تتناول المادة 23 الحكم الخاص بتصحيح الإجراء الباطل وهو ما نص عليه في القانون رقم 100 لسنة 1962 من أن التصحيح لا ينتج أثره إلا من تاريخ حصوله ولا يرجع إلى تاريخ القيام بالإجراء الأصلي الذي لحقه التصحيح .
1 ـ لئن كان من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن الخصومة فى الدعوى تبدأ بإيداع صحيفة إفتتاحها قلم كتاب المحكمة طبقاً للمادة 63 من قانون المرافعات و لا يجزىء عن ذلك تكليف الخصم بالحضور فى الجلسة المحددة ، و يترتب على عدم سلوك الطريق الذى إستنه القانون لرفع الدعوى حق الخصم فى الدفع بعدم قبول الدعوى و تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها و هو فى حقيقته دفع موجه إلى إجراءات الخصومة و شكلها و كيفية توجيهها إلا أنه يجوز تصحيحها عملاً بالمادة 23 من قانون المرافعات إقتصاداً فى إجراءات الخصومة و منعاً للمبالغة فى التمسك بالشكل .
(الطعن رقم 1587 لسنة 51 جلسة 1989/06/12 س 40 ع 2 ص 577 ق 257)
2 ـ لئن كان يجوز تصحيح الإجراء الباطل عملاً بالمادة 23 من قانون المرافعات إلا أن هذا التصحيح - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يجب أن يتم فى ذات مرحلة التقاضى التى إتخذ فيها الإجراء محل التصحيح . و الثابت أن وكيل الطاعن لم يرفق توكيلاً خاصاً بالرد لدى التقرير به و لم يقدم مثل هذا التوكيل أمام محكمة أول درجة حتى صدور حكمها بعدم قبول طلب الرد ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أيد هذا القضاء يكون صحيح النتيجة .
(الطعن رقم 728 لسنة 53 جلسة 1987/01/22 س 38 ع 1 ص 149 ق 36)
3 ـ أوجب قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 فى المادة 253 منه على الخصوم أن ينيبوا عنهم محامين مقبولين أمام محكمة النقض فى القيام بالإجراءات و فى المرافعة أمامها، و الحكمة فى ذلك أن هذه المحكمة لا تنظر إلا فى المسائل القانونية ، فلا يصح أن يتولى تقديم الطعون إليها و المرافعة فيها إلا المحامون المؤهلون لبحث مسائل القانون . و إذ يبين من الاطلاع على الأوراق أن صحيفة الطعن موقع عليها بإمضاء محام نيابة عن المحامى الوكيل عن الطاعنة ، و كان الثابت من الشهادة الصادرة من نقابة المحامين أن المحامى الموقع على صحيفة الطعن لم يقبل للمرافعة أمام محكمة النقض حتى تاريخ تحرير هذه الشهادة ، فإنه يتعين إعمال الجزاء المنصوص عليه فى المادة 253 سالفة الذكر ، و لا محل لما تقول به الطاعنة من أن الغاية من الإجراء تحققت بتقديم التوكيل الصادر منها لمحاميها المقبول أمام محكمة النقض ، و أن صحيفة الطعن صدرت منه فلا يحكم بالبطلان طبقا لما تنص عليه المادة 20 فقرة ثانية من قانون المرافعات ، ذلك أن الغاية من توقيع محام مقبول أمام محكمة النقض على صحيفة الطعن لم تحقق على هذه الصورة ، و إذ كان هذا الإجراء الباطل لم يتم تصحيحه فى الميعاد المقرر قانوناً لاتخاذ الإجراء طبقا لما تنص عليهالمادة 23 من قانون المرافعات فإن الطعن يكون باطلا .
(الطعن رقم 3 لسنة 39 جلسة 1971/12/08 س 22 ع 3 ص 1005 ق 168)
4 ـ المادة 20 من قانون المرافعات إذ تنص على أنه " إذا عين القانون للحضور أو لحصول الإجراء ميعاداً مقدراً بالأيام أو بالشهور أو يالسنين فلا يحتسب فيه يوم التكليف أو التنبيه أو حدوث الأمر المعتبر فى نظر القانون مجرياً للميعاد و ينقضى الميعاد بإنقضاء اليوم الأخير فيه إذا كان ظرفاً يجب أن يحصل فيه الإجراء " فقد أفادت بذلك و بصدد سريان ميعاد الإستئناف عدم إحتساب اليوم الذى يصدر فيه الحكم المستأنف و إنما يحتسب الميعاد من اليوم التالى لصدوره . فإذا كان الحكم الإبتدائى قد صدر فى 1963/1/14 و كان ميعاد إستئنافه ستين يوما يبدأ من تاريخ صدوره وفقا لنص المادتين 379 ، 402 من قانون المرافعات فإن مقتضى ذلك أن يبدأ ميعاد الإستئناف من يوم 1963/1/15 و هو اليوم التالى لصدور الحكم و ينتهى فى يوم 1963/3/15 دون أن يحتسب اليوم الذى صدر فيه الحكم ، غير أنه و قد صادف يوم 1963/3/15 و هو اليوم الستون الذى ينتهى فيه ميعاد الإستئناف عطلة رسمية " يوم الجمعة " فإن الميعاد يمتد إلى يوم 1963/3/16 و هو أول يوم عمل بعد إنتهائه عملاً بالمادة 23 من قانون المرافعات و يكون الإستئناف قد رفع فى الميعاد إذ قدمت صحيفته فى ذلك اليوم إلى قلم المحضرين .
(الطعن رقم 460 لسنة 34 جلسة 1968/11/19 س 19 ع 3 ص 1391 ق 209)
تصحيح البطلان :
نعني بتصحيح البطلان زواله ، أي أن العمل المعيب القابل للإبطال يصبح غير قابل له . ويعمد المشرع الحديث إلى الإكثار من حالات التصحيح حتى تستمر الخصومة ، وتحقق غايتها بغير العقبات التي يثيرها بطلان عمل منها . ويمكن تقسيم التصحيح إلى نوعين : التصحيح بزوال العيب ، والتصحيح رغم بقاء العيب . على التفصيل التالي :
التصحيح بزوال العيب :
لهذا التصحيح في القانون المصري صورتان : تكملة العمل الإجرائي المعيب ، والتصحيح بالحضور . ولما كان التصحيح بالحضور لا ينطبق على جميع الأعمال الإجرائية ، بل يعتبر تطبيقاً خاصاً لتحقيق الغاية من الشكل بالنسبة لصحيفة الدعوى وإعلانها أو التكليف بالحضور فإننا نرجیء دراسته إلى المكان المناسب عند بحث إجراءات الخصومة .
