( الموسوعة العمالية ، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال ، مطبعة علاء الدين ، طبعة : 2009 )
عقد العمل الفردي :
يأخذ المشروع في المواد ( 33 ، 32 ، 31 ) منه بذات الأحكام الواردة بالمواد 29 ، 30 ، 31 من القانون رقم 137 لسنة 1981 القائم لكونها تفي بالغرض منها ، وهي الأحكام المتعلقة بتعريف عقد العمل الفردي وقواعد إثباته والبيانات التي يجب أن يتضمنها وتحديد مدة وشروط عقد العمل تحت الإختبار .
مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الخامس ، الصفحة : 103
عقد العمل
المذكرة الإيضاحية :
نظرة عامة
إن الأسباب التي دعت إلى الفصل بين عقدي العمل والاستصناع بعد أن كان يجمعهما باب واحد ( إيجار الأشخاص وأهل الصنائع ) قد أدت في أكثر البلاد إلى تنظيم عقد العمل تنظيماً خاصاً، وإلى صدور عدة تشريعات متعلقة بالعمال .
وفي مصر صدر القانون رقم 41 لسنة 1944 بتنظيم عقد العمل الفردي وكان قد صدر قبله القانون رقم 64 لسنة 1936 المتعلق بإصابات العمل ، فأصبح من الضروری بيان مدى العلاقة بين تشريع العمال وبين التقنين المدني ، وهو الأساس القانونى العام الذي يحكم كل المعاملات وتحديد مجال تطبيق كل منها .
وقد كانت هذه العلاقة دائماً محل عناية الهيئات التي تهتم بشئون العمال ، وعلى الأخص مكتب العمل الدولي الذي يصدر منذ سنة 1925 بين مطبوعاته الدورية مجموعة سنوية لأحكام القضاء الدولي في مسائل العمل ، وهي تحوي نماذج مختارة من بين أهم التطبيقات العملية في قضاء كل من إنجلترا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ويشمل الجزء التمهيدي من هذه المجموعة ، وهو خاص بالقواعد العامة في تقنين العمل ، قسما يعرض لتطبيق المبادئ الأساسية في التقنين المدني على تنظيم العمل ، والواقع أنه يكفي الإطلاع على هذا القسم من المجموعة لتبين أهمية الموضوعات التي تعرض على القاضي ، فلا يجد لها حلاً في التشريعات الخاصة بالعمل ، ويلجأ بشأنها إلى قواعد التقنين المدني ، على أن ذلك أمر طبيعي لأن التشريعات الخاصة بالعمل ، مهما تعددت ، لن تستطيع التعرض لكل الحالات العملية .
لذلك عنى هذا المشروع بالنص على المسائل الأساسية في تنظيم عقد العمل ، واكتفى بالنسبة إلى المسائل الأخرى بالإحالة إلى التشريعات الخاصة بالعمل .
وقد كان للاتجاهات التي وردت في هذه المجموعة من أحكام القضاء الدولي في مسائل العمل أثر كبير في وضع أحكام هذا الجزء من المشروع ، بل أن الكثير من نصوصه هو مجرد تقرير للاتجاه السائد أو الغالب في القضاء الدولي كما هو وارد بالمجموعة ، على أن المشروع مع ذلك اقتبس بعض أحكامه من التقنينات الحديثة ، وعلى الأخص من التقنين البولوني وتقنين الالتزامات السويسري ، وكذلك المشروع الفرنسي الإيطالي .
وقد صدر هذا الجزء من المشروع بعد تعريفه لعقد العمل ، بنص يقضي بألا تسري أحكامه إلا بالقدر الذي لا تتعارض فيه صراحة أو ضمناً مع التشريعات الخاصة التي تتعلق بالعمل ، وقد أحال المشروع إلى تلك التشريعات الخاصة في بيان طوائف العمال الذين لا تسري عليهم هذه الأحكام وقد بينت المادة الثانية من القانون رقم 41 لسنة 1944 - فعلاً طوائف العمال الذين لا تسري عليهم أحكام قانون عقد العمل .
ثم سار المشروع في تنظيم عقد العمل على النهج الذي اتبعه في سائر العقود فبين أركان العقد ، ونص على أنه لا يشترط فيه أي شكل خاص ، وأورد أحكاماً مفصلة في تعيين مدة العقد وأجر العمل - ثم رتب على العقد أحكامه فنص على بعض التزامات العامل وبعض التزامات رب العمل وأوجب على كل منهما ، فضلاً عن هذه الإلتزامات ، أن يقوم بالالتزامات التي تفرضها القوانين الخاصة ، وأخيرا عنى المشروع بأسباب إنتهاء عقد العمل ، وبوجه خاص بفسخ العقد غير المحددة مدته ، ونص على وجوب الإخطار قبل الفسخ ، وأحال في طريقة الإخطار ومدته إلى القوانين الخاصة ، تم نص على التعويض في حالة الفسخ دون مراعاة ميعاد الإخطار وحالات الفسخ التعسفي .
1 ـ لما كان من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن تكييف العقود وإنزال حكم القانون عليها يخضع لرقابة محكمة النقض ، وأن المناط فى تكييف عقد العمل وتمييزه عن عقد المقاولة أو غيره من العقود ، هو توافر عنصر التبعية القانونية ولو فى صورتها التنظيمية أو الإدارية التى تتمثل فى خضوع العامل لإشراف رب العمل ورقابته - وهو ما نصت عليه المادة 674 من القانون المدنى بقولها " أن عقد العمل هو الذى يتعهد فيه أحد المتعاقدين أن يعمل فى خدمته المتعاقد الآخر وتحت إدارته أو إشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الأخر " . وما نصت عليه كذلك المادة 29 من قانون العمل من تعريف عقد العمل بأنه " العقد الذى يتعهد بمقتضاه عامل أن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه مقابل آجر أياً كان نوعه " .
( الطعن رقم 3070 لسنة 57 - جلسة 1990/01/16 - س 41 ع 1 ص 167 ق 35 )
2 ـ لما كان مؤدى نص المادة 674 من القانون المدنى والمادة الثالثة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 91 لسنة 1959 بإصدار قانون العمل أن التزام صاحب العمل بالأجر يقابل التزام العامل بأداء العمل المتفق عليه ، وأنه يشترط لإستحقاق الأجر أن يكون عقد العمل قائماً ، وأن حق العامل فى الأجر مصدره عقد العمل ، فإن دعوى المطالبة بالأجر أو بأية فروق فيه تكون داخلة فى عداد الدعاوى الناشئة عن عقد العمل التى نصت المادة 1/698 من القانون المدنى على سقوطها بالتقادم بإنقضاء سنة تبدأ من وقت إنتهاء العقد .
( الطعن رقم 1462 لسنة 49 - جلسة 1985/04/22 - س 36 ع 1 ص 639 ق 133 )
3 ـ المناط فى تكييف عقد العمل وتميزه عن غيره من العقود - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو توافر عنصر التبعية التى تتمثل فى خضوع العامل لإشراف رب العمل ورقابته ، وهو ما نصت عليه المادة 674 من التقنين المدنى بقولها " عقد العمل هو الذى يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل فى خدمة المتعاقد الآخر تحت إدارته أو إشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر " وماتقضى به المادة 42 من القانون رقم 91 لسنة 1959 من سريان أحكام قانون عقد العمل الفردى على العقد الذى يتعهد بمقتضاه عامل بأن يستغل تحت إدارة صاحب عمل أو إشرافه مقابل أجر ، وأنه يكفى لتحقق هذه التبعية ظهورها ولو فى صورتها التنظيمية أو الإدارية .
( الطعن رقم 152 لسنة 50 - جلسة 1981/02/08- س 32 ع 1 ص 431 ق 84 )
4 ـ مناط تكييف عقد العمل وتمييزه عن عقد المقاولة وغيره من العقود - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو توافر عنصر التبعية التى تتمثل فى خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته وهو ما نصت عليه المادة 674 من التقنين المدنى وكذا المادة 24 من القانون 91 لسنة 1959 ، وأنه يكفى لتحقيق هذه التبعية ظهورها ولو فى صورتها التنظيمية أو الإدارية ، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه إذا إستدل فى تكييفه للعلاقة بين الطرفين - هيئة التأمين الصحى والطبيب المتعاقد معها - على أنها علاقة عمل بما إستخلصه من بنود العقد على قيام هذه التبعية وكان إستخلاصه لذلك سائغاً ومؤدياً إلى ما إنتهى إليه ، فإن النعى عليه بمخالفة القانون والفساد فى الإستدلال يكون على غير أساس .
( الطعن رقم 458 لسنة 41 - جلسة 1976/04/15 - س 27 ع 1 ص 964 ق 183 )
5 ـ المناط فى تكييف عقد العمل وتمييزه عن غيره من العقود - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو توافر عنصر التبعية التى تتمثل فى خضوع العامل لرب العامل وإشرافه ورقابته ، وهو ما قررته المادة رقم 674 من التقنين المدنى ، والمادة الأولى من قانون عقد العمل الفردى رقم 317 لسنة 1952 . وإذ يبين ما أورده الحكم أن المحكمة إستخلصت من الوقائع المطروحة عليها - فى حدود سلطتها الموضوعية - عدم توافر علاقة العمل بين الطاعن " طبيب " والجهات سالفة الذكر " شركات ومستشفى ومدرسة " لعدم خضوعه فى تنفيذ عمله لإشرافها ورقابتها ، ولم تعتد بما تضمنته المستندات المقدمة من أوصاف وعبارات تخالف حقيقة وضع الطاعن ، وإستندت فى ذلك إلى أسباب سائغة تكفى لحمل الحكم ، فإنها تكون قد طبقت القانون تطبيقا صحيحاً .
( الطعن رقم 38 لسنة 33 - جلسة 1972/02/23 - س 23 ع 1 ص 227 ق 36 )
6 ـ المناط فى تكييف عقد العمل وتمييزه عن عقد الوكالة وغيره من العقود هو توافر عنصر التبعية التى تتمثل فى خضوع العامل لإشراف رب العمل ورقابته ، وهو ما نصت عليه المادة 674 من التقنين المدنى بقولها " عقد العمل هو الذى يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل فى خدمة المتعاقد الآخر وتحت إدرارته أو إشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر " . وما تقضى به المادة 42 من القانون رقم 91 لسنة 1959 من سريان أحكام قانون عقد العمل الفردى على العقد الذى يتعهد بمقتضاه عامل بأن يشتغل تحت إدارة صاحب عمل أو إشرافه مقابل أجر ، و أنه يكفى لتحقق هذه التبعية ظهورها ولو فى صورتها التنظيمية أو الإدارية . وإذ كان الطاعن - محام - قد تمسك فى دفاعه أمام محكمة الموضوع بقيام هذه التبعية مستنداً فى ذلك إلى تخصيص مكتب له بمقر الشركة لمباشرة قضاياها ، وأنه كان يعاونه فى العمل موظفون من قبلها ويستعمل مطبوعاتها ، وكانت القضايا توزع بينه وبين زملاء له آخرين ويحرر كشفاً بما يحكم فيه وما يؤجل منها ويعرض الكشف على مدير الشركة ، ويتقاضى الطاعن نظير عمله أجراً شهرياً ثابتاً عدا منحة سنوية ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد ألغى الحكم الإبتدائى فى خصوص طلب التعويض وقضى بأن علاقة الطرفين هى علاقة وكالة وليست علاقة عمل إستناداً إلى ما قرره من أن الطاعن " له مكتب خاص يباشر فيه قضاياه الخاصة ولا يحضر للشركة فى مواعيد ثابتة وأن عمله بالشركة أنه يباشر القضايا التى تعهد إليه بها .... ولا يغير من هذا الأمر أن تكون أتعابه عن عمله القانونى قد تحددت سلفاً وشهرياً " وهى تقديرات قاصرة لا تكفى لحمل الحكم إذ لا تصلح لبيان سبب مخالفة الحكم الإبتدائى فى قضائه ، وليس من شأنها أن تنفى علاقة العمل التى يدعيها الطاعن ولم تتناول الرد على المستندات التى تمسك بها تأييداً لصحة دعواه مع ما قد يكون لهذه المستندات من الدلالة ، ولو أن الحكم عنى ببحثها ومحص الدفاع المؤسس عليها لجاز أن يتغير وجه الرأى فى الدعوى . لما كان ما تقدم فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور .
( الطعن رقم 540 لسنة 35 - جلسة 1972/02/02 - س 23 ع 1 ص 121 ق 19 )
7ـ المناط فى تكييف عقد العمل وتمييزه من عقد المقاولة أو غيره من العقود هو توافر عنصر التبعية التى تمثل فى خضوع العامل لإشراف رب العمل ورقابته وهو ما نصت عليه المادة 674 من التقنين المدنى بقولها إن " عقد العمل هو الذى يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل فى خدمة العاقد الآخر وتحت إدارته أو إشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر " و ما نصت عليه كذلك المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 بقولها " عقد العمل هو الذى يتعهد بمقتضاه عامل بأن يشتغل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه فى مقابل أجر " . ويكفى لتحقق هذه التبعية ظهورها ولو فى صورتها التنظيمية أو الإدارية . فإذا كان الحكم المطعون فيه قد إستدل فى تكييفه للعلاقة بين الطرفين بأنها علاقة عمل ، بما إستخلصه من تحديد نوع العمل ونطاقه وحدوده والمواعيد المقررة له وخضوع المطعون عليه فى تنفيذه لإشراف الطاعن ورقابته وهو إستخلاص سائغ يؤدى إلى ما إنتهى إليه فإن النعى على هذا الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون وتأويله والفساد فى الإستدلال يكون على غير أساس ويتعين رفضه .
( الطعن رقم 137 لسنة 29 - جلسة 1963/02/13- س 14 ع 1 ص 239 ق 33 )
8 ـ عقد العمل يتميز بخصيصتين أساسيتين هما التبعية والأجر وبتوافرهما تقوم علاقة العمل وإذ كان عنصر التبعية - وهو المناط فى تكيف عقد العمل وتميزه عن غيره من العقود - يتمثل فى خضوع العامل لإشراف رب العمل ورقابته ، وكان إحضار العمال بعض ما يلزم عملهم من أدوات أو خامات و دفع أجور مساعديهم ليس من شأنه نفى عنصر تبعيتهم لصاحب العمل ما داموا يخضعون لرقابته وإشرافه ، وكان من صور الأجر تحديده على أساس ما ينتجه العامل دون أن يغير ذلك من طبيعة عقد العمل ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه بإنتفاء علاقة العمل إستناداً إلى أن الأجر يدفع عن القطعة وأن العمال يحضرون بعض ما يلزم صناعة الحذاء من خامات ويدفعون أجور مساعديهم من الصبية يكون قد شابه الفساد فى الإستدلال بما يستوجب نقضه .
( الطعن رقم 157 لسنة 40 - جلسة 1975/12/28 - س 26 ص 1714 ق 320 )
9 ـ المناط فى تكييف العقود وإعطائها الأوصاف القانونية الصحيحة هو ما عناه العاقدان فيها ، وإذ كان ما إنتهت إليه المحكمة من تكييف العقد بأنه ينطوى على عقد عمل وليس شركة لا خروج فيه على نصوص هذا العقد وتؤدى إليه عباراته وما إستخلصته المحكمة منها من قيام عنصر التبعية الذى يتمثل فى خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته ، مما يتعارض و طبيعة عقد الشركة ، وكان لا يتنافى مع هذا التكييف تحديد أجر المطعون ضده بنسبة مئوية من صافى الأرباح ، إذ ليس ثمة ما يمنع من تحديد أجر العامل على هذه الصورة دون أن يغير ذلك من طبيعة عقد العمل ، وكان ما ورد فى أسباب الحكم الأخرى التى عيبتها الطاعنة لم يكن إلا إستطراداً زائداً من الحكم يستقيم بدونه ، مما يكون معه النعى على ما تضمنته هذه الأسباب الزائدة غير منتج ، فإن النعى على الحكم المطعون فيه - بأنه أخطأ فى تكييف العقد بأنه عقد عمل - يكون على غير أساس .
( الطعن رقم 469 لسنة 37 - جلسة 1973/03/03 - س 24 ع 1 ص 372 ق 67 )
10 ـ أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المناط في تكييف عقد العمل وتمييزه عن عقد الوكالة وغيره من العقود هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لأشراف رب العمل ورقابته وهو ما نصت عليه المادة 674 من التقنين المدنى بقولها " عقد العمل هو الذى يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل في خدمة المتعاقد الآخر وتحت إدارته وإشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر " وهو ما تقضى به المادة 31 من القانون رقم 12 لسنة 2003 بإصدار قانون العمل من سريان أحكام قانون العمل الفردى على العقد الذى يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه لقاء أجر . وأنه يكفى لتحقق هذه التبعية ظهورها ولو في صورتها التنظيمية أو الإدارية .
( الطعن رقم 10297 لسنة 87 - جلسة 15 / 5 / 2018 )
( الطعن رقم 16809لسنة 86 - جلسة 11 / 4 / 2018 )
ورد بنص المادة 681 مدنى الأجر هو المقابل الذي يدفعه رب العمل للعامل ، والأصل أن يكون من النقود ويجوز أن يكون عينياً ، ويحدد الأجر بالمدة أو بالإنتاج وقد يكون بالمدة وبالإنتاج كما في الأجر بالطريحة ، وإذا أبطل العقد ، فلا يستحق العامل أجراً وإنما تعويضاً . ( المطول في شرح القانون المدني ، المستشار/ أنور طلبة ، المكتب الجامعي الحديث ، الجزء/ التاسع ، الصفحة/ 540 )
الأجر هو كل ما يستحقه العامل في مقابل أداء العمل ، أياً كان نوعه ، وأياً كانت طريقة تحديده وأياً كانت تسميته .
فيجوز أن يكون الأجر نقداً - وهو الغالب - أو عينياً ، أو في جزء منه بالنقد وجزء منه عينياً .
ويجوز أن يحدد الأجر بالمدة أو بالإنتاج أو بالمدة وبالإنتاج معاً كما في الأجر بالطريحة .
وجاء بالمادة 674 مدني أنه يلزم أن تتوافر علاقة التبعية فيما بين العامل ورب العمل بأن يعمل الأول تحت إدارة الثاني ، ولا يجب أن يتواجد الاثنان في مكان واحد طالما أن العامل يقوم بتنفيذ أوامر رب العمل ، وأياً ما كان العمل المنوط بالعامل ولو كان عملاً عقلياً ، وعقد العمل ، عقد رضائی ملزم للجانبين وهو من عقود المعارضة ويكون في الأصل عقداً مدنياً إلا أنه اذا جاء على تشغيل الملاحين اعتبر تجارياً بالنسبة لطرفيه حسبما نص عليه القانون التجاري ، وغالباً ما يكون مستمراً ولكنه قد يكون فورياً أي ينفذ مرة واحدة كرفع ثقل وقد يكون فردياً أو جماعياً ، ولا يوجد ما يمنع من أن يستخدم العامل عن طريقه أشخاصاً آخرين لإنجاز العمل طالما أنه يعمل تحت إشراف رب العمل ، فإن استخدم عامل بعض الأشخاص في القيام بعمله كبناء مسكن تابع للشركة التي يعمل بها فإن العقد في هذه الحالة يكون عقد عمل أما إن انتفت هذه العلاقة كان العقد مقاولة ، فالعبرة في هذا التمييز تكون بمدى الحق في الاشراف والتوجيه ، ويجوز للعامل أن يباشر عملاً آخر في أوقات فراغه ما لم يمنعه عن ذلك شرط في العقد .
وعلاقة التبعية هي المميزة لعقد العمل عن غيره من العقود الواردة على العمل ، ومتى توافرت علاقة التبعية ، كان إستحقاق العامل للأجر مفترضاً ولو لم يحدد في العقد ، إذ يقوم القاضي بتحديده . ( المطول في شرح القانون المدني ، المستشار/ أنور طلبة ، المكتب الجامعي الحديث ، الجزء / التاسع ، الصفحة / 526 )
الواضح من تعريف المادة لعقد العمل أن هناك عنصرين أساسيين يجب توافرهما في عقد العمل ، هما عنصر التبعية أي تبعية العامل لرب العمل ، وعنصر الأجر ، وقد عبرت المادة عن عنصر التبعية بقولها "... يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه"، كما ذكرت عنصر الأجر صراحة .
ولما كان الأجر يدخل كعنصر في بعض العقود الأخرى ، فإن عنصر التبعية يكون هو في الواقع ما يميز عقد العمل عن غيره من العقود الأخرى ، كالوكالة والمقاولة والإيجار ..... الخ .
ونعرض لعنصر التبعية فيما يلي :
عنصر التبعية
المقصود بالتبعية ، التبعية القانونية وليس التبعية الاقتصادية :
المقصود بالتبعية التي تعتبر عنصراً أساسياً في عقد العمل ، التبعية القانونية ، وهی التي تتحقق بهيمنة رب العمل أثناء تنفيذ العقد على نشاط العامل ، وذلك بخضوع العامل للرقابة وإشراف صاحب العمل ، الذي له أن يصدر إليه أوامر وتوجيهات يجب على العامل إطاعتها ، وفي فرض جزاءات على العامل إذا خالف ما يصدر إليه من أوامر .
واعتناق المشرع معيار التبعية القانونية واضح من نص المادة 31 من قانون العمل الجديد التي عرفت عقد العمل بأنه العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه لقاء أجر أياً كان نوعه ، ومن النصوص المقابلة لهذه المادة في التشريعات السابقة التي أوردت ذات المضمون السابق ، ولذلك جاء بالمذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 أنه "وبذلك يخرج من نطاق هذا المرسوم بقانون الأشخاص الذين يؤدون عملاً لحساب شخص آخر دون أن يكونوا تحت إدارته ، أو دون أن يكون له حق الإشراف عليهم، كالعلاقات القائمة بين الترزى وصاحب الملابس ، أو الطبيب والمريض أو المهندس ومالك البناء" وواضح كذلك مما نصت عليه 1/676 مدني من أنه : " تسري أحكام عقد العمل على العلاقة ما بين أرباب الأعمال وبين الطوافين والممثلين التجاريين والجوابين ومندوبي التأمين وغيرهم من الوسطاء ولو كانوا مأجورين بطريقة العمالة أو كانوا يعملون لحساب جملة من أرباب الأعمال" .
ولا أهمية في ذلك لنوع العمل ، فيستوي أن يكون عقلياً أو يدوياً فنياً أو غير فني ، ولا أهمية لكونه مستمراً يؤديه العامل بإعتباره حرفة له أو عرضياً ، ولا يؤثر في ذلك طريقة احتساب الأجر أو مقداره أو مواعيد دفعه أو التسمية التي تطلق على العامل مثل موظف أو مستخدم أو مدير فني .
أما التبعية الاقتصادية ، وهي التي تعني اعتماد العامل في حياته اعتماداً كلياً على الأجر الذي يعطيه إياه صاحب العمل مقابل المجهود الذي يستنفده هذا الأخير ، إذ يعيش العامل على ما يحصل عليه من أجر عمله الذي يتقاضاه من صاحب العمل ، ومن ناحية أخرى يستنفد صاحب العمل كل نشاط العامل بحيث لا يبقى لهذا العامل أي وقت للعمل لدى شخص آخر ، فإنها لا تصلح لتمييز عقد العمل عن غيره من العقود ، ذلك أن هذه التبعية الاقتصادية يعيبها أنها تعلق التكييف القانوني للعقد على عنصر أجنبي عنه هو المركز الإجتماعي لأحد المتعاقدين ، فلا يعقل أن يعتبر العقد مرة عقد عمل ومرة عقد مقاولة وفقاً لإختلاف المركز الإجتماعي لمن يقوم بالعمل ، هذا إلى أن الإكتفاء بالتبعية الإقتصادية يهدد طغيان عقد العمل على غيره من العقود التي ترد على العمل ، ذلك أن معظم الأشخاص يعتمدون اعتماداً كلياً على ما يحصلون عليه من عملهم بإعتباره المورد الوحيد لرزقهم .
للتبعية القانونية صورتان
الصورة الأولى : هي التبعية الفنية ، ويقصد بها خضوع العامل لتوجيه وإشراف كامل أو شبه كامل من قبل صاحب العمل في جوهر العمل بدقائقه وجزئياته ، فيفترض في صاحب العمل - في هذه الصورة أن يكون عالماً بفن حرفته أو على الأقل ملماً به إلماماً يجعل في قدرته توجيه العامل وإدارته .
والصورة الثانية : هي التبعية التنظيمية أو الإدارية ، وفي هذه الصورة يترك للعامل سلطانه الفني في مباشرة العمل وتنفيذه ، بحيث ينحصر خضوعه لصاحب العمل في شأن الظروف الخارجية التي يتم في ظلها هذا التنفيذ ، كتحديد أوقاته ومكانه ، وتقسيم العمل على العمال إذا تعددوا والتفتيش عليهم للتأكد من مراعاتهم للتعليمات الصادرة إليهم ، وتوقيع الجزاء على المخالف منهم .
ويجمع الفقه والقضاء على كفاية التبعية التنظيمية أو الإدارية حتى ولو تحققت التبعية الفنية فاشتراط التبعية الفنية يؤدي إلى انكماش نطاق قانون العمل ، فلا يسرى إلا عندما يتحقق لصاحب العمل الادارية الفنية الخاصة بالعمل الذي يؤديه ، وهو أمر ليس بالمتيسر في غالب الأحوال ، فقلما تتوافر هذه الصورة في غير المصانع أو المتاجر البسيطة التي يقوم مالكوها وسط عمالها بالعمل فيها ، فضلاً عن أن العامل الذي يخضع لسلطان رب العمل ولو في شأن الظروف الخارجية لتنفيذ العمل دون جوهره لا يمكن إعتبار عمله مستقلاً تماماً مادام يظل يتبع صاحب العمل من بعض النواحي في أداء عمله ، وإذا كان خضوعه لصاحب العمل من هذه النواحي أهون من خضوعه الفني له ، إلا أنه يربطه بنوع من التبعية قبله ، وهو ما يكفي للقول بتوافر التبعية القانونية في شأنه واعتبار العقد الذي يربطه بصاحب العمل عقد عمل .
وبالترتيب على ذلك ، فإن هذا النص يمكن أن يطبق على أصحاب المهن الحرة كالأطباء والمهندسين والمحاسبين ، حتى ولو لم تتوافر المعرفة الفنية لدى صاحب العمل ، طالما أنه يشرف على العامل من الناحية التنظيمية أي الإدارية بأن يحدد له مكان العمل وأوقات مباشرته مثلاً . قد يقوم الشخص بتصرفات متعددة لحساب الغير ولا تكون سلطتة واحدة في شأنها جميعاً ، إذ قد يخضع في بعضها الإدارة وإشراف صاحب العمل ، ويخضع في مع بعضها الآخر لتقديره واستقلاله التام بحيث يتنافى مع فكرة التبعية ، فحينئذ إذا أمكن الفصل بين عمل كل نوع من هذه التصرفات على حده ، فإنه يمكن إعطاء كل عمل وصفة القانوني . أما إذا كانت هذه التصرفات مختلطة اختلاطاً لا يقبل التجزئة ففي هذه الحالة يؤخذ بالتصرفات الغالبة منها ، فإذا كانت التصرفات التي تتحقق فيها التبعية هي الغالبة ، اعتبر الشخص عاملاً . وإن كانت التصرفات الأخرى هي الغالبة وكانت وكالة مثلاً ، اعتبر الشخص وكيلاً ولا ينطبق عليه قانون العمل .
ومفاد ما تقدم أنه ليس ثمة ما يمنع من أن يجمع العامل بين صفتي الأجير والوكيل . ( موسوعة الفقه والقضاء والتشريع ، المستشار/ محمد عزمي البكري ، الجزء/ الثامن ، الصفحة / 500 )
يتضمن هذا النص تعريف لعقد العمل وتحديد لأركانه ، وتجدر الإشارة بداهة أنه من العقود الرضائية التي تنعقد باتفاق إرادة الطرفين ، وهما العامل وصاحب العمل .
ويمكن تحديد أركان هذا العقد في الآتي :
1- علاقة عمل بين عامل وصاحب عمل .
2- أن يكون العامل تابعاً لصاحب العمل في أداء عمله أي لابد من توافر شرط التبعية .
3- أن تكون هذه التبعية مقابل أجر يتقاضاه العامل من صاحب العمل .
أولاً : علاقة عمل بين عامل وصاحب عمل :
فلابد من وجود طرفين لانعقاد هذا العقد وهما عامل وصاحب عمل بالمفهوم السابق تحديده بالمادة الأولى من هذا القانون .
وتجدر الإشارة إلى أن الأهلية اللازمة للتعاقد العامل في هذا العقد هي 12 سنة حيث أباح القانون للعامل البالغ 12 سنة إبرام عقد التدرج والتمرين . أما بخصوص صاحب العمل فلم يرد في القانون أي اشتراط بخصوص الأهلية اللازمة لصاحب العمل وبالتالي يرجع في هذا الشأن للقواعد العامة في القانون المدني . ولما كان قانون الولاية على المال يتيح للصبي المميز الأهلية اللازمة لإدارة واستغلال أمواله ولكننا نتفق مع الرأي القائل بأن الأهلية المطلوبة لصحة انعقاد عقد العمل بخصوص صاحب العمل هي أهلية الأداء الكاملة ببلوغه سن الرشد. (راجع د. علي عوض في الوجيز في قانون العمل ص 185) فلا يمكن أن يكون المشرع وهو ينص على العقوبات الواردة في هذا القانون قد انصرف ذهنه إلى الصبي المميز حيث يعتبر حدثاً في قانون العقوبات ولا يمكن أن ينصرف ذهن المشرع إلى الأحداث لتوقيع العقوبات عليهم مما يفصح عن قصد المشرع الحقيقي في أن الأهلية المطلوبة في صاحب العمل هي أهلية الأداء الكاملة .
وعلى ضوء ذلك يمكن تعريف :
فقد تكون المنشأة مملوكة لشخص طبيعي - فتسمى منشأة فردية مملوكة لشخص طبيعي - وقد تكون المنشأة مملوكة لشخص اعتباري (شركة/ جمعية) وفي كلتا الحالتين تقوم باستخدام آخرین لقاء أجر لممارسة نشاطها .
فصاحب العمل قد يكون شخصاً طبيعياً أو معنوياً (كشركة أو جمعية أو مؤسسة) ما دام يمارس نشاطاً ويستعين في سبيل تحقيق ذلك النشاط بجهود أشخاص طبيعيين يعملون تحت إشرافه لقاء أجر .. ويستوي في الأمر أن يكون نشاط صاحب العمل [نشاطاً إنتاجياً ] أو [ نشاطاً يقوم على أداء خدمات] فلا أهمية للنشاط الذي يمارسه . ولا يشترط أن يكون صاحب العمل محترفاً للمهنة التي يعمل بها العامل : فقوانين العمل على تعاقبها - لم تستبعد الأشخاص الذين يعهدون إلى آخر بتأدية عمل لهم دون أن يتخذوا من هذا العمل حرفة لهم .
لذلك فمن المتصور أن يستخدم شخص عدداً من الفنيين للقيام بعمل معين ، بينما لا تتوافر لديه شخصياً الدراية الكافية بهذا العمل من الناحية الفنية ، ولكنه يظل مع ذلك (صاحب عمل) طالما أنه يشرف على مشروعه من الناحية الإدارية أو التنظيمية .
ولا يشترط كذلك في صاحب العمل أن يكون أداؤه لعمله بقصد الربح ، ومن ثم تطبق أحكام عقد العمل الفردي على من تستخدمهم الهيئات الثقافية والخيرية والدينية ، والنوادي الخاصة ، ومعاهد التعليم الحر والنقابات. وتعتبر هذه الهيئات بمثابة [ صاحب عمل ] بالنسبة للعمال الذين تستخدمهم لقاء أجر ، ويعملون لحسابها وتحت إدارتها وإشرافها .
إذن العامل كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب عمل وتحت إدارته أو إشرافه. ويتضح من ذلك أن العامل لابد وأن يكون إنساناً (ذكراً أو أنثی) ذلك أن العمل هو مجهود إداري أو فني يقوم به الإنسان ، يستوي في ذلك أن يكون جهداً عضلياً أو ذهنياً ، فلا يتصور أن ينسب (العمل) بهذا المعنى إلى شخص اعتباري ، حيث إن (المجهود الإداري) ينسب دائماً إلى الأشخاص الطبيعيين العاملين فيه. وقد قصد الشارع بتنظيمه لأحكام العمل حماية العامل في إنسانيته وبدنه ، فخصه بنظام يختلف عن سائر النظم التي تحكم العقود الأخرى .
ويلاحظ أن المشرع قد أطلق لفظ (العامل) ولم يقيده بأي وصف .
وعلى ذلك فإن كل من يعمل في خدمة صاحب عمل لقاء أجر ينطبق عليه وصف (العامل) بغض النظر عن العمل الذي يقوم به ، فيستوي أن يكون العمل مادياً أو ذهنياً أو فنياً ، ويستوي كذلك أن يشغل العامل منصباً صغيراً ، أو أن يكون من ذوي المناصب العليا .
عرفت المادة (31) عمل عقد العمل بأنه العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل أن يعمل لدى صاحب عمل ، وتحت إدارته أو إشرافه ، لقاء أجر .
ويكاد هذا التعريف يكون مطابقاً لذلك الذي أوردته المادة 674 من القانون المدني المصري إذ عرفت عقد العمل بأنه: ( عقد يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل في خدمة المتعاقد الآخر وتحت إدارته وإشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر). وباستقراء هذه النصوص ؛ نتبين أن عقد العمل الفردي يتميز بعنصرين أساسيين : التبعية والأجر ، فنعرض لهما بالتفصيل على التوالي :
ثانيا : علاقة التبعية :
تعتبر رابطة التبعية أحد العنصرين المميزين لعقد العمل الفردي ، حيث تقرر محكمة النقض المصرية أن عقد العمل يتميز بخصیصتين أساسيتين هما : (التبعية والأجر) بحيث لا يقوم إلا بهما مجتمعين ، وأن المناط في تكييف عقد العمل وتمييزه عن غيره من العقود هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لصاحب العمل وإشرافه ورقابته .
ولذلك لا يتحقق عقد العمل إلا بتوافر أمرين (تبعية العامل) و (تقاضيه أجراً على عمله). ذلك أن العمل الإنساني قد يبذل لحساب الشخص الذي يقوم بأدائه ، بحيث يقوم بهذا العمل ، على استقلال ودون الخضوع لرقابة شخص آخر . وقد يؤدي الإنسان عمله لحساب شخص آخر وتحت إشراف ورقابة هذا الأخير . وقانون العمل لا يحكم إلا (العمل التابع) الذي يقوم به الشخص لحساب آخر ، وتحت رقابته ، أما العمل الذي يؤديه شخص لحسابه الخاص فلا يخضع لقانون العمل .
ونستعرض فيما يلي المقصود بعنصر (التبعية) ، ثم نستخدم هذا العنصر لتمييز عقد العمل عن بعض ما قد يختلط به من عقود .
يقصد بالتبعية قيام العامل بالعمل تحت إدارة وإشراف صاحب العمل ، بحيث يكون من حق هذا الأخير إصدار أوامر وتوجيهات للعامل بشأن تحديد العمل المطلوب منه ، وكيفية القيام به ووقت ومكان أدائه ، وأن يوقع عليه الجزاء إذا لم يراع هذه الأوامر .
والتبعية على هذا النحو هي التبعية القانونية ، وهي تختلف عن التبعية الاقتصادية ، والتي تعني استئثار صاحب العمل بجهود العامل مقابل أجر ، يعتبر مصدر رزق العامل الوحيد ويعتمد عليه في معيشته اعتماداً كلياً ، بحيث يمكن القول إنه تابع اقتصادياً لصاحب العمل .
ويلاحظ أن القانون 12 لسنة 2003م يأخذ صراحة بمعيار التبعية القانونية ، فالمادة (1 / أ) من قانون العمل تعرف العامل بأنه (كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب عمل وتحت إدارته أو إشرافه)، وتعرف المادة (31) عقد العمل بأنه ( کل عقد يتعهد بمقتضاه شخص طبيعي أن يعمل لمصلحة صاحب عمل وتحت إدارته أو إشرافه لقاء أجر).
ويؤيد القضاء في مصر هذا النظر ، حيث قرر أن المقصود بالتبعية ؛ التبعية القانونية التي تقوم على أساس تأدية العمل لصاحب العمل وائتمار العامل بأوامر صاحب العمل وخضوعه لإشرافه ورقابته وتعرضه للجزاءات إذا ما قصر في عمله أو أخطأ .
رأينا أن المشرع يعتد بالتبعية القانونية ويجعل منها مناط تطبيق قانون العمل ، ولكن هذه التبعية تتفاوت في درجاتها :
- فهي قد تكون تبعية فنية ؛ بموجبها يشرف صاحب العمل على العامل إشرافاً كاملاً ، في كل دقائق العمل وجزئياته من الناحية الفنية ، وهي تفترض بالطبع إلمام صاحب العمل بالأصول الفنية للعمل .
- وقد تكون رقابة صاحب العمل وإشرافه أخف وطأة ، بحيث يكتفي صاحب العمل بالإشراف على الظروف الخارجية للعمل ، كأن يحدد للعامل وقت العمل ومكانه ، دون أن يتدخل في العمل من الناحية الفنية ، وتلك هي (التبعية الإدارية أو التنظيمية) .
هذا ولم يحدد المشرع أي درجة من الدرجات ينبغي توافرها للقول بتوافر (التبعية القانونية) ، لذلك استقر الفقه والقضاء على أن أي صور من صور التبعية تكفي للقول بتوافر علاقة التبعية فلا يشترط أن تتوافر التبعية الفنية بل يكفي أن تتوافر التبعية التنظيمية أو الإدارية للقول بتوافر عنصر التبعية في علاقة العمل .
وحيث إن عنصر التبعية في عقد العمل هو المميز لهذا العقد عن غيره من العقود التي قد تختلط به لوقوعها على نشاط الإنسان ولذا كان هذا العنصر هو فيصل التفرقة ، مها دقت بين عقد العمل وغيره من العقود ، وعنصر التبعية يقوم بين طرفيه على نوع من الخضوع يخل باستقلال أحدهما لمصلحة الآخر ، وهذا هو مفهوم التبعية القانونية التي تنحصر في نطاق الروابط العقدية ، ويقصد بها هيمنة صاحب العمل أثناء العقد على نشاط العامل فقوامها نوع من السلطة لأحد المتعاقدين على الآخر ، تظهر في أمرين :
- أولهما : حق صاحب العمل في توجيه العامل وملاحظته أو رقابته ، أثناء قيامه بالعمل ، والتزام العامل بإطاعته في هذا التوجيه ، وبالامتثال له في تلك الملاحظة أو الرقابة.
- والثاني : الجزاءات التي يمكن لصاحب العمل عند المخالفة توقيعها على العامل ، وتتفاوت التبعية القانونية بتفاوت إمكانيات صاحب العمل في استعماله سلطته ، وتختلف سعة وضيقاً باختلاف نشاط العامل ، فهي إما تبعية فنية تضع العامل بصفة مباشرة تحت إدارة صاحب العمل ، وإما تبعية مهنية تقتصر على التضييق من حرية العامل في نشاطه أو في ممارسة مهنته ، وإما تبعية تنظيمية لا تمس غير الظروف التي يقوم فيها العامل بتأدية عمله .
ومحكمة النقض المصرية مستقرة على ذلك ، حيث قررت في العديد من أحكامها أنه يكفي للقول بتوافر عنصر التبعية أن تظهر هذه التبعية ولو في صورتها التنظيمية أو الإدارية : [ إن مناط تكييف عقد العمل وتمييزه عن عقد المقاولة وغيره من العقود - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته ، وهو ما نصت عليه المادة 674 من التقنين المدني بقولها : [ عقد العمل هو الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل في خدمة المتعاقد الآخر وتحت إدارته أو إشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر کما عرفت كذلك المادة 42 من القانون رقم 91 لسنة 1959 عقد العمل بأنه هو الذي (يتعهد بمقتضاه عامل بأن يشتغل تحت إدارة صاحب عمل أو إشرافه في مقابل أجرة) ، وأنه يكفي لتحقيق هذه التبعية ظهورها ولو في صورتها التنظيمية أو الإدارية .
وقد ترتب على ذلك أن اتسع نطاق عقد العمل الفردي ليشمل العديد من الأشخاص الذين - وإن كانوا لا يخضعون في عملهم لإشراف فني من قبل من يعملون لحسابه فإنهم يخضعون للإشراف الإداري .
تطبيقات قضائية :
ولقد ترتب على اكتفاء القضاء بأحد صور التبعية أن تمكن القضاء من إخضاع العديد من الأشخاص لأحكام قانون العمل ، وعلى الأخص ذوي المهن الحرة الذين يعملون - أصلاً - على استقلال ، ويباشرون عملهم من الناحية الفنية دون رقابة أو توجيه . ذلك أنه لا يشترط بالنسبة لهم خضوعهم من الناحية الفنية لرب العمل ، فهذا الأخير لا يشترط فيه أن يكون على دراية فنية بأعمالهم ، بل يكفي أن يتوافر له عليهم حق الإشراف من الناحية الإدارية أو التنظيمية للقول بتوافر علاقة العمل .
وقد طبق القضاء المصري - كغيره من الجهات القضائية في العديد من الدول الأخرى - هذا المعيار في العديد من الحالات ، انتهى فيها إلى توافر علاقة العمل تأسيساً على وجود علاقة تبعية تنظيمية . ولعل أبرز هذه الحالات هي ما توصل إليه القضاء من إخضاع أصحاب المهن الحرة إلى علاقة عمل تأسيساً على ذلك .
ونكتفي بهذا الصدد بإيراد مثالين ، يتعلق الأول منها بعلاقة الطبيب بإحدى الشركات أو الهيئات ، والثاني بعلاقة المحامي بزميل له ، أو بهيئة من الهيئات.
أ) علاقة الطبيب بإحدى الشركات أو الهيئات :
لا تثير علاقة الطبيب بمرضاه في عيادته الخاصة صعوبة في التكييف ، ولكن الأمر يتطلب تكييفاً قانونياً إذا التحق الطبيب بالعمل لدى طبيب آخر في عيادته أو مستشفاه ، أو التحق (أو أبرم عقداً) مع شركة أو هيئة من الهيئات لعلاج عمالها .
وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على أن مناط تكييف العقد في هذه الحالة هو توافر أو تخلف عنصر التبعية ، وقرر أن المحكمة تستخلص في حدود سلطاتها الموضوعية ، وفي ضوء الوقائع المعروضة عليها ، توافر أو عدم توافر علاقة التبعية .
بناء عليه ؛ فالطبيب المكلف بالكشف على المرضى في مواعيد وأماكن محددة ، وفقاً لنظام محدد تضعه الشركة يعتبر مرتبطاً معها بعقد عمل .
ب) علاقة المحامي بزميل له أو بشركة :
ولعل من أكثر الفئات إثارة لمشكلة تكييف العلاقة التعاقدية فئة (المحامين) في علاقتهم إما بمنشأة أو بزميل لهم .
فالأصل أن المحامي في علاقته بعملائه يخضع لعقد الوكالة نظراً لأن الأعمال التي يقوم بها هي أعمال قانونية . ولكن ليس ثمة ما يمنع من إخضاع المحامي لعلاقة العمل متى ثبت توافر عناصرها في العقد ، وعلى الأخص عنصر التبعية القانونية باعتباره العنصر المميز لعقد العمل عن العقود الأخرى التي ترد على العمل ، ويتقاضى المتعاقد فيها أجراً .
وعلاقة المحامي قد تكون بزميل به ، يتعاقد معه على العمل لحسابه ، وتحت إشرافه وتوجيهه ، والعلاقة هنا تكون علاقة عمل ، حيث يتوافر فيها عنصر التبعية القانونية بل يتوافر هذا العنصر في صورته الفنية ، حيث يملك المحامي من الدراية الفنية ما يمكنه من الإشراف فنياً على من يعمل لديه من المحامين . لذلك قررت محكمة النقض المصرية أن النص في قانون المحاماة على عدم جواز الجمع بين المحاماة والتوظف لا ينفي قيام علاقة العمل بين محام وزميل له يعاونه في مباشرة مهنته ، لقاء أجر متى توافر عنصر التبعية والإشراف . ذلك أنها لا تعتبر من قبيل التوظف الذي يعنيه قانون المحاماة عمل المحامي في مكتب زميل له .
غير أنه لا يشترط للقول بقيام علاقة العمل توافر عنصر التبعية في صورته الفنية ، بل يكفي خضوع المحامي في علاقته بالمنشأة أو الشركة للتبعية التنظيمية أو الإدارية .
لذلك قررت محكمة النقض المصرية أن العقد الذي يبرمه محام مع منشأة كمستشار قانوني لها يعتبر عقد عمل ، مادامت قد توافرت فيه شرائط التبعية القانونية ، حتى لو كان مصرحاً له بالاشتغال بالمحاماة في مكتب مستقل .
