loading

موسوعة قانون المرافعات

الأحكام

إنه و إن كان يبين من مقارنة نصوص المواد 28 ، 313 ، 314 من قانون المرافعات السابق أن المشرع قد رتب البطلان جزاء على مباشرة القاضى أو كاتب المحكمة عملاً فى الدعوى التى تربطه بأحد الخصوم فيها صلة قرابة إلى الدرجة الرابعة ، إلا أنه غاير فى التعبير بين الحالتين إذ بينما نص على وقوع البطلان بالنسبة لعمل القاضى أو قضائه و لو بإتفاق الخصوم فإنه لم يورد نصاً مماثلاً لذلك بالنسبة لكاتب الجلسة ، و ذلك على أساس أن البطلان الذى يشير إليه نص المادة 28 المتقدم ذكرها لا يتعلق بالنظام العام فلا تحكم به المحكمة إلا إذا تمسك به الخصم صاحب المصلحة و يسقط حقه فى التمسك به إذا نزل عنه لما كان ذلك و كان الثابت من محاضر جلسات الدعوى أمام المحكمة الإبتدائية أنه بعد أن قرر كاتب الجلسة أنه إبن عم المدعى - المطعون ضده - وافق الحاضر عن الطاعن الثانى على حضور هذا الكاتب بالجلسة كما قرر الحاضر مع الطاعن الثانى عدم إعتراضه على ذلك ، و كذلك فإنه لم يثبت أن باقى الطاعنين الذين قدموا مذكرة بدفاعهم فى الدعوى - قد إعترضوا على أن يباشر هذا الكاتب عمله فى الدعوى ، لما كان ما تقدم فإن الطاعنين يكونون قد نزلوا عن حقهم فى التمسك ببطلان إجراءات نظر الدعوى أمام المحكمة الإبتدائية لهذا السبب مما لا يجيز لهم العودة إلى التمسك به فى الإستئناف ، و إذ إنتهت محكمة الإستئناف إلى عدم بطلان الحكم المستأنف إستناداً إلى نص المادة 28 من قانون المرافعات السابق ، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 121 لسنة 39 جلسة 1974/04/09 س 25 ع 1 ص 658 ق 106)

شرح خبراء القانون

مناط بطلان العمل الذي يباشره أعوان القضاء :

الأصل في القانون إباحة مباشرة الإجراءات ، فلا حظر إلا بنص، ومتی جاء نص متضمناً هذا الحظر، كان إستثناء من الأصل العام، وإعمالاً لقواعد تفسير النصوص القانونية، أن الإستثناء لا يقاس عليه ولا يجوز التوسع في تفسيره ومن ثم يجب حصر النص في نطاقه.

لما كان ذلك، وكان نص المادة 26 تضمن حظراً على المحضرین والكتبة وغيرهم من أعوان القضاء الذين يعملون بوظائف حكومية أن يباشروا إجراء يدخل في حدود وظائفهم في الدعاوى الخاصة بهم أو بأزواجهم أو أقاربهم أو أصهارهم حتى الدرجة الرابعة وإلا كان الإجراء باطلاً. مما مفاده أن الإجراء المحظور مباشرته هو الإجراء الذي يتخذ في إحدى الدعاوى، وتبدأ إجراءات الدعوى بإيداع صحيفتها قلم الكتاب ثم إعلانها وإعادة إعلانها في حالة عدم إعلانها لشخص الخصم، ثم تستمر الإجراءات حتى يستأدی الخصم حقه ويستقر له، أما الإجراء السابق على إيداع الصحيفة فيخرج عن نطاق النص لخروجه عن نطاق الدعوى، ويترتب على ذلك، أن الإنذار يخرج عن هذا النطاق بحيث إذا قام به المحضر بناء على طلب الغير لأحد من حصرهم النص كان صحيحاً.

ويمتنع على المحضرين والكتبة وأعوان القضاء مباشرة أي إجراء يدخل في نطاق الدعوى سواء كان من حصرهم النص مدعيين أو مدعى عليهم معلنين أو معلن إليهم صدر حكم الإثبات بندب خبير بناء على طلبهم أو على طلب الخصم الآخر.

ويجب على المحضر أو الكاتب الحكومي عرض الأمر على القاضي لإتخاذ ما يلزم لندب غيره لمباشرة الإجراء، كما يجب على الخبير الحكومي عرض الأمر على رئيسه ليندب غيره لمباشرة المأمورية.

