loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق تعليقاً على المادة الرابعة منه المطابقة لهذه المادة أنه لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة عاجلة قائمة يقرها القانون، وهو أصل عام مسلم به على أن المصلحة المحتملة تكفي حيث يراد بالطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو استعجال الدليل والاحتياط لحفظه، خشية ضياعه عند المطالبة بأصل الحق وهذا الحكم الجديد يتيح من الدعاوى أنواعاً اختلف الرأي في شأن قبولها مع توافر المصلحة فيها والمشروع في هذا يأخذ بما اتجه إليه الفقه والقضاء من إجازة هذه الأنواع من الدعاوى.

وعلى أساس هذه الإجازة، قد أجاز المشروع بنص صریح دعوى التزوير الأصلية، التي يطلب بها رد ورقة لم يحصل بعد التمسك بها في نزاع على حق كما أجاز لمن يريد وقف مسلك تهديدي أو تحريضی مؤذيين أن يكلف خصمه الذي يحاول بمزاعمه الإضرار بمركزه المالي أو بسمعته، الحضور لإقامة الدليل على صحة زعمه فإن عجز حكم بفساد ما يدعيه وحرم من رفع الدعوى فيما بعد على أنه يجب ألا تكون هذه المزاعم مجرد تخصصات فارغة ليس لها أثر ضار يعتد به، وإلا كانت الدعوى غير مقبولة.

 

الأحكام

 1- من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مؤدى نص المادة الثالثة من قانون المرافعات بعد تعديلها بالقانون رقم 81 لسنة 1996 أن الصفـة في الدعوى شرطٌ لازمٌ وضروريٌ لقبولها فإذا انعدمت فإنها تكون غير مقبولة بما يتعين معه أن ترفع الدعوى ممن له صفـة فيها وعلى من له صفة فيها. وكان النص في المادة الثالثة من القانون رقم 54 لسنة 1975 بإصدار قانون صناديق التأمين الخاصة على أن يجب أن تسجل صناديق التأمين الخاصة بمجرد إنشائها وفقاً للقواعد والإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون وتكتسب تلك الصناديق الشخصية القانونية بمجرد تسجيلها ولا يجوز للصناديق أن تباشـر نشاطها قبـل التسجيـل، وفى المادة الرابعة منه على أن يقدم طلب التسجيـل إلى المؤسسة المصرية العامة للتأمين مصحوباً بالأوراق والمستندات ، وفى المادة السادسـة منه على أن يصدر رئيس مجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للتأمين قراراً بقبول طلب تسجيل الصندوق ويتضمن قرار التسجيـل تحديد أغراض الصندوق واشتراكاته والمزايا التي يقررها لأعضائـه ، وعلى المؤسسة المصريـة للتأمين نشر قرار التسجيل في الوقائـع المصرية .... . مفاده أنه بعد تسجيل صندوق التأمين الخاص طبقاً لأحكام القانون رقم 54 لسنة 1975 المشار إليه يكتسب الشخصيـة الاعتبارية المستقلة ويمثله رئيس مجلس إداراته أمام القضاء ويلتزم وحده - دون جهة العمل – بالوفاء بكافـة المزايا التأمينية المستحقة للأعضاء المشتركين فيه أما قبـل التسجيـل فلا يجوز له - إعمالاً لحكم المادة الثالثة من القانون المذكور- أن يمارس ثمة نشاط فإذا قام بتحصيـل اشتراكات من طالبي الانضمام إليه قبـل التسجيـل ولم يتم تصحيح هذا الوضـع المخالف التزمت جهة العمل التي سعت لإنشائه برد هذه الاشتراكات لهم وتعويضهم عن عدم استفادتهم منها حتى ولو كان هناك لائحة معدة للعمل بها في الصندوق تتضمن المزايا التي تتقرر لأعضائـه إذ ليس لهذه اللائحة قوة ملزمة قبـل التسجيـل . 

( الطعن رقم 16466 لسنة 91 ق - جلسة 1 / 9 / 2022 ) 

2ـ النص فى المادة الثالثة من قانون المرافعات – المعدلة بالقانون رقم 81 لسنة 1996 – على أنه " 1- لا تقبل أى دعوى كما لا يقبل أى طلب أو دفع استنادا لأحكام هذا القانون أو أى قانون آخر ، لا يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون . ومع ذلك تكفى المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه . وتقضى المحكمة من تلقاء نفسها ، فى أى حالة تكون عليها الدعوى ، بعدم القبول فى حالة عدم توافر الشروط المنصوص عليها فى الفقرتين السابقتين " . وكان مفاد هذا النص ودلالة عباراته الصريحة أن المشرع جعل من توافر المصلحة بخصائصها المقررة فى فقه القانون سواء كانت حالة أو محتملة ليس شرطاً لقبول الدعوى عند بدء الخصومة القضائية فحسب بل فى جميع مراحلها حتى الفصل فيها أى أنه شرط بقاء لا شرط ابتداء فقط .

( الطعن رقم 15441 لسنة 78 ق - جلسة 2017/03/06 )
 

3 ـ المقرر فى قضاء محكمة النقض أنه ولئن كانت الصفة فى التداعى أمام القضاء وفقاً لنص المادة الثالثة من قانون المرافعات المستبدلة بالقانون رقم 81 لسنة 1996 قد أصبحت من النظام العام لمحكمة النقض من تلقاء ذاتها ولكل من الخصوم والنيابة إثارتها على الرغم من عدم التمسك بها فى صحيفة الطعن وذلك عملاً بالمادة 253/3 من القانون سالف الذكر ما دامت تنصب على الجزء المطعون فيه من الحكم وكانت جميع العناصر التى تمكن من الإلمام بها مطروحة على محكمة الموضوع ، إلا أنه لما كان اختلاف اسم المطعون ضدها الأولى على النحو الذى عرضت إليه الشركة الطاعنة ( من أن المطعون ضده الأولى أقامت الدعوى باسم /...... فى حين أن التعاقد بشأن شقة النزاع باسم /..... ) لا يؤدى بمجرده إلى القول بأن شخصية من تعاقدت على شقة النزاع تختلف عن المطعون ضدها المذكورة التى أقامت الدعوى المبتدأة ولا يصلح للاستدلال به على انتفاء صفتها فى إقامتها ، ويكون هذا الدفع ( بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة ) على غير أساس .

( الطعن رقم 15901 لسنة 82 ق - جلسة 2014/05/11 )

4 ـ إذ كان المشرع قد قرر فى المادة الثالثة من قانون المرافعات قاعدة أصولية تقضى بأنه لا دعوى ولا طلب ولا دفع بغير مصلحة . لما كان ذلك ، وكانت الطاعنة قد عقدت خصومة الاستئناف بشخصها بعد أن انتهت مدة حضانتها قانوناً وبذات الصفة طعنت بالنقض ، ومن ثم تنتفى صفتها فيها وبالتالى مصلحتها فى التمسك بالإقرار الصادر من المطعون ضده لابنتيه ( بالتنازل لهما عن مسكن الحضانة ) دونها إذ لم تقدم أمام محكمة الاستئناف ومحكمة النقض ما يفيد نيابتها عن الصغيرتين صاحبتى الصفة والمصلحة فى التمسك بالإقرار ودلالته ، ويضحى النعى على الحكم فى هذا الخصوص غير مقبول .

( الطعن رقم 866 لسنة 73 ق - جلسة 2013/06/11 )

5 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض - أن مؤدى المادة الثالثة من قانون المرافعات بعد تعديلها بالقانون رقم 81 لسنة 1996 أن بطلان الإجراءات المبنى على انعدام صفة أحد الخصوم فى الدعوى يعتبر من النظام العام مما يجوز الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض ولو لم يسبق التمسك به أمام محكمة الموضوع إلا أن شرط ذلك توفر جميع عناصر الفصل فيه من الوقائع والأوراق التى سبق عرضها على محكمة الموضوع فإذا كان الوقوف عليها يستلزم بحث أى عنصر واقعى لم يكن معروضاً على محكمة الموضوع فلا سبيل للتمسك بهذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض لخروج ذلك عن اختصاصها ووظيفتها .

( الطعن رقم 509 لسنة 75 ق - جلسة 2007/02/26 - س 58 ص 222 ق 37 )

6 ـ إذ كانت قاعدة المصلحة مناط الدعوى وفق المادة الثالثة من قانون المرافعات تُطبق حين الطعن بالنقض كما تُطبق فى الدعوى حال رفعها وعند استئناف الحكم الذى يصدر فيها ، ومعيار المصلحة الحقة سواء كانت حالة أو محتملة إنما هى أن يكون الحكم المطعون فيه قد أضر بالطاعن حين قضى برفض طلباته كلها أو قضى له ببعضها دون البعض الأخر ، فلا مصلحة للطاعن فيما يكون قد صدر به الحكم وفق طلباته أو محققاً لمقصوده منها ، لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن المطعون ضده أقام دعواه بطلبين أحدهما إلزام الطاعنة الأولى بأن تؤدى له المقابل النقدى لرصيد إجازاته التى لم يستعملها حتى انتهاء خدمته فدفعت بسقوط حقه فى رفع الدعوى بالتقادم ، فأجابتها المحكمة إلى طلبها وقضى استئنافياً بتأييد الحكم بالنسبة لهذا الشق ومن ثم لم يضر الحكم بها الأمر الذى تنتفى معه مصلحتها فى إقامة ذلك الطعن مما يتعين معه القضاء بعدم جواز الطعن بالنسبة للطاعنة الأولى .

( الطعن رقم 1817 لسنة 76 ق - جلسة 2006/11/19 - س 57 ص 719 ق 134 )

7 ـ المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التقاضى حتى تعود على المدعى منفعة من اختصام المدعى عليه للحكم عليه بطلباته مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة التى يقرها القانون ، وكان الطعن بالنقض لا يخرج عن هذا الأصل ، فلا يكفى لقبوله مجرد أن يكون المطعون ضده طرفاً فى الخصومة أمام المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه ، بل يجب أن يكون قد نازع خصمه أمامها فى طلباته أو نازعه خصمه فى طلباته هو . لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن المطعون ضدهما الثانى والثالث بصفتيهما قد اختصما أمام محكمة الموضوع لتقديم ما لديهم من مستندات ، وقد وقفا من الخصومة موقفاً سلبياً ولم يحكم لهما أو عليهما بشئ ، وقد أسس الطاعنان طعنهما على أسباب لا تتعلق بهما ، ومن ثم فإن اختصامهما فى الطعن يكون غير مقبول .

( الطعن رقم 3165 لسنة 75 ق - جلسة 2006/04/08 - س 57 ص 320 ق 66 )

8- مؤدى نص المادة الثالثة من قانون المرافعات المعدل بالقانون رقم 81 لسنة 1996 أن بطلان الإجراءات المبنى على انعدام صفة الخصوم فى الدعوى يعتبر من النظام العام مما يجوز الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض ولو لم تسبق إثارته أمام محكمة الموضوع . ذلك أن مسألة الخصم واجب الاختصام قائمة فى الخصومة ومطروحة دائماً على محكمة الموضوع وعليها أن تقضى من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الإجراءات التى رسمها القانون ويعتبر الحكم الصادر منها فى الموضوع مشتملاً على قضاء ضمنى بصحة إجراءات المخاصمة فى الدعوى ورفعها... ومن ثم فإن الطعن بالنقض على الحكم الصادر منها يعتبر وارداً على القضاء الضمنى فى هذه الحالة سواء أثارها الخصوم فى الطعن أم لم يثيروها، أبدتها النيابة أم لم تبدها باعتبار أن هذه المسألة فى جميع الحالات داخلة فى نطاق الطعون المطروحة على هذه المحكمة .

( الطعن رقم 120 لسنة 81 ق - جلسة 14 / 3 / 2019 )

9 ـ الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة – بعد تعديل نص المادة الثالثة من قانون المرافعاتبالقانون رقم 81 لسنة 1996 – يجوز إبداؤه فى أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض وتقضى المحكمة بذلك من تلقاء نفسها .

( الطعن رقم 5187 لسنة 74 ق - جلسة 2005/08/02 - س 56 ص 755 ق 131 )

10 ـ مفاد النص فى المادة الثالثة من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 المعدل بالقانون رقم 81 لسنة 1996 يدل - وعلى ما جرى به قضاء النقض - على أنه يشترط لقبول الدعوى والطعن - أو أى طلب أو دفع - أن يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة أى أن يكون هو صاحب الحق أو المركز القانونى محل النزاع أو نائبه فإذا لم يتوافر هذا الشرط تقضى المحكمة من تلقاء نفسها - وفى أية حالة تكون عليها الدعوى - بعدم القبول .

( الطعن رقم 661 لسنة 72 ق - جلسة 2005/08/01 - س 56 ص 745 ق 130 )

11 ـ قاعدة المصلحة مناط الدعوى وفق نص المادة الثالثة من قانون المرافعات تطبق على الدعوى عند رفعها وكذلك عند استئناف الحكم الصادر فيها أو الطعن بالنقض على حكم محكمة الاستئناف .

( الطعن رقم 661 لسنة 72 ق - جلسة 2005/08/01 - س 56 ص 745 ق 130 )

12 ـ أن المشرع قرر فى المادة الثالثة من قانون المرافعات قاعدة أصولية تقضى بأنه لا دعوى ولا دفع بغير مصلحة ومؤداها أن الفائدة العملية هى شرط لقبول الدعوى أو أى طلب أو دفع فيها وذلك تنزيهاً لساحات القضاء عن الانشغال بدعاوى وطلبات لا فائدة عملية منها .

( الطعن رقم 8847 لسنة 66 ق - جلسة 2003/05/22 - س 54 ع 1 ص 818 ق 141 )

13 ـ إذ كان النص فى المادة الثالثة من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 المعدلة بالقانون 81 لسنة 1996 على أن "لا تقبل أي دعوى كما لا يقبل أي طلب أو دفع .. لا يكون لصاحبه فيه مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون. ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه" يدل على أن المشرع قرر قاعدة أصولية تقضي بأنه لا دعوى ولا دفع بغير مصلحة، ومؤداها أن الفائدة العملية هي شرط لقبول الدعوى أو أي طلب أو دفع فيها، وذلك تنزيها لساحات القضاء عن الانشغال بدعاوى وطلبات لا فائدة عملية منها - إذ أن المصلحة هي مناط الدعوى وحيث تنعدم المصلحة تنعدم الدعوى، ومن ثم فإن المسائل النظرية لا تصلح لذاتها أن تكون محلا لدعوى قضائية لما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن رابطة الزوجية قد انفصمت عراها بإشهاد طلاق مؤرخ 6/7/1993 أقر فيه الزوج بأنه لم يدخل بزوجته ولم يختل بها ولم تعترض الطاعنة على ذلك وأبرأته من جميع الحقوق الزوجية وطلبت الطلاق فتم طلاقها منه - ومن ثم لا يكون للطاعنة أية فائدة عملية فى طلب بطلان عقد الزواج الذي انفصمت عراه بطلاقها من المطعون ضده قبل الدخول أو الاختلاء لأن القضاء ببطلان الزواج فى هذا الحال لا يحقق لها سوى مصلحة نظرية بحتة لا تصلح سببا للطعن على الحكم ويكون الطعن قائما على غير أساس متعينا رفضه.

( الطعن رقم 172 لسنة 68 ق - جلسة 2002/05/28 - س 53 ع 2 ص 705 ق 137 )

14 ـ إذ كان المناط فى قبول الخصومة أمام القضاء أن تعود على المدعي منفعة من الحكم على المدعي عليه بالطلب المطروح فى الدعوى، وهو ما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التي يقرها القانون، وكان الطعن بالنقض لا يخرج عن هذا الأصل العام، فإن تخلف شرط المصلحة أو كونها مصلحة نظرية بحتة - لا يجني الطاعن من ورائها منفعة، أو فائدة يقرها القانون- يصبح معه النعي على الحكم غير منتج، ومن ثم غير مقبول.

( الطعن رقم 5452 لسنة 63 ق - جلسة 2001/02/20 - س 52 ع 1 ص 353 ق 72 )

15 ـ إن كان الدفع بعدم قبول الدعوى لإنتفاء الصفة - بإعتبارها شرطا فى المصلحة قد أصبح من النظام العام إعمالا لحكم المادة الثالثة من قانون المرافعات بعد تعديلها بالقانون رقم 81 لسنة 1996، إلا أن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض مشروطة بألا يستلزم فيه بحث عناصر واقعية لم تكن تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم فى الدعوى. وإذ كان الفصل فى الدفع المثار يستلزم تحقيق عنصر واقعي هو التحقق من ملكية طرفي النزاع للعقارين المرتفق والمرتفق به، فإنه لا يقبل من الطاعن التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.

( الطعن رقم 4347 لسنة 68 ق - جلسة 1999/11/30 - س 50 ع 2 ص 1190 ق 233 )

16 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه لما كان شرط قيام الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التداعى حتى تعود على المدعى منفعة من اختصام المدعى عليه للحكم عليه بطلباته مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التى يقرها القانون وكان الطعن بالنقض لا يخرج عن هذا الأصل فلا يكفى لقبوله مجرد أن يكون المطعون ضده طرفاً فى الخصومة أمام المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه ، بل يجب أيضاً أن يكون قد نازع خصمه فى طلباته أو نازعه الأخير فى طلباته هو .

( الطعن رقم 47 لسنة 63 ق - جلسة 1997/01/27 - س 48 ع 1 ص 223 ق 43 )

17 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق المدعى به مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التى يقرها القانون، ومفاد ذلك أن مجرد توافر مصلحة المدعى فى الحصول على منفعة مادية أو أدبيه لا يكفى لقبول دعواه ما دامت هذه المصلحة لا تستند إلى حق له يحميه القانون .

( الطعن رقم 2441 لسنة 60 ق - جلسة 1995/03/26 - س 46 ع 1 ص 529 ق 105 )

18 ـ المقرر عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من قانون المرافعات ألا يقبل أى طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون ، وكان الثابت بالأوراق أن الطالب قد صدر قرار بعزله من وظيفته فإنه لا تكون له مصلحة فى النعى على تقرير التفتيش المطعون فيه ومن ثم يتعين عدم قبول الطلب .

( الطعن رقم 106 لسنة 61 ق - جلسة 1993/05/04 - س 44 ع 1 ص 79 ق 15 )

19 ـ المادة 82 من قانون المرافعات أعطت المدعى علية الحق فى طلب السير فى الدعوى بعد شطبها لتغيب المدعى ولما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة مناط الدعوى وفق المادة الثالثة من قانون المرافعات ، وميعار المصلحة الحقه ، سواء كانت حالة أو محتمله ، إنما هو كون الحكم المطعون فيه قد أضر بالطاعنة حين قضى برفض طلباتها كلها أو كان ذلك وكان الثابت من واقع الدعوى أن المطعون ضده أقام الدعوى على الطاعنة بطلب إثبات طلاقه لها طلقة رجعية بعد الدخول على سند أنهما مسيحيين مختلفي الطائفة والملة ولدى نظر الدعوى أمام محكمة أول درجة قررت شطبها فقامت الطاعنة بتجديدها والسير فيها بهد شطبها لانسحاب المطعون ضده وطلبت الحكم فيها بإثبات الطلاق. لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي قد فصل فى الدعوى على أساس ذلك ، وكان ما أورده فى أسبابه من أنه لم يقدم أياً من طرفى الدعوى ما يفيد تغيير أحدهما لطائفته، وإذ كانت طائفة الأقباط الأرثوذكس التى ينتمى إليها الطرفين لا تعرف الطلاق وانتهى إلى القضاء برفض الدعوى، مما مفاده أن محكمة أول درجة قد فطنت إلى طلبات الطاعنة بصحيفة تجديد الدعوى من الشطب باعتبارها لها مصلحة فى الحكم ويكون الحكم قد صدر عليها ، ويحق لها الطعن فى هذا الحكم بالاستئناف . وإذ استأنفت الطاعنة هذا الحكم فقد انتقلت الدعوى إلى محكمة الاستئناف بما سبق أن أيدته الطاعنة من طلبات أمام محكمة أول درجة، وتعتبر مطروحة أمام محكمة الاستئناف للفصل، وإذ قضى الحكم المطعون بعدم جواز الاستئناف يكون قد حجب نفسه عن مواجهة موضوع النزاع مما يعيبه بالخطأ فى تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق.

( الطعن رقم 78 لسنة 59 ق - جلسة 1992/02/18 - س 43 ع 1 ص 325 ق 70 )

20 ـ شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التداعى حتى تعود على المدعى منفعة من اختصام المدعى عليه للحكم له بطلباته مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعاتبأنه المصلحة القائمة التى يقرها القانون .

( الطعن رقم 2407 لسنة 51 ق - جلسة 1988/01/25 - س 39 ع 1 ص 134 ق 31 )

21 ـ لما كان شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التداعى حتى تعود على المدعى منفعة من إختصام المدعى عليه للحكم له بطلباته مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعاتبأنه المصلحة القائمة التى يقرها القانون ، وكان الطعن بالنقض لا يخرج عن هذا الأصل فلا يكفى لقبوله مجرد أن يكون المطعون ضده طرفاً فى الخصومة أمام المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه بل يجب أيضاً أن يكون قد نازع خصمه أمامها فى طلباته أو نازعه خصمه فى طلباته هو ، ولما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المطعون ضدها الأولى إختصمت المطعون ضدهما الثانى والثالث ليصدر الحكم فى مواجهتهما ، وأن الأخيرين وقفا من الخصومة موقفاً سلبياً ، فإنه لا تكون للطاعن مصلحة فى إختصامهما أمام محكمة النقض .

( الطعن رقم 790 لسنة 48 ق - جلسة 1982/12/16 - س 33 ع 2 ص 1163 ق 210 )

22 ـ شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التقاضى حتى تعود على المدعى منفعة من إختصام المدعى عليه للحكم عليه بطلبه ، مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التى يقرها القانون ، وكان الطعن بالنقض لا يخرج على هذا الأصل ، وكان مناطه المصلحة فى الطعن أن يكون الطاعن طرفاً فى الحكم وألزمه الحكم بشىء و إذ حكم على الطاعن فى الطعن الأول بإخلائه من العين المؤجرة له من الباطن من المستأجر الأصلى ، فقد توافرت مصلحته فى الطعن .

( الطعن رقم 638 لسنة 47 ق - جلسة 1981/05/16 - س 32 ع 2 ص 1479 ق 267 )

23 ـ قاعدة المصلحة مناط الدعوى وفق المادة الثالثة من قانون المرافعات تطبق حين الطعن بالنقض ، كما تطبق فى الدعوى خلال رفعها وعند استنئاف الحكم الذى يصدر فيها ، ومعيار المصلحة الحقة ، سواء كانت حالة أو محتملة ، إنما هو كون الحكم المطعون فيه قد أضر بالطاعن حين قضى برفض طلباته كلها أو قضى له ببعضها دون البعض الآخر ، فلا مصلحة للطاعن فيما يكون قد صدر به الحكم وفق طلباته أو محققاً لمقصوده منها . وإذ كان الحكم المطعون فيه قد صدر محققاً لمقصود الطاعنين ، مما تنتفى معه مصلحتهما فى الطعن ، ويتعين من أجل ذلك القضاء بعدم جواز الطعن .

( الطعن رقم 989 لسنة 46 ق - جلسة 1980/12/23 - س 31 ع 2 ص 2112 ق 392 )

24 ـ المصلحة المحتملة التى تكفى لقبول الدعوى لا تتوافر كصريح نص المادة الثالثة من قانون المرافعات إلا إذا كان الغرض من الطلب أحد أمرين "الأول" الإحتياط لدفع ضرر محدق و"الثانى" الإستيثاق لحق يخش زوال دليله عند النزاع فيه وإذ كان الطعن بالنقض المرفوع من الطاعنين فى الحكم الصادر بسقوط حقها فى أخذ العقار بالشفعة لعدم إختصام المشترى المدعى بصورية عقده لا يتوافر به أى من هذين الأمرين فى الدعوى المبتدأة المرفوعة منهما بطلب صورية هذا العقد فإن المصلحة المحتملة بمعناها المقصود فى المادة المذكورة لا تكون متوافرة رغم الطعن بالنقض فى الحكم بسقوط الشفعة .

( الطعن رقم 135 لسنة 46 ق - جلسة 1979/01/25 - س 30 ع 1 ص 381 ق 74 )

25 ـ لئن الأصل- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الوزير هو الذى يمثل الدولة فى الشئون المتعلقة بوزارته وذلك بالتطبيق للأصول العامة باعتباره المتولى الإشراف على الشئون وزارته المسئول عنها والذي يقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها إلا أنه إذا أسند القانون صفة النيابة فيما يتعلق بشئون هيئة معينة أو وحدة إدارية معينة إلى غير الوزير فيكون له عندئذ هذه الصفة بالمدى وفى الحدود التى بينها القانون.

( الطعن رقم 3293 لسنة 61 ق - جلسة 1992/05/28 - س 43 ع 1 ص 775 ق 160 )
( الطعن رقم 298 لسنة 34 ق - جلسة 1968/05/14 - س 19 ع 2 ص 944 ق 140 )

26 ـ هيئة قضايا الدولة تنوب عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة، فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ولدى الجهات الأخرى التي خولها القانون اختصاصا قضائيا، وذلك عملاً بالمادة السادسة من القانون 75 لسنة 1963 المعدل بالقانون 10 لسنة 1986، وكانت الجمعية التعاونية الزراعية طبقا للقانون رقم 122 لسنة 1980 - بإصدار قانون التعاون الزراعي - ليست من الأشخاص الاعتبارية العامة وإنما هى - فى الأصل - من أشخاص القانون الخاص، وبالتالي فإن هيئة قضايا الدولة، لا تملك قانوناً أن تنوب عنها أمام المحاكم.

( الطعن رقم 4229 لسنة 70 ق - جلسة 2001/06/20 - س 52 ع 2 ص 965 ق 187 )

27 ـ يشترط لقبول الدعوى أن يكون كل من المدعى والمدعى عليه أهلاً للتقاضى ، وإلا بأشرها من يقوم مقامهما . وإذ كان الثابت من عقدى البيع المسجلين أن .... إشترى بوصفه ولياً طبيعياً على أولاده القصر حصتهم فى الأعيان المبيعة بالعقدين المذكورين وأن والدتهم ...... دفعت ثمنها من مالها الخاص تبرعاً منها لهم ، فإن قيام الشفيع بتوجيه دعوى الشفعة إليها دون والدهم الذى له الولاية عليهم يجعل الدعوى غير مقبولة بالنسبة لهم ، ولا يجدى الحكم المطعون فيه إستناده إلى المادة 195 من القانون المدنى ، والقول بأن والدة القصر كانت فضولية تعمل لصاحهم ، إذ فضلاً عن أن قيامها بدفع الثمن عنهم لم يكن أمراً عاجلاً ضرورياً - فإن ذلك لا يخولها حق تمثيلهم فى التقاضى .

( الطعن رقم 176 لسنة 38 ق - جلسة 1973/11/29 - س 24 ع 3 ص 1189 ق 206 )

28 ـ إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعنين تمسكوا فى دفاعهم أمام محكمة الاستئناف أن المطعون ضدهم اختصموا الطاعن الأول عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على بناته الطاعنات باعتبار أنهن قصر رغم بلوغهن سن الرشد قبل رفع الدعوى الحاصل فى 1958/1/29، كما اختصموا الطاعن ____.. فى شخصه رغم أنه قاصر دون توجيه الخصومة فى شخص الطاعن الأول والده بصفته ولياً طبيعياً عليه وقدموا شهادات قيد المواليد الدالة على صحة هذا الدفاع فإن مؤدى ما تقدم اعتبارهم غير ممثلين فى الخصومة تمثلاً صحيحاً ، وتكون هذه الخصومة بالنسبة لهم غير ذى أثر وبالتالى تكون منعدمة حتى ولو لم ينبه الخصوم أو المحكمة إلى صفة وضع هؤلاء الطاعنين .

( الطعن رقم 2186 لسنة 59 ق - جلسة 1995/02/09 - س 46 ع 1 ص 370 ق 72 )

29 ـ إستخلاص توافر الصفة فى الدعوى من قبيل فهم الواقع فى الدعوى وهو مما يستقل قاضى الموضوع وبحسبه أن يبين الحقيقة التى اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفى لحمله .

( الطعن رقم 758 لسنة 48 ق - جلسة 1979/05/07 - س 30 ع 2 ص 297 ق 239 )

30 ـ مؤدى نص المواد 1 ، 12 ، 18 ، 30 ، 33 من القانون 51 لسنة 1969 بشأن الجمعيات التعاونية الزراعية أن الجمعية التعاونية الزراعية لها شخصية اعتبارية مما مقتضاه أن تكون لها عملاً بالمادة 53 من القانون المدنى ذمة مالية مستقلة كما أن لها حق التقاضى ونائب يعبر عن إدارتها ، لما كان ذلك وكان الثابت أن المطعون عليه الثالث وقت وقوع الحادث كان تابعاً للجمعية التعاونية الزراعية فتكون مسئولة عن الضرر الذى أحدثه تابعها بعمله غير المشروع طالما كان واقعاً منه فى حالة تأدية وظيفته أو بسببها وفقاً للمادة 174 من القانون المدنى ، لما كان ما تقدم و كان يشترط لقيام رابطة التبعية أن يكون للمتبوع على التابع سلطة فعلية فى رقابته وتوجيهه ، ومن ثم فإنه لا يغير من ذلك ما نصت عليه المادة 52 من القانون رقم 51 لسنة 1969 من أن تباشر الدولة سلطتها فى الرقابة على الجمعيات التعاونية الزراعية بواسطة الوزير المختص ، لأن ذلك يفقد الجمعية السالفة الذكر شخصيتها الإعتبارية . وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأيد حكم محكمة أول درجة بصدد ما تضمنه من رفض الدفع المبدى من الطاعن - وزير الزراعة بصفته - بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة له وما ترتب على ذلك من إلزامه بأداء مبلغ التعويض المقضى به فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه فى هذا الخصوص .

( الطعن رقم 1851 لسنة 49 ق - جلسة 1980/12/09 - س 31 ع 2 ص 2016 ق 375 )

31 ـ لما كان البين من الأوراق أن الطاعنين اختصما الشركة المطعون ضدها فى الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية فى قضية الجنحة رقم ..... باعتبارها المؤمن لديها من مخاطر السيارة التى تسببت فى وقوع الحادث وأنها بذلك تلتزم مع المتهم بأداء التعويض المؤقت إليهما عما أصابهما من ضرر فإن الحكم الجنائي الصادر فى تلك القضية الجنائية والذى قضى فى الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية بإلتزام المتهم والشركة المطعون ضدها بالتضامم ان يؤديا إلى المضرورين - الطاعنين - مبلغ مائة جنيه وواحد تعويضاً مؤقتا يجوز حجية - بعد ان صار باتا - فى شأن ثبوت مسئولية الشركة المطعون ضدها عن التعويض باعتبارها الشركة المؤمنة على مخاطر السيارة التى تسببت فى إحداث الضرر الذى لحق بالطاعنين مما يمتنع معه على هذه الشركة ان تثير من جديد فى الدعوى المطروحة التى اقيمت بطلب التعويض الكامل. منازعة تتعلق مساءلتها عن التعويض لورود هذه المنازعة على ذات المسألة الأساسية المقضى فيها بالحكم الجنائى، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم قبول الدعوى بالنسبة للشركة المطعون ضدها لرفعها على غير ذى صفة رغم سابق الزامها بالتعويض المؤقت بالتضامم مع قائد السيارة فإنه يكون قد اخطا فى تطبيق القانون.

( الطعن رقم 3344 لسنة 60 ق - جلسة 1996/03/28 - س 47 ع 1 ص 590 ق 111 )

32- المقرر - بقضاء هذه المحكمة - أن جواز الطعن فى الأحكام من عدمه متعلق بالنظام العام ويتعين على المحكمة أن تعرض لبحثه ولو من تلقاء نفسها ، ولما كان مفاد نص المادتين 3 ، 211 من قانون المرافعات أن قاعدة المصلحة مناط الدعوى كما تطبق فى الدعوى حال رفعها تطبق عند استئناف الحكم الصادر فيها -وفى الطعن بالنقض - إذ إن مناط المصلحة الحق هو أن يكون الحكم المستأنف حين قضى برفض طلباته أو الحكم له ببعضها أو أن يكون محكوماً عليه بشيء لخصم أيا كان مركز المحكوم عليه فى الدعوى مدعياً أو مدعى عليه .

( الطعن رقم 389 لسنة 68 ق - جلسة 20 / 2 / 2023 ) 

33- المقرر - فى قضاء هذه المحكمة -أنه ولئن كان الدفع بانعدام الصفة وفقًا لنص المادة 3 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 المعدل بالقانون 81 لسنة 1996 يتعلق بالنظام العام إلا أن قبوله لأول مرة أمام محكمة النقض مشروط بألا يخالطه عنصر واقعى لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع إذ يجب أن يكون تحت نظرها عند إصدار الحكم فيه جميع العناصر الواقعية التى تتمكن من الإحاطة والإلمام به والحكم فى الدعوى بموجبه فإن تبين بأن أحد هذه العناصر تنقصها وكان الوقوف عليها يستلزم تحقيقًا وتمحيصًا فإنه يمتنع عرض الدفع المتعلق بانعدام الصفة لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت الشركة الطاعنة قد واجهت دفاع المطعون ضدهم وتناضلت معهم بشأنه ولم تنكر عليهم صفتهم فى المطالبة بالحق المدعى به وقد خلت الأوراق مما يفيد سبق تمسكها بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع، ومن ثم فإنه يعتبر سببًا جديدًا لا يجوز التحدى به لأول مرة أمام هذه المحكمة ويضحى غير مقبول .

( الطعن رقم 104 لسنة 86 ق - جلسة 19 / 10 / 2022 )

 34- مفاد نص المادتين 3 ، 211 من قانون المرافعات أن قاعدة المصلحة مناط الدعوى كما تطبق في الدعوى حال رفعها تطبق عند استئناف الحكم الصادر فيها إذ أن مناط الدعوى الحقة فيها إنما هو كون الحكم المستأنف قد أضر بالمستأنف حين قضي برفض طلباته كلها أو قضى له ببعضها دون البعض الآخر أو أن يكون محكوماً عليه بشيء لخصمه أياً كان مركز المحكوم عليه في الدعوى سواء كان مدعياً أو مدعى عليه .

( الطعن رقم 12324 لسنة 87 ق - جلسة 22 / 4 / 2024 )

شرح خبراء القانون

يشترط لوجود حق الدعوى ما يلي :

أولاً : وجود حق أو مركز قانونی :

ما دامت الدعوى وسيلة لحماية حق أو مركز قانونی، فإنها تفترض لوجودها سبق وجود حق أو مركز يحميه القانون. ومن المقرر أن الحق يكون محلاً للحماية القضائية بصرف النظر عن قيمته الاقتصادية .

وقد ذهب البعض إلى القول بأن الدعوى يمكن أن توجد بغير وجود أي حق أو مركز قانونی، ويكون الهدف من الدعوى هو مجرد تطبيق القانون . وقيل تأييداً لهذا الرأي إن دعوى الحيازة ترفع وهي لا تحمي أي حق وإنما تحمی مرکزاً واقعياً. ولكن الواقع أن هذه الدعوى تحمى هي أيضاً مركزاً قانونياً . فالحيازة إن كانت حالة واقعية إلا أنها - ما دامت ترتب آثاراً قانونياً - تعتبر مركزاً قانونياً. والواقع أن الحق الموضوعي أياً كان ليس سوى مركز واقعی «مصلحة مادية أو أدبية» يضفي عليه القانون حمايته فيسمى حقاً.

ويعبر عن هذا الشرط فقها بعبارة «حيث لا حق لا دعوى» . وأحياناً يعبر عنه بالقول بأنه يشترط في المصلحة في الدعوى أن تكون مصلحة قانونية وهذا التعبير هو الذي اعتمده القانون المصري بإشتراطه في المصلحة في الدعوى أن تكون مصلحة «يقرها القانون» (مادة 3 مرافعات).

وتحقق هذا الشرط يتطلب توافر أمرين :

(أ) وجود قاعدة قانونية تحمى مصلحة من النوع الذي يتمسك به المدعي، وهذه مسألة قانونية تبحث من الناحية المجردة. فإذا لم يكن هناك وجود لمثل هذه القاعدة القانونية، أي إذا لم توجد حماية من القانون لهذه المصلحة التي يتمسك بها المدعى، فلا ينشأ الحق في الدعوى. وهكذا إذا كان شخص يطالب بإلزام شخص آخر بدفع دين قمار، فإن الحق في الدعوى لا يوجد. ذلك أن القانون لا يحمي مثل هذا الدين. كذلك إذا طالب شخص بالطلاق في قانون لا يبيح الطلاق، أو طالب بحماية محض مصلحة إقتصادية لا تعتبر مصلحة قانونية.

ولا يشترط أن ترد القاعدة القانونية المجردة في نص صريح في التشريع . فيمكن أن يصل القاضي إلى تقرير وجودها عن طريق القياس أو بالنظر إلي المبادىء العامة في القانون . وبعبارة عامة عن طريق قواعد التفسير المعروفة .

(ب) ثبوت وقائع معينة تنطبق عليها القاعدة القانونية المجردة. وهذه مسألة واقعية تبحث في الحالة المحددة التي يطرحها المدعى على القضاء. فإذا كان (أ) يرفع دعوی دائنية على (ب) ، فإنه يجب إثبات أن (ب) مدين لـ (أ).

ومن الطبيعي أن المسألة القانونية المجردة تعرض قبل المسألة الواقعية، لأنه إذا لم توجد القاعدة القانونية المدعاة، فلا معنى لإثبات الوقائع التي تنطبق عليها هذه القاعدة .

 ثانياً : اعتداء على الحق أو المركز القانوني :

لا يكفي لنشأة الحق في الدعوى، وجود حق أو مركز قانونی معین مما يحميه القانون، بل أيضاً حدوث ما يحرم المدعي من المنافع التي يحصل عليها من هذا الحق أو المركز القانوني مما يوجب تدخل القضاء لحمايته بتطبيق جزاء القاعدة القانونية.

فالدعوى - باعتبارها وسيلة تحقيق الحماية القضائية - لا تنشأ إلا حيث توجد الحاجة لهذه الحماية. ولهذا إذا كان شخص دائناً لآخر، فليس له الحق في الدعوى ما دام الحق غير مستحق الأداء. فإذا أستحق أداؤه ولم يف به المدين فإن ذلك يعتبر إعتداء على حق الدائن يؤدي إلى نشأة الحق في دعوى الدائنية.

والاعتداء على الحق أو المركز القانوني قد يتخذ مظاهراً مختلفة. فقد يكون مجرد إثارة شك حول وجود الحق أو المركز القانوني، فيكون صاحب الحق في حاجة إلى حكم قضائي يقرر وجود حقه نفياً لهذا الشك . ذلك أن التأكيد الكامل للحق ضروری لحصول صاحب الحق على منفعته منه.

وقد يتخذ الاعتداء صورة حرمان فعلى بحيث يصبح صاحب الحق في مرکز مادی مخالف لمركزه القانوني، فيكون له الحق في دعوى إلزام تمهيداً لإعادة مطابقة المركز الواقعي على المركز القانوني. وهكذا إذا إغتصب (أ) عقاراً لـ (ب) فإن لـ (ب) - بإعتباره مالكاً حرم من ملكه - الحق في دعوى لإسترداد العقار من (أ) .

وأخيراً قد يتخذ الاعتداء صورة تتطلب صدور حكم قضائي يدخل تغييراً في المركز القانوني القائم . فإذا أخل متعاقد بالتزامه الناشئ عن العقد، فإن النظام القانوني يخول المتعاقد الآخر الحق في الحصول على حكم بفسخ العقد، أي الحق في الحصول على حكم قضائي يغير المركز القانوني بين المتعاقدين من رابطة تعاقدية إلى انحلال العقد .

ثالثاً - الصفة في الدعوى :

يقصد بالصفة في الدعوى، أن يكون رافع الدعوى إلى القضاء هو صاحب الحق في الدعوى. وأن يكون المرفوع عليه الدعوى هو من يوجد الحق في الدعوى في مواجهته فهو تمييز للجانب الشخصي للحق في الدعوى .

وفي الغالب، وبمجرد إثبات الحق أو المركز القانوني وحدوث الاعتداء تثبت الصفة في الدعوى. ذلك أن الدعوى التي تنشأ عن الاعتداء على حق معين تكون لصاحب هذا الحق في مواجهة المعتدي. ولهذا السبب يميل كثير من الفقهاء إلى عدم اعتبار الصفة شرطاً متميزاً من شروط الدعوى.

على أن مشكلة الصفة – سواء في جانبها الإيجابي أو في جانبها السلبي - قد تبرز منفصلة عن مشكلة إثبات الحق أو المركز القانوني محل الحماية. وهو ما يقتضي التأكد من صاحب الدعوى أو ممن توجد في مواجهته.

ويبدو هذا في الحالات التالية :

1- حالة إنتقال الحق الموضوعی : فإذا كان رافع الدعوى قد إنتقل إليه هذا الحق، بعد الاعتداء عليه . ففي هذه الحالة ينتقل الحق ومعه الدعوى التي تحميه. ولما كانت الدعوى قد نشأت للسلف، فإنه يجب على الخلف إثبات إنتقال الحق إليه - بالإرث أو بالحوالة ... إلخ – لكي يثبت صفته في الدعوى.

2- إذا كان الحق متعدد الأطراف : بأن كان هناك أكثر من طرف إيجابي أو سلبي ففي هذه الحالة تثور مشكلة من له صفة في الدعوى هل جميع الأطراف أو واحد منهم فقط؟ وفي الغالب، يقدم المشرع الحل فينص مثلاً على أنه عند تضامن الدائنين، يكون لأي منهم الحق في الدعوى (280 مدنی مصری) .

فإذا سكت المشرع فما الحل؟ يجب التفرقة بين الدعوى التي ترمي إلى إلزام والدعاوى المقررة أو المنشئة. أما دعوی الإلزام - وهي الدعوى التي ترد على حق في أداء - فإنها يمكن أن تكون من طرف واحد، أو ضد طرف واحد. ذلك أن دعوى الإلزام بطبيعتها لا ترتب أثراً إلا في مواجهة أطراف الدعوى، ولهذا فإنه يمكن من الناحية القانونية تصور حكم يلزم أحد أطراف الرابطة القانونية وحده أو يكون في صالحه وحده. أما إذا كانت الدعوى مقررة أو منشئة تتعلق برابطة قانونية واحدة، فإنها لا يجوز أن تكون إلا بين جميع أطراف هذه الرابطة، ذلك أن ما يوجد كرابطة أو مركز قانوني واحد لا يتصور أن يتأكد أو أن يتغير إلا في مواجهة جميع أطرافه.

3- إذا كانت المصلحة القانونية محل الحماية مصلحة جماعية أو مصلحة عامة. ففي هذه الحالة، تتوافر الصفة في الدعوى ليس فقط لصاحب الحق أو المركز القانوني الموضوعي وإنما لغيره ممن تهمة حماية هذه المصلحة. وقد تتوافر الصفة لهيئة يناط بها حماية هذه المصلحة العامة فتكون وحدها صاحبة الصفة في الدعوى . ومن تطبيقات هذه الحالة :

(أ) دعاوى النقابات والجمعيات :

قد ترفع النقابة أو الجمعية إحدى دعاوى ثلاثة :

1- الدعوى التي ترفعها باعتبارها شخصاً معنوياً له ذمته المالية المستقلة وحقوقه الخاصة حماية لهذه الحقوق. وذلك سواء كانت الدعوى من النقابة أو الجمعية قبل أعضائها أو قبل الغير، ومثالها الدعوى التي ترفعها النقابة أو الجمعية بإعتبارها مستأجرة لمنزل ضد مؤجر المنزل تطالبه بالوفاء بالتزاماته الناشئة عن عقد الإيجار، أو دعوى التعويض التي ترفعها ضد من اغتصب مالاً من أموالها، أو الدعوى التي ترفعها ضد مقاول لتنفيذ التزامه بموجب العقد المبرم بينهما. وهنا لا تثور أية شبهة في صفة النقابة في هذه الدعوى، إذ النقابة هي صاحبة الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه.

(2) دعاوی ترفعها للدفاع عن مصلحة ذاتية لأحد أعضائها : مثلاً إذا أصيب أحد العمال بضرر، نشأ له حق في دعوى تعويض. فهل النقابية التي ينتمي إليها صفة في هذه الدعوى؟ من الواضح أن الأمر يتعلق بمصلحة ذاتية للعامل، ولهذا فله وحده صفة في الدعوى. ولا صفة للنقابة التي ينتمي إليها.

وقد يحدث أن ينص القانون على تخويل النقابة رفع هذه الدعاوى. ومن هذه ما تنص عليه المادة 165 من قانون رقم 12 عام 2003 الخاص بقانون العمل من أن النقابة التي تكون طرفاً في عقد العمل المشترك رفع الدعاوى الناشئة عن الإخلال بهذا العقد إذا كان هذا الإخلال يضر بمصلحة أحد أعضاء هذه النقابة. على أنه يجب ملاحظة أن الصفة في الدعوى هنا تبقى للعامل، ولا صفة للنقابة. وبعبارة أخرى دعوى التعويض هي دعوى العامل وليست دعوى النقابة. والنقابة ليست سوى ممثل قانوني للعامل، ويجب عدم الخلط بين الصفة وبين التمثيل القانوني، ونتيجة لأن الدعوى هي دعوى العامل، فمن المقرر أن للعامل أن ينزل عنها. وإذا نزل عنها فلا يجوز عندئذ للنقابة رفعها. وإذا كانت قد رفعتها، فإن نزول العامل عن الدعوى يؤدي إلى انقضاء الدعوى و زوال الخصومة .

(3) دعاوی ترفعها للدفاع عن المصلحة الجماعية : والمقصود بالمصلحة الجماعية ليس فقط مجموع المصالح الفردية لأعضاء النقابة أو الجمعية وإنما أيضاً المصلحة المشتركة التي تعلو على المصالح الذاتية لهؤلاء الأعضاء والتي ينظر إليها كمصلحة مستقلة.

وقد ذهب جانب من الفقه الفرنسي التقليدي إلى إنكار صفة النقابة في الدعوى للدفاع عن المصلحة الجماعية. واستند في هذا إلى أن فكرة المصلحة الجماعية هي مجرد خيال فلا توجد في الحقيقة سوى مصالح الأعضاء. وأنه يكفي أن يقوم كل عضو بالدفاع عن مصلحته، وبهذا تتحقق مصلحة النقابة . ولكن هذه الفكرة لم تلق قبولاً لدى كثير من الفقهاء. ذلك أنها تؤدي إلى الإقلال من الدور الذي تقوم به النقابات دفاعاً عن المصالح العامة للمهنة التي تمثلها، كما تحرم أعضاء النقابة - وخاصة نقابات العمال - من مدع قوي يستطيع الدفاع عن مصالحهم المشتركة دون خوف من رب العمل . ولذا استقر القضاء الفرنسي - بعد قليل من التردد - على تخويل النقابة صفة في الدعوى للدفاع عن المصلحة الجماعية، وذلك في حكم مشهور للدوائر المجتمعة لمحكمة النقض الفرنسية صدر بتاريخ 3 أبريل 1913. وتأيد هذا الاتجاه بنص صريح في قانون 12 مارس 1920. وقد وجد هذا الاتجاه تأييداً من المشرع المصري منذ سنة 1942 (مادة 16 من قانون رقم 85 لسنة 1942) ، وقبولاً عاماً من القضاء والفقه المصريين.

وتطبيقاً لما تقدم لنقابة المحامين الحق في الدعوى ضد الشخص الذي يقذف في حق مهنة المحاماة أو يحقر من شأنها. ولنقابة العمال الحق في الدعوى ضد رب العمل للمطالبة بحق العمال لديه في العطلة الرسمية، أو في الحد الأدنى للأجور إلى غير ذلك من الحقوق المشتركة للعمال المنتمين للنقابة.

ويجب لنشأة الحق في الدعوى للنقابة للدفاع عن المصلحة الجماعية، أن يحدث إعتداء على هذه المصلحة، فإذا كان الاعتداء قد وقع على مصلحة ذاتية لأحد الأعضاء دون أن يمس هذا الاعتداء المصلحة الجماعية، فلا تنشأ الدعوى للنقابة. على أن المصلحة الجماعية يمكن أن تكون محلاً للاعتداء دون أن ينال الأذي مصلحة أي عضو في النقابة . فالمهم هو النظر إلى المصلحة الجماعية لا المصلحة الذاتية للأعضاء .

والدعوى الجماعية التي للنقابة، تكون لها باعتبارها شخصية قانونية مستقلة عن شخصية أعضائها، لا باعتبارها نائبة عنهم . فإذا كان الاعتداء يصيب في الوقت نفسه مصلحة ذاتية لأحد الأعضاء، ومصلحة جماعية ، نشأت عن هذا الاعتداء دعويان: دعوى فردية لكل عضو أضيرت مصلحته الذاتية، ودعوى جماعية للنقابة. وتكون الدعوى الفردية مستقلة عن الدعوى الجماعية لإختلاف شخص صاحبها، واختلاف المصلحة المطلوب حمايتها بالدعوى.

وتقبل الدعوى من النقابة للدفاع عن المصلحة الجماعية، ولو لم تكن النقابة تمثل كل المشتغلين بالمهنة المعنية. على أن من المفهوم أن صفة النقابة تقتصر على الحصول على الحماية القضائية للمصلحة الجماعية التي تتعلق بالهدف من تكوينها، وفي حدود هذا الهدف وحده .

(ب) دعوى الحسبة :

بسبب أهمية المصلحة المحمية وتعلقها بالمجتمع، قد يخول القانون الدعوى لحمايتها لغير المعتدى عليه. ومن صور هذه الدعاوى الدعوى الشعبية في القانون الروماني، حيث كان يجوز رفعها من أي شخص من الشعب.

ومن صورها أيضا دعوى الحسبة في الشريعة الإسلامية . والحسبة لغة فعل ما يحتسب عند الله، والحسبة فرض من فروض الكفاية، وتؤدى شرعا إما بدعوى إلى القاضي، أو بالشهادة أمامه في دعوى قائمة، أو بالشكوى إلى المحتسب أو والى المظالم، وتتعلق بما هو حق الله أو فيما كان حق الله فيه غالباً، كالدعوى بإثبات الطلاق البائن أو بالتفريق بين زوجين زواجهما فاسد. وتعتبر دعوى حسبة أيضاً طلب الحجر على شخص أو طلب تعيين قيم، أو طلب ثبوت نسب الصغير، ولأن دعوى الحسبة مستمدة من الشريعة الإسلامية، فلا يجوز أن يعمل بها في القانون المصري إلا في مسائل الأحوال الشخصية التي تحكمها قواعد هذه الشريعة.

ولقد كان من المسلم فقهاً وقضاء في مصر، إمكانية أداء الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية برفع دعوى الحسبة مباشرة إلى القضاء. ولكن المشرع المصري رغبة منه في الحد من دعاوى الحسبة التي ترفع على سبيل الكيد أصدر قانوناً جديداً هو القانون رقم 3 لسنة 1996 قصر فيه طريق أداء الحسبة على الشكوى أمام النيابة العامة . فقد نصت المادة الأولى منه على أن رفع الدعوى في مسائل الأحوال الشخصية على وجه الحسبة يكون من سلطة النيابة العامة دون غيرها وعلى هذا، فإن دعوى الحسبة التي ترفع أمام المحكمة في مسائل الأحوال الشخصية من غير النيابة العامة تكون دعوى غير مقبولة . وعلى المحكمة أن تقضي بعدم قبولها من تلقاء نفسها لرفعها من غير ذي صفة.

ويقتصر حق الشخص، الذي يرى مبرراً لرفع دعوى حسبة في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية، على تقديم بلاغ إلى النيابة العامة المختصة يبين فيه موضوع الطلب وأسبابه ويرفق به المستندات التي تؤيده. وتقوم النيابة العامة بسماع طرفي البلاغ، وتجرى التحقيقات اللازمة. ثم تقرر إما حفظ البلاغ أو رفع دعوى الحسبة إلى المحكمة. ويجب أن يصدر أي من القرارين من محام عام على الأقل، وأن يكون مسبباً وعلى النيابة العامة إعلان القرار إلى ذوي الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره . (مادة 1 من القانون).

وللنائب العام، وفقاً للمادة الثانية من القانون، سواء من تلقاء نفسه أو بناء على تظلم من ذوي الشأن، إلغاء القرار الصادر برفع الدعوى أو بالحفظ، وذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره .. وإذا قام النائب العام بإلغاء القرار، فإن له أن يكتفي بهذا القرار أو أن يستكمل ما يراه من تحقيقات، ويقرر بعدها إما رفع الدعوى أو حفظ البلاغ. ويكون قراره نهائياً غير قابل للتظلم منه أو الطعن فيه.

ووفقاً للمادة الثالثة من القانون إذا رفعت النيابة دعوى الحسبة ، فإنها تكون هي صاحبة الدعوى، فتقف في الدعوى موقف المدعية، وتكون لها وعليها ما للمدعي في الخصومة من حقوق وواجبات (مادة 87 مرافعات) . فلها توجيه سير الخصومة وإبداء الطلبات والدفوع وتقديم الحجج وأدلة الإثبات. كما أن لها الطعن في الحكم بطرق الطعن المتاحة قانوناً إذا لم تجب إلى طلباتها، ويكون لها عندئذ سلطات وواجبات الطاعن . وذلك كله مع ملاحظة أنه إذا رفضت دعواها أو طعنها فإنها لا تلزم بالمصاريف أو أتعاب المحاماة. كما يلاحظ أن النيابة باعتبارها مدعية لا تكون أخر من يتكلم . وإنما يكون المدعي عليه هو آخر من يتكلم.

وعلى خلاف ما تقضى به القواعد العامة ، تنص المادة الرابعة من القانون على أنه «لا يجوز لمقدم البلاغ التدخل في الدعوى» . فليس لمقدم البلاغ أن يتدخل في الخصومة التي بدأتها النيابة العامة، ولهذا فإن صدر الحكم ضد النيابة العامة، فليس لمقدم البلاغ «الطعن في الحكم» (مادة 4 من القانون).

وتنص المادة الخامسة من القانون على أن تنظر الدعوى في أول جلسة ولو لم يحضر المدعى عليه فيها . ولهذا فإنه لا ينطبق على دعوى الحسبة ما ينص عليه قانون المرافعات (مادة 84) من أنه في الجلسة الأولى إذا حضر المدعي ولم يحضر المدعى عليه ولم يكن قد أعلن لشخصه أجلت المحكمة الدعوى إلى جلسة تالية يعلن المدعى بها الخصم الغائب .

على أنه يلاحظ أنه ينطبق على دعوى الحسبة ما تنص عليه المادة 82 مرافعات من أحكام تتعلق بشطب الدعوي . كما أن المادة الخامسة من قانون الحسبة لا تعني عدم احترام المبادئ الأساسية في التقاضي ومنها مبدأ المواجهة وحق الدفاع . ولهذا لا يجوز للنيابة في الجلسة التي تخلف عنها المدعى عليه أن تبدي طلبات جديدة أو تعدل طلباتها (مادة 83/ 2 مرافعات) .

المصلحة ليست شرطاً لنشأة حق الدعوى :

إذا توافرت الشروط الثلاثة السابقة (حق أو مركز قانوني - الاعتداء - الصفة)، نشأ لشخص الحق في الدعوى، أي نشأت له مصلحة في الحصول على حماية قانونية معينة بواسطة القضاء.

وقد جرى غالبية الفقهاء على اعتبار المصلحة شرطاً من شروط الدعوى.