تمييز عقد العمل عن غيره من العقود :
كثيراً ما تدق التفرقة بين عقد العمل وغيره من العقود، ذلك أن عقد العمل يتشابه في خصائصه مع العديد من العقود ، فهو عقد رضائي ، لا يتطلب المشرع فيه شكل خاص ، وهو ملزم للجانبين ، حيث يترتب منذ إبرامه التزامات على عاتق طرفيه ، أهمها إلزام صاحب العمل بأداء الأجر ، والتزام العامل بأداء العمل ، وهو من عقود المعارضة حيث يأخذ كل جانب فيه مقابل لما يعطي، وأخيراً فإنه من العقود المستمرة .
ويشترك عقد العمل في الخصائص مع العديد من العقود الأخرى ، وهو لذلك قد يختلط بها فيلتزم تمييزه عنها .
وتبدو أهمية عنصر التبعية بالذات في الحالات التي تدق فيها التفرقة بين عمل العمل وغيره من العقود ، حيث يستخدم لتمييز عقد العمل ، مما قد يشتبه به من عقود . ويلاحظ في هذا الصدد أن العبرة في تكييف العقد بحقيقة الواقع والنية المشتركة التي اتجهت إليها إرادة المتعاقدين دون الإعتداد بالألفاظ التي صيغت في هذه العقود ، وبالتكييف الذي أسبغه الطرفان عليها : «إذا كانت نصوص العقد قد أبانت عن إبرامه بين صاحب عمل وعامل لأداء خدمة هي معاونة صاحب العمل وإشراف الأخير عليه وذلك لقاء أجر معلوم ، فإن كل ذلك ينبئ عن أن المتعاقدين قد اتجهت نيتهما إلى عقد عمل..)
ونعرض فيما يلي للتمييز بين عقد العمل وعقد المقاولة ، ثم عقد العمل وعقد الوكالة ، مستخدمين في ذلك معيار التبعية :
أ) عقد العمل وعقد المقاولة :
ووجه الشبه بين العقدين أن كلاً منهما يرد على القيام بعمل لقاء أجر ، فقد سبق أن عرفنا عقد العمل بأنه (العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه لقاء أجر) بينما عقد المقاولة بأنه العقد الذي يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر).
وبذلك يتضح أن هناك أوجه شبه بين المتعاقدين ، غير أن النظام القانوني الذي يخضع له كل منهما يختلف عن الآخر ، ويقتضي ضرورة التفرقة بينهما ، حيث يخشى إذا اختلط الأمر أن تحجب الحماية المقررة في قانون العمل عن مستحقيها ، إذا تم تكييف العقد الذي يرتبطون به على أنه عقد مقاولة ، بينما هو في الحقيقة عقد عمل .
لذلك لجأ المشرع والفقه والقضاء منذ زمن طويل إلى معيار التبعية بإعتباره المعيار الصادق في تمييز عقد العمل عن عقد المقاولة . فقيام التبعية بين العامل وصاحب العمل عنصر جوهري في عقد العمل ، بينما استقلال المقاول عن صاحب العمل ركن أساسي في عقد المقاولة .
ب) عقد العمل وعقد الوكالة :
والتمييز بين عقد العمل وعقد الوكالة له أهمية عملية ، نظراً لإختلاف النظام القانوني لكل من العقدين ، فالوكالة تنتهي بموت الوكيل ، بينما الأصل ألا ينتهي عقد العمل بوفاة صاحب العمل ، بل يظل العقد سارياً في مواجهة خلفه . وعقد العمل لا يجوز إنهاؤه إذا كان محدد المدة قبل بلوغ أجله أو قبل إخطار الطرف الآخر ومنحه مهلة إذا كان العقد غير محدد المدة ، بينما يجوز للموكل عزل الوكيل في أي وقت ، وللوكيل الحق في أن يتنازل عن الوكالة قبل الفراغ من تنفيذها . وبينما تتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد العمل بانقضاء سنة من تاريخ انتهاء العقد، بينما تخضع الدعاوى الناشئة عن عقد الوكالة للقواعد العامة في التقادم المسقط .
ورغم اختلاف النظام القانوني لكل من العقدين على النحو السالف فإن التفرقة بينهما تدق ، نظراً لأن كلاهما يرد على العمل ؛ فالوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل ، أما العمل الذي يقوم به العامل فهو عمل مادي سواء كان يدوياً أو ذهنياً .
غير أن طبيعة العمل الذي يقوم به الشخص قد لا تكفي لبيان النظام القانوني الذي يخضع له خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يقومون بأداء أعمال قانونية ومادية في آن واحد لمصلحة شخص آخر .
لذلك كان لابد من البحث عن معيار آخر للتفرقة بين علاقة العمل وعلاقة الوكالة . وقد استقر الفقه والقضاء على أن المعيار الذي يعول عليه في هذا الصدد هو معيار التبعية القانونية.. فإذا توافرت علاقة التبعية بحيث يخضع أحد طرفي العقد لرقابة وإشراف الطرف الآخر كنا بصدد عقد عمل بغض النظر عما إذا كان العمل المكلف به التابع هو عمل قانوني أو عمل مادي، ذلك أن المشرع في تعريفه لعقد العمل أطلق الوصف ولم يقصر موضوع عقد العمل على العمل المادي وحده ، لذلك فإن صح استبعاد العمل المادي من نطاق الوكالة فالعكس غير صحيح ، أي لا يصح استبعاد العمل القانوني من نطاق عقد العمل متى توافرت لهذا الأخير عناصره ، وخاصة عنصر التبعية القانونية .
ثالثاً : عنصر الأجر :
حيث لا يمكن أن تتحقق التبعية القانونية بدون عنصر الأجر ، فالعمل التطوعي في الجمعيات الخيرية لا يعتبر علاقة القائم بها مع الجمعية علاقة عمل طالما انتفى عنصر الأجر من العلاقة، والذي يقوم بعمل ما لحساب نفسه لا يعد عملاً تابعاً خاضعاً لقانون العمل . ( الموسوعة العمالية ، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال ، مطبعة علاء الدين ، طبعة 2009 ، الصفحة : 159 )
النصوص المقابلة :
تقابل المادة (42) من قانون العمل الموحد الملغي رقم 91 لسنة 1959 كما تقابل المادة (29) من قانون العمل الملغي رقم 137 لسنة 1981.
تعريف عقد العمل :
عرف النص الجديد عقد العمل بأنه العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه لقاء أجر .
ويتضح من التعريف الذي أوردته المادة (31) الجديدة أن لكل من العامل وصاحب العمل صفتان متماثلتان نتيجة دخولهما في علاقة أو رابطة مدنية تكون لكل منهما حقوقاً والتزامات متوازنة قبل الآخر كعقد الإيجار ويترتب عليه عدم تنفيذ أحدهما لأحد التزاماته المفروضة بالعقد حق الطرف الآخر في الإمتناع عن تنفيذ التزاماته المقابلة وذلك في حدود القواعد العامة في القانون المدني . لكن عقد العمل ينفرد دون غيره من العقود المدنية بأن لكل من العامل وصاحب العمل إلى جانب الصفتين المتماثلتين صفتان متمايزتان نتيجة كون هذه العلاقة المدنية علاقة عمل يكون فيها العامل تابعاً في أداء عمله لصاحب العمل ، وهذا ما دعا الفقه الفرنسي إلى إبراز عنصر الإشراف والإدارة كأهم عنصر من عناصر عقد العمل وعلى هذا الأساس فإن عناصر عقد العمل أربعة :
العنصر الأول : علاقة بين عامل وصاحب عمل بالمفهوم السابق تحديده بالمادة الأولى بالنسبة لتعريف كل منهما .
العنصر الثاني : أن يعمل العامل لحساب صاحب العمل .
العنصر الثالث : أن يعمل العامل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه أي يكون تابعاً له في إدارة العمل .
العنصر الرابع : أن يكون ذلك مقابل (أجر) .
العنصر الأول : علاقة بين عامل وصاحب عمل :
لابد من وجود طرفين لإنعقاد عقد العمل هما عامل وصاحب عمل فإذا لم يكن للشخص الذي يرتبط بهذه العلاقة صفة العامل أو لم يكن لمن يؤدى العمل لحسابه صفة صاحب العمل فلا يمكن أن يقال أن هناك علاقة عمل .
وبناء عليه فإن مناط التقدم للجهة الإدارية (مكتب العمل) طبقاً للمادة 70 في حالة وجود نزاع فردي وطلب تسويته هو قيام علاقة عمل أو رابطة عمل Lien de travail وكذلك الحال عند الإلتجاء إلى اللجنة القضائية المنصوص عليها بالمادة 71 من القانون الجديد .
ورغم أن المادة (32) من القانون توجب ثبوت عقد العمل بالكتابة وإيداع نسخة منه بمكتب التأمينات المختص إلا أنه لازال بالإمكان تعيين عمال بلا عقود مكتوبة وهو ما يجيز للعامل وحده إثبات حقوقه بكافة طرق الإثبات ، ومن المقرر أن دعوى إثبات علاقة العمل غير ناشئة عن أحكام قانون التأمين الإجتماعي ومن ثم يجوز رفعها مباشرة أمام القضاء دون عرض الأمر على اللجنة المنصوص عليها بالمادة (157) من القانون رقم 79 لسنة 1975 بشأن التأمين الاجتماعي الموحد .
العنصر الثاني : ضرورة توافر أركان العقد من رضاء ومحل وسبب :
وعلاقة العمل قد تكون شفهية حتى في ظل المادة (31) الراهنة وقد تكون مدونة في صورة عقد مكتوب وهذا هو الغالب .
ولابد أن تتوافر أركان العقد من تراض ومحل وسبب ، ويتصل بالتراضي أهلية العامل وأهلية صاحب العمل ويراعي في صدد انعقاد عقد العمل بالتراضي مسألتين .
الأولى : أهلية صاحب العمل .
الثانية : إلزام صاحب العمل بتعيين العمال وبالتالي إلزامه بإبرام عقود عمل معهم مما يتنافى مع القواعد العامة بشأن حرية الإرادة وحرية العمل .
المسألة الأولى : أهلية صاحب العمل :
وبالنسبة للمسألة الأولى : فإن فقه قانون العمل مضطردة على أن القانون 91/ 59 والقوانين التي سبقته والتي تلته لم تشر إلى قواعد خاصة بأهلية صاحب العمل والمقصود بها أهلية الأداء أي أهليته في إبرام العقود والتصرفات والملاحظ أن القانون الحالي جاء أيضاً کسابقه خلواً من مثل هذه الأحكام ، والسؤال إذن يظل مطروحاً وهو هل يشترط في صاحب العمل أن يكون بالغاً سن الرشد وهو 21 سنة ، القاعدة أن بلوغ سن الرشد (أي أهلية الأداء) لا يشكل صعوبة بالنسبة للعامل فيما يتعلق بالأهلية .
أما بالنسبة لصاحب العمل فإزاء خلو القانون من القواعد والأحكام التي تنظم أهليته فقد ذهب الفقه إلى أن عقد العمل بالنسبة لصاحب العمل يعتبر من أعمال الإدارة إذ هو وسيلة طبيعية للإستغلال العادي للأموال ، ولهذا يكون الصبي المميز الذي بلغ ثماني عشرة سنة ومن في حكمه (م 112 و116 / 2 مدني- ومادة 67 من قانون الولاية على المال) أن يبرم بإعتباره صاحب العمل عقد عمل فيما يتعلق بإدارة الأموال التي أذن له بتسلمها كأن يبرم عقد عمل ، مع طباخ ليقوم بإعداد الطعام له في حدود المال المخصص لنفقته . ومع وجاهة الأسانيد التي يستند إليها هذا الرأي فإننا لا نتفق معه ونرى أن صاحب العمل لا يجوز أن يكون صبياً مميزاً ويجب أن تتوافر فيه أهلية الأداء كاملة أي بلوغ سن الرشد غیر مصاب بعاهة في العقل أو عيب من العيوب المؤثرة في الأهلية ونؤيد رأينا بما يلي :
أ) إن صاحب العمل في خطاب الشارع في قانون العمل- حسبما استقرت على ذلك أحكام محكمة النقض - هو صاحب الأمر بحسب النظام الموضوع في المنشأة في الإشراف الإداري على شئون العمال المنوط به الإختصاص بتنفيذ ما فرضه القانون ، وهذا الوصف في المخاطب به ركن في الجريمة التي تنسب إليه .
ب) إن نصوص العقاب المفروضة على مخالفة أحكام قانون العمل منها نصوص تعاقب بالحبس ومنها نصوص تكون الغرامة فيها مرتفعة فلو سلمنا بأن الصبي المميز المصرح له بإدارة أمواله يمكن أن يكون صاحب العمل فإنه إذا خالف النصوص حق عليه العقاب فإذا عوقب كان في ذلك انتقاص لأمواله المسموح له بإدارتها ويكون الفعل هنا ضار ضرراً محضاً محظوراً عليه وإذا عوقب بالحبس فإنه يتعذر ذلك لأن الصبي البالغ من العمر 18 سنة يعتبر حدثاً في ظل قانون العقوبات ولا يمكن أن يكون قصد المشرع قد انصرف إلى عقاب الأحداث لمخالفتهم لأحكام القانون مما يفصح عنه أنه افترض في صاحب العمل أن يكون ذا أهلية كاملة .
ج) إن المادتين (8 و 9) من القانون (في الباب الثاني الخاص بالأحكام العامة) نصتا على مبدأ التضامن في المسئولية بين أصحاب الأعمال عن الإلتزامات المقررة وفقاً لأحكام القانون ولا يمكن أن يكون التضامن بين المدينين وارداً إلا على أشخاص يتمتعون بأهلية كاملة طبقاً للقواعد العامة وكذلك الحال بالنسبة لحق الإمتياز على جميع أموال صاحب العمل طبقاً للمادة السادسة من القانون .
د) نصوص الكتاب الخامس الخاص بالسلامة والصحة المهنية تتضمن أحكاماً لا يستقيم تنفيذ الإلتزامات الناشئة عنها إلا من أشخاص ذوي أهلية كاملة مما يقطع بأن هدف المشرع لا ينصرف إلى إمكان اعتبار الصبي المميز أو الحدث بمثابة رب عمل وخاصة فيما يتعلق بتطبيق نصوص هذا الكتاب (مواد 204 وما بعدها) .
هـ) إن اتجاه قانون العمل الفرنسي يستند إلى القواعد العامة في القانون المدني بشأن إعتبار عقد العمل من العقود الرضائية التي تخضع في جانب كبير منها للقواعد المقررة بالقانون العام ويري في بعض الإلتزامات المفروضة على صاحب العمل كتلك التي تتعلق بالصحة المهنية تنطوي على آثار خطيرة من حيث تحمل المسئولية .
أهلية العامل :
كثيراً ما يتعاقد العامل بنفسه وبدون إذن الولي ، ولو اتبعت القواعد العامة في الأهلية لتعرض مثل هذا التعاقد للإبطال وقد رأى المشرع التيسير على العمال القصر رعاية للحاجة التي ألجأتهم إلى الانخراط في سلك العمال لهذا خرج المشرع على القواعد العامة في الأهلية واكتفي لصحة التعاقد في أمثال هذه الحالات ببلوغ العامل القاصر في الأهلية واكتفى لصحة التعاقد في أمثال هذه الحالات ببلوغ العامل القاصر سن التمييز وقد نصت على هذا الحكم المادة (64) من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 والخاص بأحكام الولاية على المال فقد نصت المادة على أن «للقاصر أن يبرم عقد العمل الفردي وفقاً لأحكام القانون وللمحكمة بناء على طلب الوصي أو ذي شأن إنهاء العقد رعاية لمصلحة القاصر أو مستقبله أو لمصلحة أخرى ظاهرة» ومعنى هذا أن العقد يقع صحيحاً حتى ولو كان العامل قاصراً مع إعطائه الفرصة لإنهاء هذا العقد لتحقيق مصلحة العامل القاصر .
ونصوص القانون صريحة في جواز تشغيل الأطفال من 14 إلى 17 سنة كاملة (مواد من 98 - 103 من القانون الحالي وكذلك الارتباط مع الصبية المتدرجين الذين لم يبلغوا سن الرشد (مواد من 141 - 144 من القانون الحالي)) ومن جهة أخرى نص القانون الحالي (ومن قبله القانون 137/ 81 والقانون 91/ 59 على إلزام صاحب العمل بأن يسلم الطفل أجره أو مكافأته وغير ذلك مما يستحقه ويكون هذا التسليم مبرئاً لذمته (مادة 46 جديد) .
كل هذه النصوص تؤكد بجلاء إن المشرع لا يشترط أهلية التصرف في العامل .
مبدأ حرية العمل وحرية التراضي :
أما بالنسبة للمسألة الثانية : وهي مبدأ حرية العمل وحرية التراضي فإنه يتعارض مع إمكان إلزام صاحب العمل بتشغيل بعض العمال وفقاً لأسبقية قيدهم كما كان ينص على ذلك القانون الملغي في المادة (24) منه .
كما أن ذلك يتعارض مع القيود التي فرضت بالنسبة لتشغيل الأجانب حفاظاً على توفير سوق العمل أمام العمالة المصرية وكذلك قيود العمل المصري لدى رب العمل غير المصري حرصاً على مراعاة كرامة المصري وبلده وحرصاً على أن تكون مصر المستفيدة الأولى من عمالة أبنائها وأخيراً قيود التعاقد القائمة على اعتبارات إنسانية كتلك الخاصة بتشغيل الأحداث والنساء.
ومع أن البعض يبرر هذا التعارض بأن التنظيم الجديد لعلاقات العمل اقتضى تدخل المشرع بوضع قيود عديدة على الحرية التعاقدية وذلك لاعتبارات سياسية أو اجتماعية أو إنسانية فإن ذلك لا يمنع من استمرار قيام المشكلة أو قيام التعارض بين مبدأ حرية العمل (وهو من المبادئ التي تضمنتها اتفاقيات العمل الدولية التي صدقت عليها مصر).
ومبدأ فرض عامل معين على صاحب عمل معين .
فلا مناص من التسليم بأن إلزام صاحب عمل معين بتشغيل عمال معينين أمر مخالف لهذه الاتفاقيات ولمبدأ حرية العمل والدستور أيضاً الذي أطلق هذه الحرية وأن تدخل المشرع بهذا الإلزام يعتبر قيداً على هذه الحرية في إطار النظام الاقتصادي الموجه. ونرى أن هذا القيد لابد أن يكون هدفه تحقيق مصلحة عامة إذ هنا فقط يمكن تبرير مخالفة مبدأ حرية العمل لأن الصالح العام مقدم على الصالح الخاص كذلك يمكن تبريره بالقاعدة الشرعية التي تقول أن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح ولا شك إن إلزام الدولة بعض أصحاب الأعمال بتعيين بعض طوائف من العمال فضلاً عن أنه يهدف إلى تحقيق نفع عام الجماعة فهو يتوخى درء مفسدة وهي القضاء على البطالة أو الحد منها وهذه الغاية مقدمة على المصلحة التي يتوخاها رب العمل بتعيين من يراه في إطار حريته في الاستخدام .
ومن جهة أخرى فإن مبدأ «حرية العمل» مرادفاً للحق في العمل وبالتالي فلا يتصور أن يكون من حق الإنسان أن يعمل وأن يكون ذلك جبراً عنه أو بإكراهه على القيام بعمل معين. لذلك حرصت منظمتي العمل الدولية والعربية على مكافحة العمل الجبري أو الإلزامي وحظرت إستخدامه بكل أشكاله طبقاً للاتفاقيات 29، 35، 105 بشأن إلغاء العمل الجبري عام 1957. والمادة السابعة من اتفاقية العمل العربية رقم 6 لسنة 1976 بشأن مستويات العمل .
العنصر الثالث - علاقة التبعية :
وهذا هو العنصر الجوهري في علاقة العمل أو عقد العمل فتكييف عقد العمل وتمييزه عن غيره من العقود مناطه توافر عنصر التبعية ويجري الفقه في كل من فرنسا ومصر أن المقصود هذا هو التبعية القانونية والتي يمكن تعريفها بأنها حالة قانونية يكون فيها أحد طرفي رابطة العمل وهو العامل في مركز قانوني معين ينشئ على عائقة التزاماً بإطاعة الطرف الآخر وهو صاحب العمل- فيما يتعلق بتنفيذ عمل مشروع بحيث يقابل هذا الالتزام حق الأخير في توجيه العامل والإشراف عليه وما يترتب على ذلك من سلطة إنزال العقاب التأديبي إذا خالف تنفيذ الأوامر أو أخل بتنفيذها، وينبني على هذا التعريف أن القانون لا يعتد بالتبعية التي يكون مردها إلى المركز الاقتصادي للعامل والتي يسميها الفقه بالتبعية الاقتصادية وإن كان بعض قضاء التحكيم في كل من فرنسا ومصر قد أخذ بهذه التبعية بالنسبة للعمال الذين يعملون في منازلهم دون رقابة أو إشراف من صاحب العمل، كما لا يشترط بالنسبة لقيام التبعية القانونية وجود عقد عمل مكتوب إذ يجوز أن تنشأ على أساس من الواقع وحده. أو تنشأ عن ارتباط شفوي بين العامل وصاحب العمل وهو ما لمسناه في كثير من المهن والأعمال وإذا وجد العقد فلا يشترط أن يكون صحيحة لأن القانون يكتفي بواقعة العمل التابع وحدها ولو كانت ناشئة عن عقد باطل أو عقد تمرين أو لم تكن ناشئة عن عقد أصلا بأن انعدم رضاء أحد الطرفين كما هو الحال في أوامر التكليف، وكما هو الحال بالنسبة لإلزام وزير العمل بعض أصحاب الأعمال بتشغيل بعض طوائف معينة من العمال حسب أسبقية قيدهم بمكاتب القوى العاملة تطبيقا للمادة (24) من القانون رقم 137 لسنة 1981 والتي لا يوجد لها شبيه بالقانون الجديد .
وأخيرا فإن العمل التابع ليس قاصراً على المجتمعات الرأسمالية كما لا يقترن دوماً باستغلال العامل فعمال المشروعات المؤممة تابعون أيضا ويضعون نشاطهم تحت تصرف سلطة تملك إصدار الأوامر وتوقيع الجزاءات، وإذا كانت المفاهيم الاشتراكية تقتضي تطوير مفهوم تبعية العامل فإنها لم تصل إلى نفي هذه التبعية وإنما حولتها من تبعية فردية إلى تبعية اشتراكية من مظاهرها اشتراك العمال في إدارة المنشأة، وكذلك اشتراكهم في لجان التأديب كلجنة الفصل الثلاثية والحصول على موافقة نقابتهم على لائحة العمل والجزاءات بالمنشأة قبل اعتمادها وقبل سريان أحكامها واشتراكهم في إعدادها (مادة 12/د من قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 1981) واشتراكهم في اللجنة القضائية المشار إليها بالمادة (71) من القانون كذلك فإن المفهوم الاشتراكي للتبعية يربط نشاط العامل بالمشروع نفسه لا بشخص صاحب العمل ويدخل عنصر التعاون والمسئولية المشتركة في ظل النظرة الرأسمالية للمشروع، وقد استقر قضاء محكمة النقض على أن مناط تمييز عقد العمل عن غيره من العقود هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته وينشئ قرار تعيين العامل في شركات القطاع العام، علاقة التبعية، لأن علاقة العاملين بهذه الشركات علاقة تعاقدية. وتستقل محكمة الموضوع باستخلاص علاقة العمل بلا رقابة عليها من محكمة النقض .
العنصر الرابع : الأجر :
والأجر ركن في عقد العمل وليس شرطاً لقيام حالة التبعية التي قد تنشأ عن عقد تدرج أو عقد تمرين أو في الحالات التي يلتزم فيها صاحب العمل بتشغيل العمال بناء على قرار أو توصية من جهة إدارية أو غيرها كأوامر التكليف .
والأصل في الأجر أنه لقاء عمل، ومناط تحديد العمل والأجر هو قرار التعيين أو عقد العمل .
فلا يجوز الخلط إذن بين استلزام الأجر کركن في عقد العمل وبين ثبوت حالة التبعية ولو لم يكن هناك أجر. وقد ذهب رأي إلى أن العمل المجاني يخرج عن نطاق العمل التابع. وهذا القول يكون في رأينا مقبولاً حيث يكون البحث في مدى وجود أو عدم وجود عقد عمل باعتبار أن الأجر ركن فيه أما حين تتوافر سلطة فعلية لشخص في الرقابة والإشراف على آخر في مجال العمل فلا أهمية لما إذا كان التابع يتقاضى أجراً عن هذا العمل أم لا كما هو الحال في عقد التدرج إذ توجد تبعية ولا يوجد أجر بالمعنى الذي أورده القانون .
ولذلك فإنه يكون صحيحاً ما ذهبت إليه محكمة النقض من ضرورة استلزام التبعية والإشراف إلى جانب الأجر ونقضها لحكم أقام قضاءه في خصوص تكييف العلاقة على أن الفارق الوحيد بين عقدي العمل والمقاولة هو وجود حق الإدارة والإشراف في الأول وإنعدامه في الثاني .
التمييز بين عقد العمل وغيره من العقود الواردة على العمل :
من أهم العقود التي تلتبس مع عقد العمل عقد المقاولة وعقد الوكالة وعقد الشركة وهي عقود معروفة في التشريع الوضعي، وقد يلتبس أيضاً ببعض العقود المعروفة في الشريعة الإسلامية كعقد الجعالة وعقد الاستصناع وغيرها .
وسوف نتناول بإيجاز ما يميز عقد العمل عن غيره من العقود سواء في القانون الوضعي أو في الشريعة الإسلامية .
عقد العمل وعقد المقاولة :
عقد المقاولة : هو عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر. ويلاحظ على هذا التعريف أنه يشتبه بعقد العمل من حيث أن كلا من العقدين يرد على عمل يؤديه شخص لحساب آخر مقابل آخر .
والرأي المسلم به في الوقت الحاضر هو أن عقد العمل يتميز عن عقد المقاولة بأنه يخول رب العمل سلطة توجيه ما يؤدي له من خدمات بحيث يقوم العامل بأداء ما هو مكلف به تحت إدارة وإشراف رب العمل ويعبر عن ذلك بأن العامل يكون في مركز خضوع أو تبعية بالنسبة لرب العمل حيث يكون للمتبوع سلطة فعلية في إصدار الأوامر للتابع وفي الرقابة على تنفيذه لها ومحاسبته على الخروج عليها. أما في المقاولة فإن المقاول يقوم بالعمل المعهود إليه مستقلا فلا يخضع في تنفيذه لأي إشراف أو توجيه من قبل رب العمل فهو الذي يختار وسائل التنفيذ من أدوات ومهمات ومعاونين وهو الذي يحدد كيفية هذا التنفيذ ووقته وما دام عمله مطابقاً لما هو متفق عليه في العقد ولما تفرضه عليه الأصول الفنية لمهنته فلا يجوز لرب العمل أن يتدخل في تنفيذ العمل ولا يلتزم المقاول بإطاعة أوامره وتوجيهاته في هذا الشأن .
وقد ذكر الفقه عدة معايير التفرقة بين عقدي العمل والمقاولة .
والرأي الراجح أن مناط التفرقة هو وجود تبعية قانونية بالمعنى السابق شرحه فاذا توافرت هذه التبعية بما ترتبه من الآثار القانونية على نحو ما ذكرنا وعلى الأخص خضوع التابع في عمله لإشراف ورقابة وتوجيه المتبوع وثبوت سلطة الأخير في مجازاته تأديبياً إذا أخل أو أهمل أو قصر فإن العلاقة حينئذ تكون علاقة عمل ويكفي أي قدر من التبعية إدارية كانت أو تنظيمية تتمثل في الإشراف على عمل العامل ولو عن بعد وبناء على ما تقدم فإن عقد المقاولة لا تتوافر فيه التبعية بالمعنى المشار إليه وإنما يستطيع المقاول أن يمارس عمله بعيدا عن إشراف وإدارة رب العمل وقد أخذ التقنين المدني بهذا المعيار فهو في تعريفه لعقد المقاولة في المادة (646) لا يذكر شيئاً عن الطريقة التي يؤجر بها المقاول بل يقتصر على القول بأن المقاول يعمل (لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر) فإذا انتقل بعد ذلك إلى عقد العمل يعرفه في المادة (674) على الوجه الآتي (عقد العمل هو الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل في خدمة الآخر وتحت إدارته أو إشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الأخر) فهو لا يذكر هنا أيضاً شيئاً عن الطريقة التي يؤجر بها العامل إذ لا أثر لها في تكييف العقد وإنما يذكر صراحة أن العامل يعمل تحت إدارة رب العمل أو إشرافه، وقد طبق هذا المعيار تطبيقاً واضحاً في المادة (676 مدني) .
كما أخذت محكمة النقض بهذا المعيار (معيار التبعية) فاضطردت أحكامها على أن مناط تكييف عقد العمل وتمييزه عن عقد المقاولة وغيره من العقود هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته. وأنه يكفي لتحقق هذه التبعية ظهورها ولو في صورتها التنظيمية أو الإدارية والمناط في تكييف العقد هو بوضوح الإرادة لا وضوح اللفظ وما عناه العاقدون منها بالتعرف على حقيقة مرماهم دون أن يعتد بما أطلقوه عليها من أوصاف وما ضمنوها من عبارات متى تبين أن هذه الأوصاف والعبارات تخالف حقيقة التعاقد ولمحكمة النقض أن تراقب محكمة الموضوع في تكييف العقد .
عقد العمل وعقد الوكالة :
الوكالة عقد يلتزم بمقتضاه الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل (مادة 699 مدني) ويتميز عقد الوكالة عن عقد العمل بأن محله تصرف قانوني لا عمل مادي ويزيد في تمييز عقد الوكالة عن عقد العمل أن العامل يعمل دائماً تحت إشراف رب العمل وتوجيهه فعلاقته به هي علاقة تابع بالمتبوع أما الوكيل فلا يعمل حتماً تحت إشراف الموكل فليس من الضروري أن تقوم بينهما علاقة التبعية وقد يلتبس عقد الوكالة بعقد العمل ويقع ذلك عادة في شأن الطوافين والممثلين التجاريين والجوابين ومندوبي التأمين فهؤلاء يقومون بأعمال مادية وتصرفات قانونية مع العملاء لحساب مخدوميهم فيعقدون الصفقات ويبرمون عقود التأمين. وفي مصر ورد نص صريح يقضي بسريان أحكام عقد العمل على العلاقة فيما بين أرباب الأعمال وبين الطوافين والممثلين التجاريين والجوابيين ومندوبي التأمين ما دام هؤلاء الأشخاص تابعين لأرباب العمل وخاضعين لرقابتهم (مادة (676 مدني) .
وقد ذهبت محكمة النقض إلى أن النص في عقد النزاع على أن يقوم الطاعن بمهمة التدريب والإشراف الفني والإداري الكامل على الفريق الأول لكرة القدم في المدة من .... حتى ..... نظراً لما يتمتع به من الكفاءة في التدريب والسمعة الطيبة.... على أن تكون له كافة الصلاحيات والاختصاصات في اختيار الأجهزة الفنية والإدارية والطبية المعاونة له، وقيد اللاعبين والاستغناء عنهم دون تدخل في هذه الاختصاصات وتلك الصلاحيات من جانب واحد، وخلو العقد من تقرير أي حق للنادي في توجيه التدريب أو الإشراف الفني أو الإداري المعهود به إلى الطاعن أو في الإشراف على طريقة قيامه بهذا العمل، يدل على انتفاء عنصر التبعية القانونية في هذا العقد وأنه عقد مقاولة وليس عقد عمل .
عقد العمل وعقد الشركة :
يرى بعض الاقتصاديين في عقد العمل نوعاً من المشاركة في سبيل الإنتاج بين العمل ورأس المال يكون نصيب العامل في الربح المأمول هو الأجر المتفق عليه ولكن هذا الرأي لا يتفق مع أحكام التشريع لأن الواقع أن عقد العمل يتميز عما سواه بطبيعة خاصة تتركز من الناحية القانونية في اتصال محل التزام العامل بشخص الإنسان حتى قيل بأن العامل في الحقيقة هو موضوع العقد، ولهذا فإن الشريك مركزه يختلف اختلافاً جوهرياً في عقد الشركة فالعامل لا يتمتع بحقوق الشريك فيما يتعلق بالتوجيه والإدارة ولكنه يتمتع بضمانات ليست للشريك من حيث تنظيم العمل ووقته وحماية الأجر والحقوق عند إنهاء العقد وهذه الفوارق من حيث النظام القانوني لا نجد لها مبرراً إلا في عنصر التبعية المميز لعقد العمل والذي تقابله في الشركة المساواة بين الشركاء. وهكذا نجد أن عنصر التبعية كما أنه معيار التمييز بين عقد العمل وكل من عقدي المقاولة والوكالة فهو أيضاً نفس المعيار في التمييز بينه وبين عقد الشركة .
وفي ذلك تقول محكمة النقض أن عقد العمل يتميز بخاصيتين أساسيتين هما التبعية والأجر، وبتوافرهما تكون العلاقة علاقة عمل، ولا يغير من هذا النظر كون المطعون عليه عضواً في مجلس إدارة الشركة فلو عين مديراً لها كان من حقه أن يؤجر هذا العمل، إذا أنه لا يوجد ما يمنع من أن يجمع عضو مجلس الإدارة المنتدب للشركة المساهمة بين صفته هذه وصفته كمدير عام أو مدير فني لها فيجمع بذلك بين صفتين صفة كوكيل وصفته كأجير بحيث تحكم كل منهما القواعد الخاصة بها .
عقد العمل وعقد الاستصناع :
عقد الاستصناع معروف في الشريعة الإسلامية وينخرط تحت باب أنواع البيوع وهو عقد بيع في الذمة مطلوب عمله فهو طلب عمل شيء خاص على وجه مخصوص ومادته من الصانع وينعقد على العين لا على عمل الصانع، ومثال ذلك أن نستصنع حذاء أو ثوباً أو نحو ذلك وقد تعارفه الناس وجرى عليه التعامل منذ القدم فجاز لذلك استحساناً وهو بيع يشبه الإجارة حتى قال بعضهم أنها إجارة في الابتداء بيع في الانتهاء لما فيه من طلب العمل ابتداء ولذا يبطل بوفاة كل من الصانع والمستصنع .
ويلزم في الاستصناع وصف المصنوع وتعريفه على الوجه الموافق المطلوب ولا يلزم فيه دفع الثمن حالاً وقت العقد، وإذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع .
وهكذا يبين أن الاستصناع لا يشترط قيام حالة التبعية وكذلك ينتهي بوفاة صاحب العمل .
عقد العمل والمضاربة :
المضاربة نوع من شركة على رأس المال من طرف والسعي والعمل من الطرف الآخر ويقال لصاحب رأس المال رب المال وللعامل مضارب، وركنها الإيجاب والقبول، وهي قسمان أحدهما مضاربة مطلقة والآخر مضاربة مقيدة، والأولى لا تتقيد بزمان ولا مكان ولا نوع تجارة ولا بتعيين بائع ولا مشتر وإذا تقيدت بواحد من هذه فتكون مضاربة مقيدة .
والمضارب أمين فرأس المال في يده في حكم الوديعة ومن جهة تصرفه في رأس المال هو وكيل رب المال وهو في يده في حكم الوديعة وإذا ربح فيكون شريكاً فيه. والمضاربة لا تشترط التبعية بخلاف عقد العمل (كما أنها تشبه إلى حد ما عقد الشركة في القانون) الذي ينقضي بوفاة الشريك (في شركة التضامن) بينما عقد العمل كما قلنا يظل سارياً مع خلف صاحب العمل بعد الوفاة .
عقد العمل والجعالة :
الجعالة لغة ما يعطيه الإنسان لغيره نظير عمل يقوم به کالجعل والجعلية وفي لسان الفقهاء التزام مال معلوم نظير عمل معين معلوم أو لابسته جهالة، ومثالها عندما يكون العمل معلوماً أن يقول شخص من نقل متاعي هذا إلى مكان كذا فله مني كذا من المال ومثالها إذا ما شاب العمل جهالة أن يقول شخص من رد على فرسي الضال فله منى كذا من المال فإن العمل الذي سوف يباشره العامل في هذه الصورة يختلف باختلاف مكان الفرس قرباً وبعداً وباختلاف طريقة الوصول إليه وطريقة نقل الفرس وليس يعلم ما سيتطلبه قيامه بهذا العمل. وهكذا يتضح أن الفارق الجوهري بين الجعالة وعقد العمل أن الأول ينعقد بإرادة منفردة بينما الثاني ينعقد بإرادتين وأن الجعالة قد ترد على عمل مجهل بينما الأصل في عقد العمل أن يكون محل العمل معيناً أو قابلاً للتعيين وفقاً للقواعد العامة .
والجعالة وإن كانت أساسية عقداً من العقود المعروفة في الشريعة الإسلامية إلا أن القانون المدني يطلق عليها الوعد بجائزة (مادة 162 مدني) والتزام الواعد بجائزة وفقاً لنص المادة (162) يقوم بتوافر أربعة أركان :
الركن الأول : أن تصدر من الواعد إرادة باتة وهذه هي الإرادة المنفردة.
الركن الثاني : أن توجه الإرادة إلى الجمهور.
الركن الثالث : أن يكون توجيه الإرادة إلى الجمهور على وجه علني.
الركن الرابع : أن تتضمن الإرادة أمرين على الأقل إما جائزة معينة يلتزم الواعد بإعطائها للفائز بها وإما شيئاً معيناً يقوم به الشخص حتى يستحق الجائزة.
عقد العمل والمزارعة :
المزارعة نوع شركة على كون الأراضي من طرف والعمل من طرف آخر يعني أن الأراضي تزرع والحاصلات تقسم بينهما .
وركنها الإيجاب والقبول، فهي معاقدة على الزرع بين صاحب الأرض وبين الزارع ويقسم الحاصل بينهما بالحصص التي يتفقان عليها وقت العقد وللعامل أن يزرع الأرض بنفسه وبغيره ومع غيره إلا أنه يشترط عليه زرعها بنفسه فإذا مات الزارع يقوم ورثته بالعمل مقامه إلى أن يستوي الزرع وإن أبى صاحب الأرض، وهكذا يتضح أن المزارعة تختلف عن عقد العمل اختلافاً جوهرياً من حيث أن عقد العمل ينتهي بوفاة العامل كما أن الأصل في عقد العمل أن يؤدي العامل عمله بنفسه .
عقد العمل والمساقاة :
المساقاة نوع شركة على أن يكون أشجار من طرف وتربة من طرف آخر ويقسم ما يحصل من الثمرة بينهما، وركنها الإيجاب والقبول وتسليم الأشجار إلى العامل شرط فهي إذن معاقدة على دفع الشجر والكروم إلى من يصلحها بجزء معلوم من ثمرها ويرى البعض أن المساقاة هي معاملة على الأصول بحصة من ثمرها وتلزم المتعاقدين كالإجارة ولا تبطل بموت أحدهما إلا أن يشترط تعيين العامل، وهي تختلف عن عقد العمل الذي لا يقوم إلا بتوافر التبعية كما أنها لا تنتهي بموت العامل كما في عقد العمل . ( الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل ، الدكتور على عوض حسن ، الدكتور علاء فوزي زكي ، طبعة دار الحقانية ، المجلد الأول ، صفحة : 442 )
تعريف عقد العمل والعناصر المميزة له
تعريف عقد العمل وأطرافه
تعريف عقد العمل :
تنص الماد 674 من القانون المدني على أن عقد العمل هو العقد الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل في خدمة المتعاقد الآخر وتحت إدارته وإشرافه في مقابل أجر يتعهد به الأخير . وتنص المادة 31 / 1 من قانون العمل على أنه تسري أحكام هذا الباب على العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه لقاء أجر .
ولا خلاف بين النصين إلا في بعض الألفاظ حيث يطلق قانون العمل على رب العمل لفظ صاحب العمل في حين أن القانون المدني يستخدم عبارة المتعاقد الآخر .
ونفضل استخدام لفظ صاحب العمل لأنه هو الاصطلاح الذي استعمله قانون التأمين الإجتماعي مما يساعد على توحيد الاصطلاحات في مجال العلاقة الواحدة أي بين العامل وصاحب العمل ، وفي مجال القانون الإجتماعي .
كما أن استخدام لفظ رب العمل يثير الخلط بين عقد العمل وعقد المقاولة .
وبناء عليه فإن طرفا عقد العمل هما العامل من جهة وصاحب العمل من جهة أخرى ونتولي دراستهما فيما يلى .
صاحب العمل
ندرس فيما يلى الشروط اللازمة في صاحب العمل ، ثم كيفية تحديده .
شروط صاحب العمل
عرفت المادة الأولى من قانون العمل صاحب العمل بأنه "كل شخص طبيعي أو اعتباري يستخدم عاملاً أو أكثر لقاء أجر".
فيجب أن يكون صاحب العمل متمتعاً بالشخصية القانونية سواء كان شخصاً معنوياً أو طبيعياً ، وذلك بعكس المدير المسئول الذي يجب أن يكون شخصاً طبيعياً ، فلا تثبت صفة صاحب العمل لمجموع الشركات الذي لا يتمتع بالشخصية القانونية .
وصاحب العمل كل من يستخدم عاملاً بأجر بصرف النظر عن حرفة صاحب العمل ، فلا يشترط أن يتخذ صاحب العمل من العمل الذي يمارسه حرفة له لكي يخضع العقد لقانون العمل ، فيقوم عقد العمل حتى ولو كان صاحب العمل يحترف حرفة غير تلك التي يستخدم فيها العامل ، ومن ثم تسرى أحكام قانون العمل على جميع عقود العمل سواء أكان أصحاب الأعمال يتخذون هذه الأعمال مهنة لهم أم لا .
وأوضحت محكمة النقض أنه مما يؤكد ذلك أن قانون العمل باستبعاده طائفة الخدم من الخضوع لأحكامه إنما يفترض خضوعهم لها أصلاً لولا هذا الإستبعاد وذلك رغم أن المخدوم لا يتحقق في شأنه كصاحب عمل بالنسبة إلى الخادم وصف الاحتراف ، كما أن القانون المدني لم يتطلب أي شروط في صاحب العمل أو المتعاقد الآخر . فتسري إذن أحكامه على جميع عقود العمل ، فمن يتعاقد مع عمال البناء دار له يبرم معهم عقد عمل حتى ولو كان لا يحترف مهنة للبناء فصاحب العمل هو صاحب الأمر في الإشراف الإداري على المنشأة .
كذلك يترتب على عدم تقييد عبارة صاحب العمل بأي وصف أنه لا يشترط أن يكون العمل بقصد الحصول على ربح ، ومن ثم تنطبق أحكام عقد العمل الفردي على من تستخدمهم الهيئات الخيرية والثقافية والنوادي الاجتماعية والرياضية ونقابات ومعاهد التعليم الحر ، والهيئات الدينية ، ولقد استقر قضاء النقض على أن العلاقة بين رئيس الكنيسة وأحد المطارنة علاقة عمل وأن رجل الدين يخضع لأحكام قانون العمل إذ أدى وظيفته بأجر .
ولقد أوضحت المحكمة أن القانون لم يميز بين العمل الجسماني والعمل العقلي أو الروحاني ، وأن علاقة الكاهن بالهيئة الكنسية للأقباط الأرثوذكس علاقة عمل ، فالبطريرك يختص برسامة القسيس وترقيتهم ونقلهم وعزلهم وتجريدهم. فالكنائس والقسس العاملين بها يخضعون لتبعية البطريرك وإشرافه ، فرجل الدين يعتبر في نظر قانون العمل عاملاً متى كان يؤدي الشعائر الدينية مقابل أجر ، مهما كان نوعه ، يتقاضاه من رئيسه الديني الذي له حق رقابته وتوقيع الجزاءات الدينية على اختلاف أنواعها ، وتعتبر عقود العمل مبرمة بينهم وبين البطريرك ولو اقتضى التنظيم المالي في هذه الكنائس صرف أجورهم من الهيئات والجمعيات التي تتولى الإدارة نيابة عن البطريرك .
ويجب عدم الخلط بين صاحب العمل والمدير المسئول للمشروع أو المنشأة. والمدير المسئول هو الشخص الطبيعي الذي يمارس السلطة والإشراف على العمال ، ويحدد خطة العمل وأحكام الرقابة الكفيلة بتحقيق المهمة المنشودة ، وكثيراً ما يحدث الخلط في المنشأة الفردية حيث يكون صاحب العمل هو مدير المنشأة ، أما التمييز فيكون واضحاً في مجال المشروع الذي يتخذ شكل الشركة حيث يكون الطرف المتعاقد كصاحب العمل هو الشخص المعنوي ، وليس الشخص الطبيعي الذي يمثله ، أو الشخص الطبيعي الذي يقوم بمهمة مدير المشروع، فصاحب العمل أي الشخص المعنوي يمتلك المنشأة ويلتزم بصفته صاحباً للعمل بالالتزامات الناشئة عن العقد والقانون ، أما الإدارة والسلطة على العمال فتكون للمدير أو لإدارة المشروع بصفته ممثلاً عن الشخص المعنوي ، والمسئولية الجنائية للمدير لا تجعل منه صاحب العمل ومن ثم لا يلتزم مدنياً بالالتزامات الناشئة عن العقد .