والبطلان المترتب على المخالفة نسبي مقرر لمن تقرر لمصلحته وهو هنا خصم من عددهم النص، فليس للمحكمة التصدي له من تلقاء نفسها . .)المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء : الأول ، الصفحة : 439 )

يلاحظ أن نص المادة 26 مرافعات سالف الذكر، لا يقصد مجرد الدعاوى إنما يقصد الإجراءات على وجه العموم، كما إذا أعلن المحضر الغير بناء على طلب من ورد حصرهم في المادة بمجرد إنذار أو تنبیه، كما يشمل النص أيضاً أعمال التنفيذ بالتحفظ .

والبطلان المترتب على مخالفة أحكام هذه المادة غير متعلق بالنظام العام، فلا يحكم به القاضي إلا إذا تمسك به الخصم صاحب المصلحة، ويجوز التنازل عنه صراحة أو ضمناً   .

وقد قيل أن الخصم صاحب المصلحة والصفة في التمسك بالبطلان هو ذلك الذي يتم إعلانه بناء على طلب من ورد حصرهم في المادة، وذلك لأن هذا البطلان مقرر لمصلحته وحده ( جارسونیه ج 2 رقم 95 وجلاسون ج1 رقم 251، أحمد أبو الوفا - التعليق ص 216 ) حتى لا يعمد المحضر إلى إستفزازه والنكاية به   .

وإذا كانت عبارة ( أعوان القضاة ) الواردة في نص المادة 26 - محل التعليق - تمتد في مفهومها العام إلى غير العاملين في الدولة كالمحامين وخبراء الجدول والمترجمين غير الحكوميين، ووكلاء الديانة إلا أن النص لا يتناول غير العاملين في الدولة، كما لا يسرى بالنسبة إلى العاملين في الدولة ممن خصهم المشرع بأحكام خاصة كالخبراء الحكوميين، كما لا يسرى كذلك على القضاة الذين يختصون باحكام عدم الصلاحية والرد .

 وجدير بالذكر أن المادة 26 مرافعات مقابل في القانون الفرنسي فيما يتعلق بالمحضرين، وقد استقر القضاء والفقه هناك في تفسيرها على الحكم بعدم صلاحية المحضر للإعلان إذا تعلق بشخصه أو بمن هو وكيل عنه وكالة عامة أو خاصة، وهو ما يمكن الأخذ به بالنسبة إلى المذكورين في النص، فيقع عملهم باطلاً إذا باشروه لأنفسهم أو لمن ينوبون عنهم نيابة قانونية أو إتفاقية، غير أن هذا البطلان لا يتعلق بالنظام العام  .

ويشترط أن تثبت الصفة لمن قام بالعمل وقت القيام به، غير أنه من جهة أخرى لا أثر لزوال الصفة بعد ذلك على تعيب الإجراء ( كمال عبد العزيز - 116 وص 116 ، أحمد أبو الوفا - المرافعات - بند 376 ) . ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء / الأول  ،  الصفحة :  749 ) 

هذه المادة تقابل المادة 28 من التقنين الملغي ولا خلاف في الأحكام بينهما والبطلان المترتب على مخالفة أحكام هذه المادة غير متعلق بالنظام العام فلا يحكم به القاضي إلا إذا تمسك به الخصم صاحب المصلحة ويجوز التنازل عنه صراحة أو ضمناً . ( التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء : الأول ،  الصفحة :  405 )

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 309

مُعَاوِنُو الْقُضَاةِ:

يَحْتَاجُ الْقَاضِي فِي عَمَلِهِ إِلَى مَنْ يُسَاعِدُهُ فِي الأْعْمَالِ الْقَضَائِيَّةِ سَوَاءٌ مَا اتَّصَلَ مِنْهَا بِمَوْضُوعِ الْحُكْمِ الْوَاجِبِ تَطْبِيقُهُ عَلَى النَّازِلَةِ - وَهُمُ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يَسْتَشِيرُهُمْ - أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالأْعْمَالِ الْمُسَاعِدَةِ مِثْلُ الْكَاتِبِ الَّذِي يُسَجِّلُ الْمَحْضَرَ، وَأَعْوَانِ الْقَاضِي وَالْحَاجِبِ، وَالْمُزَكِّي وَالْمُتَرْجِمِ.

