loading

موسوعة قانون العمل

المذكرة الإيضاحية

(الموسوعة العمالية، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين، طبعة 2009)

العقوبات 

يعتنق المشروع ذات الفلسفة التي توجه أحكام القانون رقم 137 لسنة 1981 القائم وهي أن تكون العقوبة - كقاعدة عامة - هي الغرامة المالية ، وتقررها المخالفة الأغلب الأعم من أحكام المشروع واستثناء من ذلك - وفي أضيق الحدود - الحكم بالحبس مع الغرامة أو بأيها، وقد اقتصر هذا الإستثناء على الأحكام التي تستهدف حماية القوى العاملة الوطنية المهاجرة (المادتان 244 ، 245) وتحقيق غايات السلامة والصحة المهنية تدعيما لزيادة الإنتاج وتمشياً مع متطلبات المجتمع لإتاحة الفرصة للقطاع الخاص للقيام بدوره في الإستثمار بمختلف الأنشطة الاقتصادية (المادة 258).   

ويلاحظ زيادة قيمة الغرامة في حديها الأدنى والأقصى، وذلك تمشياً مع الأهداف المشار إليها بالفقرة السابقة واتساقاً مع تغير القدرة الشرائية للنقود ، وتحقيقاً للغرض من أحكام قانون العمل، ألا وهو الإلتزام بهذه الأحكام ، ضماناً لحسن تطبيقها. 

وقد تضمن المشروع تقرير عقوبات ملائمة لمخالفة المنظمة النقابية للإلتزامات التي فرضها عليها لأداء المهمة المنوطة بها طبقاً للإجراءات المنصوص عليها في المواد من (149) وحتى (169) وذلك ضماناً لحسن التزامها بأداء دورها في مجال علاقات العمل الجماعية في نطاق ما استحدثه المشروع من أحكام تنظيم هذه العلاقات . 

شرح خبراء القانون

أقر القانون في كل مادة من مواد العقاب الفعل المؤثم والعقوبة المقررة إلا أن ذلك لا يحول دون توقيع أي عقوبة أشد تكون مقررة بمقتضى قانون آخر لذات الفعل المؤثم. (راجع الموسوعة العمالية، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين، طبعة 2009، الصفحة 774 )

تطابق المادة 215 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 وتطابق المادة (165) من القانون رقم 137 لسنة 1981 وقد أورد هذا الباب الثاني نصوصاً يعاقب كل منها على المخالفات لأحكام فصل أو باب من فصول و أبواب القانون ، والأصل أن العقوبة المنصوص عليها في هذا القانون عن الجرائم المشار إليها فيه هي الواجبة التطبيق بيد أن المادة 237 قررت سريان العقوبة المنصوص عليها في أي قانون أخر إذا كانت أشد ، ومثال ذلك عدم قيام صاحب العمل أو المنشأة بإتخاذ إجراءات تأمين بيئة العمل (مواد 208 وما بعدها) وترتب على ذلك إصابة بعض العمال أو وفاتهم فهنا يمكن تطبيق عقوبة القتل الخطأ أو بإهمال المنصوص عليها بقانون العقوبات (مادة 238) بإعتبارها عقوبة أشد .  (راجع الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل، الدكتور على عوض حسن، الدكتور علاء فوزي زكي، طبعة دار الحقانية، المجلد الثالث، صفحة 524)

الجزاء الجنائي على مخالفة قانون العمل

88 - يتميز قانون العمل بأن مخالفة أهم أحكامه تكون جريمة جنائية. 

ويستهدف المشرع من ذلك توفير أكبر قدر ممكن من الحماية للعامل، فكل نص يقدم حماية للعامل وتكون مخالفته جريمة جنائية، فاللجوء إلى قانون العقوبات يستهدف حماية النظام العام بأكثر الوسائل ردعاً وهو الجزاء الجنائي. 

فقانون العمل يمس المصلحة العامة من جهتين، الأولى حماية الطبقة العاملة التي تحتاج إلى رعاية وترتبط حمايتها بالمصلحة العامة من حيث حماية أن القدرة الإنتاجية للمواطن، وحماية صحة المواطن، ومن جهة أخرى، يرتبط قانون العمل في الوقت الحاضر بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وتطبيق قانون العمل يساعد على تحقيق هذه السياسة، فقانون العمل يرتبط بالإنتاج وبسعر التكلفة وبسوق العمل والتصدير والاستثمار.