أولاً : تكملة العمل الإجرائي : لا يبطل العمل إلا إذا كان معيباً ، فإذا تحقق عيب في العمل مما يؤدي إلى بطلانه ، ثم أضيف المقتضي الذي ينقص العمل أو صحح المقتضى المعيب فيه بحيث تتوافر في العمل جميع مقتضياته فإنه يصبح غير معيب ولا يحكم ببطلانه . وقد نص المشرع المصرى على التصحيح بالتكملة في المادة 23 مرافعات «يجوز تصحيح الإجراء الباطل ولو بعد التمسك بالبطلان على أن يتم ذلك في الميعاد المقرر قانوناً لإتخاذ الإجراء فإذا لم يكن للإجراء ميعاد مقرر في القانون حددت المحكمة ميعاداً مناسباً لتصحيحه . ولا يعتد بالإجراء إلا من تاريخ تصحيحه».
ويبين من هذا النص أنه يشترط للتصحيح بالتكملة شرطان :
1- أن يضاف إلى العمل ما ينقصه . وذلك بإضافة المقتضى الناقص أو تعديل المقتضى المعيب . ويستوي أن يكون العيب أو النقص في مقتضی موضوعي كعيب الأهلية أو التمثيل القانوني ، أو في مقتضى شكلي . فإذا كانت صحيفة الدعوى باطلة لرفعها على قاصر ، فإن حضور الوصي على القاصر يصحح البطلان . وإذا كانت الصحيفة باطلة لرفعها باسم شركة تحت التصفية دون ذكر المصفي الذي له تمثيلها قانوناً أمام القضاء فإن تدخل الممثل القانوني للشركة أثناء المرافعة يصحح البطلان. وإذا كانت صحيفة الاستئناف من شركة تجارية قد رفعها أحد مديرى الشركة ولا يمثلها قانوناً إلا المديران معاً فإن هذه الصحيفة الباطلة تصحح بحضور المديرين أمام القضاء عند نظر الإستئناف . وإذا كان الحارس على الوقف قد رفع دعوى تثبيت ملكية دون رضاء المستحقين بالمخالفة لنص المادة 735 مدني ، فإن تدخل المستحقين منضمين إلى الحارس في طلباته يزيل العيب الذي شاب تمثيله لهم.
كذلك يمكن التكملة بالنسبة للعيب الشكلي : فإذا حدث خطأ في تاريخ الجلسة كأن ذكر يوم 24 أكتوبر بدلاً من 22 أكتوبر ، فإن هذا النقص يصحح باعلان آخر يبين التاريخ الصحيح. وإذا أعلن تقرير الطعن غير مشتمل على بيان الحكم المطعون فيه وتاريخه ، فإن هذا النقص يكمله إعادة إعلان التقرير مشتملاً على هذه البيانات.
ولا يشترط أن تتم التكملة بنفس الوسيلة التي تم بها العمل المراد تكملته . ولا أن يكون البيان المضاف مماثلاً تماماً للبيان الناقص مادام يؤدي الوظيفة التي يؤديها هذا البيان . ولهذا فإن تقدم محامي المدعى أو الطاعن بطلب إلى قلم الكتاب يتضمن بیان اسم الشارع الذي يقيم فيه المدعى عليه أو المطعون ضده يكمل النقص الوارد في صحيفة الدعوى أو في صحيفة الطعن متى تم الإعلان على أساسه . ويمكن التصحيح بالتكملة سواءً كان البطلان متعلقاً بالمصلحة الخاصة أو المصلحة العامة . ذلك أن النظام العام لا يضار ما دام قد أمكن تكملة العيب .
2- يجب أن تتم التكملة في الميعاد الذي ينص عليه القانون للقيام بالعمل الإجرائي . وعلى هذا إذا رفع إستئناف وشاب صحيفته عيب فإنه يشترط لتصحيحها بالتكملة أن تتم هذه التكملة خلال ميعاد الاستئناف . فإذا كان الميعاد قد إنقضى ، فإن التصحيح بالتكملة يصبح غير جائز . فإذا لم يكن هناك ميعاد يجب القيام بالعمل خلاله ، فإن المحكمة تعين ميعاداً للتصحيح . وإذا حددت المحكمة ميعاداً للتصحيح ، فإن على الخصم أن يقوم بالتصحيح خلاله . ولكن ما جزاء عدم التقيد به ؟ لم يوضح القانون المصرى الحل الذي يأخذ به . ونعتقد أنه لا يوجد مانع ، مادام ليس هناك میعاد قانونی ، من إجراء التصحيح بعد هذا الميعاد القضائي . وسواء تم التصحيح بعد هذا الميعاد أو لم يتم ، فإن الخصم الذي لم يحترمه يتعرض للحكم عليه بغرامة من أربعين جنيها إلى أربعمائة جنيه وفقاً للنص العام الوارد في المادة 99 مرافعات (معدلة بالقانون 76 لسنة 2007).
وإذا توافر هذا الشرطان ، صحح العمل، ولو تمت التكملة «بعد التمسك بالبطلان» . وهذا الحكم الذي نصت عليه المادة 23 مرافعات صراحة يخالف القاعدة العامة التي تقضي بأنه إذا قدم شخص طلباً أو دفعاً فإن حقوقه تتحدد بوقت تقديم هذا الطلب أو الدفع وليس بوقت الحكم فيه حتى لا يضار من تأخير النظر فيها ، ويخالف إتجاه الفقه والقضاء في مصر في ظل المجموعة السابقة .
وليس للمحكمة أن تأمر بالتصحيح من تلقاء نفسها ، دون طلب من الخصم ، وذلك مهما كان العيب الذي يشوب العمل . وهو وضع يخالف إتجاه التشريعات الحديثة حيث للقاضي دور أكثر إيجابية . فالمحكمة هي التي تفحص العمل وهي التي ترشد ذي المصلحة إلى وسيلة تصحيحه . (182 و 316 إجراءات مدنية إيطالي).