ولا شك أنه - كما جرى الفقه منذ فترة طويلة - لا دعوى بلا مصلحة على أننا مع التأمل نجد أن المصلحة لا يمكن أن تكون شرطاً لنشأة الدعوى، ذلك أنها هي مضمون الحق في الدعوى. فالدعوى حق أي مصلحة يعترف بها القانون. وهي بالتحديد مصلحة شخص في الحصول على حماية القانون بواسطة القضاء، وبتوافر الشروط التي سبق ذكرها تنشأ هذه المصلحة، أي ينشأ الحق في الدعوى. وما دامت المصلحة هي العنصر الداخلى للدعوى، فلا يمكن أن تكون شرطاً لنشأته. فإذا كان الشخص حق موضوعي، وحدث له إعتداء لم يحرمه من منافع هذا الحق بحيث لا يحتاج إلى حماية القضاء، فلا ينشأ له الحق في الدعوى. أما إذا كان الإعتداء بحيث يحرم الشخص من منافع حقه حرماناً يحتاج معه إلى حماية القضاء، فإنه تنشأ له مصلحة في الحماية القضائية أي ينشأ له الحق في الدعوى. فالمصلحة لا تضيف جديداً إلى شروط الدعوى السابق بيانها.

وإذا استعرضنا الأمثلة التي تعطى لشرط المصلحة في الفقه والقضاء لتبين صدق هذا القول. فقد حكم بأن الدائن المرتهن الذي يسبقه دائنون آخرون في الترتيب ليس له لانعدام مصلحته أن يطلب بطلان إجراءات التوزيع إذا تبين أنه حتى لو حكم بالبطلان، فإنه لن يناله شيء في التوزيع ومن الواضح هنا أن دعوى الدائنين لا تنشأ لأن مخالفة قواعد إجراءات التوزيع لا تكون أي إعتداء على أي حق له في التوزيع. فهو ما دام متأخراً في الترتيب فليس له الحصول على أي شيء من التوزيع وليس له لهذا أي حق في الحماية القضائية بواسطة دعوى بطلان التوزيع. وحكم أيضاً بأنه ليس للدائن أن يرفع الدعوى غير المباشرة إذا كانت مصالحه لم يصبها ضرر وهنا أيضاً من الواضح أن الحق في الدعوى لا ينشأ لأنه لم يحدث أي إعتداء على حق الدائن. وحكم بأنه إذا أبرم الممثل القانوني لقاصر عقد دون الحصول على إذن وفقاً للقانون، فليس للطرف الآخر التمسك بالبطلان لانعدام مصلحته. ومن الواضح هنا أنه ليس له الحق في دعوى البطلان لأن مخالفة قاعدة وجوب الحصول على إذن لا تكون اعتداء على أي حق أو مركز قانوني له.

وفي اعتقادنا أن إخراج شرط المصلحة من شروط الدعوى، والنظر إليها - كما هي في الحقيقة - باعتبارها مضمون الحق في الدعوى يزيل كثيراً من اللبس الذي أحاط بهذه الفكرة. ذلك أنه تعرض في الخصومة ثلاثة أنواع من المصالح المتميزة: (أ) فهناك المصلحة الموضوعية محل الحماية وهي المصلحة التي تكون مضمون الحق الموضوعي أو المركز القانوني والتي يرفع المدعي دعواه لحمايتها. (ب) وهناك المصلحة في الدعوى، وهی الحاجة إلى الحصول على حكم من القضاء لحماية الحق أو المركز القانوني الموضوعي. والفارق بين المصلحتين واضح، فالمصلحة الأولى توجد ولو قبل الإعتداء على الحق، أما المصلحة الثانية فلا توجد إلا عند الإعتداء عليه إذ بهذا تنشأ الحاجة (أي المصلحة) للحماية القضائية . (ج) وهناك المصلحة الإجرائية، أى المصلحة في القيام بعمل إجرائي معين في الخصومة.

وإذا رجعنا إلى أقوال الفقهاء حول المصلحة في الدعوى لوجدنا بعضهم يعرفها بأنها المنفعة العملية التي تعود على الشخص من الالتجاء إلى القضاء، والبعض الآخر يقول إنه توجد مصلحة إذا كان عدم حصول الشخص على الحماية القضائية يؤدى إلى إصابته بضرر غير عادل.

ومجرد المنفعة العملية التي تعود على المدعي من الالتجاء إلى القضاء لا يمكن أن تكون شرطاً لنشأة الدعوى، لأنه لا يتصور أن يذهب عاقل إلی المحكمة بغير أن تكون هناك منفعة يمكن أن تعود عليه، على الأقل وفقاً لتصوره الخاص فإن كان المقصود هو ألا يكون المدعي متجهاً بالدعوى إلى مجرد الاضرار بالمدعى عليه أو ألا تكون المنفعة التي تعود عليه تافهة بالنسبة للضرر الذي يعود على المدعى عليه من بدء خصومة ضده، فعندئذ تغنى فكرة التعسف في استعمال الحق عن شرط المصلحة. ولا يكون الاشتراط المصلحة أي مبرر إلا أن تكون تطبيقاً لفكرة التعسف وقد يتعلق الأمر عندئذ لا بالدعوى ولكن بحق الإلتجاء إلى القضاء، أو بحق القيام بأي عمل إجرائي في الخصومة. والواقع أنه يمكن أن نرى هذه الفكرة في كثير من التطبيقات القضائية عن فكرة المصلحة في الدعوى.

ومن ناحية أخرى فإن الفقه، وهو يتكلم عن المصلحة في الدعوى يخلط بينها وبين كل من المصلحة الموضوعية (محل الحماية). والمصلحة الإجرائية :

أ- فيقول مثلاً إن المصلحة في الدعوى قد تكون مادية وقد تكون أدبية، ولهذا تقبل - لوجود مصلحة أدبية - دعوى تعويض الضرر الواقع على الشعور أو الشرف أو الشهرة ومن الواضح هنا أن المصلحة الأدبية هي المصلحة محل الحماية  وبحدوث الإعتداء على هذه المصلحة الأدبية ينشأ الحق في دعوى التعويض، أي تكون هناك مصلحة في حماية القضاء متمثلاً في حكم بالتعويض. ولا يتصور وصف هذه المصلحة الأخيرة بأنها مصلحة أدبية.

ب- وهو أحياناً يقصد المصلحة الإجرائية، من هذا كلامه عن المصلحة في دفع أو طلب إجرائي أو المصلحة في الطعن واعتبارها تطبيقاً لشرط المصلحة في الدعوى والواقع أن من الخطأ الربط بين الأمرين فقد توجد المصلحة في الدعوى لأحد الطرفين، وتوجد المصلحة في الدفع الإجرائي أو في الطعن، للطرف الآخر. ولا تعارض في هذا لأن المسألة تتعلق بمصلحتين مختلفتين لكل منهما وظيفة مختلفة : الأولى تتعلق بالدعوى أي بحق ينشأ نتيجة الإعتداء ويوجد قبل بدء الخصومة ويرمي إلى تطبيق القانون بواسطة القضاء لرد هذا الاعتداء. أما الثانية فتتعلق بحق إجرائي ينشأ نتيجة مركز الطرف في الخصومة، بصرف النظر عما إذا كان لديه الحق في الدعوى أم لا. ولعدم تعلق الحق في الدعوى بإجراءات الخصومة فمن المقرر أن العمل الإجرائي من المدعي يكون صحيحاً، ولو لم يتوافر لدى المدعي الحق في الدعوى.

فإذا بقينا في نطاق المصلحة في الدعوى، فإن هذه المصلحة - بالمعنى الذي حدده الفقه - لا يمكن أن تكفي كشرط لنشأة الحق في الدعوى، ذلك لأنه لو كان هذا القول صحيحاً لوجب تخويل الحق في الدعوى لكل من تكون له مصلحة في صدور حكم معين ولو تعلق الحكم بحق أو مركز قانوني ليس له. وهو ما لا يمكن التسليم به فالمصلحة مثلاً لا تكفي لتخويل شخص الحق في دعوى بطلان عقد ليس طرفاً فيه، أو دعوى بطلان عقد إذا كان البطلان جزاء لمخالفة قاعدة مقررة حماية للطرف الآخر. فعند الكلام عمن له الحق في دعوى بطلان عقد معين، يقال إنه الطرف الذي تقرر البطلان لمصلحته، وليس كل ذي مصلحة في البطلان، ولا يكون لكل ذي مصلحة التمسك بالبطلان إلا إذا كان البطلان متعلقة بالنظام العام. ومفاد هذا خطأ القول بأن كل من تعود عليه منفعة عملية من الحكم (أي من له مصلحة) يكون له الحق في الدعوى.

ولعدم كفاية شرط المصلحة في الدعوى، ولمحاولة إعطاء هذا الشرط كياناً ليس له، يضطر الفقه إلى وضع بعض الشروط التي بغيرها في رأيه لا تكفي المصلحة. فيقول أنه يشترط في المصلحة أن تكون قانونية، وأن تكون شخصية، وأن تكون حالة. ويفسر الفقه المصلحة القانونية بأنها تكون كذلك إذا كانت الدعوى مستندة إلى حق . ويفسر المصلحة الشخصية بأن تكون لصاحب الحق، وأخيراً يرى أن المصلحة يجب أن تكون قائمة وحالة فلا تكفي المصلحة المحتملة إلا استثناء وهي شروط – في تقديرنا - تتعلق بأمور أخرى غير المصلحة في الدعوى :

(أ) أما القول بقانونية المصلحة : فإن الفقه يجري على هذا الوصف وذلك لكي يخلص منه إلى أنه: من ناحية ليس لشخص أن يرفع دعوى إذا كانت مصلحته غير مشروعة، ومثلها الدعوى التي ترفعها الخليلة للمطالبة بالتعويض عن وفاة خليلها. ومن ناحية أخرى ليس لشخص أن يرفع دعوى إذا كانت مصلحته مجرد مصلحة أقتصادية، ولهذا إذا كانت هناك شركة تجارية تنافس أحد التجار فليس لهذا الأخير أن يرفع دعوى ببطلان هذه الشركة ولو كانت هذه الشركة باطلة، وذلك لأن مصلحة هذا التاجر هی مصلحة اقتصادية وليست مصلحة قانونية.

وهذه النتائج يمكن التوصل إليها بطريقة أكثر إتساقاً مع الأفكار القانونية بالرجوع إلى شرط وجود حق أو مركز قانونی موضوعی فالتاجر ليس له حق في الدعوى لبطلان الشركة التي تنافسه، لأنه ليس له حق أو مرکز قانوني أعتدى عليه ببطلان الشركة. كذلك الخليلة ليس لها الحق في التعويض لأن وفاة خليلها لا يعتبر اعتداء على أي حق أو مرکز قانوني لها.

حقيقة أن الحق الموضوعي مضمونه مصلحة، ويمكن وصف هذه المصلحة بأنها مصلحة قانونية، ولكن الأمر عندئذ يتعلق - كما قدمنا - بالمصلحة الأصلية محل الحماية، وليس بالمصلحة في الدعوى.

(ب) أما القول بشخصية المصلحة : فمن الأدق التعبير عنها بشرط الصفة . ذلك أن المقصود بشخصية المصلحة، أن تكون الدعوى لشخص من يرفعها وليست دعوى غيره أي أن تكون الدعوى شخصية وبعبارة أخرى أن يكون لرافعها صفة.

(ج) أما القول بأنه يجب أن تكون المصلحة قائمة وحالة، وأنه استثناء يمكن رفع الدعوى في بعض الحالات التي تكون فيها المصلحة محتملة، فإنه قول غير دقيق. فمن ناحية، من البديهي ألا تمنح الحماية القضائية إلا إذا كانت المصلحة فيها قائمة. ذلك أنه إذا حدث اعتداء تولدت عنه مصلحة في الدعوى، أي نشأ عنه حق في الدعوى، وانقضى هذا الحق فلا تمنح الحماية التي يرمي إليها هذا الحق. فقيام المصلحة في الدعوى، وبالتالي الحق في الدعوى، ضروری كضرورة عدم انقضاء أي حق لإمكان استعماله. ومن ناحية أخرى، فإن الكلام عن مصلحة حالة ومصلحة محتملة قول غير دقيق. ذلك أن المصلحة التي تبرر الدعوى - باعتبارها الحاجة إلى الحماية القضائية - لا تتصور إلا مصلحة حالة. فإذا كانت هذه الحاجة محتملة لم توجد بعد فليس هناك ما يبرر وجود الدعوى. وإن أردنا الدقة في التعبير فإنه يمكن القول إن المصلحة في الدعوى، وهي مضمون الحق في الدعوى، لا يمكن - شأنها شأن مضمون أى حق قائم - إلا أن تكون موجودة أي أن تكون حالة. وإذا كانت هناك حالات يرى الفقه والقضاء أنه تكفي فيها المصلحة «المحتملة» لنشأة الحق الدعوى، كما هو الحال بالنسبة لدعوى وقف الأعمال الجديدة، فإن الأمر في الواقع يتعلق بدعوى حالة أي بمصلحة حالة في الحماية القضائية، وإنما تنشأ الدعوى لمواجهة اعتداء محتمل فالاستثناءات التي يذكرها الفقه والقضاء لا ترد في الواقع على وصف الحلول في المصلحة في الدعوى، وإنما على وصف الحلول في الاعتداء الذي يولد المصلحة. فالأصل - كما ذكرنا - أنه يجب لنشأة الحق في الدعوى أن يحدث اعتداء على الحق أو المركز القانوني، وعلى هذا الأصل، أورد الفقه والقضاء ، وأقرهما المشرع في بعض الدول، استثناءات ينشأ فيها الحق في الدعوى، أي تنشأ مصلحة في الدعوى، ولو كان الاعتداء محتملاً.

والنظر إلى المصلحة باعتبارها مضمون الحق في الدعوى، يفسر الفارق بين الدعوي الخاصة والدعوى التي ترفعها النيابة العامة. فدعوی النيابة العامة ليس مضمونها مصلحة، إذ لا مصلحة خاصة للنيابة العامة في الحصول على الحكم. ولهذا فالنيابة ليس لها حق الدعوى، وإنما لها الدعوى كسلطة. وهي سلطة موضوعية ترمي إلى تطبيق القانون وليس الحصول على حكم لصالح النيابة العامة.

المصلحة في الإجراء :

لكي يحصل صاحب الدعوى على الحماية القضائية لحقه، فإنه يتقدم بطلب إلى المحكمة يبدأ به خصومة ضد المدعى عليه. ويخول القانون كلا من الطرفين في هذه الخصومة سلطات معينة.

وإعمالاً لمبدأ الإقتصاد في الخصومة، من المقرر أن إيذاء رغبة من أحد الطرفين إلى المحكمة لا يجوز النظر فيها إذا كان قبولها لا يساهم في تحقيق الحماية القانونية لمقدمها، ذلك أن مثل هذا النظر يعتبر إضاعة للوقت وانحراف بالخصومة عن هدفها. وهذا المبدأ الهام يسمى بشرط المصلحة في الإجراء، فلا مصلحة لطرف في إجراء لا يمكن أن تساهم نتيجته في حماية حقه أو مركزه القانوني الموضوعي.

وهذا المبدأ مبدأ عام يسري على كل إبداء رغبة في الخصومة من أحد الخصوم أو من الغير، سواء تعلق الأمر برفع الدعوى إبتداء أو بتقديم طلب عارض أو دفع، أو طلب يتعلق بالإثبات كطلب استجواب أو سماع شاهد أو حلف يمين. وسواء تعلق الأمر بخصومة أول درجة أو بخصومة الطعن ولهذا لا يقبل الطعن، أو أي طلب أو دفع اثناء خصومة الطعن، لا مصلحة فيه لمن قدمه.

والبحث في المصلحة في الإجراء يكون بحثاً سابقاً على البحث في موضوع الطلب أو الدفع أو الطعن. ولهذا فإن جزاء عدم توافر هذه المصلحة هو علم جواز النظر في الطلب أو الدفع أو الطعن، وبالتالي عدم قبوله. ومن هنا يمكن القول أن «المصلحة في الإجراء» تعتبر شرطاً لقبول أي طلب أو دفع أو طعن . وهو ما أشارت إليه المادة 3 من قانون المرافعات بنصها على أنه: «لا تتميز أي دعوى كما لا يقبل أي طلب أو دفع .. لا يكون لصاحبه فيها مصلحة».

ولكننا يجب أن نلاحظ :

(أ) أن المصلحة في الإجراء تتعلق بصلاحية إجراء معين لتحقيق الحماية قضية و للمساهمة في تحقيقها، ولهذا قد تتوافر المصلحة في الإجراء دون توفر شروط الدعوى. ولهذا فإنه عند البحث في توافر أو عدم توافر المصلحة في الإجراء لا يلزم توافر الشروط اللازمة لوجود الحق في الدعوى .

(ب) أن المصلحة في الإجراء تختلف عن سلطة الخصم أو حقه في القيام بالإجراء . فسلطة الخصم أو حقه في القيام بالإجراء قد توجد لمجرد توافر صفة الطرف في الخصومة، أو بتوافر شروط محددة كما هو الحال في الحق في الطعن، ولكن طعنه - مع هذا - قد لا يقبل لانعدام المصلحة في الطعن (الإجراء).

(ج) أن المصلحة في الإجراء قد تتوافر بصرف النظر عن تحقق أو عدم تحقق الغاية التي أرادها القانون من قاعدة معينة . ولهذا من المقرر - مثلاً - أنه إذا رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة محلياً، فإن للمدعى عليه الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولو كانت أقرب إليه من المحكمة المختصة ولا يصح القول بعدم جواز قبول هذا الدفع لانعدام المصلحة، ذلك أن هذا الدفع من شأنه منع صدور حكم لمصلحة المدعي وهو ما يحقق مصلحة المدعى عليه في الدفع أي في الإجراء.

(د) أن المصلحة في الإجراء مفترضة، فليس على الطرف الذي يعلن رغبة إلى المحكمة إثبات مصلحته في الإجراء.

تطبيق المصلحة في رفع الدعوى :

تبدأ الخصومة برفع الدعوى إلى المحكمة بموجب عمل إجرائي هو المطالبة القضائية. وتطبيقاً لمبدأ المصلحة في الإجراء، لا يجوز النظر في هذه المطالبة إلا إذا كان من شأنها تحقيق الحماية القضائية المطلوبة. فإذا توافرت هذه المصلحة، قبلت المحكمة النظر في توافر شروط حقه في الدعوى أو عدم توافرها، أما إذا تخلفت هذه المصلحة، فإن المحكمة تقضي بعدم جواز نظر الدعوى أي بعدم قبولها.

وتقوم مصلحة المدعي في نظر شروط دعواه، إذا كانت هناك حاجة البحث شروط الدعوى (حق أو مركز قانونی - اعتداء - صفة) للفصل في موضوعها. فإذا كان من الظاهر عدم توافر أحد هذه الشروط، فإنه لا تقوم الحاجة لبحث موضوع الدعوى للفصل فيها . وبالتالي لا تكون للمدعي مصلحة في بحث هذا الموضوع . ذلك أن هذا البحث أيا كانت نتيجته لن ينتهي بحكم لصالح المدعى، أي لن يحقق له الحماية القضائية.

فالشرط الوحيد لقبول الدعوى هو مصلحة المدعي في بحث موضوع الدعوى أي في سماع الدعوى.

وهذا الشرط يعتبر تطبيقاً لشرط المصلحة في الإجراء السالف بيانه.

ولا تتوافر المصلحة في سماع الدعوى وبالتالي لا تكون الدعوى مقبولة في الأحوال التالية :

1- إذا لم تتوافر قاعدة قانونية عامة مجردة تحمى مصلحة من النوع الذي يتمسك المدعى بحمايته، فهنا لا تسمع دعوى المدعي، لأن وجود قاعدة قانونية عامة مجردة يمكن التأكد منها دون بحث الوقائع المعينة التي يطرحها المدعي على القضاء ويطلب تطبيق القاعدة العامة عليها، أي دون بحث في توافر الحق في الدعوى في القضية المطروحة.

ولهذا لا تكون للمدعي مصلحة في بحث موضوع الدعوى، وتكون دعواه غير مقبولة.

وتطبيقاً لهذا لا تقبل دعوى من شخص لحماية مصلحة لا يحميها القانون، ومثالها الدعوى التي ترفعها الخليلة للمطالبة بالتعويض عن وفاة خليلها، أو الدعوى التي يرفعها شخص لحماية مصلحة اقتصادية لا تتمتع بحماية قانونية.

ولهذا فإن مجرد توافر المصلحة في منفعة مادية أو أدبية غير كاف لقبول الدعوى فلو كانت هناك شركة تجارية تنافس أحد التجار، فليس لهذا الأخير أن يرفع دعوى ببطلان هذه الشركة ولو كانت هذه الشركة باطلة.

وتعبر المادة 3 من قانون المرافعات عن ذلك باشتراط أن تكون مصلحة الخصم الذي يقدم الطلب أو الدفع «مصلحة ... يقرها القانون».

2- إذا كان من الظاهر أن الحق في الدعوى لم ينشأ بعد. فالحق في الدعوى لا ينشأ إلا بالاعتداء على الحق أو المركز القانوني، فإذا كان من الواضح أن الاعتداء الذي يتمسك به المدعى لم يحدث، كما لو كان أجل الدين لم يستحق بعد، فإنه لا تكون للمدعی مصلحة في سماع دعواه. ويحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان.

3- إذا انقضى الحق في الدعوى. كما في حالة صدور حكم فى الدعوى حائز لحجية الأمر المقضي. أو حالة انقضاء الدعوى بالتقادم، أو حالة نزول صاحب الدعوى عن حقه في الدعوى. ففي هذه الأحوال لا مصلحة للمدعي في بحث شروط دعواه، إذ بفرض توافر هذه الشروط، فإن حقه في الدعوى قد انقضى وبالتالي لن يصدر حكم لصالحه.

وتعبر المادة 3 من قانون المرافعات عن ذلك باشتراط أن تكون المصلحة قائمة.

ووفقاً للفقرة الثانية من المادة 3 مرافعات «ومع ذلك تكفى المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق الحق يخشی زوال دليله عند النزاع فيه».

ومفاد هذا هو توافر الحق في رفع الدعوى، وبالتالي تسمع دعوى المدعي، رغم أن من الظاهر أن شرطة من شروط الدعوى وهو شرط الاعتداء غير متوافر عند رفعها. ومثالها دعوى وقف الأعمال الجديدة إذ تقبل رغم أن التعرض لحيازة المدعى أمر محتمل وليس حالاً . ودعوی تحقيق الخطوط الأصلية إذ تقبل رغم أنه لم يحدث بعد التمسك بالورقة محل دعوی التحقيق. ويتعلق الأمر بأحوال رأي فيها المشرع أن إعتداء محتملاً يكفي لنشأة الحق في الدعوى، ولهذا فإنه رغم أن الاعتداء محتمل وليس حالاً فإن للمدعى مصلحة حالة في بحث موضوع الدعوى.

4- إذا كان رافع الدعوى ليس هو صاحب الحق في الدعوى، أو كانت الدعوى قد رفعت ضد غير الطرف السلبي في الحق في الدعوى. وبعبارة أخرى، إذا انعدمت الصفة في المدعى أو في المدعى عليه.

فإذا رفع شخص دعوى ببطلان عقد ليس طرفاً فيه . فإن المحكمة تقضي بعدم قبول الدعوى. دون بحث لموضوع الدعوى. ذلك أن بحثها الموضوع الدعوى غير مجد إذ بفرض بطلانه فإنها لا تستطيع أن تقضى بهذا البطلان بناء على طلب المدعي.

وتعبر المادة 3 من قانون المرافعات عن ذلك باشتراطها لقبول الدعوى أو الطلب أو الدفع أن تكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة».

 تنظيم القانون المصرى لشرط المصلحة في الإجراء كانت المادة 1 / 3 من تقنين المرافعات لسنة 1998 تنص عند صدورها على شرط المصلحة كالتالي : «لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون» .

ومن الواضح أن المشرع كان يقصد المصلحة الإجرائية اللازمة لقبول أي طلب أو دفع. وقد استقر القضاء على تطبيق هذا النص دون مشاكل.

ولكن المشرع عمد - بغير مبرر - بموجب القانون 81 لسنة 1996 - إلى تعديل هذه الفقرة فأصبحت كالتالي :

«لا تقبل أي دعوى كما لا يقبل أي طلب أو دفع استناداً لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر، لا يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون» .

وإذا أمعنا النظر فيما أورده القانون 81 لسنة 1996 بشأن المصلحة في الدعوى فإننا نلاحظ ما يلي :

1- إن تعديل الفقرة الأولى من المادة 3 من قانون المرافعات لم يضف جديدة إلى الأحكام المستمدة من النص القديم . فالنص القديم كان يقضي بأنه «لا يقبل طلب أو نفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون» أما النص الجديد فقد تطلب المصلحة أيضاً لقبول الدعوى. والصحيح أن المصلحة هي شرط لقبول الطلب. ذلك أن الدعوى إنما ترفع بواسطة الطلب، وتكييف، عدم القبول هو تكييف للطلب وليس للدعوى . فالنص القديم في هذا أدق صياغة.

2- إن إضافة عبارة «استناداً لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر» هي تزيد، ذلك أن المقصود بعبارة «استناداً» التي أوردها التعديل تشير إلى شرط القانونية في المصلحة ، أي أن تكون الدعوى مستندة إلى حق أو مركز قانونی. ولهذا فإن العبارة المضافة يغني عنها تماماً عبارة «مصلحة يقرها القانون». التي كانت تنص عليها المادة قبل تعديلها، والتي أبقاها التعديل.

3- إن إشتراط أن تكون «المصلحة شخصية ومباشرة» لا يضيف جديداً. فالنص القديم كان ينص على أن تكون « لصاحبه فيه مصلحة»، وكان الفقه مستقراً على أن عبارة «لصاحبه» تعنى أن تكون لصاحب الطلب أو الدفع مصلحة شخصية ومباشرة.

وفي هذا تقول محكمة النقض «ولئن كان القانون 81 لسنة 1996 المعدل لنص المادة الثالثة من قانون المرافعات قد اشترط في المادة الأولى منه القبول الدعوى أن يكون لرافعها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون إلا أن هذا القانون لم يأت بجديد يغاير ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة في ظل النص المذكور قبل تعديله في صدد هذه الشروط.

 4- إن ما تنص عليه الفقرة الأخيرة من المادة 3 معدلة من سريان حكم هذه المادة على جميع الدعاوى والطعون المنظورة أمام المحاكم ... إلخ . هو من ناحية، لا يضيف جديداً بالنسبة لاشتراط المصلحة القانونية الشخصية المباشرة بالنسبة لكل طلب وأمام جميع المحاكم. فهو أمر مسلم قبل التعديل . ولم ينازع فيه أحد.

والإضافة الوحيدة هي النص على سريان حكم المادة ما لم يكن قد صدر في الدعوى حكم بات. والمقصود بالحكم البات الحكم الذي لا يقبل الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن عادية أم غير عادية . فالنص يفترض أن دعوی قد رفعت وقد توافرت فيها المصلحة بشروطها، وقبل صدور حكم بات فيها زالت هذه المصلحة وعندئذ يحكم بعدم القبول لزوال المصلحة. وهذه الفقرة تخالف المبادئ الأساسية المسلم بها، إذ أن من المسلم أن الدعوى تخضع من حيث شروط قبولها للقانون الساري وقت رفعها. فإذا توافرت هذه الشروط عند رفع الدعوى، فلا يجوز التمسك بانتفاء أي شرط فيها بعد ذلك بما في ذلك شرط الشخصية والمباشرة (أي الصفة) . ومن ناحية أخرى، فإن من المسلم أيضاً أنه يكفي لتحقق المصلحة والصفة في الطعن قيامهما وقت صدور الحكم المطعون فيه، ولا عبره بزوال أيهما بعد ذلك.

ولهذا فإن تقدير توافر المصلحة أو الصفة في الدعوى يكون عند رفع الدعوى، وتقدير توافر المصلحة أو الصفة في الطعن يكون عند صدور الحكم المطعون فيه.

الصفة في الدعوى والصفة الإجرائية :

قد يحدث أن يكون الشخص رفع الدعوى نيابة عن صاحبها. فلا ترفع الدعوى ممن له صفة فيها وإنما ممن يمثله قانوناً. وقد يكون هذا التمثيل حتمياً كما هو الحال بالنسبة لتمثيل رئيس الشركة للشركة أمام القضاء. أو لتمثيل الولى لمن هو في ولايته أو لتمثيل الحارس لمن وضع تحت الحراسة.

وقد ذهب البعض إلى القول بأن الأمر هنا يتعلق بالصفة في الدعوى (ولعل الاصطلاح الجاري في العمل يشجع على هذا الخلط). ولكن يجب دائماً عدم الخلط بين الأفكار القانونية بسبب الخلط الشائع بين الألفاظ المستعملة. فرئيس الشركة لا صفة له إلا باعتباره ممثلاً لصاحب الصفة.

ذلك أن الدعوى ليست دعواه وإنما هي دعوى الشركة التي يمثلها. كذلك الأمر بالنسبة للولى، إذ الدعوى ليست دعواه وإنما هي دعوى القاصر فالولی ليس له صفة في الدعوى وإنما له صفة إجرائية. أو بعبارة أخرى لمحكمة النقض : صفة في تمثيل الخصم في التقاضي.

وللتفرقة بين الأمرين أهمية بالغة، إذ الصفة في الدعوى شرط في الدعوى. أما صحة التمثيل القانوني أو الصفة الإجرائية فهي ليست من شروط الدعوى. وإنما هي شرط لصحة العمل الإجرائي.

الأهلية ليست من شروط الدعوى أو من شروط قبولها :

يجرى بعض الفقهاء على القول بأن من شروط الدعوى توافر الأهلية ولكن الرأي الراجح ، والذي استقر عليه الفقه الحديث، أنه لا شأن للأهلية بالدعوى. فالأهلية إنما تتعلق بالصلاحية للقيام بالأعمال الإجرائية المكونة للخصومة والصادرة من الخصوم. وقد تتوافر الأهلية لدى المدعي، ومع ذلك لا يكون لديه الحق في الدعوى . وعلى العكس قد لا تتوافر لديه الأهلية - ولا يمثله قانوناً من يجب تمثيله - فتكون صحيفة دعواه باطلة. ولكن لا شأن لهذا البطلان بشروط الدعوى فيمكنه - بعد الحكم ببطلان الصحيفة - أن يعود ويرفع نفس الدعوى بصحيفة جديدة بعد إكتمال أهليته . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الأول،  الصفحة : 129 )

المصلحة القائمة التي يقرها القانون هي شرط قبول الدعوى :

اختلف الفقه في شأن تحديد الشروط اللازم توافرها لقبول الدعوى - أو الدفع أو الطعن - فذهب البعض إلى وجوب توافر المصلحة والصفة والأهلية وأضاف البعض الآخر شروطاً أخرى. ونرى - وبحق - مع الدكتور رمزي سيف، أن هناك شرطاً واحداً فقط للقبول يتمثل في «المصلحة القائمة التي يقرها القانون» وهو ما يتفق دلالة نص المادة الثالثة من قانون المرافعات الذي يجري بأنه «لا تقبل أي دعوى أو طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون».

 

ويبين من هذه الدلالة، اشتمال هذا الشرط على عناصر ثلاثة، يتحقق بتوافرها جميعاً وينتفي بانتفائها أو بانتفاء أحدها، وتتمثل هذه العناصر في :

العنصر الأول

علاقة مباشرة بين المدعي والحق المراد انقضاؤه 

صلة بين الخصم والحق

حتى تكون الدعوى مقبولة، يجب أن توجد علاقة بين المدعي وبين الحق الذي يسعى إلى اقتضائه عن طريق الطلب القضائي، بحيث إذا انتفت هذه العلاقة كانت الدعوى واردة على غير محل مما يسبغ القانون عليه حمايته، ويحول دون قبولها إذ لا تكون للمدعي مصلحة من دعواه، ويعتبر الفقه هذه العلاقة «صفة» في المدعي. ويمكن الاستدلال على هذه العلاقة من وجود صلة، مادية أو قانونية - بين المدعى والحق المراد اقتضاؤه، فمتى وجدت هذه الصلة وكانت الدعوى هي السبيل إلى اقتضاء الحق، تحقق أحد عناصر المصلحة، أما إذا انتفت هذه الصلة انتفى هذا العنصر وتبعه انتفاء المصلحة.

مثال ذلك، الشخص الذي يرفع دعوى ببطلان البيع الصادر من والده حال حياة الأخير، ويسعى من ورائها إلى رد المبيع إلى والده: وحينئذ يقضي بعدم قبول الدعوى لانتفاء كافة عناصر شرط قبول الدعوى، إذ لا توجد علاقة مباشرة بين المدعى وبين المبيع لانحصارها في والده قبل تسجيل البيع وفي المشتري بعد التسجيل، كما لا يوجد نص في القانون يجيز رفع هذه الدعوى، وأيضاً لأن مصلحة المدعى لا تكون حالة.

أما إذا رفعت هذه الدعوى بعد وفاة الوالد، توافر عنصر العلاقة المباشرة بين المدعى والحق المراد اقتضاؤه باعتباره أحد عناصر تركة مورثه ومؤدى البطلان اعتبار البيع كأن لم يكن، كما يتوافر العنصران الآخران، إذ يوجد نص قانوني يجيز للمدعي- رفع دعواه، كنص المادة 916 أو 917 من القانون المدني، وتكون مصلحته حالة إذ يترتب على القضاء لصالحه اقتضاؤه الحق محل الدعوى. وانظر: المادة 115 فيما يتعلق بالدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة وأثر صدور الحكم على غير ذي صفة.

.

لا تكفي العلاقة غير المباشرة :

حتى تقبل الدعوى، يجب أن تكون العلاقة بين المدعى والحق المراد اقتضاؤه مباشرة، ويتحقق ذلك عندما يترتب على القضاء للمدعي بطلباته، اقتضاؤه بدخول الحق مباشرة في ذمته المالية، أما إذا كان من شأن هذا القضاء دخول الحق في ذمة غيره دون أن يخوله القانون الحق في اقتضاؤه منه، كانت العلاقة غير مباشرة ولا تعود على المدعى مصلحة من وراء دعواه، مما يحول دون قبولها، أما إذا أجاز القانون للمدعى اقتضاء الحق الذي دخل ذمة غيره، كانت العلاقة مباشرة، ومن تطبيقات ذلك، الدعوى غير المباشرة.

وتكون العلاقة أيضاً غير مباشرة، عندما يرفع الابن دعوى ببطلان البيع الذي أبرمه والده حال حياة الأخير. قوة بأنه يترتب على القضاء بالبطلان عودة المبيع للوالد ومنه - بعد وفاته - للمدعي، ومثل دعوى الابن دعوى أي من الورثة أو الزوج.

وفي الدعوى غير المباشرة، التي يرفعها الدائن باسم مدينه، تكون مصلحة الدائن فيها مباشرة، إذ يترتب على الحكم فيها دخول الحق في ذمة المدين وبالتالي في الضمان العام المقرر للدائن، حتى لو وجد دائن آخر، إذ يقتسم الدائنون أموال المدين قسمة غرماء.

وهذه العلاقة أو الصلة بين الخصم والحق الذي يطالب به، تجعل له مصلحة في الذود عن هذا الحق إذ يعتبر على هذا النحو عنصراً من عناصر ذمته المالية. فإذا تمكن من استصدار حكم يقرر له هذا الحق، ظلت عناصر ذمته المالية على حالها، أما إن قضى ضده، سلبه الحكم هذا الحق، فافتقر بقدره، وبالتالي يكون لهذا الخصم مصلحة في الدعوى المتعلقة بهذا الحق، خلافاً للخصم الذي لا توجد له علاقة أو صلة بالحق، فلن يستفيد من الحكم ولا يضار به.

ولا يكفي لقبول الدعوى توافر المصلحة، بل يجب أن تكون هذه المصلحة مشروعة يقرها القانون، فإن لم يوجد نص قانوني يقر هذه المصلحة، أو وجد ولكن صاحب الحق تعسف في استعماله، فإن المصلحة التي تستند لهذا النص تكون غير مشروعة، وبالتالي ينتفي شرط قبول الدعوى.

وهذه العلاقة أو الصلة هي مناط الصفة في الدعوى، ومتى تحققت هذه الصلة، كان للمدعي مصلحة في الدعوى ذوداً عن الحق المتنازع عليه، فلا يتصور وجود مصلحة لشخص لا صفة له في الدعوى، فلا تنفصم الصفة عن المصلحة، وبالتالي تأخذ الصفة حكم المصلحة، ولما كانت المصلحة تتعلق بالنظام العام وفقاً للمادة الثالثة من قانون المرافعات، فإن الصفة التي لا تنفصم عن المصلحة تتعلق بدورها بالنظام العام وإن كانت في الأصل غیر متعلقة بهذا النظام.

و العبرة بتوافر المصلحة بوقت رفع الدعوى، واستمرارها حتى صدور الحكم النهائي، خلافاً للصفة إذ يكفي توافرها وقت رفع الدعوى حتى لو تخلفت بعد ذلك.

فإن أقام المدعي دعواه وطلب إلزام جاره بسد المطل كما قدم شكوى للجهة القائمة على أعمال التنظيم فقامت بسد المطل بالطريق الإداري - وهي المصلحة التي كان المدعي يبغى تحقيقها من دعواه وقد زالت بعد سد المطل - مما يحول دون استمرارها حتى صدور الحكم. وبالتالي تصبح الدعوى غير مقبولة ولكن يلزم المدعى عليه مصاريفها. وكذلك الحال بالنسبة لأي دعوى توافرت للمدعى المصلحة وقت رفعها ثم زالت قبل صدور الحكم.

توافر العلاقة المباشرة للنائب :

للنائب القانوني أو القضائي رفع الدعوى باسم الأصيل، وحينئذ يتعين لقبولها توفر العلاقة المباشرة بين الأصيل والحق المراد اقتضاؤه، بحيث إذا توافرت هذه العلاقة على نحو ما تقدم، كانت الدعوى مقبولة متى توافرت باقي عناصر شرط القبول.

وقد يرد نص في القانون أو بند في العقد متضمناً إنابة شخص معين في مباشرة الدعوى، وفي هذه الحالة تثبت له وحده العلاقة بالحق المراد اقتضاؤه بشرط أن تكون هذه العلاقة ثابتة للأصيل قبل رفع الدعوى أو تثبت له بعد رفعها، بحيث إذا انتفى ذلك تخلفت أحد عناصر شرط القبول.

تنصيب الوارث نائباً عن باقي الورثة :

يترتب على إفتتاح التركة بموت المورث، إنتقال أعيان التركة إلى الورثة كل بقدر نصيبه الشرعي فيها، وقد يقوم أحد الورثة بتمثيل التركة بأن ينتصب نائباً عن باقي الورثة، بموجب نيابة صريحة أو ضمنية تستخلص من قيامه بشئون التركة دون إعتراض من باقي الورثة، بأن يطالب بحق لها لا يحق لنفسه، أو يدافع عن حقوقها دون أن يقصر دفاعه علي ما يخصه منها، وحينئذ ينتصب نائباً عن باقي الورثة، أما إذا قام كل وارث باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على حقوقه في التركة دون حقوق باقي الورثة، فلا يعتبر نائباً عن باقي الورثة، فينحصر آثار الإجراء فيه وحده كما لو دفع بانقضاء الدين بالتقادم لسبب يتعلق به وحده، أو يطلب ما يخصه من التركة.

وإذا اختصم جميع الورثة أمام محكمة الدرجة الأولي، فلا ينتصب أحدهم نائباً عن الباقين، وبالتالي يجب اختصامهم جميعاً أمام محكمة الدرجة الثانية، فإن صدر الحكم ضدهم، وجب رفع الاستئناف منهم جميعاً إذا كان موضوع الدعوى قابلاً للتجزئة، كدعوي صحة ونفاذ عقد بيع أرض، أما أن كان الموضوع غير قابل للتجزئة، ولم يرفع الاستئناف إلا من بعضهم، وجب علي المحكمة أن تكلف المستأنف باختصام باقي الورثة ولو بعد الميعاد، ولهؤلاء التدخل في الاستئناف ولو بعد الميعاد.

وإذا إتخذ أحد الورثة إجراء لمصلحة التركة يحفظ به حق باقي الشركاء فيها من السقوط، فهو يقوم في هذا الشأن مقامهم ويعتبر في إتخاذ هذا الإجراء نائباً عنهم، فينصرف أثره إليهم وفقاً لقواعد النيابة.

صفة الدائن في دعوى مدينه :

متى قامت علاقة دائنيه، انشغلت ذمة المدين بحقوق دائنه ووفقاً للضمان العام المقرر بصدد هذه العلاقة، يكون للدائن علاقة مباشرة بأموال مدينه في الحدود التي انشغلت بها ذمته المالية، ويتوفر بذلك العنصر الأول من العناصر اللازمة لتحقق شرط قبول الدعوى.

إذ تتعدى حجية الحكم لمن كان مختصم في الدعوى بشخصه أو بمن ينوب عنه، فالمدين يمثل في الدعوى بشخصه وينوب في نفس الوقت عن دائنه العادي الذي لا يكون له تأمين عيني کرهن أو اختصاص أو امتياز متى قام بشهر هذا التأمين قبل صدور الحكم، فإن قام بشهره بعد صدور الحكم أصبح في مركز الدائن العادي وتعدت له حجية الحكم.

والدائن العادي هو من له حق شخصي في ذمة المدين، كبائع العقار بعقد لم يشهر، وكل من المؤجر والمستأجر بالنسبة للحقوق التي يرتبها عقد الإيجار في ذمة كل منهما للآخر، والمحال له، وكل صاحب حق شخصي، وطالما أن الحجية تتعدي للدائن، فإنه يصبح خصما في الدعوى التي ترفع من أو علي مدينه، ويكون ممثلاً فيها في شخص مدینه، وبالتالي يجوز له التدخل فيها منضماً لمدينه لمراقبة الإجراءات التي تتخذ والتقدم بالدفوع وأوجه الدفاع المتعلقة بمدينة ، وإذا صدر الحكم ضد مدينة، اعتبر كليهما محكوما عليه، فإن لم يطعن المدين بالاستناف، جاز للدائن ذلك، بحيث إذا حاز الحكم قوة الأمر المنقضي، امتنع على الدائن منازعة المحكوم له فيما قضي له به، سواء بطريق الدعوى أو الدفع.

وسواء تدخل الدائن أو لم يتدخل. وكان دائناً عادياً، فإنه يجوز له أن يضعن في الحكم باسم مدينه. إذ يستمد منه صفته في الطعن، فإن رفعه باسمه هو كان غير مقبول.

ومناط تعدي حجية الحكم الصادر ضد الدين للدائن، أن تتوافر في باب الإجراءات ما يقتضيه حسن النية الواجب توافره في المعاملات، فإذا انتقي له اعتبر الدائن من طبقة الغير في هذه الإجراءات. فلا يكون ماثلاً في الدعوى وبالتالي لا يكون للحكم حجية في مواجهته، وينتقي شرط وحدة الخصوم مما يجوز معه منازعته للمحکوم له فيما قضي له به، فقد يتوافر الغش بأن يتواطأ المدين مع الغير، فيبر ما عقداً صورياً أو سند دین صوري ويصدر بموجبه حكم ضد المدين إضراراً بالدين، ففي هذه الحالة لا تتعدى حجية الحكم للدائن، ويشترط لذلك أن يقوم الدائن بإثبات هذا الغش، وله ذلك بكافة طرق الأثبات باعتبار الغش واقعة مادية، فان تمثل العقد الصوري في عقد بيع عقار المدين السابق بيعه للدائن بعقد لم يسجل فإنه يجوز للأخير رفع دعوى جديدة ضد مدينه والمشتري الآخر يطلب فيها الحكم بصورية العقد حتى لو تم تسجيله و بصحة ونفاذ العقد الصادر له من المدين، ويثبت الغش علي نحو ما تقدم، والمقرر أن الغش يبطل التصرفات والاجراءات وتقف به آثار النيابة عن الغير.

ويرقى إلى مرتبة الغش الإهمال الجسيم الذي تأباه الفطرة السليمة، کالاهمال الذي ينسب للمدين في مباشرة إجراءات التقاضي وعدم مجابهة خصمه على النحو الواجب.

صفة المحال له :

يترتب على حوالة الحق، انتقاله إلى المحال له مع الدعاوى التي تؤكده باعتبار أن الدعوى من توابع الحق الذي تحميه، ومن شأن الحوالة، متى نفذت في حق المدين بقبوله لها أو إعلانه بها، أن تتحقق الصلة بين المحال له وبین الحق المحال، وهو ما تتوافر به الصفة لمن حل محل صاحب الحق في الدعوى أو الطعن.

ذلك أن المقرر أن حق محل الحوالة ينتقل من الحيل إلى المحال له بمجرد إبرام الحوالة دون أن يتوقف هذا الأثر علي نفاذ الحوالة قبل المدين فيصبح المحال له صاحب هذا الحق لوروده على حق شخصي متعلق بمنقول معين بالذات يتمثل في حق دائنية، وبذلك تتوافر صفة المحال له في كافة الإجراءات التي تتعلق بهذا الحق، سواء ما اتخذ منها قبل إبرام الحوالة أو بعد ذلك طالما كانت قائمة، فإن تعلقت الحوالة بعقد إيجار وكان المحيل قد اتخذ بعض إجراءات دعوى الإخلاء، كالتنبيه بالإخلاء أو التكليف بالوفاء، ثم تمت الحوالة بعد ذلك، جاز للمحال له رفع دعوى الإخلاء دون أن يكون ملزماً بإعادة الإجراءات التي سبق للمحيل القيام بها، إذ حل محله في مباشرة إجراءات التقاضي ومن ثم يبدأ من حيث إنتهت الإجراءات التي باشرها المحيل، وبالتالي جاز للمحال له رفع الدعوى مباشرة، فإن كان المحيل قد رفع الدعوى، وتمت الحوالة، حل المحال له فيها في أية حالة كانت عليها، ويواجه بكل الدفوع وأوجه الدفاع التي كان يجوز مواجهة المحيل بها، وللمحيل أن يطلب إخراجه من الدعوى بعد أن تدخل فيها المحال له، ويصبح الأخير وحده هو الخصم الأصيل فيها، بحيث إذا رفضت الدعوى، فيلزم المحال له وحده مصاريفها دون المحيل، فإن لم يتدخل المحال له، تعين إدخاله فيها بتكليفه بالحضور دون حاجة لإدخاله بصحيفة تودع قلم الكتاب باعتباره صاحب الصفة في الدعوي م115/2 مرافعات»، وللمحكمة إدخاله من تلقاء نفسها لحسن سير العدالة حتي يحاج بالحكم الذي يصدر في الدعوي.

وإذا رفع استئناف عن الحكم الصادر في شأن الحق محل الحوالة، جاز للمحال له أن يتدخل فيه منضماً للمحيل في طلباته، وإذا طلب المحيل إخراجه، استقام الاستئناف بمثول المحال له فيه باعتباره هو الخصم الأصيل فيه.

وإذا تمت الحوالة بعد صدور الحكم الإبتدائي، جاز للمحال له رفع استئناف عنه رغم أنه لم يكن طرفاً في الحكم الإبتدائي، إذ تتوافر له الصفة اللازمة لاستئناف الحكم بمجرد حوالة الحق الصادر في شأنه هذا الحكم، فإن کان صادراً بإجابة المحيل إلي بعض طلباته ولم يطعن فيه الأخير بالاستئناف، وطعن فيه المحال عليه، جاز للمحال له رفع استئناف فرعي بعد أن يتدخل في الاستئناف الأصلي.

أهلية التقاضي ليست شرطاً لقبول الدعوى :

أوضحنا فيما تقدم عناصر شرط قبول الدعوى وليس من بينها أهلية الخصوم، ومن ثم لا تكون هذه الأهلية شرطاً أو عنصراً من عناصر شرط قبول الدعوى، ويبين من نصوص المواد 39، 64، 78 من قانون الولاية على المال أنه لا يجوز لناقص الأهلية رفع الدعاوى وإنما يرفعها عنه وليه أو وصيه أو قيمه، مفاد ذلك أنه في حالة مخالفة هذه النصوص يكون الإجراء مشوباً بالبطلان ولا يترتب عليه انعقاد الخصومة وحينئذ لا يدفع بعدم قبول الدعوى إنما ببطلان إجراءات الخصومة، فإذا رفعت الدعوى من كامل أهلية ثم أصبح ناقص الأهلية، أدى ذلك إلى انقطاع سير الخصومة دون أن ينال ذلك من صحة الإجراءات السابقة.

وأن الدفع ببطلان الإجراءات لنقص الأهلية، لا شأن له بالصفة، ذلك أن ناقص الأهلية هو الأصل في مباشرة تلك الإجراءات، وبالتالي تتوافر عناصر شرط المصلحة بالنسبة له، غير أن القانون ناط بنائبه مباشرتها وإلا كانت الإجراءات مشوبة بالبطلان، وهو بطلان لا يتعلق بالصفة، وبالتالي لا يمس النظام العام.

فإذا رفع نقص الأهلية الدعوى وقضى فيه لصالحه، وضع المحكوم عليه في الحكم بالاستئناف وتمسك في صحيفته ببطلان إجراءات الخصومة وما ترتب عليها من آثار ومنها الحكم المستأنف، فإن هذا الدفع يرتد إلى كافة إجراءات التقاضي ومنها صحيفة افتتاح الدعوى، ولا يصحح هذا البطلان إلا تدخل ممثل ناقص الاهلية سواء أمام محكمة الدرجة الأولي أو أمام الاستئناف، فإن لم يتدخل وجب علي محكمة الاستئناف أن تقضي ببطلان الحكم المستأنف وتقف عند هذا الحد دون أن تتصدى للموضوع أو إعادة الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولي لأن مناط ذلك صحة صحيفة افتتاح الدعوى.

فإذا تدخل ممثل ناقص الأهلية في الاستئناف، أدي ذلك إلي تصحيح الإجراءات منذ البدء فيها فيزول بطلان الصحيفة وتنتفي مصلحة المستأنف في الدفع ببطلان إجراءات الخصومة بما يوجب القضاء بعدم قبوله والتصدي لموضوع الاستئناف باعتبار أن المصلحة هي مناط الدفع.

أما إذا صدر الحكم ضد ناقص الأهلية، فإنه يكون باطلاً لصدوره بناء على إجراءات باطلة ويجب لتقرير هذا البطلان الطعن فيه بالاستئناف من ممثل ناقص الأهلية والتمسك بهذا البطلان في صحيفة الاستئناف، ومتي قضي به وقضت محكمة الاستئناف عند هذا الحد.

فإن رفع استئناف من نقص الأهلية ولم يتدخل ممثله فيه منضماً إليه، جاز للمستأنف عليه الدفع ببطلان الاستئناف لرفعه من غير كامل الأهلية، في أن تدخل ممثل ناقص الأهلية، ولو بعد ميعاد الاستئناف، استقام الطعن ولم تعد هناك مصلحة من الدفع، ذلك أنه بتدخل النائب عن الخصم يتم الحلول، خلافاً لما إذا رفع الطعن من غير ذي صفة، فلا يجوز لصاحب الصفة التدخل ولو في الميعاد وإنما يجب أن يرفع طعناً جديداً خلال الميعاد منذ سريانه في حقه.

صفة الولي والوصي :

تنصرف إجراءات التقاضي إلى رفع الدعاوى واستصدار الأوامر الولائية والطعن في الأحكام بالطرق العادية وغير العادية، سواء في المواد المدنية أو الجنائية دون إذن من المحكمة إكتفاء بقواعد النيابة القانونية دون التزام بقواعد النيابة الاتفاقية التي تتطلب سنداً للوكالة، وتتوافر الصفة لنائب ناقص الأهلية في مباشرة كافة الاجراءات القضائية على أن يوضح تلك الصفة النيابية في تلك الإجراءات، ومنها دعاوى إبطال العقود.

متى توفر العنصر الأول بوجود علاقة مادية أو قانونية بين المدعى والحق " المراد اقتضاؤه، ثم وجد نص في القانون ينظم تلك العلاقة، توافر في الدعوى المصلحة التي يقرها القانون، بوجود نص يحمي تلك العلاقة، ومن ثم فلا تكفي المصلحة التي لا تستند إلى نص في القانون، مثال ذلك مغتصب العقار إذا رفع دعوى بمنع تعرض المالك له متى أقر في دعواه بأنه مغتصب، إذ في هذه الحالة تكون له علاقة مباشرة بالعقار ولكن لا يوجد نص في القانون يخول المغتصب حماية حيازته فينتفي بذلك العنصر الثاني لانتفاء النص الذي ينظم تلك العلاقة.

لكن إذا استند واضع اليد إلى نص ينظم علاقته بالحق، كما لو كان مستوفياً لشروط الحيازة أو مستأجراً، توافرت له العلاقة بالحق ووجود نص. قانوني ينظمها، ومن ثم تتوافر المصلحة التي يقرها القانون.

ولا يبحث القاضي شروط هذا النص، إنما يقف عند التحقق من وجوده أو عدم وجوده ليقضي تبعاً لذلك بقبول الدعوى أو عدم قبولها، ومتى انتهى من هذا البحث وتبين أن الدعوى مقبولة، انتقل بعد ذلك إلى بحث شروط تطبيق النص ليتصدى لموضوع الدعوى بحيث إذا توافرت لديه هذه الشروط قضى للمدعى بطلباته، أما إن تخلفت قضى برفض الدعوى.

تغريم المدعي الذي أساء استعمال حقه في التقاضي :

إذا وقع اعتداء على حق إنسان، جاز له اللجوء إلى القضاء لرده، وتتوافر له الصفة في الدعوى، إذ تكون له مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون، فإن كان الفعل لا يمثل اعتداء في نظر القانون، فلا يجوز لصاحب الحق اللجوء للقضاء لأن المصلحة التي ينبغي تحقيقها لا يقرها القانون، وبالتالي لا تكون قائمة، وهو ما يتوافر معه إساءة استعمال حق التقاضي ، ويجيز للمحكمة عندما تقضي بعدم قبول الدعوى، أن تحكم على المدعى بغرامة إجرائية لا تزيد عن خمسمائة جنيه.

عدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان :

إذا كان الحق المراد اقتضاؤه لم يحل أجل استحقاقه بعد، أو كان معلقاً على شرط واقف لم يتحقق بعد، كانت الدعوى بالمطالبة به غير مقبولة لانتفاء المصلحة ذلك أن العنصر الأول من عناصر شرط القبول وهو العلاقة بين المدعي والحق المراد اقضتاؤه يكون متوافراً بينما ينتفي العنصر الثاني وهو الاستناد إلى نص في القانون يخول المدعي الحق في المطالبة قبل حلول الأجل أو تحقق الشرط الواقف.

لكن إذا حل الأجل أو تحقق الشرط بعد رفع الدعوى وقبل صدور حكم فيها كانت مقبولة لتوافر المصلحة.

العنصر الثالث

أن تكون المصلحة قائمة

المصلحة القائمة :

متى توافر العنصران السابقان، كانت هناك مصلحة يقرها القانون، ولا يكفي ذلك لقبول الدعوى، بل يجب أن تكون هذه المصلحة قائمة بمعنى أن تكون حالة، فيسعى المدعي بدعواه إلى درء ما يكون قد حاق به من ضرر وقع بالفعل أو لتفادي وقوعه، ويجب أن تظل المصلحة قائمة حتى صدور الحكم بحيث إذا انتفت قبل صدوره وتمسك المدعى عليه بذلك وجب القضاء بعدم قبول الدعوى، خلافاً للصفة إذ يكفي توافرها وقت رفع الدعوى.

المصلحة المحتملة : بعد أن أرست المادة الثالثة من قانون المرافعات القاعدة العامة التي تقضي بعدم قبول أي طلب قضائي أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون جاءت باستثناء مؤداه كفاية المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه.

ولما كان مناط المصلحة المحتملة قيام حق تدعو الضرورة إلى حمايته، وكانت المصلحة في الدعوى لا تهدف إلى حماية الحق واقتضائه فحسب بل قد يقصد بها مجرد استيثاق المدعي لحق قرره له القانون بحيث لا يلزم أن يثبت له الحق على وجه قطعي حتى تقبل دعواه ، بل يكفي أن تكون له شبهة حق حتى تكون دعواه جديرة بالعرض أمام القضاء، والمراد بشبهة الحق أن تكون للمدعی مصلحة محتملة في اقتضاء الحق عن طريق الدعوى وقد لا يتحقق له ذلك.