وقضت محكمة النقض بأن وضع إحدى المدارس تحت الإشراف المالي والإداري لوزارة التعليم يؤدي إلى رفع يد صاحب المدرسة عنها ، وتتولى وزارة التعليم إدارتها دون أن يجعل ذلك منها صاحبة عمل ، وإنما هي نائبة عن صاحب المدرسة نيابة قانونية .
وهذا يؤدي بنا إلى دراسة كيفية تحديد صاحب العمل .
كيفية تحديد صاحب العمل وفي بعض الصعوبات التي تعتري تحديد صاحب العمل
قضت محكمة النقض بأن صاحب العمل هو صاحب الأمر ، حتی بحسب النظام الموضوع في المنشأة ، في الإشراف الإداري على شئون العمل ، والمنوط به تنفيذ ما فرضه القانون .
نقض جنائي 17 / 3 / 1969 ، ، المجموعة، السنة 20، ق 71، ص 330.
المقصود بتحديد صاحب العمل هو تحديد المدين بالإلتزامات التي يفرضها قانون العمل لمصلحة العامل ، والأصل أن صاحب العمل هو المتعاقد الآخر مع العامل في عقد العمل والذي يتحمل بالإلتزامات تجاه العامل ، وإذا أردنا الدقة فإن صاحب العمل يتحدد بتحديد من يدين له العامل بالخضوع والتبعية ، معیار عقد العمل .
ولا صعوبة في تحديد صاحب العمل إذا كان الشخص الطبيعي أو المعنوي يجمع بين يديه الوظائف المعتادة لصاحب العمل سواء من الناحية القانونية أو الاقتصادية ، مثل الإلتزام بدفع الأجر ، والسلطة على العامل ، والسلطة الاقتصادية على المشروع ، وأن يكون علاوة على ذلك هو من تعاقد مع العامل .
ولكن قد تتفرق هذه الأمور ، وهو ما يسمى بظاهرة تجزئة وظائف صاحب العمل ، فيكون هناك من يقوم باختيار العامل والتعاقد معه ، ويلتزم بالأجر ويتمتع بالسلطة ، وهناك صاحب العمل من الناحية الواقعية وهو المستفيد المباشر من العمل الذي يقدمه العامل ، فأيهما يكون صاحب العمل ، ندرس فيما يلي بعض تلك الصور .
تبدو أهمية تحيد صاحب العمل في عدة صور ندرسها فيما يلي :
في مجال الفندقة أو الفرانشايز
يحدث الآن في مجال الفندقة أن تبرم عقود تسمى بالفرنشايز .
فمبنى الفندق يكون مملوكاً لشخص ، أما تشغيل الفندق فيعهد به إلى شركة من شركات الفندقة سواء على المستوى الوطني أو العالمي ، والشركة الأخيرة تتولى ما هو أوسع من مجرد الإدارة ، فتعطي اسمها للفندق ، وتضع مواصفات الحجرات ومحتوياتها وتقوم بالتسويق ، وفي نفس الوقت تحرص على أن تلعب دوراً أساسياً في اختيار العاملين على اختلاف مستوياتهم بحيث يتم توحيد المستوي على كافة الفنادق التي تتولى إدارتها ويكونون ممن تدربوا على العمل لدى تلك الشركة ، وتبدو أهمية ذلك في وظائف الإدارة العليا بالفندق مثل المدير العام ومدير التغذية والمشتريات ، فيختارون عادة ممن سبق لهم العمل في هذا المجال لدى الشركة وعلى مستوى العالم ، كما يتضمن عقد الإدارة أو الفرانشايز المبرم بين المالك وشركة الإدارة تنظيماً لاختيار العمال ، وتحديد صاحب العمل يكون بالبحث فيما إذا كان صاحب العمل هو مالك الفندق أم الشركة التي تتولى إدارته بالمعنى السابق .
ونقطة البداية تكون بالبحث في العقد المبرم بين المالك والشركة حيث يتضمن عادة نصوصاً بشأن العاملين .
فيجب البدء بتحديد أطراف عقد العمل . وعادة ما يكون العقد بين المالك والموظف أو المدير العام ، ولكن قد تتولى شركة الإدارة نيابة عن المالك التعاقد مع العمال ، وفي هذه الحالة وطبقاً للقواعد العامة في النيابة ينصرف أثر العقد مباشرة إلى المالك ويكون هو قانوناً الطرف المتعاقد. وإذا تضمن العقد تكليفات للمدير العام أو العامل بضرورة التقيد في تشغيل الفندق وإدارته بمعايير شركة الإدارة ، فإن هذا الشرط لا يحقق مصلحة شركة الإدارة فقط وإنما مصلحة المالك في المقام الأول لأن تلك المعايير التي دفعت المالك للتعاقد مع شركة الإدارة أصلاً ، ولهذا يشترط على عماله ضرورة مراعاة تلك المعايير ، وهذا ليس من شأنه أن يجعل من شركة الإدارة صاحباً للعمل .
كما يؤخذ في الإعتبار عند تحديد صاحب العمل من يحدد الأجر ومن يلتزم بالوفاء به ، وعادة يكون ذلك المالك .
ولا ينال من ذلك أن يكون الإشراف على تطبيق معايير وإستراتيجيات شركة الإدارة لمسئول كبير في شركة الإدارة ، فالإشراف المقصود هو الإشراف الفني وبشأن تلك المعايير على وجه التحديد ومن أجل تحقيق أهداف عقد الإدارة ، أي أننا بصدد التبعية الفنية فقط .
ومن المستقر أن معيار الخضوع والتبعية هو التبعية الإدارية والتنظيمية وسلطة التأديب وليس التبعية الفنية ممن يكون له التبعية الفنية فقط لا يكون صاحباً للعمل .
كما لا ينال من علاقة العمل بين المدير العام والمالك بأن يقوم المالك بإصدار وكالة للمدير العام بتفويضه في اتخاذ كافة الإجراءات وتوقيع كافة المحررات الضرورية لتشغيل الفندق وتسيير يومياً .
والهدف من هذه الوكالة هو تمكين المدير العام من تشغيل وإدارة أعماله اليومية ، فتشغيل المكان وإدارته يتم عن طريق أعمال مادية وتصرفات قانونية . وإبرام هذه العقود هو مجرد وسيلة ثانوية للتوصل إلى تشغيل الفندق تشغيلاً سليماً والقيام ببعض التصرفات القانونية اللازمة لتسيير تشغيل الفندق ليس من شأنه الإخلال بوجود علاقة عمل .
ولا يخل كذلك بتوافر علاقة العمل بين المدير العام والمالك أن يتضمن عقد الإدارة المبرم بين المالك وشركة الإدارة تنظيماً لسياسة اختيار وتعيين العمال بما في ذلك المدير العام ، فهذه الضوابط تستهدف أن تكون العمالة على المستوى المطلوب لتحقيق أهداف حسن إدارة الفندق ، وعدم احترام المالك لتلك الضوابط يعتبر إخلالاً من جانبه بعقد الإدارة ، فالمالك طرف مشترك في عقد الإدارة وعقد العمل ، فإن عدم احترام عقد الإدارة في هذا الشأن يعتبر مخالفة لعقد الإدارة في علاقة طرفيه ، كما أنه ينطوي على إخلال بعقد العمل من جانب صاحب العمل .
وإذا كان بعض الفقه يعتبر العقد عقداً من نوع خاص أو مختلط حيث يجمع بين دفتيه الوكالة والعمل فقد أجاب السنهوري على ذلك بأنه "إذا تعارضت أحكام عقد العمل مع أحكام عقد الوكالة غلب عنصر العمل وتستبعد أحكام عقد الوكالة ومن ثم لا يجوز فصل العامل دون إخطار أو فصلاً تعسفياً تطبيقاً لأحكام قانون العمل وهي هنا تعتبر من النظام العام ، أما أحكام عزل الوكيل فلا تتعلق بالنظام العام ، وهذا ما تتجه إليه أحكام التحكيم الدولية ، فعقود الفرانشايز التي تبرم خارج الولايات المتحدة يكون فيها المالك عادة صاحب العمل بعكس الحال داخل الولايات المتحدة الأمريكية .
ونؤكد أهمية التمييز بين التبعية الفنية والتبعية الإدارية .
فشركة الإدارة يكون لها الإشراف على مستوى الخدمات عامة والكفاءة الفنية لكل عامل حرصاً منها على الحفاظ على اسمها وسمعتها وهو ما يسعى إليه صاحب العمل ، أما التبعية التنظيمية والإدارية وسلطة التأديب تكون للمالك مما يجعله هو صاحب العمل .
وعلى هذا فإن صاحب العمل في عقود عمل العمال في الفنادق التي تدار بنظام الفرانشايز يكون مالك الفندق وليس شركة الإدارة .
العقود مع شركات الأمن أو النظافة وغيرها
يحدث أن تتعاقد جهة مع شركة للأمن أو لأعمال النظافة على أن تتولى بواسطة عمالها تلك الأعمال .
والأصل أن العقد في هذه الحالة يعتبر عقد مقاولة أو تقديم خدمات بين الجهة المتعاقدة وشركة الأمن أو النظافة ، ومن يتولون القيام بتلك الأعمال يعتبرون عمالاً لدى الشركة الأخيرة، ولكن يجب ألا يكون ذلك ستاراً يخفي خلفه علاقة عمل بين الجهة المتعاقدة وهؤلاء العمال ، أي أن تكون شركة الأمن أو النظافة في الواقع جهة توريد عمال .
فإذا ثبت أن الجهة المتعاقدة تمارس فعلاً على هؤلاء العمال مباشرة سلطات الإشراف والتوجيه والتأديب ، فإن علاقة العمل الحقيقية تكون بين تلك الجهة والعمال أي تصبح تلك الجهة صاحبة العمل وليس شركة التوريد ، ويصبح العقد بين صاحب العمل وشركة النظافة أو الأمن عقد توريد عمال ، أما علاقة العمل فتقوم بين هؤلاء العمال وصاحب العمل .
فمتى توافر عنصر الخضوع والتبعية في العلاقة بين العمال والجهة التي يمارسون نشاطهم فيها أو لديها يكون العقد عقد عمل بينهما ، ولا ينال من ذلك أن تتولى شركة الأمن أو النظافة سداد أجور العمال إذ تعتبر حينئذ وكيلاً عن صاحب العمل في الوفاء بالأجر ، وقد يمثل ذلك ضماناً للعمال ، أما إذا كانت الجهة المتعاقدة توجه تعليماتها إلى شركة الأمن أو النظافة مباشرة فإن علاقة العمل تكون بين الشركة الأخيرة والعمال .
تحديد صاحب العمل في مجموعة الشركات
إذا تعاقد العامل مع شركة لا تتمتع بالاستقلال الاقتصادي لأنها تخضع لسيطرة ورقابة شركة أخرى ، أو مع شركة تسيطر وتخضع لها عدة شركات أخرى ، فهل يعتبر صاحب العمل الشخص المعنوي الذي تعاقد مع العامل ، أم أن تحديد صاحب العمل يتم في ضوء الوحدة الاقتصادية التي ترتبط بها مجموعة الشركات، وتبدو أهمية هذه المسألة في ظل انتشار ظاهرة الشركات متعددة الجنسية أو وجود شركة أم تسيطر على عدة شركات وليدة ، كما يحدث في مجال العديد من شركات البترول ، وغيرها من الشركات الصناعية الضخمة .
ففي هذه الشركات تتمتع كل شركة بشخصية معنوية مستقلة من الناحية القانونية ، أما من الناحية الإقتصادية والإجتماعية فتوجد وحدة اقتصادية بين مجموعة الشركات بحيث تقوم كل منهما بدورها في المجموعة الاقتصادية ، فتختص أحداها بعمليات التمويل ، والأخرى في عمليات الإنتاج والثالثة في عمليات التسويق وهكذا وتخضع جميعاً لسياسة اقتصادية واحدة وتترابط تماماً فيما بينها .
طبقاً للتحليل القانوني التقليدي ، نوجد في مواجهة عدة أشخاص معنوية يتمتع كل منها بالشخصية القانونية المستقلة ، ومن ثم فإن صاحب العمل هو الشركة التي يتعاقد معها العامل ، ولا توجد أدنى علاقة قانونية بين الشركات الأخرى بالمجموعة والعامل ، فصاحب العمل هو الشركة التي تعاقدت على تشغيل العامل وتتولى الوفاء بأجره .
ويذهب الفقه والقضاء المقارن إلى أن الطابع الواقعي لقانون العمل يسمح بتخطي الشكل القانوني للشركة للاعتداد بالحقيقة الإقتصادية التي تربط في وحدة وتناسق مجموعة الشركات ، كما أن قانون العمل يرتبط بالضرورة بالأوضاع الاقتصادية للمشروع مما يجعل من الصعب تجاهل واقع مجموعة الشركات أو حقيقة العلاقة بين الشركة الأم والشركات الوليدة ، وأخيراً فإن الحداثة النسبية لقانون العمل تتيح له أن يعتد بسهولة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة .
ولا صعوبة في ضرورة الاعتداد بالوحدة الاقتصادية لمجموعة الشركات إذا كان تقسيم المشروع إلى عدة أشخاص معنوية قد استهدف التحايل على القانون للتهرب من الأحكام الآمرة لقانون العمل ، فقد يستهدف توزيع العمل على عدة شركات عدم وصول عددهم في شركة واحدة للحد الذي يجعل تلك الشركة ملزمة ببعض الالتزامات التي لا تسري إلا في حالة وصول عدد العمال إلى حد معين مثل الالتزام بالعلاج أو إنشاء دور الحضانة .
ولتحديد صاحب العمل في مجموع الشركات يجب التفرقة بين حالة الشركات المتداخلة ، والشركات المتميزة كل منها عن الأخرى .
فإذا كانت الشركات التي تدخل في المجموعة تتداخل وتختلط فيما بينها بحيث يصعب على العامل التمييز بينها بالرغم من تعدد الشخصية المعنوية ، فإن فكرة وحدة المشروع تلعب دوراً هاماً في تحديد صاحب العمل. فمجموعة الشركات تعتبر مشروعاً واحداً منذ أن تختلط الشركات في نظر العامل .
ولكن متى تتداخل أو تختلط تلك الشركات بحيث تعتبر مشروعات واحداً في إطار علاقات العمل .
يتحقق ذلك بالنسبة للعامل إذا كان مركزها الرئيسي واحداً ، ومن وحدة الخطوط التليفونية ونظام المعلومات والاتصالات ، والأوراق والمكاتبات التي تصدر من المجموعة ، ومن وحدة إدارة شئون الأفراد ومن تداخل الأنشطة والمصالح ، فالاندماج الواقعي يغطى ويستغرق الانفصال القانوني .
وفي هذه الحالة يحق للعامل أن يرجع بحقوقه على أي شركة من شركات المجموعة ، فهو لا يستطيع أن يرجع على المجموعة ذاتها لأنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية ، فله أن يرجع على أي شركة من شركات المجموعة أي يتعدد صاحب العمل بالنسبة له ، ويكونون مسئولين بالتضامن فيما بينهم عن الوفاء بالالتزامات الناشئة عن قانون العمل إعمالاً للمادة الثامنة .
أما إذا كانت الشركات متميزة كل منها عن الأخرى بالرغم من تكوينها لمجموع من الشركات فإنه يثور البحث عن معيار تحديد صاحب العمل .
فمن جهة لا يكفي لإضفاء صفة صاحب العمل الاعتداد بالشركة التي تعاقدت لتشغيل العامل ، فالمتعاقد لا يكون بالضرورة هو صاحب العمل ، ففي إطار مجموعة الشركات كثيراً ما يحدث أن تنشأ شركة بغرض اختيار وتعيين العمال اللازمين لنشاط مجموعة الشركات ككل ولا تمارس تلك الشركة أي نشاط في مجال الإنتاج ، وعلى هذا فإن صاحب العمل يجب يكون الشركة التي تستفيد فعلاً من عمل العامل بالرغم من أنها لم تتعاقد معه .
وإذا كان العامل يمارس نشاطه لخدمة أكثر من شركة داخل المجموعة فإن إبرامه لعقد عمل مع أحداها لا ينفي إمكان تعدد صاحب العمل ، بحيث يحق للعامل المطالبة بحقوقه في مواجهة الشركة الأخرى التي لم يتعاقد معها وإنما عمل لحسابها ، أي تسأل أمامه الشركتان باعتبار أنه يعمل لحسابها بالرغم من أنه لم يتعاقد إلا مع أحداهما .
ومن ثم فإن مجرد التعاقد مع العامل ليس بالمعيار الكافي لتحديد صاحب العمل ، ومن جهة أخرى ، فإنه في مجال مجموعة الشركات لا يكفي لتحديد صاحب العمل ، أن يكون هو من يلتزم بأجر العامل ، فذلك ليس بالمعيار الحاسم ، فقد تسترد إحدى شركات المجموعة من الشركة الأخرى أجور ما تنفعه من العمال الذين يقومون بعمل معين .
وإنما يجب أن يتحدد صاحب العمل في ضوء فكرة التبعية القانونية معيار عقد العمل .
فصاحب العمل هو من يمارس الرقابة والسلطة على العامل في عمله ، فيجب البحث عمن يمارس سلطة التوجيه والرقابة على العامل ، ويتم ذلك من خلال شروط وظروف تنفيذ العمل من الناحية الفعلية والواقعية ، فلا يصح الوقوف عند الشكل القانوني لمجموعة الشركات ، بل يجب تخطى ذلك للبحث عمن يدين له العامل بالتبعية القانونية ، فالعبرة في تحديد صاحب العمل بالتوصل إلى تحديد الشركة التي تملك سلطة إصدار الأوامر للعامل ، والتي يلتزم العامل تجاهها بتقديم حساب عن أعماله .
فتكون الشركة الأم صاحب العمل إذا كانت تملك فعلاً سلطة التوجيه والإشراف بالنسبة لعمال الشركة الوليدة ، التي تكون قد تعاقدت مع العمال وتدفع لهم الأجور ، فالعبرة في تحديد صاحب العمل بمن تتوافر تجاهه التبعية القانونية ، ويتجه القضاء الفرنسي إلى تعدد صاحب العمل ، الشركة الأم والشركة الوليدة وذلك لتوفير الحماية الكافية للعامل ، عن طريق تعدد المدينين له ، ولعدم الخوض في تحديد طبيعة العلاقة بين الشركة الأم والشركة الوليدة عند القول بضرورة تحديد صاحب عمل واحد منهما .
ولكن الاقتصار على معيار التبعية القانونية يغفل ظروف مجموع الشركات التي ترتبط بوحدة اقتصادية تنطوي على تبعية اقتصادية من الشركات الوليدة تجاه الشركة الأم ، وثم يجب الاعتداد إلى حد ما بفكرة السيطرة المالية والاقتصادية أو سلطة اتخاذ القرار الاقتصادي في إطار مجموع الشركات تحقيقاً لمصحة العامل من جهة واقتراباً من الواقع من جهة أخرى .
فالسياسة الاقتصادية لمجموع الشركات والتي تمليها الشركة الأم ، قد تؤثر مباشرة في سياسة العمالة وإدارة شئون الأفراد بالنسبة للشركة الوليدة ، ولهذا لا يجب إغفال دور الشركة الأم ، فإذا كانت سياسة تخفيض العمالة قد تمت بناء على قرار صادر من الشركة الأم ، وكان إعسار الشركة الوليدة يهدد بعدم حصول العمال المسرحين على التعويضات المناسبة ، فلا يمكن إغفال أن إنهاء عقود العمل يرجع إلى السياسة الاقتصادية التي فرضتها الشركة الأم ، ويكون من المقبول إلزام الشركة الأم بالتعويض .
وكذلك فإن وجود مجموع الشركات يؤثر في العلاقات العقدية بين الشركة الوليدة وعمالها ، فإذا أغلقت الشركة الوليدة أبوابها بناء على قرار الشركة الأم وذلك لتحسين الإنتاج وضغط النفقات ، فإننا نكون بصدد حالة مشابهة لحالة إعادة تنظيم المشروع الواحد لتحسين الإنتاج بحيث يستحق العامل الحقوق التي قد تقررها اتفاقات العمل الجماعية عند إنهاء عقد العامل لإعادة تنظيم المنشأة وتحسين الإنتاج ، فتكييف القرار الذي تتخذه الشركة الوليدة لا يتم بمعزل عن موقف وسياسة الشركة الأم التي تفرض قراراً اقتصادياً يؤثر في سياسة العمال للشركة الوليدة ، فالوحدة الواقعية بين الشركتين تبرر اعتبارهما مشروعاً واحداً .
فيجب من جهة عدم إغفال فكرة التبعية القانونية والارتكان إلى التبعية الاقتصادية ، ولكن يجب كذلك البحث عن تأثير القرار الاقتصادي للشركة الأم على سلطة التوجيه والإدارة للشركة الوليدة ، وبعبارة أخرى سلطها في إملاء سياسة إدارة الموارد البشرية عن طريق ما تفرضه من قرارات اقتصادية . فالسلطة الإدارية والفعلية على العامل تتأثر بالسلطة الاقتصادية التي تمارسها الشركة الأم على الشركات التابعة لها ، ولهذا فإن التبعية الاقتصادية بمفردها لا تكفي وإنما يجب البحث عن أثر التبعية الاقتصادية على سياسة العمالة التي تتخذها الشركة الوليدة ، وبهذا يتحدد صاحب العمل بأنه المتبوع صاحب اليد الطولى في إملاء سياسة العمالة ، وليس فقط من يتخذ القرارات التنفيذية لتلك السياسة .
تحديد صاحب العمل بالنسبة لعمال المقاول من الباطن
المقاولة من الباطن هي العملية التي بموجبها يعهد المقاول الأصلي وتحت مسئوليته ، إلى شخص آخر يسمى المقاول من الباطن ، بكل أو جزء من عقد المقاولة الذي أبرمه مع رب العمل .
وتلك العملية تدخل في إطار العلاقات الثلاثية في القانون المبنى لأننا نوجد بصدد ثلاثة أطراف وهم رب العمل ، والمقاول الأصلي ، والمقاول من الباطن .
وفي مجال قانون العمل فإن المقاول من الباطن هو صاحب العمل بالنسبة للعمال الذين يستخدمهم لإتمام عملية المقاولة من الباطن ، فالمقاول من الباطن هو الذي يختار العمال، ويدفع أجورهم ويتولى الإشراف والسلطة عليهم ، بالرغم من أن العملية كلها تتم داخل منشأة أو في موقع أعمال المقاول الأصلى فلا صلة بين المقاول الأصلي أو رب العمل وعمال المقاول من الباطن ، لأن المقاول من الباطن وحده هو صاحب العمل .
ولضمان حصول عمال المقاول من الباطن على أجورهم نصت المادة 1/664 من القانون المدني على أنه يكون لعمال المقاولين من الباطن حق مطالبة كل من المقاول الأصلي ورب العمل مباشرة بحقوقهم بما لا يجاوز القدر الذي يكون مديناً به أياً منهم تجاه المقاول من الباطن .
أما المادة الثامنة من قانون العمل فقد جاءت صياغتها معيبة فلم تعبر تعبيراً دقيقاً عن قصد المشرع ، فوفقاً لهذه المادة يكون المتنازل لهم عن العمليات كلها أو بعضها متضامنين مع صاحب العمل في الوفاء بالالتزامات التي يفرضها قانون العمل ، ويفهم منها أن المقاول من الباطن يكون مسئولاً بالتضامن مع صاحب العمل ، ويقصد المشرع المقاول الأصلي ، لأن صاحب العمل كما رأينا هو المقاول من الباطن ، وقد يقصد المشرع أن يواجه صورة ما إذا كان المقاول الأصلي قد ألزم المقاول من الباطن باستخدام عمال الأول في تنفيذ العملية ، وفي تلك الحالة تكون العبرة في تحديد صاحب العمل بمن يباشر السلطة والإشراف على العمال ، والواقع أن الصورة الأخيرة تقترب من مسألة ندب العمال وهذه ما ندرسها فيما يلى .
تحديد صاحب العمل في حالة ندب العامل
وتثور مشكلة تحديد صاحب العمل في حالة ندب العامل إلى جهة أخرى ، ويتميز الندب بأنه ذات طابع مؤقت بعكس النقل الذي يعني الإنتقال الدائم إلى جهة أخرى ، والندب لا يؤدي إلى فصم علاقة العمل الأولى بصرف النظر عما إذا كان الندب يتم باتفاق جديد أو بدونه .
قد تضع شركة مؤقتاً تحت تصرف شركة أخرى ترتبط بها من الناحية القانونية ، عدداً من العمال للمساعدة في تحقيق إنتاجية عالية أو مميزة ، أو أن تلحق شركة من الشركات المتخصصة في إنتاج المعدات الفنية المتميزة عدداً من مهندسيها لتشغيل الأجهزة خلال فترة زمنية لدى المشتري لتلك الأجهزة ، أو القيام بتدريب عمال المشتري على استخدام وصيانة تلك الأجهزة .
وفي الغالب فإن صفة صاحب العمل تظل للشركة الأولى التي نسبت العامل ، فالشركة الثانية إذا كانت تمارس سلطات على العمال فإن ذلك يكون باعتبارها مفوضة أو ممثلة للأولى في هذا المجال .
ولكن الحل يختلف إذا كانت الشركة الثانية قد أبرمت عقد عمل مع العمال الذين ندبوا أو ألحقوا العمل بها ، ويحدد العقد شروط وظروف العمل خلال فترة الندب وأجر العامل ، ويحدث هذا إذا كان الندب ممتداً لفترة طويلة نسبياً ففي هذه الحالة تمارس الشركة المستفيدة من خدمات العامل ، أي تم النسب إليها سلطات الإشراف والتوجيه بصفة مستقلة ، وتكون هي المدين بالأجر ومن ثم تتمتع بصفة صاحب العمل .
وهذا لا يعني أن يصبح للعامل أكثر من صاحب العمل ، الشركة التي نسبته والشركة المستفيدة من خدماته ، وإنما يكون صاحب العمل هو الشركة المستفيدة من خدماته ، ويوقف عقد عمله مع الشركة الأولى إلى حين انتهاء الندب .
العامل
عرفت المادة الأولى من قانون العامل بأنه "كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب عمل وتحت إدارته وإشرافه ".
ويستفاد من هذا التعريف أن العامل لابد وأن يكون شخصاً طبيعياً أي لا يمكن أن يكون شخصاً معنوياً ، ويرجع ذلك إلى أن موضوع قانون العمل هو العمل الإنساني ، ولهذا فإن هدف قانون العمل هو حماية الطابع الإنساني والاجتماعي للعمل ، ومن ثم لا يعقل سريانه إلا على الإنسان ، وليس صحيحاً القول باستبعاد الشخص المعنوي على أساس أن علاقات العمل تفترض قيام العامل ببذل جهد معين وأن الشخص الاعتباري وهو مجرد من الوجود المادي لا يتصور فيه القيام بذلك ، فالشخص المعنوي يمكن أن يتعاقد للقيام بمقاولة لحساب رب العمل ، وعقد المقاولة يرد على العمل ، فأساس الإستبعاد يكمن في الطابع الإنساني لقانون العمل ومن ثم لا يخضع له العامل من غير الإنسان .
والعامل لا يقيد بأي وصف ، بمعنى أنه قد يقوم بعمل مادي أو عمل ذهني ، فالعبرة بأن يعمل في خدمة صاحب العمل وبصرف النظر عن نوع العمل ، أي أياً كان هذا العمل سواء من حيث نوعه أو درجته أو مدى ارتقائه في السلم الوظيفي ، ولا يؤثر في صفة العامل ارتباطه بأكثر من عقد عمل أو قيامه بعمل مستقل إلى جانب ارتباطه بعقد العمل .
وبناء عليه فكل من يعمل تحت إشراف الغير يعتبر عاملاً بصرف النظر عن مركزه الاجتماعي أو ظروفه الاقتصادية ومدى ثقافته .
العامل والمستخدم والموظف :
لا يفرق قانون العمل بين طوائف العمال بصرف النظر عن التسمية التي تطلق على من يمارس عملاً معيناً فيكفى توافر التبعية والأجر للخضوع لقانون العمل دون النظر لنوع العمل أو تسمية من يقوم به .
ولقد لجأ المشرع إلى إطلاق لفظ العاملين على من يعمل في الحكومة والقطاع العام ، أي أقلع في استعمال لفظ موظف أو مستخدم .
ولكن التفرقة بين العامل والموظف تظهر في بعض المجالات في غير قانون العمل فتظهر في مجال قانون شركات المساهمة حيث تخصص مقاعد في مجلس الإدارة للعمال وأخرى للموظفين ، كما تبدو أهميتها في مجال القانون المدني حيث يتقادم أجر المستخدم بمضي خمس سنوات (مادة 385 / 1) في حين أن أجر العامل يتقادم بمضي سنة واحدة (387/ب) .
ويجب في مجال قانون العمل عدم التفرقة بين العامل والمستخدم ، فهذه التفرقة أصبحت مهجورة .
ويبين مما سبق أن عقد العمل يتميز بخصيصتين أساسيتين هما : التبعية والأجر ، بحيث لا يقوم إلا بهما مجتمعين .
عنصر التبعية
رأينا أن القانون يستلزم في تعريف عقد العمل أن يعمل العامل في خدمة صاحب العمل تحت إشرافه وإدارته ، ويطلق على العمل تحت إشراف وإدارة صاحب العمل شرط أو عنصر أو رابطة التبعية ، وتعتبر العنصر الأول في عقد العمل .
وندرس المقصود بالتبعية ، ثم دورها في التمييز بين عقد العمل وبعض العقود الأخرى .
المقصود بالتبعية
أهم ما يتميز به عقد العمل هو وجود رابطة تبعية بين العامل وصاحب العمل ، ويثور التساؤل عن ماهية هذه الرابطة ، فقد أخذت فكرة التبعية في بادئ الأمر مفهوماً اقتصادياً ، ثم اتخذت طابعاً قانونياً ، وأخيراً عادت فكرة التبعية الاقتصادية تطل برأسها حتى تؤثر في المفهوم القانوني للتبعية ، وندرس هذا فيما يلي :
التبعية الاقتصادية
ذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى أن تحديد التبعية يتم بالنظر إلى المركز الاقتصادي والاجتماعي لمن يقدم العمل ، فتتوافر التبعية الاقتصادية إذا ما كان العمل هو المصدر الوحيد أو الأساسي لرزق من يقدم العمل ، وإذا كان صاحب العمل يستخدم بصورة منتظمة وكلية نشاط من يقوم بالعمل .
فالتبعية الاقتصادية تكفي لجعل من يقدم العمل تابعاً لمن يستفيد من عمله ويأخذ على عاتقه المخاطر .
فالتبعية الاقتصادية تقوم على عنصرين : الأول أن يكون الدخل الناتج من العمل هو مصدر الرزق الرئيسي لمن يقوم بالعمل ولا داعي للبحث عن وجود سلطة على الأخير من قبل صاحب العمل ، فالوضع الاقتصادي والاجتماعي هو أساس التبعية. والعنصر الثاني أن يقدم العامل كل نشاطه لخدمة صاحب العمل ، والذي يلتزم بدوره بأن يوفر له عملاً منتظماً يعتمد عليه كمصدر لرزقه .
ويتميز هذا المعيار بأنه يؤدي إلى التوسع في نطاق تطبيق قانون العمل ، ومن ثم يقدم الحماية القانونية لأكبر عدد من الأفراد ، فيخضع للقانون من يتمتع باستقلال في تنفيذ العمل طالما أنه يتعيش من هذا العمل .
ولكن يؤخذ على هذا المعيار أنه أقل وضوحاً من التبعية القانونية القائمة على الإشراف والتوجيه ، فلا يمكن أن نحدد بسهولة متى تبدأ التبعية وأين تنتهي ، وفي العصر الحاضر فإن الدخل الناتج عن العمل هو مصدر رزق الغالبية العظمى من البشر وكل شخص ينتظر من يقدم له عملاً ليتعيش من الدخل الناتج منه ، فالطبيب والحرفي والمحامي ينتظرون من يطلب منهم أداء عمل له .
ويؤخذ عليه أيضاً أن تحديد طبيعة العقد تتوقف على الوضع الاقتصادي للمتعاقدين ، كما أن هذه الفكرة تؤدي إلى إحلال فكرة الروابط العمالية محل العقد ، فحلول التبعية الاقتصادية محل التبعية القانونية والارتكان إلى مجرد العمل لمصلحة مشروع يؤدي إلى أن تصبح إرادة الأطراف غير ذي بال عند تحديد النظام القانوني للعلاقة .
وإذا كانت هذه الفكرة تستهدف حماية بعض الطوائف الضعيفة اقتصادياً والتي ترتبط ببعض رجال الأعمال ودون أن تتوافر التبعية القانونية ، مثل الحرفي الذي يعمل في منزله ويورد منتجاته بصفة منتظمة إلى أحد أصحاب الأعمال ، إلا أنها تؤدي إلى طغيان عقد العمل على غيره من العقود لأن الدخل الناتج عن العمل أصبح الطابع المميز للاقتصاد المعاصر .
التبعية القانونية
يقصد بالتبعية القانونية أن يكون العامل تحت سلطة صاحب العمل ويخضع لإشرافه وتوجيهه في تنفيذ العمل ، فهو يراقبه في أداء العمل ويتحقق مما قام به من عمل .
وهذه السلطة تعتبر المقابل المنطقي لعدم تحمل العامل بأي مخاطر اقتصادية يواجهها المشروع ، والتبعية القانونية هي التي تفسر التدخل التشريعي إلى جانب العامل لتوفير الحماية اللازمة له ، فموضوع عقد العمل ومن أهم آثاره وضع العامل في علاقة تبعية وخضوع بالنسبة لصاحب العمل ، وذلك سواء فيما يتعلق بإبرام العقد أو انحلاله أو تنظيم العمل .
ولقد أخذ المشرع المصري بهذا المفهوم التبعية ، في تعريف عقد العمل سواء في إطار القانون المدني أم قانون العمل ركز المشرع على ضرورة أن يكون العامل في خدمة صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه ، وهذا يقطع بأنه لا يكتفي بالتبعية الاقتصادية بل لابد من توافر علاقة أكثر تحديداً وهي التبعية القانونية .
كما أن الأخذ بهذه الفكرة مستفاد من المادة 676 مدني والتي تعتبر العلاقة بين أرباب الأعمال والوسطاء كالطوافين ومندوبي التأمين علاقة عمل بشرط تبعيتهم لأرباب الأعمال وخضوعهم لرقابتهم .
التبعية الفنية والتبعية التنظيمية والإدارية تعتبر من قبيل التبعية القانونية : -
العبرة بالتبعية القانونية بصرف النظر عن مظاهرها. فمظاهر التبعية قد تتخذ عدة صور تتفاوت في قوتها .
فهناك التبعية الفنية ويقصد بها خضوع العامل للإشراف والتوجيه الكامل الرب العمل في كافة دقائق العمل وتفصيلاته ، ويحدث ذلك إذا كان صاحب العمل يحترف الحرفة التي يستخدم فيها العامل ، فصاحب الورشة الميكانيكية الذي يعمل بنفسه في ورشته يشرف فنياً على عماله حيث يوجه كل منهم إلى ما يقوم به فنياً ويشرف على عمله ويراقب بدقة ما قام به .
وهناك التبعية التنظيمية أو الإدارية حيث لا يشرف صاحب العمل على العامل في عمله من الناحية الفنية أما لأن صاحب العمل لا خبرة له في المجال الفني أو لأي سبب آخر ، ولكن يتولى صاحب العمل تنظيم الظروف المختلفة للعمل وتحديد كافة ظروف العمال من حيث أوقاته ومكانه وقواعد الأجازات .
ويكفي لقيام رابطة التبعية توافر التبعية الإدارية والتنظيمية ولا يستلزم ضرورة توافر التبعية الفنية ، ولقد هجر تماماً الرأي الذي كان ينادي بضرورة أن تكون التبعية فنية لقيام التبعية القانونية . فاشتراط التبعية الفنية يؤدي إلى التضييق في نطاق عقد العمل حيث لن يوجد إلا إذا كان العامل لدى رب العمل في حرفته أو مهنته وهذا التعريف لرب العمل قد هجره بدوره قانون العمل في مصر ، كما أن التبعية الإدارية تربط العامل برب العمل برباط من التبعية لا يمكن إنكاره ، فلو أن رب العمل يتدخل في كل دقائق عمل العامل لكان من السهل عليه أن يستغني عن العامل بل أن كثرة عدد العمال تحول عملاً دون توافر التبعية الفنية دائماً .
ولقد قررت محكمة النقض أن مناط تمييز عقد العمل هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته وذلك ما نصت عليه المادة 674 من القانون المدني، والمادة 29 من قانون العمل القديم ، وأنه يكفي لتحقيق هذه التبعية ظهورها ولو في صورتها التنظيمية أو الإدارية .
ومن مظاهر التبعية قيام صاحب العمل بتحديد أوقات العمل ونظامه وتوليه الإدارة والإشراف الفعلي على العمل .
ويترتب على الاكتفاء بالتبعية التنظيمية كمعيار لتوافر التبعية القانونية إمكان ارتباط صاحب المهن الحرة بعقود عمل بينهم وبين صاحب العمل .
ومن استقراء القضاء المقارن أمكن استخلاص وجود رابطة التبعية من عدة مظاهر .
فتتوافر التبعية عند قيام العامل بتقديم العمل في مكان العمل وأوقاته ، وإذا كان الشخص يعمل دون أن يساعده شخص آخر يتلقى منه أجراً ، وإذا كان يعمل على مواد مسلمة له من قبل صاحب العمل ويعمل تحت رقابته وإشرافه .
والقاضي يستخلص من مجموع الظروف مدى توافر التبعية ، فيعتبر عاملاً من يعمل خارج المنشأة إذا كان يتبع في بيعه للبضاعة خط سير محدد من قبل صاحب العمل ، أما بائع الصحف الذي لا يتبع خطأً معيناً لسيره ويمارس عمله بحرية في قطاع معين لا يعتبر عاملاً ، كما أن عدم الالتزام بالتواجد في أوقات العمل لا ينفي التبعية إذا ما كان العامل يلتزم بأن يتواجد عند أي استدعاء من قبل صاحب العمل، فلاعب الكرة يعتبر عاملاً لدى النادي إذا كان يلتزم بالتوجه إلى النادي عند أي استدعاء ويخضع لإشراف النادي ورقابته .
وإذا كان إحضار صاحب العمل لمواد قرينة على التبعية إلا أن توريد بعض هذه المواد من قبل العامل لا ينفي إمكان وجود رابطة التبعية ، فقد اعتبرت محكمة النقض عاملاً من يقوم بصناعة الأحذية بالرغم من أنه يحضر بعض المواد الأولية معه ويدفع أجراً لمن يعاونه .
ومن الأمور التي تؤخذ أيضاً في الاعتبار اقتصار العامل على تقديم العمل لصاحب العمل ولا يعمل لدى الغير ، فالعامل يكرس كل وقته ونشاطه لتقديم العمل إلى صاحب العمل فقط، ولكن عدم تكريس كل الوقت لصاحب عمل واحد والعمل لدى أكثر من صاحب العمل لا ينفي إمكان وجود رابطة التبعية ، فالعبرة بالخضوع والتبعية خلال العمل المكلف به العامل فلا يوجد ما يمنع بالتالي من توافر رابطة التبعية لدى أكثر من صاحب عمل، فالجمع بين أكثر من عمل، أو بين حرفة أو مهنة حرة وعمل من الأعمال لا يتعارض مع إمكان توافر التبعية القانونية .
ونتعرض بإيجاز لبعض تطبيقات القضاء المصري .
ولقد أثيرت كيفية إعمال هذا المعيار بمظاهره المختلفة في مجال ممارسة الطب والمحاماة .
فإن كل الأصل أنهما يمارسان عملهما بصفة مستقلة فهناك من الحالات ما تسمح بالقول بتوافر التبعية التنظيمية ، ولقد كان المشروع التمهيدي للقانون المدني ينص على أنه يجوز للأشخاص الذين يزاولون مهنة حرة أن يؤجروا خدماتهم حتى ولو كان القيام بهذه الخدمات يقتضي الحصول على شهادة علمية .
فالطبيب الذي يتعاقد مع مستشفى للعمل بها يعتبر عاملاً بها ، متى توافرت مظاهر التبعية الإدارية والتنظيمية ، مثل تحديد أوقات العمل ونوعه ومكانه والإشراف عليه وتوقيع الجزاءات ويضاف إلى ذلك تقاضى مرتب شهري ثابت فالعبرة بتوافر التبعية التنظيمية من مجموع هذه الظواهر المتعددة ، ويجب أن ينظر إلى كل حالة على حدة لاستخلاص توافر التبعية فليس هناك ما يمنع مثلاً من توافر التبعية حتى ولو كان الطبيب يكشف على مرضى إحدى الشركات في عيادته الخاصة متى كان ذلك برضاء الشركة مع توافر باقي عناصر التبعية ولكن في حالات أخرى قد يكون من عناصر عدم توافر التبعية أن يكشف على المرضى في العيادة وليس في مكان العمل .
ولا يشترط لتوافر علاقة العمل أن يتفرغ الطبيب للكشف على مرضی إحدى الشركات مثلاً ، فيكفي أن يتم الكشف عليهم في مواعيد محددة ويخضع للتعليمات الإدارية والتنظيمية ، وعلى حد قول محكمة النقض فإنه لا ينفي حق الطبيب كونه يشتغل في مستشفيات أخرى وله عيادة ، إذ أن القانون لا يشترط في عقد العمل التبعية الاقتصادية .
إذا كانت المحاماة ليست مجرد مهنة لطلب الرزق وإنما هي رسالة ودعامة من دعائم تحقيق العدل، فإن المحامي قد يرتبط بعقد العمل متى توافرت التبعية التنظيمية ، مثل المحامي الذي يعمل في الإدارة القانونية لشركة من الشركات فهو يخضع إدارياً لرب العمل من حيث الإشراف والمتابعة والترقي والتأديب .
والمحامي الحر صاحب المكتب الخاص يمكن أن يرتبط في نفس الوقت بعقد عمل متى توافرت عنصر التبعية التنظيمية مثل التردد على الشركة في أوقات معينة ، والخضوع لقواعد الأجازات والتأديب ، فلا يمنع من ذلك عدم التفرغ لعمل الشركة كما أوضحنا بالنسبة للطبيب .
أما إذا انتفت صفة التبعية الإدارية كما لو تعاقد محام مع شركة على تقديم الاستشارات القانونية التي تطلبها منه ومباشرة القضايا التي تطلب منه رفعها فإن العلاقة لا تكون علاقة عمل
فيجب باختصار البحث بدقة في مدى توافر مظاهر التبعية التنظيمية .
ويسري ما قلناه بصدد الطبيب والمحامي على غيرهما من أصحاب المهن الحرة مثل الفنان . .
وقضى بعدم وجود علاقة عمل بين شركة التأمين والمنتجين المرتبطين بها بعقود وكالة بالعمولة لعدم خضوعهم في تنفيذ عملهم لإشرافها ورقابتها .
ضرورة المزج بين التبعية الاقتصادية والتبعية القانونية
ويذهب الفقه الحديث إلى أن المقصود بالتبعية هو مجموع الظروف المتنوعة التي تسمح بالتأكيد أن من يقدم العمل يعتبر عنصراً من العناصر الإنسانية التي تحتل مكاناً في مشروع لا يقوم هو بتنظيمه ، فالعامل هو الشخص الذي ينتمي إلى مشروع ، فلا يوجد عمل خاضع إذا كان الشخص يعمل في مشروعه هو وليس في مشروع غيره من الأشخاص .
فالتبعية هي الانتماء أو المشاركة في مشروع الغير ، فالعامل هو من يحتل مركزاً في مشروع أياً كانت درجة استقلاله في تنفيذ العمل ، ولكن مجرد أنه يشغل مركزاً معيناً داخل المشروع يفرض عليه الخضوع للالتزامات والتعليمات التي يستلزمها سير المشروع .
ويتميز هذا المعيار بأنه لا يستلزم إلا قدراً ضئيلاً من الرقابة من جانب صاحب العمل للقول بتوافر التبعية ، فالعامل يعمل لمصلحة الغير وفي إطار التنظيم الذي يضعه هذا الأخير وطبقاً للتوجيهات العامة التي يصدرها صاحب العمل ، فيكتفي أن يشترك الشخص في مشروع الغير ولحسابه حتى تتوافر التبعية .
ومن ثم يصبح تحديد مدى توافر التبعية متروكاً لحدس القاضي وما يستشعره دون أن يتقيد بعناصر معينة محسوسة .
ولقد لاحظ أنصار هذه الفكرة أنه لا مفر من رفض فكرة التبعية الاقتصادية في صورتها المطلقة ، فليس هناك من يعتبر مستقلاً اقتصادياً تماماً ، ومن ثم يصعب معرفة من أين تبدأ التبعية وأين تنتهي ، ولكن لا يجب إغفال أهمية هذا المعيار من حيث أنه يؤدي إلى التوسع في نطاق تطبيق قانون العمل بما يوفر الحماية للعمال .