وتؤدي التكملة إلى زوال العيب . ووفقاً للمادة 23 مصرى «لا يعتد بالإجراء إلا من تاريخ تصحيحه» ، فليس للتصحيح بالتكملة أثر رجعي . وتطبيقاً لهذا حكم بأنه إذا صححت الدعوى بتوجيهها إلى الممثل القانوني للمدعى عليه فإن التصحيح لا ينسحب أثره إلى تاريخ رفع الدعوى ولا يجعل رفع الدعوى قاطعاً للتقادم منذ ذلك التاريخ . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الأول ، الصفحة : 893 )
تصحيح البطلان :
بموجب القانون رقم 100 لسنة 1962 أضيفت فقرة ثانية للمادة 25 من قانون المرافعات السابق هي ذاتها التي أصبحت المادة 23 في القانون الجديد ، وجاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 100 لسنة 1962 بصدد الفقرة المضافة أنها تضمنت حكماً جديداً أجيز بمقتضاه تصحيح الإجراء الباطل، بأن يكمل البيان أو الشكل أو العنصر المعيب فيه بشرط أن يتم ذلك في الميعاد المقرر قانوناً لاتخاذه، فإذا لم يكن هناك ميعاد في القانون فيحدد القاضي الميعاد الذي يراه مناسباً لتصحيح الإجراء، فإذا لم يتم التصحيح خلاله فللقاضي أن يعطي میعاد آخر، ويجوز التصحيح سواء قبل التمسك بالبطلان أو بعده ، كما أنه من المسلم به أنه لا يعتد إلا بتاريخ الإجراء الصحيح، وبهذا يزول أثر البطلان في حالات يكون فيها تقريره مبالغاً في التمسك بالشكل. وهذه القاعدة مقررة في التشريعات المقارنة الحديثة، ومن تطبيقاتها أن يحضر الوصي في الجلسة المحددة لنظر الدعوى المرفوعة من القاصر أو المرفوعة عليه فيصحح حضوره إجراءات الدعوى، وأن يحضر باقی مديري الشركة في الدعوى المرفوعة من أحدهم إذا كان تمثيلها قانوناً لا يتم إلا بهم مجتمعين ، وكذلك إذا كانت صحيفة الإستئناف غفلاً من توقيع محام مقبول في الإستئناف فإنه يجوز استيفاء التوقيع في الجلسة متى كان ذلك في خلال ميعاد الاستئناف. وذلك لأن توقيع المحامي على الصحيفة يعد وحده وفي ذاته الدليل على صياغتها بواسطته فيستوي أن يكون التوقيع عليها قد تم وقت کتابتها أو في الجلسة.
وإن كان يجوز تصحيح الإجراء الباطل قبل التمسك بالبطلان أو بعد التمسك به ، فإنه لا يجوز ذلك إذا صدر الحكم بالبطلان ولو لم يكن نهائياً ذلك أن تصحيح الإجراء الباطل يجب أن يتم في مرحلة التقاضي الذي اتخذ فيها وهو ما يصبح مستحيلاً بعد صدور الحكم ومن ثم يتعين التمسك به في صحيفة الطعن، مثال ذلك البطلان الذي يشوب صحيفة افتتاح الدعوى بنقص بياناتها أو عدم التوقيع عليها من محام وحينئذ لا تملك محكمة الاستئناف إلا القضاء بالبطلان وتقف عند هذا الحد طالما تبين لها أن البطلان الذي شاب صحيفة إفتتاح الدعوى حال دون إنعقاد الخصومة وإلا تصدت للموضوع - إن كانت الدعوى قد استقامت - بعد القضاء ببطلان الحكم لابتنائه على إجراءات باطلة، ولا يلزم أن تكون صحيفة الدعوى موقعاً عاماً من محام يوم إيداعها قلم الكتاب وإنما يجوز توقيعها في أي وقت طالما لم يحدد القانون میعاداً لرفعها، فإن حدد القانون میعاداً كما في دعوى الشفعة تعين أن يتم التوقيع خلال الميعاد وإلا كانت الصحيفة باطلة وأدى ذلك إلى سقوط حق المدعى في الشفعة جزاء لبطلان الإجراء.
والمقرر أن البطلان الذي يشوب صحيفة إفتتاح الدعوى يتم تصحيحه بتضمين ورقة إعادة الإعلان كافة البيانات التي يتطلبها القانون بصحيفة إفتتاح الدعوى ومنها التوقيع عليها من محام، ولا يعتد بالتصحيح إلا من تاريخ القيام به بحيث إن كان القانون قد حدد ميعاداً لرفع الدعوى وشاب البطلان صحيفة افتتاحها فإنه يجب لتصحيحه أن يتم إعادة الإعلان خلال الأجل المحدد كما في دعوى الشفعة على نحو ما تقدم. ويتعين الأخذ بهذا التصحيح سواء قصده المدعى أو لم يقصده لالتزام القاضي بالواقع الذي يتفق مع القانون. فإن لم يكن هناك ميعاد لاتخاذ الإجراء حدد القاضي ميعاداً مناسباً للتصحيح فإن لم يتم خلاله جاز إعمال الجزاء المنصوص عليه بالمادة 99 أو التأجيل للقرار السابق، ويحق له بعد ذلك القضاء ببطلان الإجراء، أما إذا تم تنفيذ قرار المحكمة وتبين لها بطلان التصحيح كان لها التأجيل لذات القرار . .)المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء الأول/ الصفحة : 423 )
تصحيح البطلان :
نوعان لتصحيح البطلان تصحيح بالتكملة أي بزوال العيب وتصحيح مع بقاء العيب يقصد بتصحيح البطلان زواله ، أي أن الإجراء المعيب القابل للإبطال يصبح غير قابل له ، ويعمد المشرع إلى الإكثار من حالات التصحيح حتى تستمر الخصومة وتحقق غايتها بغير العقبات التي يثيرها بطلان عمل منها، ويقسم الفقه التصحيح إلى نوعين تصحيح بتكملة العمل الإجرائي أي بزوال العيب، وتصحيح مع بقاء العيب، وسوف نوضح النوعين فيما يلي :
النوع الأول من التصحيح تصحيح البطلان بالتكملة ای بزوال العيب وفقاً للمادة 23 مرافعات - محل التعليق : الإجراء لا يبطل إلا إذا كان معيباً، فإذا تحقق عيب في الإجراء مما يؤدي إلى بطلانه، ثم أضيف المقتضي، أي الشرط الذي ينقص العمل أو صحح المقتضی أی الشرط المعيب فيه بحيث تتوافر في العمل جميع مقتضياته أي شروطه فإنه يصبح غير معيب ولا يحكم ببطلانه ( فتحى والى - الوسيط - بند 352 ص 412 وص 413 وص 414 ) وقد نص المشروع على التصحيح بالتكملة في المادة 23 مرافعات - محل التعليق - ويتضح من نص المادة 23 مرافعات - محل التعليق - أنه يشترط للتصحيح بالتكملة شرطان :
الشرط الأول : أن يضاف إلى العمل ما ينقصه وذلك بإضافة المقتضى أى الشرط المعيب، ويستوي أن يكون العيب أو النقص في مقتضى أي شرط موضوعی كعيب الأهلية أو التمثيل القانوني أو في مقتضی شكلی .