ومن الأمثلة التشريعية على ذلك ما نصت عليه المادة 45 من قانون الإثبات من أنه يجوز لمن بيده محرر غير رسمي أن يختصم من يشهد عليه ذلك المحرر ليقر بأنه بخطه أو بامضائه أو بختمه أو ببصمة إصبعه ولو كان الالتزام الوارد به غير مستحق الأداء ويكون ذلك بدعوى أصلية بالإجراءات المعتادة، وتعرف هذه الدعوى بدعوى تحقيق الخطوط الأصلية ولا تتصدى فيها المحكمة الأصل الحق إنما يكتفي بحثها على ما إذا كانت الورقة محررة بخط المدعى عليه أو هو الذي وقع عليها لتقضي وفقاً لما تخلص إليه بصحة المحرر أو تزويره، كذلك نص المادة 59 من ذات القانون الذي يجري بأنه يجوز لمن يخشى الاحتجاج عليه بمحرر مزور أن يختصم من بيده المحرر ومن يفيد منه لسماع الحكم بتزويره ويكون ذلك بدعوى أصلية ترفع بالإجراءات المعتادة، وتنعقد الخصومة فيها بمجرد إعلان صحيفتها وهو ما يغني عن اتخاذ إجراءات الطعن بالتزوير التي يتطلبها القانون في دعوى التزوير الفرعية. ونص المادة 96 من ذات القانون الذي يجيز لمن يخشى فوات فرصة الاستشهاد بشاهد على موضوع لم يعرض بعد أمام القضاء ويحتمل عرضه عليه أن يطلب في مواجهة ذوي الشأن سماع ذلك الشاهد ويقدم هذا الطلب بالطرق المعتادة إلى قاضي الأمور المستعجلة. والمادتان 133، 134 منه اللتان تجيزان لمن يخشى ضياع معالم واقعة يحتمل أن تكون محل نزاع أمام القضاء أن يطلب في مواجهة ذوي الشأن وبالطرق المعتادة من قاضي الأمور المستعجلة الانتقال للمعاينة.

ولا تكفي المصلحة المحتملة بمجردها لقبول الدعوى بل يجب أن تكون هذه المصلحة مباشرة، أي أن تعود الفائدة من الحكم على المدعي مباشرة، فإن كانت تعود على شخص آخر مباشرة، ثم على المدعى عن طريق هذا الشخص، كانت المصلحة المحتملة التي يفيد منها المدعى غير مباشرة. تحول دون قبول الدعوى، مثال ذلك دعوى الابن ببطلان تصرف أبيه على ما أوضحناه فيما تقدم.

ويبين من ذلك توافر العنصرين الأول والثاني من عناصر شرط قبول الدعوى وتخلف العنصر الثالث الذي رأى المشرع الاكتفاء في شأنه بالمصلحة المحتملة.

دعاوى المال العام :

لما كان المال العام مخصصاً للمنفعة العامة تمكيناً لكل مواطن من استعماله في الغرض الذي أعد له وفي حدود القانون مما لا يجوز معه حرمانه منه إلا في هذه الحدود ومن ثم تتوافر الصلة بين كل مواطن والمال العام، وهو ما يكفي لتحقق الصفة في الدعوى التي يرفعها المواطن على الغير الذي يستأثر بالمال العام على غير مقتضى القانون مثال ذلك أن يستأثر شخص، طبيعي أو معنوي، بجزء من شاطئ البحر بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة مما يتوافر به التعرض في استعمال المال العام، ولا يجوز لهذه الجهة إخراج المال العام عن الغرض المخصص له بغير الطريق الذي رسمه القانون وإلا كان قرارها مشوباً بإساءة استعمال السلطة فضلاً عن مخالفة القانون مما يجوز معه لأي مواطن الطعن فيه أمام القضاء الإداري، مثال ذلك القرار الذي يصدره المحافظ بضم أحد الشوارع العامة إلى ملك أحد الأشخاص.

تعلق شرط المصلحة بالنظام العام :

كانت المادة الثالثة من قانون المرافعات قبل تعديلها بالقانون رقم 81 لسنة 1996 تنص على أن لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون، ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه.

وكان مفاد ذلك، أن المصلحة في الطلب القضائي أو الدفع، لا شأن لها بالنظام العام، وكان يجب حتى تتصدى المحكمة لشرط المصلحة أن يثيرها المدعى عليه، بحيث إذا لم يتمسك بذلك، تصدت المحكمة للدعوى دون أن يكون لها الحق في إثارة هذا الشرط من تلقاء نفسها، في كافة مراحل التقاضي، فإن لم يكن المحكوم عليه قد تمسك به أمام محكمة الاستئناف، امتنع عليه التمسك به أمام محكمة النقض باعتبار أنه لا يجوز التمسك أمام محكمة النقض بالأسباب الجديدة إلا إذا كانت متعلقة بالنظام العام، كما يجوز لها إثارة السبب المتعلق بالنظام العام من تلقاء نفسها متى كانت عناصره الواقعية مطروحة على محكمة الاستئناف، فإن لم تكن تلك العناصر مطروحة على هذا النحو، فلا يجوز لمحكمة النقض التصدي له لما يتطلبه ذلك من اجراء تحقيق أو الرجوع إلى مستندات لم تقدم لها خلال الميعاد المحدد لذلك، وهو ما يخرج عن ولايتها.

ولظروف قدرها المشرع، صدر القانون رقم 81 لسنة 1996 بتعديل المادة الثالثة من قانون المرافعات على نحو ما تقدم، وجعل شرط المصلحة متعلقاً بالنظام العام وتصدى له المحكمة من تلقاء نفسها.

ولما كان الإجراء لا يكون صحيحاً إلا إذا قدم من صاحب الصفة فيه، فإن بطلان الإجراء المبني على انعدام صفته، يعتبر من النظام العام، فقد كانت دعوى الحسبة ترفع من كل مسلم وتتوافر بذلك صفته في رفعها، وإذ قصر المشرع هذا الإجراء على النيابة العامة وحدها بالقانون رقم 3 لسنة 1996 فأصبحت الدعاوى المرفوعة من غيرها باطلة بطلاناً مبنياً على انعدام الصفة وذلك على ما تناولناه تفصيلاً بصدد المادة 3 مكرراً فيما يلي

ولما كانت الصفة عنصراً من عناصر المصلحة على نحو ما تقدم، فإنه يترتب على عدم توافر هذا العنصر تخلف شرط المصلحة وهو ما يتعلق بالنظام العام وتتصدى له المحكمة من تلقاء نفسها، مما يوجب عليها، إن تبين لها عدم توافر الصفة، أن تقرر تخلف شرط المصلحة، فإن هي اكتفت بالقول بعدم توافر الصفة وأقامت على ذلك قضاءها بعدم قبول الدعوى، فإن هذا القضاء ينطوي على تخلف شرط المصلحة، وهو ما يكفي لإقامة قضاء الحكم.

فالإجراء القضائي، يجب أن يتخذه من خوله القانون الصفة في اتخاذه، ضد خصمه، فإن اتخذ من غير ذي صفة، كان باطلاً بطلاناً مطلقاً لصدوره من غير ذي صفة. إذ ترتب على انعدام صفة أحد الخصوم، ومن ثم يجوز التمسك به من أي خصم تكون له مصلحة في تقرير البطلان، ولا ترد عليه الإجازة ولا يجوز التنازل عنه وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، وفي أي حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض، ولهذه المحكمة إثارته من تلقاء نفسها ولو لم يسبق التمسك به أمام محكمة الموضوع بشرط أن تكون عناصره الواقعة متوافرة في أوراق الطعن.

وإذا أقام الحكم قضاءه على إجراء صادر من غير ذي صفة، كان الحكم باطلاً لاستناده إلى إجراء باطل، ويجب تصحيح هذا البطلان بالطعن في الحكم، فإن لم يطعن فيه في الميعاد، حاز قوة الأمر المقضي وأصبح عنواناً للحقيقة ما لا يجوز معه رفع دعوى أصلية ببطلانه، لأن حجية الأحكام تسمو على اعتبارات النظام العام.

فالخصم الذي يفقد أهليته تزول صفته، فأي إجراء يتخذ ضده بعد ذلك يجب أن يوجه لمن ينوب عنه قانوناً، وإلا كان باطلاً لانعدام صفة من وجه إليه، لكن إذا حضر عنه محام بعد فقد الأهلية، ولم ينبه المحكمة إلى زوال الصفة، فإن الحكم الذي يصدر يكون صحيحاً.

عدم تعلق صفة المدعى عليه بالنظام العام :

إن كانت صفة المدعى ومن في حكمه كالمستأنف تتصل بشرط المصلحة اتصالاً وثيقاً على نحو ما تقدم، فإنها تأخذ حكمها وتتعلق بالتالي بالنظام العام. خلافاً لصفة المدعى عليه. فهي ليست عنصراً من عناصر المصلحة، ولا صلة لها بها، ومن ثم لا تأخذ حكمها، فلا تتعلق بالتالي بالنظام العام، وفقاً للمادة 115 من قانون المرافعات.

كما أن صفة المستأنف تتعلق بجواز الاستئناف ذات الاتصال بالنظام العام خلافاً لصفة المستأنف التي لا شأن لها بجواز الاستئناف .

استخلاص توافر المصلحة :

أوضحنا فيما تقدم العناصر اللازمة لتوافر المصلحة في الدعوى. ومن ثم يجب على المحكمة ومن تلقاء نفسها بحث هذه العناصر من مستندات الدعوى وما يتصل بها من نصوص القانون للوقوف على مدى توافر تلك العناصر فتكون الدعوى مقبولة أو تخلفها فتقضى ولو من تلقاء نفسها بعدم قبولها. واستخلاص توافر المصلحة وبالتالي الصفة من قبيل فهم الواقع في الدعوى . ( المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء الأول الصفحة : 48 )

ويعبر عن ذلك بأن المصلحة هي مناط الدعوى، وأنه حيث تنعدم المصلحة تنعدم الدعوى، فلا دعوی ولا دفع بغير مصلحة.

فينبغي أن تكون هناك فائدة أو منفعة تعود على المدعي من دعواه على فرض الحكم لصالحه، وقد تتمثل هذه الفائدة في حماية الحق أو اقتضاؤه أو الاستيثاق له أو الحصول على ترضية مادية أو أدبية إذن المصلحة هي الفائدة العملية المشروعة التي يراد تحقيقها بالالتجاء إلى القضاء.

ومعنى أن المصلحة فائدة أنه لا يجوز الالتجاء إلى القضاء عبثاً، دون رغبة في تحقيق منفعة ما. 

ومعنى كونها «فائدة عملية» أن المسائل النظرية لا تصلح لذاتها أن تكون محلاً لدعوى قضائية، فالقضاء ليس داراً للإفتاء، ولا مجالاً للمجادلات النظرية البحتة.

ومعنى أن تكون الفائدة العملية «مشروعة» ألا يكون الغرض من الدعوى مجرد الكيد ويمكن اعتبار الدعوى المبنية على المصلحة التافهة أو الحقيرة من هذا القبيل وقد جاء في كتاب تبصرة الحكام، ج 1، ص 37 ما یلي لا يسمع القاضي الدعوى في الأشياء التافهة الحقيرة التي لايتشاح فيها العقلاء، كعشر سمسمة، قاله القرافي.

وفي الواقع لا يتصور أن يتقدم عاقل إلى القضاء بدعوى لا يكون له منها فائدة ما، وإذا اتضح أن الغرض من الدعوى مجرد الكيد فلا يتردد القضاء في الحكم بعدم قبولها متى كان ذلك بادياً للنظرة الأولى، وإلا حكم - بعد تحقيقها برفضها، فضلاً عن أن رافعها يتعرض للحكم عليه بتعويضات لمن وجه كيده إليه أحمد مسلم - بند 288، ص 322 .

وعلة اشتراط المصلحة لقبول الدعوى تنزيه ساحات القضاء عن الانشغال بدعاوى لا فائدة عملية منها، مثل هذه الدعاوى غیر منتجة أو كيدية، وما أنشئت المحاكم لمثل هذه الدعاوى، ومن أمثلة الدعاوى غير المقبولة لانعدام المصلحة دعوی دائن مرتهن ببطلان إجراءات التوزيع إذا كان من الثابت أن ديون الدائنين السابقين له في المرتبة تستغرق كل المبلغ الذي ينصب عليه التوزيع، ولن يبقى لرافع الدعوى شيء.

ومن أمثلة - ذلك أيضاً عدم قبول دعوی وارث ببطلان إقرار صادر من مورثه بملكية الغير لمال، إذا كان الوارث لا يدعي أن هذا المال ملك لمورثه نقض 11/12/1948 - مجموعة القواعد القانونية لمحكمة النقض - الجزء الخامس - ص 501 .

والمصلحة ليست شرطاً لقبول الدعوى فحسب، إنما هي شرط لقبول أي طلب أو دفع أو طعن في حكم، ومن أمثلة ذلك أنه في النزاع على ملكية عين إذا دفع خصم ببطلان عقد بيع بدعوى أنه هبة تمت بعقد عرفي فسلم له خصمه بالبطلان متمسكاً بالحيازة المدة الطويلة، وقضت له المحكمة على هذا الأساس، فلا يقبل من المحكوم عليه عند الطعن في الحكم أن يدفع بصورية العقد لانعدام المصلحة في الدفع مادامت المحكمة لم تبين حكمها بالملكية على العقد المدعى بصوريته، وإنما بنته على الحيازة الطويلة المدة (راجع حكم محكمة النقض، المصرية نقض 2/3/1933 منشور في - مجموعة القواعد القانونية لمحكمة النقض الجزء الأول صفحة 191) .

ومن أمثلة ذلك أيضاً ما قضت به محكمة النقض بأنه إذا كان الخصم لم يبد دفعه بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى إلا في نهاية مرافعته أمام محكمة الاستئناف، بعد أن كان قد أبدى طلباته الختامية المتعلقة بأصل الدعوى، فإنه يكون متعيناً على المحكمة أن تقضي بسقوط حقه في هذا الدفع لا أن تتعرض للدفع وتفصل فيه، ولكن إذا كانت المحكمة قد انتهت إلى القضاء برفض الدفع، فلا يقبل الطعن في هذا الحكم بدعوى أن المحكمة أخطأت فقضت برفض الدفع بدلاً من القضاء بسقوط الحق فيه فيكون هذا الطعن عديم الجدوى لانعدام المصلحة، ولذلك يتعين عدم قبوله (نقض 17/3/1949 منشور في مجموعة القواعد القانونية لأحكام محكمة النقض المدنية - الجزء الخامس صفحة 735، وتعليق محمد حامد فهمى عليه في هامش صفحة 736 .

وليس شرط المصلحة شرطاً لازماً لقبول ما يتمسك به المدعى فحسب، وإنما هو شرط لقبول ما يتمسك به المدعى عليه من دفوع أياً كان نوعها، ومصلحة المدعى عليه فيما يبديه من دفوع هي تفادي الحكم عليه بطلبات المدعي كلها أو بعضها، فكل دفع شكلى أو موضوعي أو دفع بعدم القبول، وكل وسيلة دفاع يبديها المدعى عليه، ولا يكون من شأنها تفادي الحكم عليه بطلبات المدعى كلها أو بعضها لا تقبل لانتقاء المصلحة رمزی سيف - بند 77 - م 111 - ص 112.

إذ كما أن المصلحة شرط لقبول أي طلب أو دفع من جانب المدعی، فإنها أيضاً شرط لقبول أي طلب أو دفع من جانب المدعى عليه، ومن الغير الذي يتدخل في الدعوى سواء كان تدخله انضمامياً أو اختصامياً.

المقصود بلفظ «الطلب» ولفظ «الدفع» الواردان في المادة الثالثة مرافعات - محل التعليق :

يقصد بالطلب الطلب الموضوعي، سواء أكان طلباً أصلياً تفتتح به خصومة جديدة، أو طلباً عارضاً بيدي أثناء نظر خصومة قائمة، كما يقصد بالطلب أي طلب يتصل بإجراءات سير الدعوى أو إثباتها.

ويقصد بالدفع الدفع الموضوعي والدفع الشكلي والدفع بعدم القبول، فمثلا لايجوز الدفع بإحالة الدعوى للارتباط إلى محكمة أخرى، إذا كانت الدعوى مرفوعة إلى جهة قضاء غير مختصة (نقض 14/12/1950 المجموعة 2 ص 162).

كما يقصد بالدفع دفع الدفع، وعادة يكون من الدفوع بعدم القبول، كالدفع بعدم قبول الدفع الشكلي بسبب الإدلاء به بعد التكلم في الموضوع.

ويلاحظ أن المادة الثالثة - محل التعليق - لم تنص على وجوب توافر المصلحة لقبول الطعن في الحكم، ومع ذلك فالفقه والقضاء يستوجبان ضرورة توافر المصلحة لقبوله، ويلاحظ أن تعبير الطلب يشمل بعمومه الطعن، فالأخير ما هو إلا طلب يتميز برفعه إلى محكمة الطعن أحمد أبوالوفا - التعليق ص 96 – 97.

خصائص المصلحة الواجب توافرها كشرط لقبول الدعوى، أو أي طلب أو دفع أو طعن :

لا يكفي مجرد المصلحة، بمعنى الفائدة العملية، لقبول الدعوى وإنما يجب أن تتوفر في هذه المصلحة خصائص معينة، فيجب أن تكون مصلحة قانونية، وأن تكون شخصية ومباشرة، وأن تكون قائمة وحالة :

أولاً : يجب أن تكون المصلحة قانونية : والمقصود بالمصلحة القانونية المنفعة التي يقرها القانون نقض 16/5/1972- لسنة 23 ص 933، أي أن تسند الدعوى إلى حق أو مركز قانوني، فيشترط في المصلحة أن تكون قانونية بمعنى أن تستند إلى حق أو مركز قانونی بحيث يكون الغرض من الدعوى حماية هذا الحق أو المركز القانوني بتقريره، إذا نوزع فيه أو دفع العدوان عليه أو تعويض مالحق به من ضرر بسبب ذلك، أما إذا كانت المصلحة لا تستند إلى حق أو مركز يقره القانون فهي مصلحة اقتصادية لاتكفي لقبول الدعوى، فلا يكفي لقبول الدعوى أن تكون المصلحة اقتصادية بحتة لا يحميها القانون، فمثلا لا تقبل دعوى التعويض التي يرفعها صاحب محل تجاري على قاتل عميل كانه يستورد منه أشياء كثيرة فحرمه مما كان يحققه من كسب، كذلك لا تقبل دعوى تاجر بطلب حل شركة تجارية تنافسية في تجارته، ولو شاب عقد الشركة سبب من أسباب البطلان مادام رافع الدعوى ليس طرفاً في عقد الشركة فلا حق له في طلب بطلانها، فالمصلحة في هاتين الحالتين مصلحة اقتصادية وليست قانونية رمزي سیف - بند 78 ص 113.

إذن فالمصلحة القانونية هي وحدها التي تصلح عماداً أو أساساً للدعوى، وتتميز المصلحة القانونية عن المصلحة الاقتصادية، بأن المصلحة القانونية تكون متصلة بحق فردی معین - أما حيث تكون المصلحة مرسلة، أي غير مرتبطة بحق معلوم - فإنها لا تكون قانونية ولا يمكن إقامة الدعوى على أساسها ولهذا يمكن القول بإن المصلحة تكون قانونية إذا كان من شأن الدعوى لو صحت تقرير حق أو رخصة للمدعى أو تخليصه من التزام غير أنه لا ينبغي أن يفهم من ذلك أن المصلحة القانونية يجب أن تكون مادية، فإن للمصلحة القانونية صورتين لأنها قد تكون مالية، وقد تكون مجرد مصلحة أدبية أو معنوية.

والصورة الأولى هي الأكثر شيوعاً فالمصلحة القانونية تكون مالية أو مادية، حيث يكون الغرض من الدعوى حماية حق عيني أو اقتضاء حق شخصی، سواء بتنفيذ التزام عقده المدعى عليه مع المدعى تنفيذاً عينياً، أو بطلب مبلغ من النقود نتيجة لتعهد ارتبط به المدعى عليه، أو لجبر ضرر نشأ عن فعل خاطىء ارتكبه المدعى عليه، أو عن إخلال المدعى عليه بالتزام واقع على عاتقه.

أما الصورة الثانية فهي التي تكون المصلحة القانونية فيها معنوية أو أدبية  ومثل هذا النوع من المصالح كاف لإقامة الدعوى، ومثال ذلك حالة المدعي الذي يطالب بتعويض رمزى عن فعل ضار ارتكبه خصمه في حقه ومثال ذلك أن ينشر أحد الصحفيين مقالاً يمس شرف أحد المواطنين أو سمعته، فيرفع ذلك المواطن دعوى بطلب إلزام الصحفى بأن يدفع إليه مبلغ 501 جنيه على سبيل التعويض الرمزي، مع نشر الحكم في الجريدة التي نشر بها ذلك المقال.

ففي هذه الحالة لاشك في أن الدعوى تكون مقبولة، ولو أن رافعها لا يسعى إلى فائدة مادية لأن الترضية الأدبية التي يطلبها لا تمنع من وصف مصلحته في الدعوى بأنها مصلحة قانونية، ومثال ذلك أيضاً الدعوى التي يرفعها أب عن الألم النفسي الذي أصابه بقتل ولده وغير ذلك، غير أنه لا ينبغي على كل حال أن تكون المصلحة نظرية بحتة.

وجدير بالذكر أن العبرة في وصف المصلحة بأنها مادية أو أدبية لا ترجع إلى نوع الضرر الواقع على الشخص، فقد يقع عليه ضرر أدبي فيطلب تعويضاً مالياً كبيراً، وقد يقع عليه ضرر مادي فلا يطلب إلا تعويضاً أدبياً ومن المسلم به أن الضرر الأدبي يصلح أساساً لدعوى التعويض - وإنما تقاس المصلحة أو توصف بأنها مادية أو إدبية طبقاً لما يتطلبه المضرور في دعواه - فإذا طالب بالتعويض المالي كانت مصلحته مادية، وإن كان ينشد الترضية المعنوية كانت مصلحته أدبية - وهي على الحالين مصلحة قانونية، لأنها تتعلق بحق هو حق المضرور في جبر وإصلاح ما أصابه من ضرر .

ونكرر الإشارة إلى أن المصلحة القانونية سواء كانت أدبية أو مادية يجب ألا تكون مجرد مصلحة نظرية، بل يجب أن تعود على المدعى فائدة عملية من دعواه وإلا كانت غير مقبولة لأن المصلحة النظرية البحتة لا تكفي لقبول الدعوى حتى مع وصفها بأنها مصلحة قانونية عبد الباسط جمیعی به مباديء المرافعات في قانون المرافعات الجديد  - سنة 1980 - ص 317 و ص 318 وص 319 .

ثانياً : يجب أن تكون المصلحة شخصية ومباشرة وعلاقة ذلك بشرط الصفة في الدعوى : فضلاً عن ضرورة أن تكون المصلحة قانونية يشترط في المصلحة التي تؤسس عليها الدعوى أن تكون مصلحة شخصية مباشرة، فلا يجوز أن يرفع شخص دعوى للمطالبة بحق للغير، فلو رفع شخص دعوى للمطالبة بحق لأبيه أو لأخيه أو لابنه فإنها لا تقبل منه ما لم تكن له الولاية على صاحب الحق كأن يكون وصياً عليه أو قيماً أو ولياً شرعياً كذلك لو وقع حادث وأصيب فيه أشخاص متعددون فلا يجوز أن يرفع أحدهم دعوى بطلب التعويض لجميع المصابين بل يجب أن يقصر دعواه على طلب التعويض لنفسه عن الضرر الذي أصابه ويقدر هذا الضرر - ولا يقبل منه طلب التعويض لسواه مهما كان مقدار الضرر الذي أصاب الغير مادام ذلك الغير لم يطلب جبر ضرره .

ويرى بعض الفقهاء أن هذا الشرط هو بذاته شرط الصفة بمعنى أن الصفة المطلوبة في التقاضي ليست إلا المصلحة الشخصية المباشرة .

ولكن يجب التمييز هنا بين فرضين  :

أولهما : أن يكون رافع الدعوى هو صاحب الحق نفسه، وهنا تختلط الصفة بالمصلحة الشخصية المباشرة .

ثانيهما : أن يكون رافع الدعوى شخصاً آخر غير صاحب الحق، ولكنه يرفعها باعتباره نائباً عن صاحب الحق، أي أنه يدعى لغيره، ويزعم أن له ولاية الادعاء بحكم تمثيله لهذا الغير (صاحب الحق) ونيابته عنه، وهنا تتميز الصفة عن المصلحة الشخصية المباشرة إذ أن المدعي يجب أن يثبت صفته في تمثيل ذلك الغير الذي ترفع الدعوى باسمه - كأن يكون المدعى وصياً على قاصر - أو قيماً على شخص محجور عليه - أو أن يكون المدعي مديراً لشركة أو نائباً عن شخص معنوی - فيجب أن يثبت هذه الصفة، صفة الوصي أو القيم أو المدير أو النائب... الخ .

فإذا ما ثبتت الصفة، اعتبرت الدعوى مرفوعة من القاصر أو المحجور عليه أو الشخص المعنوى، لأنه هو المدعي الحقيقي فيها، وليس رافع الدعوى إلا نائباً عنه وممثلاً له، فننتقل عندئذ إلى بحث ما إذا كان الشخص الذي رفعت الدعوى باسمه ولحسابه صاحب مصلحة شخصية مباشرة، أو أنه ليس كذلك .

فلو كان القاصر وارثاً احتمالياً لشخص ما، ورفع الوصي على ذلك القاصر دعوی ببطلان تصرف وقع من المورث الاحتمالي، فإن الصفة هنا تكون متحققة، إذا ما تقدم رافع الدعوى بما يثبت وصايته على القاصر، ولكن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي الحقيقي - وهو هنا القاصر - تكون مختلفة، ولذلك لا تقبل الدعوى ولكن أساس عدم القبول ليس هو انعدام الصفة بل انعدام المصلحة الشخصية المباشرة .

وبالعكس لو كان للقاصر دین ثابت وكان الوصي عليه هو عمه، ولكن الذي رفع الدعوى هو خاله، فإن الدعوى لا تقبل لانعدام الصفة، مع أن المصلحة الشخصية المباشرة للقاصر متحققة .

وواضح من هذين المثالين أن الصفة شرط متميز عن شرط المصلحة الشخصية المباشرة .

أما حيث يكون رافع الدعوى هو من يزعم أنه صاحب الحق المدعى به فيها - فإن مصلحته الشخصية المباشرة فى الدعوى تكون هي بذاتها صفته في رفعها - لأن هذه الصفة لا تعدو أن تكون هي ادعاؤه بأنه صاحب الحق، ومن ثم حق القول بأن المصلحة الشخصية المباشرة تمتزج بالصفة في مثل هذا الفرض عبدالباسط جمیعی - ص 350 - ص 352 .

ويتعين ملاحظة أنه يجب أن تتوافر المصلحة والصفة في رافع الدعوى المستعجلة، إلا أن القاضي المستعجل في بحثه لتوافر المصلحة والصفة يتحسسها من ظاهر الأوراق دون تعمق وبغير مساس بالحق الموضوعي .

ويلاحظ أن المشرع اشترط صراحة في الفقرة الأولى من المادة الثالثة - محل التعليق - لقبول أي دعوى أو طلب أو دفع أن يكون لصاحبه فيه مصلحة شخصية ومباشرة .

الاستثناءات من شرط المصلحة الشخصية المباشرة :

هناك استثناءات من شرط وجوب أن تكون المصلحة شخصية ومباشرة نذكر أهمها فيما يلي :

 استثناء أول : الدعوى غير المباشرة :

يجيز القانون أحياناً أن يرفع شخص دعوى للمطالبة بحق لغيره إذا كانت تعود عليه من ذلك فائدة أو منفعة شخصية وأهم مثال على ذلك هو الدعوى غير المباشرة، التي يرفعها الدائن على مدين مدينه للمطالبة بحق مدينه.

وقد نصت المادة 235 من القانون المدني على جواز رفع هذه الدعوى بشروط معينة، أهمها من الناحية الإجرائية إدخال المدين خصماً في الدعوى، وإلا كانت غير مقبولة، أما باقي الشروط فمجال بحثها في القانون المدني لأنها شروط موضوعية، وإن كنا سنشير فيما يلي إلى ما يمس منها شرط المصلحة في الدعوى.

والأساس القانوني في إجازة قبول الدعوى غير المباشرة هو اعتبار الدائن نائباً عن مدينه في مقاضاة مديني المدين ومصدر النيابة هنا هو القانون.

على أنه لا يجوز للدائن أن يستعمل حقاً متصلاً بشخص المدين خاصة، وهو ما نصت عليه صراحة الفقرة الأولى من المادة 235 مدني وكذلك الشأن بالنسبة للرخص المخولة قانوناً للمدين، كطلب الشفعة، والحقوق التي يباشرها المدين عن غيره، كما لو كان المدين ولياً أو وصياً أو قيماً وكذلك حقوق المدين على مدين مدينه، كما لا يجوز للدائن أن يقاضى مدين مدينه للمطالبة بحق للمدين، إذا كان ذلك الحق غير قابل للحجز، لأن عدم قابلية الحق للحجز ينفي مصلحة الدائن في إقامة الدعوى لأن حصول الدائن على حكم لصالح المدين لن يعود عليه - أي على الدائن - بالفائدة.

وكذلك لو كان حق المدين مثقلاً إلى حد الاستغراق بما يجعل استعماله غير ذي فائدة للدائن، فعندئذ تنعدم مصلحة الدائن في استعمال ذلك الحق ولهذا فإن الدعوى غير المباشرة تكون غير مقبولة في تلك الحالات لانعدام مصلحة الدائن فيها عبدالباسط جمیعی - ص 352 وص 353 .

استثناء ثاني : دعاوی النقابات والجمعيات :

للنقابة أو الجمعية أن ترفع دعوى مطالبة بحق لها باعتبارها شخصاً اعتبارياً له حقوقه الخاصة به وذمته المالية الخاصة، فلاشك في أن للنقابات والجمعيات الحق في رفع الدعوى للمطالبة بحقوقها الخاصة كشخص معنوي له ذمة مالية مستقلة، كما إذا تعاقدت مع مقاول على إقامة بناء، فلها أن ترفع عليه دعوى بخصوص المنازعات التي تثور حول تنفيذ هذا العقد أو فسخه ودعوى التعويض التي ترفعها على من اعتدى على مال مملوك لها إلا أن الجدل قد ثار فيما إذا كان يجوز للنقابة أن ترفع الدعوى للدفاع عن حق خاص بأحد أعضائها والأصل أنه لا يجوز ذلك إلا أن المشرع أجاز في المادة 92 من قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 للنقابة أن ترفع دعاوی ناشئة عن إخلال رب العمل بالتزاماته التي تضر بمصلحة أحد أعضاء النقابة، وعلى ذلك يجوز لها رفع الدعوى ضده رب العمل للمطالبة بحق العمال لديه بالنسبة للحد الأدنى للأجور أو بالأجر المستحق عن العطلة الرسمية، وغير ذلك من الحقوق المشتركة للعمال المنتمين للنقابة .

وبالنسبة للدعاوى التي ترفعها للدفاع عن المصالح المشتركة، أو عن المهنة التي تمثلها فإن الرأي الراجح يجيزها عبدالباسط جمیعی - ص 353، رمزي سيف - بند 83 و بند 84 ص 117 وما بعدها، وعلى ذلك يكون لنقابة المحامين الحق في رفع الدعوى ضد الشخص الذي يقذف في حق مهنة المحاماة أو يحقر من شأنها، كما يجوز لنقابة الأطباء رفع الدعوى ضد الشخص الذي يمارس مهنة الطب دون أن تتوافر فيه الشروط التي نص عليها القانون .

وبالنسبة للجمعيات فإن الرأي الراجح فقها وقضاء بمصر يخولها حق رفع الدعوى حماية للمهنة أو الغرض الذي أنشئت من أجله (رمزي سیف - الإشارة السابقة، عبدالباسط جمیعی - الإشارة السابقة، كما هو الشأن بالنسبة للنقابات تأسيساً على أنه لا يصح التفرقة بين النقابة والجمعية، فكلاهما يهدف إلى تحقيق مصلحة عامة لأعضائها، وقد أيدت محكمة القضاء الإدارى هذا القول، واعتبرت الاتحاد النسائي جمعية تقوم على الدفاع عن حقوق المرأة الاجتماعية والسياسية، وأن من حقها الطعن في القرار الذي استند في ترك تعيين فتاة في الوظيفة الفنية بمجلس الدولة لعدم ملاءمة الوظيفة لأنوثتها، و قضى بأحقية هذه الجمعية في التدخل دفاعاً عن مبادئه وقياماً على أداء رسالته .

استثناء ثالث : دعوى الحسبة : تعرف الشريعة الإسلامية دعاوی تسمى بدعوى الحسبة وهي بعاوي لا يكون لرافعها مصلحة شخصية أو مباشرة، وإنما هو يرفعها احتسابا لوجه الله تعالى وابتغاء الثواب منه، وأساسها النهي عن المنكر، ومثالها رفع دعوى للتفريق بين زوجين يمنع الدين من زواجهما كما لو كانت بينهما قرابة محرمية، أو كما لو كان الزوج أخاً لزوجته في الرضاع، أو كان الزوج مسيحياً والزوجة مسلمة، فالشريعة الإسلامية تجيز إقامة دعوى الحسبة لكل إنسان في المسائل المتعلقة بحقوق الله كالبنوة والوقف، وما يتعلق بالحل والحرمة محمد حامد فهمی ص 389 .

وقبل صدور قانون تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة قلنا في الطبعة الأولى من هذا المؤلف أنه لا يزال من الجائز رفع مثل هذه الدعاوی، وهي استثناء من شرط المصلحة الشخصية المباشرة، ولكن رغم أن دعاوى الحسبة جائزة شرعاً ومنصوص عليها في الشريعة الإسلامية، إلا أنه حتى  يمكن رفعها فعلاً يجب أن ينص القانون على ذلك، لأنه في حالة عدم ورود نص خاص فإن قانون المرافعات لا يجيز رفع الدعوى من غير ذي صفة، أي ممن لا يتوافر فيه شرط المصلحة الشخصية المباشرة، ولكن بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية فإنه في اعتقادنا يجوز رفع دعاوی حسبة بشأنها دون حاجة لنص في القانون لأن قواعد الأحوال الشخصية مستمدة من الشريعة الإسلامية، فمسائل الأحوال الشخصية تحكمها الشريعة الإسلامية التي تجيز رفع دعاوى الحسبة .

وقد أصدر المشرع القانون رقم 3 لسنة 1996 بتنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية، وسوف نورد نصوص هذا القانون فيما يلي :

قانون رقم 3 لسنة 1996 

بشأن تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة

في مسائل الأحوال الشخصية

بأسم الشعب 

رئيس الجمهورية 

قرار مجلس الشعب القانون الآتي نصه وقد أصدرناه

المادة الأولى

تختص النيابة العامة وحدها دون غيرها برفع الدعوى في مسائل الأحوال الشخصية على وجه الحسبة، وعلى من يطلب رفع الدعوى أن يتقدم ببلاغ إلى النيابة العامة المختصة يبين فيه موضوع طلبه والأسباب التي يستند إليها مشفوعة بالمستندات التي تؤيده.

وعلى النيابة العامة بعد سماع أقوال أطراف البلاغ وإجراء التحقيقات اللازمة أن تصدر قراراً برفع الدعوى أمام المحكمة الابتدائية المختصة أو بحفظ البلاغ

وبصدد قرار النيابة العامة المشار إليها مسبب من محام عام وعليها إعلان هذا القرار لذوى الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره.

المادة الثانية

للنائب العام إلغاء القرار الصادر برفع الدعوى أو بالحفظ خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره وله في هذه الحالة أن يستكمل ما يراه من تحقيقات والتصرف فيها إما برفع الدعوى أمام المحكمة الابتدائية المختصة، أو بحفظ البلاغ، ويكون قراره في هذا الشأن نهائياً.

المادة الثالثة

إذا قررت النيابة العامة رفع الدعوى على النحو المشار إليه في المادتين السابقتين تكون النيابة العامة هي المدعية فيها، ويكون لها ما للمدعي من حقوق وواجبات.

المادة الرابعة

لا يجوز لمقدم البلاغ التدخل في الدعوى أو الطعن في الحكم الصادر فيها.

المادة الخامسة

تنظر الدعوى في أول جلسة بحضور ممثل النيابة العامة ولو لم يحضر المدعى عليه فيها.

المادة السادسة

تحيل المحاكم من تلقاء نفسها ودون رسوم ما يكون لديها من دعاوى من مسائل الأحوال الشخصية على وجه الحسبة والتي لم يصدر فيها أي حكم إلى النيابة العامة المختصة وفقا لأحكام هذا القانون وذلك بالحالة التي تكون عليها الدعوى، ويعلن قلم الكتاب أمر الإحالة إلى ذوى الشأن .

المادة السابعة

يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القانون.

المادة الثامنة

ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره.

يبصم هذا القانون بخاتم الدولة، وينفذ كقانون من قوانينها صدر برئاسة الجمهورية في 9 رمضان سنة 1416 هـ الموافق 29 يناير سنة 1996.

حسني مبارك 

 

وقد نشر هذا القانون بالجريدة الرسمية في 29/1/1996 بالعدد 4 مكرر، وعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره، أی اعتباراً من 30 يناير سنة 1996، ويجيز هذا القانون رفع دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية، وقد حدا المشرع إلى إصدار هذا القانون مجرد تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية، وقد توخى القانون ألا يخل بأصل الحق في تلك الدعوى ولا يحول دون بلوغ مراميها مستهدفاً في ذلك ضبط الأمور بحيث لا يكون اللجوء إليها ابتغاء انتقام أو تشهير أو إرهاب أو ترويع، وإنما ابتغاء ما شرعه الله من أمر بالمعروف ونهي عن منكر، ذلك أن الحفاظ على حسن سير العدالة والنأي عن أن تصبح ساحات المحاكم مجالاً للدد في الخصومة أو اصطناع الدعاوى التي تمس حقوق المواطنين هو أمر ينبغي على ولي الأمر أن يضطلع به حفاظاً على حق الشارع وحق المواطنين معا .

وقد استند المشرع في ذلك وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون إلى أن أصل الحق في الحسبة، وإن كان مقرراً شرعاً باعتبارها وسيلة عامة لإقامة المصالح ودرء المفاسد، إلا أن القواعد الإجرائية التي تنظم مباشرتها حقاً وعدلاً لا تصدر عن قاعدة كلية لا تقبل تأويلاً ولا يمكن إرجاعها إلى نص قطعي ثبوتاً ودلالة، وبالتالي فليس ثمة ما يمنع من أن يتناولها ولي الأمر بالتنظيم تحقيقاً لمصالح معتبرة شرعاً في تقديره.

ويلاحظ أن المشرع قصر تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة على مسائل الأحوال الشخصية على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون لأنه هي التي تحكمها قواعد الشريعة الإسلامية التي ترد إليها، أو تستمد منها دعوى الحسبة - أما في نطاق المعاملات المدنية والتجارية فإنه لا مجال لإعمالها لانتفاء شرط المصلحة الشخصية القائمة فيها كما حددته المادة الثالثة من قانون المرافعات المدنية والتجارية، كما أنه لا محل للحسبة في الدعاوى الجنائية إذ ناطت المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية بالنيابة العامة دون غيرها رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها باعتبارها صاحبة الدعوى والأمينة عليها والنائبة عن المجتمع في الاضطلاع بها.

إذ ينبغي ملاحظة أن القيد الوارد في المادة الأولى من القانون رقم 3 لسنة 1996 خاص بالحسبة التي ترفع متعلقة بمسألة من مسائل الأحوال الشخصية دون غيرها من دعاوى الحسبة التي أصبحت بهذا النص طليقة من أي قيد سوى قيد المصلحة الشخصية المباشرة والقائمة التي يقرها القانون وفقاً لما جاء بالمادة الثالثة من قانون المرافعات والمعدلة بالقانون رقم 81 لسنة 1996.

 استثناء رابع : الدعاوى التي ترفعها النيابة العامة :

للنيابة العامة رفع الدعوى لإزالة ما يخالف القانون، وفي الأحوال التي يجوز فيها ذلك قانوناً، كما هو الشأن بالنسبة لرفع دعوى الإفلاس من جانب النيابة ورغم انعدام مصلحة النيابة في هذه الحالة إذ لا فائدة تعود عليها من ذلك ولاضرر، إلا أن من حقها رفع الدعوى، على أساس نيابتها عن المجتمع ولكن بشرط وجود نص يجيز ذلك لها قانوناً وقد نص قانون المرافعات الحالي أيضاً على أنه يجوز للنيابة العامة الطعن بالنقض لمصلحة القانون حيث لا يجوز ذلك للخصوم مادة 250 من قانون المرافعات عبدالباسط جمیعی - ص 354 .

ثالثاً : يجب أن تكون المصلحة قائمة وحالة أي غير محتملة، اللهم إلا إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه :

نصت المادة الثالثة - محل التعليق - على أنه لا تقبل أي دعوى، كما لا يقبل أي طلب أو دفع استناداً لأحكام هذا القانون، أو أي قانون آخر لا يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية وحالة وقائمة يقرها القانون ومع ذلك تكفى المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق، أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه .

وواضح من هذا النص أن الأصل هو أنه يشترط لقبول الدعوى أن تكون المصلحة فيها قائمة، ويقصد بذلك أن يكون حق رافع الدعوى أو المركز القانوني الذي يقصد حمايته برفع الدعوى قد وقع عليه اعتداء بالفعل، أن يكون الضرر الذي يسعى إلى دفعه أو إصلاحه قد وقع بالفعل، كأن يمتنع مدين عن الوفاء بالتزامه لدائن، بالرغم من حلول أجل الدين، فيحرم الدائن من الانتفاع بمزايا حقه، ولذلك تقبل دعوى الدائن للمطالبة بدين حل أجله، أما قبل حلول الالتزام فلا تقبل الدعوى لأن المصلحة فيها ليست قائمة، ولو كان الدائن يتوقع امتناع المدين عن الوفاء بالتزامه عند حلول أجله، فالأصل في الدعاوى في نظامنا القانوني أنها دعاوی علاجية ترمي إلى دفع اعتداء وقع بالفعل أو إصلاح ضرر حصل فعلاً.

واستثناء من هذا الأصل استثني المشرع بعض الحالات ترفع فيها دعاوى لا تكون فيها المصلحة قائمة، وإنما محتملة فقط، بمعنى أن الضرر فيها لم يقع والاعتداء على حق رافع الدعوى لم يحصل بعد، وإنما هو محتمل الوقوع أو متوقع الحصول، فترفع الدعوى لا لدفع ضرر وقع بالفعل ، وإنما لتوقي الضرر قبل وقوعه، ولذلك تسمى هذه الدعاوى بالدعاوى الوقائية  .

ويتضح من نص المادة الثالثة - محل التعليق - أن المشرع جمع هذه الحالات في طائفتين: الأولى يكون الغرض فيها من الدعوى الاحتياط لدفع ضرر محدق، الثانية يكون الغرض فيها من الدعوى الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه.

والطائفة الأولى : يندرج تحتها دعاوی من أمثلتها دعوى قطع النزاع وصورة هذه الدعوى أن يشيع شخص ضد آخر مزاعم تتضمن الادعاء بحق للزاعم قبل المزعوم ضده، فيرفع هذا الأخير دعوی مطالباً خصمه بإقامة الدليل على صحة ما يدعيه وإلا حكم بعدم أحقيته فيما يزعمه وامتنع عليه في المستقبل أن يرفع دعوى مطالبا به، كأن يدعي شخص أنه دائن لآخر فيرفع الآخر دعوى على الأول مطالبا إياه بإثبات حقه وإلا حكم بفساد زعمه وحرم من رفع الدعوى به فيما بعد .

ومن أمثلة الطائفة الأولى من الاستثناءات أيضاً بعض دعاوى تقرير الحقوق والمراكز القانونية إذ من المقرر أن الدعوى بمجرد تقرير حق أو مركز قانوني لم ينازع فيه، كالدعوى بطلب الحكم بصحة عقد لم ينازع أحد في صحته، والدعوى بطلب تثبيت ملكية عين ضد شخص لا ينازع رافعها في الملكية غير مقبولة، لأن وظيفة القضاء فض المنازعات ، فحيث لا تكون هناك منازعة فإن العمل يخرج من وظيفة القضاء، وإنما يستثني القضاء الفرنسي من هذه القاعدة دعاوى المطالبة ببطلان العقود والشروط الباطلة، فقد جرى على قبول دعوى الملتزم بمقتضى عقد باطل بطلب بطلان العقد قبل أن يطالبه العاقد الآخر بتنفيذ التزامه كما جرى على قبول الدعوى ببطلان شرط باطل قبل أن يطالب أحد باحترام الشرط، كأن يبادر الموصی له بوصية متضمنة شرطاً باطلاً، كشرط عدم الزواج، قبل أن ينازعه أحد في حقه على المال الموصى به أو حقه في الزواج، وكالدعوى التي يرفعها بائع محل تجاري ببطلان شرط وارد في العقد يمنعه من فتح محل تجاري في أي مكان، وفي أي وقت قبل أن يشرع هو في فتح محل تجاري وقبل أن ينازعه المشتري في حقه في فتح المحل التجاري ويبرر الفقه ما جرى عليه من قبول هذه الدعاوى أن المدعي فيها مصلحة قائمة في الاطمئنان على حقوقه، بدلاً من أن يبقى مهدداً في حقوقه باحتمال المنازعة فيها ( جلاسون - المرافعات - الجزء الأول - بند 127، محمد حامد فهمي - المرافعات ص 364، رمزی سیف - بند 90 ص 126 وص 127 ) .

ومن أمثلة ذلك أيضاً دعوى تقرير الجنسية وهي دعوى أصلية ترفع إلى القضاء ويطلب فيها الحكم لشخص بتمتعة بجنسية معينة أو عدم تمتعه بها، وتكون الدعوى الأصلية بثبوت الجنسية أو الاعتراف بها مستقلة عن الطعن في قرار إداري، وعن أي نزاع آخر معروض على القضاء، فهذه الدعوى يرفعها شخص تكون جنسيته غير محققه يطلب فيها الحكم له بثبوت الجنسية التي يدعيها ليزيل كل شبهة حولها، فهی دعوى المصلحة فيها محتملة.

ومن أمثلة الطائفة الأولى من الاستثناءات أيضاً دعوى وقف الأعمال الجديدة وهي إحدى دعاوى الحيازة الثلاث التي نص عليها القانون وصورتها أن يشرع شخص في عمل لو تم لأصبح تعرضاً لشخص آخر في حيازته لعقار، فيرفع الحائز دعوى على من شرع في العمل لمنعه من إتمامه، والمصلحة في هذه الدعوى محتملة لأن الضرر للحائز لم يحصل، وإنما الغرض منها تفادي وقوعه بتفادي التعرض قبل حصوله، ومع ذلك نص قانون المرافعات كما نص القانون المدني على قبولها.

ومن أمثلة ذلك أيضاً دعاوى المطالبة بالالتزامات المستقبلة وقد سبق أن ذكرنا أنه لا تجوز المطالبة بحق لما يحل أجله لأن المصلحة في هذه الحالة لا تكون قائمة، وإنما يجرى القضاء على جواز قبول الدعوى للمطالبة بحق لم يحل أجله بعد في العقود المستمرة إذا قصر المدين في الوفاء بما حل من التزامه على ألا ينفذ الحكم بالنسبة لما لم يحل إلا بعد حلول الأجل، فالقضاء يبيح للمؤجر أن يطلب الحكم على المستأجر بما حل من أجرة وإلزامه بما يحل من الأجرة في المستقبل إلى يوم النطق بالحكم أو إلى تاريخ لاحق كتاريخ التنفيذ أو الإخلاء، مع أن المصلحة بالنسبة للأجرة المستقبلة ليست قائمة لأن الضرر لم يقع بالفعل، ولكنه أصبح متوقع الحصول بدلالة الظروف المستفادة من تقصير المستأجر في الوفاء بما حل من الأجرة، فأصبح للمؤجر مصلحة محتملة تكفي لقبول الدعوى دفعاً لهذا الضرر المحدق ويؤيد هذا القضاء نص المادة 385 من التقنين المدني الخاصة، بقطع التقادم، فيستفاد منها جواز صدور الحكم بالتزامات لاتستحق إلا بعد صدور الحكم (انظر مذكرة المشروع التمهيدي للقانون المدني).

ومن أمثلة الطائفة الأولى من الاستثناءات أيضاً الدعوى الاستفهامية وصورة هذه الدعوى أن يكون الشخص الخيار بين أمرين  في ميعاد حدده القانون، فيرفع آخر دعوى عليه أمام القضاء قبل انتهاء الميعاد مطالباً فيها بأن يحدد المدعى عليه موقفه بالإفصاح عن أي الأمرين يختار، ومثالها الدعوى التي يرفعها متعاقد مع قاصر بعد أن يبلغ القاصر مطالباً إياه بالإفصاح عما إذا كان يريد إجازة العقد أو إبطاله، ومع ذلك هناك إتجاه في الفقه يذهب إلى أن هذه الدعوى غير مقبولة لأن فيها اعتداء على حق صاحب الخيار، فقد خوله القانون استعمال الخيار في مدة معينة، ففي قبول الدعوى قبل انتهاء هذه المدة حرمان لصاحب الخيار من الأجل الذي أعطاه له القانون، وتنص المادتان 111 ، 140 من القانون المدني على أن تصرفات ناقص الأهلية الدائرة بين النفع والضرر قابلة للإبطال لمصلحة ناقص الأهلية، ولناقص الأهلية خلال ثلاث سنوات من زوال نقص أهليته أن يجيز التصرف أو أن يبطله.

أما الطائفة الثانية : من الاستثناءات من شرط وجوب أن تكون المصلحة قائمة ، فهي تشمل ما يسمى في الاصطلاح الفقهي بدعاوی التحقيق الأصلية، أو دعاوى التحقيق المتعلقة بمنازعات مستقبلة ويقصد بذلك الدعاوى التي يطلب فيها من القضاء إجراء تحقيق لإثبات واقعة للاستناد إليها في نزاع مستقل، أو هدم دليل لمنع الاستناد إليه في نزاع مستقبل، مثال ذلك الدعوى التي يرفعها صاحب حق لما يحل أجله مطالباً فيها بسماع شهادة شاهد للاستناد إليها عند المطالبة بحقه بعد حلول أجله وقد تكون لصاحب الحق مصلحة في سماء شهادة الشاهد الآن بدلاً من الانتظار حتى حلول أجل الحق والمطالبة به أمام القضاء، فقد يتوفى الشاهد عند رفع الدعوى بالحق فتفوت صاحبه فرصة الاستشهاد به، ويضيع حقه بسبب عجزه عن إثباته.

ومن أمثلة الطائفة الثانية من الاستثناءات، دعوى إثبات الحالة ، وقد نظم المشرع هذه الدعوى في المادتين 133، 134 من قانون الإثبات بنصه.

على أنه يجوز لمن يخشى ضياع معالم واقعة معينة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء أن يطلب في مواجهة ذوى الشأن، وبالطريقة المعتادة من قاضي الأمور المستعجلة الانتقال للمعاينة، أو ندب خبير للانتقال والمعاينة وسماع الشهود بغير يمين .

ومن أمثلتها أيضاً : دعوى تحقيق الخطوط الأصلية وصورة هذه الدعوى أن يكون بيد شخص محرر غیر رسمی مثبت لحق لما يحل أجل المطالبة به بعد، فيرفع من بيده المحرر دعوى أمام المحكمة مطالباً فيها لا بالحق ، لأنه لا تجوز المطالبة به لعدم حلول أجله، بل على من يشهد عليه المحرر ليقر بصحة المحرر أي بأنه كتبه بخطه أو وقع عليه بإمضائه أو ختمه أو بصمة إصبعه (مادة 45 من قانون الإثبات).

وأيضاً من أمثلة الطائفة الثانية من الاستثناءات من شرط أن تكون المصلحة قائمة، دعوى التزوير الأصلية التي يجيزها القانون بنص المادة 59 من قانون الإثبات لمن يخشى الاحتجاج عليه بمحرر مزور أن يختصم من بيده المحرر، ومن يفيد منه لسماع الحكم بتزويره.

وجدير بالذكر أنه استثناء من شرط المصلحة القائمة يجوز الاستشكال في تنفيذ الأحكام، أو الأوامر على العرائض، أو أوامر الأداء أو السندات الرسمية قبل الشروع في التنفيذ وذلك بنص القانون.

مدى اشتراط استمرار توافر المصلحة من رفع الدعوى إلى حين الفصل فيها : وفقاً للمادة الثالثة المعدلة بالقانون رقم 81 لسنة 1996 يشترط استمرار توافر المصلحة عند رفع الدعوى إلى حين الحكم فيها، والاتجاه الحديث لقضاء محكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا قبل صدور هذا القانون هو ضرورة استمرار توافر المصلحة لحين صدور الحكم في الدعوى ثمة خلاف في الفقه والقضاء حول حالة ما إذا توافرت المصلحة عند رفع الدعوى، ثم زالت بعدئذ وقبل صدور حكم فيها، فقد اتجه رأى إلى أنه يكفى تحقق المصلحة وقت رفع الدعوى أو الطعن، ولا يحول دون قبول الدعوى أو الطعن زوالها بعد ذلك، وإنما على المحكمة أن تبحث الدعوى في ضوء الوضع الجديد الذي قد يتصل بصميم الموضوع  أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 101 و ص  102.

بينما اتجه رأی آخر نرجحه إلى أنه إذا زالت المصلحة بعد إقامة الدعوى فإنه يجب الحكم بعدم قبول الدعوى على اعتبار أن المصلحة يتعين أن تتوافر لقبول الدعوى ليس في بدء النزاع فحسب وإنما في جميع مراحلها عبد المنعم الشرقاوي - نظرية المصلحة في الدعوى - رسالة الدكتوراه - بند 374، ونقض 14/12/1950 لسنة 2 ص 162، وأيضا نقض 26/1/1986 - طعن رقم 164 لسنة 51 قضائية، وحكم محكمة القضاء الإداري في 21/3/1957 السنة 11 ص 293 وحكمها في 18/1/1955 السنة 9 - ص 244، وقد أخذت المحكمة الدستورية العليا في أحدث أحكامها بهذا الرأي القائل بضرورة توافر المصلحة حتى صدور حكم في الدعوى انظر حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في 15/5/1993 - في الدعوى رقم 7 لسنة 8 قضائية، وحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في 15/5/1993، في الدعوى رقم 7 لسنة 8 قضائية، وسوف نشير إليهما تفصيلاً في نهاية تعليقنا في هذه المادة.

ولاشك أن الاتجاه الثاني القائل بضرورة توافر المصلحة في بداية رفع الدعوى، وحتى صدور حكم فيها هو الجدير بالتأييد لأن المصلحة مناط الدعوى ولا دعوى بغير مصلحة، فإذا زالت المصلحة التي استهدفها الطاعن من دعواه قبل صدور الحكم في الطعن، فإنه يجب على المحكمة أن تقضي بعدم قبول الدعوى أو الطعن لزوال المصلحة، ولكن نظراً لعدم تعلق شرط المصلحة بالنظام العام، فإنه يشترط لعدم قبول الدعوى أو الطعن في هذه الحالة أن يدفع المدعى عليه أو المطعون ضده بانتفاء المصلحة.