ولهذا فقد حرص القضاء عند تحديده لفكرة التبعية أن يضع ضوابط وإيضاحات لمعيار التبعية الاقتصادية بما يكفل له حدوداً معقولة . ففي الوقت الذي تعاظمت فيه فكرة النظام العام الاجتماعي كان من المنطقي أن يضع القضاء نصب أعينه التوسع في نطاق تطبيق قانون العمل ، ولكن يجب أن يتم التوسع في إطار معقول وواضح ، والمعيار الحقيقي الذي أخذ به وسمي خطأ بالتبعية القانونية هو في حقيقة الأمر معيار التبعية الاقتصادية القائم على ضوابط واضحة وحدود معقولة . .
ففي الوقت الذي استبعد فيه القضاء معيار التبعية الاقتصادية، فإنه عاد وأخذ بنفس الفكرة ودون أن يذكر ذلك صراحة وذلك بالبحث عن الانتماء إلى المشروع .
فتتبع أحكام القضاء يكشف عن حالات تقرر فيها توافر التبعية بالرغم من التمتع بحرية واضحة في تنفيذ العمل .
فما أخذ به القضاء هو في حقيقة الأمر معيار التبعية الاقتصادية القائم على ضوابط يسيطر عليها القاضي حتى يظل للمعيار طابعه القانوني ، والاستمرار في استعمال اصطلاح التبعية القانونية يرجع إلى أنه لم يتم بعد العثور على اصطلاح أكثر ملاءمة ، ولكن فحواه أصبح اصطلاحياً يستمد مضمونه من القضاء،دون أن يكون الاصطلاح في حد ذاته معبراً .
فالمعيار يكمن في فكرة الانتماء أو المشاركة في مشروع الغير ، فالتبعية الاقتصادية وحدها لا تكفي وإنما يجب أن توجد عناصر تكشف عن المشاركة في مشروع الغير ، فليحصل الشخص على رزقه أما أن يقبل بأن يخضع للغير وأما إلا يقبل ذلك ويعمل لحساب نفسه ، والخيار في حد ذاته يعتبر خياراً اقتصادياً لا يقرره إلا صاحب الشأن نفسه ولا يصح أن يحل محله القاضي في ذلك، ولكن إذا تدخل القاضي في حالة الشك حول الإرادة الحقيقية للشخص فإن عليه أن يكشف حقيقة هذه الإرادة .
فالتبعية الاقتصادية لم يعد يقصد بها فقر العامل ، وإنما يجب أن تؤخذ بمفهوم اجتماعي واقتصادي معاصر ، فيجب أن تجدد بالنظر للأعباء الاجتماعية والوضع الاجتماعي . فكل مشروع يستخدم الوسائل البشرية يلتزم بأن يقدم الضمانات إلى هؤلاء الأفراد، فالتبعية الاقتصادية أصبحت معياراً فنياً يمكن عن طريقه تحديد وضع كل شخص في التنظيم الاجتماعي .
ويتميز هذا الاتجاه الأخير بأنه يتفادى ما يؤدي إليه معيار التبعية القانونية بمعناه التقليدي من إخضاع العمال لقانون العمل بصرف النظر عن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي ، ومن إخضاع الأفراد لنظم مختلفة بالرغم من تشابه أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية .
فلا مناص من مزج التبعية القانونية والتبعية الاقتصادية لاستخلاص معیار عقد العمل ، فلا يمكن الفصل بينهما ، وفكرة الإنتماء إلى خدمة منظمة ومدی التعرض لمخاطر وأرباح المشروع تحقق الجمع بينهما .
دور عنصر التبعية في التمييز بين عقد العمل وغيره من العقود
يثور التساؤل أحياناً حول تحديد التكييف القانوني الصحيح للعقد محل النزاع. فقد يتضمن العقد نصوصاً يقصد بها إظهاره على خلاف الواقع حتى لا يتضمن العناصر اللازمة لوجود عقد العمل، وفي هذه الأحوال فإن العقد الظاهر يعتبر عقداً صورياً الغرض منه عدم الخضوع لقانون العمل وما يترتب على علاقة العمل من تحمل صاحب العمل بأعباء مالية معينة سواء طبقاً لما ينص عليه قانون العمل أم قانون التأمين الاجتماعي، وفي أحيان أخرى فإن الصورية تأخذ صورة عكسية بمعنى أن يكون الظاهر عقد عمل في حين تكون العلاقة الحقيقية علاقة وكالة مثلاً، ويقصد من ذلك استفادة الشخص من أحكام قانون العمل وقانون التأمين الاجتماعي. ولتفادى هذا فإن قانون التأمين الاجتماعى يشترط السريان تأمين العجز والشيخوخة الاشتراك لمدة لا تقل عن حد معين .
ومن المستقر أن العبرة في تكييف العقد بحقيقة الواقع والنية المشتركة التي اتجهت إليها إرادة المتعاقدين دون الاعتداد بالألفاظ التي وردت في هذه العقود والتكييف الذي أسبغه الطرفان عليها، فالقاضي هو الذي يختص بتحديد الوصف القانوني الصحيح للعقد .
فتكييف العقد مسألة قانونية ولا تلعب إرادة المتعاقدين أي دور في الإعفاء من الخضوع لقانون العمل مثل الحرص على وصف العقد بأنه وكالة أو مقاولة، فلا يعتد بما يطلقه المتعاقدان من أوصاف على العقد، وهذا التكييف يتعلق بالنظام العام من حيث أن عقد العمل هو الشكل القانوني الوحيد الذي يضع الشخص في علاقة خضوع وتبعية مع شخص آخر .
وقد لا تتعلق الصورية بالعقد ككل وإنما ببعض الأحكام الخاصة للتهرب من بعض الالتزامات القانونية مثل وصف عقد غير محدد المدة بأنه عقد محدد المدة .
وإذا كانت الصورية في مجال من المجالات أصبحت ما يجري عليه العمل، فإن المشرع يضطر للتدخل لإسباغ الوصف الصحيح على العقد، وهذا ما فعله المشرع في المادة 676 من القانون المدني بشأن الممثلين التجاريين وغيرهم ممن نص عليهم في هذه المادة .
والمناط في تكييف عقد العمل وتمييزه عن غيره من العقود هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته .
يثور الخلط بين عقد العمل وعقود المقاولة والشركة والوكالة ، وندرس فيما يلي أسس التفرقة بين عقد العمل وهذه العقود .
عقد العمل وعقد المقاولة
كثيراً ما يقع الخلط بين عقد العمل وعقد المقاولة نظراً للتقارب الكبير في عناصرهما ففي كل من العقدين يلتزم أحد طرفيه بأن يعمل أو يقدم نتاج عمله وفي كل منهما يكون العمل بمقابل .
ويكتسب التمييز بين العقدين أهمية كبيرة من حيث أن العامل وحده هو الذي يخضع لقانون العمل، أما المقاول فهو لا يخضع لقانون العمل ولا يستفيد من أحكامه ومزاياه .
والمعيار الحاسم والرئيسي للتفرقة بين العقدين يكمن في فكرة أو عنصر التبعية، فإذا كان العامل يعمل تحت إشراف وتوجيه صاحب العمل إلا أن المقاول يعمل في حرية واستقلال وبعيداً عن توجيه وإشراف رب العمل، فموضوع عقد العمل هو العمل التابع، أما موضوع عقد المقاولة هو العمل الحر المستقل، ولهذا فإن عنصر التبعية لم يرد في تعريف القانون المدني لعقد المقاولة .
ويجب الاحتياط وتوخي الدقة في استعمال عنصر التبعية للتفرقة بين العقدين، فقد رأينا أن التبعية قد تطور مفهومها بحيث أصبحت تشمل التبعية التنظيمية حتى ولو لم تتوافر التبعية الفنية، ولهذا فإن التبعية أصبحت مخففة إلى حد كبير خصوصاً إذا كان صاحب العمل لا يتمتع بأى دراية فنية في مجال العمل، أما بالنسبة لعقد المقاولة فإن المقاول يخضع لرقابة رب العمل من حيث أنه يلتزم بإنجاز العمل في موعد محدد وطبقا للمواصفات المتفق عليها .
ومع هذا لا يجوز الخلط بين العقدين لأن رقابة رب العمل في عقد المقاولة تتعلق بنتيجة العمل وليس بذات أدائه، ولا يملك رب العمل أن يفرض على المقاول نظاماً معيناً للعمل، فرقابة العمل تتعلق بنتاج العمل فقط، أما طرق تنفيذ العمل فيستقل بها المقاول، أما في عقد العمل إن صاحب العمل يستطيع أن يفرض على العامل طريقة أداء العمل ويعطيه كافة التوجيهات وفي نفس الوقت لا يسأل العامل عن نتيجة العمل طالما أنه قد نفذه طبقاً لتوجيهات صاحب العمل .
فإشراف صاحب العمل في عقد العمل يقع على طريقة إنجاز العمل والقيام به على الأقل من الناحية التنظيمية والإدارية، فعقد العمل يخول صاحب العمل سلطة على شخص العامل بمقتضاه يحدد نظام العمل، أما في المقاولة فرب العمل تقتصر تعليماته على مواد العمل وليس شخص المقاول أو نظام العمل .
وإلى جانب هذا المعيار الرئيسي يمكن الاستعانة ببعض المعايير الأخرى المساعدة، ولكن هذه المعايير الأخيرة بمفردها لا تقدم المعيار الحاسم التفرقة بين عقد العمل وعقد المقاولة .
ومن هذه المعايير :
1 - أن عقد المقاولة ينصب على نتائج العمل أكثر مما ينصب على تقديم قوة العمل، فالتزام المقاول التزام بنتيجة، أما التزام العامل فهو ببذل عناية، ولكن ذلك لا يصدق في كافة الأحوال، ففي عقد المقاولة قد يكون الالتزام ببذل عناية كما يحدث في التزام الطبيب، وبالعكس فقد يكون التعاقد مع العامل للقيام بعمل معين في خلال فترة محددة فهو يضع قوة العمل في خدمة صاحب العمل لتحقيق نتيجة محددة .
2- يقدم المقاول عمله عادة إلى عملائه، أما العامل فهو يقدمه إلى صاحب العمل، فالاستقلال الاقتصادي يستلزم عادة أن يكون تنفيذ العمل لحساب أكثر من عميل. ولكن هذا المعيار بدوره ليس حاسماً، فهناك من العمل من يقدمون خدماتهم إلى عموم أصحاب الأعمال مثل عمال الشحن والتفريغ في الموانئ، وبالعكس فإن بعض المقاولات يقتصر عملها على تنفيذ الأعمال المتعلقة برب عمل واحد، كما لو كان رب العمل يحتكر مجالاً من المجالات مثل إصلاح السكك الحديدية .
3 - يقوم المقاول باستخدام أشخاص للقيام بالعمل المعهود إليه، أما العامل فهو يقوم بنفسه بالعمل .
وهذا المعيار نسبي أيضاً، فاستخدام بعض العمال لعمال آخرين لا ينفي توافر التبعية وعلاقة العمل، وهناك من المقاولين من يقوم بتنفيذ التزاماته بنفسه دون أن يستخدم أحد من الغير .
4- وأهم المعايير هو المعيار الذي يتخذ طريقة تحديد الأجر أساساً له، فإذا حدد الأجر بالزمن كنا بصدد عقد عمل، أما إذا استحق الأجر عند إنجاز العمل كان العقد مقاولة .
وهذا المعيار نسبي أيضاً، فاستخدام بعض العمال لعمال دقيق، لأن الأجر في عقد العمل يمكن أن يحدد بالقطعة أي بالإنتاج، كما أن مستحقات المقاول يمكن أن تحدد بحسب الزمن، ولكن يظهر الفارق من حيث أن العامل يستحق دائماً الحد الأدنى للأجر أياً كان إنتاجه، أما المقاول فقد لا يحصل على أي شيء كما لو هلك الشيء المصنع بقوة قاهرة .
- وتبدو أهمية التفرقة بين التبعية الإدارية والتبعية الفنية بالنسبة لبعض الطوائف، كالفنانين والأطباء بحيث يختلف الرأي حول ما يجب تغليبه منهما .
فالفنان عليه أن يحترم نظام العمل ومواعيده وعلاقته بزملائه، وفي خصوص ذلك تتوافر التبعية الإدارية أما في تنفيذه لصميم عمله، فإن بعض المحاكم الفرنسية ارتأت أن الفنان على خشبة المسرح يتخلص من كل تبعية تجاه صاحب العمل حيث تقتضي سمعته الفنية أن يحتفظ بحريته ولا يطيع سوى مقتضيات الدور الفني والذي لا يعتمد إلا على قدراته ورؤيته الشخصية، وبهذا لا تتوافر علاقة التبعية الفنية، ولقد غلبت بعض المحاكم المصرية التبعية الإدارية على الاستقلال الفني لاستخلاص توافر رابطة التبعية .
ولقد استحصلت المحاكم توافر علاقة التبعية بين الممثل المسرحي والفرقة المتعاقد معها من توافر التبعية التنظيمية إذ أنها كافية لقيام عقد العمل، إذ يقع الفنان من الناحية الفنية تحت إدارة المتعاقد الآخر ورقابته إذ حدد له هذا الأخير على نحو دقيق المطلوب منه واستأثر دونه بكيفية تحقيقه وأرشده إلى الوجه الصحيح للقيام به وذلك بتلقينه التوجيهات في زمان العمل ومكانه ومدته والملابس الخاصة به مهما كانت العبقرية الشخصية التي يظهرها الفنان أثناء العرض والحفل، فبذلك تقوم التبعية التنظيمية والفنية بين العاقدين وهي تكفي لقيام عقد العمل .
وبالنسبة للأطباء فهناك الجانب الإداري في اتباع تعليمات المستشفى كنظام العمل وأوقاته، وهناك الجانب الفني والعلمي الدقيق الذي يستقل الطبيب بالقيام به، ولقد ذهبت محكمة النقض في صدد مسئولية المتبوع عن فعل التابع إلى اعتبار الطبيب تابعاً باستخدامها عبارة الاكتفاء بالتبعية الأدبية، ولهذا يبدو أنها تغلب التبعية الإدارية على الاستقلال الفني .
وبالنسبة لعقود عمل الرياضيين المحترفين ، فإن العقد يبرم بين اللاعب وإحدى النوادي ويربطهما عقد العمل، أما الهواة الذين لا يتقاضون أجراً فإنه لا يربطهم بالنادي عقد عمل وإنما عقد غير مسمى، ولقيام علاقة عمل بين الرياضي المحترف والنادي يجب أن يتوافر عنصر التبعية والخضوع والمتمثل في وجود نظام يفرض على اللاعب الاستجابة وطاعة كل استدعاء سواء للتدريب أو للمشاركة في المباريات واحترام خطة اللعب في المباريات، فإن توافر ذلك فإن العقد يكون عقد عمل مع ضرورة أن يكون هناك أجر، ولكن لا ينفي أو يحول دون وجود عقد العمل أن يكون الأجر أو المقابل متواضعاً، أو أن يكون المقابل مبالغ متفرقة لا تمثل أجراً دورياً، فالعبرة بوجود المقابل مع ضرورة توافر عنصر التبعية .
وعقد العمل الرياضي يكون عادة محدد المدة لعدة مواسم رياضية، وقد يتضمن العقد حق الرياضي في الانتقال من نادي آخر مقابل تعویض يدفع إلى نادیه .
أما فيما يتعلق بالعقد الذي يبرم بين النادي والمدرب أو المدير الفني للفرق الرياضية، فقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كانت اختصاصاته تتمثل في التدريب والإشراف الفني والإداري الكامل على الفريق الأول لكرة القدم وأنه يتمتع بكافة الصلاحيات في اختيار الأجهزة الفنية والإدارية والطبية المعاونة وخلو العقد من تقرير أي حق للنادي في توجيه التدريب أو الإشراف الفني أو الإداري أو الإشراف على طريقة قيامه بهذا العمل يدل على انتفاء عنصر التبعية ويكون العقد عقد مقاولة وليس عقد عمل .
أما من يتولى تدريب أعضاء الفرق الرياضية في النادي فإنه يرتبط مع النادي بعقد عمل حيث يتقاضى من النادي أجراً شهرياً ويخضع للنادي من حيث الإشراف على عمله ومواعيد العمل وأوقات التدريب للأعضاء، فالعبرة بتوافر عنصر الخضوع والتبعية .
عقد العمل وعقد الشركة
تعرف المادة 505 من القانون المدني عقد الشركة بأنه عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي، بتقديم حصته من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ من المشروع من ربح أو خسارة .
ومصدر الخلط بين العقدين يرجع أحياناً إلى أن حصة الشريك في الشركة قد تكون عمله وليس ماله وهذا يقربه من العامل، كما أن أجر العامل يكون أحياناً نسبة معينة من أرباح المشروع وهذا يقرب العامل من الشريك، وما زاد الأمر صعوبة أن العمال يشتركون أيضاً في إدارة المشروع إذا كان في صورة شركة مساهمة في القانون المصري .
والفارق كبير بين أحكام الشركات وأحكام قانون العمل وانعكاسات هذه الخلافات هام في مجالات قانونية أخرى مثل الضرائب .
ومعيار التفرقة أيضاً في فكرة التبعية ، فالشركة تقوم على فكرة المساواة بين جميع الشركاء ، أما عقد العمل فهو يقوم على تبعية العامل لصاحب العمل .
ويجب البحث عن مدى توافر نية المشاركة باعتبارها جوهر عقد الشركة .
ولهذا لا يجب الاعتماد على صورة الأجر كمعيار للتفرقة. فالقانون المدني يسمح صراحة بأن يكون الأجر في صورة نسبة من الأرباح، بل ليس هناك ما يمنع من أن يكون كل الأجر في صورة نسبة من الأرباح مادام عنصر التبعية قد ثبت توافره .
وقررت محكمة النقض أن المناط في تكييف العقود وإعطائها الأوصاف القانونية الصحيحة هو ما عناه العاقدان منها وإذا كان ما انتهت إليه المحكمة من تكييف العقد بأنه عمل وليس شركة لا خروج فيه على نصوص العقد وتؤدى إليه عباراته، وما استخلصته المحكمة منها من قيام عنصر التبعية الذي يتمثل في خضوع الصيدلي الإشراف صاحب الصيدلية ورقابته مما يتعارض وطبيعة عقد الشركة، وكان لا يتنافى مع هذا التكييف تحديد أجر الصيدلي بنسبة معينة من الأرباح وأن صاحب الصيدلية قد خوله باعتباره مديراً للصيدلية في تعيين العمال اللازمين لها وتأديبهم وفصلهم لأن ذلك كله لا يغير طبيعة عقد العمل، فالخضوع لإشراف صاحب الصيدلية ورقابته یعنی توافر التبعية من الناحية التنظيمية والإدارية وهو العنصر المميز لعقد العمل .
وإذا كان من الصعب التأكد من وجود نية المشاركة أو عنصر التبعية فلا مفر من الاستعانة بالقرائن المختلفة، فلو كان الشخص يساهم في خسائر المشروع فإن العقد يكون عقد شركة لأن العامل الذي يشارك في الأرباح لا يساهم في تحمل الخسائر وإلا انقلب شريكاً .
ولا يمنع من أن يجمع الشخص بين عقد الشركة وعقد العمل ، وذلك مثل الشريك الذي يعين موظفاً في الشركة، فهو بوصفه شريكاً يخضع لقاعدة المساواة، أما بوصفه عاملاً فإنه يكون تابعاً لرب العمل بوصفه شخصاً اعتبارياً وهو الشركة وتقوم تبعيته لها وحدها .
ولكن علاقة المدير الشريك المتضامن في شركة التوصية ليست علاقة عمل وإنما هي علاقة شركة ، وأن ما يحصل عليه من الشركة هو مقابل إدارته وليس أجراً .
عقد العمل وعقد الوكالة
الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل .
ومصدر الخلط بين العقدين يرجع إلى أن في كل من العقدين يقوم أحد الطرفين بعمل معين لمصلحة الطرف الآخر، كما أن العامل والوكيل يتقاضيان أجراً بالرغم من أن الوكالة أصلاً تقوم على التبرع إلا أن الوكيل يتقاضى في الغالب أجراً
.
ولا يخلو عقد الوكالة من وجود نوع من الخضوع من جانب الوكيل إلى الموكل فهو يعمل طبقاً لتعليمات الموكل وتوجيهاته والتي تتمثل في حدود الوكالة حقاً الفارق كبير بين الخضوع في عقد العمل وفي عقد الوكالة ولكن الفكرة ليست منتفية في عقد الوكالة .
والتفرقة بين العقدين لا تخلو من الأهمية، فبالإضافة إلى أن الوكيل لا يخضع لقانون العمل فإن أحكام الوكالة تختلف تماماً عن أحكام عقد العمل فالموكل له، من حيث الأصل، الحق في أن يعزل الوكيل في أي وقت يريد أما عقد العمل غير محدد المدة فلا ينتهي إلا بإجراءات محددة ولابد من توافر أسباب حتى تنتفي عنه صفة التعسف .
والبحث عن معيار التفرقة يستدعي أن ندرس مدى صلاحية بعض المعايير حتى نتوصل إلى المعيار الذي نأخذ به.
فيجب استبعاد معيار التفرقة على أساس وجود المقابل من علمه أي عنصر الأجر، فبالرغم من أن الأصل في العمل أنه مأجور، وأن الوكالة غير مأجورة إلا أنه كثيراً ما تكون الوكالة بأجر، كما أن طريقة تحديد الأجر لا تصلح كمعيار للتمييز، فالأجر في عقد العمل قد يكون ثابتاً بحسب الزمن أو بحسب القطعة، بل قد يكون بحسب المنجزات كالعمولة والمكافآت التي تعتبر جزءاً من الأجر .
ولقد لجأ البعض إلى البحث عن معيار التفرقة في عنصر العمل بدلاً من عنصر الأجر، فعمل الوكيل يقتصر على تمثيل الموكل في إجراء التصرفات القانونية، فهو لا يشمل الأعمال المادية ويستندون في ذلك إلى نص القانون المدني الذي يقرر أن الوكيل يقوم بعمل قانوني، أما العامل فهو يقوم بالأعمال اليدوية والذهنية، فالوكيل هو من يقوم بالتصرفات القانونية والعامل هو من يقوم بغير ذلك من الأعمال .
والحقيقة أنه إذا كان من الصحيح أن الوكالة لا تقوم إلا على إبرام التصرفات القانونية، ولا ترد على الأعمال المادية، إلا أنه ليس من الصحيح أن عقد العمل يقتصر موضوعة على الأعمال المادية، فليس هناك ما يمنع من أن يكون التصرف القانوني موضوعاً لعقد العمل .
فلا يوجد ما يمنع من أن يكون الوكيل في إبرام التصرفات القانونية مرتبطاً بعقد عمل مع من ينوب عنه في إبرامها، والحياة العملية مليئة بصور من هذا القبيل، فالبائع في المحل التجاري ينوب عن صاحب المحل في إبرام التصرفات القانونية المتمثلة في البيع إلى العملاء، والبائع في نفس الوقت يرتبط مع صاحب العمل بعقد عمل، والمحامي الذي يعمل لدى شركة من الشركات يرتبط معها بعقد عمل وفي نفس الوقت تكون مهمته إبرام التصرفات القانونية لحساب الشركة وتمثيلها أمام القضاء .
وإذا كانت الأعمال المادية والتصرفات القانونية قابلة للفصل بينهما أي غير مختلطة فإن كل منها تخضع للعقد الذي تدخل في إطاره، فالتصرفات القانونية تخضع لأحكام عقد الوكالة، والأعمال المادية تخضع لأحكام عقد العمل، أما إذا استحال الفصل بينهما فترجح الصفة الغالبية العقد أي ما أن يخضع برمته لأحكام الوكالة أو لأحكام عقد العمل .
وقد قررت محكمة النقض أنه ليس هناك ما يمنع من أن يعهد صاحب العمل إلى أحد عماله بإبرام تصرفات قانونية لحسابه إلى جانب ما يباشره من أعمال مادية أو فنية أخرى ، فيجمع بذلك صفته كوكيل وصفته كأجير متميزة كانت كل منهما عن الأخرى أو مختلطة وهو ما يتعين استظهاره والتحقق منه الإمكان تكييف العلاقة القانونية بين الطرفين، وقررت أن القيام بالعمل القانوني محل الوكالة قد يستتبع القيام بأعمال مادية تعتبر ملحقة به وتابعة له ويجب تكييف هذه العلاقة على أنها عقد وكالة، فليس في القانون ما يمنع من أن يجمع العامل بين ضفتي الوكيل والأجير ويعامل بالقواعد القانونية الخاصة بكل صفة على حدتها .
ولهذا فإن المعيار القانوني السليم الذي يجب الارتكاز إليه التمييز بين عقد العمل وعقد الوكالة هو عنصر أو رابطة التبعية .
ولقد قررت محكمة النقض أن عقد العمل لا يتحقق إلا بتوافر أمرين هما تبعية العامل لرب العمل وتقاضيه أجراً على عمله، أما الوكيل فهو يلتزم بالحدود المرسومة للوكالة ولا تتوافر التبعية طالما أنه بمنأى عن الخضوع للوائح العمل .
ومن الصور أو التطبيقات العملية بصدد التفرقة بين عقد العمل وعقد الوكالة الصور الآتية :
محصلي الشركات والباعة في المنشآت التجارية، ففي هذه الصور يعتبر العقد عقد عمل رغم أن العامل يقوم بتصرفات قانونية تتمثل في إبرام عقود بيع أو في تحصيل مبالغ لحساب صاحب العمل، فالعلاقة تبعية محضة والقيام بالتصرف القانوني ليس إلا مظهر من مظاهر العمل أو عبئاً من أعبائه .
وبالنسبة للوسطاء الذين يتوسطون في إبرام صفقة أو عقد لحساب صاحب العمل فقد نصت المادة 676 من القانون المدني على أنه تسري أحكام عقد العمل على العلاقة ما بين أرباب الأعمال وبين الطوافين والممثلين التجاريين والجوابين ومندوبي التأمين وغيرهم من الوسطاء ولو كانوا مأجورين بطريق العمالة أو كانوا يعملون لحساب جملة من أرباب الأعمال مادام هؤلاء الأشخاص تابعين الأرباب الأعمال وخاضعين لرقابتهم، فالعبرة بعلاقة الخضوع والتبعية بصرف النظر عن طبيعة العمل، فهؤلاء الوسطاء يقومون بتصرفات قانونية ولكن العقد يعتبر عقد عمل مادام عنصر التبعية قد توافر .
ويعتبر المدير الفني الذي يقوم بإدارة قسم أو أقسام في شركة عاملاً لتوافر عنصر التبعية، وبالنسبة للشركات المساهمة في القطاع الخاص، فإن رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب يعتبران من الوكلاء لأنهم يتولون إدارة هذه الشركات بصورة ينتفي معها توافر عنصر التبعية القانونية .
أما المدير العام فالأصل أنه يرتبط بعقد عمل خصوصاً إذا كان يخضع في عمله لإدارة وتوجيه وإشراف العضو المنتدب أو مجلس الإدارة، أما إذا كان مستقلاً في أداء عمله فهو وكيل .
وقررت محكمة النقض أن مدير شركة التوصية بالأسهم ليس أجنبياً عن الشركة إنما هو أحد الشركاء المتضامنين فيها وأنه وكيل عنها وليس عاملاً لديها . ( شرح قانون العمل ، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني ، الطبعة الرابعة 2020 ، دار النهضة العربية ، الصفحة : 117 )
إبرام عقد العمل
- يحكم إبرام عقد العمل من حيث المبدأ، مبدأ حرية العمل وما يستتبعه من مبدأ الحرية التعاقدية .
فإذا كان لكل شخص الحق في أن يختار العمل الذي يرغبه، فإن هذه الحرية تتفق مع الحرية التعاقدية في المجال المدني، فللشخص حرية أن يعمل أو لا يعمل، وإذا أراد أن يعمل فلكل متعاقد حرية أن يختار من يتعاقد معه .
وتتمثل حرية صاحب العمل، في حقه في أن يختار العامل الذي يعمل لديه، وللعامل أيضاً هذه الحرية ، بل هي أكثر أهمية له عن صاحب العمل لأن العامل سيخضع لصاحب العمل ويأتمر بأوامره، ولهذا لابد من توافر حريته الكاملة في اختيار العمل وصاحب العمل الذي يخضع له .
ولما كانت حرية العمل تعني ترك العمل لسوق المنافسة الحرة، فإن ذلك قد يعوق تنظيم سوق العمل بما يكفل حماية العامل الذي أصبح له الحق في توفير العمل المناسب له، ولهذا كان لابد من تدخل المشرع ليمنع مساوئ المنافسة في سوق العمل ويتمثل ذلك في قيام الدولة بتنظيم تشغيل العمال وعدم ترك ذلك للأفراد حتى لا يقع العامل فريسة للحاجة .
فإن كان الأصل هو الحرية التعاقدية، إلا أن الحق في العمل فرض تدخل الدولة لإجراء تعادل بين العرض والطلب حماية للعمال، مما يستتبع أيضاً محاولة منع كل شكل من أشكال التفرقة بين العمال سواء على أساس الجنس، أو الدين أو غير ذلك، ولهذا فإن قانون العمل ينص صراحة على ضرورة المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وحماية الحق في العمل تستوجب أيضاً حماية العامل ضد الفصل، أي حالة اللاعمل . ( شرح قانون العمل ، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني ، الطبعة الرابعة 2020 ، دار النهضة العربية ، الصفحة : 289 )
سلطات صاحب العمل
يتمتع صاحب العمل بثلاثة سلطات ، سلطة الإدارة والإشراف ، والسلطة اللائحية، والسلطة التأديبية، وقبل دراستها يجدر بنا بيان أساس تلك السلطات.
الأساس القانوني لسلطات صاحب العمل
انقسم الفقه في شأن تحديد أساس تلك السلطات إلى اتجاهين :
الاتجاه الأول : الأساس التعاقدي :
- يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن سلطات صاحب العمل تجد أساسها في عقد العمل، فرضاء العامل هو أساس سلطة صاحب العمل تجاهه، وبمقتضى العقد فإنه قد قبل الخضوع للسلطة الآمرة لصاحب العمل وللائحة الداخلية وإلى الجزاءات التأديبية فاللائحة ليست إلا ملحقاً للعقد وحازت على قبوله الضمني .
وهذه الفكرة توصف بالفكرة الفردية، ففي ظل النظام الرأسمالي الحر فإن السلطة الآمرة ترجع إلى الحقوق التي يتمتع بها صاحب العمل بوصفه مالكاً للمشروع وإلى العقد الذي أبرمه مع عماله، وهؤلاء العمال طبقاً للعقد يلتزمون بتبعيته، والتبعية هي معيار عقد العمل فحقوق وديون المشروع تدخل في الذمة المالية لصاحب المنشأة وحده، فلا يظهر على المسرح القانوني غيره حيث تختلط المنشأة بشخصه، فصاحب العمل لا يستمد امتیازاه إلا من نفسه شخصياً .
والرأي الذي يرى أن أساس تلك السلطات يكمن في رابطة التبعية القانونية يأخذ في حقيقة الأمر بهذا الاتجاه، فما هو أساس التبعية هل هو مجرد العقد أم ضرورات تنظيم المشروع .
الاتجاه الثاني : الأساس التنظيمي :
- يتميز هذا الاتجاه بأنه يركز على الطابع الشخصي لعلاقات العمل، فهذه العلاقات تتركز على المشروع، وهو عبارة عن مجتمع يرتبط أفراده ارتباطاً لا يقبل الانفصام وتستمد علاقات العمل كل قيمة لها من هذا الترابط .
والمشروع يقوم على التضامن بين المصالح ويعتبر مجتمعاً منظماً يتعاون أفراده تحت سلطة صاحب العمل، وصاحب العمل يملك سلطات، التشريع، والإدارة والأمر، وسلطة التأديب. وسلطة صاحب المشروع تجد أساسها في المسئولية التي يتحملها في هذا المجتمع وهو المشروع. فصاحب المشروع يتحمل مسئولية الإنتاج والتبادل ويتحمل مخاطر الاستغلال وتحقيق مصلحة أعضاء المشروع، وتحقيق هذه المهام الخطيرة يستوجب منحه سلطة كبيرة، وبالتالي فإن عقد العمل لا يعتبر إلا مجرد شرط لإدخال العامل في عضوية هذا المجتمع وإخضاعه بالتالي لنظامه وقانونه الذي تمثله لائحة العمل .
ويترتب على الأخذ بهذا الاتجاه أن يتوقف تطبيق اللائحة على الإشهار عنها والعلانية، ويخضع تفسيرها لرقابة محكمة النقض، ويخضع إصدار اللائحة إلى قيود إدارية وقضائية، وأن السلطة لا تمارس إلا لمصلحة المشروع .
ويبدو أن الاتجاه الحديث يسير بالتدرج من الاتجاه الفردي إلى الاتجاه التنظيمي .
فسلطة صاحب العمل تمارس من أجل مصلحة العمل وأصبحت لصيقة بصفة صاحب المنشأة والقائم عليها، وهذا لا يتفق تماماً مع النظرية الفردية .
وكما يرى بعض الفقهاء في فرنسا، فإن السلطات التي يتمتع بها صاحب العمل توجد دائما داخل أي جماعة أو تجمع منظم، فيوجد ما يقابلها في مجال الوظيفة العامة، وكافة الجماعات العامة والخاصة .
فسلطة صاحب العمل ليست إلا صورة خاصة لظاهرة عامة، وليس من الدقيق تفسيرها بالعقد بمفرده، لأننا نجد مثيلها في علاقات أو مراكز غير تعاقدية، كما أنها لا ترتبط بالنظام الرأسمالي بقدر ما ترتبط بالضرورات الفنية اللازمة لحسن تنظيم العمل، فالتدرج الرئاسي داخل أي مشروع ضرورة لتنظيم العمل .
- ومع هذا، فإن العامل لا يوضع تحت سلطة رب العمل إلا عن طريق إبرام عقد العمل، ومن ثم فإن الالتزام بالخضوع لسلطة صاحب العمل واللائحة وقواعد التأديب تنبع من العقد، فإذا كانت سلطة صاحب العمل لصيقة بصفته كصاحب ومدير للمشروع، فإن فتريد هذه السلطات ووضعها موضع التنفيذ لا يتم إلا عن طريق عقد العمل، فمن العقد تقوم بالنسبة لصاحب العمل إمكانية ممارسة هذه السلطات تجاه عماله .
- رأينا أن المشروع مجتمع منظم على أساس تدرجي فعلي رأس المشروع يوجد مدير المشروع أو المدير المسئول وهو يتمتع في هذا الصدد بعدة سلطات، وتشبه سلطات رئيس المشروع بالسلطات التي توجد في أي مجتمع سیاسی، فهناك سلطة الإدارة وهي مقابل السلطة التنفيذية، وسلطة إصدار اللوائح والقرارات التنظيمية هي تقابل السلطة التشريعية أو أخيراً السلطة التأديبية تجاه العمال وهي تقابل سلطات القضاء ، خصوصاً القضاء التأديبي .
- وفي مجال لوائح العمل فقد استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا .
على أن لوائح العمل الخاصة بشركات القطاع العام أو قطاع الأعمال العام لا تخرج عن دائرة القانون الخاص وبالتالي لا تختص المحكمة بنظر عدم دستورية أي نص فيها ومن ثم يكون لقضاء الموضوع ومحكمة النقض بحث مدى قانونية أو دستورية النص، ولا يجوز أن تتضمن اللائحة نصا ينطوي على تمييز تحكمي بين أصحاب المراكز المتحدة، ويكون النص المخالف مشوباً بالبطلان .
سلطة الإدارة والتنظيم والإشراف
- أقر المشرع تلك السلطة عندما ألزم العامل بالائتمار بأوامر صاحب العمل وذلك سواء في قانون العمل أم القانون المدني، ومن المستقر فقهاً وقضاء أن لصاحب العمل السلطة المطلقة في إدارة منشأته، واتخاذ ما يراه من الوسائل لإعادة تنظيمها متى رأى من ظروف العمل ما يدعو لذلك، ولا وجه للحد من سلطته في هذا الخصوص طالما كانت مبرأة عن قصد الإساءة، فيحق لصاحب العمل أن يصنف الوظائف في منشآته على الوجه الذي يراه كفيلاً بتحقيق مصلحته، ومن سلطته كذلك تقدير كفاية العامل ووضعه في المكان الذي يصلح له، بما يحقق مصلحة الإنتاج، وله أن يميز بين عماله في الأجر لاعتبارات يراها ومجرد التساوي في ظروف العمل ودرجة الكفاية والمؤهل لا تسلب صاحب العمل حقه في تنظيم المنشأة على الوجه الذي يراه، فالعبرة في وجود دواعي للتمييز بين العمال، فلا يجوز أن يفرض العامل على صاحب العمل أن يضعه في وظيفة معينة على الرغم منه لأن ذلك من شأنه أن يخل بما له من سلطة تنظيم منشآته باعتباره مسئولاً عن إدارتها، وهو ما لا يتأتى إذا أجبر على تشغيل عامل في وظيفة يرى أنه غير كفء لها .
وتخول تلك السلطة لصاحب العمل أن يكلف العامل عملاً آخر غير المتفق عليه لا يختلف عنه اختلاف جوهرياً متى اقتضت مصلحة العمل ذلك، كما تخوله تلك السلطة أن ينظم وقت العمل اليومي طبقاً لحاجة العمل وظروف الإنتاج، ويلتزم العامل بأداء عمله وفقاً للتنظيم الذي يضعه صاحب العمل متى كان هذا التنظيم لا يتعارض مع القانون، وبموجب تلك السلطة يستقل صاحب العمل بتحديد وقت الإجازة الأسبوعية والسنوية للعامل، كما له أن يعدل الأوضاع المادية لمختلف الخدمات، وإعادة توزيعها على عماله وتحديد اختصاصات كل منهم بما يتفق مع صلاحيته وكفايته ومؤهلاته طالما أنه لا يمس أجورهم ومراكزهم الأدبية، وقيام رب العمل بإجراء تعديل في آلات المصنع والأصناف المنتجة هو تنظيم للمنشأة بغير معقب وقضى كذلك، بحق جهة العمل في وضع المعايير اللازمة للترقية على أساس الكفاية ووفقاً لمصلحة العمل .
وبأن تقدير صاحب العمل لنشاط العامل وكفايته هو من صميم عمله ولا رقابة عليه في ذلك طالما كان هذا التقدير مبراً من الانحراف وإساءة استعمال السلطة، ومن حق جهة العمل اختيار الأصلح للترقية ولا يحدها في ذلك إلا عيب إساءة استعمال السلطة إذا خرجت عن الضوابط والمعايير الواردة في اللائحة أو تتكبت وجه المصلحة العامة التي يجب أن يتغياها إلى باعث آخر، ويدخل كذلك في إطار تلك السلطة تخفيض العمالة أو تخفيض نشاط المنشأة وتقدير الظروف الاقتصادية والمالية التي تبرر غلق المنشأة، وذلك مع مراعاة الإجراءات القانونية أن وجدت .
نطاق سلطة الإدارة :
- يتحدد نطاق سلطة الإدارة بالحياة المهنية أو الحرفية للعامل، فلا يجوز لصاحب العمل أن يتدخل في الحياة الخاصة لعماله، فحق صاحب العمل في الإشراف على عماله لا يسرى إلا في نطاق العمل وفي أوقاته وأماكنه، ولا يجوز لصاحب العمل أن يقيم من نفسه رقيباً على أخلاق عماله في خارج ساعات العمل، والقول بغير ذلك يوجد علاقات خضوع وتبعية بين العامل وصاحب العمل في غير نطاق العمل، وهذا ما يتعارض مع أصول قانون العمل، كما ينطوي على مساس بالحرية الشخصية، فالتبعية تقتصر على علاقات العمل، ولا يملك صاحب العمل أي سلطة للرقابة على الحياة الخاصة لعماله، فالحياة الخاصة للعامل لا تخص غيره، والسلطة الآمرة لصاحب العمل لا تتقرر إلا في الحدود اللازمة لتحقيق مصلحة العمل وأغراض المشروع .
ويجب احترام الحياة الخاصة للعمال سواء في داخل أماكن العمل أم خارجها .
ففي داخل مكان العمل لا يجوز لصاحب العمل أن يتجسس على عماله، فلا يجوز أن يضع أجهزة التجسس على ما يدور بين العمال من أحاديث داخل أماكن العمل أو في المكتب الملحق بالمنشأة، وهذا التجسس يقع تحت طائلة قانون العقوبات الذي يحمي حرمة الحياة الخاصة، وأماكن العمل تعتبر مكاناً خاصاً في مفهوم هذا القانون، فالأحاديث التي تدور بين العمال قد تتعلق بأمور الحياة الخاصة التي لا يحق لصاحب العمل أن يطلع عليها، والقاعدة أن كل ما يدور في المكان الخاص يعتبر خصوصاً، ولا يجوز كذلك تسجيل كافة المحادثات التليفونية التي تتم في العمل إذا تم التسجيل سراً، ويشترط لصحة مثل هذه التسجيلات أن تعلن إلى العاملين بحيث يكون هناك رضاء من جانبهم وينتفى عنها أي طابع سري .
وعن التساؤل عما إذا كان يجوز لصاحب العمل الإطلاع على القرص الصلب للحاسب الالكتروني الذي خصصه صاحب العمل للعامل لأغراض العمل فقط، ويحظر استخدامه لأغراض شخصية .
يجيب الفقه الفرنسي بأن الأصل جواز الإطلاع طالما كان الجهاز مخصصاً لأغراض العمل فقط، ولكن لا يجوز الإطلاع على الملف الذي يوضع تحت عنوان شخصي، فهذا الملف يدخل في نطاق الحياة الخاصة للعامل، فقضت محكمة النقض الفرنسية أن العامل له الحق في حماية وحرمة حياته الخاصة في مكان العمل وفي وقت العمل ويشمل ذلك على وجه الخصوص سرية مراسلاته فلا يجوز لصاحب العمل الإطلاع على المراسلات الشخصية الواردة أو الصادرة من العامل على الجهاز المخصص من صاحب العمل وبالرغم من حظر صاحب العمل استخدام الجهاز لأسباب شخصية .
وللتخفيف من ذلك ذهبت المحكمة في أحكام لاحقة إلى أنه يجوز لصاحب العمل فتح تلك الملفات ولكن في حضور العامل، وحضور العامل قد يفيد رضاء رضاء العامل بالإطلاع مما ينفي الاعتداء على الحياة الخاصة .
ولا يجوز من حيث المبدأ أن يتدخل صاحب العمل في الحياة العائلية أو الدينية أو السياسية للعامل باعتبارها تدخل في نطاق الحياة الخاصة للشخص، فلا يجوز له طلب تطليق زوجته .
ومن مظاهر احترام الحياة الخاصة ما يجري عليه العمل من السماح للعامل بالتغيب لمواجهة ظرف عائلي، أو للذهاب إلى الطبيب للعلاج .
ورعاية لعدم التدخل في الحياة الخاصة للعامل فيتجه القضاء المقارن إلى بطلان الشرط الذي يلزم المضيفات بشركات الطيران بعلم الزواج طوال فترة سريان عقد العمل ولا يجوز كذلك لصاحب العمل أن يتدخل في الحرية الشخصية للعامل كأن بأمره بحلق شاربه، فذلك يمس حياته الخاصة وحريته، ولا يجوز كذلك لصاحب العمل أن يتهجم على خلوة العامل والتفتيش في أوراقه الخاصة، فقد قضى بعدم جواز فصل مدرسة لضبط مفكرتها الخاصة التي تحتوي على بعض غرامياتها، فالمفكرة تعتبر مكمن سرها ولا يجوز الإطلاع عليها عن طريق التفتيش .
- ولكن لا مناص من الاعتداد بوقائع الحياة الخاصة إذا كان من شأنها أن تؤثر في حسن سير العمل وانتظامه، وطبيعة عمل الموظف ومدی أهميته من الأمور التي تؤخذ في الاعتبار لتحديد مدى إمكان الاعتداد بالحياة الخاصة، فيجوز الخروج على مبدأ استقلال الحياة الخاصة عن الحياة المهنية والحرفية إذا كانت ظروف الحياة الخاصة تتعارض مع حسن أداء الموظف لعمله، كأن تضعف ظروف الحياة الخاصة من ثقة القراء في الجريدة التي يمثلها العامل، أو تهدد بإفشاء أسرار العمل إلى شركة منافسة، أو تشكك في إخلاصه لصاحب العمل لعمله، كما يجوز الخروج على مبدأ عدم التدخل في الحياة الخاصة إذا كانت ظروف الحياة الخاصة تضر سمعة صاحب العمل وسمعة المشروع بعامة أو تهدد بإفشاء أسراره إذا كان أحد الزوجين يشغل منصباً حساساً في شركة منافسة يخشى معها تداول معلومات سرية .
فالعلاقات العاطفية التي يقوم بها العامل مع زميلاته أو مرؤوسيه في العمل أو بعملاء المشروع قد يؤثر في سمعة العمل وبحسن سيره، وتبدو أهمية ذلك إذا كان العمل جهة من جهات التعليم، أو الرعاية الأسرية، أو الجمعيات الدينية وكان سلوك العامل من شأنه أن يثير فضيحة تؤثر في حسن سمعة المنشأة مما يهدد نشاطها ذاته .
والخلاصة أن القاعدة العامة هي استقلال الحياة الخاصة العامل عن الحياة المهنية، ولكن يحق لصاحب العمل، على سبيل الاستفتاء، أن يأخذ الحياة الخاصة في الاعتبار في مجال تنظيم العمل أو انحلاله، إذا كان من شأنها أن تؤثر في حسن سير العمل، أو في سمعة العمل وصاحب العمل .