ولا يشترط أن تتم التكملة بنفس الوسيلة التي تم بها العمل المراد تكملته، ولا أن يكون البيان المضاف مماثلاً تماماً للبيان الناقص مادام يؤدي الوظيفة التي يؤديها هذا البيان، ويمكن التصحيح بالتكملة سواء كان البطلان متعلقاً بالمصلحة الخاصة أو بالمصلحة العامة، ذلك أن النظام العام لا يضار مادام قد أمكن تكملة العمل.
الشرط الثاني : أن تتم التكملة في الميعاد الذي ينص عليه القانون للقيام بالعمل الإجرائي وعلى هذا إذا رفع إستئناف وشاب صحيفته عيب فإنه يشترط لتصحيحها بالتكملة أن تتم هذه التكملة خلال ميعاد الإستئناف فإذا كان الميعاد قد إنقضى، فإن التصحيح بالتكملة أصبح غير جائز .
( نقض مدنی 8/2/1989 في الطعن 595 لسنة 51 ق، نقض 17/2/1955 - مجموعة النقض سنة 6 ص 708 رقم 93 ) . فإذا لم يكن هناك ميعاد يجب القيام بالعمل خلاله، فإن المحكمة تعين ميعاداً للتصحيح وإذا حددت المحكمة ميعاداً للتصحيح، فإن على الخصم أن يقوم بالتصحيح خلاله، وإلا تعرض للحكم عليه بغرامة من عشرة جنيهات إلى مائة جنيه وفقاً للنص العام الوارد في المادة 99 مرافعات .
وإذا توافر هذان الشرطان، صحح العمل، ولو تمت التكملة بعد التمسك بالبطلان، على أنه ليس للمحكمة أن تأمر بالتصحيح من تلقاء نفسها، دون طلب من الخصم، وذلك مهما كان العيب الذي يشوب العمل وتؤدی التكملة إلى زوال العيب ووفقاً للمادة 23 مرافعات - محل التعليق - لا يعتد بالإجراء إلا من تاريخ تصحيحه، فليس للتصحيح بالتكملة أثر رجعي .
إذن التصحيح بالتكملة يقصد به إزالة العيب الذي يشوب الإجراء سواء بتجديد الإجراء الباطل، بحيث يحل محل الإجراء الباطل إجراء صحيح أو بتجديد شق منه بتغيير العنصر المعيب فيه أو بإضافته .
وواضح أن المادة 23 مرافعات - محل التعليق - تفرق بين حالتين أولهما إذا كان للإجراء میعاد معين وجب أن يحصل التصحيح بالتكملة في الميعاد القانوني وعلى ذلك إذا كانت صحيفة الإستئناف غفلاً من توقيع محام مقبول لدى محاكم الاستئناف فإنه يجوز إستيفاء التوقيع في الجلسة متى كان ذلك في ميعاد الإستئناف ( نقض مدنی 16/4/1970 - مجموعة أحكام النقض - س 21 - ص ص646 ) ، وإذا كان إعلان صحيفة الدعوى باطلاً جاز تجديد الإعلان في الميعاد المقرر لإعلان الصحيفة 3 أشهر أما الحالة الثانية، وهي ألا يكون للإجراء میعاد مقرر قانوناً، وفي هذه الحالة تحدد المحكمة ميعاداً مناسباً لتصحيحه، كما لو تبينت المحكمة عند غياب المدعى عليه بطلان إعلانه بصحيفة الدعوى، فتؤجل نظر القضية الى جلسة تالية وتكلف الخصم بإعادة إعلان خصمه إعلاناً صحيحاً، وجدير بالإشارة أن التصحيح في هذا المثال يكون إجبارياً رغم أن الأصل أن يكون التصحيح اختيارياً ( إبراهيم سعد - بند 305 ص 761 و ص762 ) .
وقد مضت الإشارة إلى أنه لا يشترط أن يتم التصحيح بالتكملة بمعرفة من قام بالإجراء الباطل أو بالوسيلة التي تم بها العمل المراد تكملته بل بأي وسيلة تؤدي إلى تصحيح الإجراء، وعلى ذلك يجوز أن يقوم بالتصحيح من وجه إليه الإجراء الباطل وتطبيقاً لذلك إذا أعلنت صحيفة الدعوى لقاصر، وحضر وصيه في الجلسة المحددة لنظر الدعوى، فحضوره هذا يصحح البطلان.
ويجوز تصحيح الإجراء الباطل بالتكملة، ولو كان البطلان متعلقاً بالنظام العام، ما دامت التكملة من شأنها تصحيح الإجراء، وهذا يؤدی إلى توفير في الوقت والإجراءات وقد يرد التصحيح بشأن المقتضيات أي الشروط الموضوعية والشكلية للعمل الإجرائی.
وقد سبق أن ذكرنا أنه لاينتج للتصحيح أثره إلا من تاريخ حصوله فليس للتصحيح بالتكملة أثر رجعي، بمعنى أن آثار الإجراءات تترتب من تاريخ التصحيح، وليس من تاريخ القيام بالإجراء الأصلي الذي لحقه التصحيح وفي هذا يختلف تصحيح الإجراء الباطل عن نفي البطلان أو التنازل عنه، إذ أنه يعتد في الحالتين الأخيرتين بتاريخ صدور الإجراء الذي أثبت تحقق الغاية منه، ولا يعتد بتاريخ إثبات تحقق الغاية أو بتاريخ تنازل الخصم عن التمسك بالبطلان أو تاريخ حدوث الواقعة القانونية التي تزيل البطلان ( إبراهيم سعد - بند 305 - ص 762 و ص763 ) .
