حقوقه أو تصالح عليها ولو قبل أو بعد نشوئها ، لتعلقها بالنظام العام تعلقاً يمتنع معه الإنتقاص منها مقدماً أو مؤخراً . 

ويؤكد هذا الرأي المادة الخامسة التي تبطل الإبراء ، وكما رأينا فإن الإبراء لا يكون إلا عن حق سبق ثبوته أي أن النزول يكون لاحقاً لثبوت الحق . 

وعلى العكس ذهب اتجاه آخر إلى بطلان الإبراء أو الصلح الذي يتم قبل نشوء الحق محل الإتفاق ، بينما يعتبر صحيحاً الإبراء أو الصلح الذي يتم بعد نشوء الحق . 

ويمكن تأصيل الاتجاه الأخير ، بضرورة التفرقة بين الحق في ذاته وبين القواعد القانونية التي من شأنها أن تولده ، فإذا كان الحق في ذاته متعلقاً بالنظام العام الحق في الحياة والحقوق السياسية ، ما أمكن النزول عنه أو التصالح عليه أبداً ، أما إذا كان الحق في ذاته غیر متعلق بالنظام العام جاز بعد ثبوته لصاحبه بالفعل لا قبل ذلك النزول عنه والتصالح عليه ، حتى ولو كانت القواعد القانونية التي أدت إلى نشأته قواعد آمرة . 

فحقوق العامل ، بعد ثبوتها له ، هي أما حقوق مالية منذ نشأتها ، كحقه في الأجر ، وأما حقوق غير مالية في أصلها ولكنها تستحيل إلى حقوق مالية في صورة تعويض عن الإخلال بها كالتعويض عن الفصل التعسفي ، والحقوق المالية في ذاتها هي حقوق خاصة بأصحابها ولا تتصل بالنظام العام في شيء ، وعلى ذلك فلا يوجد ما يمنع العامل من أن ينزل عن حقه بعد ثبوته، أو يتصالح عليه . 

وأما عن خشية رضوخ العامل لضغط رب العمل حتى يتنازل عن حق سبق ثبوته له ، فإن القواعد العامة تتكفل ببطلان العقد على أساس وقوع العامل تحت إكراه رب العمل ، فالقول بصحة النزول لا ينفي ضرورة إتباع القواعد العامة ، في العقود .

ولقد أخذت محكمة النقض في أحكامها الحديثة بهذا الاتجاه ، فقضت بأن كل مصالحة تتضمن انتقاصاً أو إبراء من حقوق العامل الناشئة عن عقد العمل خلال مدة سريانه أو خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنتهائه تقع باطلة متى كانت تخالف أحكام قانون العمل ، إلا أنه يجوز الصلح والإبراء بعد نشوء الحق ومتی استوفى العامل لكامل حقوقه لأنه بذلك يكون قد تحول حقه إلى مصلحة مالية يجوز التصالح والإبراء عليها ، أما النزول مقدماً وقبل نشوء الحق فإنه يعد باطلاً . 

وترجع أهمية المادة الخامسة إلى أن محكمة النقض قد قضت في مجال إصابات العمل بأن توقيع العامل على المخالصة بالمبلغ الذي منحته له الحكومة ليس من الاتفاقات التي تتضمنها عقود الإذعان ، فإن كانت المخالصة لا تعتبر من قبيل عقود الإذعان فيكون الإتفاق واجب التطبيق ولا يملك القاضي تعديله ، فالنص يبطل الصلح بالرغم من أنه لا يكون من قبيل عقود الإذعان . 

النظام العام المائي والحفاظ على الحقوق المكتسبة للعمال

قد يكون مصدر الحقوق المكتسبة القانون القديم ولم تتقرر تلك الحقوق في القانون الجديد ، وقد تكون مصدر تلك الحقوق هو عقود العمل الفردية أو الجماعية أو الأنظمة الأساسية وغيرها من لوائح المنشأة ، أو بمقتضى العرف ، وندرس كل صورة منهما فيما يلي . 

أولاً : الحفاظ على الحقوق المكتسبة للعمال قبل العمل بالقانون الجديد

إذا كانت قواعد قانون العمل تتعلق بالنظام العام الحمائي فإن مؤدى ذلك أن يسري القانون الجديد بأثر مباشر متى كان يتضمن حقوقاً أفضل للعامل ، أما إذا كان ينتقص من حقوق العامل فإن المشرع حرص على الحفاظ على الحقوق التي اكتسبها العامل في ظل القانون القديم وقرر استمرار العمل بالقانون القديم ، فالنظام العام الحمائي يتخذ صورة الحفاظ على الحق المكتسب للعامل ، فكما يكون البطلان جزاء الشرط الذي ينقص من حقوق العامل ، فإن النظام العام الحمائي يستلزم المحافظة على الحقوق المكتسبة للعامل والقول بغير ذلك يعني الإنتقاص من حقوق العامل . 

 تنص المادة الرابعة من قانون الإصدار على أنه " لا تخل أحكام القانون المرافق بحقوق العمال السابق لهم الحصول عليها من أجور ومزايا مستمدة من أحكام القوانين واللوائح والنظم والاتفاقيات والقرارات الداخلية السابقة على العمل بأحكامه ". 