قيود ممارسة سلطة الإدارة:
- وسلطة صاحب العمل في الإدارة والتنظيم يجب ألا تكون فيما يخالف القانون أو العقد أو الآداب .
وقضت محكمة النقض بأن القانون رقم 63 لسنة 1976 قد صدر الحظر نقل الخمر، وقصر هذا الحظر على تناولها علانية أو تقديمها بمقابل أو بغير مقابل بقصد التناول في الأماكن والمحال العامة غير المستثناة، ولكنه لم يحظر نقل الخمر أو بيعها، وهما فعلان متمایزان عن التناول والتقديم، فلا يسوع مد الحظر الوارد به إليهما، وتأثيمهما دون نص، وليس للعاملين بشركة الطيران سوى الحق في طلب إلزامها بعدم تكليفهم بتقديم الخمور بكافة أنواعها بقصد تناولها في طائراتها على جميع الخطوط بالمخالفة لأحكام القانون رقم 63 لسنة 1976، ومن ثم فإن تكليف العاملين بما يتفق مع القانون يكون تكليفاً واجب الطاعة، ولا يلزم العامل باتباع الأوامر التي تنطوي على مخالفة القانون أو تعتبر جريمة جنائية .
ويجب أن يتقيد صاحب العمل في ممارسة سلطته في الإدارة بما اتفق عليه في العقد، فلا يجوز لصاحب العمل أن يتذرع بحقه في تنظيم منشآته ليعدل بإرادته المنفردة من طريقة تحديد الأجرة بما يؤدي إلى خفض الأجور، فله قانوناً أن يمارس هذا الحق إذا كان من شأنه زيادة الإنتاج ولا يترتب عليه تخفيض أجور العمال .
ولكن يجب التفرقة بين الأجر الأساسي وملحقات الأجر، فلا يملك صاحب العمل تعديل الأجر الأساسي والثابت بحجة تنظيم العمل في المنشأة لأنه ينطوي على تعديل للعقد، أما ملحقات الأجر غير الدائمة فهي تتميز بعدم الثبات ولهذا لصاحب العمل تحديد نسبة العمولة أو تعديلها طالما كان هدفه تنظيم منشآته، واتخاذ ما يراه من الوسائل لإعادة تنظيمها متى رأى من ظروف العمل ما يدعو لذلك، ولا يحد من سلطته أن يؤدي التعديل إلى نقص العمولة، ما دام هذا الإجراء غير مشوب بالعسف وسوء القصد، وليس لها صفة الثبات والاستقرار واستحقاقها مرهون بتحقق سببها .
ويجب أن يتقيد صاحب العمل في ممارسة سلطته باتفاقات العمل الجماعية، فصاحب العمل يتقيد في إدارته للمنشأة بما اتفق عليه في عقود العمل، بحث يسري مبدأ القوة الملزمة للعقد ولا تخوله سلطة الإدارة والإشراف مخالفة التزاماته العقدية فلا يملك تعديل ما اتفق على أنه شرط جوهري في العقد .
- وهناك قيد ذاتی مؤداه أن يلتزم صاحب العمل في إدارته لما وضعه هو من قواعد، فقضت محكمة النقض بأن علاقة العمل فيما بين العامل وصاحب العمل، يحكمها العقد ولائحة نظام العمل والقانون والعرف الجاري، وتعتبر أحكام اللائحة ملزمة لصاحب العمل لما تنطوي عليه من توحيد نظام العمل في المنشأة ووضع قواعد عامة مجردة تتحدد بموجبها حقوق العاملين وواجباتهم، كما أنها ملزمة للعامل، وتستمد قوتها الإلزامية قبله من الحق المقرر لصاحب العمل في تنظيم منشآته والإشراف على العاملين بها، فلصاحب العمل السلطة المطلقة في إدارة منشآته وتصنيف الوظائف فيها على الوجه الذي يراه كفيلاً بتحقيق مصلحته ولا وجه للحد من سلطته هذه طالما كانت مبراة من قصد الإساءة .
وقضى بأن وجود شرط في اللائحة الداخلية لا يجيز النظر في ترقية العاملين المتواجدين بأجازة بدون مرتب قبل انقضاء ستة أشهر على عودتهم إلى العمل، ليس فيه ما يناهض أحكام القانون وإنما تتحقق به الخدمات التي تؤديها الوظائف مما تستهدفه الترقية كنظام مقرر للمصلحة العامة، فلا يناهض أحكام القانون أن تكون المفاضلة بين المرشحين للترقية على أساس القيام فعلاً بالعمل .
- ومن أهم القيود التي ترد على ممارسة سلطة الإدارة تلك التي ترد من جانب القضاء، فبالرغم أن قضاء محكمة النقض مستقر على أن صاحب العمل هو صاحب السلطة المطلقة في تنظيم منشأته أو إعادة تنظيمها، إلا أن ذلك مقيد بمصلحة صاحب العمل ويكفي لتوافرها ألا يكون صاحب العمل قد استعمل سلطته بقصد الإساءة إلى العامل، فالعبرة وفقاً لقضاء النقض بمصلحة صاحب العمل ولم يشر القضاء إلى مصلحة العمل، ولكن المقصود بمصلحة العمل مصلحته بصفته مالكاً للمشروع مما يؤدى للبحث عن مصلحة المشروع .
وعلى هذا فإن السلطة تتم ممارستها تحت رقابة القضاء الذي يقع على عاتقه عبء التحقق من أن الإجراء لم يتخذ بقصد الإساءة للعامل، ويلاحظ أن القضاء المصري لا يتحقق من توافر مصلحة المشروع أو العمل أو صاحب العمل، وإنما يفترض توافرها إذا لم يكن استعمال السلطة قد تم بقصد الإساءة إلى العامل، فإذا كانت السلطة قد استعملت دون قصد الإساءة للعامل، فإن صاحب العمل يستعمل سلطته دون معقب من جانب القضاء ويكون السيد المطلق في إدارة منشأته، فالقضاء يراقب توافر قصد الإساءة من عدمه .
ولا يمارس القضاء رقابة الملاءمة على ما يتخذه صاحب العمل من إجراءات تدخل في إطار سلطة الإدارة والتنظيم، ويرجع موقف القضاء إلى الوضع الذي تثور به المشكلة أمامه، فالعامل الذي يتضرر من الإجراء الذي اتخذه صاحب العمل بموجب سلطته في الإدارة يقع عليه عبء إثبات التعسف في استعمال السلطة أي أنها استعملت بقصد الإساءة إليه، وبهذا تدور الدعوى حول توافر الإساءة من عدمه ويكون البحث في مصلحة المشروع متوارياً خلف فكرة التعسف فلا يصح أن يحل القاضي محل صاحب العمل في تقدير مصلحته ومصلحة المشروع وما يجب اتخاذه من إجراءات لحسن سير المشروع وانتظامه، و انا كما أن الأصل هو حسن النية ومن ثم فإن الإجراء قد اتخذ لمصلحة العمل، ويقع عبء إثبات العكس على من يدعيه، فإذا أثبت أن الإجراء قد اتخذ بقصد الإساءة للعامل فهو لم يستهدف تحقيق مصلحة المشروع ويكون خارج سلطة الإدارة والتنظيم .
- وتمارس سلطة الإدارة من خلال صورتين أساسيتين، فقد يتخذ صاحب العمل إجراءات أو قرارات تتصف بالعمومية، أي لا تتعلق بعامل محدد، وتكون ذات طابع فني أي اقتصادی، مثل زيادة الإنتاج أو إعادة ترتيب الوظائف، أو تغيير الآلات ووسائل الإنتاج أو افتتاح فروع أو منشآت جديدة للمشروع، وغني عن البيان أن مثل تلك الإجراءات قد تؤثر على الأوضاع الفردية للعمال، مثل استخدام عمال جدد أو تعديل نظام العمل، أما الصورة الثانية، فتكون بإصدار قرارات أو اتخاذ إجراءات فردية في مواجهة عامل محدد، إما تطبيقاً للإجراءات العامة التي تقررت أو بالنظر إلى اعتبارات تتعلق بعامل بالذات مثل تقدير مدى كفايته، ومدى تنفيذه للعمل المكلف به، أو إصدار تعليمات للعامل في أداء العمل، وهذا يؤدي بنا إلى دراسة السلطة اللائحية لصاحب العمل . ( شرح قانون العمل ، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني ، الطبعة الرابعة 2020 ، دار النهضة العربية ، الصفحة : 393 )
ورد بنص المادة 681 مدنى الأجر هو المقابل الذي يدفعه رب العمل للعامل ، والأصل أن يكون من النقود ويجوز أن يكون عينياً ، ويحدد الأجر بالمدة أو بالإنتاج وقد يكون بالمدة وبالإنتاج كما في الأجر بالطريحة ، وإذا أبطل العقد ، فلا يستحق العامل أجراً وإنما تعويضاً . ( المطول في شرح القانون المدني ، المستشار/ أنور طلبة ، المكتب الجامعي الحديث ، الجزء/ التاسع ، الصفحة/ 540 )
الأجر هو كل ما يستحقه العامل في مقابل أداء العمل ، أياً كان نوعه ، وأياً كانت طريقة تحديده وأياً كانت تسميته .
فيجوز أن يكون الأجر نقداً - وهو الغالب - أو عينياً ، أو في جزء منه بالنقد وجزء منه عينياً .
ويجوز أن يحدد الأجر بالمدة أو بالإنتاج أو بالمدة وبالإنتاج معاً كما في الأجر بالطريحة .
وجاء بالمادة 674 مدني أنه يلزم أن تتوافر علاقة التبعية فيما بين العامل ورب العمل بأن يعمل الأول تحت إدارة الثاني ، ولا يجب أن يتواجد الاثنان في مكان واحد طالما أن العامل يقوم بتنفيذ أوامر رب العمل ، وأياً ما كان العمل المنوط بالعامل ولو كان عملاً عقلياً ، وعقد العمل ، عقد رضائی ملزم للجانبين وهو من عقود المعارضة ويكون في الأصل عقداً مدنياً إلا أنه اذا جاء على تشغيل الملاحين اعتبر تجارياً بالنسبة لطرفيه حسبما نص عليه القانون التجاري ، وغالباً ما يكون مستمراً ولكنه قد يكون فورياً أي ينفذ مرة واحدة كرفع ثقل وقد يكون فردياً أو جماعياً ، ولا يوجد ما يمنع من أن يستخدم العامل عن طريقه أشخاصاً آخرين لإنجاز العمل طالما أنه يعمل تحت إشراف رب العمل ، فإن استخدم عامل بعض الأشخاص في القيام بعمله كبناء مسكن تابع للشركة التي يعمل بها فإن العقد في هذه الحالة يكون عقد عمل أما إن انتفت هذه العلاقة كان العقد مقاولة ، فالعبرة في هذا التمييز تكون بمدى الحق في الاشراف والتوجيه ، ويجوز للعامل أن يباشر عملاً آخر في أوقات فراغه ما لم يمنعه عن ذلك شرط في العقد .
وعلاقة التبعية هي المميزة لعقد العمل عن غيره من العقود الواردة على العمل ، ومتى توافرت علاقة التبعية ، كان إستحقاق العامل للأجر مفترضاً ولو لم يحدد في العقد ، إذ يقوم القاضي بتحديده . ( المطول في شرح القانون المدني ، المستشار/ أنور طلبة ، المكتب الجامعي الحديث ، الجزء / التاسع ، الصفحة / 526 )
الواضح من تعريف المادة لعقد العمل أن هناك عنصرين أساسيين يجب توافرهما في عقد العمل ، هما عنصر التبعية أي تبعية العامل لرب العمل ، وعنصر الأجر ، وقد عبرت المادة عن عنصر التبعية بقولها "... يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه"، كما ذكرت عنصر الأجر صراحة .
ولما كان الأجر يدخل كعنصر في بعض العقود الأخرى ، فإن عنصر التبعية يكون هو في الواقع ما يميز عقد العمل عن غيره من العقود الأخرى ، كالوكالة والمقاولة والإيجار ..... الخ .
ونعرض لعنصر التبعية فيما يلي :
عنصر التبعية
المقصود بالتبعية ، التبعية القانونية وليس التبعية الاقتصادية :
المقصود بالتبعية التي تعتبر عنصراً أساسياً في عقد العمل ، التبعية القانونية ، وهی التي تتحقق بهيمنة رب العمل أثناء تنفيذ العقد على نشاط العامل ، وذلك بخضوع العامل للرقابة وإشراف صاحب العمل ، الذي له أن يصدر إليه أوامر وتوجيهات يجب على العامل إطاعتها ، وفي فرض جزاءات على العامل إذا خالف ما يصدر إليه من أوامر .
واعتناق المشرع معيار التبعية القانونية واضح من نص المادة 31 من قانون العمل الجديد التي عرفت عقد العمل بأنه العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه لقاء أجر أياً كان نوعه ، ومن النصوص المقابلة لهذه المادة في التشريعات السابقة التي أوردت ذات المضمون السابق ، ولذلك جاء بالمذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 أنه "وبذلك يخرج من نطاق هذا المرسوم بقانون الأشخاص الذين يؤدون عملاً لحساب شخص آخر دون أن يكونوا تحت إدارته ، أو دون أن يكون له حق الإشراف عليهم، كالعلاقات القائمة بين الترزى وصاحب الملابس ، أو الطبيب والمريض أو المهندس ومالك البناء" وواضح كذلك مما نصت عليه 1/676 مدني من أنه : " تسري أحكام عقد العمل على العلاقة ما بين أرباب الأعمال وبين الطوافين والممثلين التجاريين والجوابين ومندوبي التأمين وغيرهم من الوسطاء ولو كانوا مأجورين بطريقة العمالة أو كانوا يعملون لحساب جملة من أرباب الأعمال" .
ولا أهمية في ذلك لنوع العمل ، فيستوي أن يكون عقلياً أو يدوياً فنياً أو غير فني ، ولا أهمية لكونه مستمراً يؤديه العامل بإعتباره حرفة له أو عرضياً ، ولا يؤثر في ذلك طريقة احتساب الأجر أو مقداره أو مواعيد دفعه أو التسمية التي تطلق على العامل مثل موظف أو مستخدم أو مدير فني .
أما التبعية الاقتصادية ، وهي التي تعني اعتماد العامل في حياته اعتماداً كلياً على الأجر الذي يعطيه إياه صاحب العمل مقابل المجهود الذي يستنفده هذا الأخير ، إذ يعيش العامل على ما يحصل عليه من أجر عمله الذي يتقاضاه من صاحب العمل ، ومن ناحية أخرى يستنفد صاحب العمل كل نشاط العامل بحيث لا يبقى لهذا العامل أي وقت للعمل لدى شخص آخر ، فإنها لا تصلح لتمييز عقد العمل عن غيره من العقود ، ذلك أن هذه التبعية الاقتصادية يعيبها أنها تعلق التكييف القانوني للعقد على عنصر أجنبي عنه هو المركز الإجتماعي لأحد المتعاقدين ، فلا يعقل أن يعتبر العقد مرة عقد عمل ومرة عقد مقاولة وفقاً لإختلاف المركز الإجتماعي لمن يقوم بالعمل ، هذا إلى أن الإكتفاء بالتبعية الإقتصادية يهدد طغيان عقد العمل على غيره من العقود التي ترد على العمل ، ذلك أن معظم الأشخاص يعتمدون اعتماداً كلياً على ما يحصلون عليه من عملهم بإعتباره المورد الوحيد لرزقهم .
للتبعية القانونية صورتان
الصورة الأولى : هي التبعية الفنية ، ويقصد بها خضوع العامل لتوجيه وإشراف كامل أو شبه كامل من قبل صاحب العمل في جوهر العمل بدقائقه وجزئياته ، فيفترض في صاحب العمل - في هذه الصورة أن يكون عالماً بفن حرفته أو على الأقل ملماً به إلماماً يجعل في قدرته توجيه العامل وإدارته .
والصورة الثانية : هي التبعية التنظيمية أو الإدارية ، وفي هذه الصورة يترك للعامل سلطانه الفني في مباشرة العمل وتنفيذه ، بحيث ينحصر خضوعه لصاحب العمل في شأن الظروف الخارجية التي يتم في ظلها هذا التنفيذ ، كتحديد أوقاته ومكانه ، وتقسيم العمل على العمال إذا تعددوا والتفتيش عليهم للتأكد من مراعاتهم للتعليمات الصادرة إليهم ، وتوقيع الجزاء على المخالف منهم .
ويجمع الفقه والقضاء على كفاية التبعية التنظيمية أو الإدارية حتى ولو تحققت التبعية الفنية فاشتراط التبعية الفنية يؤدي إلى انكماش نطاق قانون العمل ، فلا يسرى إلا عندما يتحقق لصاحب العمل الادارية الفنية الخاصة بالعمل الذي يؤديه ، وهو أمر ليس بالمتيسر في غالب الأحوال ، فقلما تتوافر هذه الصورة في غير المصانع أو المتاجر البسيطة التي يقوم مالكوها وسط عمالها بالعمل فيها ، فضلاً عن أن العامل الذي يخضع لسلطان رب العمل ولو في شأن الظروف الخارجية لتنفيذ العمل دون جوهره لا يمكن إعتبار عمله مستقلاً تماماً مادام يظل يتبع صاحب العمل من بعض النواحي في أداء عمله ، وإذا كان خضوعه لصاحب العمل من هذه النواحي أهون من خضوعه الفني له ، إلا أنه يربطه بنوع من التبعية قبله ، وهو ما يكفي للقول بتوافر التبعية القانونية في شأنه واعتبار العقد الذي يربطه بصاحب العمل عقد عمل .
وبالترتيب على ذلك ، فإن هذا النص يمكن أن يطبق على أصحاب المهن الحرة كالأطباء والمهندسين والمحاسبين ، حتى ولو لم تتوافر المعرفة الفنية لدى صاحب العمل ، طالما أنه يشرف على العامل من الناحية التنظيمية أي الإدارية بأن يحدد له مكان العمل وأوقات مباشرته مثلاً . قد يقوم الشخص بتصرفات متعددة لحساب الغير ولا تكون سلطتة واحدة في شأنها جميعاً ، إذ قد يخضع في بعضها الإدارة وإشراف صاحب العمل ، ويخضع في مع بعضها الآخر لتقديره واستقلاله التام بحيث يتنافى مع فكرة التبعية ، فحينئذ إذا أمكن الفصل بين عمل كل نوع من هذه التصرفات على حده ، فإنه يمكن إعطاء كل عمل وصفة القانوني . أما إذا كانت هذه التصرفات مختلطة اختلاطاً لا يقبل التجزئة ففي هذه الحالة يؤخذ بالتصرفات الغالبة منها ، فإذا كانت التصرفات التي تتحقق فيها التبعية هي الغالبة ، اعتبر الشخص عاملاً . وإن كانت التصرفات الأخرى هي الغالبة وكانت وكالة مثلاً ، اعتبر الشخص وكيلاً ولا ينطبق عليه قانون العمل .
ومفاد ما تقدم أنه ليس ثمة ما يمنع من أن يجمع العامل بين صفتي الأجير والوكيل . ( موسوعة الفقه والقضاء والتشريع ، المستشار/ محمد عزمي البكري ، الجزء/ الثامن ، الصفحة / 500 )
يتضمن هذا النص تعريف لعقد العمل وتحديد لأركانه ، وتجدر الإشارة بداهة أنه من العقود الرضائية التي تنعقد باتفاق إرادة الطرفين ، وهما العامل وصاحب العمل .
ويمكن تحديد أركان هذا العقد في الآتي :
1- علاقة عمل بين عامل وصاحب عمل .
2- أن يكون العامل تابعاً لصاحب العمل في أداء عمله أي لابد من توافر شرط التبعية .
3- أن تكون هذه التبعية مقابل أجر يتقاضاه العامل من صاحب العمل .
أولاً : علاقة عمل بين عامل وصاحب عمل :
فلابد من وجود طرفين لانعقاد هذا العقد وهما عامل وصاحب عمل بالمفهوم السابق تحديده بالمادة الأولى من هذا القانون .
وتجدر الإشارة إلى أن الأهلية اللازمة للتعاقد العامل في هذا العقد هي 12 سنة حيث أباح القانون للعامل البالغ 12 سنة إبرام عقد التدرج والتمرين . أما بخصوص صاحب العمل فلم يرد في القانون أي اشتراط بخصوص الأهلية اللازمة لصاحب العمل وبالتالي يرجع في هذا الشأن للقواعد العامة في القانون المدني . ولما كان قانون الولاية على المال يتيح للصبي المميز الأهلية اللازمة لإدارة واستغلال أمواله ولكننا نتفق مع الرأي القائل بأن الأهلية المطلوبة لصحة انعقاد عقد العمل بخصوص صاحب العمل هي أهلية الأداء الكاملة ببلوغه سن الرشد. (راجع د. علي عوض في الوجيز في قانون العمل ص 185) فلا يمكن أن يكون المشرع وهو ينص على العقوبات الواردة في هذا القانون قد انصرف ذهنه إلى الصبي المميز حيث يعتبر حدثاً في قانون العقوبات ولا يمكن أن ينصرف ذهن المشرع إلى الأحداث لتوقيع العقوبات عليهم مما يفصح عن قصد المشرع الحقيقي في أن الأهلية المطلوبة في صاحب العمل هي أهلية الأداء الكاملة .
وعلى ضوء ذلك يمكن تعريف :
فقد تكون المنشأة مملوكة لشخص طبيعي - فتسمى منشأة فردية مملوكة لشخص طبيعي - وقد تكون المنشأة مملوكة لشخص اعتباري (شركة/ جمعية) وفي كلتا الحالتين تقوم باستخدام آخرین لقاء أجر لممارسة نشاطها .
فصاحب العمل قد يكون شخصاً طبيعياً أو معنوياً (كشركة أو جمعية أو مؤسسة) ما دام يمارس نشاطاً ويستعين في سبيل تحقيق ذلك النشاط بجهود أشخاص طبيعيين يعملون تحت إشرافه لقاء أجر .. ويستوي في الأمر أن يكون نشاط صاحب العمل [نشاطاً إنتاجياً ] أو [ نشاطاً يقوم على أداء خدمات] فلا أهمية للنشاط الذي يمارسه . ولا يشترط أن يكون صاحب العمل محترفاً للمهنة التي يعمل بها العامل : فقوانين العمل على تعاقبها - لم تستبعد الأشخاص الذين يعهدون إلى آخر بتأدية عمل لهم دون أن يتخذوا من هذا العمل حرفة لهم .
لذلك فمن المتصور أن يستخدم شخص عدداً من الفنيين للقيام بعمل معين ، بينما لا تتوافر لديه شخصياً الدراية الكافية بهذا العمل من الناحية الفنية ، ولكنه يظل مع ذلك (صاحب عمل) طالما أنه يشرف على مشروعه من الناحية الإدارية أو التنظيمية .
ولا يشترط كذلك في صاحب العمل أن يكون أداؤه لعمله بقصد الربح ، ومن ثم تطبق أحكام عقد العمل الفردي على من تستخدمهم الهيئات الثقافية والخيرية والدينية ، والنوادي الخاصة ، ومعاهد التعليم الحر والنقابات. وتعتبر هذه الهيئات بمثابة [ صاحب عمل ] بالنسبة للعمال الذين تستخدمهم لقاء أجر ، ويعملون لحسابها وتحت إدارتها وإشرافها .
إذن العامل كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب عمل وتحت إدارته أو إشرافه. ويتضح من ذلك أن العامل لابد وأن يكون إنساناً (ذكراً أو أنثی) ذلك أن العمل هو مجهود إداري أو فني يقوم به الإنسان ، يستوي في ذلك أن يكون جهداً عضلياً أو ذهنياً ، فلا يتصور أن ينسب (العمل) بهذا المعنى إلى شخص اعتباري ، حيث إن (المجهود الإداري) ينسب دائماً إلى الأشخاص الطبيعيين العاملين فيه. وقد قصد الشارع بتنظيمه لأحكام العمل حماية العامل في إنسانيته وبدنه ، فخصه بنظام يختلف عن سائر النظم التي تحكم العقود الأخرى .
ويلاحظ أن المشرع قد أطلق لفظ (العامل) ولم يقيده بأي وصف .
وعلى ذلك فإن كل من يعمل في خدمة صاحب عمل لقاء أجر ينطبق عليه وصف (العامل) بغض النظر عن العمل الذي يقوم به ، فيستوي أن يكون العمل مادياً أو ذهنياً أو فنياً ، ويستوي كذلك أن يشغل العامل منصباً صغيراً ، أو أن يكون من ذوي المناصب العليا .
عرفت المادة (31) عمل عقد العمل بأنه العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل أن يعمل لدى صاحب عمل ، وتحت إدارته أو إشرافه ، لقاء أجر .
ويكاد هذا التعريف يكون مطابقاً لذلك الذي أوردته المادة 674 من القانون المدني المصري إذ عرفت عقد العمل بأنه: ( عقد يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل في خدمة المتعاقد الآخر وتحت إدارته وإشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر). وباستقراء هذه النصوص ؛ نتبين أن عقد العمل الفردي يتميز بعنصرين أساسيين : التبعية والأجر ، فنعرض لهما بالتفصيل على التوالي :
ثانيا : علاقة التبعية :
تعتبر رابطة التبعية أحد العنصرين المميزين لعقد العمل الفردي ، حيث تقرر محكمة النقض المصرية أن عقد العمل يتميز بخصیصتين أساسيتين هما : (التبعية والأجر) بحيث لا يقوم إلا بهما مجتمعين ، وأن المناط في تكييف عقد العمل وتمييزه عن غيره من العقود هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لصاحب العمل وإشرافه ورقابته .
ولذلك لا يتحقق عقد العمل إلا بتوافر أمرين (تبعية العامل) و (تقاضيه أجراً على عمله). ذلك أن العمل الإنساني قد يبذل لحساب الشخص الذي يقوم بأدائه ، بحيث يقوم بهذا العمل ، على استقلال ودون الخضوع لرقابة شخص آخر . وقد يؤدي الإنسان عمله لحساب شخص آخر وتحت إشراف ورقابة هذا الأخير . وقانون العمل لا يحكم إلا (العمل التابع) الذي يقوم به الشخص لحساب آخر ، وتحت رقابته ، أما العمل الذي يؤديه شخص لحسابه الخاص فلا يخضع لقانون العمل .
ونستعرض فيما يلي المقصود بعنصر (التبعية) ، ثم نستخدم هذا العنصر لتمييز عقد العمل عن بعض ما قد يختلط به من عقود .
يقصد بالتبعية قيام العامل بالعمل تحت إدارة وإشراف صاحب العمل ، بحيث يكون من حق هذا الأخير إصدار أوامر وتوجيهات للعامل بشأن تحديد العمل المطلوب منه ، وكيفية القيام به ووقت ومكان أدائه ، وأن يوقع عليه الجزاء إذا لم يراع هذه الأوامر .
والتبعية على هذا النحو هي التبعية القانونية ، وهي تختلف عن التبعية الاقتصادية ، والتي تعني استئثار صاحب العمل بجهود العامل مقابل أجر ، يعتبر مصدر رزق العامل الوحيد ويعتمد عليه في معيشته اعتماداً كلياً ، بحيث يمكن القول إنه تابع اقتصادياً لصاحب العمل .
ويلاحظ أن القانون 12 لسنة 2003م يأخذ صراحة بمعيار التبعية القانونية ، فالمادة (1 / أ) من قانون العمل تعرف العامل بأنه (كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب عمل وتحت إدارته أو إشرافه)، وتعرف المادة (31) عقد العمل بأنه ( کل عقد يتعهد بمقتضاه شخص طبيعي أن يعمل لمصلحة صاحب عمل وتحت إدارته أو إشرافه لقاء أجر).
ويؤيد القضاء في مصر هذا النظر ، حيث قرر أن المقصود بالتبعية ؛ التبعية القانونية التي تقوم على أساس تأدية العمل لصاحب العمل وائتمار العامل بأوامر صاحب العمل وخضوعه لإشرافه ورقابته وتعرضه للجزاءات إذا ما قصر في عمله أو أخطأ .
رأينا أن المشرع يعتد بالتبعية القانونية ويجعل منها مناط تطبيق قانون العمل ، ولكن هذه التبعية تتفاوت في درجاتها :
- فهي قد تكون تبعية فنية ؛ بموجبها يشرف صاحب العمل على العامل إشرافاً كاملاً ، في كل دقائق العمل وجزئياته من الناحية الفنية ، وهي تفترض بالطبع إلمام صاحب العمل بالأصول الفنية للعمل .
- وقد تكون رقابة صاحب العمل وإشرافه أخف وطأة ، بحيث يكتفي صاحب العمل بالإشراف على الظروف الخارجية للعمل ، كأن يحدد للعامل وقت العمل ومكانه ، دون أن يتدخل في العمل من الناحية الفنية ، وتلك هي (التبعية الإدارية أو التنظيمية) .
هذا ولم يحدد المشرع أي درجة من الدرجات ينبغي توافرها للقول بتوافر (التبعية القانونية) ، لذلك استقر الفقه والقضاء على أن أي صور من صور التبعية تكفي للقول بتوافر علاقة التبعية فلا يشترط أن تتوافر التبعية الفنية بل يكفي أن تتوافر التبعية التنظيمية أو الإدارية للقول بتوافر عنصر التبعية في علاقة العمل .
وحيث إن عنصر التبعية في عقد العمل هو المميز لهذا العقد عن غيره من العقود التي قد تختلط به لوقوعها على نشاط الإنسان ولذا كان هذا العنصر هو فيصل التفرقة ، مها دقت بين عقد العمل وغيره من العقود ، وعنصر التبعية يقوم بين طرفيه على نوع من الخضوع يخل باستقلال أحدهما لمصلحة الآخر ، وهذا هو مفهوم التبعية القانونية التي تنحصر في نطاق الروابط العقدية ، ويقصد بها هيمنة صاحب العمل أثناء العقد على نشاط العامل فقوامها نوع من السلطة لأحد المتعاقدين على الآخر ، تظهر في أمرين :
- أولهما : حق صاحب العمل في توجيه العامل وملاحظته أو رقابته ، أثناء قيامه بالعمل ، والتزام العامل بإطاعته في هذا التوجيه ، وبالامتثال له في تلك الملاحظة أو الرقابة.
- والثاني : الجزاءات التي يمكن لصاحب العمل عند المخالفة توقيعها على العامل ، وتتفاوت التبعية القانونية بتفاوت إمكانيات صاحب العمل في استعماله سلطته ، وتختلف سعة وضيقاً باختلاف نشاط العامل ، فهي إما تبعية فنية تضع العامل بصفة مباشرة تحت إدارة صاحب العمل ، وإما تبعية مهنية تقتصر على التضييق من حرية العامل في نشاطه أو في ممارسة مهنته ، وإما تبعية تنظيمية لا تمس غير الظروف التي يقوم فيها العامل بتأدية عمله .
ومحكمة النقض المصرية مستقرة على ذلك ، حيث قررت في العديد من أحكامها أنه يكفي للقول بتوافر عنصر التبعية أن تظهر هذه التبعية ولو في صورتها التنظيمية أو الإدارية : [ إن مناط تكييف عقد العمل وتمييزه عن عقد المقاولة وغيره من العقود - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته ، وهو ما نصت عليه المادة 674 من التقنين المدني بقولها : [ عقد العمل هو الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل في خدمة المتعاقد الآخر وتحت إدارته أو إشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر کما عرفت كذلك المادة 42 من القانون رقم 91 لسنة 1959 عقد العمل بأنه هو الذي (يتعهد بمقتضاه عامل بأن يشتغل تحت إدارة صاحب عمل أو إشرافه في مقابل أجرة) ، وأنه يكفي لتحقيق هذه التبعية ظهورها ولو في صورتها التنظيمية أو الإدارية .
وقد ترتب على ذلك أن اتسع نطاق عقد العمل الفردي ليشمل العديد من الأشخاص الذين - وإن كانوا لا يخضعون في عملهم لإشراف فني من قبل من يعملون لحسابه فإنهم يخضعون للإشراف الإداري .
تطبيقات قضائية :
ولقد ترتب على اكتفاء القضاء بأحد صور التبعية أن تمكن القضاء من إخضاع العديد من الأشخاص لأحكام قانون العمل ، وعلى الأخص ذوي المهن الحرة الذين يعملون - أصلاً - على استقلال ، ويباشرون عملهم من الناحية الفنية دون رقابة أو توجيه . ذلك أنه لا يشترط بالنسبة لهم خضوعهم من الناحية الفنية لرب العمل ، فهذا الأخير لا يشترط فيه أن يكون على دراية فنية بأعمالهم ، بل يكفي أن يتوافر له عليهم حق الإشراف من الناحية الإدارية أو التنظيمية للقول بتوافر علاقة العمل .
وقد طبق القضاء المصري - كغيره من الجهات القضائية في العديد من الدول الأخرى - هذا المعيار في العديد من الحالات ، انتهى فيها إلى توافر علاقة العمل تأسيساً على وجود علاقة تبعية تنظيمية . ولعل أبرز هذه الحالات هي ما توصل إليه القضاء من إخضاع أصحاب المهن الحرة إلى علاقة عمل تأسيساً على ذلك .
ونكتفي بهذا الصدد بإيراد مثالين ، يتعلق الأول منها بعلاقة الطبيب بإحدى الشركات أو الهيئات ، والثاني بعلاقة المحامي بزميل له ، أو بهيئة من الهيئات.
أ) علاقة الطبيب بإحدى الشركات أو الهيئات :
لا تثير علاقة الطبيب بمرضاه في عيادته الخاصة صعوبة في التكييف ، ولكن الأمر يتطلب تكييفاً قانونياً إذا التحق الطبيب بالعمل لدى طبيب آخر في عيادته أو مستشفاه ، أو التحق (أو أبرم عقداً) مع شركة أو هيئة من الهيئات لعلاج عمالها .
وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على أن مناط تكييف العقد في هذه الحالة هو توافر أو تخلف عنصر التبعية ، وقرر أن المحكمة تستخلص في حدود سلطاتها الموضوعية ، وفي ضوء الوقائع المعروضة عليها ، توافر أو عدم توافر علاقة التبعية .
بناء عليه ؛ فالطبيب المكلف بالكشف على المرضى في مواعيد وأماكن محددة ، وفقاً لنظام محدد تضعه الشركة يعتبر مرتبطاً معها بعقد عمل .
ب) علاقة المحامي بزميل له أو بشركة :
ولعل من أكثر الفئات إثارة لمشكلة تكييف العلاقة التعاقدية فئة (المحامين) في علاقتهم إما بمنشأة أو بزميل لهم .
فالأصل أن المحامي في علاقته بعملائه يخضع لعقد الوكالة نظراً لأن الأعمال التي يقوم بها هي أعمال قانونية . ولكن ليس ثمة ما يمنع من إخضاع المحامي لعلاقة العمل متى ثبت توافر عناصرها في العقد ، وعلى الأخص عنصر التبعية القانونية باعتباره العنصر المميز لعقد العمل عن العقود الأخرى التي ترد على العمل ، ويتقاضى المتعاقد فيها أجراً .
وعلاقة المحامي قد تكون بزميل به ، يتعاقد معه على العمل لحسابه ، وتحت إشرافه وتوجيهه ، والعلاقة هنا تكون علاقة عمل ، حيث يتوافر فيها عنصر التبعية القانونية بل يتوافر هذا العنصر في صورته الفنية ، حيث يملك المحامي من الدراية الفنية ما يمكنه من الإشراف فنياً على من يعمل لديه من المحامين . لذلك قررت محكمة النقض المصرية أن النص في قانون المحاماة على عدم جواز الجمع بين المحاماة والتوظف لا ينفي قيام علاقة العمل بين محام وزميل له يعاونه في مباشرة مهنته ، لقاء أجر متى توافر عنصر التبعية والإشراف . ذلك أنها لا تعتبر من قبيل التوظف الذي يعنيه قانون المحاماة عمل المحامي في مكتب زميل له .
غير أنه لا يشترط للقول بقيام علاقة العمل توافر عنصر التبعية في صورته الفنية ، بل يكفي خضوع المحامي في علاقته بالمنشأة أو الشركة للتبعية التنظيمية أو الإدارية .
لذلك قررت محكمة النقض المصرية أن العقد الذي يبرمه محام مع منشأة كمستشار قانوني لها يعتبر عقد عمل ، مادامت قد توافرت فيه شرائط التبعية القانونية ، حتى لو كان مصرحاً له بالاشتغال بالمحاماة في مكتب مستقل .
تمييز عقد العمل عن غيره من العقود :
كثيراً ما تدق التفرقة بين عقد العمل وغيره من العقود، ذلك أن عقد العمل يتشابه في خصائصه مع العديد من العقود ، فهو عقد رضائي ، لا يتطلب المشرع فيه شكل خاص ، وهو ملزم للجانبين ، حيث يترتب منذ إبرامه التزامات على عاتق طرفيه ، أهمها إلزام صاحب العمل بأداء الأجر ، والتزام العامل بأداء العمل ، وهو من عقود المعارضة حيث يأخذ كل جانب فيه مقابل لما يعطي، وأخيراً فإنه من العقود المستمرة .
ويشترك عقد العمل في الخصائص مع العديد من العقود الأخرى ، وهو لذلك قد يختلط بها فيلتزم تمييزه عنها .
وتبدو أهمية عنصر التبعية بالذات في الحالات التي تدق فيها التفرقة بين عمل العمل وغيره من العقود ، حيث يستخدم لتمييز عقد العمل ، مما قد يشتبه به من عقود . ويلاحظ في هذا الصدد أن العبرة في تكييف العقد بحقيقة الواقع والنية المشتركة التي اتجهت إليها إرادة المتعاقدين دون الإعتداد بالألفاظ التي صيغت في هذه العقود ، وبالتكييف الذي أسبغه الطرفان عليها : «إذا كانت نصوص العقد قد أبانت عن إبرامه بين صاحب عمل وعامل لأداء خدمة هي معاونة صاحب العمل وإشراف الأخير عليه وذلك لقاء أجر معلوم ، فإن كل ذلك ينبئ عن أن المتعاقدين قد اتجهت نيتهما إلى عقد عمل..)
ونعرض فيما يلي للتمييز بين عقد العمل وعقد المقاولة ، ثم عقد العمل وعقد الوكالة ، مستخدمين في ذلك معيار التبعية :
أ) عقد العمل وعقد المقاولة :
ووجه الشبه بين العقدين أن كلاً منهما يرد على القيام بعمل لقاء أجر ، فقد سبق أن عرفنا عقد العمل بأنه (العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه لقاء أجر) بينما عقد المقاولة بأنه العقد الذي يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر).
وبذلك يتضح أن هناك أوجه شبه بين المتعاقدين ، غير أن النظام القانوني الذي يخضع له كل منهما يختلف عن الآخر ، ويقتضي ضرورة التفرقة بينهما ، حيث يخشى إذا اختلط الأمر أن تحجب الحماية المقررة في قانون العمل عن مستحقيها ، إذا تم تكييف العقد الذي يرتبطون به على أنه عقد مقاولة ، بينما هو في الحقيقة عقد عمل .
لذلك لجأ المشرع والفقه والقضاء منذ زمن طويل إلى معيار التبعية بإعتباره المعيار الصادق في تمييز عقد العمل عن عقد المقاولة . فقيام التبعية بين العامل وصاحب العمل عنصر جوهري في عقد العمل ، بينما استقلال المقاول عن صاحب العمل ركن أساسي في عقد المقاولة .
ب) عقد العمل وعقد الوكالة :
والتمييز بين عقد العمل وعقد الوكالة له أهمية عملية ، نظراً لإختلاف النظام القانوني لكل من العقدين ، فالوكالة تنتهي بموت الوكيل ، بينما الأصل ألا ينتهي عقد العمل بوفاة صاحب العمل ، بل يظل العقد سارياً في مواجهة خلفه . وعقد العمل لا يجوز إنهاؤه إذا كان محدد المدة قبل بلوغ أجله أو قبل إخطار الطرف الآخر ومنحه مهلة إذا كان العقد غير محدد المدة ، بينما يجوز للموكل عزل الوكيل في أي وقت ، وللوكيل الحق في أن يتنازل عن الوكالة قبل الفراغ من تنفيذها . وبينما تتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد العمل بانقضاء سنة من تاريخ انتهاء العقد، بينما تخضع الدعاوى الناشئة عن عقد الوكالة للقواعد العامة في التقادم المسقط .
ورغم اختلاف النظام القانوني لكل من العقدين على النحو السالف فإن التفرقة بينهما تدق ، نظراً لأن كلاهما يرد على العمل ؛ فالوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل ، أما العمل الذي يقوم به العامل فهو عمل مادي سواء كان يدوياً أو ذهنياً .
غير أن طبيعة العمل الذي يقوم به الشخص قد لا تكفي لبيان النظام القانوني الذي يخضع له خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يقومون بأداء أعمال قانونية ومادية في آن واحد لمصلحة شخص آخر .
لذلك كان لابد من البحث عن معيار آخر للتفرقة بين علاقة العمل وعلاقة الوكالة . وقد استقر الفقه والقضاء على أن المعيار الذي يعول عليه في هذا الصدد هو معيار التبعية القانونية.. فإذا توافرت علاقة التبعية بحيث يخضع أحد طرفي العقد لرقابة وإشراف الطرف الآخر كنا بصدد عقد عمل بغض النظر عما إذا كان العمل المكلف به التابع هو عمل قانوني أو عمل مادي، ذلك أن المشرع في تعريفه لعقد العمل أطلق الوصف ولم يقصر موضوع عقد العمل على العمل المادي وحده ، لذلك فإن صح استبعاد العمل المادي من نطاق الوكالة فالعكس غير صحيح ، أي لا يصح استبعاد العمل القانوني من نطاق عقد العمل متى توافرت لهذا الأخير عناصره ، وخاصة عنصر التبعية القانونية .
ثالثاً : عنصر الأجر :
حيث لا يمكن أن تتحقق التبعية القانونية بدون عنصر الأجر ، فالعمل التطوعي في الجمعيات الخيرية لا يعتبر علاقة القائم بها مع الجمعية علاقة عمل طالما انتفى عنصر الأجر من العلاقة، والذي يقوم بعمل ما لحساب نفسه لا يعد عملاً تابعاً خاضعاً لقانون العمل . ( الموسوعة العمالية ، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال ، مطبعة علاء الدين ، طبعة 2009 ، الصفحة : 159 )
النصوص المقابلة :
تقابل المادة (42) من قانون العمل الموحد الملغي رقم 91 لسنة 1959 كما تقابل المادة (29) من قانون العمل الملغي رقم 137 لسنة 1981.
تعريف عقد العمل :
عرف النص الجديد عقد العمل بأنه العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه لقاء أجر .
ويتضح من التعريف الذي أوردته المادة (31) الجديدة أن لكل من العامل وصاحب العمل صفتان متماثلتان نتيجة دخولهما في علاقة أو رابطة مدنية تكون لكل منهما حقوقاً والتزامات متوازنة قبل الآخر كعقد الإيجار ويترتب عليه عدم تنفيذ أحدهما لأحد التزاماته المفروضة بالعقد حق الطرف الآخر في الإمتناع عن تنفيذ التزاماته المقابلة وذلك في حدود القواعد العامة في القانون المدني . لكن عقد العمل ينفرد دون غيره من العقود المدنية بأن لكل من العامل وصاحب العمل إلى جانب الصفتين المتماثلتين صفتان متمايزتان نتيجة كون هذه العلاقة المدنية علاقة عمل يكون فيها العامل تابعاً في أداء عمله لصاحب العمل ، وهذا ما دعا الفقه الفرنسي إلى إبراز عنصر الإشراف والإدارة كأهم عنصر من عناصر عقد العمل وعلى هذا الأساس فإن عناصر عقد العمل أربعة :
العنصر الأول : علاقة بين عامل وصاحب عمل بالمفهوم السابق تحديده بالمادة الأولى بالنسبة لتعريف كل منهما .
العنصر الثاني : أن يعمل العامل لحساب صاحب العمل .
العنصر الثالث : أن يعمل العامل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه أي يكون تابعاً له في إدارة العمل .
العنصر الرابع : أن يكون ذلك مقابل (أجر) .
العنصر الأول : علاقة بين عامل وصاحب عمل :
لابد من وجود طرفين لإنعقاد عقد العمل هما عامل وصاحب عمل فإذا لم يكن للشخص الذي يرتبط بهذه العلاقة صفة العامل أو لم يكن لمن يؤدى العمل لحسابه صفة صاحب العمل فلا يمكن أن يقال أن هناك علاقة عمل .
وبناء عليه فإن مناط التقدم للجهة الإدارية (مكتب العمل) طبقاً للمادة 70 في حالة وجود نزاع فردي وطلب تسويته هو قيام علاقة عمل أو رابطة عمل Lien de travail وكذلك الحال عند الإلتجاء إلى اللجنة القضائية المنصوص عليها بالمادة 71 من القانون الجديد .