وقد قلنا في الطبعة السابقة من هذا المؤلف أنه مع ذلك ثمة تحفظ لنا على اتجاه المحكمة الدستورية العليا في هذا الصدد، فإذا كنا نؤيد الاتجاه القائل بضرورة استمرار توافر المصلحة حتى صدور حكم في الدعوى أمام القضاء المدني وهو يحكم علاقات خاصة للأفراد إلا أننا لا نؤيد ذلك أمام القضاء الدستوري نظراً لطبيعة الدعوى الدستورية وما تثيره من شك في دستورية القانون المطعون بعدم دستوريته ومن ثم تتطلب المصلحة العامة استمرار نظر المحكمة الدستورية في الدعوى لحسم مسألة دستورية القانون حتى لو انتفت المصلحة الخاصة للأفراد أثناء سير الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا، ويمكننا القول أن ثمة مصلحة عامة للمجتمع في هذه الحالة تستلزم فصل المحكمة الدستورية في مسألة دستورية القانون، وما نقول به يزيد من فاعلية دور المحكمة الدستورية العليا إذ ليس من المنطقي ألا تقوم المحكمة الدستورية العليا بدورها بحجة عدم استمرار توافر شروط قبول الدعوى التي ينص عليها قانون المرافعات، لأن هذه الحجة تتناقض مع طبيعة الدعوى الدستورية ذاتها، بل الحق أنها حجة تتناقض وقانون المحكمة الدستورية العليا الذي لم يستلزم ضرورة تطبيق قواعد المرافعات دائماً، بل تحفظ على ذلك بضرورة مراعاة طبيعة اختصاص المحكمة الدستورية العليا، فقد نصت المادة 28 من القانون رقم 48 لسنة 1979 الخاص بالمحكمة الدستورية العليا، على أنه «فيما عدا ما نص عليه في هذا الفصل، تسري على قرارات الإحالة والدعاوى والطلبات التي تقدم إلى المحكمة الأحكام المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية بما لا يتعارض وطبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها ولكن بعد تعديل المادة الثالثة بالقانون رقم 81 لسنة 1996، فإنه من الناحية العملية لم يعد لهذا التحفظ محل، إذ تنص الفقرة الثالثة من هذه المادة على أن تقضي المحكمة من تلقاء نفسها، في أي حال تكون عليها الدعوى بعدم القبول في حالة عدم توافر الشروط المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين، وهذا يعني أن شرط المصلحة من النظام العام ويجب توافره منذ رفع الدعوى إلى حين صدور الحكم فيها، ولذلك فإن زوال المصلحة في الدعوى بعد إقامتها أو في الطعن بعد رفعه يوجب على المحكمة أن تقضي بعدم القبول في كل منهما ولو لم يدفع به أحد من الخصوم، إذ أن مؤدی اعتبار الصفة من النظام العام يقتضي أن تظل المصلحة في الدعوى أو الطعن قائمة حتى صدور حكم فيها، وذلك لأن القاعدة هي أن النظام العام يسمو على مصالح الأفراد الخاصة.

وعلى أية حال فإن هذا التحفظ يتفق وطبيعة الدعوى الدستورية، ولذلك يمكن للمحكمة الدستورية العليا النظر في عدم إعمال المادة الثالثة مرافعات في هذا الصدد لتناقضه مع طبيعة الدعوى الدستورية.

مدى تعلق شرط المصلحة وشرط الضفة بالنظام العام وفقا للمادة 3 معدلة بالقانون رقم 81 لسنة 1996، فإن شرط المصلحة وشرط الصفة يتعلقان بالنظام العام قلنا في الطبعة السابقة من هذا المؤلف أنه في ظل قانون المرافعات السابق الملغي اختلف الفقه والقضاء حول ما إذا كانت المصلحة بمقوماتها بما فيها الصفة من النظام العام فذهب رأي إلى أنها متعلقة بالنظام العام فمادام الدليل قد قام أمام المحكمة على أن المدعي لا مصلحة له في رفع الدعوى أو لاصفة له في ذلك تجين عليها أن تقضي بعدم قبولها من تلقاء نفسها دون حاجة إلى إثارة دفع بذلك أمامها حتى ولو اتفق الطرفان على السير في الدعوى بحالتها واستندوا في ذلك إلى أنه من العبث أن ترفع أمام المحكمة دعاوی لامصلحة لأصحابها في رفعها أو لاصفة لهم فيها ولن تكون ذات قيمة أو حجية على أصحاب الصفة الحقيقية ورفع هذا العبث من النظام العام إذ أن القضاء كسلطة من سلطات الدولة شرع للفصل في الخصومات ذات النتائج المرجوة ولا محل لتعطيله برفع خصومات عديمة الجدوى لانعدام المصلحة أو صدور أحكام عديمة الحجية لانعدام الصفة( مدونة الفقه والقضاء - أحمد أبو الوفا ونصر الدين كامل وعبد العزيز يوسف الجزء الأول ص 202) وذهب رأي آخر إلى أن المصلحة بمقوماتها بما فيها الصفة ليست متعلقة بالنظام العام، وبالتالي لا يجوز للمحكمة أن تقضي بعدم قبول الدعوى لإنتفاء الصفة ما لم يدفع أحد الخصوم بذلك، إذ لا يجوز لها التعرض لها من تلقاء نفسها، وقد أخذت محكمة النقض بالرأي الأخير واستقرت في أحكامها على ذلك كما حسم قانون المرافعات الجديد الحالي هذا الخلاف إذا نصت الفقرة الثانية من المادة 115 مرافعات على أنه - إذا رأت المحكمة أن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء صفة المدعى عليه قائما على أساس أجلت الدعوى لإعلان ذي الصفة، ويجوز لها في هذه الحالة الحكم على المدعي بغرامة - وهذا النص لم يكتف بتقرير أن الصفة ليست من النظام العام، بل أوجب على المحكمة أن تؤجل الدعوى وتكلف المدعي باختصام ذی الصفة ومقتضى ذلك أن المحكمة لايجوز لها من تلقاء نفسها ولا بدفع من الخصم أن تقضي بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، وسوف نعود لتوضيح ذلك عند تعليقنا على المادة 115 مرافعات.

ولكن بعد تعديل المادة الثالثة مرافعات أصبح شرط المصلحة من النظام العام، وكذلك أصبح شرط الصفة من النظام العام، إذ نص المادة المادة الثالثة المعدل جاء قاطع الدلالة على أن شرط المصلحة وشرط الصفة من النظام العام بما أوجبه على المحكمة في الفقرة الثالثة من المادة 3 بأن تقضي من تلقاء نفسها، وفي أية حالة تكون عليها الدعوى بعدم القبول في حالة عدم توافر شروط المصلحة والتي اشترط فيها في الفقرة الأولى من ذات المادة بأن تكون شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون ويترتب على ذلك النتائج الآتية :

أولاً : لا يجوز اتفاق الخصوم على عدم المنازعة في صفات بعضهم في الدعوى.

ثانياً : يجوز لأي من الخصوم إبداء الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة، أو على غير ذي صفة سواء كان مدعي أو مدعى عليه مدخلاً في الدعوى أو متدخلاً فيها.

 ثالثاً : يجوز إبداء الدفع أمام جميع درجات المحاكم، فيجوز التحدي به أمام محكمة الدرجة الثانية حتى لو كان الخصم قد فاته التحدث عنه أمام محكمة الدرجة الأولى، بل أكثر من هذا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.

رابعاً : يتعين على النيابة سواء كانت خصماً أصلياً في الدعوى أو تدخلت لطرف منضم أن تتمسك بهذا الدفع ولو لم يدفع به أحد من الخصوم.

خامساً : يجوز الإدلاء بالدفع في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو بعد صدور حكم فرعي أو في شق من الموضوع حتى لو أصبح هذا الحكم أو ذاك غير قابل للطعن.

سادساً : يتعين على المحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها ولو أغفل الخصوم أو النيابة التمسك به.

سابعاً : يجب على محكمة النقض أن تعمل هذا الدفع من تلقاء نفسها حتى لو أغفل الخصوم التمسك به أمام محكمة الموضوع  ( الديناصوري وعكاز - التعليق الطبعة التاسعة ص40 وص 41 ) .

ويلاحظ أنه إذا توفي أحد الخصوم أثناء نظر الدعوى ولم يختصم من حل محله، فإنه لا يجوز لغير خلفائه الدفع ببطلان الإجراءات اللاحقة، أو الحكم الصادر لأنه بطلان نسبی غير أنه غالباً ما تكون الصفة أو المصلحة مرتبطين بالحق ذاته ارتباطاً وثيقاً.

فانتفائهما يؤدى إلى رفض الدعوى عادة من الناحية الموضوعية إذا لم يدفع فيهما بعدم القبول ( الديناصوري وعكاز ص 25 و ص 26 ) .

 شرط الصفة في الدعوى :

 سبق أن أوضحنا عند تعرضنا لشرط المصلحة الشخصية المباشرة، أن ذكرنا أن من الفقهاء من يرى أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة هو ذاته شرط الصفة في الدعوى، وقلنا أنه ينبغي التمييز بين فرضين .

فرض أول يكون فيه رافع الدعوى هو صاحب الحق نفسه، وفي هذا الفرض تمتزج الصفة بالمصلحة الشخصية المباشرة .

وفرض ثاني أن يكون رافع الدعوى شخصاً آخر غير صاحب الحق، ولكنه يرفعها باعتباره نائباً عن صاحب الحق، وفي هذا الفرض تتميز الصفة عن المصلحة الشخصية، إذ أن المدعي يجب أن تثبت صفته في تمثيل ذلك الغير الذي ترفع الدعوى باسمه، ومثال ذلك أن يكون المدعي وصياً على قاصر، أو أن يكون مديراً لشركة أو نائباً عن شخص معنوي فالصفة شرط لقبول الدعوى، وهو شرط مستقل عن شرط المصلحة ولكن أحياناً يمتزج به إذا كان رافع الدعوى هو صاحب الحق نفسه.

وينبغي أن تتوافر الصفة في المدعي وفي المدعى عليه، فيجب أن يكون للمدعي صفة في رفع دعواه بأن يكون هو صاحب الحق أو ممثله القانوني، كما يجب أن يكون للمدعى عليه صفة في أن توجه إليه الدعوى بأن يكون هو الطرف السلبي في الحق .

والأصل أن يكون المدعي هو صاحب الحق أو المركز القانوني المدعى نقض 29/12/1966 - السنة 17 - ص 2016، ولكن القانون قد يعترف بالصفة في الدعوى لشخص آخر، وقد يسمح لشخص آخر أن يمثل المدعى أو المدعى عليه في الدعوى، كما قد يعترف القانون لأشخاص أو هيئات بالصفة في الدعوى دفاعاً عن مصلحة جماعية أو مصلحة عامة، ومن أمثلة ذلك ما مضت الإشارة إليه فيما تقدم من دعاوى النقابات والجمعيات ودعاوى النيابة العامة ودعاوى الحسبة .

إذن توافر الصفة شرط لازم لقبول الطلب أو الدفع، إذ لا يتصور أن يدلى بهذا وذاك شخص لا شأن له بالأمر، ويحدد الصفة في الطلب القانون الموضوعي، فمثلاً الصفة اللازمة لرافع الدعوى بطلب بطلان تصرف المورث هي أن يكون وارثاً ولا تنشأ له حقوق على التركة إلا بعد وفاة مورثه نقض 28/11/1937 ، مجموعة القواعد القانونية 2 ص 84 ، وانظر مستعجل القاهرة 24/1/1950 - منشور في المحاماة 31، ص 815، ونقض 7/7/1955 ، الطعن رقم 40 سنة 21 قضائية، والصفة اللازمة لرافع دعوى الحيازة هي أن يكون حائزاً وفق ما يقرره القانون المدني، والصفة اللازمة لرافع الدعوى بعدم نفاذ تصرف المدين هي أن يكون دائناً وفق ما يقرره القانون المدني... الخ ويحدد الصفة فيمن يرفع عليه الطلب القانون الموضوعي أيضاً .

ويحدد الصفة في الدفع قانون المرافعات، لأن الدفع بعد بمثابة رد على طلب، فلا يتمسك به إلا من وجه إليه أو من يمثله، كما يحدد قانون المرافعات الصفة، فيمن يتمسك عليه الدفع .

 أما الطعن، فيشترك في تحديد الصفة فيمن يرفعه وفيمن يرفع عليه كل من القانون الموضوعي وقانون المرافعات، وفق ما سوف ندرسه عند التعليق على النصوص المتصلة بالطعن .

وإذا كان صاحب الحق شخصاً اعتباریاً كالحكومة والشركات والوقف تثبت الصفة في المخاصمة لمن يمثله طبقاً لنصوص القوانين أو عقود التأسيس أو حجة الوقف.

والبحث في صفة الخصوم أمر لازم ويعد مسألة أولية مؤقتة يتعين الفصل فيها أولاً قبل الحكم في الدعوى المستعجلة ولا تتقيد به المحكمة الموضوعية على أي حال (استئناف مصر 16/5/1950 ، المحاماة 31. ص 557، ومستعجل مصر 20/3/1940 ، المحاماة 20 ص 1232، أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 97 وص 98 ).

جواز الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة لأول مرة أمام محكمة النقض بشرط ألا يستلزم الفصل فيها بحث عناصر واقعية لم تكن تحت نظر محكمة الموضوع :

الصفة أصبحت من النظام العام وكان رد مؤدي ذلك أنه يجوز الدفع بانتفائها لأول مرة أمام محكمة النقض، إلا أن محكمة النقض وضعت شرطاً لذلك هو ألا يستلزم الفصل فيها بحث عناصر واقعية لم تكن تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم في الدعوى، كما إذا تنازع شخصان أمام محكمة النقض لأول مرة على ملكية عقار، وكان الفصل في الدفع يستلزم بحث الملكية وهو عنصر واقعی لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، فإن الدفع في هذه الحالة يكون غير مقبول .

رفع الدعوى من غير صاحب الصفة، أو على من ليس له صفة فيها يترتب عليه انعدام الخصومة  :

من المقرر كما سبق أن رددنا أن الصفة في الدعوى شرط لازم وضروري لقبولها والاستمرار في موضوعها ولاتستقيم بدونها، مما يتعين معه أن ترفع ممن وعلى من له صفة فيها وإلا كانت معدومة، فإذا أقام المدعي الدعوى ضد شخص بلغ سن الرشد واختصمه في شخص الولى الطبيعى عليه، أو أقام الدعوى ضد قاصر ووجه الخصومة إلى شخصه دون وليه الطبيعي أو الوصي عليه كان تمثيل هذا وذاك في الخصومة غير صحيح واعتبرت الخصومة معدومة .

وكذلك الشأن إذا أقام شخص دعوی بزعم أنه يمثل المدعي حالة أن ذلك غير صحيح فإن الخصومة في هذه الحالة أيضاً تعتبر معدومة ( الديناصوري وعكاز – ص166 وص 167 ) .

التفرقة بين الصفة وسلطة الوكيل في الحضور عن الخصم :

يلاحظ أن المنازعة في الصفة تكون على صورة دفع بعدم القبول، بينما المنازعة في سلطة الوكيل في الحضور تطبق بشأنها القواعد العامة في حضور الخصوم وغيابهم، فمثلاً إذا رفعت الدعوى من صاحب الصفة ثم حضر وكيلة بالجلسة وأثار خصمه اعتراضا حول التوكيل وأحقية الوكيل في الحضور بمقتضاه فهذا النزاع لايعتبر نزاعاً في الصفة وإنما نزاع في سلطة الوكيل في الحضور عن الأصيل أمام المحكمة ( أحمد أبو الوفا - المرافعات - بند 432 ) .

لا يجوز اختصام الوكيل في الأعمال التي وكل فيها :

من المقرر وفقاً لنص المادة 699 من القانون المدني أن ما يجريه الوكيل من تصرفات وكل فيها إنما هي لحساب الأصيل فإذا باشر إجراء معيناً، سواء كان من أعمال الإدارة أو التصرف، فلايجوز مقاضاته عن هذا الإجراء وإنما توجه الخصومة للموكل، اللهم إلا إذا كان الوكيل مفوضاً في إجراء هذا التصرف  .

جواز اختصام القاصر المأذون له بالإدارة فيما يتعلق بأعمال الإدارة التي أذن له بها :

من المقرر طبقاً لنص المادتين 55 ، 56 من قانون الولاية على المال أنه يجوز للقاصر الذي بلغ من العمر ثمانية عشر عاماً أن يحصل على إذن من محكمة الأحوال الشخصية بالتصريح له بأن يحصل على أمواله كلها أو بعضها لإدارتها، ويجوز له أعمال الإدارة عدا الإستثناءات المنصوص عليها في المادة 51 على سبيل الحصر، فإذا حصل على هذا الإذن فإنه يجوز إختصامه فيما يتعلق بإدارة الأموال المأذون له بإدارتها.

كذلك يجوز له أن يرفع دعوى للمطالبة بحقوق الإدارة الناشئة عن هذه الأموال دون الحصول على إذن من محكمة الأحوال الشخصية.

اختصام الشريك على الشيوع الذي يتولى إدارة المال الشائع في أعمال الإدارة الخاصة بهذا المال :

 نص المشرع في المادة 828/3 من القانون المدني على أنه إذا تولى أحد الشركاء إدارة المال الشائع دون اعتراض من الباقين عد وكيلاً عنهم، ولما كانت المطالبة بالأجرة عمل من أعمال الإدارة، فإنه يجوز لهذا الشريك الذي يتوى الإدارة أن يطالب مستأجر العقار بأجرته كلها، كما يجوز للمستأجر أن يرفع عليه دعوى بطلب تحرير عقد الإيجار أو تسليمه العقار أو إجراء الإصلاحات الضرورية والعاجلة التي يلزم بها في العين أو بتخفيض الإيجار وكل ما شابه ذلك .

ويلاحظ أنه في الحالة التي يكون فيها الحق متعدد الأطراف سواء كان ذلك في جانب المدعين أو المدعى عليهم فإن البحث يدق فيمن له صفة في الدعوى وهل يلزم اختصام جميع الأطراف أم يكفي واحداً منهم، وفي هذه الصورة يتعين التفرقة بين ما إذا كان المشرع قد نص على طريقة الاختصام أم لا، فإذا كان قد نص عليها كما هو الشأن في تضامن الدائنين، فقد بينت المادة 280 مدني أنه يجوز لأي منهم الحق في رفع الدعوى وحينئذ يتبع هذا الإجراء، أما إذا لم يتناول المشرع هذا الأمر فإن الشراح يفرقون بين دعوى الإلزام وهي التي ترد على حق في أداء والدعاوى المقررة أو المنشئة، فبالنسبة للطائفة الأولى فإنها يجوز أن ترفع من طرف واحد أو ضد طرف واحد لأنها بطبيعتها لا ترتب أثراً إلا في مواجهة أطراف الدعوى، أما إذا كانت الدعوى مقررة أو منشئة تتعلق برابطة قانونية واحدة، فإنها لايجوز أن تكون إلا بين جميع أطراف هذه الرابطة لأن ما يوجد كرابطة أو مركز قانونى واحد لا يمكن تأكيده أو تغييره إلا في مواجهة جميع أطرافه، مثال ذلك دعوى الشفعة إذ يتعين رفعها على البائع والمشتري، فإذا رفعت على أحدهما دون الآخر كانت غير مقبولة  .

تمثيل الوارث لباقي الورثة :

يعتبر الوارث ممثلاً لباقي الورثة فيما ينفعهم فقط، عملاً بقواعد عدم قابلية الالتزام للانقسام، باعتبار التزام المورث غير قابل للتجزئة، اللهم إلا إذا كان الوارث موكلاً من قبل الباقين في تمثيلهم، فيكون الحكم الصادر في الدعوى حجة لهم وحجة عليهم، كل هذا مع افتراض عدم مطالبة الوارث إلا في حدود نصيبه من الميراث أحمد أبوالوفا رقم 177 وما يليه، نظرية الأحكام رقم 392 وما يليه.

تحقق الصفة بعد رفع الدعوى أو زوالها بعدئذ : 

إذا زال العيب الذي كان يشوب الصفة بعد رفع الدعوى وقبل الحكم فيها فإن الدعوى تقبل، وذلك لأن قاعدة وجوب نظر الدعوى بالحالة التي كانت عليها وقت رفعها قاعدة مقررة لمصلحة المدعى حتى لا يضار من بطء الإجراءات أو من مشاكسة خصمه، فلا يجوز الاحتجاج بالقاعدة في مواجهته، كما أنه ليس من العدالة أن يقضي بعدم قبول دعوى يمكن لصاحبها أن يرفعها في نفس الوقت وبنفس الحالة التي كانت عليها وقت صدور الحكم بعدم القبول ويستوي في ذلك أن يكون العيب الذي يشوب الصفة متصلاً بالمدعى أو بالمدعى عليه، كما يستوي أن يكون زوال العيب قد جاء قبل إثارة الدفع بعدم القبول أم بعد إثارته لنفس الاعتبارات المتقدمة ( أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 99 وص 101 وقارن عبد المنعم الشرقاوي - نظرية المصلحة في الدعوى رقم 374 ) .

هذا ويلاحظ أنه يفترض في كل ما تقدم ألا يكون المشرع قد حدد میعاداً معيناً لرفع الدعوى، فإذا كان المشرع قد حدد ميعاداً لرفعها وجب أن يحصل زوال العيب قبل انقضاء هذا الميعاد.

وتتبع ذات القواعد المتقدمة في حالة رفع الدعوى من ناقص الأهلية أو رفعها عليه، متى تدخل وليه أو وصية قبل الحكم فيها.

وإذا زالت الصفة بعد إقامة الدعوى فإن هذا يؤدى إلى انقطاع الخصومة عملاً بقواعد انقطاع الخصومة، ولا يؤدي إلى الحكم بعدم قبول الدعوى.

وإذا رفع المدعي الدعوى دون أن تكون له صفة في رفعها إلا أنه اكتسب الصفة أثناء الدعوى، فإنه يترتب على ذلك زوال العيب، وتنتفی مصلحة المدعى عليه في التمسك بالدفع بعدم القبول كما سبق أن ذكرنا فيما تقدم، ويجوز أن يكون السند الذي يعتمد عليه الخصم في ثبوت صفته أمام محكمة الاستئناف مغايراً لسنده أمام محكمة أول درجة لأنه يجوز التمسك بسبب جديد أمام محكمة الاستئناف مع بقاء موضوع الطلب الأصلي على حاله عملاً بالمادة 235 مرافعات.

إذن بالنسبة للحالة التي لم يكن للمدعي صفة في رفع الدعوى وقت رفعها إلا أنه اكتسبها أثناء نظر الدعوى، فكان المستقر عليه قبل التعديل في الفقه والقضاء بأنه يزول العيب الذي شاب الدعوى بشرط أن يكون المدعي قد راعي المواعيد والإجراءات.

وذهب البعض إلى أبعد من ذلك فيرى إعمال نفس المبدأ سواء كان زوال العيب قد حدث قبل التمسك بالدفع أم بعد ذلك أحمد أبو الوفا ۔ المرافعات المدنية والتجارية بند 115 ويثور التساؤل عن أثر التعديل الذي أدخل بالقانون رقم 81 لسنة 1996، على هذا المبدأ، الراجح هو أن المبدأ السابق يظل سارياً في ظل التعديل الجديد وذلك إعمالاً لنص الفقرة الثانية من المادة 20 من قانون المرافعات التي نصت على أن لا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء، وحكم هذه الفقرة تمنع عند تحقق الغاية الحكم بالبطلان ولو كان متعلقاً بالنظام العام، إذ في هذه الحالة الأخيرة يكون تحقق الغاية دليلاً على عدم المساس بالنظام العام، ولايجوز التحدي بالمادة 21 فی هذا المجال لأن إعمالها يفترض قيام موجب البطلان وعدم تحقق الغاية لأنه إذا تحققت الغاية امتنع الحكم بالبطلان سواء كان متعلقاً بالنظام العام أو غير متعلق به راجع نظرية البطلان فتحي والي ص 799 الجزء الأول ،كمال عبد العزيز، طبعة سنة 95 ص 254 ولاينال من هذه النظر ما استقر عليه قضاء محكمة النقض، من أنه يجوز للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بالبطلان المتعلق بالنظام العام لأن ذلك مشروط بألا يكون هذا البطلان قد زال وتحققت الغاية منه ( الديناصوری وعكاز - ص 41 وص 42 ) .

ويلاحظ أن زوال العيب الذي شاب الدعوى منذ بدايتها لاكتساب المدعي الصفة أثناء نظر الدعوى مشروط - ومن باب أولى - في ظل النص الجديد أن يتم في الميعاد المقرر، وأن يكون قد راعى المواعيد والإجراءات وألا يخل بالمواعيد المحددة لرفع الدعوى أو الطعن وبمدد التقادم أما إذا كانت المواعيد التي أوجبها القانون قد انتهت أو كانت الإجراءات لم تتبع فإن العيب لا يزول الديناصوري وعكاز - الإشارة السابقة.

وفي حالة ما إذا تبين للمدعي بعد رفع الدعوى أن من اختصمه ليس هو صاحب الصفة الحقيقي وصحح دعواه باختصامه فإن هذا الإجراء لا يصح إلا إذا تم في الميعاد المقرر وألا يخل بالمواعيد المحددة لرفع الدعاوى ويمدد التقادم، فإذا أقام المضرور دعوى تعويض ضد شخص بزعم أنه المسئول عن الضرر، وكان ذلك قبل موعد تقادم الدعوى، ولما تبين له عدم صحة ذلك أدخل المسئول إلا أن ذلك لم يتم إلا بعد انقضاء مدة التقادم، فإن المحكمة تقضي بالتقادم إذا دفع المسئول بذلك لأنه ليس من النظام العام.

وإذا أقام الشفيع دعوى الشفعة في الميعاد واختصم بعض المشتريين ولم يختصم الباقين إلا بعد فوات الميعاد المقرر فدفعوا بسقوط الحق في الشفعة أجابتهم المحكمة لطلبهم.

وإذا أقام المدعي دعواه على غير ذي صفة، وقضت المحكمة بعدم قبولها بسبب ذلك سواء من تلقاء نفسها أو بناء على دفع من المدعى عليه فإن حجية هذا الحكم تنحصر في حدود ذات الخصومة التي صدر فيها ولا تمنع المدعي من أن يقيم دعوى جديدة ضد صاحب الصفة ولا يصح له في هذه الحالة أن يدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها. ( الديناصوري وعكاز ص 42؛ وص 43 ) .

 ويلاحظ أن هيئات القطاع العام التي أنشئت بالقانون رقم 97 لسنة 1983، قد ألغيت وحلت محلها الشركات القابضة عملاً بالقانون 203 لسنة 1991، ومن ثم فإنها أصبحت صاحبة الصفة في الخصومة .

كما يلاحظ أنه إذا كان صاحب الحق شخصاً اعتباریاً كالحكومة والشركات والوقف تثبت الصفة في المخاصمة لمن يمثله قانوناً طبقاً لنصوص القوانين وعقود التأسيس أو حجة الوقف  .

ويجوز تغيير الصفة أمام محكمة الاستئناف بشرط ألا يؤثر ذلك في الطلبات ولا في مراكز الخصوم مثال ذلك أن يقيم شخص الدعوى أمام محكمة أول درجة بصفته وكيلاً وأثناء نظر الاستئناف بتوفي الموكل و يرثه هذا الوكيل، فهنا يجوز لهذا الوكيل أن يغير صفته من وكيل إلى خصم أصيل .

وإذا حضر محامى هيئة قضايا الدولة بصفته نائباً في قضية عن إحدى الجهات، فإن ذلك لا يسبغ عليه صفة بالنسبة لباقي الجهات التي لم تختصم في الدعوى اختصاماً صحيحاً، إذ هو لا يمثل إلا من صح اختصامه وقبل هو أن يمثله وأثبت هذه الوكالة عنه أمام المحكمة .

نقض 27/6/1977 ، الطعن 108 لسنة 43 .

وكانت محكمة النقض قد ذهبت في أحكامها القديمة بأنه لا يجوز المحامي الحكومة أن يحضر عن المدعي الاشتراكي لأنه لا يمثله قانوناً إلا أنها عدلت عن هذا الرأي بعد ذلك.

 نقض 26/11/1992 ، الطعن رقم 2120/2148  لسنة 57 قضائية .

ومن المقرر أن وزير المالية هو الذي يمثل مصلحة الضرائب في كافة الدعاوى والطعون التي ترفع منها أو عليها، كما أن رئيس مجلس الشعب هو صاحب الصفة دون غيره في تمثيل المجلس ولجانه جميعها .

نقض 28/2/1990 ، طعن رقم 3249 لسنة 58ق.

ودعوى الإخلاء للتأجير من الباطن أو التنازل عن التأجير بدون إذن كتابي من المالك يتعين رفعها على المستأجر من الباطن والمستأجر الأصلي وإلا كانت غير مقبولة.

ووحدات الحكم المحلي يمثلها رئيسها أمام القضاء، فرئيس المدينة هو وحده صاحب الصفة في تمثيل وحدته قبل الغير ولدي القضاء، وذلك فيما يدخل في نطاق اختصاصه.

نقض 15/3/1984  طعن رقم 463 لسنة 47ق.

رفع الدعوى ضد الولي الشرعي بإحدى صفتيه : من الملاحظ عملاً أن كثيراً من المدعين يرفعون الدعوى ضد الولي الشرعي بصفته ممثلاً للقاصر للمطالبة بتعويض عن خطأ أحدثه القاصر وسبب ضرراً لرافع الدعوى أو لمن يمثله ولا يفصح رافع الدعوى عن الصفة التي يخاصم بها هذا الولى، وهل أقام عليه الدعوى باعتباره متولی رقابة القاصر أم للحكم عليه بالتعويض من مال القاصر، إذ أن هناك فرق كبير بين الصفتين، ذلك أن الدعوى التي تسند إلى أي منهما تختلف عن الأخرى تماماً في أركانها وشرائطها، فإذا كان الأمر كذلك فإنه يتعين على المحكمة أن تناقشه في هذا الأمر لتستجلى الصفة التي أرادها من المرفوع عليه الدعوى حتى لو كانت قد حجزت الدعوى للحكم، اللهم إلا إذا كان قد أورد في صحيفة دعواه ما يدل على هذه الصفة، كما إذا ذكر في أسانيد الدعوى أن مال القاصر تحت يد الولي الشرعي، وأنه نظرا لذلك أقام عليه الدعوى أو لم يذكر عبارة ونظراً لأن المدعى عليه أخطا في رقابة القاصر، لذلك فقد خاصمه، أو أي عبارة من هذا القبيل، بحيث تكون قاطعة الدلالة على الصفة التي يطلب الحكم عليه بها، أما إذا لم يذكر ذلك فلا مناص من استجواب المدعى لإزالة هذا الغموض  .

ولا يجوز للمحكمة أن تقضي برفض الدعوى على سند من أن المدعي لم يفصح عن أي من الصفتين، لأن ذلك يعد إهدارا لحقوق المتقاضين ( الديناصوري وعكاز - ص 78) .

ونكرر ما سبق لنا الإشارة إليه من أن شرط الصفة يتعلق بالنظام العام، فتوافر صفة المدعى أو انعدامها يتعلق بالنظام العام، ويجوز تعرض المحكمة لبحث الصفة من تلقاء نفسها، كما يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض، وذلك إعمالا للمادة الثالثة معدلة بالقانون رقم 81 لسنة 1996 .

وينبغي ملاحظ أنه يجب أن يتوافر لرافع الدعوى المستعجلة صفة في رفعها إلا أن القاضي المستعجل في بحثه لتوافر الصفة والمصلحة يتحسسها من ظاهر الأوراق دون تعمق وبغير مساس بأصل الحق فلا يشترط فيها أن تتوافر للخصوم الأهلية التامة للتقاضي لأن الحكم المطلوب يكون حكماً وقتياً لا يمس الموضوع، ولأن شرط الاستعجال يتنافى مع مايحتاجه الحرص على التمثيل القانوني من وقت .

ومن المقرر أنه إذا كان هناك تعدد إجباري في أحد طرفي الخصومة فلا تتوافر الصفة في الدعوى إلا بإختصامهم جميعاً، ويكون التعدد إجبارياً حيث لا يكون الأمر متروكاً لإرادة الخصوم، وإنما يتعين للفصل في الدعوى أن يتم ذلك في مواجهة أشخاص متعدين سواء في جانب الطرف المدعي، فيكون التعدد إيجابياً، أو في جانب الطرف المدعى عليه فيكون التعدد سلبياً، وفي هذه الحالة تكون الصفة في الدعوى، سواء إيجابية أو سلبية لعدة أشخاص معاً وليس لشخص واحد، فإذا رفعت الدعوى دون اختصام من يجب اختصامه كانت غير مقبولة لرفعها من أو على غير ذي كامل صفة وتقضي المحكمة بذلك من تلقاء نفسها بعد أن أصبحت الصفة من النظام العام وتسرى نفس القاعدة إذا وقع اختصام البعض باطلاً، إذ يترتب على ذلك عدم اكتمال صفة الباقين ( الديناصوري وعكاز - ص 49 ) .

 ومن المقرر أن التعدد لا يكون إجبارياً بالنسبة للروابط القانونية إلا في حالتين، أولاهما : حالة ما إذا نص القانون على وجوب اختصام جميع أطراف الرابطة الموضوعية في الخصومة كما هو الشأن في دعوى قسمة المال الشائع، حيث يوجب القانون إقامتها ضد جميع الشركاء المشتاعين، وكما هو الشأن في دعوى الشفعة، إذ يجب أن يختصم فيها أطرافها الثلاث وهم الشفيع والبائع والمشتري، وثانيهما الدعوى التقريرية والدعوى المنشئة دون دعوى الإلزام إذا لا يتصور تقرير رابطة قانونية موضوعية بموجب الدعوى التقريرية أو تغيير هذه الرابطة بموجب الدعوى المنشئة إلا في مواجهة جميع أطرافها ومثالها الدعوى التي ترفع بتقرير حق ارتفاق أو نفيه لصالح عقار مملوك لعدة أشخاص على الشيوع، أو على عقار مملوك لهم، إذ يجب أن ترفع من أو ضد جميع ملاكه المشتاعين ( الديناصوري وعكاز ص 49 وص 50 ) .

والدعوى التي ترفع ببطلان عقد أو صوريته يجب أن يختصم فيها جميع أطراف العقد ( محمد كمال عبدالعزيز - تقنين المرافعات في ضوء الفقه والقضاء - طبعة سنة 1995، فتحي والي في الوسيط في قانون القضاء المدني بند 203 ) .

صفة المحافظ في تمثيل الوزارات صدر القانون 124  لسنة 1960 الخاص بنظام الإدارة المحلية، وبين في المادة السادسة منه اختصاصات المحافظ ثم صدر القانون رقم 57 سنة 1971 فى شأن الحكم المحلي والفي من نصوص القانون السابق ما يتعارض مع نصوصه، ثم صدر القانون رقم 52 سنة 1970 الخاص بنظام الحكم المحلي ونص في الفقرة الثانية من المادة السابقة من قانون الإصدار على إلغاء القانون 124 لسنة 1960، والقانون 57 لسنة 1971، ثم بين ذلك القانون اختصاص المحافظ في المادة 28 منه، وصدر بعد ذلك القانون رقم 43 لسنة 1979 بإصدار قانون نظام الحكم المحلي ونص في الفقرة الثانية من المادة الثامنة من قانون الإصدار على إلغاء القانون 52 لسنة 1975 بإصدار قانون نظام الحكم المحلي وإلغاء كل نص يخالف أحكام القانون 43 لسنة 79، وقد استبدلت بنصوص بعض مواده نصوص أخرى بموجب القانونين رقمی 50 لسنة 1981، 145 لسنة 1988 .

ويتضح من النصوص السابقة أنه لا خلاف حول صاحب الصفة في الخصومة مدع أو مدعى عليه إذا كان اختصاص الوزارة قد نقل إلى المحافظ فيما يتعلق بالأمر موضوع الخصومة فيكون المحافظ في هذه الحالة هو صاحب الصفة الوحيد بعد أن نقل إليه اختصاص الوزير، لكن ثار الجدل حول صاحب الصفة في المخاصمة والاختصام إذا كان الوزير المختص قد فوض المحافظ في الأمر موضوع الخصومة وقد قضت بعض المحاكم بأن المحافظ وقد فوض في الأمر من الوزير المختص أصبح صاحب الصفة وحده في المخاصمة والاختصام إلا أن هذا الرای يفتقر إلى سنده القانوني، ذلك أن التفويض في الأمر لا يلغي صفة مصدر التفويض وهو الوزير المختص فله دائماً أن يلغي التفويض بعد صدوره أو يقيده أو يضيف إليه ومن ثم فإن التصرف يعود أثره للوزير بصفته باعتباره الأصيل والمحافظ، وقد فوض في الأمر يعتبر وكيلاً في الخصومة التي رفعت بشأنها الدعوى، ويعد صاحب صفة فيخاصم ويخاصم في الأمر المتعلق بما فوض فيه وتأسيساً على ذلك يكون كل من الوزير والمحافظ صاحب صفة في المخاصمة والاختصام واختصام أيهما يجزئ عن اختصام الآخر، واختصامهما معا جائز ويجعل كل منهما صاحب صفة في الخصومة ( الديناصوري وعكاز - ص 31- ص 33 ) .

جواز الحكم على المدعي بغرامة عند الحكم بعدم قبول الدعوى الانتقاء شرط المصلحة :

أجاز المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 3 للمحكمة عند الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة أن تحكم على المدعي بغرامة لاتزيد على خمسمائة جنيه إذا ثبت أن المدعى أساء استعمال حقه ويشترط التطبيق هذه الفقرة توافر شرطين، أولهما أن تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة أو الصفة، وأن يتبين للمحكمة أن المدعى أساء استعمال حقه في التقاضي والمعيار في تحديد إساءة استعمال الحق هو نص المادة 5 من القانون المدني والتي بينت الحالات التي يكون استعمال الحق فيها غير مشروع .

وهذه الغرامة جوازية، ومن ثم يكون من سلطة المحكمة ألا تقضى بها رغم توافر الشرطين السابقين، ولم يضع المشرع للغرامة حداً أدني، وإن كان قد وضع لها حداً أقصى قدره خمسمائة جنيه  .

وقد أطلق المشرع على هذه الغرامة عبارة غرامة إجرائية، ومعنى ذلك أن المحكمة تقضي بها من تلقاء نفسها ودون طلب من الخصوم غير أنه ينبغي على المحكمة تسبيب حكمها وبیان توافر شروط النص ( الديناصوري وعكاز  ص 46 ) .

غير أن نص المادة 2 مرافعات أورد في عجزه عبارة ما لم ينص على غير ذلك ومقتضاه أنه يجوز للمشرع أن ينص على سريان القانون بأثر رجعي بالنسبة للإجراءات التي تمت قبل العمل بهذا القانون، وهو ما فعله المشرع في المادة 3 آنفة البيان والحكم الذي أوردته هذه المادة مؤداه أن جميع الدعاوى والطعون التي رفعت أمام المحاكم قبل العمل بهذا القانون ومازالت منظورة أمامها يتعين عليها، ومن تلقاء نفسها أن تتحقق من توافر شرطي الصفة والمصلحة فيهما - حتى ولو لم يبد أجدا من الخصوم دفعاً بذلك - فإن تبين لها انتفاء أحدهما أو كلاهما قضت بعدم قبول الدعوى أو الطعن ما لم يكن قد صدر فيها حكم بات والحكم البات هو الذي استنفد جميع طرق الطعن العادية كالمعارضة والاستئناف وغير العادية كالتماس إعادة النظر والنقض

ويسري هذا النص على جميع المحاكم سواء تلك التي تتبع جهة القضاء العادي بجميع درجاتها، سواء الجزئية أو الابتدائية أو محاكم الاستئناف او محكمة النقض، أو تلك التي تتبع جهة القضاء الإداري بجميع درجاته، كما يسرى أيضا على المحكمة الدستورية ( الديناصوري وعكاز - ص 46 وص 47 ) .

وقد نصت المادة الرابعة من القانون – 81 لسنة 1996 - على إلغاء كل حكم يخالف أحكام هذا القانون وهذا النص تحصيل حاصل لأن المشرع بعد أن اعتبر الصفة والمصلحة في الدعوى أو الطعن من النظام العام وأوجب على جميع المحاكم أن تبحثهما من تلقاء نفسها فإن ذلك يقتضي عدم تطبيق أي نص أو قانون أو حكم يخالفه .

شرط الأهلية :

ذهب بعض الفقهاء إلى أن الأهلية شرط ضروری لقبول الدعوى ( سوليس وبيرو - قانون القضاء الخاص - ج 1 بند 222 ص 197، عبد الباسط جمیعی - ص 241 ص 242 ، أحمد أبوالوفا - نظرية الدفوع ص 786، محمد عبدالخالق عمر - فكرة الدفع بعدم القبول - رسالة للدكتوراه - بند 73 ص 70، محمد وعبد الوهاب العشماوي - قواعد المرافعات - ج 1 بند 462 ص 589 ومعنى ان هذا الشرط أنه يجب أن يكون رافع الدعوى أهلاً لمباشرتها طبقاً لقانون الأحوال الشخصية الذي يطبق عليه، وإلا كانت الدعوى غير مقبولة، وذلك استناداً إلى أنها تعتبر مرفوعة من غير ذي صفة على اعتبار أن القاصر لا صفة له في الزود عن حقه، وكذلك الجنون، ولكن الرأي الراجح يذهب إلى أن الأهلية ليست شرطاً لقبول الدعوى، وإنما هي شرط لصحة إجراءاتها، بمعنى أنه إذا باشر الدعوى من ليس أهلاً لمباشرتها كانت دعواه مقبولة، ولكن إجراءات الخصومة تكون باطلة (من أنصار هذا الرأي فنسان - المرافعات بند 17 ص 31، موريل المرافعات - بند 27 ص 30، رمزی سيف الوسيط بند 100 ص 137، أحمد مسلم - بند 302 ص 338، فتحی والی مبادئ قانون القضاء المدني - بند 38 - ص 70، وجدي راغب - ص 93) ووفقاً لهذا الرأي فإن وسيلة التمسك بعدم توافر الأهلية هي الدفع ببطلان الإجراء وليس الدفع بعدم قبول الدعوى.

وقد أخذت محكمة النقض في أحكامها الأخيرة المتواترة بالرأي الثاني باعتبار أن الأهلية شرط لصحة الخصومة، ومن ثم يجوز تصحیح الإجراءات الباطلة أو إجازتها ممن يملك الحق في ذلك وتأسيساً على ذلك قضت بأنه إذا أقام القاصر الدعوى ثم بلغ سن الرشد أثناء مباشرتها صحت الإجراءات السابقة عليها، وأنه إذا رفع القاصر الدعوى ثم حضر الوصي أو الولي بالجلسة وباشر الإجراءات صحت الخصومة، كما أن الدفع بعدم توافر أهلية الخصومة غیر متعلق بالنظام العام نقض 7/3/1975 .

ويلاحظ أن المرجع في تحديد أهلية التقاضي هو قانون الأحوال الشخصية فمتى كان الشخص أهلا لتصرف معين فإن له أن يرفع الدعوى دفاعا عن حقه المستمد من هذا التصرف أو ترفع عليه الدعوى بالحقوق الناشئة عن هذا التصرف لأن الدعوى بالنسبة للأهلية تتبع الحق المراد حمايته فإذا كان القاصر مأذونا له في إدارة أمواله كان له الحق في رفع الدعوى الخاصة بإدارة أمواله كما ترفع عليه الدعاوی المتعلقة بذلك وقد أجاز قانون العمل رقم 37 لسنة 1981 للقاصر أن يتقاضى أجره بنفسه، ومقتضى ذلك أن حقه في المطالبة به يظل قائما سواء كان هو الذي أبرم العقد أم كان إبرامه قد تم بواسطة وليه أو وصية ومن ثم يجوز له أن يرفع الدعوى مطالبا بهذا الأجر كما لرب العمل أن يرفع عليه الدعوى الخاصة بأجرة . ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء / الأول  ، الصفحة :  130 )

أن التعديل الأخير الذي - أدخله المشرع علي هذا النص قد قلب الأمور رأساً على عقب و غير تماماً المبادئ التي استقرت وقتاً طويلاً من الزمن إذ جاء قاطع الدلالة علي أن الصفة أصبحت من النظام العام بما أوجبه على المحكمة في الفقرة الثالثة من المادة 3 بأن تقضي من تلقاء نفسها وفي أية حالة تكون عليها الدعوى بعدم القبول في حالة عدم توافر شروط المصلحة والتي اشترط فيها في الفقرة الأولي من ذات المادة بأن تكون شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون ويترتب على ذلك النتائج الآتية :

 أولاً : لا يجوز اتفاق الخصوم على عدم المنازعة في صفات بعضهم في الدعوى .

 ثانياً : يجوز لأي من الخصوم إبداء الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة أو علي غير ذي صفة سواء كان مدعي أو مدعي عليه مدخلاً في الدعوى أو متدخلاً فيها .

 ثالثاً : يجوز إبداء الدفع أمام جميع درجات المحاكم فيجوز التحدي به أمام محكمة الدرجة الثانية حتى لو كان الخصم قد فاته التحدث عنه أمام محكمة الدرجة الأولي بل أكثر من هذا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض .

 رابعاً : يتعين على النيابة سواء كانت خصماً أصلياً في الدعوى أو تدخلت الطرف منضم أن تتمسك بهذا الدفع ولو لم يدفع به أحد من الخصوم.

 خامساً : يجوز الإدلاء بالدفع في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو بعد صدور حكم فرعي أو في شق من الموضوع حتى لو أصبح هذا الحكم أو ذاك غير قابل للطعن .

سادساً : يتعين على المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولو أغفل الخصوم أو النيابة التمسك به .

 سابعاً : يجب على محكمة النقض أن تعمل هذا الدفع من تلقاء نفسها حتى لو أغفل الخصوم التمسك به أمام محكمة الموضوع .

وبالنسبة للحالة التي لم يكن للمدعي صفة في رفع الدعوى وقت رفعها إلا أنه اكتسبها أثناء نظر الدعوى فكان المستقر عليه قبل التعديل في الفقه والقضاء بأنه يزول العيب الذي شاني الدعوى بشرط أن يكون المدعي قد راعي المواعيد والإجراءات فقد قضت محكمة النقض أنه وإن كان يجوز للمدعي عليه أن يدفع بعدم قبول الدعوى إذا لم يكن للمدعي صفة رفعها إلا أنه متى اكتسب المدعي هذه الصفة أثناء نظر الدعوى مراعيا المواعيد والإجراءات المنصوص عليها في القانون، فإن العيدي الذي شاب صفته عند رفعها يكون قد زال وتصبح الخصومة بعد زوال العيب منتجة أثارها منذ بدايتها ولا تكون المدعى عليه مصلحة في التمسك بهذا الدفع ( نقض 1973 / 1 / 25 مجموعة المكتب الفني السنة 24 ص 108) واستطردت على هذا المبدأ في أحكامها التالية (نقض 1989/ 5 / 29 طعن 2084 لسنة 58 قضائية 1991/ 3 / 28 طعن رقم 429 لسنة 55 قضائية وذهب الدكتور أبو الوفا إلي أبعد من ذلك فيري إعمال نفس المبدأ سواء كان زوال العيب قد حدث قبل التمسك بالدفع أم بعد ذلك، الدكتور أبو الوفا في مؤلفه المرافعات المدنية والتجارية بند 155.

ويثور البحث عن أثر التعديل الذي أدخل بالقانون 81 لسنة 1996 على هذا المبدأ .

في تقديرنا أن المبدأ السابق يظل سارية في ظل التعديل الجديد وذلك إعمالاً لنص الفقرة الثانية من المادة 20 من قانون المرافعات التي نصت على أن لا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء، وحكم هذه الفقرة تمنع عند تحقق الغاية الحكم بالبطلان ولو كان متعلقاً بالنظام العام إذا في هذه الحالة الأخيرة يكون تحقق الغاية دليلاً على عدم المساس بالنظام العام ولا يجوز التحدي بالمادة 21 في هذا المجال لأن إعمالها يفترض قيام موجب البطلان وعدم تحقق الغاية لأنه إذا تحققت الغاية امتنع الحكم بالبطلان سواء كان متعلقاً بالنظام العام أو غیر متعلق به ( راجع نظرية البطلان للدكتور فتحي والي ص 799 الجزء الأول ومرافعات الأستاذ كمال عبد العزيز طبعة سنة 95 ص 254 ) ولا ينال من هذه النظر ما استقر عليه قضاء محكمة النقض من أنه يجوز للمحكمة أن تقضى من تلقاء نفسها بالبطلان المتعلق بالنظام العام لأن ذلك مشروط بألا يكون هذا البطلان قد زال وتحققت الغاية منه.

 وغني عن البيان أن زوال العيب الذي شاب الدعوى منذ بدايتها لاكتساب المدعي الصفة أثناء نظر الدعوى مشروط - ومن باب أولي - في ظل النص الجديد أن يتم في الميعاد المقرر وأن يكون قد راعي المواعيد والإجراءات وألا يخل بالمواعيد المحددة لرفع الدعوى أو الطعن وبمدة التقادم . أما إذا كانت المواعيد التي أوجبها القانون قد انتهت أو كانت الإجراءات لم تتبع فإن العيب لا يزول .

 وفي حالة ما إذا تبين للمدعي بعد رفع الدعوى أن من اختصمه ليس هو صاحب الصفة الحقيقي وصحح دعواه باختصامه فإن هذا الإجراء لا يصح إلا إذا تم في الميعاد المقرر وألا يخل بالمواعيد المحددة لرفع الدعاوى وبمدد التقادم ، فإذا أقام المضرور دعوى تعويض ضد شخص بزعم أنه المسئول عن الضرر وكان ذلك قبل موعد تقادم الدعوى ولما تبين له عدم صحة ذلك أدخل المسئول إلا أن ذلك لم يتم بعد انقضاء مدة التقادم فإن المحكمة تقضي بالتقادم إذا دفع المسئول بذلك لأنه ليس من النظام العام.

 وإذا أقام الشفيع دعوى الشفعة في الميعاد واختصم بعض المشترين ولم يختصم الباقين إلا بعد فوات الميعاد المقرر فدفعوا بسقوط الحق في الشفعة إجابتهم المحكمة لطلبهم .

ومما هو جدير بالذكر أنه إذا أقام المدعي دعواه على غير ذي صفة وقضت المحكمة بعدم قبولها بسبب ذلك سواء من تلقاء نفسها أو بناء علي دفع من المدعى عليه فإن حجية هذا الحكم تنحصر في حدود ذات الخصومة التي صدر فيها ولا تمنع المدعي من أن يقيم دعوى جديدة ضد صاحب الصفة ولا يصح له في هذه الحالة أن يدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها .

 ونظراً لأن توافر الصفة في المدعي أو المدعي عليه لا يغني عن توافر المصلحة فقد ثار البحث قبل التعديل الآخير في حالة ما إذا رفعت الدعوى من غير ذي مصلحة ثم تحققت المصلحة بعد رفع الدعوى فقد ذهب الرأي الغالب في الفقه بأن الإجراءات تصحح في هذه الحالة منذ بدايتها ( الدكتور الشرقاوي في مؤلفه نظرية المصلحة في الدعوى بند 373) ويضيف الدكتور أبو الوفا إلي أنه يستوي في ذلك أن يكون العيب قد زال قبل إبداء الدفع بعدم القبول أو بعد إبدائه (مؤلفه في المرافعات المدنية والتجارية ص 118) أما إذا زالت المصلحة بعد رفع الدعوى فيري معظم الفقهاء أن الدعوى تصبح غير مقبولة في هذه الحالة الدكتور الشرقاوي في مؤلفه السابق بند 374 والدكتور وجدي راغب في النظرية العامة للعمل القضائي ص 121) بينما يري الدكتور أبو الوفا أن زوال المصلحة بعد رفع الدعوى لا يؤدي إلي عدم قبولها وإنما يوجب علي المحكمة أن تبحث موضوع الدعوى في ضوء الوضع الجديد ( مؤلفه في المرافعات ص 118).

وبالنسبة لمحكمة النقض فقد اتجهت اتجاها آخر مؤداه أن زوال المصلحة بعد رفع الدعوى لا يحول دون قبولها ( نقض 1986 / 2/ 13 طعن رقم 961 لسنة 52 قضائية ، نقض 1977/ 6 / 8 الطعن رقم 392 لسنة 44 قضائية ).

ثم اضطرت في أحكامها المتلاحقة علي أنه يكفي لقبول الطعن في الحكم أن تتوافر للطاعن المصلحة في الطعن عند صدور الحكم المطعون فيه ولو زالت هذه المصلحة بعد ذلك إذ قالت ما نصه : " يكفي لتحقق المصلحة في الطعن - وعلي ما جري به قضاء هذه المحكمة - قيامها وقت صدور الحكم المطعون فيه فلا يحول دون قبولها زوالها بعد ذلك ( نقض 1971/ 6 / 23 سنة 22 ص، 23، نقض 1971/ 6 / 23 سنة 27 ص 1405 نقض 1985 / 2 / 4 طعن رقم 1589 لسنة 49 قضائية ، نقض 1993/ 5/ 18 طعن رقم 2069 لسنة 62 قضائية ) إلا أنها رغم ذلك أصدرت حكماً وحيداً يناقض الأحكام السابقة وللاحقة عليه قضت فيه أنه يتعين تحقق المصلحة في الطعن حتى صدور الحكم وأن زوالها قبل ذلك يترتب عليه عدم قبول الطعن ( نقض 2986 / 1/ 26 طعن رقم 164 لسنة 59 قضائية ) وقد اقتضى ذلك أن نعلق على هذا الحكم بسبب تضاربه مع غيره من الأحكام الغزيرة وقلنا أنه هو الصحيح لأنه لا دعوى بلا مصلحة فإن زالت المصلحة التي ابتغاها الطاعن قبل صدور الحكم في الطعن تعين على المحكمة أن تقضي بعدم قبول الطعن لزوال المصلحة وذلك بشرط أن يدفع به المطعون ضده لعدم تعلق المصلحة - في ذلك الوقت - بالنظام العام ( مؤلفنا في التعليق علي قانون المرافعات الطبعة الثامنة الجزء الأول ص 26 ، 35 ).

 وفي تقديرنا أنه بعد تعديل نص المادة 3 مرافعات واعتبار الصفة والمصلحة من النظام العام فإنه يترتب علي ذلك أن زوال المصلحة في الدعوى بعد إقامتها أو في الطعن بعد رفعه يوجب على المحكمة أن تقضي بعدم القبول في كل منهما ولو لم يدفع به أحد من الخصوم، ذلك أن مؤدي اعتبار الصفة من النظام العام يقتضي أن تظل المصلحة في الدعوى أو الطعن قائمة حتى صدور حكم فيها وذلك إعمالاً لقاعدة أصولية في مدخل القانون محصلها أن قاعدة النظام العام تسمو على مصالح الأفراد.

ومما هو جدير بالذكر أن المحكمة الدستورية استقرت في أحكامها علي أن توافر شرط المصلحة في الدعوى عند رفعها ثم تخلفه قبل أن تصدر حكمها فيه يؤدي إلي زوال هذه المصلحة إذ قالت في حكم حديث لها " إن قضاء هذه المحكمة قد جري علي أن توافر شرط المصلحة في الدعوى عند رفعها، ثم تخلفها قبل أن تصدر حكمها فيه مؤداه زوال هذه المصلحة وذلك أيا كانت طبيعة المسألة الدستورية التي تدعو المحكمة الدستورية لتقول كلمتها في شأنها ( الحكم الصادر بجلسة 1993/ 5 / 15 في الدعوى رقم 7 لسنة 8 قضائية ) أوردناه بعد أحكام النقض.