وهذا النص يعبر عن الطابع التقدمي لقانون العمل حيث أن الأصل أن تعديل القانون يكون دائماً لتحقيق مصلحة أفضل للعامل ، فإن لم يكن فيجب الإبقاء على ما كان أفضل من مزايا وأجور في القانون القديم . 

فإن كانت الأجور والمزايا الواردة في القانون الجديد أقل مما ورد في القانون القديم واللوائح والنظم والاتفاقيات والقرارات الداخلية السابق ، فيستمر العمل بالقواعد السارية قبل العمل بالقانون الجديد. وبعبارات قواعد تنازع القوانين من حيث الزمان يستمر العمل بالقانون أو اللائحة القديمة ، فلا يسري القانون الجديد بأثر مباشر وإنما يستمر العمل بالقانون القديم . 

والذي يستفيد من هذا النص هو العامل الذي استفاد فعلاً من تلك المزايا والأجور قبل صدور القانون الجديد ، وبعبارة أكثر دقة العامل الذي كان مرتبطاً بعقد عمل يخضع للقانون القديم واستفاد بالمزايا استناداً إلى القوانين أو اللوائح السارية في ذلك الوقت . 

فلا يجوز لمن إلتحق بالعمل في ظل القانون الجديد أن يطلب التمتع بتلك المزايا فالنص صريح بأنه لا يسرى إلا على العمال الذين سبق لهم الحصول عليها ، فمن حقهم حينئذ الإستمرار في التمتع بها . 

 والنص لا يخلو من النقد فإن كان من المفهوم أن القانون الجديد لا يمس الحقوق التي حصل عليها العامل في ظل القوانين واللوائح السابقة والتي قد لا يتمتع بها في ظل القانون الجديد ، إلا أن المزايا المستمدة من النظم والاتفاقيات والقرارات الداخلية لا تجد أساسها في القانون وإنما في الاتفاقيات وسلطة صاحب العمل في إصدار القرارات الداخلية. ولهذا فإن القانون الجديد لا يمس تلك الحقوق، وقد يقصد المشرع أن تكون تلك الاتفاقيات والقرارات قد صدرت إعمالاً للقانون القديم ومن ثم يمكن الإدعاء بأنها فقدت أساسها وما جاء في القانون الجديد هو واجب التطبيق، ويبدو أن المشرع قصد مواجهة هذا الإدعاء بالنص على الإستمرار بهذه المزايا أياً كان سندها وقت العمل بها . 

وبهذا فإن العمل يستمر بالقانون القديم ، ففي مجال تنازع القوانين من حيث الزمان قد يتقرر استمرار العمل بالقانون القديم وعدم تطبيق القانون الجديد بأثر مباشر ، فالعامل الذي استحق علاوة غلاء معيشة يستمر في الحصول عليها بالرغم من أن القانون الجديد لم ينص عليها ولم يرد ذكر أعباء العائلة كذلك يعتبر أن الحد الأدنى للأجور يواجه هذه الأعباء بتنظيم جديد يختلف جذرياً عن الحد الأدنى للأجور في القانون السابق ، وحصول العامل على الحد الأدنى لا يحرمه ولا يؤثر في استحقاقه علاوة غلاء المعيشة أو مقابل أعباء العائلة . 

ثانياً : الحفاظ على الحقوق المكتسبة للعمال بموجب عقود العمل واللوائح الداخلية والعقود الجماعية (الميزة الأفضل)

 تنص المادة الخامسة من قانون العمل على أنه "يستمر العمل بأية مزايا أو شروط أفضل تكون مقررة أو تقرر في عقود العمل الفردية أو الجماعية أو الأنظمة الأساسية أو غيرها من لوائح المنشأة أو بمقتضى العرف". 

وهذا النص قد ورد في الأحكام العامة التي تسري على عقد العمل ، وهو يتعلق أساساً بسلطة صاحب العمل وعقود العمل الجماعية .

فصاحب العمل يملك وضع لوائح المنشأة وأن يدخل عليها التعديلات التي يستلزمها حسن سير العمل في المنشأة ، ويضمن عقود العمل الفردية أهم أحكام اللائحة. والقيد الوارد في المادة 5 /2 من القانون يتعلق بسلطة صاحب العمل في التعديل .

فالتعديل لا يؤثر في عقود العمل القائمة إذا كان ينطوي على سلب العامل ميزة كان يتمتع بها ، فإذا كان العقد يعطي العامل ميزة أفضل فيجب الحفاظ عليها بإعتبار أنها أصبحت حقاً مكتسباً تكفل المشرع بحمايته حيث أوجب استمرار العمل بتلك المزايا وعدم الإنتقاص منها أياً كان مصدر ذلك ، واستمرار العمل بها يعني إبقاء الحال عما كان عليه . 

وكما قد يكون مصدر الميزة هو عقد العمل الجماعي فإن أي تعديل للإتفاق من شأنه إنقاص المزايا التي كان يحصل عليها العامل قبل التعديل لا يسري في مواجهة العامل الذي كان يتمتع بميزة أفضل (avantages acquis). 