واللجوء إلى الجزاء الجنائي كان ضرورة عند نشأة قانون العمل، فقد كان قانون العمل يفرض شروطاً أو يحظر شروطاً لم يجر عليها العمل في ظل مبدأ سلطان الإرادة الذي كان يستقل بتنظيم العلاقات العمالية، واحترام هذه القواعد الجديدة التي كانت تخالف العادات المستقرة استلزم وضع جزاءات جنائية لضمان تطبيقها. 

كما أن قانون العمل يمس مباشرة المصالح المالية لأصحاب العمال حيث يؤدي إلى التأثير على سعر التكلفة وبالتالي على الثمن، وحتى لا يلجأ أصحاب الأعمال إلى إجراء مقارنة بين التكلفة المالية لمخالفة القانون وتكلفة احترامه بحيث يخالفونه إذا كان ذلك ينطوي على ربح مالي، فقد اضطر المشرع إلى وضع جزاء جنائي حتى يكفل احترام القواعد الجديدة. 

ومن ثم فإن حماية مصالح الطبقة العمالية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة قد فرض اللجوء إلى الجزاء الجنائي في مجال قانون العمل.

89 - ويذهب الفقه المقارن إلى أنه قد آن الأوان ليتراجع دور الجزاء الجنائي في مجال قانون العمل.

فقانون العمل شأنه شأن أي فرع جديد من فروع القانون يحتاج إلى الجزاء الجنائي خلال فترة نموه، فإذا اكتمل نموه فإنه يخلق لنفسه جزاءات من طبيعة مناسبة تكفل الاحترام والفاعلية لقواعده، ومن ثم ينحسر الجزاء الجنائي. فالجزاء الجنائي يجب أن ينظر له على أنه ظاهرة مؤقتة بحيث يتحسر نظامه رویدا بظهور جزاءات متميزة للفرع الجديد من فروع القانون، فالقانون المدني له جزاءاته المدنية الكفيلة باحترام قواعده بحيث لا يلجأ للجزاء الجنائي إلا عند حدوث ظواهر غير اجتماعية جديدة. 

ولقد تضاءلت العديد من الأسباب أو العوامل التي استلزمت وجود الجزاء الجنائي، فلم تعد قواعد قانون العمل جديدة بل رسخت في المجتمع وفي نفوس الطبقة العمالية ويصعب مخالفتها دون رد فعل عنيف في المجتمع، وتعود أصحاب الأعمال على هذه القواعد بحيث أصبح احترامها من الأمور المسلم بها وإذا كان تقدم التشريعات الاجتماعية يؤدي إلى زيادة سعر التكلفة إلا أن عمومية تطبيق هذه القواعد قد منع تعديل قواعد المنافسة، بل أن صاحب العمل أصبح حريصاً على التأكد من احترام غيره لهذه التشريعات حتى لا تتأثر المنافسة نتيجة قلة سعر التكلفة في حالة المخالفة، ولقد ترتب على ذلك قلة تجريم مخالفات قانون العمل في كثير من البلاد. 

ولهذا يجب إعادة النظر في الجزاءات الجنائية بحيث يمكن الاستغناء عن العديد منها بالجزاءات الجديدة التي ابتدعها قانون العمل وقانون التأمين الاجتماعي. 

فبدلاً من اللجوء إلى الجزاء الجنائي في حالة عدم احترام قواعد تشغيل العمال فقد لجأ القانون إلى إلزام صاحب العمل المخالف بأن يدفع إلى العامل الذي كان يجب استخدامه مقابل الأجر. 

ومن الجزاءات التي تم تطويرها لتتلاءم مع قانون العمل الغرامة الجنائية، فبالرغم من احتفاظها بالطابع الجنائي إلا أن حصيلتها لا تؤول إلى الدولة وإنما تؤول إلى جهات عديدة حملتها المادة 5 من قانون العمل. 

كما أن أحكام إعادة العامل المفصول في بعض الأحيان تعتبر خير ضمانة لتطبيق القانون ويغني عن أي جزاء جنائي والشركات التي لا تحترم قانون العمل يمكن أن تحرم من الدخول في المناقصات التي تعلنها الدولة أو شركات القطاع العام وهي ما تسمى بالجزاءات المهنية. 