 وقد تضمنت الفقرة الثانية من المادة 3 استثناء من الفقرة الأولي وذلك في طائفتين من الدعاوى الأولي التي يكون الغرض منها الاحتياط لدفع ضرر محدق والثانية التي يكون الغرض منها الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه والأمثلة علي الطائفتين من الدعاوى كثيرة ومنها دعوى قطع النزاع ، وبعض دعاوى تقرير الحقوق والمراكز القانونية كدعوى المطالبة ببطلان العقود والشروط التي لم يتمسك بها الطرف الآخر ، وكدعوى إثبات الحالة ، ودعوى وقف الأعمال الجديدة ، ودعاوى سماع الشهود ، و دعوى تحقيق الخطوط الأصلية ، ودعوى التزوير الأصلية .

وقد تضمن حكم المادة 3 مكرراً مرافعات المضافة بالقانون 81 لسنة 1996استثناءين آخرين من المادة 3 بجميع فقراتها الأول هو الدعاوى التي أباح المشرع النيابة العامة في بعض الحالات الحق في رفعها أو التدخل فيها حماية للمصلحة العامة وحفاظاً على النظام العام أو الآداب كالدعوى بطلب إشهار إفلاس التاجر طبقا للمادة 552 من قانون التجارة وكتدخل النيابة العامة الحماية عديمي الأهلية وناقصيها والغائبين والمفقودين طبقا للفقرة الأولي من المادة 89 مرافعات والدعاوى التي ترى النيابة العامة التدخل فيها لتعلقها بالنظام العام طبقا لنص الفقرة السادسة من المادة الأخيرة وفي حالة الصلح الواقي من الإفلاس المنصوص عليه في الفقرة الخامسة من ذات المادة ودعوی الحسبة في الأحوال الشخصية التي خص المشرع النيابة العامة وحدها برفعها طبقا للقانون رقم 3 لسنة 1996 كما أن هناك استثناء آخر هو ما نصت عليه المادة 3 مكرراً من القانون 81 لسنة 1996 بعدم سريان حكم المادة 3 على الأحوال التي يجيز فيها القانون رفع الدعوى أو الطعن أو التظلم من غير صاحب الحق في رفعه حماية لمصلحة شخصية يقررها والأمثلة على مثل هذه الدعاوى الدعوى غير المباشرة وهي التي يرفعها الدائن للمطالبة بحقوق مدينة دون أن ينيبه في ذلك فقد فرض المشرع هذه النيابة علي المدين في المادتين 235 ، 236 من القانون المدني مراعاة لمصلحة الدائن ضد مدينه الذي يتقاعس عن المطالبة بحقوقه قصداً أو إهمالاً وكالدعاوى التي ترفعها النقابة للدفاع عن المصالح المشتركة أو عن المهنة التي تمثلها وعلي ذلك يكون لنقابة المحامين الحق في رفع الدعوى ضد الشخص الذي يقذف في حق مهنة المحاماة أو يحقر من شأنها كما يجوز لنقابة الأطباء رفع الدعوى ضد الشخص الذي يمارس مهنة الطب دون أن تتوافر فيه الشروط التي نص عليها القانون وكذلك الأمر بالنسبة للجمعيات فيجوز لها رفع الدعوى حماية للمهنة أو الغرض الذي أنشئت من أجله .

وقد أجازت الفترة الأخيرة من المادة 3 للمحكمة عند الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة أن تحكم على المدعي بغرامة لا تزيد على خمسمائة جنيه إذا ثبت أن المدعى أساء استعمال حقه ويشترط لتطبيق هذه الفقرة توافر شرطين أولهما أن تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة أو الصفة وأن يتبين للمحكمة أن المدعي أساء استعمال حقه في التقاضي والمعيار في تحديد إساءة استعمال الحق هو نص المادة 5 من القانون المدني والتي بينت الحالات التي يكون استعمال الحق فيها غير مشروع .

وهذه الغرامة جوازية ومن ثم يكون من سلطة المحكمة ألا تقضى بها رغم توافر الشرطين السابقين.

ولم يضع المشرع للغرامة حدا أدني وإن كان قد وضع لها حدا أقصى قدره خمسمائة جنيه.

 وقد أطلق المشرع علي هذه الغرامة عبارة غرامة إجرائية ومعنى ذلك أن المحكمة تقضي بها من تلقاء نفسها ودون طلب من الخصوم غير أنه ينبغي علي المحكمة تسبيب حكمها وبيان توافر شروط النص.

وقد نصت المادة الثالثة من القانون رقم 81 لسنة 1996 على سريان أحكامه على كافة الدعاوى والطعون المنظورة أمام جميع المحاكم على اختلاف جهاتها وولاياتها واختصاصاتها ودرجاتها وأنواعها ما لم يكن قد صدر فيها حكم بات واستثنت من ذلك الفقرة الرابعة من المادة 3 المعدلة وهي الخاصة بتوقيع الغرامة والحكم الذي قررته هذه المادة ما هو إلا تطبيق لنص المادة 2 مرافعات ومؤداه أن قوانين المرافعات وإن كانت تسري فور العمل بها على الدعاوى التي تكون قد رفعت من قبل ومازالت منظورة أمام المحاكم وذلك بالنسبة لما لم يتم اتخاذه فيها من إجراءات إلا أنه بالنسبة للإجراءات التي تكون قد اتخذت من قبل العمل بالقانون الجديد فالقانون الملغي هو الذي يحدد أثر الإجراءات التي تمت في ظله وتأسيساً على ذلك استقر قضاء النقض علي أن شروط قبول الدعوى تخضع للقانون الساري وقت رفعها (نقض 1985 / 2 / 8 طعن رقم 180 لسنة 50 قضائية صادر من الهيئة العامة للمواد المدنية غير أن نص المادة 2 مرافعات أورد في عجزه عبارة ما لم ينص على غير ذلك ومقتضاه أنه يجوز للمشرع أن ينص على سريان القانون بأثر رجعي بالنسبة للإجراءات التي تمت قبل العمل بهذا القانون وهو ما فعله المشرع في المادة 3 آنفة البيان. والحكم الذي أوردته هذه المادة مؤداه أن جميع الدعاوى والطعون التي رفعت أمام المحاكم قبل العمل بهذا القانون ومازالت منظورة أمامها يتعين عليها ومن تلقاء نفسها أن تتحقق من توافر شرطي الصفة والمصلحة فيهما - حتى ولو لم يبد أحداً من الخصوم دفعاً بذلك - فإن تبين لها انتفاء أحدهما أو كلاهما قضت بعدم قبول الدعوى أو الطعن ما لم يكن قد صدر فيها حكم بات.

 والحكم البات هو الذي استنفد جميع طرق الطعن العادية كالمعارضة والاستئناف وغير العادية كالتماس إعادة النظر والنقض.

 ويسري هذا النص على جميع المحاكم سواء تلك التي تتبع جهة القضاء العادي بجميع درجاتها سواء الجزئية أو الابتدائية أو محاكم الاستئناف أو محكمة النقض أو تلك التي تتبع جهة القضاء الإداري بجميع درجاته كما يسري أيضاً علي المحكمة الدستورية .

وقد اعترض بعض أعضاء مجلس الشعب علي هذا النص عند مناقشته وقالوا أنه أريد به دعوى معينة منظورة أمام محكمة النقض إلا أن الحكومة ورئيس المجلس نفياً ذلك .

 وقد نصت المادة الرابعة من القانون – 81 لسنة 1996 - على إلغاء كل حكم يخالف أحكام هذا القانون وهذا النص في تقديرنا تحصيل حاصل لأن المشرع بعد أن اعتبر الصفة والمصلحة في الدعوى أو الطعن من النظام العام وأوجب على جميع المحاكم أن تبحثهما من تلقاء نفسها فإن ذلك يقتضي عدم تطبيق أي نص أو قانون أو حكم يخالفه .

 ومما هو جدير بالذكر أن المصلحة وإن كانت شرطاً لقبول أي طلب أو دفع من جانب المدعي فإنها أيضاً شرط لقبول أي طلب أو دفع من جانب المدعى عليه ومن الغير الذي يتدخل في الدعوى سواء كان تدخله انضمامياً أو اختصامياً.

 ومن ناحية أخرى فإنه يتعين أن يتوافر في المصلحة خصائص أخرى خلاف الصفة في رفع الدعوى وهي :

أولاً : أن تكون مصلحة قانونية بمعنى أن تستند إلي حق أو مركز قانوني بحيث يكون الغرض من الدعوى حماية هذا الحق أو المركز القانوني بتقريره إذا نوزع فيه أو بدفع العدوان عنه أو تعويض ما لحق به من ضرر بسبب ذلك ويستوي أن تكون المصلحة مادية أو أدبية أو جدية أو تافهة.

 والمصلحة المادية هي التي تحمي المنفعة المادية لرافع الدعوى كدعوى المطالبة بالدين أو الفوائد التأخيرية والدعوي علي من اغتصب العقار من حائزه والدعوى علي صاحب البناء إذا تسبب بناؤه في حجب النور والهواء عن جاره ، أما المصلحة الأدبية فهي تلك التي تحمي حقا أدبيا لرافع الدعوى کدعوى التعويض التي ترفعها الأم عما أصابها من آلام نفسية بسبب قتل ولدها، وكذلك دعوى التعويض عن السب.

وتأسيساً على ما تقدم لا تقبل دعوى من أحد المنافسين لشركة ما يطلب بطلانها العيب في تكوينها بحجة أن له مصلحة في التخلص منها لأنها تنافسه لأن هذه المصلحة وأن استندت إلي مصلحة اقتصادية لرافعها إلا أنها لا تستند لأساس قانوني لأنها تهدف إلي مجرد الكسب المادي دون سند من الحق، كذلك لا تقبل دعوى التعويض التي يرفعها تاجر علي من تسبب في قتل عميله لأن ذلك لا يعدو أن يكون ضرراً مادياً لا يستند إلي حق يحميه القانون .

 ثانياً : يقصد بالمصلحة القائمة أن يكون رافع الدعوى أو المركز القانوني الذي يقصد حمايته برفع الدعوى قد وقع عليه اعتداء بالفعل أو حصلت منازعة بشأنه فيتحقق الضرر الذي يبرر الالتجاء إلي القضاء وعلى ذلك لا تقبل دعوى المطالبة بدين لم يحل أجله بعد، كما أنه لا مصلحة للزوجة في رفع دعوى بطلان تصرفات زوجها أثناء حياته وقبل أن تصير وارثة، ولا مصلحة اللوارث في طلب بطلان إقرار صادر من مورثه بملكية الغير لمال لا يدعي الوارث أن له حقاً حالاً عليه، وكذلك لا تقبل دعوى إثبات حالة ضرر لم يتحقق بعد .

 واستثناء من القواعد المتقدمة يجوز الاستشكال في تنفيذ الأحكام أو الأوامر علي عرائض أو أوامر الأداء أو السندات الرسمية قبل الشروع في التنفيذ وذلك بنص القانون.

 وإذا كان صاحب الحق شخصاً اعتبارياً كالحكومة والشركات والوقف تثبت الصفة في المخاصمة لمن يمثله طبقاً لنصوص القوانين أو عقود التأسيس أو حجة الوقف .

 ويتعين كذلك أن يتوافر لرافع الدعوى المستعجلة صفة في رفعها إلا أن القاضي المستعجل في بحثه لتوافر الصفة والمصلحة يتحسسها من ظاهر الأوراق دون تعمق وبغير مساس بأصل الحق فلا يشترط فيها أن تتوافر للخصوم الأهلية التامة للتقاضي لأن الحكم المطلوب يكون حكما وقتيا لا يمس الموضوع ولأن شرط الاستعجال يتنافى مع ما يحتاجه الحرص علي التمثيل القانوني من وقت .

ومن المقرر أنه إذا كان هناك تعدد إجباري في أحد طرفي الخصومة لا تتوافر الصفة في الدعوى إلا باختصامهم جميعا ويكون التعدد إجباريا حيث لا يكون الأمر متروكا لإرادة الخصوم وإنما يتعين الفصل في الدعوى أن يتم ذلك في مواجهة أشخاص متعددين سواء في جانب الطرف المدعي فيكون التعدد إيجابياً أو في جانب الطرف المدعى عليه فيكون التعدد سلبياً، وفي هذه الحالة تكون الصفة في الدعوى سواء إيجابية أو سلبية لعدة أشخاص معاً وليس لشخص واحد، فإذا رفعت الدعوى دون اختصام من يجب اختصامه كانت غير مقبولة لرفعها من أو علي غير ذي كامل صفة وتقضى المحكمة بذلك من تلقاء نفسها بعد أن أصبحت الصفة من النظام العام وتسري نفس القاعدة إذا وقع اختصام البعض باطلاً، إذ يترتب على ذلك عدم اكتمال صفة الباقين .

 ومن المقرر أن التعدد لا يكون إجبارياً بالنسبة للروابط القانونية إلا في حالتين أولاهما حالة ما إذا نص القانون على وجوب اختصام جميع أطراف الرابطة الموضوعية في الخصومة كما هو الشأن في دعوى قسمة المال الشانع حيث يوجب القانون إقامتها ضد جميع الشركاء المشتاعين وكما هو الشأن في دعوى الشفعة إذ يجب أن يختصم فيها أطرافها الثلاثة وهم الشفيع والبائع والمشتري وثانيهما الدعوى التقريرية والدعوى المنشئة دون دعوى الإلزام إذ لا يتصور تقرير رابطة قانونية موضوعية بموجب الدعوى التقريرية أو تغيير هذه الرابطة بموجب الدعوى المنشئة إلا في مواجهة جميع أطرافها ومثالها الدعوى التي ترفع بتقرير حق ارتفاق أو نفيه لصالح عقار مملوك لعدة أشخاص على الشيوع أو علي عقار مملوك لهم إذ يجب أن ترفع من أو ضد جميع ملاكه المشتاعين .

 والدعوى التي ترفع ببطلان عقد أو صوريته يجب أن يختصم فيها جميع  أطراف العقد ( الأستاذ محمد كمال عبد العزيز في تقنين المرافعات في ضوء الفقه والقضاء طبعة سنة 1995 والدكتور فتحي والي في الوسيط في قانون القضاء المدني بند 203).

 ويذهب بعض الفقهاء إلي التفرقة بين الصفة في الدعوى على النحو السابق وبين التمثيل القانوني الذي يطلق عليه الصفة الإجرائية تمييزاً لها عن الصفة في الدعوى کالولاية أو الوصاية أو القوامة أو الوكالة عن الغائب أو تمثيل الحارس لذوى الشأن أو تمثيل ممثل الشخص الاعتباري إذ في كل هذه الحالات يكون القاصر أو المحجور عليه أو الغائب أو من فرضت الحراسة علي أمواله أو الشخص الاعتباري هو الأصيل الذي يتعين أن تتوافر له الصفة في الدعوى فهو صاحب الحق أو المركز القانوني محل النزاع، أما الولي أو الوصي أو القيم أو الوكيل عن الغائب أو الحارس أو ممثل الشخص الاعتباري فلا شأن له شخصياً بذلك الحق أو المركز والدعوى ليست دعواه وإنما هو ينوب عن الأصيل صاحب الصفة في الدعوى ويترتب على هذه التفرقة أن الصفة في الدعوى شرط في الحق في الدعوى ويترتب علي تخلفها عدم القبول أما النيابة أو صحة التمثيل القانوني أو الصفة الإجرائية فهي ليست من شروط الحق في الدعوى وإنما هي شرط لصحة العمل الإجرائي و يترتب على تخلفها بطلان هذا العمل وهو دفع شكلي ( الدكتور إبراهيم نجيب في القانون القضائي الخاص بند 64 والدكتور فتحي والي في الوسيط في قانون القضاء المدني بند 37 والدكتور الشرقاوي في نظرية المصلحة بند 165 ).

 وفي تقديرنا أن هذه التفرقة أصبحت غير ذات موضوع بعد التعديل الذي أدخله المشرع على المادة 3 مرافعات وأصبحت الصفة من النظام العام ويترتب على تخلفها أن تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى سواء كانت الصفة في الدعوى أو في النيابة أو في صحة التمثيل القانوني أو في الصفة الإجرائية .

 وتتوافر المصلحة في الدعوى ولو أقر المدعى عليه بالحق المدعى به ذلك أن الدائن يكون في حاجة إلي حكم يستطيع التنفيذ به ليجبر المدين على الوفاء بما التزم به وتكفي المصلحة الأدبية لقبول الدعوى.

 ولا يلزم ثبوت الحق لتوافر المصلحة بل يكفي أن تكون للخصم شبهة حق .

ويجوز أن يكون السند الذي يعتمد عليه الخصم في ثبوت صفته أمام محكمة الاستئناف مغايراً لسنده أمام محكمة أول درجة لأنه يجوز التمسك بسبب جديد أمام محكمة الاستئناف مع بقاء موضوع الطلب الأصلي على حاله عملاً بالمادة 235 مرافعات .

وإذا قضت محكمة أول درجة بعدم قبول الدعوى لانعدام صفة المدعي فإنه لا يجوز لمحكمة الاستئناف عند إلغاء الحكم وقبول الدعوى أن تعيدها لمحكمة أول درجة لأن قضاء محكمة أول درجة بقبول الدفع قد استنفدت به ولايتها لأنه دفع موضوعي ( نقض 1970/ 1/ 7 سنة 21 ص 18، نقض 1994 / 4 / 24 طعن رقم 552 لسنة 60 قضائية ).

 وبالنسبة للقضايا التي ترفع من التركة أو عليها فإنه من المقرر وفقاً للقاعدة الشرعية أن الوارث ينتصب خصماً عن باقي الورثة في الدعاوى التي ترفع منها أو عليها وذلك بشرط أن يكون الوارث قد خاصم أو خوصم طالباً الحكم للتركة بكل حقها أو مطلوباً في مواجهته الحكم على التركة نفسها بكل ما عليها (نقض 1971 / 12 / 22 سنة 22 ص 1079).

 كذلك فإنه من المقرر أن الوارث لا يتصل أي حق له بأموال التركة ولا يمثلها مادامت التصفية قائمة وذلك عملاً بالمواد 884 ، 899، 900، 901 من القانون المدني ( نقض 1970/ 12/ 15 سنة 21 ص 1250).

 كما أنه لا مصلحة لشريك بطلب استرداد حصته في رأس مال الشركة قبل حصول التصفية وفي هذه الحالة يقضي بعدم قبولها لرفعها قبل الأوان (نقض 1969 / 6 / 12 سنة 20 ص 929 ).

 وإذا حضر محامي هيئة قضايا الدولة بصفته نائباً في قضية عن إحدى الجهات فإن ذلك لا يسبغ عليه صفة بالنسبة لباقي الجهات التي لم تختصم في الدعوى اختصاماً صحيحاً إذ هو لا يمثل إلا من صح اختصامه وقبل هو أن يمثله وأثبت هذه الوكالة عنه أمام المحكمة (نقض 1977/ 6 / 27 الطعن 801 لسنة 43 قضائية ) وكانت محكمة النقض قد ذهبت في أحكامها القديمة بأنه لا يجوز المحامي الحكومة أن يحضر عن المدعي الاشتراكي لأنه لا يمثله قانونا إلا أنها عدلت عن هذا الرأي بعد ذلك في الحكم رقم 210).

ويجوز تغيير الصفة أمام محكمة الاستئناف بشرط ألا يؤثر ذلك في الطلبات ولا في مراكز الخصوم مثال ذلك أن يقيم شخص الدعوى أمام محكمة أول درجة بصفته وكيلا وأثناء نظر الاستئناف يتوفي الموكل ويرثه هذا الوكيل فهنا يجوز لهذا الوكيل أن يغير صفته من وكيل إلى خصم أصلي .

وجدير بالذكر أن هيئات القطاع العام التي أنشئت بالقانون 97 لسنة 1983 قد الغيث وحل محلها الشركات القابضة عملاً بالقانون 203 لسنة 1991 ومن ثم فإنها أصبحت صاحبة الصفة في الخصومة.

والمرجع في تحديد أهلية التقاضي هو قانون الأحوال الشخصية فمتى كان الشخص أهلا لتصرف معين فإن له أن يرفع الدعوى دفاعاً عن حقه المستمد من هذا التصرف أو ترفع على الدعوى بالحقوق الناشئة عن هذا التصرف لأن الدعوى بالنسبة للأهلية تتبع الحق المراد حمايته فإذا كان القاصر مأذوناً له في إدارة أمواله كان له الحق في رفع الدعوى الخاصة بإدارة أمواله كما ترفع عليه الدعاوى المتعلقة بذلك وقد أجاز قانون العمل رفع 37 لسنة 1981 القاصر أن يتقاضى أجره بنفسه ومقتضى ذلك أن حقه في المطالبة به يظل قائماً سواء كان هو الذي أبرم العقد أم كان إبرامه قد تم بواسطة وليه أو وصية ومن ثم يجوز له أن يرفع الدعوى مطالبة بهذا الأجر كما لرب العمل أن يرفع عليه الدعوى الخاصة بأجره.

 وليس هناك ما يحول قانوناً من أن يكون للشخص أكثر من صفة ومن ثم يتعين اختتام صاحب الصفة منهما كل في مجالها إذ لا تغني إحداهما عن الأخرى مثال ذلك وزير التعمير والمجتمعات العمرانية له صفته كوزير لتلك الوزارة وله صفة أخرى كرئيس لمجلس إدارة المجتمعات العمرانية ويمثلها قانوناً لذلك يتعين عند اختصامها اختصام الوزير بصفته رئيساً لمجلس إدارتها ولا يكفي اختصامه بصفته وزيراً للتعمير والمجتمعات العمرانية ومثال ذلك أيضاً الشريك في شركة له صفته الشخصية وصفة أخرى بصفته شريكاً في هذه الشركة ولكل من الصفتين مجالها.

وليس هناك ما يمنع من توجيه الدعوى لشخص واحد بصفتيه مثال ذلك اختصام شركة معينة بصفتها وكيلة عن ملاك السفينة إلي جانب صفتها كممثلة لربان السفينة.

وقد استقر قضاء النقض علي أن المصلحة النظرية لا تكفي لتحقيق المصلحة مثال ذلك أن يطعن الخصم علي الحكم الصادر ضده بعدم قبول الاستئناف طالباً إلغاءه والحكم بعدم جواز الاستئناف .

ومن المقرر أن الخصم الحقيقي في الدعوى هو من توجه إليه طلبات فيها أو يعترض سبيلها منازعا فيها أما من يختصم الحكم في مواجهته دون أن توجه إليه طلبات ولم يدفع الدعوى بما يعترض سبيلها فلا يعد خصماً حقيقياً فيها.

وإذا صدر توكيل صحيح لأحد المحامين من الممثل القانوني لشركة أو هيئة معينة وتغير هذا الممثل في مرحلة لاحقة لصدور التوكيل فإن ذلك لا يؤثر في استمرار الوكالة الصادرة منه ولا يوجب إصدار توكيل آخر.

وقد قضت محكمة النقض بأنه يجوز للمحكمة أن تستعين بخبير لتحقيق الوقائع المادية المتعلقة بالدعوى والتي يشق عليها الوصول إليها والتي تستخلص منها مدى توافر الصفة في الدعوى ( الحكم رقم 145).

 ولا يكفي لقبول الطعن أن يكون الشخص طرفاً في الخصومة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه بل يجب أن يكون قد نازع خصمه أمامها في طلباتها أو أن يكون خصمه قد نازعه في طلباته هو.

ومن المقرر أن وزير المالية هو الذي يمثل مصلحة الضرائب في كافة الدعاوى والطعون التي ترفع منها أو عليها كما أن رئيس مجلس الشعب هو صاحب الصفة دون غيره في تمثيل المجلس ولجانه جميعها ودعوى الإخلاء للتأجير من الباطن أو التنازل عن التأجير بدون إذن كتابي من المالك يتعين رفعها على المستأجر من الباطن والمستأجر الأصلي وإلا كانت غير مقبولة، ووحدات الحكم المحلي يمثلها رئيسها أمام القضاء فرئيس المدينة هو وحده صاحب الصفة في تمثيل وحدته قبل الغير ولدي القضاء وذلك فيما يدخل في نطاق اختصاصه.

 ويتعين على الطاعن رفع طعنه بالصفة التي كان مختصما بها في الدعوى ولو كانت هذه الصفة محل منازعة منه .

لا يجوز الخلط بين المصلحة في الدعوى والحق الذي تحميه :

من المقرر أنه لا يجوز الخلط بين المصلحة بمقوماتها السابقة والحق الذي تقام الدعوى لحمايته، وإلا كان ذلك في خلط بين موضوع الدعوى وشرط قبولها، إذ المصلحة تتناول الحق في مباشرة الدعوى أو عدم وجوده بصرف النظر عن وجود الحق الذي تقام الدعوى لتقريره أو حمايته . فشرط المصلحة لا يعني وجوب ثبوت الحق المدعى به كشرط لقبول الدعوى لأن هذا لن يظهر أو يتأكد إلا بصدور حكم المحكمة ( مرافعات الشرقاوي ص 42 وإبراهيم نجيب بند 55 ) .

لا تكفي المصلحة الاقتصادية لإقامة الدعوي :

ذكرنا قبل ذلك أنه يشترط في المصلحة التي تجيز رفع الدعوي أن تكون مصلحة قانونية ومن ثم فإن المصلحة الاقتصادية لا تكفي لتوافر المصلحة فإذا وعد شخص أخر بأن يبيعه قطعة أرض زراعية حينما ينتهي عقد إيجارها وانتهى العقد إلا أن المستأجر رفض تسليم العين فلا يجوز للموعود بالشراء أن يقيم دعوى ضد المستأجر بإخلاء العين لأن مصلحته اقتصادية وليست قانونية .

التطبيق الثاني

يجوز اختصام القاصر المأذون له بالإدارة فيما يتعلق بأعمال الإدارة التي أذن له بها  :

من المقرر طبقاً لنص المادتين 55، 56 من قانون الولاية علي المال أنه يجوز القاصر الذي بلغ من العمر ثمانية عشر عاماً أن يحصل على أذن من محكمة الأحوال الشخصية بالتصريح له بأن يحصل علي أمواله كلها أو بعضها لإدارتها ويجوز له أعمال الإدارة عدا الاستثناءات المنصوص عليها في المادة 56 على سبيل الحصر فإذا حصل علي هذا الإذن فإنه يجوز اختصامه فيما يتعلق بإدارة الأموال المأذون له بإدارتها . كذلك يجوز له أن يرفع دعوى للمطالبة بحقوق الإدارة الناشئة عن هذه الأموال دون الحصول على إذن من محكمة الأحوال الشخصية .

التطبيق الثالث

لا يجوز اختصام الوكيل في الأعمال التي وكل فيها من المقرر وفقاً لنص المادة 699 من القانون المدني أن ما يجريه الوكيل من تصرفات وكل فيها إنما هي لحساب الأصيل فإذا باشر إجراء معيناً سواء كان من أعمال الإدارة أو التصرف فلا يجوز مقاضاته عن هذا الإجراء وإنما توجه الخصومة للموكل اللهم إلا إذا كان الوكيل مفوضاً في الخصومة الناشئة عن هذا التصرف .

التطبيق الرابع

الوزير هو صاحب الصفة في تمثيل وزارته والمصالح التابعة لها من المقرر أن الوزير هو صاحب الصفة في تمثيل وزارته والمصالح التابعة لها ما لم تكن هذه الصفة قد منحت إلي الغير بنص القانون مثال ذلك مصلحة السكة الحديد فإنها وإن كانت مصلحة تابعة لوزارة النقل إلا أن القانون الذي أنشأها قد منح صفة تمثيلها إلي رئيس الهيئة أما إذا كانت المصلحة تابعة لوزارة معينة ولم تمنح صفة تمثيلها إلي غير الوزير فإن الوزير يكون هو صاحب الصفة الوحيدة في تمثيلها .

صفة المحافظ في تمثيل الوزارات

صدر القانون 124 لسنة 1960 الخاص بنظام الإدارة المحلية وبين في المادة السادسة منه اختصاصات المحافظ ثم صدر القانون 57 لسنة 1971 في شأن الحكم المحلي وألغي من نصوص القانون السابق ما يتعارض مع نصوصه ثم صدر القانون 52 لسنة 1975 الخاص بنظام الحكم المحلي ونص في الفقرة الثانية من المادة السابقة من قانون الإصدار على إلغاء القانون. 124 لسنة 1960 والقانون 57 لسنة 1971 ثم يبين ذلك القانون اختصاص المحافظ في المادة 28 منه وصدر بعد ذلك القانون رقم 43 لسنة 1979 بإصدار قانون نظام الحكم المحلي ونص في الفقرة الثانية من المادة الثامنة من قانون الإصدار على إلغاء القانون 52 لسنة 1975 بإصدار قانون نظام الحكم المحلي وإلغاء كل نص يخالف أحكام القانون 43 لسنة 1979 وقد استبدلت بنصوص بعض مواده نصوص أخرى بموجب القانونين رقمي 50 لسنة 1981 ، 145 لسنة 1988 وستورد فيما يلي مواد القانون 43 لسنة ۱۹۷۹ المتعلقة باختصاصات المحافظ وصفته.

رئيس مجلس المدينة هو صاحب الصفة في تمثيل وحدته أمام القضاء :

من المقرر وفقا لقانون نظام الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 المعدل بقانون 84 لسنة 1996 والمادة 16 من قرار رئيس الجمهورية رقم 197 لسنة 1981 أن وحدات الحكم المحلي تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة وأن رئيس مجلس المدينة هو صاحب الصفة في تمثيل وحدته أمام القضاء وفي مواجهة الغير ومن ثم فهو المسئول عن كل ما يترتب على إنشاء وإدارة وتشغيل وصيانة عمليات المياه والصرف الصحي داخل كردون المدينة وذلك عملاً بالمواد  1 ، 4 ، 7 ، 35 ، 43 ، 51 ، 69 من قانون الحكم المحلي آنف البيان .

رئيس مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة هو صاحب الصفة في تمثيلها أمام القضاء :

مؤدي ما نص عليه قانون المجتمعات العمرانية الجديدة رقم 59 لسنة 1979 في المواد 2 ، 27 ، 36 ، 42 منه أن المشرع خول هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة سلطة إقامة تلك المجتمعات وجعلها دون غيرها جهاز الدولة المسئول عن إنشائها ومنحها شخصية اعتبارية مستقلة وجعل رئيس مجلس إداراتها وحده هو صاحب الصفة في تمثيلها أمام القضاء وبالتالي فإن وزير التعمير والمجتمعات العمرانية لا يمثلها أمام القضاء ولا ينال من ذلك أن الوزير هو رئيس مجلس إداراتها لأنه ليس هناك ما يمنع قانونا من أن يكون الشخص أكثر من صفة ومن ثم يتعين على من يريد مخاصمتها إما أن يختصم رئيس مجلس إدارة تلك المجتمعات وإما وزير التعمير بصفته رئيس مجلس إدارة المجتمعات العمرانية الجديدة أما إذا اختصم وزير التعمير ووقف عند هذا الحد فقد اعتبرت محكمة النقض ذلك اختصاماً غير صحيح .

رفع الدعوى ضد الولي الشرعي بإحدى صفتيه :

لاحظنا أن كثيراً من المدعين يرفعون الدعوى ضد الولي الشرعي بصفته ممثلاً لقاصر للمطالبة بتعويض عن خطأ أحدثه القاصر وسبب ضرراً لرافع الدعوى أو لمن يمثله ولا يفصح رافع الدعوى عن الصفة التي يخاصم بها هذا الولي وهل أقام عليه الدعوى باعتباره متولي رقابة القاصر أم للحكم عليه بالتعويض من مال القاصر إذا أن هناك فرق كبير بين الصفتين ذلك أن الدعوى التي تستند إلي أي منهما تختلف عن الأخرى تماماً في أركانها وشرائطها فإذا كان الأمر كذلك فإنه يتعين على المحكمة أن تناقشه في هذا الأمر لتستجلي الصفة التي أرادها من المرفوع عليه الدعوى حتى لو كانت حجزت الدعوى للحكم اللهم إلا إذا كان قد أورد في صحيفة دعواه ما يدل على هذه الصفة كما إذا ذكر في أسانيد الدعوى أن مال القاصر تحت يد الولي الشرعي وأنه نظراً لذلك أقام عليه الدعوى أو أن يذكر عبارة ونظراً لأن المدعى عليه أخطأ في رقابة القاصر لذلك فقد خاصمه أو أي عبارة من هذا القبيل بحيث تكون قاطعة الدلالة على الصفة التي يطلب الحكم عليه بها أما إذا لم يذكر ذلك فلا مناص من استجواب المدعى لإزالة هذا الغموض. ولا يجوز للمحكمة أن تقضي برفض الدعوى على سند من أن المدعي لم يفصح عن أي من الصفتين لأن ذلك يعد إهداراً لحقوق المتقاضين.

التطبيق التاسع

اختلاف الأهلية في مسائل الأحوال الشخصية عنها في القانون المدني :

من المقرر وفقاً لقواعد القانون المدني - كما سبق أن أوضحنا - أن الأهلية تثبت لمن بلغ سن الحادية والعشرين من عمره ما لم يصاب بعارض من عوارض الأهلية أما بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية كدعاوى النفقة والزواج والطلاق وثبوت النسب وغير ذلك فإنه يتعين الرجوع بشأنها إلى قواعد الشريعة الإسلامية وبأرجح الأقوال في المذهب الحنفي عملاً بالفقرة الثالثة من قانون إصدار قانون رقم 1 لسنة 2000 ما لم يرد نص صريح يقضي بخلاف ذلك علي النحو الذي بناه في التطبيق الحادي والعشرين.

التطبيق الحادي عشر

لا يجوز اختصام مصلحة الشهر العقاري في شخص أمينها العام :

أن الوزير هو الذي يمثل وزارته والمصالح التابعة لها في كافة الدعاوى التي ترفع منها أو عليها وأن هذه الصفة لا تنتقل إلى الغير إلا إذا نص القانون على ذلك وفي الحدود التي يعينها , ونظراً لأن القانون لم ينص على أن الأمين العام لمصلحة الشهر العقاري هو الذي يمثلها فإذا رفعت الدعوى علي الأمين العام كان مصيرها الحتمي هو الحكم بعدم قبولها وتقضي المحكمة بذلك من تلقاء نفسها .

أهلية المفلس :  

من المقرر وفقاً للمادة 589 من قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999 أنه يترتب على صدور حكم بإشهار إفلاس التاجر غل يده عن إدارة أمواله وتنصيب وكيل الدائنين نائباً عنه في جميع الدعاوى التي ترفع عليه أو منه وتأسيساً علي ذلك لا يجوز مقاضاة المفلس في شأن من شؤون أمواله إلا أن قضاء النقض جرى على أن حكم إشهار الإفلاس لا يترتب عليه نقص أهلية المفلس أو زوالها وكل ما هناك أن الأحكام التي تصدر ضده لا يحتج بها على جماعة الدائنين ولا تعد باطلة أو منعدمة كما أن إشهار إفلاسه لا يمنعه من مباشرة الإجراءات التحفظية اللازمة للمحافظة على أمواله. 

صفة الحارس القضائي :

من المقرر أنه يتعين علي المحكمة عند إصدار حكمها بفرض الحراسة القضائية أن تبين مأمورية الحارس بدقة وتحدد ما له من حقوق وسلطة تثبت صفة الحارس القضائي وتحديد سلطته بمقتضى الحكم الصادر بتعيينه وفق ما نصت عليه المواد 732 , 733 , 734 مدني . فإذا حددت المحكمة مأمورية الحارس بأعمال الإدارة وانحصرت صفته في ذلك فإن عهدت إليه بإدارة المال الشائع اقتصرت مهمته على أعمال الإدارة فقط ولا يجوز له مباشرة أي عمل من أعمال التصرف فإن أتي عملاً من هذا القبيل فإن تصرفه يقع باطلاً لصدوره ممن لا يملكه وإن عهدت إليه المحكمة بعمل معين من أعمال التصرف كان له الصفة في مباشرته وحده ودون غيره من أعمال التصرف الأخرى اللهم إلا إذا كان يندرج ضمن العمل المصرح له به. وجدير بالذكر أنه إذا عهدت المحكمة للحارس بإدارة المالي الذي عين عليه حارساً فإن ذلك وأن كان يسلب صفة ملاكه في إدارته إلا أنه لا يسلبهم حقهم في التصرف فيه.

لا يجوز اختصام الحارس القضائي بصفته الشخصية في دعاوى الحراسة :

ذكرنا قبل ذلك أنه بمجرد صدور الحكم بتعيين الحارس القضائي يصبح هو صاحب الصفة الوحيد في مباشرة أعمال الإدارة المتعلقة بالمال موضوع الحراسة ومن ثم إذا أقيمت دعوى ضد الحارس في أمر يتعلق بالحراسة تعيين اختصامه بصفته حارساً وليس بصفته الشخصية وإلا كان مصير الدعوى عدم . قبولها لرفعها علي غير ذي صفة وتقضي المحكمة بذلك من تلقاء نفسها لأن الصفة كما سبق أن رددنا أصبحت من النظام العام.

انتفاء صفة الوارث بعد وفاة مورثه إذا كان الحق لصيقاً بشخص المتوفی :

في حالة ما إذا كان الحق لصيقاً بشخص ما وتوفي هذا الشخص فإن صفة ورثته في المطالبة بهذا الحق تكون منتفية مثال ذلك أن يصدر حكم من المحكمة العسكرية على شخص فيقيم دعوى أمام القضاء العادي بعدم تطبيق أحكام قانون الأحكام العسكرية عليه فهذا الحق قاصر علي من أقامه فلا ينتقل إلى ورثته، فإذا قضت المحكمة بانقطاع سير الخصومة في الدعوى لوفاة رافعها فلا يجوز لورثته تجديد السير فيها وإلا قضت المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة .

إذا توفي أحد الخصوم بعد الحكم في الدعوى ورغم ذلك اختصم في الطعن إلا أن أسماء ورثته وردت بأشخاصهم بصحيفة الطعن فلا يكون ثمة بطلان .

صفة الورثة في الطعن على الحكم الصادر بعزل مورثهم من الوصاية أو الولاية لابد للطعن بصورية التصرف من توافر المصلحة :" فلا يقبل الطعن بصورية عقد ما لم تكن الطاعن مصلحة من وراء إسقاط العقد فإذا كان المدعى عليه في دعوى الصورية قد وجه هو الأخر مطاعن إلي العقد الذي يتمسك به المدعى فإنه يكون لزاماً علي المحكمة أن تنظر هذه المطاعن وتبحثها لكي تثبت من وجود مصلحة المدعي. فإذا كان دين الدائن مدعی الصورية صورياً تنعدم مصلحته في الطعن على تصرف للمدين صدر منه الأخر بالصورية، ومثل هذا الدائن لا يعتبر دائناً في الواقع بشرط أن يثبت أن دينه صوري.

ولقد نصت المادة 44 من القانون المدني على أن لدائني المتعاقدين والخلف الخاص أن يثبتوا بجميع الوسائل الصورية في العقد الذي أضر بهم فإذا لم يكن هناك ضرر لا يصح ذلك الإثبات لانعدام المصلحة.

وعلى ذلك لا يجوز للوارث أن يتدخل في دعوى صحة ونفاذ عقد البيع أخر سواء كان وارثاً أخر أو من الغير علي المورث مدعياً أن العقد صوري صورية مطلقة أو نسبية لأنه لم يصبح وارثاً بعد وبالتالي فلم تتوافر لديه المملكة القانونية التي تجيز له طلب التدخل ، ويتعين على المحكمة أن تقضي في هذه الحالة بعدم قبول تدخله، وإنما يجوز له ذلك بعد وفاة مورثه.

 ويجوز للمشتري أن يتدخل في دعوى صحة ونفاذ عقد بيع إذا كان قد اشترى نفس الشيء من وارث البائع وذلك بالطعن بصورية عقد المشترى الأول بقصد إهداره.

ويجوز كذلك لمالك العقار أياً كان سند ملكيته أن يتدخل في دعوى صحة ونفاذ عقد صادر عن ذات العقار ويطلب رفض الدعوى علي سند من أن العقد المطلوب الحكم بصحته ونفاذه صوري.

المصلحة في الطعن :

من المقرر عملاً بالمبادئ العامة التي أكدتها المادة 3 مرافعات أنه يلزم لقبول الطعن في الحكم توافر المصلحة فيه وهي لا تتحقق إلا بتوافر شرطين أولهما أن يكون الطاعن طرفاً في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه وثانيهما أن يكون محكوماً عليه بمعنى أن يكون الحكم متضمناً قضاء ضاراً به بحيث يكون من شأنه إنشاء التزامات جديدة في جانبه أو الإبقاء على التزامات يريد التطل منها فإذا لم يتوافر هذان الشرطان انتفت مصلحته في الطعن وتأسيساً على ذلك لا يجوز لمن أدخل في الدعوى أمام محكمة أو لدرجة الحكم في مواجهته ولم ينازع في الدعوى ولم يقض عليه بشىء ولم يتضمن الحكم قضاء ضاراً به أن يطعن في الحكم فإن فعل كان المصير الحتمي لطعنه هو عدم القبول .

تنازل المحكوم له عن الحكم يترتب عليه انعدام مصلحته في الطعن عليه

من المقرر أنه إذا تنازل المحكوم له عن حكم صدر لصالحه انتفت مصلحة الطاعن في الطعن عليه فإذا طعن عليه كان طعنه غير مقبول ويتعين على المحكمة أن تقضي بذلك من تلقاء نفسها بعد أن أصبحت الصفة من النظام العام بمقتضى التعديل الذي أدخل على المادة 3 بالقانون 81 لسنة 1996.

مسمى وزارة المالية ومسمي وزارة الخزانة ينصرف إلي وزارة واحدة

من المقرر أن كلا من مسمى وزارة المالية ومسمي وزارة الخزانة ينصرف إلي وزارة واحدة هي التي تتبعها مصلحة الضرائب ومن ثم فلا يجوز الفصل بين المسميين ولا جناح على الممول أن يختصم إحدى الوزارتين باعتبارها ممثلة لمصلحة الضرائب.

إذا باشر الولي الشرعي أو الوصي عملاً قانونياً بعد زوال صفته فإنه يكون غير مقبول

من المقرر أنه في حالة انتهاء ولاية الولي الشرعي أو الوصي . فلا يجوز له أن يباشر أي عمل قانوني لحساب من كان يمثله وإلا أعتبر باطلاً فإذا كان ولياً شرعياً على ولده القاصر وبلغ هذا الولد سن الرشد فإنه يترتب علي ذلك زوال صفته كولي وبالتالي يمتنع عليه أن يقوم بأي إجراء قانوني لحساب هذا الولد فإذا رفع طعناً في حكم فإنه يكون قد أقيم من غير ذي صفة وتقضي المحكمة بعدم قبوله ومن تلقاء نفسها لأن أمر متصل بالنظام العام على النحو السابق بيانه.

أهلية التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية للولاية علي النفس طبقاً القانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 .

نصت المادة 2 من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 على أن " تثبت أهلية. التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية للولاية على النفس لمن أتم خمس عشرة سنة ميلادية كاملة متمتعاً بقواه العقلية " .

ومؤدي ذلك أن كل من أتم خمس عشرة سنة ميلادية سواء كان رجلاً أو امرأة وسواء كان مدعياً أو مدعى عليه يكون له الحق في رفع الدعاوى المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية للولاية علي النفس فيجوز للزوجة أن ترفع دعوى ضم الصغير إذا كان يقيم مع والده ويجوز للزوج أن يرفع علي زوجته دعوی بضم الصغير الذي جاوز سن الحضانة .

والأصل في الشخص الذي أتم من العمر خمس عشرة سنة ميلادية أن يكون متمتعاً بقواه العقلية ويقع علي من يدعي عكس ذلك إثبات ادعائه. وغني عن البيان أن هذا النص جاء قاصراً على مسائل الأحوال الشخصية بالنسبة للولاية علي النفس ومن ثم فلا يسري على مواد الأحوال الشخصية بالنسبة للولاية على المال .

وجدير بالذكر أن المادة 1/17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 أنف البيان أوردت قيداً علي المادة 2 سالف الذكر بأن تنصت علي عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج إذا كان من الزوجة تقل عن ستة عشرة سنة ميلادية ، أو كانت سن الزوج تقل عن ثماني عشرة سنة ميلادية وقت رفع الدعوى ومن ثم فلا يجوز للزوجة التي لم تكمل ستة عشرة سنة أن ترفع دعوى طلاق أو خلع أو نفقة زوجية ولا يجوز للزوج الذي لم يبلغ ثماني عشرة سنة أن يرفع علي زوجته دعوى طاعة .

مبدي الدفع بانتفاء الصفة هو المكلف بإثباته :

من المقرر كقاعدة عامة أن مبدي الدفع هو المكلف بإثباته وتأسيساً علي ذلك إذا دفع أحد الخصوم بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة أو علي غير ذي صفة تعين عليه أن يقيم الدليل على صحته كما إذا أسس دفعه علي أنه صدر حكم بإشهار إفلاسه فإنه يتعين عليه أن يقدم صورة رسمية من هذا الحكم ويجوز له أن يطلب من المحكمة أن تصرح له بتقديمه ويتعين على المحكمة إجابته لطلبه أما إذا لم يقدمه كان مصير دفعه هو الرفض لأن الأصل في الإنسان البالغ هو اكتمال الأهلية وعلى من يدعي العكس أن يثبت ادعائه ، وهذا لا يمنع المحكمة إذا تشككت في صفة أحد الخصوم أن تتحقق من توافر الصفة من تلقاء نفسها بعد أن أصبحت الصفة من النظام العام وفقا للتعديل الذي أدخل على النص بالقانون 81 لسنة 1996 .

هل ألغي القانون 81 لسنة 1996 نص المادة 2/115 مرافعات :

نصت الفقرة الثانية من المادة 115 مرافعات على أنه إذا رأت المحكمة أن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء صفة المدعى عليه قائم على أساس أجلت الدعوى لإعلان ذى الصفة ويجوز لها في هذه الحالة الحكم على المدعي بغرامة لا تجاوز خمسين جنيها وهنا يثور البحث عن أثر التعديل الذي أدخله القانون 81 لسنة 1996 على هذه الفترة.

في تقديرنا أن هذه الفقرة قد ألغيت ضمنا بنص المادة الرابعة من القانون رقم 81 لسنة 1996 والتي نصت على إلغاء كل حكم يخالف أحكامه إذ أن المادة الأولي منه والتي عدلت نص المادة 3 من قانون المرافعات واعتبرت الصفة من النظام العام وأوجبت على المحكمة أن تبحث الصفة من تلقاء نفسها وأن تتحقق من أن الدعوى أقيمت علي صاحب الصفة فإن تبين لها انتفاءها قضت بعدم قبول الدعوى دون دفع من الخصوم. كل هذا لا يستقيم معه القول أنه يجوز للمحكمة إذا تبين لها أن الدعوى مرفوعة علي غير ذي صفة تأجيل الدعوى وتكليف رافعها بإعلان ذي الصفة.

إلا أنه تدارك المدعي الأمر قبل الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة فوجه الخصومة لصاحب الصفة وذلك بصحيفة تودع قلم الكتاب يعلن بها صاحب الصفة استقامت الدعوى ولا تحكم المحكمة بعدم قبولها إلا أن يكون هناك ميعاد للاختصام كما في دعوى الشفعة أو الاستئناف فإنه يتعين على المحكمة إذا تم تصحيح دعوى بعد الميعاد، أن تقضي بعدم قبول الدعوى" لرفعها على غير ذي صفة .

مدى تأثير القانون 81 لسنة 1996 على دعاوى الحسبة :

ومما هو جدير بالذكر أن دعاوى الحسبة التي تعرفها الشريعة الإسلامية لا يعترف بها القانون المدني فليس هنالك دعوى حسبة في الحقوق المدنية إذ يمنع قبولها من قبل والآن ما نص عليه في المادة 3 من قانون المرافعات سواء قبل التعديل الأخير أو بعده من اشتراط المصلحية الشخصية المباشرة أما دعاوی الحسبة في الأحوال الشخصية فإنه من المقرر في الشريعة الإسلامية أنه يجوز لأي مسلم مباشرتها إذا توافرت شروطها إلا أن المشرع أصدر القانون رقم 3 لسنة 1996 والذي نظم فيه دعوى الحسبة في الأحوال الشخصية وجعل رفعها من اختصاص النيابة العامة وحدها دون غيرها وأوجب على من يطلب رفع الدعوى أن يتقدم ببلاغ إلى النيابة العامة المختصة التي تباشر التحقيق فيها ثم تصدر قرارها إما برفع الدعوى أمام المحكمة الابتدائية المختصة وإما بحفظ البلاغ علي أن يصدر القرار مسبباً من أحد أعضاء النيابة بدرجة محام عام على الأقل في المادة الأولي من القانون ونظم المشرع طريق التظلم من هذا القرار بأن يكون للنائب العام وحده الذي خوله الحق إما بإلغاء هذا القرار ورفع الدعوى أمام المحكمة الابتدائية المختصة وإما بحفظ البلاغ وجعل قراراه في هذا الشأن نهائياً بمعنى أنه لا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن ( المادة الثانية من القانون ) كما أكد المشرع أن المدعي في هذه الدعوى - في حالة رفعها - هو النيابة العامة وحدها وخولها كل ما للمدعي من حقوق وواجبات (مادة 3) ومنع أي شخص ولو كان مقدم البلاغ التدخل في الدعوى أو الطعن في الحكم الصادر فيها (مادة 4) ثم رسم طريق نظر الدعوى بأن يكون بحضور ممثل النيابة ولو لم يحضر المدعي عليه فيها (مادة 5)، وبديهي أن تتحقق المحكمة من أن المدعى عليه قد تم إعلانه بالجلسة وإلا أجلت الدعوی الإعلانه ويغني عن إعلانه حضوره بالجلسة وتوجيه النيابة العامة له طلباتها وأوجب علي المحاكم أن تحيل من تلقاء نفسها دون رسوم ما يكون لديها من دعاوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية والتي لم يصدر فيها أي حكم إلي النيابة العامة بالحالة التي تكون عليها الدعوى المادة 6) وأخيرا نص المشرع علي إلغاء كل ما يخالف أحكام هذا القانون (مادة 7).

وقد شرحنا نصوص قانون الحسبة حتى يتسنى لنا بحث ما إذا كان يتعارض مع القانون 81 لسنة 1996 أم لا لأن القانون الأخير صدر بعد صدور قانون الحسبة ونص على إلغاء كل ما يخالف أحكامه فإذا تبين وجود تعارض بينهما فإن قانون الحسبة يصبح ملغياً وهو والعدم سواء أما إذا لم يكن هناك تعارض بقي علي حاله . في تقديرنا أنه ليس هناك ثمة تعارض بين قانون الحسبة رقم 3 لسنة 1996 والقانون 81 لسنة 1996 إذ أن القانون الأخير نظم الصفة في رفع الدعوى وبين الشروط التي يتعين توافرها فيمن يرفعها وأتي بجزاء على مخالفة أحكامه في حين أن قانون الحسبة خول النيابة العامة وحدها الحق في رفع دعاوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية فلكل منهما مجاله.

قانون تنظيم بعض إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الجديد نص على عدم المساس باختصاص النيابة العامة برفع دعوى الحسبة

نصت المادة 6 من قانون تنظيم إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 على ما يلي :

مع عدم الإخلال باختصاص النيابة العامة برفع الدعوى في مسائل الأحوال الشخصية على وجه الحسبة المنصوص عليه في القانون رقم 3 لسنة 1996 النيابة العامة رفع الدعوى ابتداء في مسائل الأحوال الشخصية إذا تعلق الأمر بالنظام العام أو الآداب ، كما يجوز لها أن تتدخل في دعاوى الأحوال الشخصية التي تختص بها المحاكم الجزئية " وهذا النص وإن كان قد خول للنيابة العامة رفع الدعوى ابتداء في مسائل الأحوال الشخصية التي تتصل بالنظام العام أو الآداب إلا أنه حرص على أن يؤكد أن ذلك لا يمس دعوى الحسبة ومؤدي ذلك أن تظل وحدها المختصة برفعها .

هل يجوز الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة لأول مرة أمام محكمة النقض :

أن الصفة أصبحت من النظام العام وكان مؤدي ذلك أنه يجوز الدفع بانتفائها لأول مرة أمام محكمة النقض، إلا أن محكمة النقض وضعت شرطاً لذلك هو ألا يستلزم الفصل فيها بحث عناصر واقعية لم تكن تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم في الدعوى كما إذا تنازع شخصان أمام محكمة النقض لأول مرة على ملكية عقار وكان الفصل في الدفع يستلزم بحث الملكية وهو عنصر واقعي لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض فإن الدفع في هذه الحالة يكون غير مقبول.

رفع الدعوى من غير صاحب الصفة أو على من ليس له صفة فيها يترتب عليه انعدام الخصومة :

من المقرر كما سبق أن ردنا أن الصفة في الدعوى شرط لازم وضروري لقبولها والاستمرار في موضوعها ولا تستقيم بدونها مما يتعين معه أن ترفع ممن وعلي من له صفة فيها وإلا كانت معدومة فإذا أقام المدعي الدعوى ضد شخص بلغ سن الرشد واختصمه في شخص الولي الطبيعي عليه أو أقام الدعوى ضد قاصر ووجه الخصومة إلي شخصه دون وليه الطبيعي أو الوصي عليه كان تمثيل هذا وذاك في الخصومة غير صحيح واعتبرت الخصومة معلومة. وكذلك الشأن إذا أقام شخص دعوی بزعم أنه يمثل المدعي حالة أن ذلك غير صحيح فإن الخصومة في هذه الحالة أيضاً تعتبر معدومة .  

الحكم الجنائي البات بإلزام شخص معين أو شركة معينة بالتعويض المؤقت له حجية علي صفته باعتباره مسئولاً عن التعويض في دعوى تكملة التعويض :

من المقرر أنه في حالة ما إذا صدر حكم جنائي بإدانة المتهم لارتكابه جريمة معينة كقتل خطأ وبإلزامه في الدعوى المدنية بالتضامن مع شركة التأمين المؤمن لديها من مخاطر السيارة التي تسببت في وقوع الحادث وصار باتاً فإن هذا الحكم تمتد حجيته إلي قضائه في المسألة الأساسية التي حسمها في الدعوى المدنية التبعية سواء في تحقق مسئولية مرتكب الحادث عن التعويض أو بالنسبة لمسئولية شركة التأمين عن أداء التعويض فلا يجوز لها بعد ذلك في دعوى تكملة التعويض التي يقيمها المضرور أمام المحكمة المدنية أن تدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة باعتبارها ليست الشركة المؤمن لديها على السيارة لورود هذه المنازعة على مسألة أساسية فصل فيها الحكم الجنائي.

الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة أو بعدم قبولها لرفعها علي غير ذي صفة ليس له حجية قبل صاحب الصفة الحقيقي سواء كان مدعية أو مدعى عليه.

إذا أقام شخص دعوى تأسيساً على أنه وكيل عن المدعي وتبين للمحكمة عدم صحة ذلك وقضت بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة فإن هذا الحكم لا يعدو أن يكون قضاء في الشكل تنحصر حجيته في حدود ذات الخصومة ولا تتعداها إلى غيرها، ولا يمنع صاحب الصفة من مباشرة دعوى جديدة ولو كان سند الصفة سابقاً على ذلك الحكم.

وكذلك الشأن إذا أقام المدعي دعوى ضد شخص معين وتبين للمحكمة أن هذا الشخص ليس له صفة في الدعوى وقضت بعدم قبولها لرفعها على غير ذي صفة سواء كان ذلك من تلقاء نفسها وفق ما تقضي به المادة 3 من قانون المرافعات بعد تعديلها أو بناء علي دفع من المدعي عليه فإن حجية هذا الحكم تنحصر كذلك في حدود ذات الخصومة ولا تتعداها إلى غيرها ولا تمنع المدعي من رفع دعوى جديدة ضد صاحب الصفة الحقيقي ولو كان سند صفة الأخير سابقاً على ذلك الحكم.