ورغم أن المادة (32) من القانون توجب ثبوت عقد العمل بالكتابة وإيداع نسخة منه بمكتب التأمينات المختص إلا أنه لازال بالإمكان تعيين عمال بلا عقود مكتوبة وهو ما يجيز للعامل وحده إثبات حقوقه بكافة طرق الإثبات ، ومن المقرر أن دعوى إثبات علاقة العمل غير ناشئة عن أحكام قانون التأمين الإجتماعي ومن ثم يجوز رفعها مباشرة أمام القضاء دون عرض الأمر على اللجنة المنصوص عليها بالمادة (157) من القانون رقم 79 لسنة 1975 بشأن التأمين الاجتماعي الموحد .
العنصر الثاني : ضرورة توافر أركان العقد من رضاء ومحل وسبب :
وعلاقة العمل قد تكون شفهية حتى في ظل المادة (31) الراهنة وقد تكون مدونة في صورة عقد مكتوب وهذا هو الغالب .
ولابد أن تتوافر أركان العقد من تراض ومحل وسبب ، ويتصل بالتراضي أهلية العامل وأهلية صاحب العمل ويراعي في صدد انعقاد عقد العمل بالتراضي مسألتين .
الأولى : أهلية صاحب العمل .
الثانية : إلزام صاحب العمل بتعيين العمال وبالتالي إلزامه بإبرام عقود عمل معهم مما يتنافى مع القواعد العامة بشأن حرية الإرادة وحرية العمل .
المسألة الأولى : أهلية صاحب العمل :
وبالنسبة للمسألة الأولى : فإن فقه قانون العمل مضطردة على أن القانون 91/ 59 والقوانين التي سبقته والتي تلته لم تشر إلى قواعد خاصة بأهلية صاحب العمل والمقصود بها أهلية الأداء أي أهليته في إبرام العقود والتصرفات والملاحظ أن القانون الحالي جاء أيضاً کسابقه خلواً من مثل هذه الأحكام ، والسؤال إذن يظل مطروحاً وهو هل يشترط في صاحب العمل أن يكون بالغاً سن الرشد وهو 21 سنة ، القاعدة أن بلوغ سن الرشد (أي أهلية الأداء) لا يشكل صعوبة بالنسبة للعامل فيما يتعلق بالأهلية .
أما بالنسبة لصاحب العمل فإزاء خلو القانون من القواعد والأحكام التي تنظم أهليته فقد ذهب الفقه إلى أن عقد العمل بالنسبة لصاحب العمل يعتبر من أعمال الإدارة إذ هو وسيلة طبيعية للإستغلال العادي للأموال ، ولهذا يكون الصبي المميز الذي بلغ ثماني عشرة سنة ومن في حكمه (م 112 و116 / 2 مدني- ومادة 67 من قانون الولاية على المال) أن يبرم بإعتباره صاحب العمل عقد عمل فيما يتعلق بإدارة الأموال التي أذن له بتسلمها كأن يبرم عقد عمل ، مع طباخ ليقوم بإعداد الطعام له في حدود المال المخصص لنفقته . ومع وجاهة الأسانيد التي يستند إليها هذا الرأي فإننا لا نتفق معه ونرى أن صاحب العمل لا يجوز أن يكون صبياً مميزاً ويجب أن تتوافر فيه أهلية الأداء كاملة أي بلوغ سن الرشد غیر مصاب بعاهة في العقل أو عيب من العيوب المؤثرة في الأهلية ونؤيد رأينا بما يلي :
أ) إن صاحب العمل في خطاب الشارع في قانون العمل- حسبما استقرت على ذلك أحكام محكمة النقض - هو صاحب الأمر بحسب النظام الموضوع في المنشأة في الإشراف الإداري على شئون العمال المنوط به الإختصاص بتنفيذ ما فرضه القانون ، وهذا الوصف في المخاطب به ركن في الجريمة التي تنسب إليه .
ب) إن نصوص العقاب المفروضة على مخالفة أحكام قانون العمل منها نصوص تعاقب بالحبس ومنها نصوص تكون الغرامة فيها مرتفعة فلو سلمنا بأن الصبي المميز المصرح له بإدارة أمواله يمكن أن يكون صاحب العمل فإنه إذا خالف النصوص حق عليه العقاب فإذا عوقب كان في ذلك انتقاص لأمواله المسموح له بإدارتها ويكون الفعل هنا ضار ضرراً محضاً محظوراً عليه وإذا عوقب بالحبس فإنه يتعذر ذلك لأن الصبي البالغ من العمر 18 سنة يعتبر حدثاً في ظل قانون العقوبات ولا يمكن أن يكون قصد المشرع قد انصرف إلى عقاب الأحداث لمخالفتهم لأحكام القانون مما يفصح عنه أنه افترض في صاحب العمل أن يكون ذا أهلية كاملة .
ج) إن المادتين (8 و 9) من القانون (في الباب الثاني الخاص بالأحكام العامة) نصتا على مبدأ التضامن في المسئولية بين أصحاب الأعمال عن الإلتزامات المقررة وفقاً لأحكام القانون ولا يمكن أن يكون التضامن بين المدينين وارداً إلا على أشخاص يتمتعون بأهلية كاملة طبقاً للقواعد العامة وكذلك الحال بالنسبة لحق الإمتياز على جميع أموال صاحب العمل طبقاً للمادة السادسة من القانون .
د) نصوص الكتاب الخامس الخاص بالسلامة والصحة المهنية تتضمن أحكاماً لا يستقيم تنفيذ الإلتزامات الناشئة عنها إلا من أشخاص ذوي أهلية كاملة مما يقطع بأن هدف المشرع لا ينصرف إلى إمكان اعتبار الصبي المميز أو الحدث بمثابة رب عمل وخاصة فيما يتعلق بتطبيق نصوص هذا الكتاب (مواد 204 وما بعدها) .
هـ) إن اتجاه قانون العمل الفرنسي يستند إلى القواعد العامة في القانون المدني بشأن إعتبار عقد العمل من العقود الرضائية التي تخضع في جانب كبير منها للقواعد المقررة بالقانون العام ويري في بعض الإلتزامات المفروضة على صاحب العمل كتلك التي تتعلق بالصحة المهنية تنطوي على آثار خطيرة من حيث تحمل المسئولية .
أهلية العامل :
كثيراً ما يتعاقد العامل بنفسه وبدون إذن الولي ، ولو اتبعت القواعد العامة في الأهلية لتعرض مثل هذا التعاقد للإبطال وقد رأى المشرع التيسير على العمال القصر رعاية للحاجة التي ألجأتهم إلى الانخراط في سلك العمال لهذا خرج المشرع على القواعد العامة في الأهلية واكتفي لصحة التعاقد في أمثال هذه الحالات ببلوغ العامل القاصر في الأهلية واكتفى لصحة التعاقد في أمثال هذه الحالات ببلوغ العامل القاصر سن التمييز وقد نصت على هذا الحكم المادة (64) من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 والخاص بأحكام الولاية على المال فقد نصت المادة على أن «للقاصر أن يبرم عقد العمل الفردي وفقاً لأحكام القانون وللمحكمة بناء على طلب الوصي أو ذي شأن إنهاء العقد رعاية لمصلحة القاصر أو مستقبله أو لمصلحة أخرى ظاهرة» ومعنى هذا أن العقد يقع صحيحاً حتى ولو كان العامل قاصراً مع إعطائه الفرصة لإنهاء هذا العقد لتحقيق مصلحة العامل القاصر .
ونصوص القانون صريحة في جواز تشغيل الأطفال من 14 إلى 17 سنة كاملة (مواد من 98 - 103 من القانون الحالي وكذلك الارتباط مع الصبية المتدرجين الذين لم يبلغوا سن الرشد (مواد من 141 - 144 من القانون الحالي)) ومن جهة أخرى نص القانون الحالي (ومن قبله القانون 137/ 81 والقانون 91/ 59 على إلزام صاحب العمل بأن يسلم الطفل أجره أو مكافأته وغير ذلك مما يستحقه ويكون هذا التسليم مبرئاً لذمته (مادة 46 جديد) .
كل هذه النصوص تؤكد بجلاء إن المشرع لا يشترط أهلية التصرف في العامل .
مبدأ حرية العمل وحرية التراضي :
أما بالنسبة للمسألة الثانية : وهي مبدأ حرية العمل وحرية التراضي فإنه يتعارض مع إمكان إلزام صاحب العمل بتشغيل بعض العمال وفقاً لأسبقية قيدهم كما كان ينص على ذلك القانون الملغي في المادة (24) منه .
كما أن ذلك يتعارض مع القيود التي فرضت بالنسبة لتشغيل الأجانب حفاظاً على توفير سوق العمل أمام العمالة المصرية وكذلك قيود العمل المصري لدى رب العمل غير المصري حرصاً على مراعاة كرامة المصري وبلده وحرصاً على أن تكون مصر المستفيدة الأولى من عمالة أبنائها وأخيراً قيود التعاقد القائمة على اعتبارات إنسانية كتلك الخاصة بتشغيل الأحداث والنساء.
ومع أن البعض يبرر هذا التعارض بأن التنظيم الجديد لعلاقات العمل اقتضى تدخل المشرع بوضع قيود عديدة على الحرية التعاقدية وذلك لاعتبارات سياسية أو اجتماعية أو إنسانية فإن ذلك لا يمنع من استمرار قيام المشكلة أو قيام التعارض بين مبدأ حرية العمل (وهو من المبادئ التي تضمنتها اتفاقيات العمل الدولية التي صدقت عليها مصر).
ومبدأ فرض عامل معين على صاحب عمل معين .
فلا مناص من التسليم بأن إلزام صاحب عمل معين بتشغيل عمال معينين أمر مخالف لهذه الاتفاقيات ولمبدأ حرية العمل والدستور أيضاً الذي أطلق هذه الحرية وأن تدخل المشرع بهذا الإلزام يعتبر قيداً على هذه الحرية في إطار النظام الاقتصادي الموجه. ونرى أن هذا القيد لابد أن يكون هدفه تحقيق مصلحة عامة إذ هنا فقط يمكن تبرير مخالفة مبدأ حرية العمل لأن الصالح العام مقدم على الصالح الخاص كذلك يمكن تبريره بالقاعدة الشرعية التي تقول أن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح ولا شك إن إلزام الدولة بعض أصحاب الأعمال بتعيين بعض طوائف من العمال فضلاً عن أنه يهدف إلى تحقيق نفع عام الجماعة فهو يتوخى درء مفسدة وهي القضاء على البطالة أو الحد منها وهذه الغاية مقدمة على المصلحة التي يتوخاها رب العمل بتعيين من يراه في إطار حريته في الاستخدام .
ومن جهة أخرى فإن مبدأ «حرية العمل» مرادفاً للحق في العمل وبالتالي فلا يتصور أن يكون من حق الإنسان أن يعمل وأن يكون ذلك جبراً عنه أو بإكراهه على القيام بعمل معين. لذلك حرصت منظمتي العمل الدولية والعربية على مكافحة العمل الجبري أو الإلزامي وحظرت إستخدامه بكل أشكاله طبقاً للاتفاقيات 29، 35، 105 بشأن إلغاء العمل الجبري عام 1957. والمادة السابعة من اتفاقية العمل العربية رقم 6 لسنة 1976 بشأن مستويات العمل .
العنصر الثالث - علاقة التبعية :
وهذا هو العنصر الجوهري في علاقة العمل أو عقد العمل فتكييف عقد العمل وتمييزه عن غيره من العقود مناطه توافر عنصر التبعية ويجري الفقه في كل من فرنسا ومصر أن المقصود هذا هو التبعية القانونية والتي يمكن تعريفها بأنها حالة قانونية يكون فيها أحد طرفي رابطة العمل وهو العامل في مركز قانوني معين ينشئ على عائقة التزاماً بإطاعة الطرف الآخر وهو صاحب العمل- فيما يتعلق بتنفيذ عمل مشروع بحيث يقابل هذا الالتزام حق الأخير في توجيه العامل والإشراف عليه وما يترتب على ذلك من سلطة إنزال العقاب التأديبي إذا خالف تنفيذ الأوامر أو أخل بتنفيذها، وينبني على هذا التعريف أن القانون لا يعتد بالتبعية التي يكون مردها إلى المركز الاقتصادي للعامل والتي يسميها الفقه بالتبعية الاقتصادية وإن كان بعض قضاء التحكيم في كل من فرنسا ومصر قد أخذ بهذه التبعية بالنسبة للعمال الذين يعملون في منازلهم دون رقابة أو إشراف من صاحب العمل، كما لا يشترط بالنسبة لقيام التبعية القانونية وجود عقد عمل مكتوب إذ يجوز أن تنشأ على أساس من الواقع وحده. أو تنشأ عن ارتباط شفوي بين العامل وصاحب العمل وهو ما لمسناه في كثير من المهن والأعمال وإذا وجد العقد فلا يشترط أن يكون صحيحة لأن القانون يكتفي بواقعة العمل التابع وحدها ولو كانت ناشئة عن عقد باطل أو عقد تمرين أو لم تكن ناشئة عن عقد أصلا بأن انعدم رضاء أحد الطرفين كما هو الحال في أوامر التكليف، وكما هو الحال بالنسبة لإلزام وزير العمل بعض أصحاب الأعمال بتشغيل بعض طوائف معينة من العمال حسب أسبقية قيدهم بمكاتب القوى العاملة تطبيقا للمادة (24) من القانون رقم 137 لسنة 1981 والتي لا يوجد لها شبيه بالقانون الجديد .
وأخيرا فإن العمل التابع ليس قاصراً على المجتمعات الرأسمالية كما لا يقترن دوماً باستغلال العامل فعمال المشروعات المؤممة تابعون أيضا ويضعون نشاطهم تحت تصرف سلطة تملك إصدار الأوامر وتوقيع الجزاءات، وإذا كانت المفاهيم الاشتراكية تقتضي تطوير مفهوم تبعية العامل فإنها لم تصل إلى نفي هذه التبعية وإنما حولتها من تبعية فردية إلى تبعية اشتراكية من مظاهرها اشتراك العمال في إدارة المنشأة، وكذلك اشتراكهم في لجان التأديب كلجنة الفصل الثلاثية والحصول على موافقة نقابتهم على لائحة العمل والجزاءات بالمنشأة قبل اعتمادها وقبل سريان أحكامها واشتراكهم في إعدادها (مادة 12/د من قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 1981) واشتراكهم في اللجنة القضائية المشار إليها بالمادة (71) من القانون كذلك فإن المفهوم الاشتراكي للتبعية يربط نشاط العامل بالمشروع نفسه لا بشخص صاحب العمل ويدخل عنصر التعاون والمسئولية المشتركة في ظل النظرة الرأسمالية للمشروع، وقد استقر قضاء محكمة النقض على أن مناط تمييز عقد العمل عن غيره من العقود هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته وينشئ قرار تعيين العامل في شركات القطاع العام، علاقة التبعية، لأن علاقة العاملين بهذه الشركات علاقة تعاقدية. وتستقل محكمة الموضوع باستخلاص علاقة العمل بلا رقابة عليها من محكمة النقض .
العنصر الرابع : الأجر :
والأجر ركن في عقد العمل وليس شرطاً لقيام حالة التبعية التي قد تنشأ عن عقد تدرج أو عقد تمرين أو في الحالات التي يلتزم فيها صاحب العمل بتشغيل العمال بناء على قرار أو توصية من جهة إدارية أو غيرها كأوامر التكليف .
والأصل في الأجر أنه لقاء عمل، ومناط تحديد العمل والأجر هو قرار التعيين أو عقد العمل .
فلا يجوز الخلط إذن بين استلزام الأجر کركن في عقد العمل وبين ثبوت حالة التبعية ولو لم يكن هناك أجر. وقد ذهب رأي إلى أن العمل المجاني يخرج عن نطاق العمل التابع. وهذا القول يكون في رأينا مقبولاً حيث يكون البحث في مدى وجود أو عدم وجود عقد عمل باعتبار أن الأجر ركن فيه أما حين تتوافر سلطة فعلية لشخص في الرقابة والإشراف على آخر في مجال العمل فلا أهمية لما إذا كان التابع يتقاضى أجراً عن هذا العمل أم لا كما هو الحال في عقد التدرج إذ توجد تبعية ولا يوجد أجر بالمعنى الذي أورده القانون .
ولذلك فإنه يكون صحيحاً ما ذهبت إليه محكمة النقض من ضرورة استلزام التبعية والإشراف إلى جانب الأجر ونقضها لحكم أقام قضاءه في خصوص تكييف العلاقة على أن الفارق الوحيد بين عقدي العمل والمقاولة هو وجود حق الإدارة والإشراف في الأول وإنعدامه في الثاني .
التمييز بين عقد العمل وغيره من العقود الواردة على العمل :
من أهم العقود التي تلتبس مع عقد العمل عقد المقاولة وعقد الوكالة وعقد الشركة وهي عقود معروفة في التشريع الوضعي، وقد يلتبس أيضاً ببعض العقود المعروفة في الشريعة الإسلامية كعقد الجعالة وعقد الاستصناع وغيرها .
وسوف نتناول بإيجاز ما يميز عقد العمل عن غيره من العقود سواء في القانون الوضعي أو في الشريعة الإسلامية .
عقد العمل وعقد المقاولة :
عقد المقاولة : هو عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر. ويلاحظ على هذا التعريف أنه يشتبه بعقد العمل من حيث أن كلا من العقدين يرد على عمل يؤديه شخص لحساب آخر مقابل آخر .
والرأي المسلم به في الوقت الحاضر هو أن عقد العمل يتميز عن عقد المقاولة بأنه يخول رب العمل سلطة توجيه ما يؤدي له من خدمات بحيث يقوم العامل بأداء ما هو مكلف به تحت إدارة وإشراف رب العمل ويعبر عن ذلك بأن العامل يكون في مركز خضوع أو تبعية بالنسبة لرب العمل حيث يكون للمتبوع سلطة فعلية في إصدار الأوامر للتابع وفي الرقابة على تنفيذه لها ومحاسبته على الخروج عليها. أما في المقاولة فإن المقاول يقوم بالعمل المعهود إليه مستقلا فلا يخضع في تنفيذه لأي إشراف أو توجيه من قبل رب العمل فهو الذي يختار وسائل التنفيذ من أدوات ومهمات ومعاونين وهو الذي يحدد كيفية هذا التنفيذ ووقته وما دام عمله مطابقاً لما هو متفق عليه في العقد ولما تفرضه عليه الأصول الفنية لمهنته فلا يجوز لرب العمل أن يتدخل في تنفيذ العمل ولا يلتزم المقاول بإطاعة أوامره وتوجيهاته في هذا الشأن .
وقد ذكر الفقه عدة معايير التفرقة بين عقدي العمل والمقاولة .
والرأي الراجح أن مناط التفرقة هو وجود تبعية قانونية بالمعنى السابق شرحه فاذا توافرت هذه التبعية بما ترتبه من الآثار القانونية على نحو ما ذكرنا وعلى الأخص خضوع التابع في عمله لإشراف ورقابة وتوجيه المتبوع وثبوت سلطة الأخير في مجازاته تأديبياً إذا أخل أو أهمل أو قصر فإن العلاقة حينئذ تكون علاقة عمل ويكفي أي قدر من التبعية إدارية كانت أو تنظيمية تتمثل في الإشراف على عمل العامل ولو عن بعد وبناء على ما تقدم فإن عقد المقاولة لا تتوافر فيه التبعية بالمعنى المشار إليه وإنما يستطيع المقاول أن يمارس عمله بعيدا عن إشراف وإدارة رب العمل وقد أخذ التقنين المدني بهذا المعيار فهو في تعريفه لعقد المقاولة في المادة (646) لا يذكر شيئاً عن الطريقة التي يؤجر بها المقاول بل يقتصر على القول بأن المقاول يعمل (لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر) فإذا انتقل بعد ذلك إلى عقد العمل يعرفه في المادة (674) على الوجه الآتي (عقد العمل هو الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل في خدمة الآخر وتحت إدارته أو إشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الأخر) فهو لا يذكر هنا أيضاً شيئاً عن الطريقة التي يؤجر بها العامل إذ لا أثر لها في تكييف العقد وإنما يذكر صراحة أن العامل يعمل تحت إدارة رب العمل أو إشرافه، وقد طبق هذا المعيار تطبيقاً واضحاً في المادة (676 مدني) .
كما أخذت محكمة النقض بهذا المعيار (معيار التبعية) فاضطردت أحكامها على أن مناط تكييف عقد العمل وتمييزه عن عقد المقاولة وغيره من العقود هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته. وأنه يكفي لتحقق هذه التبعية ظهورها ولو في صورتها التنظيمية أو الإدارية والمناط في تكييف العقد هو بوضوح الإرادة لا وضوح اللفظ وما عناه العاقدون منها بالتعرف على حقيقة مرماهم دون أن يعتد بما أطلقوه عليها من أوصاف وما ضمنوها من عبارات متى تبين أن هذه الأوصاف والعبارات تخالف حقيقة التعاقد ولمحكمة النقض أن تراقب محكمة الموضوع في تكييف العقد .
عقد العمل وعقد الوكالة :
الوكالة عقد يلتزم بمقتضاه الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل (مادة 699 مدني) ويتميز عقد الوكالة عن عقد العمل بأن محله تصرف قانوني لا عمل مادي ويزيد في تمييز عقد الوكالة عن عقد العمل أن العامل يعمل دائماً تحت إشراف رب العمل وتوجيهه فعلاقته به هي علاقة تابع بالمتبوع أما الوكيل فلا يعمل حتماً تحت إشراف الموكل فليس من الضروري أن تقوم بينهما علاقة التبعية وقد يلتبس عقد الوكالة بعقد العمل ويقع ذلك عادة في شأن الطوافين والممثلين التجاريين والجوابين ومندوبي التأمين فهؤلاء يقومون بأعمال مادية وتصرفات قانونية مع العملاء لحساب مخدوميهم فيعقدون الصفقات ويبرمون عقود التأمين. وفي مصر ورد نص صريح يقضي بسريان أحكام عقد العمل على العلاقة فيما بين أرباب الأعمال وبين الطوافين والممثلين التجاريين والجوابيين ومندوبي التأمين ما دام هؤلاء الأشخاص تابعين لأرباب العمل وخاضعين لرقابتهم (مادة (676 مدني) .
وقد ذهبت محكمة النقض إلى أن النص في عقد النزاع على أن يقوم الطاعن بمهمة التدريب والإشراف الفني والإداري الكامل على الفريق الأول لكرة القدم في المدة من .... حتى ..... نظراً لما يتمتع به من الكفاءة في التدريب والسمعة الطيبة.... على أن تكون له كافة الصلاحيات والاختصاصات في اختيار الأجهزة الفنية والإدارية والطبية المعاونة له، وقيد اللاعبين والاستغناء عنهم دون تدخل في هذه الاختصاصات وتلك الصلاحيات من جانب واحد، وخلو العقد من تقرير أي حق للنادي في توجيه التدريب أو الإشراف الفني أو الإداري المعهود به إلى الطاعن أو في الإشراف على طريقة قيامه بهذا العمل، يدل على انتفاء عنصر التبعية القانونية في هذا العقد وأنه عقد مقاولة وليس عقد عمل .
عقد العمل وعقد الشركة :
يرى بعض الاقتصاديين في عقد العمل نوعاً من المشاركة في سبيل الإنتاج بين العمل ورأس المال يكون نصيب العامل في الربح المأمول هو الأجر المتفق عليه ولكن هذا الرأي لا يتفق مع أحكام التشريع لأن الواقع أن عقد العمل يتميز عما سواه بطبيعة خاصة تتركز من الناحية القانونية في اتصال محل التزام العامل بشخص الإنسان حتى قيل بأن العامل في الحقيقة هو موضوع العقد، ولهذا فإن الشريك مركزه يختلف اختلافاً جوهرياً في عقد الشركة فالعامل لا يتمتع بحقوق الشريك فيما يتعلق بالتوجيه والإدارة ولكنه يتمتع بضمانات ليست للشريك من حيث تنظيم العمل ووقته وحماية الأجر والحقوق عند إنهاء العقد وهذه الفوارق من حيث النظام القانوني لا نجد لها مبرراً إلا في عنصر التبعية المميز لعقد العمل والذي تقابله في الشركة المساواة بين الشركاء. وهكذا نجد أن عنصر التبعية كما أنه معيار التمييز بين عقد العمل وكل من عقدي المقاولة والوكالة فهو أيضاً نفس المعيار في التمييز بينه وبين عقد الشركة .
وفي ذلك تقول محكمة النقض أن عقد العمل يتميز بخاصيتين أساسيتين هما التبعية والأجر، وبتوافرهما تكون العلاقة علاقة عمل، ولا يغير من هذا النظر كون المطعون عليه عضواً في مجلس إدارة الشركة فلو عين مديراً لها كان من حقه أن يؤجر هذا العمل، إذا أنه لا يوجد ما يمنع من أن يجمع عضو مجلس الإدارة المنتدب للشركة المساهمة بين صفته هذه وصفته كمدير عام أو مدير فني لها فيجمع بذلك بين صفتين صفة كوكيل وصفته كأجير بحيث تحكم كل منهما القواعد الخاصة بها .
عقد العمل وعقد الاستصناع :
عقد الاستصناع معروف في الشريعة الإسلامية وينخرط تحت باب أنواع البيوع وهو عقد بيع في الذمة مطلوب عمله فهو طلب عمل شيء خاص على وجه مخصوص ومادته من الصانع وينعقد على العين لا على عمل الصانع، ومثال ذلك أن نستصنع حذاء أو ثوباً أو نحو ذلك وقد تعارفه الناس وجرى عليه التعامل منذ القدم فجاز لذلك استحساناً وهو بيع يشبه الإجارة حتى قال بعضهم أنها إجارة في الابتداء بيع في الانتهاء لما فيه من طلب العمل ابتداء ولذا يبطل بوفاة كل من الصانع والمستصنع .
ويلزم في الاستصناع وصف المصنوع وتعريفه على الوجه الموافق المطلوب ولا يلزم فيه دفع الثمن حالاً وقت العقد، وإذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع .
وهكذا يبين أن الاستصناع لا يشترط قيام حالة التبعية وكذلك ينتهي بوفاة صاحب العمل .
عقد العمل والمضاربة :
المضاربة نوع من شركة على رأس المال من طرف والسعي والعمل من الطرف الآخر ويقال لصاحب رأس المال رب المال وللعامل مضارب، وركنها الإيجاب والقبول، وهي قسمان أحدهما مضاربة مطلقة والآخر مضاربة مقيدة، والأولى لا تتقيد بزمان ولا مكان ولا نوع تجارة ولا بتعيين بائع ولا مشتر وإذا تقيدت بواحد من هذه فتكون مضاربة مقيدة .
والمضارب أمين فرأس المال في يده في حكم الوديعة ومن جهة تصرفه في رأس المال هو وكيل رب المال وهو في يده في حكم الوديعة وإذا ربح فيكون شريكاً فيه. والمضاربة لا تشترط التبعية بخلاف عقد العمل (كما أنها تشبه إلى حد ما عقد الشركة في القانون) الذي ينقضي بوفاة الشريك (في شركة التضامن) بينما عقد العمل كما قلنا يظل سارياً مع خلف صاحب العمل بعد الوفاة .
عقد العمل والجعالة :
الجعالة لغة ما يعطيه الإنسان لغيره نظير عمل يقوم به کالجعل والجعلية وفي لسان الفقهاء التزام مال معلوم نظير عمل معين معلوم أو لابسته جهالة، ومثالها عندما يكون العمل معلوماً أن يقول شخص من نقل متاعي هذا إلى مكان كذا فله مني كذا من المال ومثالها إذا ما شاب العمل جهالة أن يقول شخص من رد على فرسي الضال فله منى كذا من المال فإن العمل الذي سوف يباشره العامل في هذه الصورة يختلف باختلاف مكان الفرس قرباً وبعداً وباختلاف طريقة الوصول إليه وطريقة نقل الفرس وليس يعلم ما سيتطلبه قيامه بهذا العمل. وهكذا يتضح أن الفارق الجوهري بين الجعالة وعقد العمل أن الأول ينعقد بإرادة منفردة بينما الثاني ينعقد بإرادتين وأن الجعالة قد ترد على عمل مجهل بينما الأصل في عقد العمل أن يكون محل العمل معيناً أو قابلاً للتعيين وفقاً للقواعد العامة .
والجعالة وإن كانت أساسية عقداً من العقود المعروفة في الشريعة الإسلامية إلا أن القانون المدني يطلق عليها الوعد بجائزة (مادة 162 مدني) والتزام الواعد بجائزة وفقاً لنص المادة (162) يقوم بتوافر أربعة أركان :
الركن الأول : أن تصدر من الواعد إرادة باتة وهذه هي الإرادة المنفردة.
الركن الثاني : أن توجه الإرادة إلى الجمهور.
الركن الثالث : أن يكون توجيه الإرادة إلى الجمهور على وجه علني.
الركن الرابع : أن تتضمن الإرادة أمرين على الأقل إما جائزة معينة يلتزم الواعد بإعطائها للفائز بها وإما شيئاً معيناً يقوم به الشخص حتى يستحق الجائزة.
عقد العمل والمزارعة :
المزارعة نوع شركة على كون الأراضي من طرف والعمل من طرف آخر يعني أن الأراضي تزرع والحاصلات تقسم بينهما .
وركنها الإيجاب والقبول، فهي معاقدة على الزرع بين صاحب الأرض وبين الزارع ويقسم الحاصل بينهما بالحصص التي يتفقان عليها وقت العقد وللعامل أن يزرع الأرض بنفسه وبغيره ومع غيره إلا أنه يشترط عليه زرعها بنفسه فإذا مات الزارع يقوم ورثته بالعمل مقامه إلى أن يستوي الزرع وإن أبى صاحب الأرض، وهكذا يتضح أن المزارعة تختلف عن عقد العمل اختلافاً جوهرياً من حيث أن عقد العمل ينتهي بوفاة العامل كما أن الأصل في عقد العمل أن يؤدي العامل عمله بنفسه .
عقد العمل والمساقاة :
المساقاة نوع شركة على أن يكون أشجار من طرف وتربة من طرف آخر ويقسم ما يحصل من الثمرة بينهما، وركنها الإيجاب والقبول وتسليم الأشجار إلى العامل شرط فهي إذن معاقدة على دفع الشجر والكروم إلى من يصلحها بجزء معلوم من ثمرها ويرى البعض أن المساقاة هي معاملة على الأصول بحصة من ثمرها وتلزم المتعاقدين كالإجارة ولا تبطل بموت أحدهما إلا أن يشترط تعيين العامل، وهي تختلف عن عقد العمل الذي لا يقوم إلا بتوافر التبعية كما أنها لا تنتهي بموت العامل كما في عقد العمل . ( الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل ، الدكتور على عوض حسن ، الدكتور علاء فوزي زكي ، طبعة دار الحقانية ، المجلد الأول ، صفحة : 442 )
تعريف عقد العمل والعناصر المميزة له
تعريف عقد العمل وأطرافه
تعريف عقد العمل :
تنص الماد 674 من القانون المدني على أن عقد العمل هو العقد الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل في خدمة المتعاقد الآخر وتحت إدارته وإشرافه في مقابل أجر يتعهد به الأخير . وتنص المادة 31 / 1 من قانون العمل على أنه تسري أحكام هذا الباب على العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه لقاء أجر .
ولا خلاف بين النصين إلا في بعض الألفاظ حيث يطلق قانون العمل على رب العمل لفظ صاحب العمل في حين أن القانون المدني يستخدم عبارة المتعاقد الآخر .
ونفضل استخدام لفظ صاحب العمل لأنه هو الاصطلاح الذي استعمله قانون التأمين الإجتماعي مما يساعد على توحيد الاصطلاحات في مجال العلاقة الواحدة أي بين العامل وصاحب العمل ، وفي مجال القانون الإجتماعي .
كما أن استخدام لفظ رب العمل يثير الخلط بين عقد العمل وعقد المقاولة .
وبناء عليه فإن طرفا عقد العمل هما العامل من جهة وصاحب العمل من جهة أخرى ونتولي دراستهما فيما يلى .
صاحب العمل
ندرس فيما يلى الشروط اللازمة في صاحب العمل ، ثم كيفية تحديده .
شروط صاحب العمل
عرفت المادة الأولى من قانون العمل صاحب العمل بأنه "كل شخص طبيعي أو اعتباري يستخدم عاملاً أو أكثر لقاء أجر".
فيجب أن يكون صاحب العمل متمتعاً بالشخصية القانونية سواء كان شخصاً معنوياً أو طبيعياً ، وذلك بعكس المدير المسئول الذي يجب أن يكون شخصاً طبيعياً ، فلا تثبت صفة صاحب العمل لمجموع الشركات الذي لا يتمتع بالشخصية القانونية .
وصاحب العمل كل من يستخدم عاملاً بأجر بصرف النظر عن حرفة صاحب العمل ، فلا يشترط أن يتخذ صاحب العمل من العمل الذي يمارسه حرفة له لكي يخضع العقد لقانون العمل ، فيقوم عقد العمل حتى ولو كان صاحب العمل يحترف حرفة غير تلك التي يستخدم فيها العامل ، ومن ثم تسرى أحكام قانون العمل على جميع عقود العمل سواء أكان أصحاب الأعمال يتخذون هذه الأعمال مهنة لهم أم لا .
وأوضحت محكمة النقض أنه مما يؤكد ذلك أن قانون العمل باستبعاده طائفة الخدم من الخضوع لأحكامه إنما يفترض خضوعهم لها أصلاً لولا هذا الإستبعاد وذلك رغم أن المخدوم لا يتحقق في شأنه كصاحب عمل بالنسبة إلى الخادم وصف الاحتراف ، كما أن القانون المدني لم يتطلب أي شروط في صاحب العمل أو المتعاقد الآخر . فتسري إذن أحكامه على جميع عقود العمل ، فمن يتعاقد مع عمال البناء دار له يبرم معهم عقد عمل حتى ولو كان لا يحترف مهنة للبناء فصاحب العمل هو صاحب الأمر في الإشراف الإداري على المنشأة .
كذلك يترتب على عدم تقييد عبارة صاحب العمل بأي وصف أنه لا يشترط أن يكون العمل بقصد الحصول على ربح ، ومن ثم تنطبق أحكام عقد العمل الفردي على من تستخدمهم الهيئات الخيرية والثقافية والنوادي الاجتماعية والرياضية ونقابات ومعاهد التعليم الحر ، والهيئات الدينية ، ولقد استقر قضاء النقض على أن العلاقة بين رئيس الكنيسة وأحد المطارنة علاقة عمل وأن رجل الدين يخضع لأحكام قانون العمل إذ أدى وظيفته بأجر .
ولقد أوضحت المحكمة أن القانون لم يميز بين العمل الجسماني والعمل العقلي أو الروحاني ، وأن علاقة الكاهن بالهيئة الكنسية للأقباط الأرثوذكس علاقة عمل ، فالبطريرك يختص برسامة القسيس وترقيتهم ونقلهم وعزلهم وتجريدهم. فالكنائس والقسس العاملين بها يخضعون لتبعية البطريرك وإشرافه ، فرجل الدين يعتبر في نظر قانون العمل عاملاً متى كان يؤدي الشعائر الدينية مقابل أجر ، مهما كان نوعه ، يتقاضاه من رئيسه الديني الذي له حق رقابته وتوقيع الجزاءات الدينية على اختلاف أنواعها ، وتعتبر عقود العمل مبرمة بينهم وبين البطريرك ولو اقتضى التنظيم المالي في هذه الكنائس صرف أجورهم من الهيئات والجمعيات التي تتولى الإدارة نيابة عن البطريرك .
ويجب عدم الخلط بين صاحب العمل والمدير المسئول للمشروع أو المنشأة. والمدير المسئول هو الشخص الطبيعي الذي يمارس السلطة والإشراف على العمال ، ويحدد خطة العمل وأحكام الرقابة الكفيلة بتحقيق المهمة المنشودة ، وكثيراً ما يحدث الخلط في المنشأة الفردية حيث يكون صاحب العمل هو مدير المنشأة ، أما التمييز فيكون واضحاً في مجال المشروع الذي يتخذ شكل الشركة حيث يكون الطرف المتعاقد كصاحب العمل هو الشخص المعنوي ، وليس الشخص الطبيعي الذي يمثله ، أو الشخص الطبيعي الذي يقوم بمهمة مدير المشروع، فصاحب العمل أي الشخص المعنوي يمتلك المنشأة ويلتزم بصفته صاحباً للعمل بالالتزامات الناشئة عن العقد والقانون ، أما الإدارة والسلطة على العمال فتكون للمدير أو لإدارة المشروع بصفته ممثلاً عن الشخص المعنوي ، والمسئولية الجنائية للمدير لا تجعل منه صاحب العمل ومن ثم لا يلتزم مدنياً بالالتزامات الناشئة عن العقد .
وقضت محكمة النقض بأن وضع إحدى المدارس تحت الإشراف المالي والإداري لوزارة التعليم يؤدي إلى رفع يد صاحب المدرسة عنها ، وتتولى وزارة التعليم إدارتها دون أن يجعل ذلك منها صاحبة عمل ، وإنما هي نائبة عن صاحب المدرسة نيابة قانونية .
وهذا يؤدي بنا إلى دراسة كيفية تحديد صاحب العمل .
كيفية تحديد صاحب العمل وفي بعض الصعوبات التي تعتري تحديد صاحب العمل
قضت محكمة النقض بأن صاحب العمل هو صاحب الأمر ، حتی بحسب النظام الموضوع في المنشأة ، في الإشراف الإداري على شئون العمل ، والمنوط به تنفيذ ما فرضه القانون .
نقض جنائي 17 / 3 / 1969 ، ، المجموعة، السنة 20، ق 71، ص 330.
المقصود بتحديد صاحب العمل هو تحديد المدين بالإلتزامات التي يفرضها قانون العمل لمصلحة العامل ، والأصل أن صاحب العمل هو المتعاقد الآخر مع العامل في عقد العمل والذي يتحمل بالإلتزامات تجاه العامل ، وإذا أردنا الدقة فإن صاحب العمل يتحدد بتحديد من يدين له العامل بالخضوع والتبعية ، معیار عقد العمل .
ولا صعوبة في تحديد صاحب العمل إذا كان الشخص الطبيعي أو المعنوي يجمع بين يديه الوظائف المعتادة لصاحب العمل سواء من الناحية القانونية أو الاقتصادية ، مثل الإلتزام بدفع الأجر ، والسلطة على العامل ، والسلطة الاقتصادية على المشروع ، وأن يكون علاوة على ذلك هو من تعاقد مع العامل .
ولكن قد تتفرق هذه الأمور ، وهو ما يسمى بظاهرة تجزئة وظائف صاحب العمل ، فيكون هناك من يقوم باختيار العامل والتعاقد معه ، ويلتزم بالأجر ويتمتع بالسلطة ، وهناك صاحب العمل من الناحية الواقعية وهو المستفيد المباشر من العمل الذي يقدمه العامل ، فأيهما يكون صاحب العمل ، ندرس فيما يلي بعض تلك الصور .
تبدو أهمية تحيد صاحب العمل في عدة صور ندرسها فيما يلي :
في مجال الفندقة أو الفرانشايز
يحدث الآن في مجال الفندقة أن تبرم عقود تسمى بالفرنشايز .
فمبنى الفندق يكون مملوكاً لشخص ، أما تشغيل الفندق فيعهد به إلى شركة من شركات الفندقة سواء على المستوى الوطني أو العالمي ، والشركة الأخيرة تتولى ما هو أوسع من مجرد الإدارة ، فتعطي اسمها للفندق ، وتضع مواصفات الحجرات ومحتوياتها وتقوم بالتسويق ، وفي نفس الوقت تحرص على أن تلعب دوراً أساسياً في اختيار العاملين على اختلاف مستوياتهم بحيث يتم توحيد المستوي على كافة الفنادق التي تتولى إدارتها ويكونون ممن تدربوا على العمل لدى تلك الشركة ، وتبدو أهمية ذلك في وظائف الإدارة العليا بالفندق مثل المدير العام ومدير التغذية والمشتريات ، فيختارون عادة ممن سبق لهم العمل في هذا المجال لدى الشركة وعلى مستوى العالم ، كما يتضمن عقد الإدارة أو الفرانشايز المبرم بين المالك وشركة الإدارة تنظيماً لاختيار العمال ، وتحديد صاحب العمل يكون بالبحث فيما إذا كان صاحب العمل هو مالك الفندق أم الشركة التي تتولى إدارته بالمعنى السابق .
ونقطة البداية تكون بالبحث في العقد المبرم بين المالك والشركة حيث يتضمن عادة نصوصاً بشأن العاملين .
فيجب البدء بتحديد أطراف عقد العمل . وعادة ما يكون العقد بين المالك والموظف أو المدير العام ، ولكن قد تتولى شركة الإدارة نيابة عن المالك التعاقد مع العمال ، وفي هذه الحالة وطبقاً للقواعد العامة في النيابة ينصرف أثر العقد مباشرة إلى المالك ويكون هو قانوناً الطرف المتعاقد. وإذا تضمن العقد تكليفات للمدير العام أو العامل بضرورة التقيد في تشغيل الفندق وإدارته بمعايير شركة الإدارة ، فإن هذا الشرط لا يحقق مصلحة شركة الإدارة فقط وإنما مصلحة المالك في المقام الأول لأن تلك المعايير التي دفعت المالك للتعاقد مع شركة الإدارة أصلاً ، ولهذا يشترط على عماله ضرورة مراعاة تلك المعايير ، وهذا ليس من شأنه أن يجعل من شركة الإدارة صاحباً للعمل .
كما يؤخذ في الإعتبار عند تحديد صاحب العمل من يحدد الأجر ومن يلتزم بالوفاء به ، وعادة يكون ذلك المالك .
ولا ينال من ذلك أن يكون الإشراف على تطبيق معايير وإستراتيجيات شركة الإدارة لمسئول كبير في شركة الإدارة ، فالإشراف المقصود هو الإشراف الفني وبشأن تلك المعايير على وجه التحديد ومن أجل تحقيق أهداف عقد الإدارة ، أي أننا بصدد التبعية الفنية فقط .
ومن المستقر أن معيار الخضوع والتبعية هو التبعية الإدارية والتنظيمية وسلطة التأديب وليس التبعية الفنية ممن يكون له التبعية الفنية فقط لا يكون صاحباً للعمل .
كما لا ينال من علاقة العمل بين المدير العام والمالك بأن يقوم المالك بإصدار وكالة للمدير العام بتفويضه في اتخاذ كافة الإجراءات وتوقيع كافة المحررات الضرورية لتشغيل الفندق وتسيير يومياً .
والهدف من هذه الوكالة هو تمكين المدير العام من تشغيل وإدارة أعماله اليومية ، فتشغيل المكان وإدارته يتم عن طريق أعمال مادية وتصرفات قانونية . وإبرام هذه العقود هو مجرد وسيلة ثانوية للتوصل إلى تشغيل الفندق تشغيلاً سليماً والقيام ببعض التصرفات القانونية اللازمة لتسيير تشغيل الفندق ليس من شأنه الإخلال بوجود علاقة عمل .
ولا يخل كذلك بتوافر علاقة العمل بين المدير العام والمالك أن يتضمن عقد الإدارة المبرم بين المالك وشركة الإدارة تنظيماً لسياسة اختيار وتعيين العمال بما في ذلك المدير العام ، فهذه الضوابط تستهدف أن تكون العمالة على المستوى المطلوب لتحقيق أهداف حسن إدارة الفندق ، وعدم احترام المالك لتلك الضوابط يعتبر إخلالاً من جانبه بعقد الإدارة ، فالمالك طرف مشترك في عقد الإدارة وعقد العمل ، فإن عدم احترام عقد الإدارة في هذا الشأن يعتبر مخالفة لعقد الإدارة في علاقة طرفيه ، كما أنه ينطوي على إخلال بعقد العمل من جانب صاحب العمل .
وإذا كان بعض الفقه يعتبر العقد عقداً من نوع خاص أو مختلط حيث يجمع بين دفتيه الوكالة والعمل فقد أجاب السنهوري على ذلك بأنه "إذا تعارضت أحكام عقد العمل مع أحكام عقد الوكالة غلب عنصر العمل وتستبعد أحكام عقد الوكالة ومن ثم لا يجوز فصل العامل دون إخطار أو فصلاً تعسفياً تطبيقاً لأحكام قانون العمل وهي هنا تعتبر من النظام العام ، أما أحكام عزل الوكيل فلا تتعلق بالنظام العام ، وهذا ما تتجه إليه أحكام التحكيم الدولية ، فعقود الفرانشايز التي تبرم خارج الولايات المتحدة يكون فيها المالك عادة صاحب العمل بعكس الحال داخل الولايات المتحدة الأمريكية .
ونؤكد أهمية التمييز بين التبعية الفنية والتبعية الإدارية .
فشركة الإدارة يكون لها الإشراف على مستوى الخدمات عامة والكفاءة الفنية لكل عامل حرصاً منها على الحفاظ على اسمها وسمعتها وهو ما يسعى إليه صاحب العمل ، أما التبعية التنظيمية والإدارية وسلطة التأديب تكون للمالك مما يجعله هو صاحب العمل .
وعلى هذا فإن صاحب العمل في عقود عمل العمال في الفنادق التي تدار بنظام الفرانشايز يكون مالك الفندق وليس شركة الإدارة .