والتوسع في الجزاءات المالية غير الجنائية مثل مضاعفة اشتراكات صاحب العمل في مجال قانون التأمين الاجتماعي تعتبر من أنجح الجزاءات الخاصة بالقانون الاجتماعي، فهذه الجزاءات تؤثر بشدة على الظروف الاقتصادية المشروع وقد تهدد كيانه، بل أن نظام الإعفاء من الجزاء المالي في حالة احترام القانون يمثل وسيلة هامة لاحترام القانون، فالغرض من الجزاء ليس تحصيل أموال بقدر ما هو فرض احترام القانون، ويجب أن يمتد ذلك إلى المجال الجنائي بحيث تكون العودة إلى احترام القانون مؤدية إلى عدم الاستمرار في اتخاذ الإجراءات الجنائية. 

ويجب كذلك التوسع في نظام الصلح حيث يؤدى إلى تحقيق الهدف الرئيسي وهو تطبيق القانون. 

فقانون العمل قد تطور ورسخت أقدامه بحيث يجب أن تتاح الفرصة لأعمال جزاءات خاصة به وتطويرها بدلاً من الارتكان كلية على الجزاء الجنائي الذي لا يمثل دائما السبيل الناجح لاحترام القانون، فيفضل الاستغناء عن الجزاء الجنائي حين يظهر جزاء غير جنائي تبدو فاعليته في احترام القانون، فالقسوة في الجزاء تعتبر عاملاً في عدم اللجوء إلى الجزاء الجنائي وتلمس السبل لعدم تحريك الدعوى العمومية.

موقف المشرع المصري من الجزاء الجنائي:

90- لم يستغن المشرع عن الجزاء الجنائي في قانون العمل، وركز على الغرامة المالية، فلم يلجأ إلى عقوبة الحبس إلا في حالات قليلة، فقد تراءى للمشرع أن هذه العقوبة تؤدي إلى تخويف المستثمرين مما يؤثر سلباً على قيام القطاع الخاص بدوره في التنمية، واقتصرت عقوبة الحبس على مخالفة الأحكام التي تستهدف حماية القوة العاملة الوطنية، وتحقيق غايات الأمن والسلامة المهنية واستمرار الإنتاج مثل وقف العمل أو تغير حجم المنشأة أو نشاطها. 

ووضع المشرع عدة مبادئ في مجال تجريم مخالفة قانون العمل: 

1- تتعدد الغرامة بعدد العمال الذين وقعت في شأنهم المخالفة، وهو تعدد وجوبي على المحكمة، وهذا التعدد يعتبر استثناء من نص المادة 33 / 1 من قانون العقوبات،والقصد من تعدد الغرامة هو ردع صاحب العمل بتشديد العقوبة. 

ويلاحظ أن التعدد لا يكون إلا في الجرائم التي تمس مصالح وحقوق العمال مباشرة دون تلك التي تمس مسألة تنظيمية مثل عدم قيد الجزاءات المالية التي توقع على العمال في سجل خاص أو عدم وضع کشف مبيناً يوم الراحة.

2 - غالباً ما يقرر المشرع مضاعفة العقوبة في حالة العود، وهو أمر وجوبي على القاضي وليس جوازياً وذلك على خلاف ما تنص عليه المادة 50 من قانون العقوبات. 

3- تقع المسئولية الجنائية على عاتق صاحب العمل أو من يمثله عن المنشاة. 

وفيما يتعلق بالمسئولية التضامنية، فقد قضت محكمة النقض أن نص المادة الثامنة من قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 يقيم مسئولية تضامنية جنائية بين أصحاب العمل في حالة تعددهم وهي مسئولية شخصية يسأل كل منهم عن مخالفة ارتكبها، أما المتنازل إليه عن العمليات فإن مسئوليته التضامنية مع صاحب العمل تكون في المسائل المدنية فقط دون الجنائية. 

4 - وأخيراً فإن حصيلة المبالغ المحكوم بها عن مخالفة أحكام قانون العمل لا تؤول برمتها إلى خزانة الدولة، وإنما يتم التصرف فيها وفقاً للأحكام الواردة في المادة الخامسة من قانون العمل والقرار الوزاري رقم 128 لسنة 2003، تؤول - المبالغ إلى وزارة الدولة القوى العاملة، ومن الغريب أن نسبة متواضعة من هذه المبالغ توزع على العاملين بالأقلام الجنائية للمحاكم وبأقسام الشرطة والعاملين بمديريات وزارة القوى العاملة، والعاملين بديوان عام الوزارة، وكان يجدر بالقرار الوزاري أن يخصص كل هذه المبالغ لمصلحة العمال وليس لموظفي وزارة القوى العاملة وغيرهم. (راجع شرح قانون العمل، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني، الطبعة الرابعة 2020، دار النهضة العربية، الصفحة 91).