لصاحب الصفة رفع دعوى مبتدأة ببطلان الحكم الذي صدر ضده في دعوى كان يمثله فيها من لا صفة له في ذلك :

من المقرر أن رفع الدعوى على من ليس له صفة إجرائية فيها يترتب عليه انعدام الحكم الصادر فيها ولصاحب الصفة رفع دعوى مبتدأة ببطلان ذلك الحكم فإذا اختصم القاصر في دعوى كبالغ وصدر الحكم عليه علي هذا الأساس فإن هذا الحكم يكون معلوماً ويجوز لمن يمثله قانونا أن يرفع دعوى ببطلان هذا الحكم كما يجوز ذلك للقاصر عند بلوغه.

وفاة الوكيل بعد إنابته غيره فيما وكل فيه لا أثر له في توافر صفة النائب في القيام بأي إجراء يتسع له عقد الإنابة :

من المقرر أنه يجوز للوكيل أن ينيب غيره فيما وكل فيه ما لم يكن سند وكالته قد حرمه من ذلك بنص خاص ويترتب على ذلك قيام علاقة مباشرة بين نائب الوكيل والموكل ينصرف بموجبها إلي الأخير كافة التصرفات التي أبرمها النائب في حدود وكالته فإذا توفي الوكيل بعد إصداره عقد الوكالة لمن أنابه فإن ذلك لا يؤثر على العلاقة بين الموكل والنائب فيما يأتيه الأخير من تصرفات أو في توافر صفته في القيام بأي إجراء يتسع له عقد الإنابة .

صفة بنك ناصر الاجتماعي بالنسبة للشركات الشاغرة :

كانت محكمة النقض قد استقرت في أحكامها على أن إنكار الوراثة الذي يستدعي صدور حكم على خلاف الإعلام الشرعي قاصر علي وارث حقيقي ضد آخر يدعى الوراثة وكان مؤدي هذا المبدأ أن بنك ناصر الاجتماعي لا صفة له في الأنزعة التي تدور حول التركات الشاغرة إلا أن الهيئة العامة للمواد المدنية بمحكمة النقض أصدرت حكماً من أحدث أحكامها عدلت فيه عن هذه الأحكام وأسسته على أن بنك ناصر الاجتماعي أصبح يمثل بيت المال بعد أن آلت إليه تبعية الإدارة العامة للتركات فإذا آلت إليه تركة شخص ما باعتبار أنها من الضوائع التي لا يعرف لها مالك وفق ما نصت عليه عجز المادة الرابعة من قانون المواريث 77 لسنة 1943 فتكون تحت يده بصفتها أميناً عليها ليصرفها في مصارفها الشرعية وبالتالي فإنه يعتبر ذا صفة في الطعن علي الإعلام الشرعي الذي يتضمن توريش من لا حق له فيه بطلب بطلانه سواء كان ذلك في صورة دعوى مبتدأة أو في صورة دفع توصلاً إلي أيلولة التركة الشاغرة إليه . وتأسيساً على ما تقدم يجوز أيضاً لبيت المال أن يتدخل في هذه الدعوى ( الدعوى بطلب بطلان الإعلام الشرعي ) تدخلاً هجومياً أو انضمامياً لتوافر شرط كل منهما فيه .

تعليق على حكم المحكمة النقض - صدر قبل تعديل النص - بأنها  ملزمة بالتحقق من تلقاء نفسها بتوافر الصفة في الطعن :

أصدرت محكمة النقض - قبل تعديل النص - حكماً حديثاً قضي فيه بأنها ملزمة بالتحقق من تلقاء نفسها من توافر شروط الطعن ومنها الصفة فإن تبين لها انتفاءها قضت بعدم قبوله وإن كان البادي من هذا الحكم أن محكمة النقض أتت فيه بمبدأ جديد غير أن المدقق يبين له أن محكمة النقض كانت قد سارت على هذا المنهج قبل ذلك حيث كانت تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبول الطعن أو النعي الذي لا يحقق لصاحبه سوى مصلحة نظرية بحتة وهو ما يتفق في نتيجته مع هذا الحكم . ( التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء : الأول ،  الصفحة :  54 )

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة / 270

دَعْوَى

التَّعْرِيفُ:

الدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ مِنَ الاِدِّعَاءِ، مَصْدَرُ ادَّعَى، وَتُجْمَعُ عَلَى دَعَاوَى بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا.

وَلَهَا فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا: الطَّلَبُ وَالتَّمَنِّي، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ)وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ، كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)وَمِنْهَا: الزَّعْمُ. وَلاَ تُطْلَقُ الدَّعْوَى عَلَى الْقَوْلِ الْمُؤَيَّدِ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ حَقًّا، وَصَاحِبُهُ مُحِقًّا لاَ مُدَّعِيًا، فَلاَ تُطْلَقُ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لأِنَّ مَا صَدَرَ عَنْهُ مَقْرُونٌ بِالْحُجَّةِ السَّاطِعَةِ، وَهِيَ الْمُعْجِزَةُ. وَكَانُوا يُسَمُّونَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ مُدَّعِيًا لِلنُّبُوَّةِ.

وَالدَّعْوَى فِي الاِصْطِلاَحِ: قَوْلٌ يَطْلُبُ بِهِ الإْنْسَانُ إِثْبَاتَ حَقٍّ عَلَى الْغَيْرِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَوِ الْمُحَكَّمِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْقَضَاءُ:

الْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ: الْحُكْمُ. وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ: تَبْيِينُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَالإْلْزَامُ بِهِ، وَفَصْلُ الْخُصُومَةِ. وَالصِّلَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالْقَضَاءِ أَنَّ الدَّعْوَى طَلَبُ حَقٍّ، وَالْقَضَاءُ نَهْوِ الْحُكْمِ فِي هَذَا الطَّلَبِ وَالإْلْزَامِ بِهِ.

ب - التَّحْكِيمُ:

3 - التَّحْكِيمُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ حَكَّمَ، يُقَالُ:

 حَكَّمُوهُ بَيْنَهُمْ: أَيْ فَوَّضُوهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ،

وَيُقَالُ: حَكَّمْنَا فُلاَنًا فِيمَا بَيْنَنَا أَيْ أَجَزْنَا حُكْمَهُ بَيْنَنَا.

وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: تَوْلِيَةُ الْخَصْمَيْنِ حَاكِمًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا.

وَعَلَى هَذَا يَشْتَرِكُ التَّحْكِيمُ وَالدَّعْوَى فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَضَمَّنُ طَلَبَ الْفَصْلِ فِي الْخُصُومَةِ، وَيَخْتَلِفَانِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ، وَالأْثَرُ، وَالْمَحَلُّ:

فَالتَّحْكِيمُ فِي حَقِيقَتِهِ عَقْدٌ مَبْنَاهُ عَلَى اتِّفَاقِ إِرَادَتَيْنِ، حَيْثُ يَكُونُ بِتَرَاضِي الْخُصُومِ عَلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، وَلاَ يَصِحُّ بِإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ. أَمَّا الدَّعْوَى فَهِيَ تَصَرُّفٌ قَوْلِيٌّ يَقُومُ بِهِ الْمُدَّعِي بِإِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ.

وَلِلتَّحْكِيمِ أَثَرٌ إِنْشَائِيٌّ، حَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِنْشَاءُ وِلاَيَةٍ خَاصَّةٍ لِلْمُحَكَّمِ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَبْلَ التَّحْكِيمِ، أَمَّا الدَّعْوَى فَلَيْسَ لَهَا مِثْلُ هَذَا الأْثَرِ، إِذْ تُرْفَعُ إِلَى الْقَاضِي الَّذِي يَسْتَمِدُّ وِلاَيَتَهُ مِنْ عَقْدِ التَّوْلِيَةِ.

وَالتَّحْكِيمُ يَجُوزُ فِي الأْمْوَالِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.

أَمَّا الدَّعْوَى فَتَصِحُّ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ بِلاَ خِلاَفٍ.

ج - الاِسْتِفْتَاءُ:

الاِسْتِفْتَاءُ طَلَبُ الإْفْتَاءِ، وَالإْفْتَاءُ هُوَ:

الإْخْبَارُ عَنْ حُكْمِ الشَّارِعِ فِي أَمْرٍ مِنَ الأْمُورِ بِنَاءً عَلَى اسْتِقْرَاءِ الأْدِلَّةِ وَاتِّبَاعِ مُقْتَضَيَاتِهَا. وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الاِسْتِفْتَاءَ هُوَ طَلَبُ بَيَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي أَمْرٍ مِنَ الأْمُورِ.

وَتَخْتَلِفُ الدَّعْوَى عَنْهُ أَنَّ فِيهَا طَلَبَ إِلْزَامِ الْخَصْمِ بِحَقٍّ، فَتَقْتَضِي وُجُودَ خَصْمٍ يُطْلَبُ إِلْزَامُهُ بِالْحَقِّ، وَلَيْسَ فِي الاِسْتِفْتَاءِ طَلَبُ إِلْزَامٍ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ وُجُودُ خَصْمٍ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

لَمَّا كَانَتِ الدَّعْوَى فِي حَقِيقَتِهَا إِخْبَارًا يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ أَمَامَ الْقَضَاءِ، وَهِيَ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، فَمِنَ الْبَدَهِيِّ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً إِذَا كَانَتْ دَعْوَى كَاذِبَةً، وَكَانَ الْمُدَّعِي يَعْلَمُ ذَلِكَ، أَوْ يَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي دَعْوَاهُ، فَهِيَ عِنْدَئِذٍ تَصَرُّفٌ مُبَاحٌ، فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ يَقْصِدُ بِهَا الضِّرَارَ، فَتَكُونُ مُحَرَّمَةً، كَمَا لَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ غَرِيمَهُ لاَ يُنْكِرُ حَقَّهُ، وَأَنَّهُ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِتَوْفِيَتِهِ إِيَّاهُ، فَيَرْفَعُ الدَّعْوَى لِلتَّشْهِيرِ بِهِ، فَتَكُونُ مُحَرَّمَةً.

أَرْكَانُ الدَّعْوَى:

أَرْكَانُ الدَّعْوَى عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هِيَ: الْمُدَّعِي، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُدَّعَى، وَالْقَوْلُ الَّذِي يَصْدُرُ عَنِ الْمُدَّعِي يَقْصِدُ بِهِ طَلَبَ حَقٍّ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ يُمَثِّلُهُ. وَلِكُلِّ رُكْنٍ مِنْ هَذِهِ الأْرْكَانِ شُرُوطٌ خَاصَّةٌ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِيمَا بَعْدُ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ رُكْنُ الدَّعْوَى هُوَ التَّعْبِيرُ الْمَقْبُولُ الَّذِي يَصْدُرُ عَنْ إِنْسَانٍ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَقْصِدُ بِهِ طَلَبَ حَقٍّ لَهُ أَوْ لِمَنْ يُمَثِّلُهُ، مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ: لِي عَلَى فُلاَنٍ أَوْ قِبَلَ فُلاَنٍ كَذَا، أَوْ قَضَيْتُ حَقَّ فُلاَنٍ، أَوْ أَبْرَأَنِي عَنْ حَقِّهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الرُّكْنَ هَلْ هُوَ مُجَرَّدُ التَّعْبِيرِ الطَّلَبِيِّ مِنْ قَوْلٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ، أَوْ أَنَّهُ هُوَ مَدْلُولُ ذَلِكَ التَّعْبِيرِ، أَوْ أَنَّهُ كِلاَ الأْمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى هَلْ رُكْنُ الدَّعْوَى هُوَ الدَّالُّ أَوِ الْمَدْلُولُ أَوْ كِلاَهُمَا؟ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأْقْوَالِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ.

كَيْفِيَّةُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

تَمْيِيزُ الْقَاضِي الْمُدَّعِي مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُعْتَبَرُ مِنْ أَهَمِّ الأْمُورِ الَّتِي تُعِينُهُ عَلَى إِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الأْحْكَامِ الَّتِي يُصْدِرُهَا، ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ عِبْءَ الإْثْبَاتِ فِي الدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعِي. وَعِبْءَ دَفْعِهَا بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْمُدَّعِي إِثْبَاتَهَا بِالْبَيِّنَةِ. وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الْعِبْءَ الأْوَّلَ أَثْقَلُ مِنَ الْعِبْءِ الثَّانِي، فَإِنْ أَخْطَأَ الْقَاضِي فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ سَيُحَمِّلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعِبْءَ الأْثْقَلَ، وَيَجْعَلُ عَلَى الْمُدَّعِي الْعِبْءَ الأْخَفَّ، مِمَّا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ وَالظُّلْمِ فِي الْقَضَاءِ.

لِذَلِكَ اجْتَهَدَ الْفُقَهَاءُ فِي وَضْعِ الضَّوَابِطِ الَّتِي تُعِينُ الْقُضَاةَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي أَيَّةِ خُصُومَةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ حَصْرُ أَقْوَالِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي اتِّجَاهَيْنِ:

الاِتِّجَاهُ الأْوَّلُ: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَاعْتَمَدُوا فِيهِ عَلَى النَّظَرِ إِلَى جَنَبَةِ كُلٍّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ: فَمَنْ كَانَتْ جَنَبَتُهُ قَوِيَّةً بِشَهَادَةِ أَيِّ أَمْرٍ مُصَدِّقٍ لِقَوْلِهِ كَانَ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالآْخَرُ مُدَّعِيًا. وَمَعَ اتِّفَاقِ أَصْحَابِ هَذَا الاِتِّجَاهِ عَلَى هَذَا الأْصْلِ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الأْمْرِ الْمُصَدِّقِ الَّذِي إِذَا تَجَرَّدَ عَنْهُ قَوْلُ أَحَدِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي، فَتَبَايَنَتْ - بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ - تَعْرِيفَاتُهُمْ لِلْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى النَّحْوِ الآْتِي:

أَوَّلاً: ذَهَبَ مُعْظَمُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ مَنْ تَجَرَّدَتْ دَعْوَاهُ عَنْ أَمْرٍ يُصَدِّقُهُ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ كَانَ أَضْعَفَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَمْرًا فِي الدَّلاَلَةِ عَلَى الصِّدْقِ.

وَفَسَّرَ آخَرُونَ مِنْهُمْ هَذَا الأْمْرَ الْمُصَدِّقَ بِقَوْلِهِمِ: الْمُدَّعِي هُوَ مَنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ أَوْ أَصْلٍ. وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَكْسُهُ. وَالْمَعْهُودُ هُوَ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ وَالْغَالِبُ.

وَرَأَى بَعْضُهُمْ تَقْيِيدَ التَّعْرِيفِ السَّابِقِ لِلْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ «حَالَ الدَّعْوَى»، أَيْ أَنَّ: التَّجَرُّدَ الْمَقْصُودَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ حَالَ الدَّعْوَى، وَقَبْلَ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ «بِمُصَدِّقٍ غَيْرِ بَيِّنَةٍ»، أَيْ أَنْ لاَ يَكُونَ الأْمْرُ الْمُصَدِّقُ الَّذِي تَجَرَّدَ عَنْهُ قَوْلُ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَيِّنَةُ، فَإِنَّهُ يَظَلُّ مُدَّعِيًا وَلَوْ لَمْ يَتَجَرَّدْ قَوْلُهُ مِنْهَا.

ثُمَّ إِنَّ الأْمْرَ الْمُصَدِّقَ الَّذِي إِذَا اعْتَضَدَ بِهِ جَانِبُ أَحَدِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ كَانَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ شَيْئَيْنِ هُمَا:

الأْصْلُ وَالظَّاهِرُ:

أَمَّا الأْصْلُ فَهُوَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَعْمُولُ بِهَا فِي الْوَاقِعَةِ الْمَخْصُوصَةِ، أَوِ الدَّلاَلَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ، أَوِ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ الأْوَّلِ. وَقَدْ ذَكَرُوا مِنَ الأْصُولِ :

الأْصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنَ الْحُقُوقِ قَبْلَ عِمَارَتِهَا:

فَمَنِ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى آخَرَ، فَأَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ كَانَ الْمُنْكِرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، لأِنَّ الأْصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَقَدْ عَضَّدَهُ هَذَا الأْصْلُ، فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ. وَلَوِ اعْتَرَفَ الْمَطْلُوبُ بِالدَّيْنِ وَادَّعَى الْقَضَاءَ، لَكَانَ الطَّالِبُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذَا الدَّفْعِ، لأِنَّ الأْصْلَ اسْتِصْحَابُ عِمَارَةِ الذِّمَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ شُغْلِهَا، فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلآْخَرِ بَيِّنَةٌ.

الأصْلُ فِي الإْنْسَانِ الصِّحَّةُ قَبْلَ ثُبُوتِ مَرَضِهِ، وَيَكُونُ مُدَّعِي الْمَرَضِ مُدَّعِيًا خِلاَفَ الأْصْلِ، فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، فَإِذَا وَقَعَ طَلاَقُ رَجُلٍ لِزَوْجَتِهِ طَلاَقًا بَائِنًا، ثُمَّ مَاتَ، فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ تَدَّعِي أَنَّهُ طَلَّقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِكَيْ تَرِثَ مِنْهُ، فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ، كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُدَّعِيَةً خِلاَفَ الأْصْلِ الَّذِي يَقْضِي بِأَنَّ الإْنْسَانَ سَلِيمٌ حَتَّى يَثْبُتَ مَرَضُهُ، فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ وَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ.

الأْصْلُ عَدَمُ الْمَضَارَّةِ وَالتَّعَدِّي، فَلَوِ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى الطَّبِيبِ الْعَمْدَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَادَّعَى الطَّبِيبُ الْخَطَأَ، فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ.

الأْصْلُ فِي الإْنْسَانِ الْجَهْلُ بِالشَّيْءِ حَتَّى يَقُومَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ بِالْعِلْمِ، فَإِذَا قَامَ الشَّرِيكُ يَطْلُبُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ بِالشُّفْعَةِ مِمَّنِ اشْتَرَاهَا، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مُرُورِ عَامٍ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ، فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عِلْمَ الشَّرِيكِ بِالْبَيْعِ، وَادَّعَى هُوَ جَهْلَهُ بِذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الشَّرِيكِ، وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْمُدَّعِي، وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ الَّتِي تَشْهَدُ أَنَّ الشَّرِيكَ كَانَ عَلَى عِلْمٍ بِالْعَقْدِ.

الأْصْلُ فِي الإْنْسَانِ الْفَقْرُ، لِسَبْقِهِ، حَيْثُ يُولَدُ خَالِيَ الْيَدِ، فَيَكْتَسِبُ بِعَمَلِهِ، فَيُصْبِحُ غَنِيًّا، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ النَّاسَ مَحْمُولُونَ عَلَى الْمُلاَءِ لِغَلَبَتِهِ، فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا تَعَارَضَ فِيهِ الأْصْلُ وَالْغَالِبُ، وَقُدِّمَ الأْخِيرُ فِيهِ، وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ زَاعِمَ الإْعْسَارِ يُعْتَبَرُ مُدَّعِيًا، وَإِنْ وَافَقَهُ الأَصْلُ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ، فَهُوَ الْمُدَّعِي وَالْمَطَالِبُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الإْعْسَارِ.

وَأَمَّا الظَّاهِرُ فَيُسْتَفَادُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: الْعُرْفُ، وَالْقَرَائِنُ الْمُغَلِّبَةُ عَلَى الظَّنِّ.

الأْوَّلُ: الْعُرْفُ، وَيُسَمِّيهِ بَعْضُهُمُ الْمَعْهُودَ وَالْغَالِبَ وَالْعَادَةَ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى حُجِّيَّتِهِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

وَقَدْ قَالُوا: الْعُرْفُ مُقَدَّمٌ عَلَى الأْصْلِ، وَكُلُّ أَصْلٍ كَذَّبَهُ الْعُرْفُ، رُجِّحَ هَذَا الأْخِيرُ عَلَيْهِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَسَائِلِ، مِنْهَا مَا لَوِ ادَّعَى الصَّالِحُ التَّقِيُّ الْعَظِيمُ الْمَنْزِلَةَ أَوِ الشَّأْنَ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ عَلَى أَفْسَقِ النَّاسِ وَأَدْنَاهُمْ عِلْمًا وَدِينًا دِرْهَمًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهُ، وَالأْصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَيُقَدَّمُ الأْصْلُ عَلَى الْغَالِبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.

الأْمْرُ الثَّانِي: الْقَرَائِنُ وَظَوَاهِرُ الْحَالِ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ، فَمَنْ حَازَ شَيْئًا مُدَّةً يَتَصَرَّفُ فِيهِ، ثُمَّ ادَّعَاهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ قَوْلُ الْحَائِزِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ، وَيَكُونُ الآْخَرُ مُدَّعِيًا، لأِنَّ قَوْلَهُ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ الْمُسْتَنْبَطَ مِنَ الْوَاقِعِ وَالْقَرَائِنِ، فَيُكَلَّفُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَقَعَتْ دَعْوَاهُ بِيَمِينِ الْحَائِزِ.

وَقَدِ اسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنَ الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْضَ الْمَسَائِلِ، إِمَّا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَإِمَّا لِلضَّرُورَةِ: كَمَا فِي قَوْلِ الأْمَنَاءِ فِي تَلَفِ الأْمَانَاتِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مَعَ أَنَّ الأْصْلَ عَدَمُهُ، لأِنَّهُ أَمْرٌ عَارِضٌ، وَإِنَّمَا قُبِلَ كَيْلاَ يَزْهَدَ النَّاسُ فِي قَبُولِ الأْمَانَاتِ، فَتَفُوتُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ. وَكَمَا فِي قَوْلِ الْغَاصِبِ بِتَلَفِ الْمَغْصُوبِ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مَعَ يَمِينِهِ، لِلضَّرُورَةِ، وَيُعْتَبَرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، إِذْ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَاعْتُبِرَ مُدَّعِيًا لَكَانَ مَصِيرُهُ الْخُلُودَ فِي السِّجْنِ.

ثَانِيًا: ذَهَبَ مُعْظَمُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ: مَنْ يَلْتَمِسُ خِلاَفَ الظَّاهِرِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ: مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ. وَالظَّاهِرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَوْعَانِ: ظَاهِرٌ بِنَفْسِهِ، وَظَاهِرٌ بِغَيْرِهِ، وَيُطْلِقُونَ كَثِيرًا لَفْظَ «الأْصْلِ» عَلَى النَّوْعِ الأْوَّلِ، وَإِذَا ذَكَرُوا الظَّاهِرَ فِي مُقَابَلَةِ الأْصْلِ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ النَّوْعَ الثَّانِيَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ بِغَيْرِهِ. وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي التَّعْرِيفِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُقْصَدُ بِهِ النَّوْعَانِ جَمِيعًا.

وَالظَّاهِرُ بِنَفْسِهِ هُوَ أَقْوَى أَنْوَاعِ الظَّاهِرِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مُسْتَفَادًا مِنَ الأْصُولِ، كَالظَّاهِرِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْبَرَاءَةِ الأْصْلِيَّةِ: بَرَاءَةِ الذِّمَمِ مِنَ الْحُقُوقِ، وَالأْجْسَادِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ وَبَرَاءَةِ الإْنْسَانِ مِنَ الأْفْعَالِ وَالأْقْوَالِ جَمِيعِهَا.

وَالظَّاهِرُ بِغَيْرِهِ عِنْدَهُمْ هُوَ مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْعُرْفِ وَالْعَوَائِدِ، أَوْ مِنَ الْقَرَائِنِ وَدَلاَئِلِ الْحَالِ.

وَإِذَا تَعَارَضَ الظَّاهِرُ بِنَفْسِهِ مَعَ الظَّاهِرِ بِغَيْرِهِ فَغَالِبًا مَا يُقَدِّمُ الشَّافِعِيَّةُ الأْوَّلَ، وَيَكُونُ الَّذِي يَدَّعِي خِلاَفَهُ مُدَّعِيًا يُكَلَّفُ بِالْبَيِّنَةِ إِنْ لَمْ يُقِرَّ خَصْمُهُ، وَالآْخَرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوِ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا الْحَاضِرِ أَنَّهُ لاَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، فَالأْصْلُ يَقْضِي بِعَدَمِ الإِْنْفَاقِ، وَالظَّاهِرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَرَائِنِ الْحَالِ يَقْضِي بِأَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَالشَّافِعِيَّةُ يُقَدِّمُونَ الأْوَّلَ عَلَى الثَّانِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الزَّوْجِ، وَهَذَا بِخِلاَفِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، حَيْثُ يَجْعَلُونَ الْمَرْأَةَ مُدَّعِيَةً، وَالزَّوْجُ مُدَّعًى عَلَيْهِ.

أَمَّا إِذَا تَعَارَضَ ظَاهِرَانِ فِي قُوَّةٍ وَاحِدَةٍ، كَأَنْ يَكُونَا مُسْتَفَادَيْنِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ أَصْلَيْنِ فِي قُوَّةٍ وَاحِدَةٍ، كَانَ كُلٌّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مُدَّعِيًا مُكَلَّفًا بِالْبَيِّنَةِ، فَقَدْ وَرَدَ فِي كِتَابِ الأْمِّ مَا نَصُّهُ: إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَكْرَاهُ بَيْتًا مِنْ دَارٍ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ، وَادَّعَى الْمُكْتَرِي أَنَّهُ اكْتَرَى الدَّارَ كُلَّهَا ذَلِكَ الشَّهْرَ بِعَشَرَةٍ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ.

وَيَظْهَرُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الشُّقَّةَ لَيْسَتْ بَعِيدَةً بَيْنَ الْمِعْيَارِ الَّذِي قَالَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ أَجْلِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَبَيْنَ الْمِعْيَارِ الَّذِي قَالَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، بَلْ إِنَّهُمَا يَكَادَانِ يَتَشَابَهَانِ، وَالْخِلاَفُ بَيْنَهُمَا مُنْحَصِرٌ فِي التَّطْبِيقِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يَتَعَارَضُ أَمْرَانِ مِنْ أُمُورِ الظَّاهِرِ: فَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ الأْصْلَ أَقْوَى مَنَابِعِ الظُّهُورِ غَالِبًا، وَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ دَلاَئِلَ الْحَالِ مِنْ عُرْفٍ وَقَرَائِنَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدَّمَ الأْقْوَى فِي نَظَرِهِ، وَجَعَلَ مُخَالِفَهُ مُدَّعِيًا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ.

الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُعْظَمُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، وَبَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، وَهُوَ تَعْرِيفُ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ: مَنْ إِذَا تَرَكَ الْخُصُومَةَ لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. مَنْ إِذَا تَرَكَهَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا. وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى اشْتِقَاقِ تَعْرِيفِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِ الدَّعْوَى نَفْسِهَا: فَالْمُدَّعِي - عِنْدَهُمْ - هُوَ مُنْشِئُ الدَّعْوَى، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ تَوَجَّهَتْ ضِدُّهُ الدَّعْوَى، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ:

الْمُدَّعِي هُوَ مَنْ يُضِيفُ إِلَى نَفْسِهِ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ عَلَى الآْخَرِ وَإِذَا سَكَتَ تُرِكَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ يُضَافُ اسْتِحْقَاقُ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَإِذَا سَكَتَ لَمْ يُتْرَكْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُدَّعِي هُوَ مَنْ يُطَالِبُ غَيْرَهُ بِحَقٍّ يَذْكُرُ اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُطَالِبُهُ غَيْرُهُ بِحَقٍّ يَذْكُرُ اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُدَّعِي هُوَ مَنْ يَلْتَمِسُ قِبَلَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا أَوْ حَقًّا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ يَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ.

الْفَائِدَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

أَهَمُّ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ تَعْيِينُ الطَّرَفِ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ عِبْءُ الإِْثْبَاتِ، وَالطَّرَفُ الَّذِي لاَ يُكَلَّفُ إِلاَّ بِالْيَمِينِ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لِلطَّرَفِ الأْوَّلِ. وَهَذَا الأْمْرُ هُوَ مَدَارُ الْقَضَاءِ وَعَمُودُهُ، إِذْ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ لاَ يَبْقَى عَلَى الْقَاضِي سِوَى تَطْبِيقِ الْقَوَاعِدِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْبَيِّنَاتِ وَالتَّرْجِيحِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ عَرَفَ الْمُدَّعِي مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَلْتَبِسْ عَلَيْهِ مَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا.

وَإِنَّمَا جُعِلَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، لأِنَّ جَانِبَهُ ضَعِيفٌ، إِذْ هُوَ يُرِيدُ تَغْيِيرَ الْحَالِ الْمُسْتَقِرِّ بِمَا يَزْعُمُهُ، وَفِي هَذَا يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ: فَالْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، هُوَ أَنَّ لَهُ سَبَبًا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ دُونَ الْمُدَّعِي فِي مُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَهُوَ كَوْنُ السِّلْعَةِ بِيَدِهِ إِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ كَوْنُ ذِمَّتِهِ بَرِيئَةً عَلَى الأْصْلِ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَمِ إِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى فِيمَا فِي ذِمَّتِهِ.

وَالْمَعْنَى الَّذِي وَجَبَ مِنْ أَجْلِهِ عَلَى الْمُدَّعِي إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ هُوَ تَجَرُّدُ دَعْوَاهُ مِنْ سَبَبٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ.

وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ»

مَكَانُ الدَّعْوَى :

الْكَلاَمُ فِي مَكَانِ الدَّعْوَى يَقْتَضِي بَيَانَ أَمْرَيْنِ: الأْوَّلُ: الْمَجْلِسُ الَّذِي تُرْفَعُ فِيهِ الدَّعْوَى وَتُنْظَرُ فِيهِ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ.

وَالثَّانِي: الْقَاضِي الْمُخْتَصُّ بِنَظَرِ الدَّعْوَى.

أَوَّلاً: مَجْلِسُ الْقَضَاءِ:

الأْصْلُ أَنَّ جَمِيعَ الأْمْكِنَةِ صَالِحَةٌ لِتَلَقِّي الْمُتَنَازِعَيْنِ وَالنَّظَرِ فِي خُصُومَاتِهِمْ، وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَحْرُمُ فِيهِ ذَلِكَ، إِلاَّ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِهْدَارُ حَقٍّ أَوْ فِعْلُ مُحَرَّمٍ، كَمَا لَوِ اسْتَخْدَمَ الْقَاضِي مِلْكَ إِنْسَانٍ مِنْ أَجْلِ الْقِيَامِ بِإِجْرَاءَاتِ التَّقَاضِي مِنْ غَيْرِ الْحُصُولِ عَلَى إِذْنِهِ.

وَلَكِنْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِفَاتٍ وَخَصَائِصَ يُسْتَحَبُّ تَوَافُرُهَا فِي الأْمَاكِنِ الَّتِي تُرْفَعُ فِيهَا الدَّعَاوَى، وَيُفْصَلُ فِيهَا بَيْنَ الْخُصُومِ. وَيُمْكِنُ إِرْجَاعُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْخَصَائِصِ إِلَى أَمْرَيْنِ:

الأْوَّلُ: أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ تَوَفَّرَ التَّيْسِيرُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهَا، وَالاِهْتِدَاءِ إِلَى مَوْضِعِهَا، وَأَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يُتَوَخَّى الْعَدْلُ وَالإْنْصَافُ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا يَبْذُلُونَهُ مِنَ الْجَهْدِ لِلْوُصُولِ إِلَيْهَا.

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ تَوَفَّرَ الاِسْتِقْرَارُ النَّفْسِيُّ وَالرَّاحَةُ الْجَسَدِيَّةُ لِلنَّاسِ الَّذِينَ يَقْصِدُونَهَا لِلتَّقَاضِي، وَلِلْقُضَاةِ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَهَا مَجْلِسًا لِلْقِيَامِ بِوَظَائِفِهِمْ.

وَيَنْبَنِي عَلَى الأْمْرِ الأْوَّلِ أَنْ يَكُونَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ، بِحَيْثُ يَصِلُ إِلَيْهِ كُلُّ قَاصِدٍ لِلتَّقَاضِي، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَانٍ بَارِزٍ، وَلَيْسَ فِي مَوْضِعٍ مُسْتَتِرٍ غَيْرِ مَشْهُورٍ، حَتَّى وَإِنْ أَقَامَ الْقَاضِي عَلَى بَابِهِ مَنْ يَأْذَنُ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ لاَ يَظْهَرُ جُلُوسُهُ بِهِ، وَلاَ يَهْتَدِي إِلَيْهِ الْغُرَبَاءُ.

وَيَنْبَنِي عَلَى الأْمْرِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ فَسِيحًا لاَ يَتَأَذَّى الْحَاضِرُونَ بِضِيقِهِ، وَأَنْ يَكُونَ نَزِهًا لاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَرُّ وَالْبَرْدُ وَالْغُبَارُ وَالدُّخَانُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَيَجْلِسُ الْقَاضِي لِلصَّيْفِ حَيْثُ يَلِيقُ بِهِ، وَلِلرِّيَاحِ وَالشِّتَاءِ حَيْثُ يَلِيقُ.

وَلِلْفُقَهَاءِ اخْتِلاَفَاتٌ وَتَفْصِيلاَتٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ مِنِ اتِّخَاذِ الْبَوَّابِ وَالْحَاجِبِ، وَاتِّخَاذِ الْمَسْجِدِ مَجْلِسًا لِلتَّقَاضِي وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءٌ، وَمَسْجِدٌ، وَحَاجِبٌ ج 16 - 244).

ثَانِيًا: الْقَاضِي الْمُخْتَصُّ بِنَظَرِ الدَّعْوَى:

لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ وَاحِدٌ يَخْتَصُّ بِالطَّرَفَيْنِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي تُرْفَعُ إِلَيْهِ الدَّعْوَى. أَمَّا إِذَا تَعَدَّدَ الْقُضَاةُ، وَاسْتَقَلَّ كُلٌّ بِمَحَلَّةٍ يَخْتَصُّ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ أَهْلِهَا، وَلاَ يَتَعَدَّاهَا إِلَى غَيْرِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ الْقَاضِي الْمُخْتَصِّ بِنَظَرِ الدَّعْوَى عَلَى الآْرَاءِ الآْتِيَةِ.

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: أَنَّ الدَّعْوَى تُرْفَعُ إِلَى الْقَاضِي الَّذِي يَخْتَارُهُ الْمُدَّعِي. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَمُعْظَمُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا تَعَدَّدَ الْقُضَاةُ فِي نِطَاقِ بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ الْمُتَنَازِعَانِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ.

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ هَذَا الرَّأْيِ بِأَنَّ الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي لاَ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ، بِحَيْثُ إِذَا تَرَكَهَا تُرِكَ وَشَأْنُهُ، فَهُوَ الْمُنْشِئُ لِلْخُصُومَةِ، فَيُعْطَى الْخِيَارَ: إِنْ شَاءَ أَنْشَأَهَا عِنْدَ قَاضِي مَكَانِهِ هُوَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْشَأَهَا عِنْدَ قَاضِي مَكَانِ خَصْمِهِ، فَلأِنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي الدَّعْوَى جُعِلَ الْحَقُّ لَهُ فِي تَعْيِينِ الْقَاضِي.

الرَّأْيُ الثَّانِي: أَنَّ الْحَقَّ فِي تَعْيِينِ الْقَاضِي الَّذِي يَنْظُرُ فِي الدَّعْوَى يَكُونُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لاَ لِلْمُدَّعِي، وَإِلَى هَذَا الرَّأْيِ ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ.

وَيَسْتَنِدُ هَذَا الرَّأْيُ إِلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْمَدَافِعُ يَطْلُبُ السَّلاَمَةَ لِنَفْسِهِ، وَالأْصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ، فَأَخْذُهُ إِلَى مَنْ يَأْبَاهُ لِرِيبَةٍ يَثْبُتُ عِنْدَهُ رُبَّمَا يُوقِعُهُ فِي ارْتِبَاكٍ يَحْصُلُ لَهُ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى إِثْبَاتِ مَا لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ، فَالأْوْلَى مُرَاعَاةُ جَانِبِهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ وَاعْتِبَارُ اخْتِيَارِهِ، لأِنَّهُ يُرِيدُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَخَصْمُهُ يُرِيدُ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ طَلَبَ السَّلاَمَةَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ مِمَّنْ طَلَبَ ضِدَّهَا.

وَيَرَى بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَذْهَبَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ لَيْسَ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ عِنْدَهُ فِي تَعْيِينِ الْقَاضِي الَّذِي تُرْفَعُ إِلَيْهِ الدَّعْوَى وَيُنْظَرُ فِيهَا هِيَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنَّ قَاضِيَ هَذَا الْمَكَانِ هُوَ الْمُخْتَصُّ فِيهِ، فَلَيْسَتِ الْعِبْرَةُ لاِخْتِيَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لِمَكَانِهِ.

الرَّأْيُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، فَقَدِ اتَّفَقُوا مَعَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّ الاِخْتِيَارَ يَكُونُ لِلْمُدَّعِي فِي تَحْدِيدِ الْقَاضِي الْمُخْتَصِّ بِنَظَرِ الدَّعْوَى فِي حَالَةِ تَعَدُّدِ الْقُضَاةِ فِي نِطَاقِ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ. إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا مَعَهُمْ فِي تَحْدِيدِهِ عِنْدَمَا يَتَعَدَّدُ الْقُضَاةُ، وَتَتَعَدَّدُ الْبِلاَدُ، وَاخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ بِاخْتِلاَفِ الْمُدَّعَى بِهِ أَيْضًا عَلَى النَّحْوِ الآْتِي:

فَفِي دَعَاوَى الدَّيْنِ، اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّعْوَى تُنْظَرُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ فِيهِ الطَّالِبُ بِالْمَطْلُوبِ.

وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ مُدَّعِيَ الدَّيْنِ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مَنْ يَشَاءُ مِنَ الْقُضَاةِ إِذَا كَانَ هُوَ وَخَصْمُهُ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَتَعَدَّدَ قُضَاتُهُ، وَكَانُوا مُسْتَقِلِّينَ بِالنَّظَرِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الدَّعَاوَى. فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِخَصْمِهِ فِي أَيِّ مَكَانٍ يَجِدُهُ، وَيُطَالِبُ بِحَقِّهِ عِنْدَ قَاضِي ذَلِكَ الْمَكَانِ.

وَفِي دَعَاوَى الْعَيْنِ يُنْظَرُ: إِنْ كَانَ الْمُتَخَاصِمَانِ مِنْ بَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَكِلاَهُمَا فِي وِلاَيَةِ قَاضٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الدَّعْوَى تُرْفَعُ إِلَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي بَلَدِ الْمُدَّعِي أَمْ فِي بَلَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَحَيْثُمَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي وِلاَيَةِ قَاضٍ، فَعِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: وَهُوَ لاِبْنِ الْمَاجِشُونِ كَمَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَفِيهِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الدَّعْوَى يَنْبَغِي أَنْ تُرْفَعَ إِلَى الْقَاضِي الْمَوْجُودِ فِي مَحَلِّ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى. فَإِذَا رُفِعَتْ إِلَيْهِ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ يَسْمَعُ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي، وَيَضْرِبُ لِمَنْ عِنْدَهُ الْحَقُّ الْمُدَّعَى أَجَلاً حَتَّى يَأْتِيَ، فَيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ يُوَكِّلَ لَهُ وَكِيلاً يَقُومُ عَنْهُ بِالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ.

وَنَقَلَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّ هَذَا الرَّأْيَ ذَهَبَ إِلَيْهِ سَحْنُونُ وَابْنُ كِنَانَةَ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفِ وَأَصْبَغَ، وَيَرَيَانِ أَنَّ الدَّعْوَى إِنَّمَا تُرْفَعُ إِلَى قَاضِي مَوْضِعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى مَوْضِعِ الْمُدَّعِي وَلاَ مَوْضِعِ الْمُدَّعَى بِهِ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ، وَقَدْ نَقَلَهُ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا هُوَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مِنْ حَقِّ الْمُدَّعِي أَنْ يَبْدَأَ بِقَاضِي مَحَلَّتِهِ، فَيَرْفَعَ إِلَيْهِ أَمْرَهُ، وَيُثْبِتَ عِنْدَهُ بَيِّنَتَهُ، ثُمَّ يَكْتُبَ قَاضِيهِ إِلَى قَاضِي مَحَلَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَيَأْخُذَ الْمُدَّعِي كِتَابَ قَاضِيهِ لِيُقَدِّمَهُ إِلَى قَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ وَكَّلَ غَيْرَهُ، وَأَرْسَلَهُ بِالْكِتَابِ، فَإِذَا قَدِمَ الْمُدَّعِي أَوْ وَكِيلُهُ إِلَى قَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَلَّمَهُ كِتَابَ قَاضِيهِ، فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ، قَرَأَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَسَأَلَهُ الْمَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ، وَإِلاَّ أَنْفَذَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَفْعَلِ الْمُدَّعِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَدِمَ مُبَاشَرَةً إِلَى قَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ مَعَهُ، نُظِرَتِ الدَّعْوَى، وَطُلِبَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَخْرَجُ. أَمَّا إِذَا أَعْلَمَهُ الْمُدَّعِي أَنَّ بَيِّنَتَهُ فِي مَكَانِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى، كَتَبَ إِلَى قَاضِي مَحَلَّةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَطَلَبَ مِنْهُ تَزْوِيدَهُ بِالْبَيِّنَةِ. وَفِي جَمِيعِ الأْحْوَالِ يُعْطَى الْمُدَّعِي أَوِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّةَ الْكَافِيَةَ لِتَحْضِيرِ الْحُجَجِ وَالْبَيِّنَاتِ.

غَيْرَ أَنَّ أَصْبَغَ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَجَدَ الْمُدَّعِي خَصْمَهُ فِي مَحَلَّتِهِ أَوْ مَحَلَّةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى، وَتَعَلَّقَ بِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَجَدَهُ فِيهِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ الَّذِي يَنْظُرُ فِي الدَّعْوَى فِي هَذِهِ الْحَالِ هُوَ قَاضِي الْمَكَانِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ فِيهِ.

تِلْكَ الآْرَاءُ فِي تَحْدِيدِ الْقَاضِي الْمُخْتَصِّ بِنَظَرِ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِهَا فِيمَا إِذَا تَمَيَّزَ الْمُدَّعِي مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ كَاخْتِلاَفِهِمَا فِي قِسْمَةِ الْمِلْكِ، أَوْ كَمَا إِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ صَدَاقٍ اخْتِلاَفًا يُوجِبُ تَحَالُفَهُمَا، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ يُمْكِنُ تَطْبِيقُ أَحَدِ تِلْكَ الآْرَاءِ السَّابِقَةِ، وَإِنَّمَا تُرْفَعُ الدَّعْوَى إِلَى أَقْرَبِ الْقُضَاةِ مِنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْمَسَافَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فِي تَعْيِينِ الْقَاضِي الْمُخْتَصِّ.

الرَّأْيُ الرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنْبَلِيِّ، هُوَ مَنْعُ الْمُتَنَازِعَيْنِ مِنَ التَّقَاضِي إِلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ. وَإِنَّمَا ضَعَّفَهُ فُقَهَاءُ الْحَنَابِلَةِ لأِنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى ظُلْمِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، إِذْ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُحْتَاجًا إِلَى رَفْعِ الدَّعْوَى أَكْثَرَ مِنَ الآْخَرِ، وَغَالِبًا مَا يَكُونُ هَذَا الْمُحْتَاجُ هُوَ الْمُدَّعِي، وَبِذَلِكَ تُتَاحُ لِلآْخَرِ الْفُرْصَةُ فِي التَّعَنُّتِ وَالْعِنَادِ إِذَا طَلَبَ مِنْهُ الاِتِّفَاقَ عَلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ .

أَنْوَاعُ الدَّعَاوَى:

لِلدَّعَاوَى تَقْسِيمَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ يَعُودُ مُعْظَمُهَا إِلَى اعْتِبَارَيْنِ:

الاِعْتِبَارُ الأْوَّلُ: يَعُودُ إِلَى مَدَى صِحَّةِ الدَّعَاوَى، وَهَذَا بِدَوْرِهِ يَعُودُ إِلَى مِقْدَارِ تَوَفُّرِ الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهَا.

الاِعْتِبَارُ الثَّانِي: يَعُودُ إِلَى تَنَوُّعِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى.

أَنْوَاعُ الدَّعَاوَى بِاعْتِبَارِ صِحَّتِهَا:

أَوَّلاً: الدَّعْوَى الصَّحِيحَةُ: وَهِيَ الدَّعْوَى الْمُسْتَوْفِيَةُ لِجَمِيعِ شَرَائِطِهَا، وَتَتَضَمَّنُ طَلَبًا مَشْرُوعًا. وَهَذِهِ الدَّعْوَى يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا جَمِيعُ أَحْكَامِهَا، فَيُكَلَّفُ الْخَصْمُ بِالْحُضُورِ، وَبِالْجَوَابِ إِذَا حَضَرَ، وَتُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنَ الْمُدَّعِي إِذَا أَنْكَرَ خَصْمُهُ، وَتُوَجَّهُ الْيَمِينُ إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنْ عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنِ الْبَيِّنَةِ.

ثَانِيًا: الدَّعْوَى الْفَاسِدَةُ: وَهِيَ الدَّعْوَى الَّتِي اسْتَوْفَتْ جَمِيعَ شَرَائِطِهَا الأَْسَاسِيَّةِ، وَلَكِنَّهَا مُخْتَلَّةٌ فِي بَعْضِ أَوْصَافِهَا بِصُورَةٍ يُمْكِنُ إِصْلاَحُهَا وَتَصْحِيحُهَا، كَأَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ، وَلاَ يُبَيِّنُ مِقْدَارَهُ، أَوْ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ عَقَارٍ، وَلاَ يُبَيِّنُ حُدُودَهُ. وَتَرْجِعُ أَسْبَابُ الْفَسَادِ فِي الدَّعْوَى إِلَى تَخَلُّفِ أَحَدِ شَرْطَيْنِ هُمَا:

أ - شَرْطُ الْمَعْلُومِيَّةِ: مَعْلُومِيَّةُ الْمُدَّعَى، كَمَا فِي الْمِثَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ، أَوْ مَعْلُومِيَّةُ سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُهُ مِنَ الدَّعَاوَى.

ب - الشُّرُوطُ الْمَطْلُوبَةُ فِي التَّعْبِيرِ الْمُكَوِّنِ لِلدَّعْوَى، كَمَا لَوْ كَانَتِ الدَّعْوَى فِي طَلَبِ عَيْنٍ مِنَ الأَْعْيَانِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُدَّعِي فِيهَا أَنَّهَا بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونُ مُتَرَدِّدًا فِي الأَْلْفَاظِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا، كَأَنْ يَقُولَ: أَشُكُّ أَوْ أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَى فُلاَنٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مَثَلاً. فَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْحَالاَتِ لاَ تُرَدُّ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ مِنَ الْمُدَّعِي إِكْمَالُ مَا يَنْقُصُهَا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نُظِرَتْ دَعْوَاهُ، وَطَلَبَ الْجَوَابَ مِنْ خَصْمِهِ، وَإِلاَّ فَتُرَدُّ إِلَى أَنْ يُصَحِّحَهَا.

وَهَذَا الاِصْطِلاَحُ فِي تَسْمِيَةِ هَذِهِ الأَْنْوَاعِ مِنَ الدَّعَاوَى بِالْفَاسِدَةِ اخْتَصَّ بِهِ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ.

غَيْرَ أَنَّ فُقَهَاءَ الشَّافِعِيَّةِ ذَكَرُوا هَذَا النَّوْعَ مِنَ الدَّعَاوَى، وَجَعَلُوا لَهُ الأَْحْكَامَ ذَاتَهَا، إِلاَّ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا بِالدَّعَاوَى النَّاقِصَةِ. وَالدَّعْوَى النَّاقِصَةُ عِنْدَهُمْ هِيَ: كُلُّ دَعْوَى يَفْتَقِرُ الْحَاكِمُ فِي فَصْلِ الْخُصُومَةِ مَعَهَا إِلَى شَيْءٍ آخَرَ. وَقَدْ جَعَلُوا الدَّعْوَى النَّاقِصَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: نَاقِصَةُ الصِّفَةِ وَنَاقِصَةُ الشَّرْطِ:

أَمَّا نَاقِصَةُ الصِّفَةِ فَهِيَ الدَّعْوَى الَّتِي لَمْ يُفَصِّلِ الْمُدَّعِي فِيهَا أَوْصَافَ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى اللاَّزِمَ ذِكْرُهَا، كَأَنْ يُهْمِلَ ذِكْرَ حُدُودِ الْعَقَارِ الْمُدَّعَى، أَوْ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَفِيهَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعِيَ عَنِ النَّقْصِ، فَإِنْ أَكْمَلَهُ صَحَّتِ الدَّعْوَى وَإِلاَّ فَلاَ.

وَأَمَّا نَاقِصَةُ الشَّرْطِ فَيَقْصِدُونَ بِهَا دَعْوَى النِّكَاحِ الَّتِي لاَ يُذْكَرُ فِيهَا الْوَلِيُّ وَالشُّهُودُ.

وَلاَ يَخْتَلِفُ حُكْمُ هَذِهِ الدَّعَاوَى عِنْدَ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى عَمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.

وَهُنَاكَ نَوْعٌ مِنَ الدَّعَاوَى عِنْدَ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ تَكُونُ نَاقِصَةً فِي حُكْمِهَا لِنُقْصَانِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا. وَهَذِهِ هِيَ الدَّعَاوَى الَّتِي يَنْقِصُهَا حُصُولُ خِلْطَةٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا تُسْمَعُ، وَلَكِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لاَ يُطَالَبُ بِالْيَمِينِ إِذَا عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إِثْبَاتِهَا بِالْبَيِّنَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا النَّوْعِ وَالدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ، أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ فِي ذَاتِهَا، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا جَمِيعُهَا إِلاَّ الْيَمِينَ. وَالشَّرْطُ النَّاقِصُ فِيهَا لاَ يُمْكِنُ اسْتِكْمَالُهُ خِلاَفًا لِلدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ.

ثَالِثًا: الدَّعْوَى الْبَاطِلَةُ: وَهِيَ الدَّعْوَى غَيْرُ الصَّحِيحَةِ أَصْلاً، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ، لأِنَّ إِصْلاَحَهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ. وَتَعُودُ أَسْبَابُ الْبُطْلاَنِ فِي الدَّعَاوَى إِلَى فَقْدِ أَحَدِ الشُّرُوطِ الأَْسَاسِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ فِيهَا. وَمِنْ أَمْثِلَةِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ الدَّعْوَى الَّتِي يَرْفَعُهَا الشَّخْصُ، وَلاَ يَكُونُ لَهُ فِي رَفْعِهَا صِفَةٌ، كَأَنْ يَكُونَ فُضُولِيًّا، فَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتَكُونُ بَاطِلَةً. وَكَذَلِكَ الدَّعْوَى الْمَرْفُوعَةُ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِخَصْمٍ، وَالدَّعْوَى الْمَرْفُوعَةُ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالدَّعْوَى الَّتِي لاَ تَسْتَنِدُ إِلَى حَقٍّ وَلَوْ فِي الظَّاهِرِ، كَمَنْ يَطْلُبُ فِي دَعْوَاهُ الْحُكْمَ عَلَى آخَرَ بِوُجُوبِ إِقْرَاضِهِ مَالاً لأِنَّهُ مُعْسِرٌ، وَدَعْوَى مَا لَيْسَ مَشْرُوعًا، كَدَعْوَى الْمُطَالَبَةِ بِثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ مَيْتَةٍ. وَقَدْ تُسَمَّى هَذِهِ الدَّعَاوَى عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ بِالدَّعَاوَى الْفَاسِدَةِ، وَهُوَ اصْطِلاَحٌ عَامٌّ عِنْدَهُمْ يَدْخُلُ تَحْتَهُ جَمِيعُ الدَّعَاوَى الْمُخْتَلَّةِ فِي أَيَّةِ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِيهَا الأْسَاسِيَّةِ، وَقَدْ صَنَّفَهَا الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى صِنْفَيْنِ:

الصِّنْفُ الأْوَّلُ: مَا عَادَ فَسَادُهُ إِلَى الْمُدَّعِي، وَذَلِكَ كَمُسْلِمٍ ادَّعَى نِكَاحَ مَجُوسِيَّةٍ، فَهَذِهِ دَعْوَى بَاطِلَةٌ لاِمْتِنَاعِ مَقْصُودِهَا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي.

الصِّنْفُ الثَّانِي: مَا عَادَ فَسَادُهُ إِلَى الشَّيْءِ الْمُدَّعَى، وَجُعِلَ هَذَا الصِّنْفُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ:

الضَّرْبُ الأْوَّلُ: دَعْوَى مَا لاَ تُقَرُّ الْيَدُ عَلَيْهِ، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: دَعْوَى مَا تُقَرُّ عَلَيْهِ الْيَدُ، وَلاَ تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهُ، كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالسَّمَادِ النَّجِسِ، فَهَذِهِ تُقَرُّ عَلَيْهَا الْيَدُ، لِلاِنْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَ، وَبِالسِّمَادِ فِي الزُّرُوعِ وَالشَّجَرِ، فَإِذَا تَوَجَّهَتِ الدَّعْوَى إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا أَوْ تَالِفًا، فَإِنْ كَانَ تَالِفًا كَانَتِ الدَّعْوَى بَاطِلَةً، لأَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ بِتَلَفِهَا مِثْلٌ وَلاَ قِيمَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً لَمْ يَخْلُ أَنْ يَدَّعِيَهَا بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ، فَإِنْ كَانَتِ الأْولَى، كَأَنْ يَدَّعِيَهَا بِالاِبْتِيَاعِ، كَانَتِ الدَّعْوَى بَاطِلَةً، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَفَعَ ثَمَنَهَا، فَتَكُونَ دَعْوَاهُ مُتَوَجِّهَةً إِلَى الثَّمَنِ إِنْ طَلَبَهُ، وَيَكُونَ ذِكْرُ ابْتِيَاعِهَا إِخْبَارًا عَنِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لاِسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ. أَمَّا إِذَا ادَّعَاهَا بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ، فَقَدْ صَحَّتْ دَعْوَاهُ مِنْ أَحَدِ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ: دَعْوَى غَصْبِهَا، وَدَعْوَى الْوَصِيَّةِ بِهَا، وَدَعْوَى هِبَتِهَا.

الضَّرْبُ الثَّالِثُ: دَعْوَى مَا تُقَرُّ الْيَدُ عَلَيْهِ مِلْكًا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ مَالِكٍ إِلَى مَالِكٍ، وَهَذَا كَالْوَقْفِ، فَالدَّعْوَى فِيهِ عَلَى الْمَالِكِ فَاسِدَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَهَا الْقَاضِي عَلَى مَالِكٍ، لاِسْتِحَالَةِ انْتِقَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ.

الدَّعَاوَى الْمَمْنُوعُ سَمَاعُهَا: وَهَذِهِ الدَّعَاوَى صَحِيحَةٌ فِي أَصْلِهَا، وَإِنَّمَا مَنَعَ الْقُضَاةُ مِنْ سَمَاعِهَا، لاِقْتِضَاءِ الْمَصْلَحَةِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ كَدَعْوَى مَا تَقَادَمَ زَمَانُهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ ذِمَّتِهِ، قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: (الْقَضَاءُ مُظْهِرٌ لاَ مُثْبِتٌ، وَيَتَخَصَّصُ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَخُصُومَةٍ، حَتَّى لَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَسَمِعَهَا لَمْ يَنْفُذْ) قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: (سَلاَطِينُ آلِ عُثْمَانَ يَأْمُرُونَ قُضَاتَهُمْ فِي جَمِيعِ وِلاَيَاتِهِمْ أَنْ لاَ يَسْمَعُوا دَعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً سِوَى الْوَقْفِ وَالإْرْثِ، وَنَقَلَ فِي الْحَامِدِيَّةِ فَتَاوَى مِنَ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ بِعَدَمِ سَمَاعِهَا بَعْدَ النَّهْيِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ هَلْ يَبْقَى النَّهْيُ بَعْدَ مَوْتِ السُّلْطَانِ الَّذِي نَهَى بِحَيْثُ لاَ يَحْتَاجُ بَعْدَهُ إِلَى نَهْيٍ جَدِيدٍ؟ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النَّهْيِ، وَلاَ يَسْتَمِرُّ...(.

وَعَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بِمُرُورِ الزَّمَانِ إِنَّمَا هُوَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ مِنَ السُّلْطَانِ، فَيَكُونُ الْقَاضِي مَعْزُولاً عَنْ سَمَاعِهَا، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ، فَإِذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ بِسَمَاعِهَا بِالرَّغْمِ مِنْ مُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تُسْمَعُ، وَالْغَرَضُ مِنَ النَّهْيِ قَطْعُ الْحِيَلِ وَالتَّزْوِيرِ، وَعَدَمُ سَمَاعِ الْقَاضِي لَهَا إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ إِنْكَارِ الْخَصْمِ، فَلَوِ اعْتَرَفَ تُسْمَعُ، إِذْ لاَ تَزْوِيرَ مَعَ الإْقْرَارِ.

وَعَدَمُ سَمَاعِهَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ حَيْثُ يَتَحَقَّقُ تَرْكُهَا الْمُدَّةَ الْمُقَرَّرَةَ، فَلَوِ ادَّعَى الْمُدَّعِي فِي أَثْنَائِهَا، لَمْ يُمْنَعْ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَاهُ ثَانِيَةً، مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الدَّعْوَى الأْولَى وَالثَّانِيَةِ هَذِهِ الْمُدَّةُ، وَشَرْطُ الدَّعْوَى الْقَاطِعَةِ لِلْمُدَّةِ أَنْ تَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَلَوْ أَنَّ شَخْصًا تَرَكَ دَعْوَاهُ مُدَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَمْ يَدَّعِ عِنْدَ الْقَاضِي، بَلْ طَالَبَ خَصْمَهُ بِحَقِّهِ مِرَارًا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ أَنْ لاَ تُسْمَعَ دَعْوَاهُ. وَتَرْكُ الدَّعْوَى إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّ طَلَبِهَا، فَلَوْ مَاتَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ، أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً مَثَلاً مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ فَلَهَا طَلَبُ مُؤَخَّرِ الْمَهْرِ، لأِنَّ حَقَّ طَلَبِهِ إِنَّمَا ثَبَتَ لَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوِ الطَّلاَقِ، لاَ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ. وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَخَّرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ مُدَّةَ التَّقَادُمِ لإِعْسَارِ الْمَدْيُونِ، ثُمَّ ثَبَتَ يَسَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَتُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ الْيَسَارِ.

أَنْوَاعُ الدَّعَاوَى بِاعْتِبَارِ تَنَوُّعِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى:

الْمُدَّعَى فِي الدَّعْوَى لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْحُقُوقِ الَّتِي قَرَّرَهَا الشَّارِعُ، وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَعُودُ فِي مُجْمَلِهَا إِمَّا إِلَى حِفْظِ النَّوْعِ الإْنْسَانِيِّ وَبَقَاءِ النَّسْلِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ، وَإِمَّا إِلَى حِفْظِ الْفَرْدِ الإْنْسَانِيِّ وَمَا يَتَّبِعُهُ مِنْ حِفْظِ عِرْضِهِ وَعَقْلِهِ وَدِينِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَدْ شُرِعَتِ الدَّعَاوَى مِنْ أَجْلِ حِمَايَةِ هَذِهِ الْحُقُوقِ، فَتَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِهَا، وَذَلِكَ مِنْ جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ:

أَوَّلاً: الْمُدَّعَى قَدْ يَكُونُ فِعْلاً مُحَرَّمًا وَقَعَ مِنْ شَخْصٍ وَيُوجِبُ عُقُوبَتَهُ، كَالْقَتْلِ، أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، أَوِ السَّرِقَةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْعُدْوَانِ، وَقَدْ لاَ يَكُونُ كَذَلِكَ، بِأَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ عَقْدًا مِنْ بَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ رَهْنٍ، أَوْ غَيْرِهَا. فَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ تَقْسِيمُ الدَّعَاوَى إِلَى قِسْمَيْنِ رَئِيسِيَّيْنِ هُمَا: دَعَاوَى التُّهْمَةِ، وَدَعَاوَى غَيْرِ التُّهْمَةِ.

وَفَائِدَةُ هَذَا التَّقْسِيمِ تَظْهَرُ فِي الإْجْرَاءَاتِ وَطُرُقِ الإْثْبَاتِ الْمُتَّبَعَةِ فِي كُلٍّ مِنَ الْقِسْمَيْنِ:

فَإِنَّ بَعْضَ دَعَاوَى التُّهَمِ وَالْعُدْوَانِ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِنِصَابٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الشُّهُودِ يَزِيدُ عَلَى النِّصَابِ الْمَطْلُوبِ فِي الدَّعَاوَى الأُْخْرَى. وَكَثِيرٌ مِنْهَا لاَ يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ إِذَا صَدَرَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْفُقَهَاءِ قَدْ أَجَازُوا فِي حَقِّ الْمُتَّهَمِ فِي دَعَاوَى التُّهْمَةِ أَسَالِيبَ مِنَ الإْجْرَاءَاتِ لاَ يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا فِي الدَّعَاوَى الأْخْرَى، وَذَلِكَ كَحَبْسِ الْمُتَّهَمِ إِذَا كَانَ مِمَّنْ تَلْحَقُهُمُ التُّهْمَةُ الْمَنْسُوبَةُ إِلَيْهِ، أَوْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ.

ثَانِيًا: الْمُدَّعَى إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا، أَوْ حَقًّا شَرْعِيًّا مَحْضًا. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ يُمْكِنُ تَصْنِيفُ الدَّعَاوَى إِلَى ثَلاَثَةِ أَصْنَافٍ:

الصِّنْفُ الأْوَّلُ: دَعَاوَى الْعَيْنِ: وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ مَحَلُّهَا عَيْنًا مِنَ الأْعْيَانِ، وَالْعَيْنُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَقَارًا فَتُسَمَّى بِدَعْوَى الْعَقَارِ، أَوْ تَكُونَ مَنْقُولاً فَتُسَمَّى دَعْوَى الْمَنْقُولِ.

الصِّنْفُ الثَّانِي: دَعَاوَى الدَّيْنِ: وَهِيَ مَا يَكُونُ مَحَلُّهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، مَهْمَا كَانَ سَبَبُ هَذَا الدَّيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَقْدَ قَرْضٍ، أَمْ ثَمَنَ مَبِيعٍ، أَمْ ضَمَانًا لِشَيْءٍ أَتْلَفَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

الصِّنْفُ الثَّالِثُ: دَعَاوَى الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ: وَيُقْصَدُ بِهَا الدَّعَاوَى الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا الْحُقُوقُ الأْخْرَى الَّتِي لاَ تَدْخُلُ فِي زُمْرَةِ الأْعْيَانِ وَلاَ زُمْرَةِ الدُّيُونِ، وَلَيْسَ لَهَا خَصَائِصُهَا مِنْ قَابِلِيَّةِ الاِنْتِقَالِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَمُعْظَمُهَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُقُوقِ الْعَائِلِيَّةِ مِنْ نَسَبٍ وَنِكَاحٍ وَحَضَانَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنْهَا دَعَاوَى الشُّفْعَةِ.

وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا التَّصْنِيفِ لأِنْوَاعِ الدَّعَاوَى أَمْرَانِ هُمَا:

مَعْرِفَةُ الْخَصْمِ الَّذِي تُوَجَّهُ إِلَيْهِ الدَّعْوَى، فَقَدْ وَضَعَ الْفُقَهَاءُ قَوَاعِدَ - سَيَأْتِي ذِكْرُهَا - لَتَعْيِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ تِلْكَ الأْصْنَافِ، وَجَعَلُوا لِكُلِّ نَوْعٍ قَاعِدَةً خَاصَّةً، لِمَعْرِفَةِ مَنْ هُوَ الْخَصْمُ فِي الدَّعْوَى.

مَعْرِفَةُ الطَّرِيقَةِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا الْمُدَّعَى فِي كُلِّ نَوْعٍ، فَجَعَلُوا لِمَعْلُومِيَّةِ الْمُدَّعَى فِي دَعَاوَى الدَّيْنِ قَاعِدَةً عَامَّةً، وَكَذَلِكَ لِدَعَاوَى الْعَيْنِ، وَدَعَاوَى الْحُقُوقِ الْمَحْضَةِ. وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يُرِيدُ الْقَاضِي تَحْدِيدَ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِي الدَّعْوَى يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ هِيَ.

ثَالِثًا: الْمُدَّعَى قَدْ يَكُونُ حَقًّا أَصْلِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ يَدًا وَتَصَرُّفًا، وَبِنَاءً عَلَيْهِ تَنْقَسِمُ الدَّعَاوَى إِلَى قِسْمَيْنِ: دَعَاوَى الْحَقِّ، وَدَعَاوَى الْحِيَازَةِ أَوْ دَعَاوَى وَضْعِ الْيَدِ، وَفِي الأْولَى يُطْلَبُ الْحُكْمُ بِالْحَقِّ الأْصْلِيِّ، وَهُوَ حَقُّ الْمِلْكِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَنْهُ مِنَ الْحُقُوقِ، وَيُطْلَبُ فِي الثَّانِي الْحُكْمُ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْعَيْنِ مَحَلِّ الدَّعْوَى.

وَالْحِيَازَةُ مَصْلَحَةٌ يَرْعَاهَا الشَّارِعُ وَيَحْمِيهَا إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ ارْتِكَازُهَا عَلَى سَبَبٍ بَاطِلٍ، فَلاَ يُعْتَرَفُ بِهَا عِنْدَئِذٍ وَإِنْ طَالَتْ. وَلِذَلِكَ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ الْيَدَ أَوِ (الْحِيَازَةَ) حَقٌّ مَقْصُودٌ لِلإْنْسَانِ،فَيَصِحُّ أَنْ تُطْلَبَ بِالدَّعْوَى، سَوَاءٌ أَطُلِبَ الْحُكْمُ بِهَا أَمْ طُلِبَتْ إِعَادَتُهَا لِمَنْ سُلِبَتْ مِنْهُ، أَمْ طُلِبَ دَفْعُ التَّعَرُّضِ لَهَا أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ. وَمِنَ الدَّعَاوَى الَّتِي شُرِعَتْ لِهَذَا الْغَرَضِ:

 - أ - دَعْوَى دَفْعِ التَّعَرُّضِ: وَالتَّعَرُّضُ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ أَنْ يُحَاوِلَ غَيْرُ ذِي حَقٍّ الاِسْتِيلاَءَ عَلَى مَا هُوَ لِغَيْرِهِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، أَوْ بِالاِسْتِعَانَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَيَرْفَعُ صَاحِبُ الْحَقِّ دَعْوَى يَطْلُبُ بِهَا مَنْعَ تَعَرُّضِهِ لَهُ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ دَفْعَهُ بِنَفْسِهِ.

وَقَدْ قَرَّرَ فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ التَّعَرُّضَ هُوَ كُلُّ مَا يَسْتَضِرُّ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمُدَّعَى: إِمَّا بِمَدِّ الْيَدِ إِلَى مِلْكِهِ. أَوْ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، أَوْ بِمُلاَزَمَتِهِ عَلَيْهِ وَقَطْعِهِ عَنْ أَشْغَالِهِ.

وَقَدْ أَجَازَ الْفُقَهَاءُ هَذِهِ الدَّعْوَى مَهْمَا كَانَ مَحَلُّهَا عَقَارًا أَوْ مَنْقُولاً،بَلْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِهَا لِدَفْعِ تَعَرُّضٍ مُوَجَّهٍ إِلَى ذِمَّةِ شَخْصٍ آخَرَ، كَأَنْ يُطَالِبَهُ بِدَيْنٍ يَدَّعِيهِ فِي ذِمَّتِهِ، فَيَتَضَرَّرُ مِنْ هَذِهِ الْمُطَالَبَةِ، كَأَنْ يُلاَزِمَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ يُشَنِّعَ عَلَيْهِ فِي جَاهِهِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُطَالَبَتُهُ لاَ تَضُرُّهُ، فَإِنَّهَا لاَ تَصِحُّ دَعْوَى دَفْعِ التَّعَرُّضِ مِنْهُ.

وَتَخْتَلِفُ هَذِهِ الدَّعْوَى عَنْ دَعْوَى قَطْعِ النِّزَاعِ بِأَنَّ هَذِهِ الأْخِيرَةَ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ إِنْسَانٍ غَيْرَهُ عِنْدَ الْقَاضِي بِدُونِ أَنْ يُعَارِضَهُ فِي شَيْءٍ يَضُرُّهُ، وَيَقُولُ لِلْقَاضِي: بَلَغَنِي أَنَّ فُلاَنًا يُرِيدُ مُنَازَعَتِي وَمُخَاصَمَتِي، وَأُرِيدُ قَطْعَ النِّزَاعِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَأَطْلُبُ إِحْضَارَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ فَلْيُبَيِّنْهُ أَمَامَكَ بِالْحُجَّةِ، وَإِلاَّ فَلْيَعْتَرِفْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ حَقٍّ يَدَّعِيهِ، فَهَذَا الْقَوْلُ لاَ يُسْمَعُ مِنْهُ، لأِنَّ الْمُدَّعِيَ لاَ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ.

ب - دَعْوَى اسْتِرْدَادِ الْحِيَازَةِ: يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ أَنْ يَطْلُبَ مِنَ الْقَاضِي إِعَادَةَ حِيَازَتِهِ الْمَغْصُوبَةِ مِنْهُ بِالْقَهْرِ أَوِ الْحِيلَةِ أَوِ الْخِدَاعِ، فَلِمَالِكِ الْعَيْنِ أَوْ مُسْتَعِيرِهَا أَوْ مُسْتَأْجِرِهَا أَوْ مُرْتَهِنِهَا أَنْ يَرْفَعَ الدَّعْوَى لاِسْتِرْدَادِ مَا سُلِبَ مِنْهُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ سَالِبُ الْحِيَازَةِ مُحِقًّا فِيمَا فَعَلَ فَيُقْضَى لَهُ بِحَقِّهِ وَحِيَازَتِهِ.

شُرُوطُ الدَّعْوَى :

يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى جُمْلَةُ شُرُوطٍ بَعْضُهَا فِي الْقَوْلِ الَّذِي يَصْدُرُ عَنِ الْمُدَّعِي يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ لِنَفْسِهِ، وَبَعْضُهَا فِي الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَبَعْضُهَا فِي الْمُدَّعَى بِهِ، وَبَعْضُهَا فِي رُكْنِ الدَّعْوَى.

أَوَّلاً: مَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَوْلِ الَّذِي يَصْدُرُ عَنِ الْمُدَّعِي وَيَطْلُبُ بِهِ حَقًّا لِنَفْسِهِ:

يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْقَوْلِ عِدَّةُ شُرُوطٍ، وَهِيَ:

الشَّرْطُ الأْوَّلُ: أَنْ لاَ تَكُونَ الدَّعْوَى مُنَاقِضَةً لأِمْرٍ سَبَقَ صُدُورُهُ عَنِ الْمُدَّعِي.

وَالتَّنَاقُضُ فِي اصْطِلاَحِ الأْصُولِيِّينَ تَقَابُلُ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ.

وَالْمَقْصُودُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يَسْبِقَ مِنَ الْمُدَّعِي مَا يُعَارِضُ دَعْوَاهُ بِحَيْثُ بِهِ يَسْتَحِيلُ الْجَمْعُ بَيْنَ السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ،وَذَلِكَ كَمَا لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ وَقْفٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَلاَ تُقْبَلُ لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ بَيْنَ الدَّعْوَيَيْنِ، إِذِ الْوَقْفُ لاَ يَصِيرُ مِلْكًا.

وَالتَّنَاقُضُ الْمَانِعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى قَدْ يَقَعُ مِنَ الْمُدَّعِي فِي الدَّعْوَى الأْصْلِيَّةِ، كَمَا لَوْ طَلَبَ شَخْصٌ شِرَاءَ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ هِبَتَهُ مِنْهُ، أَوْ إِيدَاعَهُ عِنْدَهُ أَوْ إِجَارَتَهُ لَهُ، ثُمَّ ادَّعَى مِلْكِيَّةَ هَذَا الشَّيْءِ، وَكَمَا لَوْ خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً يُرِيدُ نِكَاحَهَا، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ زَوْجُهَا. وَقَدْ يَقَعُ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَفْعٍ مِنَ الدُّفُوعِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا، كَمَا لَوِ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ وَدِيعَةً، فَأَنْكَرَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الإْيدَاعِ، فَدَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِرَدِّهَا أَوْ هَلاَكِهَا، فَلاَ يُقْبَلُ دَفْعُهُ، لِتَنَاقُضِهِ مَعَ إِنْكَارِهِ السَّابِقِ.

وَيَجْمَعُ هَذِهِ الأْمْثِلَةَ وَأَشْبَاهَهَا أَنَّ مَنِ ادُّعِيَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ مِنَ الْحُقُوقِ فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَلَمَّا خَافَ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ أَقَرَّ بِهِ وَادَّعَى فِيهِ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ الإْسْقَاطِ، لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.

وَلاَ يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ الْمَانِعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى إِلاَّ بِشُرُوطٍ هِيَ:

أ - أَنْ يَكُونَ الأْمْرَانِ الْمُتَنَاقِضَانِ (وَهُمَا الدَّعْوَى وَمَا صَدَرَ قَبْلَهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) صَادِرَيْنِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمُدَّعِي، أَوْ عَنْ شَخْصَيْنِ هُمَا فِي حُكْمِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ، كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ، وَالْوَارِثِ وَالْمُوَرِّثِ. فَلَوْ أَنَّ الْوَكِيلَ ادَّعَى عَيْنًا لِمُوَكِّلِهِ، وَكَانَ هَذَا الْمُوَكِّلُ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ إِقْرَارٌ بِأَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ لَيْسَتْ لَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ لِغَيْرِهِ، لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى الْوَكِيلِ لِمُنَاقَضَتِهَا لإِقْرَارِ الْمُوَكِّلِ.

ب - أَنْ لاَ يَقَعَ مِنَ الْمُدَّعِي تَوْفِيقٌ بَيْنَ دَعْوَاهُ وَمَا صَدَرَ عَنْهُ مِمَّا يُنَاقِضُهَا، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ).

وَأَمَّا فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ فِي هَذَا الشَّرْطِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلُ: مِثْلُ رَأْيِ الْجُمْهُورِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ وُقُوعُ التَّوْفِيقِ الْفِعْلِيِّ مِنَ الْمُدَّعِي بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ إِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ صُوَرِ التَّنَاقُضِ، وَسَوَاءٌ أَوَقَعَ فِي الدَّعْوَى الأْصْلِيَّةِ، أَمْ وَقَعَ فِي الدَّفْعِ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيِّنًا أَمْ مُبْهَمًا.

فَبِنَاءً عَلَى هَذَا الرَّأْيِ إِذَا دَفَعَ الْخَصْمُ بِتَنَاقُضِ خَصْمِهِ فِي دَعْوَاهُ اكْتُفِيَ لِرَدِّ هَذَا الدَّفْعِ أَنْ يَتَصَوَّرَ الْقَاضِي إِمْكَانَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ سُؤَالُ الْمُتَنَاقِضِ - ظَاهِرًا - أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَهُمَا فِعْلاً.

فَلَوْ أَنَّ شَخْصًا ادَّعَى دَارًا بِهِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ أَبِيهِ، ثُمَّ ادَّعَاهَا إِرْثًا مِنْهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ الثَّانِيَةُ لإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْكَلاَمَيْنِ، بِأَنْ يَكُونَ قَدِ ابْتَاعَ الدَّارَ مِنْ أَبِيهِ، فَعَجَزَ عَنْ إِثْبَاتِ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ، ثُمَّ وَرِثَهَا بَعْدَ ذَلِكَ. غَيْرَ أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى أَوَّلاً انْتِقَالَ الدَّارِ إِلَيْهِ بِالإْرْثِ، ثُمَّ ادَّعَاهَا بِالشِّرَاءِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ الأْخْرَى، لِلتَّنَاقُضِ وَتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عَدَمُ إِمْكَانِ التَّوْفِيقِ إِذَا وَقَعَ التَّنَاقُضُ فِي كَلاَمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَيْ: فِي دَفْعِهِ لِلدَّعْوَى الأْصْلِيَّةِ). أَمَّا إِذَا وَقَعَ التَّنَاقُضُ مِنَ الْمُدَّعِي فِي الدَّعْوَى الأْصْلِيَّةِ، فَلاَ يُشْتَرَطُ فِي اعْتِبَارِهِ عَدَمُ إِمْكَانِ التَّوْفِيقِ، وَإِنَّمَا عَدَمُ وُقُوعِ التَّوْفِيقِ الْفِعْلِيِّ مِنَ الْمُتَنَاقِضِ. وَيُعْتَبَرُ التَّنَاقُضُ مَانِعًا مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ التَّوْفِيقُ مُمْكِنًا، إِذَا لَمْ يَقُمِ الْمُدَّعِي بِالتَّوْفِيقِ الْفِعْلِيِّ بَيْنَ أَقْوَالِهِ الْمُتَنَاقِضَةِ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عَدَمُ التَّوْفِيقِ الْفِعْلِيِّ لاِعْتِبَارِ التَّنَاقُضِ مَانِعًا مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى إِذَا كَانَ ظَاهِرًا لِنَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ، وَكَانَ التَّوْفِيقُ خَفِيًّا، وَإِلاَّ فَيُشْتَرَطُ عَدَمُ الإْمْكَانِ، فَمَنْ كَانَ قَدِ ادَّعَى لِغَيْرِهِ عَيْنًا لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَهَا لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدِ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بَعْدَ تَأْرِيخِ الدَّعْوَى السَّابِقَةِ، فَإِنْ وَفَّقَ بِهَذَا فِعْلاً، وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ دَعْوَاهُ وَسُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِلاَّ فَلاَ،لأِنَّ دَعْوَاهُ الأْولَى إِقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ وَنَفْيٌ لِلْمِلْكِ عَنْ نَفْسِهِ، وَدَعْوَاهُ الثَّانِيَةُ إِيجَابُ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ وَنَفْيُهُ عَنْ غَيْرِهِ، فَتَنَاقَضَ النَّافِي وَالْمُثْبِتُ، فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّوْفِيقِ الْفِعْلِيِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لِظُهُورِ التَّنَاقُضِ وَخَفَاءِ التَّوْفِيقِ.

بِخِلاَفِ مَا لَوِ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ مَبْلَغًا مِنَ الْمَالِ، فَدَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَدَّاهُ لَهُ فِي مَكَانِ كَذَا، فَلَمَّا لَمْ يَسْتَطِعْ إِثْبَاتَ ذَلِكَ دَفَعَ بِأَنَّهُ أَدَّاهُ الدَّيْنَ فِي مَكَانٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الدَّفْعِ الأْوَّلِ، فَيُقْبَلُ دَفْعُهُ الثَّانِي، لإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ يَكُونَ أَدَّاهُ مَرَّتَيْنِ لِقَطْعِ مُطَالَبَتِهِ.

ج - وَيُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ التَّنَاقُضِ الْمَانِعِ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى أَنْ لاَ يَكُونَ الْكَلاَمُ الأَْوَّلُ قَدْ كُذِّبَ شَرْعًا بِالْقَضَاءِ،فَلَوِ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ كَفَلَ لَهُ عَنْ مَدْيُونِهِ بِأَلْفٍ، فَأَنْكَرَ الْكَفَالَةَ، وَبَرْهَنَ الدَّائِنُ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ مَدْيُونِهِ، وَحَكَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَأَخَذَ الْمَكْفُولُ لَهُ مِنْهُ الْمَالَ، ثُمَّ إِنَّ الْكَفِيلَ ادَّعَى عَلَى الْمَدْيُونِ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ، قُبِلَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى وَسُمِعَتِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى مُنَاقِضَةً لِمَا سَبَقَ مِنْهُ مِنْ إِنْكَارِ الْكَفَالَةِ عِنْدَمَا ادَّعَاهَا عَلَيْهِ الدَّائِنُ، وَذَلِكَ لأِنَّ إِنْكَارَهُ السَّابِقَ بَطَلَ أَثَرُهُ بِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ لَهُ.

هَذَا وَقَدْ قَرَّرَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ التَّنَاقُضَ يُغْتَفَرُ فِي الدَّعْوَى فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي تَخْفَى أَسْبَابُهَا مِثْلُ مَسَائِلِ النَّسَبِ وَبَعْضِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالطَّلاَقِ وَغَيْرِهَا.

مَا يَرْتَفِعُ بِهِ التَّنَاقُضُ.

يَرْتَفِعُ التَّنَاقُضُ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَمْرَيْنِ اثْنَيْنِ هُمَا: التَّوْفِيقُ الْفِعْلِيُّ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الإْشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ، وَتَصْدِيقُ الْخَصْمِ. فَلَوْ أَنَّ شَخْصًا ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفَ دِينَارٍ بِسَبَبِ الْقَرْضِ، ثُمَّ ادَّعَاهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ، فَصَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ بِالرَّغْمِ مِنْ تَنَاقُضِهِ.

هَذَا وَقَدْ قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ التَّنَاقُضَ يُغْتَفَرُ فِيمَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْخَفَاءِ.

فَفِي مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ (م 1655):

«يُعْفَى عَنِ التَّنَاقُضِ إِذَا ظَهَرَتْ مَعْذِرَةُ الْمُدَّعِي وَكَانَ مَحَلَّ خَفَاءٍ».

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ زَيْدٌ عَنْ وَرَثَةٍ بَالِغِينَ، وَخَلَّفَ حِصَّتَهُ مِنْ دَارٍ، وَصَدَّقَ الْوَرَثَةُ أَنَّ بَقِيَّةَ الدَّارِ لِفُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ مُوَرِّثَهُمُ الْمَذْكُورَ اشْتَرَى بَقِيَّةَ الدَّارِ مِنْ وَرَثَةِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ فِي حَالِ صِغَرِ الْمُصَدِّقِينَ، وَأَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، تُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ، لأِنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ فِي مَحَلِّ الْخَفَاءِ فَيَكُونُ عَفْوًا.

وَمِنْ ذَلِكَ دَعْوَى النَّسَبِ أَوِ الطَّلاَقِ، لأِنَّ النَّسَبَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ وَهُوَ الْعُلُوقُ، إِذْ هُوَ مِمَّا يَغْلِبُ خَفَاؤُهُ عَلَى النَّاسِ، فَالتَّنَاقُضُ فِي مِثْلِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَالطَّلاَقُ يَنْفَرِدُ بِهِ الزَّوْجُ.

وَمِنْ ذَلِكَ: الْمَدِينُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إِبْرَاءِ الدَّائِنِ لَهُ. وَالْمُخْتَلِعَةُ بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْخُلْعِ لَوْ بَرْهَنَتْ عَلَى طَلاَقِ الزَّوْجِ قَبْلَ الْخُلْعِ. وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَهَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْخَفَاءِ فَإِنَّهُ يُعْفَى فِيهِ عَنِ التَّنَاقُضِ.

هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الأْكْثَرِينَ مِنْ فُقَهَاءِ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، فَقَدْ نَقَلَ الْحَطَّابُ عَنِ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ: إِذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ مَا تَرَكَهُ أَبُوهُ مِيرَاثٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى مَا عُهِدَ فِي الشَّرِيعَةِ وَعَلَى مَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ الدِّيَانَةُ، ثُمَّ جَاءَ بِشُهُودٍ أَخْبَرُوهُ أَنَّ أَبَاهُ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ بِهَذِهِ الدَّارِ وَحَازَهَا لَهُ، أَوْ أَقَرَّ الأَْبُ أَنَّهُ مَلَكَهَا عَلَيْهِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنَّهُ إِذَا رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ بِأَنَّ التَّرِكَةَ كُلَّهَا مَوْرُوثَةٌ إِلاَّ هَذِهِ الدَّارَ الْمَشْهُودَ لَهُ بِهَا دُونَ الْوَرَثَةِ وَاعْتَذَرَ بِإِخْبَارِ الْبَيِّنَةِ لَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا، بِذَلِكَ بَلْ أَقَرَّ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ وَمُقْتَضَى ظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيُقْبَلُ عُذْرُهُ وَيُقِيمُ بَيِّنَتَهُ، وَلاَ يَكُونُ إِقْرَارُهُ السَّابِقُ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ وَقَادِحًا فِيهَا، لأِنَّ  هَذَا عُذْرٌ عَادِيٌّ يُسْمَعُ مِثْلُهُ.

وَنُقِلَ عَنْ سَحْنُونَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ.

وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِلْعُذْرِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ لاَ تُقْبَلُ لِلْمُنَاقَضَةِ.

وَهَذَا عَلَى مَا جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ وَالْقَلْيُوبِيِّ.

وَفِي حَوَاشِي الشِّرْوَانِيِّ وَابْنِ قَاسِمٍ عَلَى تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ: لَوْ أَقَرَّ مَدِينٌ لآِخَرَ، ثُمَّ ادَّعَى أَدَاءَهُ إِلَيْهِ وَأَنَّهُ نَسِيَ ذَلِكَ حَالَةَ الإْقْرَارِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ لِلتَّحْلِيفِ فَقَطْ. فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالأَْدَاءِ قُبِلَتْ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ لاِحْتِمَالِ مَا قَالَهُ، فَلاَ تَنَاقُضَ، كَمَا لَوْ قَالَ: لاَ بَيِّنَةَ لِي، ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ تُسْمَعُ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ الإْنْكَارِ، فَمَنِ ادُّعِيَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَأَنْكَرَهُ، ثُمَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ فَادَّعَى الْقَضَاءَ أَوْ إِبْرَاءَ الْمُدَّعِي لَهُ سَابِقًا عَلَى زَمَنِ إِنْكَارِهِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَقَالَ: مَا اقْتَرَضْتُ مِنْهُ وَمَا اشْتَرَيْتُ مِنْهُ، فَثَبَتَ أَنَّهُ اقْتَرَضَ أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ فَقَالَ: قَضَيْتُهُ أَوْ أَبْرَأَنِي قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً، لأِنَّ إِنْكَارَ الْحَقِّ يَقْتَضِي نَفْيَ الْقَضَاءِ أَوِ الإْبْرَاءَ مِنْهُ، لأِنَّهُمَا لاَ يَكُونَانِ إِلاَّ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ، فَيَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى بِتَعْبِيرَاتٍ جَازِمَةٍ وَقَاطِعَةٍ وَلاَ تَرَدُّدَ فِيهَا، فَلاَ تَصِحُّ الدَّعْوَى بِنَحْوِ: أَشُكُّ أَوْ أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَى فُلاَنٍ مَبْلَغَ كَذَا، أَوْ أَنَّهُ غَصَبَ مِنِّي دَابَّتِي.

وَقَدِ اسْتُثْنِيَ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ دَعَاوَى الاِتِّهَامِ (الدَّعَاوَى الْجِنَائِيَّةُ)، فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِالأْلْفَاظِ الْمُتَرَدِّدَةِ، فَإِذَا قَالَ: أَتَّهِمُهُ بِسَرِقَةِ دِينَارٍ مَثَلاً، فَإِنَّ دَعْوَاهُ تُسْمَعُ، لأِنَّ دَعَاوَى الاِتِّهَامِ تَرْجِعُ فِي أَسَاسِهَا إِلَى الشَّكِّ وَالظَّنِّ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَذْكُرَ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ يُطَالِبُ بِالْحَقِّ الَّذِي يَدَّعِيهِ: وَهَذَا الشَّرْطُ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ، وَفِي مُعْظَمِ الْمَذَاهِبِ قَوْلاَنِ بِخُصُوصِهِ. الرَّاجِحُ مِنْهُمَا: عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، وَالاِكْتِفَاءُ بِدَلاَلَةِ الْحَالِ. وَاشْتَرَطَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِتَصْحِيحِهِ، بَيْنَمَا صَرَّحَ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى مِنْهُمْ بِتَصْحِيحِ خِلاَفِهِ.

وَعَدَمُ اشْتِرَاطِهِ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِاشْتِرَاطِهِ بِأَنَّ حَقَّ الإْنْسَانِ يَجِبُ إِيفَاؤُهُ بِطَلَبِهِ، وَالْحُكْمُ حَقُّ الْمُدَّعِي، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ طَالِبٍ لَهُ إِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَضِيَّةَ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ وَالاِسْتِفْتَاءِ، فَإِذَا طَلَبَهُ تَبَيَّنَ غَرَضُهُ، وَبِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ، لاَ لإِنْشَائِهَا، فَإِذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي الْقَضَاءَ لَهُ بِحَقِّهِ أَجَابَهُ إِلَى طَلَبِهِ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ، فَإِنْ نَظَرَ فِي الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ مَا طُلِبَ لِلْحَقِّ مِنَ الْمُدَّعِي كَانَ مُنْشِئًا لِلْخُصُومَةِ، وَهُوَ مَا لَمْ يُجْعَلِ الْقَضَاءُ لأِجْلِهِ.

وَاحْتَجَّ الآْخَرُونَ بِأَنَّ الْمُقَدِّمَاتِ وَدَلاَئِلَ الْحَالِ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لاَ يَقْصِدُ بِدَعْوَاهُ إِلاَّ الْحُكْمَ لَهُ بِحَقِّهِ، وَتَسْلِيمَهُ إِلَيْهِ، وَكَوْنُ الْمُدَّعِي يَقُولُ ذَلِكَ حِكَايَةً بَعِيدٌ جِدًّا، لأِنَّ  مَجَالِسَ الْقَضَاءِ لَمْ تُنْشَأْ لِهَذَا الْغَرَضِ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى بِلِسَانِ الْمُدَّعِي عَيْنًا: وَهَذَا الشَّرْطُ اخْتَصَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، فَلَمْ يَجُزِ التَّوْكِيلُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُدَّعِي عُذْرٌ مَقْبُولٌ، أَوْ يَرْضَى خَصْمُهُ بِالتَّوْكِيلِ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ، وَجَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ شَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمْ أَبَى.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَذْكُرَ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَى الْعَيْنِ أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ الْخَصْمِ.

وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الشَّرْطِ دَعْوَى مَنْعِ التَّعَرُّضِ، لأِنَّ  الْخَصْمَ فِيهَا يَتَعَرَّضُ لِلْمُدَّعِي وَيَكُونُ الْعَيْنُ فِي يَدِ هَذَا الأْخِيرِ.

ثَانِيًا: شُرُوطُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ: يُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَرْطَانِ: شَرْطُ الأْهْلِيَّةِ، وَشَرْطُ الصِّفَةِ.

شَرْطُ الأْهْلِيَّةِ: لَمَّا كَانَتِ الدَّعْوَى تَصَرُّفًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْهَا، فَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَهْلاً لِلْقِيَامِ بِالتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ. وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ أَهْلاً فَيُطَالِبُ لَهُ بِحَقِّهِ مُمَثِّلُهُ الشَّرْعِيُّ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ وَصِيٍّ.

وَالْحَنَفِيَّةُ لاَ يَشْتَرِطُونَ كَمَالَ الأَْهْلِيَّةِ فِي كِلاَ الطَّرَفَيْنِ، وَيَكْتَفُونَ بِالأْهْلِيَّةِ النَّاقِصَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي،وَيُشْتَرَطُ الرُّشْدُ عِنْدَهُمْ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَسْتَثْنُونَ بَعْضَ الْحَالاَتِ وَلاَ يَشْتَرِطُونَ فِيهَا كَمَالَ الأْهْلِيَّةِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْمَأْذُونِ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ الدَّعْوَى وَأَنْ يَكُونَ مُدَّعًى عَلَيْهِ،وَذَلِكَ لأِنَّ  الدَّعْوَى وَالْجَوَابَ عَلَيْهَا مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ، فَتَصِحُّ مِنَ الصَّبِيِّ الَّذِي أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ، وَلاَ تَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ.

وَالْمَالِكِيَّةُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

فَأَمَّا الْمُدَّعِي فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّشْدُ، وَتَصِحُّ الدَّعْوَى مِنَ السَّفِيهِ وَالصَّبِيِّ، وَلاَ يَشْتَرِطُونَ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ كَمَا هُوَ الْحَالُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَأَمَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَتُشْتَرَطُ فِيهِ الأَْهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمَهَا أَوْ نَاقِصَهَا لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَالأَْصْلُ عِنْدَهُمُ اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ فِي الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُمْ بِهِ، فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالْقَتْلِ عَلَى السَّفِيهِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى السَّفِيهِ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ حَالَ سَفَهِهِ، فَتَصِحُّ عَلَيْهِ دَعْوَى الطَّلاَقِ وَالْقَذْفِ.

وَالْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يُجِيزُونَ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ، وَهُمْ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ قَالُوا بِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَيِّتِ إِذَا كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِمَا يَدَّعِيهِ، وَكَانَتْ حَاضِرَةً لَدَيْهِ وَبِشُرُوطٍ أُخْرَى سَتَأْتِي. وَيُحَلِّفُهُ الْقَاضِي يَمِينًا سَمَّاهَا بَعْضُهُمْ «يَمِينَ الاِسْتِظْهَارِ»، وَيَذْكُرُ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ مَا ادَّعَى بِهِ مِمَّنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ أَبْرَأَهُمْ مِنْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ، فَلأِنَّ هُمْ لاَ يُجِيزُونَ الدَّعْوَى إِلاَّ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَمُكَلَّفٍ، وَلاَ يُجِيزُونَ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، فَهُمْ مِنْ طَرِيقِ أَوْلَى لاَ يُجِيزُونَ سَمَاعَ الدَّعْوَى عَلَى الصَّغِيرِ أَوِ الْمَجْنُونِ أَوِ الْمَيِّتِ، حَيْثُ هُمْ أَضْعَفُ حَالاً مِنَ الْغَائِبِ.

شَرْطُ الصِّفَةِ:

الْمَقْصُودُ بِهِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا شَأْنٍ فِي الْقَضِيَّةِ الَّتِي أُثِيرَتْ حَوْلَهَا الدَّعْوَى، وَأَنْ يَعْتَرِفَ الشَّارِعُ بِهَذَا الشَّأْنِ وَيَعْتَبِرَهُ كَافِيًا لِتَخْوِيلِ الْمُدَّعِي حَقَّ الاِدِّعَاءِ، وَلِتَكْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ وَالْمُخَاصَمَةِ.

وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمُدَّعِي إِذَا كَانَ يَطْلُبُ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِمَنْ يُمَثِّلُهُ. وَيَحِقُّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَرْفَعَ دَعْوَى لِمَدِينِهِ يُطَالِبُ فِيهِ بِحُقُوقِهِ إِذَا أَحَاطَ الدَّيْنُ بِأَمْوَالِهِ وَأُشْهِرَ إِفْلاَسُهُ.

وَالْقَاعِدَةُ فِي هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ مَنْ يَدَّعِي حَقًّا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَقُّ مُنْتَقِلاً إِلَيْهِ صَحَّتْ دَعْوَاهُ، وَإِلاَّ فَلاَ، فَتَصِحُّ الدَّعْوَى مِنَ الْوَارِثِ فِيمَا يَدَّعِيهِ لِمُورِثِهِ، وَلاَ تَصِحُّ مِنَ الدَّائِنِ الَّذِي يَرْفَعُ دَعْوَى لِمَدِينِهِ إِذَا لَمْ يُشْهَرْ إِفْلاَسُهُ. وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْضًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَا صِفَةٍ، فَلاَ تَصِحُّ الدَّعْوَى إِلاَّ إِذَا رُفِعَتْ فِي وَجْهِ مَنْ يَعْتَبِرُهُ الْمُشَرِّعُ خَصْمًا، وَيُجْبِرُهُ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْقَضِيَّةِ، لِيُجِيبَ بِالاِعْتِرَافِ أَوْ بِالإْنْكَارِ.

وَالْقَاعِدَةُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ مَنِ ادَّعَى عَلَى إِنْسَانٍ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِإِنْكَارِهِ خَصْمًا فِي الدَّعْوَى، وَتَصِحُّ بِتَوْجِيهِهَا إِلَيْهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَى إِقْرَارِهِ حُكْمٌ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا بِإِنْكَارِهِ،وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ حَدَّدَ الْفُقَهَاءُ الْخَصْمَ فِي مُخْتَلَفِ أَنْوَاعِ الدَّعَاوَى:

أ - فَفِي دَعَاوَى الْعَيْنِ يَكُونُ الْخَصْمُ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ. وَذَلِكَ لأِنَّ  أَيَّ شَخْصٍ لَيْسَتِ الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ فِي يَدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا، وَالْحَائِزُ لَهَا هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ أَنْ يَقْرَبَهَا، فَهُوَ إِذَنِ الْخَصْمُ فِي دَعْوَاهَا.

وَالْيَدُ الَّتِي يَكُونُ صَاحِبُهَا خَصْمًا فِي الدَّعْوَى هِيَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ فِي الظَّاهِرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ يَدًا طَارِئَةً، كَيَدِ مُسْتَأْجِرٍ، أَوْ مُسْتَعِيرٍ، أَوْ مُرْتَهِنٍ، لَمْ يَصِحَّ تَوْجِيهُ الدَّعْوَى إِلَى صَاحِبِهَا مُنْفَرِدًا، وَلَكِنْ يُطْلَبُ مِنَ الْحَائِزِ الْعَرَضِيِّ الْحُضُورُ إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لِيُؤْمَرَ بِتَسْلِيمِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى عِنْدَ إِثْبَاتِ الدَّعْوَى. وَإِذَا وَجَّهَهَا الْمُدَّعِي إِلَيْهِ، كَانَ لِهَذَا الْحَائِزِ الْعَرَضِيِّ أَنْ يَدْفَعَ الدَّعْوَى بِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ مِلْكٍ، وَإِنَّمَا هِيَ يَدٌ عَارِضَةٌ، بِشَرْطِ أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى دَفْعِهِ، وَعِنْدَئِذٍ تُرَدُّ دَعْوَى الْمُدَّعِي. وَيُطْلَبُ مِنْهُ رَفْعُهَا فِي مُوَاجَهَةِ الْمَالِكِ.

وَهَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ مُخْتَصٌّ بِدَعَاوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَنِ السَّبَبِ، أَمَّا إِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّ فُلاَنًا غَصَبَ مِنْهُ مَالَهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَفْعُ هَذِهِ الدَّعْوَى بِحُجَّةِ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ لَيْسَتْ فِي يَدِهِ، لأِنَّ  الأَْصْلَ فِي دَعْوَى الْفِعْلِ - كَمَا سَيَأْتِي - أَنَّهَا يَصِحُّ تَوْجِيهُهَا ضِدَّ الْفَاعِلِ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَا يَأْتِي:

إِذَا بَاعَ رَجُلٌ مِلْكَ غَيْرِهِ، وَسَلَّمَهُ بِدُونِ إِذْنِهِ، كَانَ الْخَصْمُ هُوَ الْمُشْتَرِي، وَلَكِنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي اسْتِرْدَادَ الْعَيْنِ، أَمَّا إِذَا أَرَادَ التَّضْمِينَ سُمِعَتِ الدَّعْوَى عَلَى الْبَائِعِ الْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ غَيْرِهِ، لأِنَّ هَا تَكُونُ دَعْوَى فِعْلٍ عِنْدَئِذٍ.

إِذَا تُوُفِّيَ شَخْصٌ عَنْ تَرِكَةٍ فِيهَا أَعْيَانٌ وَلَهُ وَرَثَةٌ، وَأَرَادَ شَخْصٌ الاِدِّعَاءَ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِهَا كَانَ الْخَصْمُ لَهُ هُوَ الْوَارِثُ الَّذِي فِي يَدِهِ تِلْكَ الْعَيْنُ، وَلاَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْوَرَثَةِ.

إِذَا بِيعَ عَقَارٌ، فَطَلَبَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ تَسَلَّمْهُ الْمُشْتَرِي كَانَ هُوَ الْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَلَّمْهُ كَانَ الْخَصْمُ لَهُ كُلًّا مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، لأِنَّ  الأْوَّلَ وَاضِعُ الْيَدِ، فَيَحْضُرُ مِنْ أَجْلِ التَّسْلِيمِ، وَالآْخَرُ مَالِكٌ، فَلاَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى إِلاَّ بِحُضُورِهِمَا جَمِيعًا.

إِذَا بَاعَ شَخْصٌ لِغَيْرِهِ عَيْنًا، وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إِلَيْهِ، فَأَرَادَ آخَرُ ادِّعَاءَ مِلْكِيَّتِهَا، كَانَ الْخَصْمُ لَهُ كُلًّا مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، لأِنَّ  الأْوَّلَ وَاضِعُ الْيَدِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ لِيُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ عِنْدَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى، وَأَمَّا إِذَا سَلَّمَهَا الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي كَانَ الْخَصْمُ هُوَ الْمُشْتَرِي. فَفِي جَمِيعِ الْحَالاَتِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ فِي يَدِ غَيْرِ الْمَالِكِ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى بِالْمِلْكِ حُضُورُ الاِثْنَيْنِ.

وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمَالِكُ لِلْعَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ فِعْلاً، وَلَكِنَّهَا عَلَيْهِ حُكْمًا، وَالآْخَرُ حِيَازَتُهُ لَهَا عَرَضِيَّةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ، وَلأِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى إِقْرَارِهِ حُكْمٌ، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ حُضُورُ الآْخَرِينَ لِغَايَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ لِلْمُدَّعِي عِنْدَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى.

وَفِي دَعَاوَى الدَّيْنِ، الْخَصْمُ هُوَ مَنْ كَانَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ نَائِبُهُ، لأِنَّ  الْمَدِينَ هُوَ الَّذِي إِذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ حَمَلَ نَتِيجَةَ إِقْرَارِهِ وَأُلْزِمَ بِهِ. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لاَ تُوَجَّهُ الدَّعْوَى ضِدُّ حَائِزِ الْعَيْنِ الَّتِي يَتَمَلَّكُهَا الْمَدِينُ، كَالْمُسْتَأْجَرِ مِنْهُ، وَلاَ الْغَاصِبِ مِنْهُ، وَلاَ الْمُسْتَعِيرِ مِنْهُ.

وَفِي دَعْوَى الْفِعْلِ كَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ، الْخَصْمُ هُوَ الْفَاعِلُ،أَيِ الَّذِي يُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَامَ بِالْفِعْلِ.

وَفِي دَعْوَى الْقَوْلِ، الْخَصْمُ هُوَ الْقَائِلُ، أَيِ الَّذِي يُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ الْقَوْلَ، فَدَعْوَى الطَّلاَقِ تُقِيمُهَا الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا، وَكَذَلِكَ دَعْوَى الْقَذْفِ أَوِ الشَّتْمِ.

وَفِي دَعْوَى الْعَقْدِ، الْخَصْمُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لَهُ، أَوْ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ، كَالْوَكِيلِ، أَوِ الْوَارِثِ، أَوِ الْوَصِيِّ.

وَفِي دَعْوَى الْحَقِّ، كَحَقِّ الْحَضَانَةِ وَالرَّضَاعِ، الْخَصْمُ هُوَ كُلُّ شَخْصٍ لَهُ شَأْنٌ فِي الدَّعْوَى، وَهُوَ الَّذِي يُنَازِعُ الْمُدَّعِيَ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ، وَيَمْنَعُهُ مِنَ التَّمَتُّعِ بِهِ.

دَعْوَى الْحِسْبَةِ:

الدَّعْوَى هِيَ طَلَبُ شَخْصٍ حَقَّهُ مِنْ آخَرَ فِي حُضُورِ الْحَاكِمِ كَمَا سَبَقَ، فَهِيَ أَصْلاً تَحْتَاجُ إِلَى طَالِبٍ (الْمُدَّعِي) وَمَطْلُوبٍ (الْمُدَّعَى) وَمَطْلُوبٍ مِنْهُ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ).

وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَلاَ تَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى بِغَيْرِ الطَّلَبِ مِنْ مُدَّعٍ مُعَيَّنٍ كَمَا هُوَ الأْصْلُ. أَمَّا إِذَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحُدُودِ وَالتَّعَدِّي عَلَى مَا يَرْجِعُ مَنَافِعُهُ لِلْعَامَّةِ، فَلاَ تَحْتَاجُ إِلَى مُدَّعٍ خَاصٍّ، وَتُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ. (أَيْ: لِلأْجْرِ لاَ لإِجَابَةِ مُدَّعٍ) مَعَ مُرَاعَاةِ طُرُقِ الإْثْبَاتِ الْخَاصَّةِ بِهَا حَسَبَ تَنَوُّعِ مَوْضُوعَاتِهَا.

فَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَجَلَّةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَبْقُ الدَّعْوَى فِي الشَّهَادَةِ بِحُقُوقِ النَّاسِ.

قَالَ الأْتَاسِيُّ: لأِنَّ  ثُبُوتَ حُقُوقِهِمْ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُطَالَبَتِهِمْ، وَلَوْ بِالتَّوْكِيلِ. بِخِلاَفِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، حَيْثُ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الدَّعْوَى، لأِنَّ  إِقَامَةَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَكُلُّ أَحَدٍ خَصْمٌ فِي إِثْبَاتِهَا، فَصَارَ كَأَنَّ الدَّعْوَى مَوْجُودَةٌ.

وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: يَنْتَصِبُ أَحَدُ الْعَامَّةِ خَصْمًا عَنِ الْبَاقِينَ مِنَ الْعَامَّةِ فِي الْمَحَالِّ الَّتِي مَنْفَعَتُهَا عَائِدَةٌ إِلَى الْعُمُومِ. ثُمَّ قَالَ نَقْلاً عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَنَى حَائِطًا عَلَى الْفُرَاتِ وَاتَّخَذَ عَلَيْهِ رَحًى، أَوْ بَنَى فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ، فَخَاصَمَهُ أَحَدٌ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَدْمِهِ.

وَذَكَرَ فِي الدُّرِّ فِي بَحْثِ الشَّهَادَةِ: وَالَّذِي تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ حِسْبَةً بِدُونِ الدَّعْوَى أَرْبَعَةَ عَشْرَ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: هِيَ الْوَقْفُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ (أَيْ لِلْعَامَّةِ)، وَطَلاَقُ الزَّوْجَةِ، وَتَعْلِيقُ طَلاَقِهَا، وَحُرِّيَّةُ الأْمَةِ وَتَدْبِيرُهَا، وَالْخُلْعُ، وَهِلاَلُ رَمَضَانَ، وَالنَّسَبُ، وَحَدُّ الزِّنَى، وَحَدُّ الشُّرْبِ، وَالإْيلاَءُ، وَالظِّهَارُ، وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، وَدَعْوَى الْمَوْلَى نَسَبَ الْعَبْدِ، وَالشَّهَادَةُ بِالرَّضَاعِ.

ثُمَّ قَالَ: وَلاَ يَخْفَى أَنَّ شَاهِدَ الْحِسْبَةِ لاَ بُدَّ أَنْ يَدَّعِيَ مَا يَشْهَدُ بِهِ إِنْ لَمْ يُوجَدْ مُدَّعٍ آخَرُ. وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الشَّهَادَةُ حِسْبَةً يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ الدَّعْوَى حِسْبَةً.

ثُمَّ عَلَّقَ عَلَى كَلاَمِ الدُّرِّ نَقْلاً عَنِ الأْشْبَاهِ: وَلَيْسَ لَنَا مُدَّعٍ حِسْبَةً إِلاَّ فِي دَعْوَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّهُ لاَ يُسَمَّى مُدَّعِيًا، أَوْ أَنَّ مُدَّعِيَ الْحِسْبَةَ لاَ يَحْلِفُ لَهُ الْخَصْمُ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الشَّهَادَةِ.

وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ فِي بَحْثِ الشَّهَادَةِأَنَّهُ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ فِي حَقِّ اللَّهِ بِالرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ إِنِ اسْتُدِيمَ ارْتِكَابُ التَّحْرِيمِ عِنْدَ عَدَمِ الرَّفْعِ، كَعِتْقٍ لِرَقِيقٍ، مَعَ كَوْنِ السَّيِّدِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ مِنِ اسْتِخْدَامٍ وَبَيْعٍ وَوَطْءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَطَلاَقٍ لِزَوْجَةٍ مَعَ كَوْنِ الْمُطَلِّقِ لَمْ يَنْكَفَّ عَنْهَا فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالرَّفْعِ، وَكَوَقْفٍ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا أَوْ مَدْرَسَةً، وَوَاضِعُ الْيَدِ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ، فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالرَّفْعِ لِرَدِّهِ إِلَى أَصْلِهِ. وَكَرَضَاعٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمِ ارْتِكَابَ التَّحْرِيمِ بِأَنْ كَانَ التَّحْرِيمُ يَنْقَضِي بِالْفَرَاغِ مِنْ مُتَعَلَّقِهِ كَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ، خُيِّرَ فِي الرَّفْعِ وَعَدَمِهِ، وَالتَّرْكُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنَ السَّتْرِ الْمَطْلُوبِ فِي غَيْرِ الْمُجَاهِرِ، وَإِلاَّ فَالرَّفْعُ أَوْلَى.

وَمِثْلُهُ مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّلاَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، بِأَنْ يَشْهَدَ بِتَرْكِهَا، وَفِيمَا لَهُ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ، كَطَلاَقٍ، وَعِتْقٍ، وَعَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ، وَبَقَاءِ عِدَّةٍ وَانْقِضَائِهَا، بِأَنْ يَشْهَدَ بِمَا ذُكِرَ لِيَمْنَعَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى، بِأَنْ يَشْهَدَ بِمُوجَبِهِ، كَحَدِّ الزِّنَى، وَالسَّرِقَةِ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ.

وَالأْفْضَلُ فِيهِ السَّتْرُ إِذَا رَأَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ، وَكَذَا النَّسَبُ عَلَى الصَّحِيحِ. كَمَا ذَكَرُوا مِنْهَا الرَّضَاعَ.

قَالَ الشِّرْبِينِيُّ: تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ أُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا مَعَ غَيْرِهِمَا حِسْبَةً بِلاَ تَقَدُّمِ دَعْوَى، لأِنَّ  الرَّضَاعَ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَبُوهَا وَابْنُهَا، أَوِ ابْنَاهَا بِطَلاَقِهَا مِنْ زَوْجِهَا حِسْبَةً.

وَقَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ: وَمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ هَلْ تُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَاهَا؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا: «تُسْمَعُ، لأِنّهُ لاَ حَقَّ لِلْمُدَّعِي فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تُسْمَعُ فِي غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ».

وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ أَنَّهَا تُقْبَلُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ الْخَالِصَةِ حِسْبَةً، كَمَا تُقْبَلُ فِيمَا كَانَ حَقًّا لآِدَمِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَلاَ تَفْتَقِرُ إِلَى تَقَدُّمِ الدَّعْوَى.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْحُقُوقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: حَقٌّ لآِدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، كَالْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُقُودِ، وَالْعُقُوبَاتِ كَالْقِصَاصِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْوَقْفِ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فَلاَ تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ فِيهِ إِلاَّ بَعْدَ الدَّعْوَى، لأِنَّ  الشَّهَادَةَ فِيهِ حَقٌّ لآِدَمِيٍّ، فَلاَ تُسْتَوْفَى إِلاَّ بَعْدَ مُطَالَبَتِهِ وَإِذْنِهِ، وَلأِنَّ هَا حُجَّةٌ عَلَى الدَّعْوَى وَدَلِيلٌ لَهَا فَلاَ يَجُوزُ تَقَدُّمُهَا عَلَيْهَا.

الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا كَانَ حَقًّا لآِدَمِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، أَوْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ، أَوْ سِقَايَةٍ، أَوْ مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ، أَوِ الْوَصِيَّةِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَنَحْوِ هَذَا، أَوْ مَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوِ الزَّكَاةِ، أَوِ الْكَفَّارَةِ، فَلاَ تَفْتَقِرُ الشَّهَادَةُ بِهِ إِلَى تَقَدُّمِ الدَّعْوَى، لأِنَّ  ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ مِنَ الآْدَمِيِّينَ يَدَّعِيهِ وَيُطَالِبُ بِهِ. وَلِذَلِكَ شَهِدَ أَبُو بَكْرَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الْمُغِيرَةِ، وَشَهِدَ الْجَارُودُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ بِشُرْبِ الْخَمْرِ، وَشَهِدَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى فَأُجِيزَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ قَبُولٌ مِنْ أَحَدٍ وَلاَ رِضًى مِنْهُ، وَكَذَلِكَ مَا لاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ أَحَدِ الْغَرِيمَيْنِ كَتَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ بِالطَّلاَقِ، أَوِ الظِّهَارِ، أَوْ إِعْتَاقِ الرَّقِيقِ، تَجُوزُ الْحِسْبَةُ بِهِ وَلاَ تُعْتَبَرُ فِيهِ دَعْوَى.

هَذَا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ كُلَّ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الشَّهَادَةُ حِسْبَةً يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ الدَّعْوَى حِسْبَةً.

ثَالِثًا: شُرُوطُ الْمُدَّعَى بِهِ:

الشَّرْطُ الأْوَّلُ - يُشْتَرَطُ فِي الْمُدَّعَى بِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًاوَالْمُرَادُ بِعِلْمِ الْمُدَّعَى بِهِ تَصَوُّرُهُ، أَيْ تَمَيُّزُهُ فِي ذِهْنِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْقَاضِي. وَذَلِكَ لأِنَّ  الْمَقْصُودَ بِالدَّعْوَى هُوَ إِصْدَارُ الْحُكْمِ فِيهَا، وَالْمَقْصُودُ بِالْحُكْمِ فَصْلُ الْخُصُومَةِ بِإِلْزَامِ الْمَحْقُوقِ بِرَدِّ الْحَقِّ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلاَ إِلْزَامَ مَعَ الْجَهَالَةِ.

وَبِنَاءً عَلَيْهِ لاَ يَصِحُّ الْحُكْمُ بِمَا لاَ إِلْزَامَ فِيهِ، وَهَكَذَا لاَ يَتَحَصَّلُ مَقْصُودُ الدَّعْوَى بِدُونِ الْعِلْمِ فَوَجَبَ اشْتِرَاطُهُ لِصِحَّتِهَا. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ صِحَّةَ الشَّهَادَةِ مَرْهُونَةٌ بِمُطَابِقَتِهَا لِلدَّعْوَى، فَإِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى مَجْهُولَةَ الْمُدَّعَى بِهِ لَمْ تَصِحَّ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا، لأِنَّ هَا لاَ تَصِحُّ عَلَى الْمَجْهُولِ، فَتَكُونُ الدَّعْوَى مَرْفُوضَةً لِعَدَمِ إِمْكَانِ إِثْبَاتِهَا.

حُدُودُ هَذَا الشَّرْطِ:

لِلْمُدَّعَى بِهِ جَوَانِبُ مُتَعَدِّدَةٌ: فَهُنَاكَ ذَاتُ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى، وَهَذَا يَخْتَلِفُ حُدُودُهُ حَسَبَ الأْحْوَالِ، فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ مَا يَكُونُ عَيْنًا وَمَا يَكُونُ دَيْنًا، وَالأْوَّلُ يُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ مَا هُوَ عَقَارٌ وَمَا هُوَ مَنْقُولٌ. كَمَا أَنَّ الدَّعَاوَى الأْخْرَى الَّتِي يُطْلَبُ بِهَا غَيْرُ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، كَدَعْوَى النَّسَبِ لَهَا قَوَاعِدُ تَخْتَلِفُ فِي تَحْدِيدِ الْمُدَّعَى بِهِ. وَهُنَاكَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْوَاقِعَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْمُدَّعِي فِي اسْتِحْقَاقِ مَا يَدَّعِيهِ، وَهُنَاكَ أَيْضًا شُرُوطُ هَذَا السَّبَبِ، وَقَدْ وَضَعَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ قَاعِدَةً عَامَّةً فِي كَيْفِيَّةِ الْعِلْمِ بِالْمُدَّعَى بِهِ، فَقَالُوا: (إِنَّمَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى جَهَالَةٌ تَمْنَعُ مِنِ اسْتِيفَاءِ الْمَحْكُومِ بِهِ، وَتَوْجِيهِ الْمُطَالَبَةِ نَحْوَهُ، حَيْثُ يَكُونُ الْمُدَّعَى بِهِ مَجْهُولاً يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَوْ ذَاكَ، أَمَّا إِذَا سَلِمَ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ هَذَا، وَكَانَ مَحْصُورًا بِمَا يُضْبَطُ بِهِ فَلاَ)وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ هَذَا الشَّرْطِ حَسَبَ أَنْوَاعِ الدَّعَاوَى الْمُخْتَلِفَةِ:

كَيْفِيَّةُ الْعِلْمِ بِالْمُدَّعَى بِهِ فِي دَعَاوَى الْعَيْنِ:

الْمُدَّعَى بِهِ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَقَارًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْقُولاً، وَلِكُلٍّ طَرِيقَةٌ خَاصَّةٌ فِي التَّعْرِيفِ بِهِ:

فِي دَعْوَى الْعَقَارِ: يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى ذِكْرُ مَا يُمَيِّزُ الْعَقَارَ الْمُدَّعَى عَنْ غَيْرِهِ، وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِذِكْرِ حُدُودِهِ، وَنَاحِيَتِهِ مِنَ الْبَلَدِ الْمَوْجُودِ فِيهَا.

لَكِنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ اشْتَرَطُوا تَخْصِيصَهُ بِقُيُودٍ أَكْثَرَ مِنْ تِلْكَ، فَاشْتَرَطُوا ذِكْرَ الْمَحَلَّةِ وَالسِّكَّةِ الَّتِي يَنْتَمِي إِلَيْهَا ذَلِكَ الْعَقَارُ، مَعَ ذِكْرِ جِهَةِ الْبَابِ الَّتِي يُفْتَحُ عَلَيْهَا.

هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا، وَأَمَّا فِي الْعَقَارِ الْمَشْهُورِ فَلاَ يُشْتَرَطُ لِتَحْدِيدِهِ غَيْرُ ذِكْرِ اسْمِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالصَّاحِبَيْنِ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ فِي تَعْرِيفِ الْعَقَارِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَشْهُورًا أَمْ غَيْرَ مَشْهُورٍ.

وَيُشْتَرَطُ فِي تَعْرِيفِ الْحُدُودِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يُذْكَرَ أَسْمَاءُ أَصْحَابِهَا وَأَنْسَابُهُمْ إِلاَّ الْمَشْهُورِينَ مِنْهُمْ، فَيُكْتَفَى بِأَسْمَائِهِمْ، وَيُكْتَفَى عِنْدَهُمْ بِذِكْرِ ثَلاَثَةِ حُدُودٍ لِلْعَقَارِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ الدَّعْوَى بِذِكْرِ ثَلاَثَةِ حُدُودٍ بِأَنَّ لِلأَْكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ غَالِبًا، وَاشْتَرَطَ زُفَرُ أَنْ تُذْكَرَ جَمِيعُ الْحُدُودِ،وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الاِكْتِفَاءُ بِالْحَدَّيْنِ وَالْحَدِّ الْوَاحِدِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْخَطَأَ فِي ذِكْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْحُدُودِ الأْرْبَعَةِ يَجْعَلُ الدَّعْوَى غَيْرَ مَقْبُولَةٍ، لأِنَّ  ذَلِكَ يُورِثُ الشَّكَّ فِي مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي لِمَا يَدَّعِيهِ، وَلِعَدَمِ انْطِبَاقِ الدَّعْوَى عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَلاَ يُقَاسُ عَلَى حَالَةِ الاِبْتِدَاءِ.

وَأَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَدِ اشْتَرَطُوا ذِكْرَ جَمِيعِ الْحُدُودِ لأِنَّ  التَّعْرِيفَ لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِذِكْرِ الْحُدُودِ الأْرْبَعَةِ، وَأَضَافَ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ قَدْ يُكْتَفَى بِثَلاَثَةٍ وَأَقَلِّ مِنْهَا إِذَا عُرِفَ الْعَقَارُ بِهَا. وَقَالُوا: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ فِي الْعَقَارِ لاَ تَتَقَيَّدُ بِالْحُدُودِ الأْرْبَعَةِ، فَقَدْ يُعْرَفُ بِالشُّهْرَةِ الْعَامَّةِ فَلاَ تَحْتَاجُ لِذِكْرِ حَدٍّ وَلاَ غَيْرِهِ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ دَعْوَى الْعَقَارِ ذِكْرُ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ.

وَذَهَبَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْبِلاَدِ الَّتِي لَمْ يَقْدُمْ بِنَاؤُهَا، أَيْ حَدِيثَةُ الْعَهْدِ فِي تَأْسِيسِهَا، فَلاَ يُسْأَلُ فِيهَا عَنْ سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ، لاِحْتِمَالِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ تَمَلَّكَهُ بِسَبَبِ الْخُطَّةِ، أَيْ: أَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنَ الأْصْلِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى مِلْكِهِ بِسَبَبٍ مِنَ الأْسْبَابِ النَّاقِلَةِ لِلْمِلْكِيَّةِ كَالْبَيْعِ، وَذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِ تَأْسِيسِهِ، وَأَمَّا دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْبِلاَدِ الَّتِي قَدُمَ بِنَاؤُهَا، وَطَالَ الْعَهْدُ عَلَى تَأْسِيسِهَا فَلاَ تَصِحُّ، وَذَلِكَ لأِنَّ  قِدَمَ الْبِنَاءِ قَرِينَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِيهِ بِسَبَبٍ مِنَ الأْسْبَابِ النَّاقِلَةِ لِلْمِلْكِيَّةِ، لاِسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ تَمَلَّكَهُ بِسَبَبِ الْخُطَّةِ لِبُعْدِ عَهْدِهَا، فَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ، إِذْ لاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ مَجْهُولٍ، وَمَا دَامَ حُدُوثُ السَّبَبِ مُتَيَقَّنًا، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُدَّعِي بَاطِلٌ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِلْكٌ.

وَصَرَّحَ عُلَمَاءُ الْمَالِكِيَّةِ بِوُجُوبِ ذِكْرِ سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ، وَلَمْ يُمَيِّزُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ دَعْوَى الْعَقَارِ وَغَيْرِهَا. بَلْ رَأَى بَعْضُ عُلَمَائِهِمْ أَنَّ الْقَاضِيَ إِنْ لَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ وَقَبِلَ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَالْخَابِطِ خَبْطَ عَشْوَاءَ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ يَكُونُ فَاسِدًا، فَلاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ لِيُعْرَفَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَوِ ادَّعَى الْمُدَّعِي نِسْيَانَ السَّبَبِ لَمْ يُكَلَّفْ بِبَيَانِهِ.

فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الطَّرِيقَةِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا الْمُدَّعَى بِهِ الْمَنْقُولُ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمَنْقُولِ الْقَائِمِ وَالْهَالِكِ، وَبَيْنَ الْمَنْقُولِ الْغَائِبِ عَنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَالْحَاضِرِ فِيهِ:

فَأَمَّا الْمَنْقُولُ الْقَائِمُ الْحَاضِرُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيُعْلَمُ بِالإْشَارَةِ إِلَيْهِ لأِنَّ  هَذِهِ الْوَسِيلَةَ مُمْكِنَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَلاَ يُصَارُ إِلَى أَقَلٍّ مِنْهَا.

فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْعَيْنُ الْمَنْقُولَةُ حَاضِرَةً فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي: فَإِنْ كَانَ إِحْضَارُهَا إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ مُيَسَّرًا بِحَيْثُ لاَ يُكَلِّفُ نَفَقَةً، طُلِبَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِحْضَارُهَا لِيُشَارَ إِلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ إِحْضَارُهَا يُكَلِّفُ نَفَقَةً، فَيَذْهَبُ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ إِلَى مَكَانِ وُجُودِهَا لِيُشَارَ إِلَيْهَا.

وَأَمَّا الْمَنْقُولُ الْهَالِكُ فَيُعْرَفُ بِذِكْرِ الْقِيمَةِ فَقَطْ، لأِنَّ  عَيْنَ الْمُدَّعَى بِهِ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَتُهَا، وَلاَ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا بِالْوَصْفِ، إِذِ الْعَيْنُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، فَاشْتُرِطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ، حَيْثُ تُعْرَفُ بِهَا الْعَيْنُ الْهَالِكَةُ. وَهَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَنْقُولِ الْقِيَمِيِّ، وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ فَإِنَّ دَعْوَاهُ تُعْتَبَرُ دَعْوَى دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ، فَيُشْتَرَطُ فِي تَعْرِيفِهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّيْنِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ قَرِيبًا.

وَأَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ يَقْصِرُوا طَرِيقَةَ الْعِلْمِ بِالْمَنْقُولِ عَلَى الإْشَارَةِ إِلَيْهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، أَوْ كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَمَّا إِذَا كَانَ غَائِبًا: فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَجَبَ عَلَى الْمُدَّعِي ذِكْرُ وَصْفِهِ الْمَشْرُوطِ فِي عَقْدِ السَّلَمِ. وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا: فَإِنْ كَانَ مُنْضَبِطًا بِالْوَصْفِ، فَيَجِبُ وَصْفُهُ بِمَا يَنْضَبِطُ بِهِ، وَإِلاَّ فَيَجِبُ ذِكْرُ قِيمَتِهِ.

وَأَصْلُ الْخِلاَفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّ الأْعْيَانَ الْقِيَمِيَّةَ، هَلْ تَنْضَبِطُ بِالْوَصْفِ أَوْ لاَ تَنْضَبِطُ؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقِيَمِيَّ لاَ يَنْضَبِطُ بِالْوَصْفِ، لأِنَّ  الْعَيْنَ قَدْ تَشْتَرِكُ مَعَ عَيْنٍ أُخْرَى فِي الْوَصْفِ وَالْحِلْيَةِ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ قَالُوا: لاَ بُدَّ مِنَ الإْشَارَةِ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَمِيِّ، لأِنَّ  الشَّكَّ لاَ يَنْقَطِعُ إِلاَّ بِهَا.

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الأْعْيَانِ الْقِيَمِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ تَنْضَبِطَ بِالْوَصْفِ.

وَبِنَاءً عَلَيْهِ ذَهَبُوا إِلَى الاِكْتِفَاءِ بِوَصْفِ مِثْلِ هَذِهِ الأْعْيَانِ فِي الدَّعْوَى، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا إِحْضَارَهَا لِيُشَارَ إِلَيْهَا.

الْعِلْمُ بِسَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ ذِكْرِ سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ عَلَى الآْرَاءِ التَّالِيَةِ:

أ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ دَعْوَى الْمِثْلِيِّ وَدَعْوَى الْقِيَمِيِّ: فَاشْتَرَطُوا ذِكْرَ سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ فِي الأْولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَذَلِكَ لاِخْتِلاَفِ أَحْكَامِ الأْسْبَابِ الْمُرَتِّبَةِ لِلدُّيُونِ فِي الذِّمَمِ، وَلأِنَّ  الأْصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ مِنَ الدُّيُونِ، فَلاَ بُدَّ لِصِحَّةِ دَعْوَى اشْتِغَالِهَا مِنْ بَيَانِ سَبَبِ هَذَا الاِشْتِغَالِ.

ب - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ ذِكْرِ السَّبَبِ فِي دَعَاوَى الْعَيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِثْلِيَّةً أَمْ قِيَمِيَّةً، وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعِيَ عَنْ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْمُدَّعَى بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْطَنْ لِذَلِكَ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُوَجِّهَ هَذَا السُّؤَالَ، فَإِنِ امْتَنَعَ الْمُدَّعِي عَنْ ذِكْرِهِ لَمْ يُكَلَّفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ عَنِ الدَّعْوَى، وَبِذَلِكَ لاَ تُنْتِجُ أَثَرَهَا، وَهُوَ وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ. وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ يَكُونُ مُعْتَمِدًا فِي دَعْوَاهُ عَلَى سَبَبٍ فَاسِدٍ، كَأَنْ يَكُونَ ثَمَنَ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ، فَإِنَّ كُلَّ هَذَا وَنَحْوَهُ لاَ يَصْلُحُ سَبَبًا لاِسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مِنَ الأْشْيَاءِ.

ج - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قِيَمِيًّا أَمْ مِثْلِيًّا، لِتَعَدُّدِ الأْسْبَابِ وَكَثْرَتِهَا، وَفِي إِيجَابِ ذِكْرِهَا عَلَى الْمُدَّعِي حَرَجٌ كَبِيرٌ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ ضَيَاعُ حُقُوقِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، فَوَجَبَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ.

وَفِي الأْشْيَاءِ الَّتِي مِنْهَا ذُكُورٌ وَمِنْهَا إِنَاثٌ لاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَةِ الأْنُوثَةِ أَوِ الذُّكُورَةِ فِي الدَّعْوَى.

كَيْفِيَّةُ الْعِلْمِ بِالْمُدَّعَى بِهِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ:

إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ نَقْدًا، فَإِنَّهُ يُعْلَمُ بِبَيَانِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَوَصْفِهِ وَقَدْرِهِ،وَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ النَّقْدُ مُتَعَارَفًا عَلَيْهِ فَلاَ حَاجَةَ لِذِكْرِ غَيْرِ قَدْرِهِ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِثْلِيًّا، فَإِنَّهُ يُعْلَمُ بِمِثْلِ مَا يُعْلَمُ بِهِ النَّقْدُ. وَإِذْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا قِيَمِيَّةً، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ تَكُونُ فِي الدَّعْوَى فِي هَذِهِ الْحَالِ دَعْوَى دَيْنٍ إِلاَّ إِذَا كَانَتْ هَالِكَةً، فَإِذَا كَانَتْ هَالِكَةً تُعْلَمُ بِذِكْرِ قِيمَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلاَّ فَلاَ تُعْلَمُ إِلاَّ بِالإْشَارَةِ إِلَيْهَا.

وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَثْبُتُ الأْعْيَانُ الْقِيَمِيَّةُ فِي الذِّمَّةِ إِذَا كَانَتْ مِمَّا يَنْضَبِطُ بِالْوَصْفِ، وَعِنْدَئِذٍ تُعْلَمُ عِنْدَهُمْ بِذِكْرِ أَوْصَافِهَا الَّتِي تَنْضَبِطُ بِهَا، وَهِيَ الأْوْصَافُ الَّتِي يُشْتَرَطُ ذِكْرُهَا فِي عَقْدِ السَّلَمِ.

الْعِلْمُ بِسَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ ذِكْرِ سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الآْرَاءِ الآْتِيَةِ:

أ - فَذَهَبَ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ ذِكْرِ السَّبَبِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ، وَإِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي أَنْ يُبَيِّنَ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ تَرَتَّبَ لَهُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَلْ هُوَ مِنْ قَرْضٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ إِتْلاَفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأْسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ. وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ لاَ بُدَّ لِتَرَتُّبِهِ فِي الذِّمَّةِ مِنْ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ، لأِنَّ  الأْصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ مِنِ اشْتِغَالِهَا بِالدُّيُونِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مِنْ سَبَبٍ لِكُلِّ دَيْنٍ فَيَجِبُ عَلَى مُدَّعِي الدَّيْنِ بَيَانُ سَبَبِهِ، لأِنَّ  الأْسْبَابَ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا، فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الدَّيْنِ عَقْدَ السَّلَمِ مَثَلاً، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ مَكَانِ الإْيفَاءِ، وَلاَ يَجُوزُ الاِسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ ثَمَنَ مَبِيعٍ، حَيْثُ يَجُوزُ الاِسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الإْيفَاءِ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى قَدْ يَكُونُ السَّبَبُ بَاطِلاً كَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ ثَمَنَ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ نَتِيجَةَ مُقَامَرَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَيَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهِ لِيُعْرَفَ ذَلِكَ. وَمِنْ جِهَةٍ ثَالِثَةٍ فَإِنَّ بَعْضَ الأْسْبَابِ لاَ يَصِحُّ الاِعْتِمَادُ عَلَيْهَا فِي دَعْوَى الدَّيْنِ، كَمَا لَوِ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى شَخْصٍ وَقَالَ: إِنَّهُ نَتِيجَةٌ لِحِسَابٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ، فَيَدَّعِي عَلَيْهِ بِسَبَبِ هَذَا الإْقْرَارِ.

ب - وَذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ إِلاَّ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِنَ النُّقُودِ الَّتِي انْقَطَعَ التَّعَامُلُ بِهَا وَفِي الْمِثْلِيَّاتِ.

وَفِي حَالَةِ دَعْوَى الْمَرْأَةِ الدَّيْنَ فِي تَرِكَةِ زَوْجِهَا، لأِنَّ هَا قَدْ تَظُنُّ أَنَّ النَّفَقَةَ تَصْلُحُ سَبَبًا لإِِيجَادِ الدَّيْنِ فِي جَمِيعِ الْحَالاَتِ مَعَ أَنَّهَا لاَ تَصْلُحُ لِذَلِكَ بَعْدَ وَفَاةِ الزَّوْجِ. وَعَلَّلُوا عَدَمَ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ السَّبَبِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالاَتِ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ يَسْتَحْيِي مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْحَرَجِ، وَبِأَنَّ هُنَاكَ بَعْضَ الأَْسْبَابِ لاَ يُمْكِنُ بَيَانُهَا، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا انْتَقَلَ إِلَى الْمُدَّعِي سَنَدُ دَيْنٍ مِنْ مُورِثِهِ، وَكَانَ سَبَبُ الدَّيْنِ غَيْرَ مَذْكُورٍ فِي السَّنَدِ، وَالْمُدَّعِي لاَ يَعْرِفُهُ.

ج - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ دَعْوَى الدَّيْنِ تَكُونُ صَحِيحَةً وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى. وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ تَكُونُ مِنْ جِهَاتٍ شَتَّى يَكْثُرُ عَدَدُهَا، كَالإْرْثِ وَالاِبْتِيَاعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَسَقَطَ وُجُوبُ الْكَشْفِ عَنْ سَبَبِهَا لِكَثْرَتِهَا وَاخْتِلاَفِهَا.

كَيْفِيَّةُ الْعِلْمِ بِالْمُدَّعَى بِهِ فِي دَعْوَى الْعَقْدِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ ذِكْرِ شُرُوطِ الْعَقْدِ لِصِحَّةِ دَعْوَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ:

أ - فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى بَيَانُ شُرُوطِ كُلِّ سَبَبٍ لَهُ شُرُوطٌ كَثِيرَةٌ وَمُعَقَّدَةٌ، فَلاَ تَصِحُّ دَعْوَى النِّكَاحِ وَالسَّلَمِ إِلاَّ بِذِكْرِ شُرُوطِهِمَا مُفَصَّلَةً. وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ ذِكْرَ الطَّوْعِ وَالرَّغْبَةِ فِي دَعْوَى الْعَقْدِ، وَخَالَفَ آخَرُونَ، لأِنَّ  الظَّاهِرَ بَيْنَ النَّاسِ هُوَ الطَّوْعُ، وَالإْكْرَاهُ نَادِرٌ لاَ حُكْمَ لَهُ.

ب - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ ذِكْرُ شُرُوطِ الْعَقْدِ فِي دَعْوَاهُ، لأِنَّ  ظَاهِرَ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ، فَتُحْمَلُ الدَّعْوَى عَلَى الصَّحِيحِ.

ج - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ ذِكْرُ شُرُوطِ الْعَقْدِ فِي دَعْوَاهُ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْعَقْدُ عَقْدَ نِكَاحٍ، حَيْثُ اشْتَرَطُوا ذِكْرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ بِشَاهِدَيْنِ وَوَلِيٍّ وَرِضَاهَا. وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْفَائِتَ فِي الزَّوَاجِ بِالْحُكْمِ الْخَاطِئِ لاَ يُعَوَّضُ، خِلاَفًا لِلْعُقُودِ الأْخْرَى، فَإِنَّهَا أَقَلُّ خَطَرًا، فَأَشْبَهَتْ دَعْوَاهُ دَعْوَى الْقَتْلِ، حَيْثُ اتُّفِقَ عَلَى وُجُوبِ ذِكْرِ شُرُوطِهِ. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الاِخْتِلاَفَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي أَيِّ عَقْدٍ آخَرَ، وَبِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَصَّهُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْعُقُودِ فَقَالَ: «لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ». وَلَوْلاَ هَذَا التَّخْصِيصُ لَكَانَ كَغَيْرِهِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ حَمَلُوهُ عَلَى الاِسْتِحْبَابِ.

د - وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ ذِكْرِ شُرُوطِ الْعَقْدِ فِي دَعْوَاهُ مَهْمَا كَانَ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ بَيْنَ مَا هُوَ كَثِيرُ الشُّرُوطِ وَقَلِيلُهَا.

ذِكْرُ السَّبَبِ فِي الدَّعَاوَى الْجِنَائِيَّةِ:

لَمْ يَخْتَلِفِ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ ذِكْرِ السَّبَبِ فِي الدَّعْوَى الْجِنَائِيَّةِ، فَفِي دَعْوَى الْقَتْلِ مَثَلاً يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقَتْلِ وَهَلْ هُوَ عَنْ عَمْدٍ أَوْ عَنْ خَطَإٍ، وَإِلاَّ فَإِنَّ الدَّعْوَى لاَ تَكُونُ صَحِيحَةً حَتَّى يُصَحِّحَهَا صَاحِبُهَا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَائِتَ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْجِنَايَاتِ لاَ يُعَوَّضُ، وَقَدْ يُحْكَمُ بِشَيْءٍ لاَ يُمْكِنُ رَدُّهُ بَعْدَ الْحُكْمِ، وَلأِنَّ  الأْحْكَامَ الصَّادِرَةَ فِي هَذِهِ الدَّعَاوَى تَتَعَلَّقُ بِالأْصُولِ الَّتِي جَاءَ الإْسْلاَمُ لِحِفْظِهَا، وَهِيَ الدِّيْنُ وَالنَّفْسُ وَالْعَقْلُ وَالنَّسْلُ وَالْمَالُ، فَلاَ يَجُوزُ التَّهَاوُنُ فِي أَمْرِهَا، وَلأِنَّ  الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ تُدْفَعُ بِالشُّبُهَاتِ، وَعَدَمُ التَّفْصِيلِ فِي دَعْوَاهَا يُورِثُ شُبْهَةً، فَلاَ تُقْبَلُ.

وَلاَ بُدَّ فِي دَعْوَى الإْرْثِ مِنْ ذِكْرِ سَبَبِهِ، فَيَذْكُرُ مِنْ أَيَّةِ جِهَةٍ اسْتَحَقَّ الإْرْثَ مِنَ الْمَيِّتِ.

الاِسْتِثْنَاءَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى شَرْطِ الْمَعْلُومِيَّةِ:

لَمَّا كَانَ اشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِالْمُدَّعَى بِهِ فِي الدَّعْوَى هُوَ تَحْقِيقُ مَقْصُودِ مَشْرُوعِيَّةِ الدَّعْوَى مِنْ فَصْلِ الْمُنَازَعَةِ، وَالإْلْزَامِ بِالْحَقِّ، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَرَوْنَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ بِدُونِهِ، وَذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الاِسْتِثْنَاءَاتِ. وَقَدْ حَاوَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَضْعَ ضَوَابِطَ لِهَذِهِ الاِسْتِثْنَاءَاتِ. إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مُعْظَمِهَا، وَفِيمَا يَأْتِي بَعْضُ الضَّوَابِطِ وَبَعْضُ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ: -

1 - ذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ ضَابِطًا لِمَا تَصِحُّ الدَّعْوَى بِهِ مَجْهُولاً، وَهُوَ أَنَّ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ تُقْبَلُ إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ فِيهَا مِمَّا يَصِحُّ وُقُوعُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا، كَالْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ فِيهَا مَجْهُولاً، كَذَلِكَ تَصِحُّ الدَّعْوَى بِالْوَصِيَّةِ الْمَجْهُولَةِ.

2 - وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: تَجُوزُ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ فِيهَا مَوْقُوفًا عَلَى تَقْدِيرِ الْقَاضِي كَالنَّفَقَةِ وَأُجْرَةِ الْحَضَانَةِ وَأَجْرِ الْمِثْلِ وَنَحْوِهَا.

3 - وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا كَانَ هُنَالِكَ عُذْرٌ لِلْمُدَّعِي فِي جَهْلِهِ بِمَا يَدَّعِيهِ قُبِلَتْ دَعْوَاهُ، وَذَلِكَ كَدَعْوَى شَخْصٍ نَصِيبًا مِنْ وَقْفٍ كَثُرَ مُسْتَحِقُّوهُ، فَإِنَّهُ يُعْذَرُ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ بِكَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الأْوْقَافِ.

4وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَمُعْظَمُ الْحَنَابِلَةِ جَوَازَ دَعْوَى الإْقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ، لأِنَّ  الإْقْرَارَ إِخْبَارٌ عَنِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ، فَتَجُوزُ الدَّعْوَى بِهِ مَجْهُولاً، وَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيَانُ مَا أَخْبَرَ عَنْ وُجُوبِهِ.

وَقَدْ قَاسَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى دَعْوَى الْوَصِيَّةِ بِالْمَجْهُولِ.

5وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا وَبَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى جَوَازِ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ فِي حَالَةِ الْغَصْبِ، وَذَلِكَ لأِنَّ  الإْنْسَانَ قَدْ لاَ يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ الْمَغْصُوبِ، فَإِنَّ الْغَصْبَ كَثِيرًا مَا يَحْدُثُ وَلاَ يَتَمَكَّنُ الشُّهُودُ مِنْ مُعَايَنَةِ الْمَغْصُوبِ، وَقَدْ يَقُولُونَ: رَأَيْنَا فُلاَنًا يَغْصِبُ مَالَ فُلاَنٍ وَلاَ نَدْرِي قِيمَةَ مَا غَصَبَ، فَيُقْبَلُ ذَلِكَ.

الشَّرْطُ الثَّانِي:

أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مُحْتَمِلَ الثُّبُوتِ:

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ الدَّعْوَى بِمَا يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُهُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ كَمَنْ يَدَّعِي بُنُوَّةَ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ سِنًّا أَوْ مَنْ هُوَ مُسَاوِيهِ، وَكَمَنْ يَدَّعِي عَلَى شَخْصٍ مَعْرُوفٍ بِالصَّلاَحِ وَالتَّقْوَى أَنَّهُ غَصَبَ مَالَهُ، وَكَادِّعَاءِ رَجُلٍ مِنَ السُّوقَةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ عَلَى عَظِيمٍ مِنَ الْمُلُوكِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِكَنْسِ دَارِهِ وَسِيَاسَةِ دَوَابِّهِ، وَنَقَلَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ عَنِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَ بِقَبُولِ الدَّعْوَى فِي الْمِثَالِ الأْخِيرِ، مَعَ مُخَالَفَةِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ.

وَاسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ كَوْنِ الْمُدَّعَى بِهِ مُحْتَمَلاً فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي قوله تعالي : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

وَمِمَّا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌفَفِي هَذَا دَعْوَةٌ إِلَى وُجُوبِ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ السَّائِدِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لأِنَّ هُمْ لاَ يَتَّفِقُونَ إِلاَّ عَلَى مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ سَمَاعَ الدَّعْوَى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ طَرَفَيْنِ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا تَعَامُلٌ وَلاَ خِلْطَةٌ، فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ حُكِمَ لَهُ بِمَا ادَّعَى، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْبَيِّنَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ، فَالتَّعَامُلُ وَالْخِلْطَةُ شَرْطٌ عِنْدَهُمْ فِي تَوْجِيهِ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ، وَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَيِّمِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.

لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ  فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ ثُبُوتُ خِلْطَةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ، لِجَرَيَانِ الْعَمَلِ بِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ إِنْ خَالَفَهُ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ:

أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ حَقًّا أَوْ مَا يَنْفَعُ فِي الْحَقِّ، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَقُّ قَدْ تَعَرَّضَ لإِضْرَارِ الْخَصْمِ :

فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى أَنْ لاَ تَكُونَ عَبَثًا،وَالْمَالِكِيَّةُ ذَكَرُوا صِيغَةً لِهَذَا الشَّرْطِ قَرِيبَةً مِمَّا سَبَقَ، فَاشْتَرَطُوا فِي الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ ذَاتَ غَرَضٍ صَحِيحٍ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا نَفْعٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا. وَفُرُوعُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا.

وَقَدْ وَضَعَ عُلَمَاءُ الْمَالِكِيَّةِ قَاعِدَةً عَامَّةً لِتَحَقُّقِ هَذَا الشَّرْطِ فِي الدَّعْوَى فَقَالُوا. بِأَنَّهُ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُدَّعِي لَوْ أَقَرَّ بِهِ خَصْمُهُ.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الشَّرْطِ تُرَدُّ الدَّعْوَى فِي الْحَالاَتِ الآْتِيَةِ:

1- إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُدَّعَى حَقًّا، أَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ حَقِيرٌ لاَ يَسْتَحِقُّ شَغْلَ الْقَضَاءِ بِهِ، وَمِثَالُ الأْوَّلِ أَنْ تَدَّعِيَ امْرَأَةٌ زَوْجِيَّةَ شَخْصٍ مَاتَ، وَلَمْ تَطْلُبْ فِي دَعْوَاهَا حَقًّا آخَرَ مِنْ إِرْثٍ أَوْ صَدَاقٍ مُؤَخَّرٍ، أَوْ كَمَنْ يَطْلُبُ إِلْحَاقَهُ بِنَسَبِ شَخْصٍ مَاتَ، وَلاَ يَطْلُبُ حَقًّا آخَرَ مِنْ إِرْثٍ وَنَحْوِهِ.

وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يَطْلُبَ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ حَبَّةَ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الأَْشْيَاءِ التَّافِهَةِ.

2 أَنْ لاَ يَكُونَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى مُخْتَصًّا بِالْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا يَعُودُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسُ الْمُدَّعِي نَائِبًا عَنْ صَاحِبِ الْحَقِّ.

3 - أَنْ لاَ يَكُونَ هُنَاكَ مُنَازِعٌ لِلْمُدَّعِي فِي الْحَقِّ الَّذِي يَطْلُبُهُ فِي دَعْوَاهُ، كَمَنْ يَرْفَعُ دَعْوَى أَمَامِ الْقَضَاءِ وَيَطْلُبُ فِيهَا الْحُكْمَ لَهُ بِالدَّارِ الَّتِي يَسْكُنُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنَازِعَهُ أَحَدٌ فِيهَا.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الشَّرْطِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ فِيمَا يَلْزَمُ شَيْئًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِ الدَّعْوَى. وَلِذَلِكَ لاَ تَصِحُّ الدَّعْوَى بِمَا يَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُخَيَّرًا فِيهِ، فَلاَ تَصِحُّ دَعْوَى الْهِبَةِ غَيْرِ الْمَقْبُوضَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ لُزُومِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ الَّتِي لاَ يَأْخُذُ الْوَكِيلُ عَلَيْهَا أَجْرًا، وَكَذَلِكَ دَعْوَى الْوَعْدِ وَدَعْوَى الْوَصِيَّةِ عَلَى الْمُوصِي فِي الْحَالاَتِ الَّتِي يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ وَصِيَّتِهِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ:

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى. وَذَلِكَ لأِنَّ  الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ غَيْرُ لاَزِمٍ فِي الْحَالِ، فَدَعْوَاهُ طَلَبٌ لِمَا لَيْسَ بِلاَزِمٍ وَقْتَ الْبَيِّنَةِ، فَلاَ تَكُونُ مُفِيدَةً قَبْلَ حُلُولِ الأْجَلِ.

وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ الْحَالاَتِ فَقَبِلُوا فِيهَا دَعْوَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، وَمِنْ هَذِهِ الْحَالاَتِ مَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَطْلُوبُ بِالدَّعْوَى قَدْ حَلَّ بَعْضُهُ، فَتَصِحُّ الدَّعْوَى بِهِ جَمِيعًا، عَلَى أَنْ يُرَاعَى الأْجَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُزْءِ الَّذِي لَمْ يَحِلَّ بَعْدُ. وَمِنْهَا مَا لَوِ ادَّعَى الدَّائِنُ عَلَى مَدِينِهِ الْمُعْسِرِ، وَقَصَدَ بِدَعْوَاهُ إِثْبَاتَ دَيْنِهِ، لِيُطَالِبَ بِهِ إِذَا أَيْسَرَ الْغَرِيمُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى جَوَازِ الدَّعْوَى بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إِذَا قَصَدَ بِهَا حِفْظَ الْبَيِّنَاتِ مِنَ الضَّيَاعِ، وَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لأِنَّ  الْقِيَاسَ عَدَمُ صِحَّةِ الدَّعْوَى بِحَقٍّ غَيْرِ لاَزِمٍ فِي الْحَالِ. وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ حَاجَةُ النَّاسِ إِلَى حِفْظِ حُقُوقِهِمُ الْمُؤَجَّلَةِ احْتِيَاطًا لِمَا قَدْ تَئُولُ إِلَيْهِ الْبَيِّنَاتُ مِنَ الْفِقْدَانِ.

وَبِنَاءً عَلَى الشَّرْطِ السَّابِقِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ مَا يُسَمَّى بِدَعْوَى قَطْعِ النِّزَاعِ، وَصُورَتُهَا أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ أَنَّ آخَرَ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ قِبَلَهُ حَقًّا، وَيُهَدِّدُ مِنْ حِينٍ لآِخَرَ بِاسْتِعْمَالِ هَذَا الْحَقِّ فَيَلْجَأُ إِلَى الْقَضَاءِ طَالِبًا مِنْهُ إِحْضَارَ صَاحِبِ الزَّعْمِ وَتَكْلِيفَهُ بِعَرْضِ دَعْوَاهُ وَأَسَانِيدِهَا لِيُبَرْهِنَ هُوَ عَلَى كَذِبِهَا وَيَطْلُبَ الْحُكْمَ بِوَضْعِ حَدٍّ لِهَذِهِ الْمَزَاعِمِ.

الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الدَّعْوَى:

إِذَا رُفِعَتِ الدَّعْوَى مُسْتَوْفِيَةَ الشُّرُوطِ، تَرَتَّبَ عَلَيْهَا ثَلاَثَةُ آثَارٍ هِيَ: نَظَرُ الْقَاضِي فِيهَا، وَحُضُورُ الْخَصْمِ، وَالْجَوَابُ عَنْهَا، وَتَفْصِيلُ هَذَا فِيمَا يَأْتِي:

أَوَّلاً - نَظَرُ الدَّعْوَى:

إِذَا رُفِعَتِ الدَّعْوَى إِلَى الْقَاضِي كَانَ مُكَلَّفًا بِالنَّظَرِ فِيهَا وَالْفَصْلِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ الاِمْتِنَاعُ عَنْ ذَلِكَ، إِذِ الْفَصْلُ فِي خُصُومَاتِ النَّاسِ فَرْضٌ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ إِحْقَاقٌ لِلْحَقِّ وَرَفْعٌ لِلظُّلَمِ، وَرَفْعُ الظُّلْمِ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي عَلَى الْفَوْرِ.

وَفِي خِلاَلِ نَظَرِ الْقَاضِي فِي الدَّعْوَى الْمَرْفُوعَةِ إِلَيْهِ يَنْبَغِي عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ مَبَادِئٍ وَأُصُولٍ أَشَارَ إِلَيْهَا الْفُقَهَاءُ، بَعْضُهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهَا مُسْتَحَبٌّ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءٌ).

ثَانِيًا - حُضُورُ الْخَصْمِ:

إِذَا أَرَادَ الْمُدَّعِي الْمُطَالَبَةَ بِحَقِّهِ عَنْ طَرِيقِ الْقَضَاءِ سَلَكَ أَحَدَ سَبِيلَيْنِ:

الأْوَّلُ - أَنْ يَتَوَجَّهَ أَوَّلاً إِلَى خَصْمِهِ يَطْلُبُ مِنْهُ الْحُضُورَ مَعَهُ إِلَى مَجْلِسِ التَّقَاضِي.

الثَّانِي: أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ مُبَاشَرَةً، فَيَرْفَعَ الدَّعْوَى وَيَطْلُبَ مِنْهُ إِحْضَارَ خَصْمِهِ مِنْ أَجْلِ مُقَاضَاتِهِ وَالنَّظَرِ فِي الْخُصُومَةِ.

فَإِذَا سَلَكَ الْمُدَّعِي السَّبِيلَ الأْوَّلَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَدْعُوَ خَصْمَهُ إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِأَرْفَقِ الْوُجُوهِ وَأَجْمَلِ الأْقْوَالِ، وَالأَصْلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الإْجَابَةُ إِلَى ذَلِكَ وَعَدَمُ التَّأَخُّرِلقوله تعايل : (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

فَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الآْيَاتُ الْكَرِيمَةُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَسْتَجِيبَ لِمَنْ يَدْعُوهُ إِلَى التَّحَاكُمِ إِلَى شَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ ظَالِمًا فَاجِرًا.

وَأَمَّا إِذَا سَلَكَ الْمُدَّعِي الطَّرِيقَ الآْخَرَ، أَوْ رَفَضَ خَصْمُهُ الْحُضُورَ مَعَهُ إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، فَالأْصْلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إِحْضَارُهُ، وَلَكِنَّ لِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلاً وَخِلاَفًا فِي وُجُوبِ إِحْضَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ حَالَتَيْنِ: (الأُولَى): أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَرِيبًا مِنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِحَيْثُ إِذَا أَحْضَرَهُ الْقَاضِي أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَبِيتَ فِيهِ. (وَالثَّانِيَةُ): أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا عَنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِحَيْثُ إِذَا أُحْضِرَ إِلَيْهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْمَبِيتِ فِي مَنْزِلِهِ.

فَفِي الْحَالَةِ الأْولَى يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إِحْضَارُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، إِذْ لاَ يَتِمُّ إِنْصَافُ الْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ إِلاَّ بِذَلِكَ.

وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لاَ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إِحْضَارُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، لأِنَّ  حُضُورَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يُزْرِي بِبَعْضِ النَّاسِ، وَقَدْ لاَ يَكُونُ لِلْمُدَّعِي غَرَضٌ مِنْ دَعْوَاهُ إِلاَّ أَذِيَّةَ خَصْمِهِ. وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إِحْضَارُ الْخَصْمِ إِذَا اسْتَطَاعَ الْمُدَّعِي أَنْ يُعَضِّدَ دَعْوَاهُ بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا، فَإِنْ فَعَلَ أَمَرَ الْقَاضِي بِإِحْضَارِهِ. ثُمَّ إِذَا حَضَرَ أُعِيدَتِ الْبَيِّنَةُ مِنْ أَجْلِ الْقَضَاءِ بِهَا. وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَطْلُبُ مِنَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً مِنْ أَجْلِ إِحْضَارِ خَصْمِهِ، وَإِنَّمَا يَكْتَفِي مِنْهُ بِالْيَمِينِ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ حَلَفَ أَمَرَ الْقَاضِي بِإِحْضَارِ خَصْمِهِ، وَإِلاَّ فَلاَ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ، وَحَدُّ الْبُعْدِ عِنْدَهُمْ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، فَأَمَّا الْقَرِيبُ فَيَنْبَغِي عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ بِإِحْضَارِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، فَإِنْ أَبَى لِغَيْرِ عُذْرٍ أَحْضَرَهُ قَهْرًا. عَلَى أَنَّهُ لاَ يَأْمُرُ بِإِحْضَارِهِ إِلاَّ إِذَا قَدَّمَ الْمُدَّعِي وَجْهًا يَسْتَوْجِبُ إِحْضَارَهُ، فَإِنْ أَظْهَرَ حُجَّةً أَوْ قَوْلاً يُوجِبُ ذَلِكَ أَجَابَهُ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ شَيْئًا لَمْ يَأْمُرْ بِإِحْضَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ بَعِيدًا عَنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَكْثَرَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ إِحْضَارُهُ، وَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ الْبَعِيدِ إِذَا كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ فَقَدْ جَعَلُوا لِلْقَاضِي الَّذِي رُفِعَتْ إِلَيْهِ الدَّعْوَى أَنْ يَكْتُبَ إِلَى قَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَطْلُبَ مِنْهُ اسْتِجْوَابَهُ، وَيُسَجِّلَ مَا يُبْدِيهِ مِنْ حُجَجٍ ثُمَّ يُرْسِلَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْظُرَ فِي الدَّعْوَى عَلَى ضَوْءِ مَا يَصِلُهُ مِنْ قَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي شَاهِدٌ بِدَعْوَاهُ كَتَبَ الْقَاضِي إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إِمَّا أَنْ تَحْضُرَ أَوْ تُرْضِيَ خَصْمَكَ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ إِحْضَارُ الْخَصْمِ الْحَاضِرِ فِي الْبَلَدِ، أَوْ مَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، بِحَيْثُ يَسْتَطِيعُ الْحُضُورَ إِلَيْهِ وَالرُّجُوعَ إِلَى بَلَدِهِ فِي الْيَوْمِ نَفْسِهِ. وَلَكِنَّهُمُ اشْتَرَطُوا مِنْ أَجْلِ وُجُوبِ إِحْضَارِ الْخَصْمِ أَنْ لاَ يُعْلَمَ كَذِبَ الْمُدَّعِي، وَأَنْ لاَ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مُسْتَحِيلاً عَقْلاً أَوْ عَادَةً، وَأَنْ لاَ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسْتَأْجِرًا لِعَيْنٍ يُعَطِّلُ حُضُورُهُ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَتِهَا، وَإِنَّمَا يُحْضِرُهُ إِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَةِ، وَقَدْ ضَبَطُوا التَّعْطِيلَ الْمُضِرَّ بِأَنْ يَمْضِيَ زَمَنٌ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ.

وَالشَّافِعِيَّةُ كَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يُجِيزُونَ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إِذَا كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ مَقْبُولَةٌ، وَبِهَذَا يَسْتَطِيعُ الْمُدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ الْبَعِيدِ أَنْ يَسْلُكَ هَذَا الطَّرِيقَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ إِحْضَارَ خَصْمِهِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَسْلَكٌ قَرِيبٌ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ: فَقَدْ فَصَّلُوا بَيْنَ الْقَرِيبِ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَالْبَعِيدِ عَنْهُ، فَالْقَرِيبُ يَحْضُرُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَلاَ يُطْلَبُ مِنَ الْمُدَّعِي تَفْصِيلُ مَطَالِبِهِ، وَلاَ ذِكْرُ الشُّرُوطِ الْمُصَحِّحَةِ لِلدَّعْوَى، وَالْبَعِيدُ لاَ يَحْضُرُ إِلاَّ إِذَا فَصَّلَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ وَذَكَرَ جَمِيعَ شُرُوطِهَا، وَلَكِنَّ مُقْتَضَى كَلاَمِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي فِي الْقَرِيبِ أَنْ يَسْتَفْسِرَ عَنْ بَعْضِ شُرُوطِ الدَّعْوَى، فَيَسْأَلَ مَثَلاً عَنِ الْمُدَّعَى بِهِ لِيَعْلَمَ إِنْ كَانَ تَافِهًا لاَ تَتَّبِعُهُ الْهِمَّةُ أَوْ غَيْرَ تَافِهٍ. وَيَجْدُرُ بِالذِّكْرِ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ هُمْ مِمَّنْ أَجَازَ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ الْبَعِيدِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْمُدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ الْبَعِيدِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَطْلُبَ الْحُكْمَ عَلَى خَصْمِهِ مَعَ غِيَابِهِ، وَلاَ يَطْلُبُ إِحْضَارَهُ، إِلاَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ بَيِّنَةٌ بِمَا يَدَّعِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يُنْظَرْ فِي دَعْوَاهُ.

كَيْفِيَّةُ إِحْضَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

إِذَا اسْتَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِدَعْوَةِ خَصْمِهِ، وَحَضَرَ مَعَهُ إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، فَلاَ حَاجَةَ عِنْدَئِذٍ لأِيِّ إِجْرَاءٍ يُتَّخَذُ مِنْ أَجْلِ إِحْضَارِهِ.

وَأَمَّا إِذَا جَاءَ الْمُدَّعِي إِلَى الْقَاضِي وَقَالَ لَهُ: إِنَّ لِي عَلَى فُلاَنٍ حَقًّا، وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ تَوَارَى عَنِّي وَلَيْسَ يَحْضُرُ مَعِي، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي الدَّعْوَى، وَيَسْأَلُ عَنْ مَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَالُ بِحَيْثُ يَنْبَغِي إِحْضَارُ الْمَطْلُوبِ أَمَرَ الْقَاضِي بِإِحْضَارِهِ بِكِتَابٍ أَوْ رَسُولٍ. ثُمَّ إِذَا أَطْلَعَ الْخَصْمَ عَلَى طَلَبِ الْحُضُورِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ دِيَانَةً وَقَضَاءً، إِلاَّ إِذَا وَكَّلَ عَنْ نَفْسِهِ مَنْ يَرْضَاهُ لِيَنُوبَ عَنْهُ فِي الْمُخَاصَمَةِ، وَإِلاَّ فَإِنْ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ تَعَنَّتَ وَرَفَضَ الْمَجِيءَ بَعْدَ أَنْ أَطْلَعَهُ عَلَى طَلَبِ الْقَاضِي، فَإِنَّ هَذَا يُرْسِلُ إِلَيْهِ بَعْضَ أَعْوَانِهِ، فَيُحْضِرُونَهُ قَهْرًا إِذَا وَجَدُوهُ وَامْتَنَعَ عَنِ الْحُضُورِ. ثُمَّ إِذَا حَضَرَ إِلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَقَامَ الدَّلِيلُ عَلَى تَعَنُّتِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أُدِّبَ بِمَا يَرَاهُ الْقَاضِي مُنَاسِبًا لِمِثْلِهِ. وَذَلِكَ لأِنَّهُ امْتَنَعَ عَنِ الْقِيَامِ بِوَاجِبَيْنِ هُمَا: التَّحَاكُمُ إِلَى شَرْعِ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ دُعِيَ إِلَيْهِ، وَطَاعَةُ وَلِيِّ الأْمْرِ.

ثُمَّ إِذَا عَجَزَ الأْعْوَانُ عَنْ إِحْضَارِهِ بَعَثَ الْقَاضِي إِلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ أَوِ الْوَالِي، فَيُعَرِّفُهُ بِالأْمْرِ، فَيُحْضِرُهُ إِلَيْهِ.

انْتِهَاءُ الدَّعْوَى:

تَنْتَهِي الدَّعْوَى غَالِبًا بِصُدُورِ حُكْمٍ فِي مَوْضُوعِهَا يَحْسِمُ النِّزَاعَ، بِحَيْثُ لاَ تُقْبَلُ بَعْدَ ذَلِكَ إِثَارَتُهُ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَنْتَهِي بِعَارِضٍ مِنَ الْعَوَارِضِ يَضَعُ حَدًّا لِلْخُصُومَةِ قَبْلَ وُصُولِهَا إِلَى تِلْكَ النِّهَايَةِ.

أَمَّا الْحُكْمُ فَقَدْ عَرَّفَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ فَصْلُ الْخُصُومَةِ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ: أَنْ تَتَقَدَّمَهُ خُصُومَةٌ وَدَعْوَى صَحِيحَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الإْلْزَامِ، وَأَنْ يَكُونَ وَاضِحًا بِحَيْثُ يُعَيَّنُ فِيهِ مَا يُحْكَمُ بِهِ وَمَنْ يُحْكَمُ لَهُ بِصُورَةٍ وَاضِحَةٍ، وَشُرُوطٌ أُخْرَى مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا وَتَفْصِيلُ أَنْوَاعِ الْحُكْمِ وَأَثَرِهِ فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءٌ).

وَأَمَّا الْعَوَارِضُ الَّتِي تَنْتَهِي الدَّعْوَى قَبْلَ صُدُورِ حُكْمٍ فِيهَا، فَإِنَّهُ بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ لَمْ يُعْنَوْا بِحَصْرِهَا، إِلاَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِنْتَاجُهَا مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالأْصُولِ الَّتِي اعْتَمَدُوا عَلَيْهَا فِي التَّقَاضِي وَنَظَرِ الدَّعَاوِي، وَمِنْ بَعْضِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا:

أ - بِنَاءً عَلَى تَعْرِيفِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مَنْ إِذَا تَرَكَ الْخُصُومَةَ لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الدَّعْوَى تَنْتَهِي بِتَنَازُلِ الْمُدَّعِي عَنْهَا بِإِرَادَتِهِ، قَالَ الْبَاجُورِيُّ: (إِنَّ مَشِيئَةَ الْمُدَّعِي لاَ تَتَقَيَّدُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَلَهُ إِمْهَالُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَى الأَبَدِ بَلْ لَهُ الاِنْصِرَافُ وَتَرْكُ الْخُصُومَةِ بِالْكُلِّيَّةِ).

ب - وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ شُرُوطِ الدَّعْوَى فَإِنَّهَا تَنْتَهِي إِذَا طَرَأَ مَا يَجْعَلُ بَعْضَ تِلْكَ الشُّرُوطِ مُتَخَلِّفًا، كَمَا لَوْ أَضْحَى الْمُدَّعِي لاَ مَصْلَحَةَ لَهُ فِي مُتَابَعَةِ السَّيْرِ فِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَوْنَ الدَّعْوَى مُفِيدَةً شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا، وَيُمْكِنُ حُدُوثُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْهَا: أَنْ يُتَوَفَّى الصَّغِيرُ الْمُتَنَازَعُ عَلَى حَضَانَتِهِ، فَيُصْبِحُ الاِسْتِمْرَارُ فِي الدَّعْوَى غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمُدَّعِي، وَمِنْهَا أَنْ يُتَوَفَّى الزَّوْجُ الَّذِي تَطْلُبُ الزَّوْجَةُ الْحُكْمَ بِتَطْلِيقِهَا مِنْهُ، حَيْثُ تَنْتَفِي الْمَصْلَحَةُ فِي اسْتِمْرَارِ نَظَرِ الدَّعْوَى.

غَيْرَ أَنَّهُ يَجْدُرُ بِالْمُلاَحَظَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ الأْصْلِيَّ فِي الدَّعْوَى قَدْ يُصْبِحُ فِي مَرْكَزِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا تَقَدَّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الأْصْلِيُّ بِدَفْعٍ صَحِيحٍ لِلدَّعْوَى الأَْصْلِيَّةِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ السَّابِقَةَ تَقْتَضِي أَنْ لاَ يُسْمَحَ لِلْمُدَّعِي الأْصْلِيِّ أَنْ يَتْرُكَ دَعْوَاهُ إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ أَبْدَى دَفْعًا لِهَذِهِ الدَّعْوَى إِلاَّ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ تَنْتَهِي الدَّعْوَى إِذَا انْتَهَى التَّنَازُعُ فِي الْحَقِّ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ صُدُورِ حُكْمٍ فِي مَوْضُوعِ الدَّعْوَى، كَمَا لَوْ تَصَالَحَ الْخُصُومُ عَلَى الْحَقِّ الْمُدَّعَى.