أما العرف المقصود في هذه المادة فهو ما جرى عليه العمل في المنشأة وليس العرف بالمعنى الفني ، فإن جرت العادة على خلاف ما كانت عليه فإن ذلك لا يؤثر في المزايا التي حصل عليها العامل قبل أي تعديل . 

فالتنازع يقوم بين اللائحة القديمة أو عقد العمل الجماعي القديم وبين اللائحة الجديدة أو العقد الجماعي الجديد ، فإن كان التعديل لا يقدم ميزة أفضل للعامل استمر في التمتع بما كان له من مزايا سابقة ، والعامل المقصود من ذلك هو العامل الذي استفاد فعلاً من الميزة أي كان يعمل في ظل اللائحة السابقة . 

والميزة قد تكون في صورة إيجابية بمنح العامل حقاً أفضل من الحقوق الأخرى ، وقد تكون سلبية لو كانت تخفف من التزام العامل ولا يجوز الجمع بين مزايا العقد ومزايا التشريع بل يؤخذ بالشرط الأكثر فائدة للعامل ، كما قد يتضمن المصدر الذي يحوى الشرط الأفضل على عدم الجمع بين الميزة وميزة أخرى مشابهة . 

ثالثاً : مدى جواز حرمان العمال الجدد من مزايا حصل عليها العمال السابقون

 ويثور التساؤل عن مدى أحقية صاحب العمل في حرمان من يلتحق بالعمل من المزايا الواردة في لوائح العمل والتي يتمتع بها فعلاً من سبق لهم العمل لدى نفس صاحب العمل. فقد حدث أن وجد بعض أصحاب الأعمال أن المزايا التي تقررت للعمال تحملهم بأعباء كبيرة ، ولهذا لجأوا إلى حرمان العمال الجدد من لك المزايا ، فهل يحق للعمال الجدد المطالبة بمساواتهم بالعمال القدامى .

يتمسك العمال الجدد بمبدأ المساواة بين عمال صاحب العمل الواحد ، فهل تسري قاعدة المساواة بصرف النظر عن تاريخ تعاقد كل عامل، وهل يعتبر النص في عقود عمل العمال الجدد على عدم التمتع بتلك المزايا، أو تعديل اللائحة الأساسية بما يحرم العمال الجدد من مزايا تمتع بها غيرهم ممن سبقوهم في العمل صحيحاً أم لا؟ 

وتخرج هذه المسألة عن سلطة صاحب العمل في تعديل العقد ، لأن العقد ينعقد بداءة بتلك الشروط الجديدة التي تختلف عن شروط العقود السابقة ، والتعديل لا يرد إلا على عقد قائم ولاحقاً لإبرامه ، فلا يوجد في هذه الحالة تعديل العقد وإنما هل يعتبر اختلاف الشروط خروجاً على مبدأ المساواة بين العمال . 

 ولا يتعلق الأمر إلا بمزايا اتفاقية منحها صاحب العمل لعماله في فترة من الزمن ، وتختلف هذه المزايا الاتفاقية عن المزايا التي تتقرر بنص القانون والتي تتعلق بمن يعمل لدى صاحب العمل وقت العمل بالقانون أو بمن يلتحق بالعمل بعد صدور القانون . 

فالمزايا القانونية لا يمكن المساس بها في أي عقد من عقود العمل السابقة أو اللاحقة على العمل بالقانون ، أما المزايا الاتفاقية فهي التي يثور بصددها البحث . 

فإذا كانت اللائحة قد عدلت لتتلاءم مع ظروف العمل أي اتخذت صفة العمومية ، فالأصل أنها تسرى بأثر مباشر على كافة العقود القائمة ، ولكن المادة 5 / 2  من قانون العمل تحول دون حرمان العمال الذين يعملون وتمتعوا بالميزة إذ يستمر العمل بهذه المزايا بالنسبة لهم . 

أما من يعين بعد تعديل اللائحة فإنه لم يسبق له التمتع بهذه المزايا ، ومن ثم فإن عدم المساواة بين من سبق لهم العمل ، ومن يلتحقون بالعمل بعد التعديل يجد أساسه في نص المادة 5 / 2، وبالتالي لا يوجد إخلال بمبدأ المساواة لأن التمييز يجد أساسه في نص القانون . 

فالتعديل الذي أدخل على اللائحة لا يطبق على العقود القائمة إعمالاً لنص القانون أما من يلتحق بالعمل بعد التعديل فتسري عليه أحكامها ، ومن ثم يكون التمييز بين العمال راجعاً إلى نص القانون ، فلا يكتسب الحق إلا من كان يعمل وتمتع فعلاً بالميزة .

وفيما يتعلق بعبء الإثبات ، يقع على عاتق العامل عبء إثبات وجود التمييز بين العمال أي الإدعاء بعدم المساواة ، وعلى صاحب العمل إثبات المبرر المشروع وعدم تماثل المراكز القانونية . ( شرح قانون العمل ، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني ، الطبعة الرابعة 2020 ، دار النهضة العربية ، الصفحة : 75 )

الفقه الإسلامي