كَاتِبُ الْقَاضِي:

يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا لأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  اسْتَكْتَبَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَغَيْرَهُ؛ وَلأِنَّ الْقَاضِيَ تَكْثُرُ أَشْغَالُهُ وَيَكُونُ اهْتِمَامُهُ وَنَظَرُهُ مُتَوَجِّهًا لِمُتَابَعَةِ أَقْوَالِ الْخُصُومِ وَمَا يُدْلُونَ بِهِ مِنْ حُجَجٍ وَمَا يَسْتَشْهِدُونَ بِهِ مِنَ الشُّهُودِ فَيَحْتَاجُ إِلَى كَاتِبٍ يَكْتُبُ وَقَائِعَ الْخُصُومِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْكَاتِبِ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَدْلاً عَارِفًا بِكِتَابَةِ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلاَّتِ وَيُسْتَحَبُّ فِقْهُهُ، وَوُفُورُ عَقْلِهِ وَجَوْدَةُ خَطِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْفِقْهِ كَتَبَ كَلاَمَ الْخَصْمَيْنِ كَمَا سَمِعَهُ، وَلاَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، لِئَلاَّ يُوجِبَ حَقًّا لَمْ يَجِبْ وَلاَ يُسْقِطَ حَقًّا وَاجِبًا؛ لأِنَّ تَصَرُّفَ غَيْرِ الْفَقِيهِ بِتَفْسِيرِ الْكَلاَمِ لاَ يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ الْكَاتِبُ حَيْثُ يَرَى الْقَاضِي مَا يَكْتُبُ وَيَصْنَعُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى الاِحْتِيَاطِ، وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ أَنَّ اتِّخَاذَ الْكَاتِبِ أَمْرٌ وُجُوبِيٌّ.

أَعْوَانُ الْقَاضِي:

يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ أَعْوَانًا يَكُونُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لأِنَّ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ مَجْلِسُ هَيْبَةٍ، فَلَوْ لَمْ يَتَّخِذْ أَعْوَانًا رُبَّمَا يُسْتَخَفُّ بِالْقَاضِي فَتَذْهَبُ مَهَابَتُهُ؛ وَلأِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى إِحْضَارِ الْخُصُومِ، وَالأْعْوَانُ هُمُ الَّذِينَ يُحْضِرُونَ الْخُصُومَ إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَيَزْجُرُونَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الزَّجْرَ مِنَ الْخُصُومِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ مِنْ ذَوِي الدِّينِ وَالأْمَانَةِ وَالْبُعْدِ عَنِ الطَّمَعِ.

حَاجِبُ الْقَاضِي:

الْحَاجِبُ - هُنَا - مَنْ يَقُومُ بِإِدْخَالِ الْخُصُومِ عَلَى الْقَاضِي وَيُرَتِّبُهُمْ فَيُقَدِّمُ مَنْ حَضَرَ أَوَّلاً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ وَهَكَذَا، وَيَمْنَعُ الْخُصُومَ مِنَ التَّدَافُعِ عَلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ اتِّخَاذِ الْقَاضِي حَاجِبًا، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَالْمَرْجِعُ فِيهِ عِنْدَهُمُ الشَّرْعُ فَقَدْ اتَّخَذَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ حُجَّابًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لاَ يَتَّخِذَ حَاجِبًا يَحْجُبُ النَّاسَ عَنِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَبُو مَرْيَمَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ: «مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمُ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ»؛ وَلأِنَّ حَاجِبَ الْقَاضِي رُبَّمَا قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَ وَأَخَّرَ الْمُتَقَدِّمَ لِغَرَضٍ لَهُ، وَلاَ بَأْسَ عِنْدَهُمْ بِاتِّخَاذِ حَاجِبٍ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَفِي حَالِ الزَّحْمَةِ وَكَثْرَةِ النَّاسِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا، وَعَلَّقَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْحَمَوِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لاَ سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا مَعَ فَسَادِ الْعَوَامِّ، وَلِكُلِّ زَمَنٍ أَحْوَالٌ وَمَرَاسِمُ تَقْتَضِيهِ وَتُنَاسِبُهُ.. وَكَلاَمُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا، مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا قَصَدَ بِالْحَاجِبِ الاِحْتِجَابَ عَنِ النَّاسِ وَالاِكْتِفَاءَ بِهِ، أَوْ حَالَةَ الْخَوْفِ مِنِ ارْتِشَاءِ الْحَاجِبِ وَتَفْصِيلُ شُرُوطِ الْحَاجِبِ وَآدَابِهِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (حَاجِب ف9).

الْمُزَكِّي:

الْمُرَادُ بِالْمُزَكِّي فِي بَابِ الْقَضَاءِ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ. ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا عَرَفَ عَدَالَةَ الشُّهُودِ فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى تَزْكِيَتِهِمْ، وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُمْ مَجْرُوحُونَ رَدَّ شَهَادَتَهُمْ.