ومن المقرر أنه لا يمنع من التصحيح بالتكملة المشار إليه في المادة 23 مرافعات - محل التعليق - أن يكون الخصم قد تمسك بالبطلان إلا أن الإجراء لا ينتج أثره إلا من تاريخ تصحيحه، كذلك لا يمنع من التصحيح أن يكون الإجراء متعلقاً بالنظام العام مادام الميعاد الذي حدده القانون لإتمام الإجراء مازال قائماً كما في حالة رفع الاستئناف بدون التوقيع على صحيفته من محام مقبول أمام المحكمة الاستئنافية، فيجوز تصحیح البطلان بتوقيع المحامي، إذا كان ميعاد الإستئناف لم ينته بعد .
وتأسيساً على ما تقدم إذا قدمت صحيفة إستئناف لقلم الكتاب دون توقيع عليها من محام مقبول أمام الاستئناف وتنبه الخصم أو محاميه لذلك وأحضر محامياً مقيداً أمام محكمة الاستئناف للتوقيع عليها منه قبل قوات موعد الاستئناف إلا أن الموظف المودع لديه أصل الصحيفة امتنع عن تسليمها له - وهذا من حقه - فإنه لا مناص في هذه الحالة من أن يرفع إستئنافاً آخر ويقدم صحيفته لقلم الكتاب قبل انتهاء ميعاد الإستئناف، ويتدارك ما فات من عيب ثم يتنازل عن إستئنافه الأول الذي لم يوقع صحيفته محامياً مقبولاً أمام محكمة الإستئناف
ويتعين ملاحظة أن قيام الخصم بتصحيح الإجراء ظناً منه أن عيباً قد لحقه لا يمنع الحكم من إعتبار الإجراء الأول صحيح وينتج أثره من تاريخ إتخاذه متى رأت المحكمة خلوه من العيوب .
وإذا كان الأصل أن الذي يقوم بتصحيح الإجراء من قام به إلا أنه قد يتم تصحيح الإجراء فيزول عيبه بعمل أو إجراء يقوم به من وجه إليه، كما إذا رفعت الدعوى على قاصر وحضر وصيه وقام بموالاة إجراءاتها غير أن هذا النص لايسرى على الحالات التي ينص فيها القانون على اعتبار الإجراء كأن لم يكن، أو على سقوطه بقوة القانون كحالة سقوط الخصومة أو اعتبارها كأن لم تكن بسبب فوات ميعاد معين، إذ يقع البطلان بقوة القانون ولايجدى تصحيحه وقد يرد التصحيح على دعوی غير مقبولة وليس على دعوى صحيفتها باطلة فحسب، كما إذا حضر باقی مديري شركة في دعوى مرفوعة من أحدهم إذا كان تمثيلها قانوناً لايتم إلا بهم مجتمعين من أمثلة التصحيح بالتكملة أن يقوم المدعى بإعادة إعلان صحيفة الدعوى مستوفية لما أغفله من بيانات عند إجراء الإعلان الأول وإذا تم التصحيح باطلاً وأمرت المحكمة مرة ثانية بالتصحيح، فإنه ينصب على الإجراء الأخير ويعد تصحيحاً أول إذا كان البطلان لسبب غير السبب الذي رتب البطلان الأول ( أحمد أبوالوفا ۔ التعليق - طبعة 1989 م 204 ) .
ومن البديهي أنه لاتحكم المحكمة من تلقاء نفسها بتصحيح الإجراء الباطل، فعند التمسك بهذا البطلان يتمسك صاحب المصلحة بتأجيل الدعوى لإجراء التصحيح.
ويجب أن يتم التصحيح بإجراء صحيح، فلا يصح الاحتجاج بأن ورقة الإعلان المشتملة على توقيع المحامي تصحح صحيفة الدعوي التي لاتتضمن هذا التوقيع، وذلك متى حكم ببطلان إعادة هذا الإعلان . ( نقض 2/2/1976 ، لسنة 27 ص356 ) .
ولا يشترط في التصحيح تقرير بطلان العمل الأول، أو حتى ثبوت تعيبه كما لايلزم إذن القاضي للقيام به، ولا يعني التصحيح أو يستلزم إلغاء العمل الأول أو سحب من أجراه له، إذ أنه لايملك ذلك لأن القانون الخاص لايعرف نظام السحب الذي يعرفه القانون الإداري، ومن ثم يجوز إجراء التصحيح على سبيل الإحتياط، وتملك المحكمة رغم القيام به أن تعتد بالعمل الإجرائي الأول متى رأت خلوه من العيوب ( كمال عبدالعزيز - ص 112 ) .
والشرط الوحيد للقيام بالتصحيح أن يكون ممكناً أي ألا يكون مستحيلاً، والاستحالة قد تكون مادية كأن تهلك الأشياء موضوع عمل الخبير بعد بطلان تقريره، كما قد تكون الإستحالة قانونية كانقضاء الميعاد المحدد لمباشرته. ( نقض 8/12/1971 - سنة 22 - ص 1005، نقض 12/7/1972 - سنة 23 - ص 1175 ) .
وإذا كان الأصل أن التصحيح اختياري فإن القانون وجب القيام به في بعض الأحيان كالحال في نص المادة 85 من القانون الحالي السابق الإشارة إليها، وهي مطابقة لنص المادة 95 مكرراً من القانون السابق.
وتشترط محكمة النقض أن يتم التصحيح في ذات مرحلة التقاضي التي اتخذ فيها الإجراء موضوع التصحيح، ومن ثم فإن البطلان الناشىء عن عدم توقيع صحيفة افتتاح الدعوى من محام مقبول لايجوز تصحيحه أثناء نظر الاستئناف ( نقض 2/2/1976 ، في الطعن 437 لسنة 40 ) .