العقود مع شركات الأمن أو النظافة وغيرها
يحدث أن تتعاقد جهة مع شركة للأمن أو لأعمال النظافة على أن تتولى بواسطة عمالها تلك الأعمال .
والأصل أن العقد في هذه الحالة يعتبر عقد مقاولة أو تقديم خدمات بين الجهة المتعاقدة وشركة الأمن أو النظافة ، ومن يتولون القيام بتلك الأعمال يعتبرون عمالاً لدى الشركة الأخيرة، ولكن يجب ألا يكون ذلك ستاراً يخفي خلفه علاقة عمل بين الجهة المتعاقدة وهؤلاء العمال ، أي أن تكون شركة الأمن أو النظافة في الواقع جهة توريد عمال .
فإذا ثبت أن الجهة المتعاقدة تمارس فعلاً على هؤلاء العمال مباشرة سلطات الإشراف والتوجيه والتأديب ، فإن علاقة العمل الحقيقية تكون بين تلك الجهة والعمال أي تصبح تلك الجهة صاحبة العمل وليس شركة التوريد ، ويصبح العقد بين صاحب العمل وشركة النظافة أو الأمن عقد توريد عمال ، أما علاقة العمل فتقوم بين هؤلاء العمال وصاحب العمل .
فمتى توافر عنصر الخضوع والتبعية في العلاقة بين العمال والجهة التي يمارسون نشاطهم فيها أو لديها يكون العقد عقد عمل بينهما ، ولا ينال من ذلك أن تتولى شركة الأمن أو النظافة سداد أجور العمال إذ تعتبر حينئذ وكيلاً عن صاحب العمل في الوفاء بالأجر ، وقد يمثل ذلك ضماناً للعمال ، أما إذا كانت الجهة المتعاقدة توجه تعليماتها إلى شركة الأمن أو النظافة مباشرة فإن علاقة العمل تكون بين الشركة الأخيرة والعمال .
تحديد صاحب العمل في مجموعة الشركات
إذا تعاقد العامل مع شركة لا تتمتع بالاستقلال الاقتصادي لأنها تخضع لسيطرة ورقابة شركة أخرى ، أو مع شركة تسيطر وتخضع لها عدة شركات أخرى ، فهل يعتبر صاحب العمل الشخص المعنوي الذي تعاقد مع العامل ، أم أن تحديد صاحب العمل يتم في ضوء الوحدة الاقتصادية التي ترتبط بها مجموعة الشركات، وتبدو أهمية هذه المسألة في ظل انتشار ظاهرة الشركات متعددة الجنسية أو وجود شركة أم تسيطر على عدة شركات وليدة ، كما يحدث في مجال العديد من شركات البترول ، وغيرها من الشركات الصناعية الضخمة .
ففي هذه الشركات تتمتع كل شركة بشخصية معنوية مستقلة من الناحية القانونية ، أما من الناحية الإقتصادية والإجتماعية فتوجد وحدة اقتصادية بين مجموعة الشركات بحيث تقوم كل منهما بدورها في المجموعة الاقتصادية ، فتختص أحداها بعمليات التمويل ، والأخرى في عمليات الإنتاج والثالثة في عمليات التسويق وهكذا وتخضع جميعاً لسياسة اقتصادية واحدة وتترابط تماماً فيما بينها .
طبقاً للتحليل القانوني التقليدي ، نوجد في مواجهة عدة أشخاص معنوية يتمتع كل منها بالشخصية القانونية المستقلة ، ومن ثم فإن صاحب العمل هو الشركة التي يتعاقد معها العامل ، ولا توجد أدنى علاقة قانونية بين الشركات الأخرى بالمجموعة والعامل ، فصاحب العمل هو الشركة التي تعاقدت على تشغيل العامل وتتولى الوفاء بأجره .
ويذهب الفقه والقضاء المقارن إلى أن الطابع الواقعي لقانون العمل يسمح بتخطي الشكل القانوني للشركة للاعتداد بالحقيقة الإقتصادية التي تربط في وحدة وتناسق مجموعة الشركات ، كما أن قانون العمل يرتبط بالضرورة بالأوضاع الاقتصادية للمشروع مما يجعل من الصعب تجاهل واقع مجموعة الشركات أو حقيقة العلاقة بين الشركة الأم والشركات الوليدة ، وأخيراً فإن الحداثة النسبية لقانون العمل تتيح له أن يعتد بسهولة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة .
ولا صعوبة في ضرورة الاعتداد بالوحدة الاقتصادية لمجموعة الشركات إذا كان تقسيم المشروع إلى عدة أشخاص معنوية قد استهدف التحايل على القانون للتهرب من الأحكام الآمرة لقانون العمل ، فقد يستهدف توزيع العمل على عدة شركات عدم وصول عددهم في شركة واحدة للحد الذي يجعل تلك الشركة ملزمة ببعض الالتزامات التي لا تسري إلا في حالة وصول عدد العمال إلى حد معين مثل الالتزام بالعلاج أو إنشاء دور الحضانة .
ولتحديد صاحب العمل في مجموع الشركات يجب التفرقة بين حالة الشركات المتداخلة ، والشركات المتميزة كل منها عن الأخرى .
فإذا كانت الشركات التي تدخل في المجموعة تتداخل وتختلط فيما بينها بحيث يصعب على العامل التمييز بينها بالرغم من تعدد الشخصية المعنوية ، فإن فكرة وحدة المشروع تلعب دوراً هاماً في تحديد صاحب العمل. فمجموعة الشركات تعتبر مشروعاً واحداً منذ أن تختلط الشركات في نظر العامل .
ولكن متى تتداخل أو تختلط تلك الشركات بحيث تعتبر مشروعات واحداً في إطار علاقات العمل .
يتحقق ذلك بالنسبة للعامل إذا كان مركزها الرئيسي واحداً ، ومن وحدة الخطوط التليفونية ونظام المعلومات والاتصالات ، والأوراق والمكاتبات التي تصدر من المجموعة ، ومن وحدة إدارة شئون الأفراد ومن تداخل الأنشطة والمصالح ، فالاندماج الواقعي يغطى ويستغرق الانفصال القانوني .
وفي هذه الحالة يحق للعامل أن يرجع بحقوقه على أي شركة من شركات المجموعة ، فهو لا يستطيع أن يرجع على المجموعة ذاتها لأنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية ، فله أن يرجع على أي شركة من شركات المجموعة أي يتعدد صاحب العمل بالنسبة له ، ويكونون مسئولين بالتضامن فيما بينهم عن الوفاء بالالتزامات الناشئة عن قانون العمل إعمالاً للمادة الثامنة .
أما إذا كانت الشركات متميزة كل منها عن الأخرى بالرغم من تكوينها لمجموع من الشركات فإنه يثور البحث عن معيار تحديد صاحب العمل .
فمن جهة لا يكفي لإضفاء صفة صاحب العمل الاعتداد بالشركة التي تعاقدت لتشغيل العامل ، فالمتعاقد لا يكون بالضرورة هو صاحب العمل ، ففي إطار مجموعة الشركات كثيراً ما يحدث أن تنشأ شركة بغرض اختيار وتعيين العمال اللازمين لنشاط مجموعة الشركات ككل ولا تمارس تلك الشركة أي نشاط في مجال الإنتاج ، وعلى هذا فإن صاحب العمل يجب يكون الشركة التي تستفيد فعلاً من عمل العامل بالرغم من أنها لم تتعاقد معه .
وإذا كان العامل يمارس نشاطه لخدمة أكثر من شركة داخل المجموعة فإن إبرامه لعقد عمل مع أحداها لا ينفي إمكان تعدد صاحب العمل ، بحيث يحق للعامل المطالبة بحقوقه في مواجهة الشركة الأخرى التي لم يتعاقد معها وإنما عمل لحسابها ، أي تسأل أمامه الشركتان باعتبار أنه يعمل لحسابها بالرغم من أنه لم يتعاقد إلا مع أحداهما .
ومن ثم فإن مجرد التعاقد مع العامل ليس بالمعيار الكافي لتحديد صاحب العمل ، ومن جهة أخرى ، فإنه في مجال مجموعة الشركات لا يكفي لتحديد صاحب العمل ، أن يكون هو من يلتزم بأجر العامل ، فذلك ليس بالمعيار الحاسم ، فقد تسترد إحدى شركات المجموعة من الشركة الأخرى أجور ما تنفعه من العمال الذين يقومون بعمل معين .
وإنما يجب أن يتحدد صاحب العمل في ضوء فكرة التبعية القانونية معيار عقد العمل .
فصاحب العمل هو من يمارس الرقابة والسلطة على العامل في عمله ، فيجب البحث عمن يمارس سلطة التوجيه والرقابة على العامل ، ويتم ذلك من خلال شروط وظروف تنفيذ العمل من الناحية الفعلية والواقعية ، فلا يصح الوقوف عند الشكل القانوني لمجموعة الشركات ، بل يجب تخطى ذلك للبحث عمن يدين له العامل بالتبعية القانونية ، فالعبرة في تحديد صاحب العمل بالتوصل إلى تحديد الشركة التي تملك سلطة إصدار الأوامر للعامل ، والتي يلتزم العامل تجاهها بتقديم حساب عن أعماله .
فتكون الشركة الأم صاحب العمل إذا كانت تملك فعلاً سلطة التوجيه والإشراف بالنسبة لعمال الشركة الوليدة ، التي تكون قد تعاقدت مع العمال وتدفع لهم الأجور ، فالعبرة في تحديد صاحب العمل بمن تتوافر تجاهه التبعية القانونية ، ويتجه القضاء الفرنسي إلى تعدد صاحب العمل ، الشركة الأم والشركة الوليدة وذلك لتوفير الحماية الكافية للعامل ، عن طريق تعدد المدينين له ، ولعدم الخوض في تحديد طبيعة العلاقة بين الشركة الأم والشركة الوليدة عند القول بضرورة تحديد صاحب عمل واحد منهما .
ولكن الاقتصار على معيار التبعية القانونية يغفل ظروف مجموع الشركات التي ترتبط بوحدة اقتصادية تنطوي على تبعية اقتصادية من الشركات الوليدة تجاه الشركة الأم ، وثم يجب الاعتداد إلى حد ما بفكرة السيطرة المالية والاقتصادية أو سلطة اتخاذ القرار الاقتصادي في إطار مجموع الشركات تحقيقاً لمصحة العامل من جهة واقتراباً من الواقع من جهة أخرى .
فالسياسة الاقتصادية لمجموع الشركات والتي تمليها الشركة الأم ، قد تؤثر مباشرة في سياسة العمالة وإدارة شئون الأفراد بالنسبة للشركة الوليدة ، ولهذا لا يجب إغفال دور الشركة الأم ، فإذا كانت سياسة تخفيض العمالة قد تمت بناء على قرار صادر من الشركة الأم ، وكان إعسار الشركة الوليدة يهدد بعدم حصول العمال المسرحين على التعويضات المناسبة ، فلا يمكن إغفال أن إنهاء عقود العمل يرجع إلى السياسة الاقتصادية التي فرضتها الشركة الأم ، ويكون من المقبول إلزام الشركة الأم بالتعويض .
وكذلك فإن وجود مجموع الشركات يؤثر في العلاقات العقدية بين الشركة الوليدة وعمالها ، فإذا أغلقت الشركة الوليدة أبوابها بناء على قرار الشركة الأم وذلك لتحسين الإنتاج وضغط النفقات ، فإننا نكون بصدد حالة مشابهة لحالة إعادة تنظيم المشروع الواحد لتحسين الإنتاج بحيث يستحق العامل الحقوق التي قد تقررها اتفاقات العمل الجماعية عند إنهاء عقد العامل لإعادة تنظيم المنشأة وتحسين الإنتاج ، فتكييف القرار الذي تتخذه الشركة الوليدة لا يتم بمعزل عن موقف وسياسة الشركة الأم التي تفرض قراراً اقتصادياً يؤثر في سياسة العمال للشركة الوليدة ، فالوحدة الواقعية بين الشركتين تبرر اعتبارهما مشروعاً واحداً .
فيجب من جهة عدم إغفال فكرة التبعية القانونية والارتكان إلى التبعية الاقتصادية ، ولكن يجب كذلك البحث عن تأثير القرار الاقتصادي للشركة الأم على سلطة التوجيه والإدارة للشركة الوليدة ، وبعبارة أخرى سلطها في إملاء سياسة إدارة الموارد البشرية عن طريق ما تفرضه من قرارات اقتصادية . فالسلطة الإدارية والفعلية على العامل تتأثر بالسلطة الاقتصادية التي تمارسها الشركة الأم على الشركات التابعة لها ، ولهذا فإن التبعية الاقتصادية بمفردها لا تكفي وإنما يجب البحث عن أثر التبعية الاقتصادية على سياسة العمالة التي تتخذها الشركة الوليدة ، وبهذا يتحدد صاحب العمل بأنه المتبوع صاحب اليد الطولى في إملاء سياسة العمالة ، وليس فقط من يتخذ القرارات التنفيذية لتلك السياسة .
تحديد صاحب العمل بالنسبة لعمال المقاول من الباطن
المقاولة من الباطن هي العملية التي بموجبها يعهد المقاول الأصلي وتحت مسئوليته ، إلى شخص آخر يسمى المقاول من الباطن ، بكل أو جزء من عقد المقاولة الذي أبرمه مع رب العمل .
وتلك العملية تدخل في إطار العلاقات الثلاثية في القانون المبنى لأننا نوجد بصدد ثلاثة أطراف وهم رب العمل ، والمقاول الأصلي ، والمقاول من الباطن .
وفي مجال قانون العمل فإن المقاول من الباطن هو صاحب العمل بالنسبة للعمال الذين يستخدمهم لإتمام عملية المقاولة من الباطن ، فالمقاول من الباطن هو الذي يختار العمال، ويدفع أجورهم ويتولى الإشراف والسلطة عليهم ، بالرغم من أن العملية كلها تتم داخل منشأة أو في موقع أعمال المقاول الأصلى فلا صلة بين المقاول الأصلي أو رب العمل وعمال المقاول من الباطن ، لأن المقاول من الباطن وحده هو صاحب العمل .
ولضمان حصول عمال المقاول من الباطن على أجورهم نصت المادة 1/664 من القانون المدني على أنه يكون لعمال المقاولين من الباطن حق مطالبة كل من المقاول الأصلي ورب العمل مباشرة بحقوقهم بما لا يجاوز القدر الذي يكون مديناً به أياً منهم تجاه المقاول من الباطن .
أما المادة الثامنة من قانون العمل فقد جاءت صياغتها معيبة فلم تعبر تعبيراً دقيقاً عن قصد المشرع ، فوفقاً لهذه المادة يكون المتنازل لهم عن العمليات كلها أو بعضها متضامنين مع صاحب العمل في الوفاء بالالتزامات التي يفرضها قانون العمل ، ويفهم منها أن المقاول من الباطن يكون مسئولاً بالتضامن مع صاحب العمل ، ويقصد المشرع المقاول الأصلي ، لأن صاحب العمل كما رأينا هو المقاول من الباطن ، وقد يقصد المشرع أن يواجه صورة ما إذا كان المقاول الأصلي قد ألزم المقاول من الباطن باستخدام عمال الأول في تنفيذ العملية ، وفي تلك الحالة تكون العبرة في تحديد صاحب العمل بمن يباشر السلطة والإشراف على العمال ، والواقع أن الصورة الأخيرة تقترب من مسألة ندب العمال وهذه ما ندرسها فيما يلى .
تحديد صاحب العمل في حالة ندب العامل
وتثور مشكلة تحديد صاحب العمل في حالة ندب العامل إلى جهة أخرى ، ويتميز الندب بأنه ذات طابع مؤقت بعكس النقل الذي يعني الإنتقال الدائم إلى جهة أخرى ، والندب لا يؤدي إلى فصم علاقة العمل الأولى بصرف النظر عما إذا كان الندب يتم باتفاق جديد أو بدونه .
قد تضع شركة مؤقتاً تحت تصرف شركة أخرى ترتبط بها من الناحية القانونية ، عدداً من العمال للمساعدة في تحقيق إنتاجية عالية أو مميزة ، أو أن تلحق شركة من الشركات المتخصصة في إنتاج المعدات الفنية المتميزة عدداً من مهندسيها لتشغيل الأجهزة خلال فترة زمنية لدى المشتري لتلك الأجهزة ، أو القيام بتدريب عمال المشتري على استخدام وصيانة تلك الأجهزة .
وفي الغالب فإن صفة صاحب العمل تظل للشركة الأولى التي نسبت العامل ، فالشركة الثانية إذا كانت تمارس سلطات على العمال فإن ذلك يكون باعتبارها مفوضة أو ممثلة للأولى في هذا المجال .
ولكن الحل يختلف إذا كانت الشركة الثانية قد أبرمت عقد عمل مع العمال الذين ندبوا أو ألحقوا العمل بها ، ويحدد العقد شروط وظروف العمل خلال فترة الندب وأجر العامل ، ويحدث هذا إذا كان الندب ممتداً لفترة طويلة نسبياً ففي هذه الحالة تمارس الشركة المستفيدة من خدمات العامل ، أي تم النسب إليها سلطات الإشراف والتوجيه بصفة مستقلة ، وتكون هي المدين بالأجر ومن ثم تتمتع بصفة صاحب العمل .
وهذا لا يعني أن يصبح للعامل أكثر من صاحب العمل ، الشركة التي نسبته والشركة المستفيدة من خدماته ، وإنما يكون صاحب العمل هو الشركة المستفيدة من خدماته ، ويوقف عقد عمله مع الشركة الأولى إلى حين انتهاء الندب .
العامل
عرفت المادة الأولى من قانون العامل بأنه "كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب عمل وتحت إدارته وإشرافه ".
ويستفاد من هذا التعريف أن العامل لابد وأن يكون شخصاً طبيعياً أي لا يمكن أن يكون شخصاً معنوياً ، ويرجع ذلك إلى أن موضوع قانون العمل هو العمل الإنساني ، ولهذا فإن هدف قانون العمل هو حماية الطابع الإنساني والاجتماعي للعمل ، ومن ثم لا يعقل سريانه إلا على الإنسان ، وليس صحيحاً القول باستبعاد الشخص المعنوي على أساس أن علاقات العمل تفترض قيام العامل ببذل جهد معين وأن الشخص الاعتباري وهو مجرد من الوجود المادي لا يتصور فيه القيام بذلك ، فالشخص المعنوي يمكن أن يتعاقد للقيام بمقاولة لحساب رب العمل ، وعقد المقاولة يرد على العمل ، فأساس الإستبعاد يكمن في الطابع الإنساني لقانون العمل ومن ثم لا يخضع له العامل من غير الإنسان .
والعامل لا يقيد بأي وصف ، بمعنى أنه قد يقوم بعمل مادي أو عمل ذهني ، فالعبرة بأن يعمل في خدمة صاحب العمل وبصرف النظر عن نوع العمل ، أي أياً كان هذا العمل سواء من حيث نوعه أو درجته أو مدى ارتقائه في السلم الوظيفي ، ولا يؤثر في صفة العامل ارتباطه بأكثر من عقد عمل أو قيامه بعمل مستقل إلى جانب ارتباطه بعقد العمل .
وبناء عليه فكل من يعمل تحت إشراف الغير يعتبر عاملاً بصرف النظر عن مركزه الاجتماعي أو ظروفه الاقتصادية ومدى ثقافته .
العامل والمستخدم والموظف :
لا يفرق قانون العمل بين طوائف العمال بصرف النظر عن التسمية التي تطلق على من يمارس عملاً معيناً فيكفى توافر التبعية والأجر للخضوع لقانون العمل دون النظر لنوع العمل أو تسمية من يقوم به .
ولقد لجأ المشرع إلى إطلاق لفظ العاملين على من يعمل في الحكومة والقطاع العام ، أي أقلع في استعمال لفظ موظف أو مستخدم .
ولكن التفرقة بين العامل والموظف تظهر في بعض المجالات في غير قانون العمل فتظهر في مجال قانون شركات المساهمة حيث تخصص مقاعد في مجلس الإدارة للعمال وأخرى للموظفين ، كما تبدو أهميتها في مجال القانون المدني حيث يتقادم أجر المستخدم بمضي خمس سنوات (مادة 385 / 1) في حين أن أجر العامل يتقادم بمضي سنة واحدة (387/ب) .
ويجب في مجال قانون العمل عدم التفرقة بين العامل والمستخدم ، فهذه التفرقة أصبحت مهجورة .
ويبين مما سبق أن عقد العمل يتميز بخصيصتين أساسيتين هما : التبعية والأجر ، بحيث لا يقوم إلا بهما مجتمعين .
عنصر التبعية
رأينا أن القانون يستلزم في تعريف عقد العمل أن يعمل العامل في خدمة صاحب العمل تحت إشرافه وإدارته ، ويطلق على العمل تحت إشراف وإدارة صاحب العمل شرط أو عنصر أو رابطة التبعية ، وتعتبر العنصر الأول في عقد العمل .
وندرس المقصود بالتبعية ، ثم دورها في التمييز بين عقد العمل وبعض العقود الأخرى .
المقصود بالتبعية
أهم ما يتميز به عقد العمل هو وجود رابطة تبعية بين العامل وصاحب العمل ، ويثور التساؤل عن ماهية هذه الرابطة ، فقد أخذت فكرة التبعية في بادئ الأمر مفهوماً اقتصادياً ، ثم اتخذت طابعاً قانونياً ، وأخيراً عادت فكرة التبعية الاقتصادية تطل برأسها حتى تؤثر في المفهوم القانوني للتبعية ، وندرس هذا فيما يلي :
التبعية الاقتصادية
ذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى أن تحديد التبعية يتم بالنظر إلى المركز الاقتصادي والاجتماعي لمن يقدم العمل ، فتتوافر التبعية الاقتصادية إذا ما كان العمل هو المصدر الوحيد أو الأساسي لرزق من يقدم العمل ، وإذا كان صاحب العمل يستخدم بصورة منتظمة وكلية نشاط من يقوم بالعمل .
فالتبعية الاقتصادية تكفي لجعل من يقدم العمل تابعاً لمن يستفيد من عمله ويأخذ على عاتقه المخاطر .
فالتبعية الاقتصادية تقوم على عنصرين : الأول أن يكون الدخل الناتج من العمل هو مصدر الرزق الرئيسي لمن يقوم بالعمل ولا داعي للبحث عن وجود سلطة على الأخير من قبل صاحب العمل ، فالوضع الاقتصادي والاجتماعي هو أساس التبعية. والعنصر الثاني أن يقدم العامل كل نشاطه لخدمة صاحب العمل ، والذي يلتزم بدوره بأن يوفر له عملاً منتظماً يعتمد عليه كمصدر لرزقه .
ويتميز هذا المعيار بأنه يؤدي إلى التوسع في نطاق تطبيق قانون العمل ، ومن ثم يقدم الحماية القانونية لأكبر عدد من الأفراد ، فيخضع للقانون من يتمتع باستقلال في تنفيذ العمل طالما أنه يتعيش من هذا العمل .
ولكن يؤخذ على هذا المعيار أنه أقل وضوحاً من التبعية القانونية القائمة على الإشراف والتوجيه ، فلا يمكن أن نحدد بسهولة متى تبدأ التبعية وأين تنتهي ، وفي العصر الحاضر فإن الدخل الناتج عن العمل هو مصدر رزق الغالبية العظمى من البشر وكل شخص ينتظر من يقدم له عملاً ليتعيش من الدخل الناتج منه ، فالطبيب والحرفي والمحامي ينتظرون من يطلب منهم أداء عمل له .
ويؤخذ عليه أيضاً أن تحديد طبيعة العقد تتوقف على الوضع الاقتصادي للمتعاقدين ، كما أن هذه الفكرة تؤدي إلى إحلال فكرة الروابط العمالية محل العقد ، فحلول التبعية الاقتصادية محل التبعية القانونية والارتكان إلى مجرد العمل لمصلحة مشروع يؤدي إلى أن تصبح إرادة الأطراف غير ذي بال عند تحديد النظام القانوني للعلاقة .
وإذا كانت هذه الفكرة تستهدف حماية بعض الطوائف الضعيفة اقتصادياً والتي ترتبط ببعض رجال الأعمال ودون أن تتوافر التبعية القانونية ، مثل الحرفي الذي يعمل في منزله ويورد منتجاته بصفة منتظمة إلى أحد أصحاب الأعمال ، إلا أنها تؤدي إلى طغيان عقد العمل على غيره من العقود لأن الدخل الناتج عن العمل أصبح الطابع المميز للاقتصاد المعاصر .
التبعية القانونية
يقصد بالتبعية القانونية أن يكون العامل تحت سلطة صاحب العمل ويخضع لإشرافه وتوجيهه في تنفيذ العمل ، فهو يراقبه في أداء العمل ويتحقق مما قام به من عمل .
وهذه السلطة تعتبر المقابل المنطقي لعدم تحمل العامل بأي مخاطر اقتصادية يواجهها المشروع ، والتبعية القانونية هي التي تفسر التدخل التشريعي إلى جانب العامل لتوفير الحماية اللازمة له ، فموضوع عقد العمل ومن أهم آثاره وضع العامل في علاقة تبعية وخضوع بالنسبة لصاحب العمل ، وذلك سواء فيما يتعلق بإبرام العقد أو انحلاله أو تنظيم العمل .
ولقد أخذ المشرع المصري بهذا المفهوم التبعية ، في تعريف عقد العمل سواء في إطار القانون المدني أم قانون العمل ركز المشرع على ضرورة أن يكون العامل في خدمة صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه ، وهذا يقطع بأنه لا يكتفي بالتبعية الاقتصادية بل لابد من توافر علاقة أكثر تحديداً وهي التبعية القانونية .
كما أن الأخذ بهذه الفكرة مستفاد من المادة 676 مدني والتي تعتبر العلاقة بين أرباب الأعمال والوسطاء كالطوافين ومندوبي التأمين علاقة عمل بشرط تبعيتهم لأرباب الأعمال وخضوعهم لرقابتهم .
التبعية الفنية والتبعية التنظيمية والإدارية تعتبر من قبيل التبعية القانونية : -
العبرة بالتبعية القانونية بصرف النظر عن مظاهرها. فمظاهر التبعية قد تتخذ عدة صور تتفاوت في قوتها .
فهناك التبعية الفنية ويقصد بها خضوع العامل للإشراف والتوجيه الكامل الرب العمل في كافة دقائق العمل وتفصيلاته ، ويحدث ذلك إذا كان صاحب العمل يحترف الحرفة التي يستخدم فيها العامل ، فصاحب الورشة الميكانيكية الذي يعمل بنفسه في ورشته يشرف فنياً على عماله حيث يوجه كل منهم إلى ما يقوم به فنياً ويشرف على عمله ويراقب بدقة ما قام به .
وهناك التبعية التنظيمية أو الإدارية حيث لا يشرف صاحب العمل على العامل في عمله من الناحية الفنية أما لأن صاحب العمل لا خبرة له في المجال الفني أو لأي سبب آخر ، ولكن يتولى صاحب العمل تنظيم الظروف المختلفة للعمل وتحديد كافة ظروف العمال من حيث أوقاته ومكانه وقواعد الأجازات .
ويكفي لقيام رابطة التبعية توافر التبعية الإدارية والتنظيمية ولا يستلزم ضرورة توافر التبعية الفنية ، ولقد هجر تماماً الرأي الذي كان ينادي بضرورة أن تكون التبعية فنية لقيام التبعية القانونية . فاشتراط التبعية الفنية يؤدي إلى التضييق في نطاق عقد العمل حيث لن يوجد إلا إذا كان العامل لدى رب العمل في حرفته أو مهنته وهذا التعريف لرب العمل قد هجره بدوره قانون العمل في مصر ، كما أن التبعية الإدارية تربط العامل برب العمل برباط من التبعية لا يمكن إنكاره ، فلو أن رب العمل يتدخل في كل دقائق عمل العامل لكان من السهل عليه أن يستغني عن العامل بل أن كثرة عدد العمال تحول عملاً دون توافر التبعية الفنية دائماً .
ولقد قررت محكمة النقض أن مناط تمييز عقد العمل هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته وذلك ما نصت عليه المادة 674 من القانون المدني، والمادة 29 من قانون العمل القديم ، وأنه يكفي لتحقيق هذه التبعية ظهورها ولو في صورتها التنظيمية أو الإدارية .
ومن مظاهر التبعية قيام صاحب العمل بتحديد أوقات العمل ونظامه وتوليه الإدارة والإشراف الفعلي على العمل .
ويترتب على الاكتفاء بالتبعية التنظيمية كمعيار لتوافر التبعية القانونية إمكان ارتباط صاحب المهن الحرة بعقود عمل بينهم وبين صاحب العمل .
ومن استقراء القضاء المقارن أمكن استخلاص وجود رابطة التبعية من عدة مظاهر .
فتتوافر التبعية عند قيام العامل بتقديم العمل في مكان العمل وأوقاته ، وإذا كان الشخص يعمل دون أن يساعده شخص آخر يتلقى منه أجراً ، وإذا كان يعمل على مواد مسلمة له من قبل صاحب العمل ويعمل تحت رقابته وإشرافه .
والقاضي يستخلص من مجموع الظروف مدى توافر التبعية ، فيعتبر عاملاً من يعمل خارج المنشأة إذا كان يتبع في بيعه للبضاعة خط سير محدد من قبل صاحب العمل ، أما بائع الصحف الذي لا يتبع خطأً معيناً لسيره ويمارس عمله بحرية في قطاع معين لا يعتبر عاملاً ، كما أن عدم الالتزام بالتواجد في أوقات العمل لا ينفي التبعية إذا ما كان العامل يلتزم بأن يتواجد عند أي استدعاء من قبل صاحب العمل، فلاعب الكرة يعتبر عاملاً لدى النادي إذا كان يلتزم بالتوجه إلى النادي عند أي استدعاء ويخضع لإشراف النادي ورقابته .
وإذا كان إحضار صاحب العمل لمواد قرينة على التبعية إلا أن توريد بعض هذه المواد من قبل العامل لا ينفي إمكان وجود رابطة التبعية ، فقد اعتبرت محكمة النقض عاملاً من يقوم بصناعة الأحذية بالرغم من أنه يحضر بعض المواد الأولية معه ويدفع أجراً لمن يعاونه .
ومن الأمور التي تؤخذ أيضاً في الاعتبار اقتصار العامل على تقديم العمل لصاحب العمل ولا يعمل لدى الغير ، فالعامل يكرس كل وقته ونشاطه لتقديم العمل إلى صاحب العمل فقط، ولكن عدم تكريس كل الوقت لصاحب عمل واحد والعمل لدى أكثر من صاحب العمل لا ينفي إمكان وجود رابطة التبعية ، فالعبرة بالخضوع والتبعية خلال العمل المكلف به العامل فلا يوجد ما يمنع بالتالي من توافر رابطة التبعية لدى أكثر من صاحب عمل، فالجمع بين أكثر من عمل، أو بين حرفة أو مهنة حرة وعمل من الأعمال لا يتعارض مع إمكان توافر التبعية القانونية .
ونتعرض بإيجاز لبعض تطبيقات القضاء المصري .
ولقد أثيرت كيفية إعمال هذا المعيار بمظاهره المختلفة في مجال ممارسة الطب والمحاماة .
فإن كل الأصل أنهما يمارسان عملهما بصفة مستقلة فهناك من الحالات ما تسمح بالقول بتوافر التبعية التنظيمية ، ولقد كان المشروع التمهيدي للقانون المدني ينص على أنه يجوز للأشخاص الذين يزاولون مهنة حرة أن يؤجروا خدماتهم حتى ولو كان القيام بهذه الخدمات يقتضي الحصول على شهادة علمية .
فالطبيب الذي يتعاقد مع مستشفى للعمل بها يعتبر عاملاً بها ، متى توافرت مظاهر التبعية الإدارية والتنظيمية ، مثل تحديد أوقات العمل ونوعه ومكانه والإشراف عليه وتوقيع الجزاءات ويضاف إلى ذلك تقاضى مرتب شهري ثابت فالعبرة بتوافر التبعية التنظيمية من مجموع هذه الظواهر المتعددة ، ويجب أن ينظر إلى كل حالة على حدة لاستخلاص توافر التبعية فليس هناك ما يمنع مثلاً من توافر التبعية حتى ولو كان الطبيب يكشف على مرضى إحدى الشركات في عيادته الخاصة متى كان ذلك برضاء الشركة مع توافر باقي عناصر التبعية ولكن في حالات أخرى قد يكون من عناصر عدم توافر التبعية أن يكشف على المرضى في العيادة وليس في مكان العمل .
ولا يشترط لتوافر علاقة العمل أن يتفرغ الطبيب للكشف على مرضی إحدى الشركات مثلاً ، فيكفي أن يتم الكشف عليهم في مواعيد محددة ويخضع للتعليمات الإدارية والتنظيمية ، وعلى حد قول محكمة النقض فإنه لا ينفي حق الطبيب كونه يشتغل في مستشفيات أخرى وله عيادة ، إذ أن القانون لا يشترط في عقد العمل التبعية الاقتصادية .
إذا كانت المحاماة ليست مجرد مهنة لطلب الرزق وإنما هي رسالة ودعامة من دعائم تحقيق العدل، فإن المحامي قد يرتبط بعقد العمل متى توافرت التبعية التنظيمية ، مثل المحامي الذي يعمل في الإدارة القانونية لشركة من الشركات فهو يخضع إدارياً لرب العمل من حيث الإشراف والمتابعة والترقي والتأديب .
والمحامي الحر صاحب المكتب الخاص يمكن أن يرتبط في نفس الوقت بعقد عمل متى توافرت عنصر التبعية التنظيمية مثل التردد على الشركة في أوقات معينة ، والخضوع لقواعد الأجازات والتأديب ، فلا يمنع من ذلك عدم التفرغ لعمل الشركة كما أوضحنا بالنسبة للطبيب .
أما إذا انتفت صفة التبعية الإدارية كما لو تعاقد محام مع شركة على تقديم الاستشارات القانونية التي تطلبها منه ومباشرة القضايا التي تطلب منه رفعها فإن العلاقة لا تكون علاقة عمل
فيجب باختصار البحث بدقة في مدى توافر مظاهر التبعية التنظيمية .
ويسري ما قلناه بصدد الطبيب والمحامي على غيرهما من أصحاب المهن الحرة مثل الفنان . .
وقضى بعدم وجود علاقة عمل بين شركة التأمين والمنتجين المرتبطين بها بعقود وكالة بالعمولة لعدم خضوعهم في تنفيذ عملهم لإشرافها ورقابتها .
ضرورة المزج بين التبعية الاقتصادية والتبعية القانونية
ويذهب الفقه الحديث إلى أن المقصود بالتبعية هو مجموع الظروف المتنوعة التي تسمح بالتأكيد أن من يقدم العمل يعتبر عنصراً من العناصر الإنسانية التي تحتل مكاناً في مشروع لا يقوم هو بتنظيمه ، فالعامل هو الشخص الذي ينتمي إلى مشروع ، فلا يوجد عمل خاضع إذا كان الشخص يعمل في مشروعه هو وليس في مشروع غيره من الأشخاص .
فالتبعية هي الانتماء أو المشاركة في مشروع الغير ، فالعامل هو من يحتل مركزاً في مشروع أياً كانت درجة استقلاله في تنفيذ العمل ، ولكن مجرد أنه يشغل مركزاً معيناً داخل المشروع يفرض عليه الخضوع للالتزامات والتعليمات التي يستلزمها سير المشروع .
ويتميز هذا المعيار بأنه لا يستلزم إلا قدراً ضئيلاً من الرقابة من جانب صاحب العمل للقول بتوافر التبعية ، فالعامل يعمل لمصلحة الغير وفي إطار التنظيم الذي يضعه هذا الأخير وطبقاً للتوجيهات العامة التي يصدرها صاحب العمل ، فيكتفي أن يشترك الشخص في مشروع الغير ولحسابه حتى تتوافر التبعية .
ومن ثم يصبح تحديد مدى توافر التبعية متروكاً لحدس القاضي وما يستشعره دون أن يتقيد بعناصر معينة محسوسة .
ولقد لاحظ أنصار هذه الفكرة أنه لا مفر من رفض فكرة التبعية الاقتصادية في صورتها المطلقة ، فليس هناك من يعتبر مستقلاً اقتصادياً تماماً ، ومن ثم يصعب معرفة من أين تبدأ التبعية وأين تنتهي ، ولكن لا يجب إغفال أهمية هذا المعيار من حيث أنه يؤدي إلى التوسع في نطاق تطبيق قانون العمل بما يوفر الحماية للعمال .
ولهذا فقد حرص القضاء عند تحديده لفكرة التبعية أن يضع ضوابط وإيضاحات لمعيار التبعية الاقتصادية بما يكفل له حدوداً معقولة . ففي الوقت الذي تعاظمت فيه فكرة النظام العام الاجتماعي كان من المنطقي أن يضع القضاء نصب أعينه التوسع في نطاق تطبيق قانون العمل ، ولكن يجب أن يتم التوسع في إطار معقول وواضح ، والمعيار الحقيقي الذي أخذ به وسمي خطأ بالتبعية القانونية هو في حقيقة الأمر معيار التبعية الاقتصادية القائم على ضوابط واضحة وحدود معقولة . .
ففي الوقت الذي استبعد فيه القضاء معيار التبعية الاقتصادية، فإنه عاد وأخذ بنفس الفكرة ودون أن يذكر ذلك صراحة وذلك بالبحث عن الانتماء إلى المشروع .
فتتبع أحكام القضاء يكشف عن حالات تقرر فيها توافر التبعية بالرغم من التمتع بحرية واضحة في تنفيذ العمل .
فما أخذ به القضاء هو في حقيقة الأمر معيار التبعية الاقتصادية القائم على ضوابط يسيطر عليها القاضي حتى يظل للمعيار طابعه القانوني ، والاستمرار في استعمال اصطلاح التبعية القانونية يرجع إلى أنه لم يتم بعد العثور على اصطلاح أكثر ملاءمة ، ولكن فحواه أصبح اصطلاحياً يستمد مضمونه من القضاء،دون أن يكون الاصطلاح في حد ذاته معبراً .
فالمعيار يكمن في فكرة الانتماء أو المشاركة في مشروع الغير ، فالتبعية الاقتصادية وحدها لا تكفي وإنما يجب أن توجد عناصر تكشف عن المشاركة في مشروع الغير ، فليحصل الشخص على رزقه أما أن يقبل بأن يخضع للغير وأما إلا يقبل ذلك ويعمل لحساب نفسه ، والخيار في حد ذاته يعتبر خياراً اقتصادياً لا يقرره إلا صاحب الشأن نفسه ولا يصح أن يحل محله القاضي في ذلك، ولكن إذا تدخل القاضي في حالة الشك حول الإرادة الحقيقية للشخص فإن عليه أن يكشف حقيقة هذه الإرادة .
فالتبعية الاقتصادية لم يعد يقصد بها فقر العامل ، وإنما يجب أن تؤخذ بمفهوم اجتماعي واقتصادي معاصر ، فيجب أن تجدد بالنظر للأعباء الاجتماعية والوضع الاجتماعي . فكل مشروع يستخدم الوسائل البشرية يلتزم بأن يقدم الضمانات إلى هؤلاء الأفراد، فالتبعية الاقتصادية أصبحت معياراً فنياً يمكن عن طريقه تحديد وضع كل شخص في التنظيم الاجتماعي .
ويتميز هذا الاتجاه الأخير بأنه يتفادى ما يؤدي إليه معيار التبعية القانونية بمعناه التقليدي من إخضاع العمال لقانون العمل بصرف النظر عن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي ، ومن إخضاع الأفراد لنظم مختلفة بالرغم من تشابه أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية .
فلا مناص من مزج التبعية القانونية والتبعية الاقتصادية لاستخلاص معیار عقد العمل ، فلا يمكن الفصل بينهما ، وفكرة الإنتماء إلى خدمة منظمة ومدی التعرض لمخاطر وأرباح المشروع تحقق الجمع بينهما .
دور عنصر التبعية في التمييز بين عقد العمل وغيره من العقود
يثور التساؤل أحياناً حول تحديد التكييف القانوني الصحيح للعقد محل النزاع. فقد يتضمن العقد نصوصاً يقصد بها إظهاره على خلاف الواقع حتى لا يتضمن العناصر اللازمة لوجود عقد العمل، وفي هذه الأحوال فإن العقد الظاهر يعتبر عقداً صورياً الغرض منه عدم الخضوع لقانون العمل وما يترتب على علاقة العمل من تحمل صاحب العمل بأعباء مالية معينة سواء طبقاً لما ينص عليه قانون العمل أم قانون التأمين الاجتماعي، وفي أحيان أخرى فإن الصورية تأخذ صورة عكسية بمعنى أن يكون الظاهر عقد عمل في حين تكون العلاقة الحقيقية علاقة وكالة مثلاً، ويقصد من ذلك استفادة الشخص من أحكام قانون العمل وقانون التأمين الاجتماعي. ولتفادى هذا فإن قانون التأمين الاجتماعى يشترط السريان تأمين العجز والشيخوخة الاشتراك لمدة لا تقل عن حد معين .
ومن المستقر أن العبرة في تكييف العقد بحقيقة الواقع والنية المشتركة التي اتجهت إليها إرادة المتعاقدين دون الاعتداد بالألفاظ التي وردت في هذه العقود والتكييف الذي أسبغه الطرفان عليها، فالقاضي هو الذي يختص بتحديد الوصف القانوني الصحيح للعقد .
فتكييف العقد مسألة قانونية ولا تلعب إرادة المتعاقدين أي دور في الإعفاء من الخضوع لقانون العمل مثل الحرص على وصف العقد بأنه وكالة أو مقاولة، فلا يعتد بما يطلقه المتعاقدان من أوصاف على العقد، وهذا التكييف يتعلق بالنظام العام من حيث أن عقد العمل هو الشكل القانوني الوحيد الذي يضع الشخص في علاقة خضوع وتبعية مع شخص آخر .
وقد لا تتعلق الصورية بالعقد ككل وإنما ببعض الأحكام الخاصة للتهرب من بعض الالتزامات القانونية مثل وصف عقد غير محدد المدة بأنه عقد محدد المدة .
وإذا كانت الصورية في مجال من المجالات أصبحت ما يجري عليه العمل، فإن المشرع يضطر للتدخل لإسباغ الوصف الصحيح على العقد، وهذا ما فعله المشرع في المادة 676 من القانون المدني بشأن الممثلين التجاريين وغيرهم ممن نص عليهم في هذه المادة .
والمناط في تكييف عقد العمل وتمييزه عن غيره من العقود هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته .
يثور الخلط بين عقد العمل وعقود المقاولة والشركة والوكالة ، وندرس فيما يلي أسس التفرقة بين عقد العمل وهذه العقود .
عقد العمل وعقد المقاولة
كثيراً ما يقع الخلط بين عقد العمل وعقد المقاولة نظراً للتقارب الكبير في عناصرهما ففي كل من العقدين يلتزم أحد طرفيه بأن يعمل أو يقدم نتاج عمله وفي كل منهما يكون العمل بمقابل .
ويكتسب التمييز بين العقدين أهمية كبيرة من حيث أن العامل وحده هو الذي يخضع لقانون العمل، أما المقاول فهو لا يخضع لقانون العمل ولا يستفيد من أحكامه ومزاياه .
والمعيار الحاسم والرئيسي للتفرقة بين العقدين يكمن في فكرة أو عنصر التبعية، فإذا كان العامل يعمل تحت إشراف وتوجيه صاحب العمل إلا أن المقاول يعمل في حرية واستقلال وبعيداً عن توجيه وإشراف رب العمل، فموضوع عقد العمل هو العمل التابع، أما موضوع عقد المقاولة هو العمل الحر المستقل، ولهذا فإن عنصر التبعية لم يرد في تعريف القانون المدني لعقد المقاولة .
ويجب الاحتياط وتوخي الدقة في استعمال عنصر التبعية للتفرقة بين العقدين، فقد رأينا أن التبعية قد تطور مفهومها بحيث أصبحت تشمل التبعية التنظيمية حتى ولو لم تتوافر التبعية الفنية، ولهذا فإن التبعية أصبحت مخففة إلى حد كبير خصوصاً إذا كان صاحب العمل لا يتمتع بأى دراية فنية في مجال العمل، أما بالنسبة لعقد المقاولة فإن المقاول يخضع لرقابة رب العمل من حيث أنه يلتزم بإنجاز العمل في موعد محدد وطبقا للمواصفات المتفق عليها .
ومع هذا لا يجوز الخلط بين العقدين لأن رقابة رب العمل في عقد المقاولة تتعلق بنتيجة العمل وليس بذات أدائه، ولا يملك رب العمل أن يفرض على المقاول نظاماً معيناً للعمل، فرقابة العمل تتعلق بنتاج العمل فقط، أما طرق تنفيذ العمل فيستقل بها المقاول، أما في عقد العمل إن صاحب العمل يستطيع أن يفرض على العامل طريقة أداء العمل ويعطيه كافة التوجيهات وفي نفس الوقت لا يسأل العامل عن نتيجة العمل طالما أنه قد نفذه طبقاً لتوجيهات صاحب العمل .
فإشراف صاحب العمل في عقد العمل يقع على طريقة إنجاز العمل والقيام به على الأقل من الناحية التنظيمية والإدارية، فعقد العمل يخول صاحب العمل سلطة على شخص العامل بمقتضاه يحدد نظام العمل، أما في المقاولة فرب العمل تقتصر تعليماته على مواد العمل وليس شخص المقاول أو نظام العمل .
وإلى جانب هذا المعيار الرئيسي يمكن الاستعانة ببعض المعايير الأخرى المساعدة، ولكن هذه المعايير الأخيرة بمفردها لا تقدم المعيار الحاسم التفرقة بين عقد العمل وعقد المقاولة .
ومن هذه المعايير :
1 - أن عقد المقاولة ينصب على نتائج العمل أكثر مما ينصب على تقديم قوة العمل، فالتزام المقاول التزام بنتيجة، أما التزام العامل فهو ببذل عناية، ولكن ذلك لا يصدق في كافة الأحوال، ففي عقد المقاولة قد يكون الالتزام ببذل عناية كما يحدث في التزام الطبيب، وبالعكس فقد يكون التعاقد مع العامل للقيام بعمل معين في خلال فترة محددة فهو يضع قوة العمل في خدمة صاحب العمل لتحقيق نتيجة محددة .
2- يقدم المقاول عمله عادة إلى عملائه، أما العامل فهو يقدمه إلى صاحب العمل، فالاستقلال الاقتصادي يستلزم عادة أن يكون تنفيذ العمل لحساب أكثر من عميل. ولكن هذا المعيار بدوره ليس حاسماً، فهناك من العمل من يقدمون خدماتهم إلى عموم أصحاب الأعمال مثل عمال الشحن والتفريغ في الموانئ، وبالعكس فإن بعض المقاولات يقتصر عملها على تنفيذ الأعمال المتعلقة برب عمل واحد، كما لو كان رب العمل يحتكر مجالاً من المجالات مثل إصلاح السكك الحديدية .
3 - يقوم المقاول باستخدام أشخاص للقيام بالعمل المعهود إليه، أما العامل فهو يقوم بنفسه بالعمل .
وهذا المعيار نسبي أيضاً، فاستخدام بعض العمال لعمال آخرين لا ينفي توافر التبعية وعلاقة العمل، وهناك من المقاولين من يقوم بتنفيذ التزاماته بنفسه دون أن يستخدم أحد من الغير .
4- وأهم المعايير هو المعيار الذي يتخذ طريقة تحديد الأجر أساساً له، فإذا حدد الأجر بالزمن كنا بصدد عقد عمل، أما إذا استحق الأجر عند إنجاز العمل كان العقد مقاولة .
وهذا المعيار نسبي أيضاً، فاستخدام بعض العمال لعمال دقيق، لأن الأجر في عقد العمل يمكن أن يحدد بالقطعة أي بالإنتاج، كما أن مستحقات المقاول يمكن أن تحدد بحسب الزمن، ولكن يظهر الفارق من حيث أن العامل يستحق دائماً الحد الأدنى للأجر أياً كان إنتاجه، أما المقاول فقد لا يحصل على أي شيء كما لو هلك الشيء المصنع بقوة قاهرة .
- وتبدو أهمية التفرقة بين التبعية الإدارية والتبعية الفنية بالنسبة لبعض الطوائف، كالفنانين والأطباء بحيث يختلف الرأي حول ما يجب تغليبه منهما .
فالفنان عليه أن يحترم نظام العمل ومواعيده وعلاقته بزملائه، وفي خصوص ذلك تتوافر التبعية الإدارية أما في تنفيذه لصميم عمله، فإن بعض المحاكم الفرنسية ارتأت أن الفنان على خشبة المسرح يتخلص من كل تبعية تجاه صاحب العمل حيث تقتضي سمعته الفنية أن يحتفظ بحريته ولا يطيع سوى مقتضيات الدور الفني والذي لا يعتمد إلا على قدراته ورؤيته الشخصية، وبهذا لا تتوافر علاقة التبعية الفنية، ولقد غلبت بعض المحاكم المصرية التبعية الإدارية على الاستقلال الفني لاستخلاص توافر رابطة التبعية .
ولقد استحصلت المحاكم توافر علاقة التبعية بين الممثل المسرحي والفرقة المتعاقد معها من توافر التبعية التنظيمية إذ أنها كافية لقيام عقد العمل، إذ يقع الفنان من الناحية الفنية تحت إدارة المتعاقد الآخر ورقابته إذ حدد له هذا الأخير على نحو دقيق المطلوب منه واستأثر دونه بكيفية تحقيقه وأرشده إلى الوجه الصحيح للقيام به وذلك بتلقينه التوجيهات في زمان العمل ومكانه ومدته والملابس الخاصة به مهما كانت العبقرية الشخصية التي يظهرها الفنان أثناء العرض والحفل، فبذلك تقوم التبعية التنظيمية والفنية بين العاقدين وهي تكفي لقيام عقد العمل .
وبالنسبة للأطباء فهناك الجانب الإداري في اتباع تعليمات المستشفى كنظام العمل وأوقاته، وهناك الجانب الفني والعلمي الدقيق الذي يستقل الطبيب بالقيام به، ولقد ذهبت محكمة النقض في صدد مسئولية المتبوع عن فعل التابع إلى اعتبار الطبيب تابعاً باستخدامها عبارة الاكتفاء بالتبعية الأدبية، ولهذا يبدو أنها تغلب التبعية الإدارية على الاستقلال الفني .
وبالنسبة لعقود عمل الرياضيين المحترفين ، فإن العقد يبرم بين اللاعب وإحدى النوادي ويربطهما عقد العمل، أما الهواة الذين لا يتقاضون أجراً فإنه لا يربطهم بالنادي عقد عمل وإنما عقد غير مسمى، ولقيام علاقة عمل بين الرياضي المحترف والنادي يجب أن يتوافر عنصر التبعية والخضوع والمتمثل في وجود نظام يفرض على اللاعب الاستجابة وطاعة كل استدعاء سواء للتدريب أو للمشاركة في المباريات واحترام خطة اللعب في المباريات، فإن توافر ذلك فإن العقد يكون عقد عمل مع ضرورة أن يكون هناك أجر، ولكن لا ينفي أو يحول دون وجود عقد العمل أن يكون الأجر أو المقابل متواضعاً، أو أن يكون المقابل مبالغ متفرقة لا تمثل أجراً دورياً، فالعبرة بوجود المقابل مع ضرورة توافر عنصر التبعية .
وعقد العمل الرياضي يكون عادة محدد المدة لعدة مواسم رياضية، وقد يتضمن العقد حق الرياضي في الانتقال من نادي آخر مقابل تعویض يدفع إلى نادیه .
أما فيما يتعلق بالعقد الذي يبرم بين النادي والمدرب أو المدير الفني للفرق الرياضية، فقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كانت اختصاصاته تتمثل في التدريب والإشراف الفني والإداري الكامل على الفريق الأول لكرة القدم وأنه يتمتع بكافة الصلاحيات في اختيار الأجهزة الفنية والإدارية والطبية المعاونة وخلو العقد من تقرير أي حق للنادي في توجيه التدريب أو الإشراف الفني أو الإداري أو الإشراف على طريقة قيامه بهذا العمل يدل على انتفاء عنصر التبعية ويكون العقد عقد مقاولة وليس عقد عمل .
أما من يتولى تدريب أعضاء الفرق الرياضية في النادي فإنه يرتبط مع النادي بعقد عمل حيث يتقاضى من النادي أجراً شهرياً ويخضع للنادي من حيث الإشراف على عمله ومواعيد العمل وأوقات التدريب للأعضاء، فالعبرة بتوافر عنصر الخضوع والتبعية .
عقد العمل وعقد الشركة
تعرف المادة 505 من القانون المدني عقد الشركة بأنه عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي، بتقديم حصته من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ من المشروع من ربح أو خسارة .
ومصدر الخلط بين العقدين يرجع أحياناً إلى أن حصة الشريك في الشركة قد تكون عمله وليس ماله وهذا يقربه من العامل، كما أن أجر العامل يكون أحياناً نسبة معينة من أرباح المشروع وهذا يقرب العامل من الشريك، وما زاد الأمر صعوبة أن العمال يشتركون أيضاً في إدارة المشروع إذا كان في صورة شركة مساهمة في القانون المصري .
والفارق كبير بين أحكام الشركات وأحكام قانون العمل وانعكاسات هذه الخلافات هام في مجالات قانونية أخرى مثل الضرائب .
ومعيار التفرقة أيضاً في فكرة التبعية ، فالشركة تقوم على فكرة المساواة بين جميع الشركاء ، أما عقد العمل فهو يقوم على تبعية العامل لصاحب العمل .
ويجب البحث عن مدى توافر نية المشاركة باعتبارها جوهر عقد الشركة .
ولهذا لا يجب الاعتماد على صورة الأجر كمعيار للتفرقة. فالقانون المدني يسمح صراحة بأن يكون الأجر في صورة نسبة من الأرباح، بل ليس هناك ما يمنع من أن يكون كل الأجر في صورة نسبة من الأرباح مادام عنصر التبعية قد ثبت توافره .
وقررت محكمة النقض أن المناط في تكييف العقود وإعطائها الأوصاف القانونية الصحيحة هو ما عناه العاقدان منها وإذا كان ما انتهت إليه المحكمة من تكييف العقد بأنه عمل وليس شركة لا خروج فيه على نصوص العقد وتؤدى إليه عباراته، وما استخلصته المحكمة منها من قيام عنصر التبعية الذي يتمثل في خضوع الصيدلي الإشراف صاحب الصيدلية ورقابته مما يتعارض وطبيعة عقد الشركة، وكان لا يتنافى مع هذا التكييف تحديد أجر الصيدلي بنسبة معينة من الأرباح وأن صاحب الصيدلية قد خوله باعتباره مديراً للصيدلية في تعيين العمال اللازمين لها وتأديبهم وفصلهم لأن ذلك كله لا يغير طبيعة عقد العمل، فالخضوع لإشراف صاحب الصيدلية ورقابته یعنی توافر التبعية من الناحية التنظيمية والإدارية وهو العنصر المميز لعقد العمل .
وإذا كان من الصعب التأكد من وجود نية المشاركة أو عنصر التبعية فلا مفر من الاستعانة بالقرائن المختلفة، فلو كان الشخص يساهم في خسائر المشروع فإن العقد يكون عقد شركة لأن العامل الذي يشارك في الأرباح لا يساهم في تحمل الخسائر وإلا انقلب شريكاً .
ولا يمنع من أن يجمع الشخص بين عقد الشركة وعقد العمل ، وذلك مثل الشريك الذي يعين موظفاً في الشركة، فهو بوصفه شريكاً يخضع لقاعدة المساواة، أما بوصفه عاملاً فإنه يكون تابعاً لرب العمل بوصفه شخصاً اعتبارياً وهو الشركة وتقوم تبعيته لها وحدها .
ولكن علاقة المدير الشريك المتضامن في شركة التوصية ليست علاقة عمل وإنما هي علاقة شركة ، وأن ما يحصل عليه من الشركة هو مقابل إدارته وليس أجراً .
عقد العمل وعقد الوكالة
الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل .
ومصدر الخلط بين العقدين يرجع إلى أن في كل من العقدين يقوم أحد الطرفين بعمل معين لمصلحة الطرف الآخر، كما أن العامل والوكيل يتقاضيان أجراً بالرغم من أن الوكالة أصلاً تقوم على التبرع إلا أن الوكيل يتقاضى في الغالب أجراً
.
ولا يخلو عقد الوكالة من وجود نوع من الخضوع من جانب الوكيل إلى الموكل فهو يعمل طبقاً لتعليمات الموكل وتوجيهاته والتي تتمثل في حدود الوكالة حقاً الفارق كبير بين الخضوع في عقد العمل وفي عقد الوكالة ولكن الفكرة ليست منتفية في عقد الوكالة .
والتفرقة بين العقدين لا تخلو من الأهمية، فبالإضافة إلى أن الوكيل لا يخضع لقانون العمل فإن أحكام الوكالة تختلف تماماً عن أحكام عقد العمل فالموكل له، من حيث الأصل، الحق في أن يعزل الوكيل في أي وقت يريد أما عقد العمل غير محدد المدة فلا ينتهي إلا بإجراءات محددة ولابد من توافر أسباب حتى تنتفي عنه صفة التعسف .
والبحث عن معيار التفرقة يستدعي أن ندرس مدى صلاحية بعض المعايير حتى نتوصل إلى المعيار الذي نأخذ به.
فيجب استبعاد معيار التفرقة على أساس وجود المقابل من علمه أي عنصر الأجر، فبالرغم من أن الأصل في العمل أنه مأجور، وأن الوكالة غير مأجورة إلا أنه كثيراً ما تكون الوكالة بأجر، كما أن طريقة تحديد الأجر لا تصلح كمعيار للتمييز، فالأجر في عقد العمل قد يكون ثابتاً بحسب الزمن أو بحسب القطعة، بل قد يكون بحسب المنجزات كالعمولة والمكافآت التي تعتبر جزءاً من الأجر .
ولقد لجأ البعض إلى البحث عن معيار التفرقة في عنصر العمل بدلاً من عنصر الأجر، فعمل الوكيل يقتصر على تمثيل الموكل في إجراء التصرفات القانونية، فهو لا يشمل الأعمال المادية ويستندون في ذلك إلى نص القانون المدني الذي يقرر أن الوكيل يقوم بعمل قانوني، أما العامل فهو يقوم بالأعمال اليدوية والذهنية، فالوكيل هو من يقوم بالتصرفات القانونية والعامل هو من يقوم بغير ذلك من الأعمال .
والحقيقة أنه إذا كان من الصحيح أن الوكالة لا تقوم إلا على إبرام التصرفات القانونية، ولا ترد على الأعمال المادية، إلا أنه ليس من الصحيح أن عقد العمل يقتصر موضوعة على الأعمال المادية، فليس هناك ما يمنع من أن يكون التصرف القانوني موضوعاً لعقد العمل .
فلا يوجد ما يمنع من أن يكون الوكيل في إبرام التصرفات القانونية مرتبطاً بعقد عمل مع من ينوب عنه في إبرامها، والحياة العملية مليئة بصور من هذا القبيل، فالبائع في المحل التجاري ينوب عن صاحب المحل في إبرام التصرفات القانونية المتمثلة في البيع إلى العملاء، والبائع في نفس الوقت يرتبط مع صاحب العمل بعقد عمل، والمحامي الذي يعمل لدى شركة من الشركات يرتبط معها بعقد عمل وفي نفس الوقت تكون مهمته إبرام التصرفات القانونية لحساب الشركة وتمثيلها أمام القضاء .
وإذا كانت الأعمال المادية والتصرفات القانونية قابلة للفصل بينهما أي غير مختلطة فإن كل منها تخضع للعقد الذي تدخل في إطاره، فالتصرفات القانونية تخضع لأحكام عقد الوكالة، والأعمال المادية تخضع لأحكام عقد العمل، أما إذا استحال الفصل بينهما فترجح الصفة الغالبية العقد أي ما أن يخضع برمته لأحكام الوكالة أو لأحكام عقد العمل .
وقد قررت محكمة النقض أنه ليس هناك ما يمنع من أن يعهد صاحب العمل إلى أحد عماله بإبرام تصرفات قانونية لحسابه إلى جانب ما يباشره من أعمال مادية أو فنية أخرى ، فيجمع بذلك صفته كوكيل وصفته كأجير متميزة كانت كل منهما عن الأخرى أو مختلطة وهو ما يتعين استظهاره والتحقق منه الإمكان تكييف العلاقة القانونية بين الطرفين، وقررت أن القيام بالعمل القانوني محل الوكالة قد يستتبع القيام بأعمال مادية تعتبر ملحقة به وتابعة له ويجب تكييف هذه العلاقة على أنها عقد وكالة، فليس في القانون ما يمنع من أن يجمع العامل بين ضفتي الوكيل والأجير ويعامل بالقواعد القانونية الخاصة بكل صفة على حدتها .
ولهذا فإن المعيار القانوني السليم الذي يجب الارتكاز إليه التمييز بين عقد العمل وعقد الوكالة هو عنصر أو رابطة التبعية .
ولقد قررت محكمة النقض أن عقد العمل لا يتحقق إلا بتوافر أمرين هما تبعية العامل لرب العمل وتقاضيه أجراً على عمله، أما الوكيل فهو يلتزم بالحدود المرسومة للوكالة ولا تتوافر التبعية طالما أنه بمنأى عن الخضوع للوائح العمل .
ومن الصور أو التطبيقات العملية بصدد التفرقة بين عقد العمل وعقد الوكالة الصور الآتية :
محصلي الشركات والباعة في المنشآت التجارية، ففي هذه الصور يعتبر العقد عقد عمل رغم أن العامل يقوم بتصرفات قانونية تتمثل في إبرام عقود بيع أو في تحصيل مبالغ لحساب صاحب العمل، فالعلاقة تبعية محضة والقيام بالتصرف القانوني ليس إلا مظهر من مظاهر العمل أو عبئاً من أعبائه .
وبالنسبة للوسطاء الذين يتوسطون في إبرام صفقة أو عقد لحساب صاحب العمل فقد نصت المادة 676 من القانون المدني على أنه تسري أحكام عقد العمل على العلاقة ما بين أرباب الأعمال وبين الطوافين والممثلين التجاريين والجوابين ومندوبي التأمين وغيرهم من الوسطاء ولو كانوا مأجورين بطريق العمالة أو كانوا يعملون لحساب جملة من أرباب الأعمال مادام هؤلاء الأشخاص تابعين الأرباب الأعمال وخاضعين لرقابتهم، فالعبرة بعلاقة الخضوع والتبعية بصرف النظر عن طبيعة العمل، فهؤلاء الوسطاء يقومون بتصرفات قانونية ولكن العقد يعتبر عقد عمل مادام عنصر التبعية قد توافر .
ويعتبر المدير الفني الذي يقوم بإدارة قسم أو أقسام في شركة عاملاً لتوافر عنصر التبعية، وبالنسبة للشركات المساهمة في القطاع الخاص، فإن رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب يعتبران من الوكلاء لأنهم يتولون إدارة هذه الشركات بصورة ينتفي معها توافر عنصر التبعية القانونية .
أما المدير العام فالأصل أنه يرتبط بعقد عمل خصوصاً إذا كان يخضع في عمله لإدارة وتوجيه وإشراف العضو المنتدب أو مجلس الإدارة، أما إذا كان مستقلاً في أداء عمله فهو وكيل .
وقررت محكمة النقض أن مدير شركة التوصية بالأسهم ليس أجنبياً عن الشركة إنما هو أحد الشركاء المتضامنين فيها وأنه وكيل عنها وليس عاملاً لديها . ( شرح قانون العمل ، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني ، الطبعة الرابعة 2020 ، دار النهضة العربية ، الصفحة : 117 )
إبرام عقد العمل
- يحكم إبرام عقد العمل من حيث المبدأ، مبدأ حرية العمل وما يستتبعه من مبدأ الحرية التعاقدية .
فإذا كان لكل شخص الحق في أن يختار العمل الذي يرغبه، فإن هذه الحرية تتفق مع الحرية التعاقدية في المجال المدني، فللشخص حرية أن يعمل أو لا يعمل، وإذا أراد أن يعمل فلكل متعاقد حرية أن يختار من يتعاقد معه .
وتتمثل حرية صاحب العمل، في حقه في أن يختار العامل الذي يعمل لديه، وللعامل أيضاً هذه الحرية ، بل هي أكثر أهمية له عن صاحب العمل لأن العامل سيخضع لصاحب العمل ويأتمر بأوامره، ولهذا لابد من توافر حريته الكاملة في اختيار العمل وصاحب العمل الذي يخضع له .
ولما كانت حرية العمل تعني ترك العمل لسوق المنافسة الحرة، فإن ذلك قد يعوق تنظيم سوق العمل بما يكفل حماية العامل الذي أصبح له الحق في توفير العمل المناسب له، ولهذا كان لابد من تدخل المشرع ليمنع مساوئ المنافسة في سوق العمل ويتمثل ذلك في قيام الدولة بتنظيم تشغيل العمال وعدم ترك ذلك للأفراد حتى لا يقع العامل فريسة للحاجة .
فإن كان الأصل هو الحرية التعاقدية، إلا أن الحق في العمل فرض تدخل الدولة لإجراء تعادل بين العرض والطلب حماية للعمال، مما يستتبع أيضاً محاولة منع كل شكل من أشكال التفرقة بين العمال سواء على أساس الجنس، أو الدين أو غير ذلك، ولهذا فإن قانون العمل ينص صراحة على ضرورة المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وحماية الحق في العمل تستوجب أيضاً حماية العامل ضد الفصل، أي حالة اللاعمل . ( شرح قانون العمل ، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني ، الطبعة الرابعة 2020 ، دار النهضة العربية ، الصفحة : 289 )
سلطات صاحب العمل
يتمتع صاحب العمل بثلاثة سلطات ، سلطة الإدارة والإشراف ، والسلطة اللائحية، والسلطة التأديبية، وقبل دراستها يجدر بنا بيان أساس تلك السلطات.
الأساس القانوني لسلطات صاحب العمل
انقسم الفقه في شأن تحديد أساس تلك السلطات إلى اتجاهين :
الاتجاه الأول : الأساس التعاقدي :
- يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن سلطات صاحب العمل تجد أساسها في عقد العمل، فرضاء العامل هو أساس سلطة صاحب العمل تجاهه، وبمقتضى العقد فإنه قد قبل الخضوع للسلطة الآمرة لصاحب العمل وللائحة الداخلية وإلى الجزاءات التأديبية فاللائحة ليست إلا ملحقاً للعقد وحازت على قبوله الضمني .
وهذه الفكرة توصف بالفكرة الفردية، ففي ظل النظام الرأسمالي الحر فإن السلطة الآمرة ترجع إلى الحقوق التي يتمتع بها صاحب العمل بوصفه مالكاً للمشروع وإلى العقد الذي أبرمه مع عماله، وهؤلاء العمال طبقاً للعقد يلتزمون بتبعيته، والتبعية هي معيار عقد العمل فحقوق وديون المشروع تدخل في الذمة المالية لصاحب المنشأة وحده، فلا يظهر على المسرح القانوني غيره حيث تختلط المنشأة بشخصه، فصاحب العمل لا يستمد امتیازاه إلا من نفسه شخصياً .
والرأي الذي يرى أن أساس تلك السلطات يكمن في رابطة التبعية القانونية يأخذ في حقيقة الأمر بهذا الاتجاه، فما هو أساس التبعية هل هو مجرد العقد أم ضرورات تنظيم المشروع .
الاتجاه الثاني : الأساس التنظيمي :
- يتميز هذا الاتجاه بأنه يركز على الطابع الشخصي لعلاقات العمل، فهذه العلاقات تتركز على المشروع، وهو عبارة عن مجتمع يرتبط أفراده ارتباطاً لا يقبل الانفصام وتستمد علاقات العمل كل قيمة لها من هذا الترابط .
والمشروع يقوم على التضامن بين المصالح ويعتبر مجتمعاً منظماً يتعاون أفراده تحت سلطة صاحب العمل، وصاحب العمل يملك سلطات، التشريع، والإدارة والأمر، وسلطة التأديب. وسلطة صاحب المشروع تجد أساسها في المسئولية التي يتحملها في هذا المجتمع وهو المشروع. فصاحب المشروع يتحمل مسئولية الإنتاج والتبادل ويتحمل مخاطر الاستغلال وتحقيق مصلحة أعضاء المشروع، وتحقيق هذه المهام الخطيرة يستوجب منحه سلطة كبيرة، وبالتالي فإن عقد العمل لا يعتبر إلا مجرد شرط لإدخال العامل في عضوية هذا المجتمع وإخضاعه بالتالي لنظامه وقانونه الذي تمثله لائحة العمل .
ويترتب على الأخذ بهذا الاتجاه أن يتوقف تطبيق اللائحة على الإشهار عنها والعلانية، ويخضع تفسيرها لرقابة محكمة النقض، ويخضع إصدار اللائحة إلى قيود إدارية وقضائية، وأن السلطة لا تمارس إلا لمصلحة المشروع .
ويبدو أن الاتجاه الحديث يسير بالتدرج من الاتجاه الفردي إلى الاتجاه التنظيمي .
فسلطة صاحب العمل تمارس من أجل مصلحة العمل وأصبحت لصيقة بصفة صاحب المنشأة والقائم عليها، وهذا لا يتفق تماماً مع النظرية الفردية .
وكما يرى بعض الفقهاء في فرنسا، فإن السلطات التي يتمتع بها صاحب العمل توجد دائما داخل أي جماعة أو تجمع منظم، فيوجد ما يقابلها في مجال الوظيفة العامة، وكافة الجماعات العامة والخاصة .
فسلطة صاحب العمل ليست إلا صورة خاصة لظاهرة عامة، وليس من الدقيق تفسيرها بالعقد بمفرده، لأننا نجد مثيلها في علاقات أو مراكز غير تعاقدية، كما أنها لا ترتبط بالنظام الرأسمالي بقدر ما ترتبط بالضرورات الفنية اللازمة لحسن تنظيم العمل، فالتدرج الرئاسي داخل أي مشروع ضرورة لتنظيم العمل .
- ومع هذا، فإن العامل لا يوضع تحت سلطة رب العمل إلا عن طريق إبرام عقد العمل، ومن ثم فإن الالتزام بالخضوع لسلطة صاحب العمل واللائحة وقواعد التأديب تنبع من العقد، فإذا كانت سلطة صاحب العمل لصيقة بصفته كصاحب ومدير للمشروع، فإن فتريد هذه السلطات ووضعها موضع التنفيذ لا يتم إلا عن طريق عقد العمل، فمن العقد تقوم بالنسبة لصاحب العمل إمكانية ممارسة هذه السلطات تجاه عماله .
- رأينا أن المشروع مجتمع منظم على أساس تدرجي فعلي رأس المشروع يوجد مدير المشروع أو المدير المسئول وهو يتمتع في هذا الصدد بعدة سلطات، وتشبه سلطات رئيس المشروع بالسلطات التي توجد في أي مجتمع سیاسی، فهناك سلطة الإدارة وهي مقابل السلطة التنفيذية، وسلطة إصدار اللوائح والقرارات التنظيمية هي تقابل السلطة التشريعية أو أخيراً السلطة التأديبية تجاه العمال وهي تقابل سلطات القضاء ، خصوصاً القضاء التأديبي .
- وفي مجال لوائح العمل فقد استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا .
على أن لوائح العمل الخاصة بشركات القطاع العام أو قطاع الأعمال العام لا تخرج عن دائرة القانون الخاص وبالتالي لا تختص المحكمة بنظر عدم دستورية أي نص فيها ومن ثم يكون لقضاء الموضوع ومحكمة النقض بحث مدى قانونية أو دستورية النص، ولا يجوز أن تتضمن اللائحة نصا ينطوي على تمييز تحكمي بين أصحاب المراكز المتحدة، ويكون النص المخالف مشوباً بالبطلان .
سلطة الإدارة والتنظيم والإشراف
- أقر المشرع تلك السلطة عندما ألزم العامل بالائتمار بأوامر صاحب العمل وذلك سواء في قانون العمل أم القانون المدني، ومن المستقر فقهاً وقضاء أن لصاحب العمل السلطة المطلقة في إدارة منشأته، واتخاذ ما يراه من الوسائل لإعادة تنظيمها متى رأى من ظروف العمل ما يدعو لذلك، ولا وجه للحد من سلطته في هذا الخصوص طالما كانت مبرأة عن قصد الإساءة، فيحق لصاحب العمل أن يصنف الوظائف في منشآته على الوجه الذي يراه كفيلاً بتحقيق مصلحته، ومن سلطته كذلك تقدير كفاية العامل ووضعه في المكان الذي يصلح له، بما يحقق مصلحة الإنتاج، وله أن يميز بين عماله في الأجر لاعتبارات يراها ومجرد التساوي في ظروف العمل ودرجة الكفاية والمؤهل لا تسلب صاحب العمل حقه في تنظيم المنشأة على الوجه الذي يراه، فالعبرة في وجود دواعي للتمييز بين العمال، فلا يجوز أن يفرض العامل على صاحب العمل أن يضعه في وظيفة معينة على الرغم منه لأن ذلك من شأنه أن يخل بما له من سلطة تنظيم منشآته باعتباره مسئولاً عن إدارتها، وهو ما لا يتأتى إذا أجبر على تشغيل عامل في وظيفة يرى أنه غير كفء لها .
وتخول تلك السلطة لصاحب العمل أن يكلف العامل عملاً آخر غير المتفق عليه لا يختلف عنه اختلاف جوهرياً متى اقتضت مصلحة العمل ذلك، كما تخوله تلك السلطة أن ينظم وقت العمل اليومي طبقاً لحاجة العمل وظروف الإنتاج، ويلتزم العامل بأداء عمله وفقاً للتنظيم الذي يضعه صاحب العمل متى كان هذا التنظيم لا يتعارض مع القانون، وبموجب تلك السلطة يستقل صاحب العمل بتحديد وقت الإجازة الأسبوعية والسنوية للعامل، كما له أن يعدل الأوضاع المادية لمختلف الخدمات، وإعادة توزيعها على عماله وتحديد اختصاصات كل منهم بما يتفق مع صلاحيته وكفايته ومؤهلاته طالما أنه لا يمس أجورهم ومراكزهم الأدبية، وقيام رب العمل بإجراء تعديل في آلات المصنع والأصناف المنتجة هو تنظيم للمنشأة بغير معقب وقضى كذلك، بحق جهة العمل في وضع المعايير اللازمة للترقية على أساس الكفاية ووفقاً لمصلحة العمل .
وبأن تقدير صاحب العمل لنشاط العامل وكفايته هو من صميم عمله ولا رقابة عليه في ذلك طالما كان هذا التقدير مبراً من الانحراف وإساءة استعمال السلطة، ومن حق جهة العمل اختيار الأصلح للترقية ولا يحدها في ذلك إلا عيب إساءة استعمال السلطة إذا خرجت عن الضوابط والمعايير الواردة في اللائحة أو تتكبت وجه المصلحة العامة التي يجب أن يتغياها إلى باعث آخر، ويدخل كذلك في إطار تلك السلطة تخفيض العمالة أو تخفيض نشاط المنشأة وتقدير الظروف الاقتصادية والمالية التي تبرر غلق المنشأة، وذلك مع مراعاة الإجراءات القانونية أن وجدت .
نطاق سلطة الإدارة :
- يتحدد نطاق سلطة الإدارة بالحياة المهنية أو الحرفية للعامل، فلا يجوز لصاحب العمل أن يتدخل في الحياة الخاصة لعماله، فحق صاحب العمل في الإشراف على عماله لا يسرى إلا في نطاق العمل وفي أوقاته وأماكنه، ولا يجوز لصاحب العمل أن يقيم من نفسه رقيباً على أخلاق عماله في خارج ساعات العمل، والقول بغير ذلك يوجد علاقات خضوع وتبعية بين العامل وصاحب العمل في غير نطاق العمل، وهذا ما يتعارض مع أصول قانون العمل، كما ينطوي على مساس بالحرية الشخصية، فالتبعية تقتصر على علاقات العمل، ولا يملك صاحب العمل أي سلطة للرقابة على الحياة الخاصة لعماله، فالحياة الخاصة للعامل لا تخص غيره، والسلطة الآمرة لصاحب العمل لا تتقرر إلا في الحدود اللازمة لتحقيق مصلحة العمل وأغراض المشروع .
ويجب احترام الحياة الخاصة للعمال سواء في داخل أماكن العمل أم خارجها .
ففي داخل مكان العمل لا يجوز لصاحب العمل أن يتجسس على عماله، فلا يجوز أن يضع أجهزة التجسس على ما يدور بين العمال من أحاديث داخل أماكن العمل أو في المكتب الملحق بالمنشأة، وهذا التجسس يقع تحت طائلة قانون العقوبات الذي يحمي حرمة الحياة الخاصة، وأماكن العمل تعتبر مكاناً خاصاً في مفهوم هذا القانون، فالأحاديث التي تدور بين العمال قد تتعلق بأمور الحياة الخاصة التي لا يحق لصاحب العمل أن يطلع عليها، والقاعدة أن كل ما يدور في المكان الخاص يعتبر خصوصاً، ولا يجوز كذلك تسجيل كافة المحادثات التليفونية التي تتم في العمل إذا تم التسجيل سراً، ويشترط لصحة مثل هذه التسجيلات أن تعلن إلى العاملين بحيث يكون هناك رضاء من جانبهم وينتفى عنها أي طابع سري .
وعن التساؤل عما إذا كان يجوز لصاحب العمل الإطلاع على القرص الصلب للحاسب الالكتروني الذي خصصه صاحب العمل للعامل لأغراض العمل فقط، ويحظر استخدامه لأغراض شخصية .
يجيب الفقه الفرنسي بأن الأصل جواز الإطلاع طالما كان الجهاز مخصصاً لأغراض العمل فقط، ولكن لا يجوز الإطلاع على الملف الذي يوضع تحت عنوان شخصي، فهذا الملف يدخل في نطاق الحياة الخاصة للعامل، فقضت محكمة النقض الفرنسية أن العامل له الحق في حماية وحرمة حياته الخاصة في مكان العمل وفي وقت العمل ويشمل ذلك على وجه الخصوص سرية مراسلاته فلا يجوز لصاحب العمل الإطلاع على المراسلات الشخصية الواردة أو الصادرة من العامل على الجهاز المخصص من صاحب العمل وبالرغم من حظر صاحب العمل استخدام الجهاز لأسباب شخصية .
وللتخفيف من ذلك ذهبت المحكمة في أحكام لاحقة إلى أنه يجوز لصاحب العمل فتح تلك الملفات ولكن في حضور العامل، وحضور العامل قد يفيد رضاء رضاء العامل بالإطلاع مما ينفي الاعتداء على الحياة الخاصة .
ولا يجوز من حيث المبدأ أن يتدخل صاحب العمل في الحياة العائلية أو الدينية أو السياسية للعامل باعتبارها تدخل في نطاق الحياة الخاصة للشخص، فلا يجوز له طلب تطليق زوجته .
ومن مظاهر احترام الحياة الخاصة ما يجري عليه العمل من السماح للعامل بالتغيب لمواجهة ظرف عائلي، أو للذهاب إلى الطبيب للعلاج .
ورعاية لعدم التدخل في الحياة الخاصة للعامل فيتجه القضاء المقارن إلى بطلان الشرط الذي يلزم المضيفات بشركات الطيران بعلم الزواج طوال فترة سريان عقد العمل ولا يجوز كذلك لصاحب العمل أن يتدخل في الحرية الشخصية للعامل كأن بأمره بحلق شاربه، فذلك يمس حياته الخاصة وحريته، ولا يجوز كذلك لصاحب العمل أن يتهجم على خلوة العامل والتفتيش في أوراقه الخاصة، فقد قضى بعدم جواز فصل مدرسة لضبط مفكرتها الخاصة التي تحتوي على بعض غرامياتها، فالمفكرة تعتبر مكمن سرها ولا يجوز الإطلاع عليها عن طريق التفتيش .
- ولكن لا مناص من الاعتداد بوقائع الحياة الخاصة إذا كان من شأنها أن تؤثر في حسن سير العمل وانتظامه، وطبيعة عمل الموظف ومدی أهميته من الأمور التي تؤخذ في الاعتبار لتحديد مدى إمكان الاعتداد بالحياة الخاصة، فيجوز الخروج على مبدأ استقلال الحياة الخاصة عن الحياة المهنية والحرفية إذا كانت ظروف الحياة الخاصة تتعارض مع حسن أداء الموظف لعمله، كأن تضعف ظروف الحياة الخاصة من ثقة القراء في الجريدة التي يمثلها العامل، أو تهدد بإفشاء أسرار العمل إلى شركة منافسة، أو تشكك في إخلاصه لصاحب العمل لعمله، كما يجوز الخروج على مبدأ عدم التدخل في الحياة الخاصة إذا كانت ظروف الحياة الخاصة تضر سمعة صاحب العمل وسمعة المشروع بعامة أو تهدد بإفشاء أسراره إذا كان أحد الزوجين يشغل منصباً حساساً في شركة منافسة يخشى معها تداول معلومات سرية .
فالعلاقات العاطفية التي يقوم بها العامل مع زميلاته أو مرؤوسيه في العمل أو بعملاء المشروع قد يؤثر في سمعة العمل وبحسن سيره، وتبدو أهمية ذلك إذا كان العمل جهة من جهات التعليم، أو الرعاية الأسرية، أو الجمعيات الدينية وكان سلوك العامل من شأنه أن يثير فضيحة تؤثر في حسن سمعة المنشأة مما يهدد نشاطها ذاته .
والخلاصة أن القاعدة العامة هي استقلال الحياة الخاصة العامل عن الحياة المهنية، ولكن يحق لصاحب العمل، على سبيل الاستفتاء، أن يأخذ الحياة الخاصة في الاعتبار في مجال تنظيم العمل أو انحلاله، إذا كان من شأنها أن تؤثر في حسن سير العمل، أو في سمعة العمل وصاحب العمل .
قيود ممارسة سلطة الإدارة:
- وسلطة صاحب العمل في الإدارة والتنظيم يجب ألا تكون فيما يخالف القانون أو العقد أو الآداب .
وقضت محكمة النقض بأن القانون رقم 63 لسنة 1976 قد صدر الحظر نقل الخمر، وقصر هذا الحظر على تناولها علانية أو تقديمها بمقابل أو بغير مقابل بقصد التناول في الأماكن والمحال العامة غير المستثناة، ولكنه لم يحظر نقل الخمر أو بيعها، وهما فعلان متمایزان عن التناول والتقديم، فلا يسوع مد الحظر الوارد به إليهما، وتأثيمهما دون نص، وليس للعاملين بشركة الطيران سوى الحق في طلب إلزامها بعدم تكليفهم بتقديم الخمور بكافة أنواعها بقصد تناولها في طائراتها على جميع الخطوط بالمخالفة لأحكام القانون رقم 63 لسنة 1976، ومن ثم فإن تكليف العاملين بما يتفق مع القانون يكون تكليفاً واجب الطاعة، ولا يلزم العامل باتباع الأوامر التي تنطوي على مخالفة القانون أو تعتبر جريمة جنائية .
ويجب أن يتقيد صاحب العمل في ممارسة سلطته في الإدارة بما اتفق عليه في العقد، فلا يجوز لصاحب العمل أن يتذرع بحقه في تنظيم منشآته ليعدل بإرادته المنفردة من طريقة تحديد الأجرة بما يؤدي إلى خفض الأجور، فله قانوناً أن يمارس هذا الحق إذا كان من شأنه زيادة الإنتاج ولا يترتب عليه تخفيض أجور العمال .
ولكن يجب التفرقة بين الأجر الأساسي وملحقات الأجر، فلا يملك صاحب العمل تعديل الأجر الأساسي والثابت بحجة تنظيم العمل في المنشأة لأنه ينطوي على تعديل للعقد، أما ملحقات الأجر غير الدائمة فهي تتميز بعدم الثبات ولهذا لصاحب العمل تحديد نسبة العمولة أو تعديلها طالما كان هدفه تنظيم منشآته، واتخاذ ما يراه من الوسائل لإعادة تنظيمها متى رأى من ظروف العمل ما يدعو لذلك، ولا يحد من سلطته أن يؤدي التعديل إلى نقص العمولة، ما دام هذا الإجراء غير مشوب بالعسف وسوء القصد، وليس لها صفة الثبات والاستقرار واستحقاقها مرهون بتحقق سببها .
ويجب أن يتقيد صاحب العمل في ممارسة سلطته باتفاقات العمل الجماعية، فصاحب العمل يتقيد في إدارته للمنشأة بما اتفق عليه في عقود العمل، بحث يسري مبدأ القوة الملزمة للعقد ولا تخوله سلطة الإدارة والإشراف مخالفة التزاماته العقدية فلا يملك تعديل ما اتفق على أنه شرط جوهري في العقد .
- وهناك قيد ذاتی مؤداه أن يلتزم صاحب العمل في إدارته لما وضعه هو من قواعد، فقضت محكمة النقض بأن علاقة العمل فيما بين العامل وصاحب العمل، يحكمها العقد ولائحة نظام العمل والقانون والعرف الجاري، وتعتبر أحكام اللائحة ملزمة لصاحب العمل لما تنطوي عليه من توحيد نظام العمل في المنشأة ووضع قواعد عامة مجردة تتحدد بموجبها حقوق العاملين وواجباتهم، كما أنها ملزمة للعامل، وتستمد قوتها الإلزامية قبله من الحق المقرر لصاحب العمل في تنظيم منشآته والإشراف على العاملين بها، فلصاحب العمل السلطة المطلقة في إدارة منشآته وتصنيف الوظائف فيها على الوجه الذي يراه كفيلاً بتحقيق مصلحته ولا وجه للحد من سلطته هذه طالما كانت مبراة من قصد الإساءة .
وقضى بأن وجود شرط في اللائحة الداخلية لا يجيز النظر في ترقية العاملين المتواجدين بأجازة بدون مرتب قبل انقضاء ستة أشهر على عودتهم إلى العمل، ليس فيه ما يناهض أحكام القانون وإنما تتحقق به الخدمات التي تؤديها الوظائف مما تستهدفه الترقية كنظام مقرر للمصلحة العامة، فلا يناهض أحكام القانون أن تكون المفاضلة بين المرشحين للترقية على أساس القيام فعلاً بالعمل .
- ومن أهم القيود التي ترد على ممارسة سلطة الإدارة تلك التي ترد من جانب القضاء، فبالرغم أن قضاء محكمة النقض مستقر على أن صاحب العمل هو صاحب السلطة المطلقة في تنظيم منشأته أو إعادة تنظيمها، إلا أن ذلك مقيد بمصلحة صاحب العمل ويكفي لتوافرها ألا يكون صاحب العمل قد استعمل سلطته بقصد الإساءة إلى العامل، فالعبرة وفقاً لقضاء النقض بمصلحة صاحب العمل ولم يشر القضاء إلى مصلحة العمل، ولكن المقصود بمصلحة العمل مصلحته بصفته مالكاً للمشروع مما يؤدى للبحث عن مصلحة المشروع .
وعلى هذا فإن السلطة تتم ممارستها تحت رقابة القضاء الذي يقع على عاتقه عبء التحقق من أن الإجراء لم يتخذ بقصد الإساءة للعامل، ويلاحظ أن القضاء المصري لا يتحقق من توافر مصلحة المشروع أو العمل أو صاحب العمل، وإنما يفترض توافرها إذا لم يكن استعمال السلطة قد تم بقصد الإساءة إلى العامل، فإذا كانت السلطة قد استعملت دون قصد الإساءة للعامل، فإن صاحب العمل يستعمل سلطته دون معقب من جانب القضاء ويكون السيد المطلق في إدارة منشأته، فالقضاء يراقب توافر قصد الإساءة من عدمه .
ولا يمارس القضاء رقابة الملاءمة على ما يتخذه صاحب العمل من إجراءات تدخل في إطار سلطة الإدارة والتنظيم، ويرجع موقف القضاء إلى الوضع الذي تثور به المشكلة أمامه، فالعامل الذي يتضرر من الإجراء الذي اتخذه صاحب العمل بموجب سلطته في الإدارة يقع عليه عبء إثبات التعسف في استعمال السلطة أي أنها استعملت بقصد الإساءة إليه، وبهذا تدور الدعوى حول توافر الإساءة من عدمه ويكون البحث في مصلحة المشروع متوارياً خلف فكرة التعسف فلا يصح أن يحل القاضي محل صاحب العمل في تقدير مصلحته ومصلحة المشروع وما يجب اتخاذه من إجراءات لحسن سير المشروع وانتظامه، و انا كما أن الأصل هو حسن النية ومن ثم فإن الإجراء قد اتخذ لمصلحة العمل، ويقع عبء إثبات العكس على من يدعيه، فإذا أثبت أن الإجراء قد اتخذ بقصد الإساءة للعامل فهو لم يستهدف تحقيق مصلحة المشروع ويكون خارج سلطة الإدارة والتنظيم .
- وتمارس سلطة الإدارة من خلال صورتين أساسيتين، فقد يتخذ صاحب العمل إجراءات أو قرارات تتصف بالعمومية، أي لا تتعلق بعامل محدد، وتكون ذات طابع فني أي اقتصادی، مثل زيادة الإنتاج أو إعادة ترتيب الوظائف، أو تغيير الآلات ووسائل الإنتاج أو افتتاح فروع أو منشآت جديدة للمشروع، وغني عن البيان أن مثل تلك الإجراءات قد تؤثر على الأوضاع الفردية للعمال، مثل استخدام عمال جدد أو تعديل نظام العمل، أما الصورة الثانية، فتكون بإصدار قرارات أو اتخاذ إجراءات فردية في مواجهة عامل محدد، إما تطبيقاً للإجراءات العامة التي تقررت أو بالنظر إلى اعتبارات تتعلق بعامل بالذات مثل تقدير مدى كفايته، ومدى تنفيذه للعمل المكلف به، أو إصدار تعليمات للعامل في أداء العمل، وهذا يؤدي بنا إلى دراسة السلطة اللائحية لصاحب العمل . ( شرح قانون العمل ، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني ، الطبعة الرابعة 2020 ، دار النهضة العربية ، الصفحة : 393 )