وَهَلْ يَتَّخِذُ الْقَاضِي مُزَكِّيًا يَتَحَرَّى عَنِ الشُّهُودِ وَيَتَعَرَّفُ حَالَ مَنْ يَجْهَلُ مِنْهُمْ؟.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ التَّزْكِيَةَ نَوْعَانِ:

تَزْكِيَةُ السِّرِّ، وَتَزْكِيَةُ الْعَلاَنِيَةِ، أَمَّا تَزْكِيَةُ السِّرِّ، فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَخْتَارَ لِلْمَسْأَلَةِ عَنِ الشُّهُودِ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ النَّاسِ وَأَوْرَعُهُمْ دِيَانَةً وَأَعْظَمُهُمْ دِرَايَةً وَأَكْثَرُهُمْ خِبْرَةً وَأَعْلَمُهُمْ بِالتَّمَيُّزِ فِطْنَةً، فَيُوَلِّيَهُ الْمَسْأَلَةَ عَنِ الشُّهُودِ سِرًّا، فَيَسْأَلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَنِ الشَّاهِدِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ جِيرَانِهِ وَأَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَأَهْلِ سُوقِهِ، وَلاَ يَنْقُلُ لِلْقَاضِي إِلاَّ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ عَدْلاَنِ فَأَكْثَرُ، وَالْعَدَدُ فِي الْمُزَكِّي لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ الإْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَالاِثْنَانِ أَحْوَطُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: شَرْطٌ حَتَّى لاَ تَثْبُتَ الْعَدَالَةُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، وَمَنْشَأُ الْخِلاَفِ هَلْ هُوَ شَهَادَةٌ أَمْ إِخْبَارٌ.

أَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلاَنِيَةِ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ مُعِينِ الْحُكَّامِ: إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ الاِكْتِفَاءُ بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ لِمَا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلاَنِيَةِ مِنْ فِتْنَةٍ بِسَبَبِ مَا يُلاَقِيهِ الْمُزَكِّي مِنْ بَلاَءٍ مِنَ الشَّاهِدِ فِي حَالَةِ تَجْرِيحِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْقَاضِي مُزَكُّونَ وَأَصْحَابُ مَسَائِلَ، فَالْمُزَكُّونَ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ لِيُبَيِّنُوا حَالَ الشُّهُودِ، وَأَصْحَابُ الْمَسَائِلِ هُمُ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمُ الْقَاضِي إِلَى الْمُزَكِّينَ لِيَبْحَثُوا وَيَسْأَلُوا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُزَكِّي وَاحِدًا بَلِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُرَتِّبَ شُهُودًا لاَ يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ لِوُجُوبِ قَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ تَثْبُتُ عَدَالَتُهُ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ شُهُودًا يُشْهِدُهُمُ النَّاسُ فَيَسْتَغْنُونَ بِإِشْهَادِهِمْ عَنْ تَعْدِيلِهِمْ وَيَسْتَغْنِي الْقَاضِي عَنِ الْكَشْفِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، فَيَكُونُ فِيهِ تَخْفِيفٌ مِنْ وَجْهٍ، وَيَقُومُ هَؤُلاَءِ بِتَزْكِيَةِ مَنْ عَرَفُوا عَدَالَتَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ إِذَا شَهِدَ.

الْمُتَرْجِمُ:

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ مُتَرْجِمًا إِذَا كَانَ لاَ يَعْرِفُ لُغَةَ الْخَصْمِ أَوِ الشَّاهِدِ، وَيَكْفِي الْمُتَرْجِمُ الْوَاحِدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَقَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كِتَابَ يَهُودَ، قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ، قَالَ: فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ» وَلأِنَّهُ مِمَّا لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ فَأَجْزَأَ فِيهِ الْوَاحِدُ كَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ.

وَالْقَوْلُ أَنَّهُ يَكْفِي الْوَاحِدُ الْعَدْلُ - عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - مَحَلُّهُ إِذَا رَتَّبَهُ الْقَاضِي، أَمَّا إِذَا لَمْ يُرَتِّبْهُ بِأَنْ أَتَى بِهِ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ، أَوْ طَلَبَهُ الْقَاضِي لِلتَّبْلِيغِ فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّعَدُّدِ لأِنَّهُ صَارَ كَالشَّاهِدِ، وَقَدْ حَكَى الدُّسُوقِيُّ أَنَّ الْمُتَرْجِمَ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ اتِّفَاقًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ التَّرْجَمَةَ شَهَادَةٌ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُتَرْجِمِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَرْجَمَة ف 15).