وكما سبق أن ذكرنا يستوي أن يكون العيب موضوعياً كعب الأهلية أو التمثيل القانوني أو عيباً شكلياً كبعض بيانات الصحيفة، ولذلك فإنه إذا كانت صحيفة الدعوى باطلة لرفعها على قاصر، فإن حضور الوصی يصحح البطلان، وإذا رفع الحارس على وقف دعوى ملكية دون رضاء المستحقين فإن تدخلهم منضمين إليه في طلباته يزيل البطلان ( نقض 26/11/1968 ، سنة 19 ص 1407) ، كما أنه إذا لم تشتمل صحيفة الطعن على بيان الحكم المطعون فيه وتاريخه، فإن هذا النقص يكمله إعادة الإعلان مشتملة على هذا البيان . ( نقض 17/2/1955 ، سنة 6 ص 708 )
النوع الثاني من التصحيح : تصحيح البطلان مع بقاء العيب : هذا النوع من التصحيح يختلف عن النوع الأول في أن التصحيح يتم رغم بقاء العيب الذي من شأنه أن يبطل العمل الإجرائي، ويتم هذا التصحيح بوسيلتين :
أ - الوسيلة الأولى : التصحيح بالنزول عن التمسك بالبطلان : إن للخصم الذي من حقه التمسك بالبطلان أن ينزل عن هذا الحق، وقد يكون النزول صريحاً أو ضمنياً، وفقا للمادة 22 مرافعات، وقد سبق لنا توضيح هذه الوسيلة عند شرحنا للتنازل عن البطلان بمناسبة تعليقنا على المادة 22 مرافعات فيما مضى .
ب - الوسيلة الثانية : تصحيح البطلان بوقائع قانونية لاحقة : وهذا التصحيح لايرجع إلى الإرادة بل إلى نص القانون، فقد رأى المشرع أن يحدد وقائع معينة في الخصومة، إذ حدثت إحداها ترتب عليها سقوط الحق في التمسك بالبطلان، وبهذا تسير الخصومة دون أن تكون مهددة في مرحلة متقدمة منها ببطلان عمل تم في مراحلها الأولى، وتتميز هذه الوقائع المصححة عن النزول، بأنه في النزول يجب ثبوت إرادة لدى النازل صريحة أو ضمنية، أما بالنسبة لهذه الوقائع فإنها ترتب أثرها بمجرد تحققها بصرف النظر عن إرادة الخصم، ومن المقرر أن هذه الوقائع - لأنها تحرم صاحب الحق من حقه دون إرادته - لايجوز القياس عليها أو التوسع في تفسيرها، وليس للقاضى أية سلطة تقديرية لإضافة وقائع مصححة إلى تلك التي ينص عليها القانون، ومثال هذه الوقائع ما تنص عليه المادة 108 من وجوب إبداء الدفوع الإجرائية قبل أی طلب أو دفاع أو دفع بعدم القبول، وماهو مقرر من زوال البطلان الذي يشوب الحكم إذا انقضت مواعيد الطعن فيه، فعندئذ يصحح البطلان كأثر لحجية الأمر المقضي ( فتحی والی - نظرية البطلان - ص 570 وما بعدها، والوسيط - بند 253 ص 416 ) .
إذن قد يزول البطلان بحدوث وقائع حددها المشرع ويعتبر حدوثها قرينة على تنازل الخصم عن البطلان فقد يفرض على الخصم إتباع سلوك معين للتمسك بالبطلان، فإذا لم ينبع الخصم هذا السلوك أعتبر متنازلاً عن البطلان، ومثال ذلك مايفرضه المشرع في حالة بطلان أوراق التكليف بالحضور وصحف الدعاوی فإذا شاب ورقة التكليف بالحضور عيب من العيوب المنصوص عليها في المادة 114 فيجب على المتمسك بالبطلان أن يتخلف عن الحضور، فإذا حضر رغم العيب الذي يشوب الورقة أعتبر متنازلاً عن البطلان، وحضور هذا يزيل البطلان .
لأن حضوره يحقق في الواقع الغاية المقصودة من الإجراء وقد يحدد المشرع وقائع معينة في الخصومة يترتب على حدوثها سقوط الحق في التمسك بالبطلان الذي شاب إجراء سابق لها، ومثال هذه الوقائع كما ذكرنا آنفاً ما تنص عليه المادة 108 مرافعات من أنه يجب إبداء الدفوع الشكلية - لو لم تتعلق بالنظام العام - قبل التعرض للموضوع، ويلاحظ في هذا الصدد أن زوال البطلان يتم نتيجة سقوط الحق في التمسك به، وهذا تطبيق من تطبيقات نظرية السقوط في الواقع، وهو سقوط حق إجرائي لعدم التمسك به في المناسبة التي حددها المشرع .
ولا يشترط أن تتجه نية الخصم إلى التنازل، أو أن تستفاد ضمناً من سلوكه كما هو الحال في النزول الإداري، فالتنازل في هذا الفرض يتم بقوة القانون بسبب القرينة التي وضعها المشرع والتي بمقتضاه بعتبر الخصم متنازلاً عن البطلان بمجرد حدوث هذه الوقائع التي يحددها المشرع وجدير بالذكر أنه لو حدثت هذه الوقائع زال البطلان بأثر رجعي واعتبر كأن لم يكن، ومن ثم فيعتبر الإجراء صحيحاً من تاريخ القيام به وليس من تاريخ حدوث هذه الوقائع ( إبراهيم سعد - بند 307 ص 765 وص 766 ) . ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / الأول ، الصفحة : 718 )
التصحيح المنصوص عليه في هذه المادة هو تصحيح البطلان بتكملة الإجراء المعيب ولو بعد التمسك بالبطلان . ويفرق نص المادة بين حالتين الأولى إذا كان للإجراء ميعاد معين وجب أن يحصل التصحيح بالتكملة في الميعاد فصحيفة الإستئناف يجب توقيعها من محام مقبول أمام المحكمة المرفوع إليها الاستئناف إنما يجوز تصحيح البطلان الناشئ عن مخالفة هذا الإجراء بتوقيع الصحيفة من محام مقرر في جلسة المرافعة بشرط أن يتم ذلك في ميعاد الإستئناف والثانية ألا يكون للإجراء ميعاد مقرر وهنا تحدد المحكمة ميعاداً مناسبا لتصحيحه فإذا تبين للمحكمة عند غياب المدعى عليه بطلان إعلانه بالصحيفة أجلت القضية إلي جلسة تالية يعاد إعلانها لها إعلان صحيحاً ( م 85 مرافعات ) .
ومن المقرر أنه لا يمنع من التصحيح المشار إليه في تلك المادة أن يكون الخصم قد تمسك بالبطلان إلا أن الإجراء لا ينتج أثره إلا من تاريخ تصحيحه كذلك لا يمنع من التصحيح أن يكون الإجراء متعلقاً بالنظام العام مادام الميعاد الذي حدده القانون لإتمام الإجراء مازلت قائماً كما في حالة رفع الاستئناف بدون التوقيع علي صحيفته من محام مقبول أمام المحكمة الإستئنافية فيجوز تصحيح البطلان بتوقيع المحامي إذا كان ميعاد الإستئناف لم ينته بعد.
وتأسيساً على ما تقدم إذا قدمت صحيفة إستئناف لقلم الكتاب دون التوقيع عليها من محام مقبول أمام الإستئناف وتنبه الخصم أو محاميه لذلك وأحضر محامي مقيداً أمام محكمة الإستئناف التوقيع عليها منه قبل فوات موعد الإستئناف ألا أن الموظف المودع لديه أصل الصحيفة امتنع عن تسليمها له - وهذا من حقه - فإنه لا مناص في هذه الحالة من أن يرفع إستئنافاً آخر ويقدم صحيفته لقلم الكتاب قبل انتهاء ميعاد الاستئناف ويتدارك ما فات من عيب ثم يتنازل عن إستئنافه الأول الذي لم يوقع صحيفته محامياً مقبولاً أمام محكمة الإستئناف.
هذا ويلاحظ أن قيام الخصم بتجديد الإجراء ظناً منه أن عيباً قد لحقه لا يمنع الحكم من إعتبار الإجراء الأول صحيحاً وينتج أثره من تاريخ اتخاذه متى رأت المحكمة خلوه من العيوب.
وإذا كان الأصل أن الذي يقوم بتصحيح الإجراء من قام به إلا أنه قد يتم تصحيح الإجراء فيزول عيبه بعمل أو إجراء يقوم به من وجه إليه كما إذا رفعت الدعوى علي قاصر وحضر وصية وقام بموالاة إجراءاتها غير أن هذا النص لا يسري على الحالات التي نص فيها القانون على إعتبار الإجراء كأن لم يكن أو علي سقوطه بقوة القانون كحالة سقوط الخصومة أو اعتبارها كأن لم تكن بسبب فوات ميعاد معين إذ يقع البطلان بقوة القانون ولا يجدي تصحيحه . وقد يرد التصحيح على دعوى غير مقبولة وليس علي دعوى صحيفتها باطلة فحسب ، كما إذا حضر باقي مديري شركة في دعوى مرفوعة من أحدهم إذا كان تمثيلها قانوناً لا يتم إلا بهم مجتمعين . ومن أمثلة التصحيح بالتكملة أن يقوم المدعي بإعادة إعلان صحيفة الدعوى المستوفية لما أغفله من بيانات عند إجراء الإعلان الأول . وإذا تم التصحيح باطلاً وأمرت المحكمة مرة ثانية بالتصحيح فإنه ينصب علي الإجراء الأخير ويعد تصحيحاً أول إذا كان البطلان لسبب غير السبب الذي رتب البطلان الأول ( أبو الوفا في التعليق طبعة 89 ص 204).
ويستوي أن يكون العيب موضوعياً كعيب الأهلية أو التمثيل القانوني أو عيباً شكلياً كبعض بيانات الصحيفة كما يستوي أن يكون البطلان متعلقاً بالمصلحة الخاصة أو المصلحة العامة ( كمال عبد العزيز الطبعة الثالثة الجزء الأول ص 258).
وإذا كان الإجراء قابلاً للتصحيح فإنه يتعين أن يتم ذلك في ذات مرحلة التقاضي التي اتخذ فيها الإجراء فإذا كان الإجراء قد اتخذ أمام محكمة الدرجة الأولى فيجب أن يتم تصحيحه أمامها.(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : الأول ، الصفحة : 391)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن ، الصفحة / 109
الإِْنْكَارُ عَلَى مَنْ فَعَلَ الْبَاطِلَ :
إِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُتَّفَقًا عَلَى بُطْلاَنِهِ، فَإِنْكَارُهُ وَاجِبٌ عَلَى مُسْلِمٍ. أَمَّا إِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَلاَ إِنْكَارَ فِيهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الإِْنْكَارُ مِنَ الْمُنْكِرِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا اجْتُمِعَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلاَ إِنْكَارَ فِيهِ؛ لأَِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أَوِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَلاَ نَعْلَمُهُ، وَلَمْ يَزَلِ الْخِلاَفُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي الْفُرُوعِ، وَلاَ يُنْكِرُ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ أَمْرًا مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا خَالَفَ نَصًّا، أَوْ إِجْمَاعًا قَطْعِيًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ لاَ يَرَى تَحْرِيمَهُ، فَإِنْ كَانَ يَرَاهُ فَالأَْصَحُّ الإِْنْكَارُ.
وَفِي كُلِّ ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (إِنْكَار، أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، اجْتِهَاد، تَقْلِيد، اخْتِلاَف، إِفْتَاء، رُخْصَة).
الاِخْتِلاَفُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ :
يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ فِي التَّصَرُّفَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ، كَالصَّلاَةِ مَعَ تَرْكِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، أَوْ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا، أَمْ كَانَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ، كَالْعَقْدِ عَلَى إِحْدَى الْمَحَارِمِ، أَمْ كَانَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالشِّرَاءِ بِالْخَمْرِ، وَالْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا، فَكُلٌّ مِنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ يُوصَفُ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي يَقَعُ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ لَمْ يَعْتَبِرْهُ، وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ أَيَّ أَثَرٍ مِنَ الآْثَارِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْفِعْلِ الصَّحِيحِ.
فَالْجُمْهُورُ يُطْلِقُونَهُمَا، وَيُرِيدُونَ بِهِمَا مَعْنًى وَاحِدًا، وَهُوَ: وُقُوعُ الْفِعْلِ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْخِلاَفُ رَاجِعًا إِلَى فَوَاتِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْفِعْلِ، أَمْ رَاجِعًا إِلَى فَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمْ - عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ - يُوَافِقُونَ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّ الْبُطْلاَنَ وَالْفَسَادَ مُتَرَادِفَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَاتِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَامَلاَتِ، فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ الْجُمْهُورَ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، وَيَجْعَلُونَ لِلْفَسَادِ مَعْنًى يُخَالِفُ مَعْنَى الْبُطْلاَنِ، وَيَقُومُ هَذَا التَّفْرِيقُ عَلَى أَسَاسِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَصْلِ الْعَقْدِ وَوَصْفِهِ.
فَأَصْلُ الْعَقْدِ هُوَ أَرْكَانُهُ وَشَرَائِطُ انْعِقَادِهِ، مِنْ أَهْلِيَّةِ الْعَاقِدِ وَمَحَلِّيَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِمَا، كَالإِْيجَابِ وَالْقَبُولِ... وَهَكَذَا.
أَمَّا وَصْفُ الْعَقْدِ، فَهِيَ شُرُوطُ الصِّحَّةِ، وَهِيَ الْعَنَاصِرُ الْمُكَمِّلَةُ لِلْعَقْدِ، كَخُلُوِّهِ عَنِ الرِّبَا، وَعَنْ شَرْطٍ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَعَنِ الْغَرَرِ وَالضَّرَرِ.
وَعَلَى هَذَا الأَْسَاسِ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا حَصَلَ خَلَلٌ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ - بِأَنْ تَخَلَّفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ، أَوْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِهِ - كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلاً، وَلاَ وُجُودَ لَهُ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيُّ أَثَرٍ دُنْيَوِيٍّ؛ لأَِنَّهُ لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ إِلاَّ مِنَ الأَْهْلِ فِي الْمَحَلِّ، وَيَكُونُ الْعَقْدُ فَائِتَ الْمَعْنَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ فَحَسْبُ، إِمَّا لاِنْعِدَامِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، أَوْ لاِنْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْمُتَصَرِّفِ كَالْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنَ الْمَجْنُونِ أَوِ الصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يَعْقِلُ.
أَمَّا إِذَا كَانَ أَصْلُ الْعَقْدِ سَالِمًا مِنَ الْخَلَلِ، وَحَصَلَ خَلَلٌ فِي الْوَصْفِ، بِأَنِ اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، أَوْ رِبًا، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ فَاسِدًا لاَ بَاطِلاً، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الآْثَارِ دُونَ بَعْضٍ.
وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الاِخْتِلاَفِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ، يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلاَفِ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ فِي أَثَرِ النَّهْيِ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْعَمَلِ اللاَّزِمَةِ لَهُ، كَالنَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا أَوْ شَرْطٍ فَاسِدٍ. فَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَقْتَضِي بُطْلاَنَ كُلٍّ مِنَ الْوَصْفِ وَالأَْصْلِ، كَأَثَرِ النَّهْيِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ وَحَقِيقَتِهِ، وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِوَصْفٍ لاَزِمٍ لَهُ اسْمَ الْفَاسِدِ أَوِ الْبَاطِلِ، وَلاَ يُرَتِّبُونَ عَلَيْهِ أَيَّ أَثَرٍ مِنَ الآْثَارِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَيْعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الرِّبَا، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، أَوْ نَحْوِ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِلِ عِنْدَهُمْ أَوِ الْفَاسِدِ.
وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَقْتَضِي بُطْلاَنَ الْوَصْفِ فَقَطْ، أَمَّا أَصْلُ الْعَمَلِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ بِخِلاَفِ النَّهْيِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ وَحَقِيقَتِهِ، وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِوَصْفٍ لاَزِمٍ لَهُ اسْمَ الْفَاسِدِ لاَ الْبَاطِلِ، وَيُرَتِّبُونَ عَلَيْهِ بَعْضَ الآْثَارِ دُونَ بَعْضٍ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَيْعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الرِّبَا، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ قَبِيلِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُمْ، لاَ مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِلِ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ، أَهَمُّهَا مَا يَأْتِي:
أَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ. فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مَتَى خَالَفَ أَمْرَ الشَّارِعِ صَارَ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي نَظَرِهِ، فَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الأَْحْكَامُ الَّتِي يَقْصِدُهَا مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمُخَالَفَةُ رَاجِعَةً إِلَى ذَاتِ الْعَمَلِ وَحَقِيقَتِهِ، أَمْ إِلَى وَصْفٍ مِنَ الأَْوْصَافِ اللاَّزِمَةِ لَهُ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمُ اسْتَنَدُوا إِلَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ وَضَعَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ أَسْبَابًا لأَِحْكَامٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَإِذَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا لِوَصْفٍ مِنَ الأَْوْصَافِ اللاَّزِمَةِ لَهُ، كَانَ النَّهْيُ مُقْتَضِيًا بُطْلاَنَ هَذَا الْوَصْفِ فَقَطْ؛ لأَِنَّ النَّهْيَ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِ، فَيَقْتَصِرُ أَثَرُهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ هَذَا الْوَصْفِ مُخِلًّا بِحَقِيقَةِ التَّصَرُّفِ الْمَوْصُوفِ بِهِ، بَقِيَتْ حَقِيقَتُهُ قَائِمَةً، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُقْتَضَاهُ. فَإِذَا كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بَيْعًا مَثَلاً، وَوُجِدَتْ حَقِيقَتُهُ بِوُجُودِ رُكْنِهِ وَمَحَلِّهِ، ثَبَتَ الْمِلْكُ بِهِ نَظَرًا لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ، وَوَجَبَ فَسْخُهُ نَظَرًا لِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ الْجَانِبَيْنِ، وَإِعْطَاءُ كُلٍّ مِنْهَا حُكْمَهُ اللاَّئِقَ بِهِ. إِلاَّ أَنَّ الْعِبَادَاتِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الاِمْتِثَالَ وَالطَّاعَةَ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ هَذَا إِلاَّ إِذَا لَمْ تَحْصُلْ فِيهَا مُخَالَفَةٌ مَا، لاَ فِي الأَْصْلِ وَلاَ فِي الْوَصْفِ، كَانَتْ مُخَالَفَةُ أَمْرِ الشَّارِعِ فِيهَا مُقْتَضِيَةً لِلْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ هَذِهِ الْمُخَالَفَةُ رَاجِعَةً إِلَى ذَاتِ الْعِبَادَةِ، أَمْ إِلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا اللاَّزِمَةِ.
بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَذْكُرَ أَنَّ الْجُمْهُورَ وَإِنْ كَانُوا لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ - عَلَى مَا جَاءَ فِي قَوَاعِدِهِمُ الْعَامَّةِ - إِلاَّ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ وُجُودُ الْخِلاَفِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ نُصُوصِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنَ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ، أَوْ لِلتَّفْرِقَةِ فِي مَسَائِلِ الدَّلِيلِ كَمَا يَقُولُ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهِ.