1- إن الحكم بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى لا يترتب عليه انقضاء الحق الذي رفعت به وإلا كان إنكارا لحق المدعيين في العدالة والانتصاف ، وترك الضرر يستقر حيثما وقع دون أن تتحمل الدولة المعتدية مسئولية ما ترتب على عدوانها ، وهو ما يشكل ظلما بينا للمدعيين ، فإن هذا الحكم لا يحول بينهم وبين مطالبة الحكومة المصرية بوصفها الهيئة التنفيذية والإدارية العليا والممثل الوحيد للدولة والمعبر عن سيادتها في علاقتها بأشخاص القانون الدولي ، باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية اللازمة على الصعيد الدولي وسلوك كافة السبل التي توفرها قواعد القانون الدولي بما يكفل الحصول للمدعيين على حقهم في التعويض عن الأضرار التي حاقت بهم من جراء قتْل القوات الفرنسية لمورثهم بعد أسره بالمخالفة لاتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الملحقة بها وقواعد العرف الدولي الآمرة – على ما سلف بيانه – ، ذلك أن السعي الجاد لحماية حقوق المواطنين من عدوان دولة أجنبية لا يدخل في نطاق وظيفتها ومسئوليتها السياسية كسلطة تنفيذية فحسب ، بل يمثل التزاما أخلاقيا وإنسانيا ، فضلا عن أنه التزامٌ دستوريٌ وقانونيٌ على عاتق الدولة ، مما لا سبيل إلى إنكاره أو النكول به ، فهي كما تفرض سيادتها عن طريق أعمال السيادة التي لا تخضع لرقابة القضاء ، يجب أنْ تبْسط حمايتها على مواطنيها من كل عسف أو عدوان على حقوقهم سواء كان المعتدي من داخل الدولة أو خارجها ، وهو ما يأتي في صدارة واجبات الحكومة وأسمى وظائفها .
( الطعن رقم 2703 لسنة 87 ق - جلسة 15 / 6 / 2020 )
2- الاتفاقيات الدولية الجماعية لا تلزم إلا الدول أطرافها في علاقتها المتبادلة ، وهي الدول التي صدقت عليها علي النحو الذي يحدده تشريعها الداخلي وقامت بإيداع هذا التصديق بالطريقة التي توجبها كل اتفاقية ، بما مؤداه ، أن الدول التي لم تنضم إلي اتفاقية جماعية معينة تخضع في علاقاتها المتبادلة وفي علاقاتها مع الدول التي انضمت إليها للقواعد المقررة في القانون الدولي ، دون تلك التي نصت عليها الاتفاقية ، إذ لا يتصور أنْ تنشئ الاتفاقية التزامات أو حقوقا للدول غير الأطراف بدون موافقتها ، احتراما لسيادة تلك الدول ، كما أنه من غير المقبول أن تستفيد دولة من أحكام اتفاقية ليست طرفا فيها .
( الطعن رقم 2703 لسنة 87 ق - جلسة 15 / 6 / 2020 )
3- إذ كان الطاعنون قد أقاموا دعواهم على سفير فرنسا بصفته الممثل القانوني لها ، بطلب التعويض عما لحقهم من أضرار بسبب قتل القوات الفرنسية مورثهم الضابط بالجيش المصري بعد أسره من هذه القوات خلال الحرب العدوانية التي شاركت فيها عام 1956 ، وبرغم أن المستندات المقدمة من الطاعنين وخاصة كتاب مفوض الهيئة الدولية للصليب الأحمر المؤرخ 29 / 4 / 1975 ، وكذلك الصادرة من وزارة الدفاع المصرية والشهادة التي تفيد منْح المورث نجمة الشرف فضلا عما ساقوه من قرائن يقْطع جميعها باستشهاده علي يد القوات الفرنسية بعد أسره ، ... ، وبرغم ثبوت مخالفة القوات الفرنسية لأحكام اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها - على النحو السالف البيان - بما يستوجب مسئولية الدولة الفرنسية عما قارفته قواتها المسلحة في حق مورث الطاعنين ، إلا أن الحصانة القضائية التي تتمتع بها الدولة الفرنسية تعفيها من الخضوع لولاية المحاكم المصرية ، ولا يؤثر في ذلك انضمام الدولة الفرنسية إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية التي نشرتْ وفتحت للتوقيع بموجب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 2 / 12 / 2004 التي نصت في المادة 12 منها علي أنه ... ، لكل ما تقدم بيانه آنفا ، فإن هذه المحكمة لا تملك سوى تقرير عدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى والوقوف عند هذا الحد ، باعتبار ... ، فإن الحكم المطعون فيه إذ انطوى قضاؤه في موضوع الدعوى على قضاء ضمني باختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى ، فإنه يكون معيبا بمخالفة القانون ، بما يوجب نقضَه وإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى .
( الطعن رقم 2703 لسنة 87 ق - جلسة 15 / 6 / 2020 )
4- المقرر ينص المادة 29 من قانون المرافعات أن : " تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة فى الجمهورية فيما عدا الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار واقع فى الخارج " كما تنص المادة 30 من هذا القانون على أن " تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو محل إقامة فى الجمهورية وذلك فى الأحوال الآتية : 1- إذا كان له فى الجمهورية موطن مختار ..." .
( الطعن رقم 145 لسنة 62 ق - جلسة 2000/05/15 - س 51 ع 2 ص 678 ق 124 )
5- تمتع الشخص الطبيعى أو الإعتبارى الأجنبى بالحصانة القضائية وعدم الخضوع للقضاء الوطنى يمنع من إختصاص المحاكم المصرية ولائياً بنظر المنازعات الصادر في شأنها هذا الإعفاء ولو كانت لهذا الشخص إقامة في مصر وأن ما ورد في المواد من 29 - 35 من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968من اختصاص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التى ترفع على الأجنبي المقيم في مصر إنما يمثل الإطار العام الوارد في هذا القانون وبديهى أن يخرج عن هذا النطاق ما استثنى منه بقوانين خاصة تعفى الأجنبى من الخضوع للقضاء الوطنى سواء كانت تلك القوانين سابقة أو لاحقة على صدور قانون المرافعات إذ أن المقرر أن القانون العام لا يلغى قانوناً خاصاً إلا إذا نص على ذلك صراحة ومن أمثلة ذلك القوانين الصادرة بالموافقة على الإتفاقات والمعاهدات الدبلوماسىة من الخضوع للقضاء الإقليمى والقوانين الصادرة بالموافقة على الإتفاقيات والمعاهدات الدولية التى تقضى باختصاص القضاء المصرى بنظر الدعاوى التى ترفع على الأجنبى المقيم في مصر أو له محل إقامة مختار بها لما تتمتع به الهيئة المطعون ضدها من إعفاء من الخضوع للقضاء الإقليمى وارد على سبيل الحصر في الاتفاقية المعقودة بينهما وبين سلطة تشريعية في ذلك الوقت فأصبحت قانون المرافعات طالما لم ينص القانون الأخير على إلغائها .
( الطعن رقم 2248 لسنة 53 ق - جلسة 9 / 12 / 1993 )
6- يجب على المحكمة فى دعاوى وضع اليد أن تحصر أسباب حكمها فيما يتعلق بالحيازة المادية وتبحث شروطها القانونية ، هل هى متوافرة للمدعى أم لا . أما إذا هى إستقت أسباب حكمها من عقود الملكية وأقامتها عليها وحدها فإنها بذلك تكون قد جمعت بين دعوى الملكية ودعوى وضع اليد ، وخالفت بذلك نص المادة 29 من قانون المرافعات وتعين نقض حكمها .
( الطعن رقم 21 لسنة 3 ق - جلسة 1993/11/09 - س ع ع 1 ص 254 ق 140 )
7- أن النص فى المادة 41 من القانون المدنى على أن المكان الذى يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة يعتبر موطنا بالنسبة إلى إدارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة ، والنص فى المادة 2/53 من ذلك القانون على أن الشركات التى يكون مركز إدارتها الرئيسى فى الخارج ولها نشاط فى مصر يعتبر مركز إدارتها بالنسبة إلى القانون الداخلى " أى موطنها" هو المكان الذى توجد به الإدارة المحلية ، والنص فى المادة 5/13 من قانون المرافعات على أنه فيما يتعلق بالشركات الأجنبية التى لها فرع أو وكيل بجمهورية مصر العربية تسلم الإعلانات الخاصة بها إلى هذا الفرع أو الوكيل ، فقد دلت هذه النصوص مجتمعة على أنه إذا كان الموطن الأصلى لشخص - طبيعيا كان أو اعتباريا - موجودا فى الخارج ولكن يباشر نشاطا تجاريا أو حرفة فى مصر ، اعتبر المكان الذى يزاول فيه هذا النشاط موطنا له فى كل ما يتعلق بهذا النشاط .
( الطعن رقم 591 لسنة 39 ق - جلسة 1980/02/04 - س 31 ع 1 ص 388 ق 76 )
تختص المحاكم المصرية بكافة الدعاوي التي ترفع علي الأجنبي وبالأوامر الولائية التي تستصدر ضده بشرط أن يكون له موطن أو محل اقامة في مصر، ويرجع في تحديد الموطن الي المواد 40 - 43 من القانون المدني، والموطن هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة ، ويعتبر المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة موطناً بالنسبة الي ادارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة والحرفة ، ويجوز قانوناً أن يكون للشخص أكثر من موطن حسبما تنص عليه المادة 40 من القانون المدني ، فإذا كان للأجنبي موطن في مصر وآخر في الخارج وكان يتردد بينهما، كانت المحاكم المصرية هي المختصة بالدعاوي التي ترفع عليه دون محاكم الموطن الأجنبي، ويترتب على ذلك أنه إذا رفعت دعوي الأجنبي أمام محاكم موطنه الخارجي وكان لموضوعها اتصال بالنظام العام أو بعقار موجود في مصر، امتنع تنفيذه بها، أما إن لم يكن لموضوعها اتصال بالنظام العام وقبل الأجنبي إختصاص محاکم موطنه الخارجي جاز تنفيذ الحكم الصادر منها في مصر، أما أن دفع بعدم إختصاص هذه المحاكم أو تغيب في جميع جلساتها ثم دفع أمام المحكمة المصرية المطروح عليها الأمر بالتنفيذ بعدم إختصاص محاكم موطنه الخارجي وطلب رفض إصدار الأمر بتنفيذ الحكم الصادر منها تعين قبول هذا الدفع، ويستوي في ذلك تعدد الموطن الأصلي أو موطن الأعمال.
فإن لم يكن للأجنبي موطن في مصر بانتفاء نية الإستيطان بالنسبة للمكان الذي يقيم فيه ، أعتبرت الأمكنة التي يقيم بها محال إقامة له، تكفي لإنعقاد الاختصاص للمحاكم المصرية بالنسبة للدعاوي التي ترفع عليه.
ولا يكفي التواجد العابر بمصر للأجنبي، لتختص المحاكم المصرية بالدعاوي المدنية والتجارية التي ترفع عليه، فيلزم أن يتوافر في هذا التواجد عنصر الاستقرار بها بحصول الأجنبي علي اقامة من السلطة المختصة ، ويستثنى من ذلك الدعاوي الجنائية ومسائل الأحوال الشخصية على نحو ما أشارت اليه المادة 30 من قانون المرافعات.
الدعاوي المتعلقة بعقار خارج مصر :
تتصل الدعاوي المتعلقة بعقار بكيان الدولة الاقتصادي ، ولذلك حرصت القوانين علي جعل الاختصاص بالمنازعات المتعلقة بها لمحاكم الدولة التي يوجد بها العقار، وقد أخذت المادة 29 من قانون المرافعات بهذا القيد فجعلت الاختصاص بالدعاوي التي ترفع علي الأجنبي المتوطن بمصر أو المقيم بها لمحاكم الدولة الكائن العقار بها، وقد لا تعتبر الدولة الكائن بها العقار الاختصاص القضائي لمحاكمها من النظام العام، ولذلك لا يجوز للمحاكم المصرية أن تقضي بعدم إختصاصها دولياً بنظر الدعوي إلا إذا تمسك المدعي عليه بهذا الدفع أو لم يحضر أمامها وفي الحالة الأخيرة تقضي بعدم إختصاصها من تلقاء نفسها وتقف عند هذا الحد دون أن تأمر بالإحالة."
وينصرف القيد إلي الدعاوي العقارية كدعوي الملكية، والدعاوي الشخصية العقارية كدعوي صحة التعاقد، والدعاوي الشخصية المتعلقة بعقار کدعوي الايجار ودعوي عارية إستعمال العقار .)المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الأول ، الصفحة :461 )
مدی خضوع الأجانب لولاية القضاء المصري :
كانت الفكرة السائدة حتى أوائل القرن التاسع عشر هي أن قضاء الدولة وجد أصلاً لإقامة العدل بين الوطنيين فقط ( فؤاد عبد المنعم رياض وسامية راشد - الوجيز - بند 311 ص 351 ) .
ولذلك كانت محاكم كل دولة لاتنظر إلا في القضايا المتعلقة برعاياها ولاتعد نفسها مكلفة بنظر المنازعات التي تنشب بين الأجانب المقيمين على إقليمها، وذلك لإعتبار مرفق القضاء امتیازاً خاصاً بالوطنيين دون غيرهم، بيد أن سرعان ما تبين خطأ هذه الفكرة، إذ أن أي نزاع يقوم بين أفراد مقيمين في إقليم الدولة، من شأنه أن يخل بالنظام والأمن السائدين في هذه الدولة سواء أكان أطراف النزاع وطنيين أم أجانب، ونتيجة لذلك حادت معظم الدول تدريجياً عن مبدأ عدم إختصاص محاكمها بالنسبة للأجانب الموجودين في إقليمها، وبذا تلاشت الفكرة القاضية بأن مرفق القضاء إمتیاز خاص بالوطنيين .
في فرنسا بعد أن كان القضاء الفرنسي في النصف الأول من القرن التاسع عشر يحكم بعدم اختصاصه بالمنازعات بين الأجانب في فرنسا على أساس أن أداء العدالة وظيفة تقوم بها الدولة لمصلحة مواطنيها وليس للأجانب أي حق في أن يستفيدوا منها، عدل هذا القضاء عن ذلك وأصبح بحكم باختصاصه بنظر المنازعات بين الأجانب في حالات محددة كوقوع الفعل الضار في فرنسا ( انظر للمؤلف - تحديد نطاق الولاية القضائية والاختصاص القضائي - رسالة ص 214 وما بعدها والمراجع المشار إليها فيها وبصفة خاصة نيبوبيه - دروس في القانون الدولي الخاص الفرنسي - الطبعة الثانية - سیری - سنة 1949 - بند 691 - ص 642 و ص 643 ) .
والأمر السائد الآن هو حق الأجانب في الالتجاء إلى القضاء الوطني، كما أنهم في نفس الوقت يخضعون لقضاء الدولة التي يوجدون فيها، إذ أنهم يتمتعون بحماية تلك الدولة فيجب مقابل ذلك أن يخضعوا لقضائها ( علی صادق أبو هيف - القانون الدولي العام - الطبعة الحادية عشرة - سنة 1975 - بند 185 - ص 235 ) ، كذلك ليس للأجانب الآن أية امتیازات قضائية، على نحو ما كان سائداً في مصر في الماضي، فلا توجد محاكم خاصة بهم، وليس لهم أن يلجأوا إلى سفراء دولهم ليقضوا بينهم ( انظر حكم محكمة النقض المصرية - الصادر في 5 يونية سنة 1974 - المنشور في مجموعة أحكام النقض - المكتب الفني - السنة الخامسة والعشرون - ص 979 - وقد جاء بهذا الحكم أن السفير لايملك القضاء على مواطنيه الموجودين بالدولة المعتمد لديها، بل إنهم يخضعون لقضاء الدولة التي يوجدون فيها، والذي يعتبر مظهراً من مظاهر سيادتها ) .
ووفقاً للمادة 29 من قانون المرافعات المصرى - محل التعليق - ينعقد الاختصاص للمحاكم المصرية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في الجمهورية، وذلك فيما عدا الدعاوی العقارية المتعلقة بعقار واقع في الخارج .
وأساس هذا الاختصاص وجود المدعى عليه الأجنبي في مصر، مما يعطي للمحاكم المصرية سلطة كافية في مواجهته ويشمل تعبير الموطن كلا من الموطن العام والموطن الخاص .
( المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات المشار إليها آنفا، والمقصود بالموطن العام المكان الذي يوجد فيه الشخص عادة مادة 40 من القانون المدني ) .
ويقصد بالموطن الخاص المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة، إذ يعد هذا المكان موطناً له بالنسبة إلى إدارة أعماله المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة مادة 43 من القانون المدني.
ولايشترط أن يكون للأجنبي موطناً داخل الجمهورية لانعقاد الاختصاص للمحاكم المصرية بالدعاوى التي ترفع عليه، بل يكفي أن يكون له محل إقامة داخل الجمهورية، إذ يعتبر ذلك أساساً كافياً لإختصاص محاكم الجمهورية بالدعاوى التي ترفع عليه، وثمة فارق بين الإقامة والموطن، إذ يشترط لإعتبار دولة ما موطناً للشخص أن يقيم الشخص في هذه الدولة بصفة مستمرة بنية الإستيطان، بينما لايشترط نية الاستيطان بالنسبة للإقامة، إذ تعد دولة ما مخلاً لإقامة الشخص لمجرد وجود محل سكني للشخص بإقليم هذه الدولة .
ولكن وجود الأجنبي المدعى عليه وجوداً عارضاً في الجمهورية لايكفي وحده أساساً ينعقد عليه الاختصاص لمحاكم الجمهورية ( عز الدين عبد الله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - ج 2 - بند 180 ص 681 ) ، ومثال ذلك أن يبرم انجليزي مع انجليزى آخر عقداً في إنجلترا لينفذ فيها، ويكون الإثنان متوطنين في إنجلترا أو يكون المدين بالإلتزام على الأقل متوطناً فيها، ثم ينتهز الدائن بالالتزام فرصة قدوم مدينه إلى مصر للسياحة ويرفع الدعوى عليه أمام محاكمها، فلا تختص هذه المحاكم بنظر مثل هذه الدعوى .
وأساس عدم اختصاص محاكم الجمهورية بالدعوى التي ترفع على الأجنبي الموجود في الجمهورية وجوداً عارضاً ، يكمن في أن الوجود في إقليم الدولة لايكفي وحده لوصل المنازعة بولاية القضاء فيها ما دامت عناصرها الموضوعية واقعة جميعها في الخارج، كما أن المدعى عليه في هذه الحالة لا يتمتع بالجنسية المصرية وليس له موطن أو محل إقامة في مصر، وإذا عقد الاختصاص للمحاكم المصرية على أساس مجرد وجوده العارض في داخل البلاد فإنه لن يتوفر له الرعاية الواجبة بمقتضى اعتبار العدالة وإعتبار حاجة المعاملات، ولذلك كان من الأفضل عدم اختصاص المحاكم المصرية في هذه الحالة كذلك لاتختص المحاكم المصرية بنظر الدعوى حتى ولو كان المدعى عليه الأجنبي له موطن أو محل إقامة في مصر، وذلك إذا كانت هذه الدعوى عقارية متعلقة بعقار خارج مصر، إذ قدر المشرع في هذه الحالة أنه ليس بمجد منح الإختصاص للمحاكم المصرية، بل أن محاكم الدولة الكائن بها العقار هي الأكثر قدرة على الفصل في الدعاوى المتعلقة به. ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / الأول ، الصفحة : 768 )
يشمل الموطن كلا من الموطن العام المنصوص عليه في المادة 40 من القانون المدني والموطن الخاص المنصوص عليه في المادة 41 منه.
ويكفي لاختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي أن يكون له محل إقامة في مصر وهو ما لا يلزم فيه أن تتوافر لديه نية الاستيطان فيها فتكفي الإقامة المستقرة ولو لمدة يسيرة، ولكن لا يكفي الوجود العارض كما لو كان الأجنبي قد تواجد في مصر للسياحة ، كما لا تختص المحاكم المصرية بالدعوى التي ترفع علي أجنبي ولو كان له موطن أو محل إقامة في مصر متى كانت الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار في الخارج يستوي في ذلك أن تكون الدعوى عينية عقارية أو شخصية عقارية أو مختلطة (مرافعات كمال عبد العزيز الجزء الأول من الطبعة الثالثة ص 284) . ( التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : الأول ، الصفحة : 412 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع والعشرون ، الصفحة / 266
تَقْسِيمُ الْوَطَنِ:
يَنْقَسِمُ الْوَطَنُ إِلَى: وَطَنٍ أَصْلِيٍّ، وَوَطَنِ إِقَامَةٍ، وَوَطَنِ سُكْنَى.
الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ:
- هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَسْتَقِرُّ فِيهِ الإِْنْسَانُ بِأَهْلِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَوْطِنَ وِلاَدَتِهِ أَمْ بَلْدَةً أُخْرَى، اتَّخَذَهَا دَارًا وَتَوَطَّنَ بِهَا مَعَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَلاَ يَقْصِدُ الاِرْتِحَالَ عَنْهَا، بَلِ التَّعَيُّشُ بِهَا .
وَيَأْخُذُ حُكْمَ الْوَطَنِ: الْمَكَانُ الَّذِي تَأَهَّلَ بِهِ، أَيْ تَزَوَّجَ بِهِ، وَلاَ يَحْتَاجُ الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ إِلَى نِيَّةِ الإْقَامَةِ. لَكِنَ الْمَالِكِيَّةُ يَشْتَرِطُونَ: أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مَدْخُولاً بِهَا غَيْرَ نَاشِزٍ.
وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَبَيَّنُ: أَنَّ الْوَطَنَ الأْصْلِيَّ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ أَغْلَبِ الْفُقَهَاءِ بِالإْقَامَةِ الدَّائِمَةِ عَلَى نِيَّةِ التَّأْبِيدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَكَانِ وِلاَدَتِهِ أَمْ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَكَانُ الزَّوْجَةِ.
- وَالْوَطَنُ الأْصْلِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَهْلٌ وَدَارٌ فِي بَلْدَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ نِيَّةِ أَهْلِهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ أَهْلٍ إِلَى أَهْلٍ فِي السَّنَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا مِنْ بَلْدَةٍ فِيهَا أَهْلُهُ، وَدَخَلَ بَلْدَةً أُخْرَى فِيهَا أَهْلُهُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الإِْقَامَةِ.
مَا يُنْتَقَضُ بِهِ الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ:
- الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ يُنْتَقَضُ بِمِثْلِهِ لاَ غَيْرُ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَطَّنَ الإْنْسَانُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَيَنْقُلُ الأْهْلَ إِلَيْهَا مِنْ بَلْدَتِهِ مُضْرِبًا عَنِ الْوَطَنِ الأْوَّلِ، وَرَافِضًا سُكْنَاهُ، فَإِنَّ الْوَطَنَ الأْوَّلَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ فِيهِ مُسَافِرًا لاَ تَصِيرُ صَلاَتُهُ أَرْبَعًا.
وَالأْصْلُ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ - رضي الله عنهم - كَانُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ لَهُمْ بِهَا أَوْطَانٌ أَصْلِيَّةٌ، ثُمَّ لَمَّا هَاجَرُوا وَتَوَطَّنُوا بِالْمَدِينَةِ، وَجَعَلُوهَا دَارًا لأِنْفُسِهِمُ انْتَقَضَ وَطَنُهُمُ الأْصْلِيُّ بِمَكَّةَ، حَتَّى كَانُوا إِذَا أَتَوْا مَكَّةَ يُصَلُّونَ صَلاَةَ الْمُسَافِرِينَ.
وَلِذَلِكَ «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ صَلَّى بِهِمْ: أَتِمُّوا يَا أَهْلَ مَكَّةَ صَلاَتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ».
وَلاَ يُنْتَقَضُ الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ بِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَلاَ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُمَا دُونَهُ، وَالشَّيْءُ لاَ يُنْسَخُ بِمَا هُوَ دُونَهُ، وَكَذَا لاَ يُنْتَقَضُ بِنِيَّةِ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ وَطَنِهِ حَتَّى يَصِيرَ مُقِيمًا بِالْعَوْدَةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الإْقَامَةِ.
وَطَنُ الإْقَامَةِ:
- هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الإْنْسَانُ أَنْ يُقِيمَ بِهِ مُدَّةً قَاطِعَةً لِحُكْمِ السَّفَرِ فَأَكْثَرَ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ ذَلِكَ، مَعَ اخْتِلاَفٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي مِقْدَارِ هَذِهِ الْمُدَّةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا.
أَمَّا شَرَائِطُهُ: فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ:
الرِّوَايَةَ الأْولَى: إِنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ إِقَامَةٍ بِشَرِيطَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ.
وَالثَّانِيَةَ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ وَطَنِهِ الأْصْلِيِّ وَبَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ (الَّذِي تَوَطَّنَ فِيهِ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ هَذِهِ الْمُدَّةِ) مَسَافَةُ الْقَصْرِ.
وَبِدُونِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ لاَ يَصِيرُ وَطَنَ إِقَامَةٍ، وَإِنْ نَوَى الإْقَامَةَ مُدَّةً قَاطِعَةً لِلسَّفَرِ فِي مَكَانٍ صَالِحٍ لِلإْقَامَةِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْمُقِيمَ لَوْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إِلَى قَرْيَةٍ لاَ لِقَصْدِ السَّفَرِ، وَنَوَى أَنْ يَتَوَطَّنَ بِهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ فَلاَ تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إِقَامَةٍ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ؛ لاِنْعِدَامِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ. وَكَذَا إِذَا قَصَدَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ، وَخَرَجَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى قَرْيَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَطَنِهِ الأْصْلِيِّ أَقَلُّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ لاَ تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إِقَامَةٍ لَهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ - وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا مِنْ غَيْرِ هَاتَيْنِ الشَّرِيطَتَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ يَشْتَرِطُونَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ إِنْ كَانَتْ نِيَّةُ الإْقَامَةِ فِي ابْتِدَاءِ السَّيْرِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَثْنَائِهِ فَلاَ تُشْتَرَطُ الْمَسَافَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
مَا يُنْتَقَضُ بِهِ وَطَنُ الإْقَامَةِ:
- وَطَنُ الإْقَامَةِ يُنْتَقَضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ؛ لأِنَّهُ فَوْقَهُ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ؛ لأِنَّهُ مِثْلُهُ وَالشَّيْءُ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ بِمِثْلِهِ، وَيُنْتَقَضَ بِالسَّفَرِ - أَيْضًا - لأِنَّ تَوَطُّنَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ لِلْقَرَارِ، وَلَكِنْ لِحَاجَةٍ، فَإِذَا سَافَرَ مِنْهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ، فَصَارَ مُعْرِضًا عَنِ التَّوَطُّنِ بِهِ، فَصَارَ نَاقِضًا لَهُ، وَلاَ يُنْتَقَضُ وَطَنُ الإْقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُ دُونَهُ فَلاَ يَنْسَخُهُ.
وَطَنُ السُّكْنَى:
- هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الإْنْسَانُ الْمَقَامَ بِهِ أَقَلَّ مِنَ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ.
وَشَرْطُهُ: نِيَّةُ عَدَمِ الإْقَامَةِ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ، وَلِذَلِكَ يُعْتَبَرُ مُسَافِرًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَإِنْ طَالَ مَقَامُهُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلاَةَ»، وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ – رضي الله عنه - أَنَّهُ أَقَامَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى نَيْسَابُورَ شَهْرَيْنِ وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ.
إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
مَا يُنْتَقَضُ بِهِ وَطَنُ السُّكْنَى:
- وَطَنُ السُّكْنَى يُنْتَقَضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ وَبِوَطَنِ الإِقَامَةِ؛ لأِنَّهُمَا فَوْقَهُ، وَيُنْتَقَضُ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُ مِثْلُهُ، وَيُنْتَقَضُ بِالسَّفَرِ؛ لأِنَّ تَوَطُّنَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ لِلْقَرَارِ، وَلَكِنْ لِحَاجَةٍ، فَإِذَا سَافَرَ مِنْهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى انْقِضَاءِ حَاجَتِهِ، فَصَارَ مُعْرِضًا عَنِ التَّوَطُّنِ بِهِ، فَصَارَ نَاقِضًا لَهُ.
هَذَا، وَالْفَقِيهُ الْجَلِيلُ أَبُو أَحْمَدَ الْعِيَاضِيُّ قَسَّمَ الْوَطَنَ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا: وَطَنِ قَرَارٍ وَالآْخَرِ: مُسْتَعَارٍ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 56
وَطَن
التَّعْرِيفُ:
الْوَطَنُ- بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالطَّاءِ- فِي اللُّغَةِ: مَنْزِلُ الإْقَامَةِ، أَوْ مَكَانُ الإْنْسَانِ وَمَقَرُّهُ، وَيُقَالُ لِمَرْبِضِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالإِبِلِ: وَطَنٌ، وَهُوَ مُفْرَدٌ، جَمْعُهُ أَوْطَانٌ، وَمِثْلُ الْوَطَنِ الْمَوْطِنُ، وَجَمْعُهُ مَوَاطِنُ، وَأَوْطَنَ: أَقَامَ، وَأَوْطَنَهُ وَوَطَّنَهُ وَاسْتَوْطَنَهُ: اتَّخَذَهُ وَطَنًا، وَمَوَاطِنُ مَكَّةَ: مَوَاقِفُهَا .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْوَطَنُ: هُوَ مَنْزِلُ إِقَامَةِ الإْنْسَانِ وَمَقَرُّهُ، وُلِدَ بِهِ أَوْ لَمْ يُولَدْ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمَحَلَّةُ:
الْمَحَلَّةُ فِي اللُّغَةِ: مَنْزِلُ الْقَوْمِ، وَالْجَمْعُ مَحَالُّ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ مَنْزِلُ قَوْمِ إِنْسَانٍ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهُمْ حَيْثُ جَمَعَهُمُ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَحَلَّةِ وَالْوَطَنِ أَنَّ الْوَطَنَ أَعَمُّ مِنَ الْمَحَلَّةِ.
أَنْوَاعُ الْوَطَنِ:
يُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْوَطَنَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الأْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِهِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: وَطَنٌ أَصْلِيٌّ، وَوَطَنُ إِقَامَةٍ، وَوَطَنُ سُكْنَى، كَمَا يَلِي:
أ- الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ هُوَ: مَوْطِنُ وِلاَدَةِ الإْنْسَانِ أَوْ تَأَهُّلِهِ أَوْ تَوَطُّنِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ، وَيُسَمَّى بِالأْهْلِيِّ، وَوَطَنُ الْفِطْرَةِ، وَالْقَرَارِ، وَمَعْنَى تَأَهُّلِهِ أَيْ تَزَوُّجِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِبَلْدَتَيْنِ فَأَيُّهُمَا دَخَلَهَا صَارَ مُقِيمًا، فَإِنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ فِي إِحْدَاهُمَا وَبَقِيَ لَهُ فِيهَا دُورٌ وَعَقَارٌ، قِيلَ: لاَ يَبْقَى وَطَنًا، إِذِ الْمُعْتَبَرُ الأْهْلُ دُونَ الدَّارِ، وَقِيلَ: تَبْقَى، وَمَعْنَى تَوَطُّنِهِ أَيْ عَزْمِهِ عَلَى الْقَرَارِ فِيهِ وَعَدَمِ الاِرْتِحَالِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ فِيهِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: الْوَطَنُ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الشَّخْصُ لاَ يَرْحَلُ عَنْهُ صَيْفًا وَلاَ شِتَاءً إِلاَّ لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ .
وَيَلْحَقُ بِهِ الْقَرْيَةُ الْخَرِبَةُ الَّتِي انْهَدَمَتْ دُورُهَا وَعَزَمَ أَهْلُهَا عَلَى إِصْلاَحِهَا وَالإْقَامَةِ بِهَا صَيْفًا وَشِتَاءً .
كَمَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْبَلَدُ الَّذِي فِيهِ امْرَأَةٌ لَهُ أَوْ تَزَوَّجَ فِيهِ، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلاَةَ الْمُقِيمِ» .
قَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ .
وَيُؤْخَذُ مِمَّا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْوَطَنِ الْبَلَدُ الَّذِي لِلشَّخْصِ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَاشِيَةٌ، وَقِيلَ: أَوْ مَالٌ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْوَطَنُ هُوَ مَحَلُّ سُكْنَى الشَّخْصِ بِنِيَّةِ التَّأْبِيدِ، وَمَوْضِعُ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ سُكْنَاهُ عِنْدَهَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ بِقَرْيَةٍ وَلَدٌ فَقَطْ أَوْ مَالٌ فَإِنَّهَا لاَ تَكُونُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ .
ب- وَطَنُ الإْقَامَةِ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَطَنُ الإْقَامَةِ هُوَ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ الإْنْسَانُ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ مُدَّةٍ قَاطِعَةٍ لِحُكْمِ السَّفَرِ، وَيُسَمَّى بِالْوَطَنِ الْمُسْتَعَارِ أَوْ بِالْوَطَنِ الْحَادِثِ.
وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ يَتَّفِقُونَ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِحُكْمِ السَّفَرِ .
ج- وَطَنُ السُّكْنَى:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَطَنُ السُّكْنَى هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الإْنْسَانُ الْمُقَامَ بِهِ أَقَلَّ مِنَ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ .
(ر: صَلاَةِ الْمُسَافِرِ ف3 – 8)
شُرُوطُ الْوَطَنِ:
لاَ يُسَمَّى الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الإْنْسَانُ وَطَنًا لَهُ تُنَاطُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطَنِ إِلاَّ إِذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطٌ.
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ كَوْنِهِ وَطَنًا أَصْلِيًّا، أَوْ وَطَنَ إِقَامَةٍ، أَوْ وَطَنَ سُكْنَى.
ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الشُّرُوطِ مِمَّا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ وَبَعْضَهَا مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
شُرُوطُ الْوَطَنِ الأْصْلِيِّ:
أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا بِنَاءً مُسْتَقِرًّا بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْبِنَاءِ بِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ حَيْثُ عَرَّفُوا الْوَطَنَ فِي مَعْرِضِ الْكَلاَمِ عَنْ شُرُوطِ إِقَامَةِ صَلاَةِ الْجُمْعَةِ بِأَنَّهَا الْقَرْيَةُ الْمَبْنِيَّةُ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِبِنَائِهَا بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ طِينٍ أَوْ لَبِنٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَنْ تَكُونَ مُجْتَمِعَةَ الْبِنَاءِ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ فِي الْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ .
وَالْحَنَفِيَّةُ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ يَعْتَبِرُونَ الْمَكَانَ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ الشَّخْصُ أَوْ تَأَهَّلَ فِيهِ أَوْ تَوَطَّنَ فِيهِ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ .
ب -شُرُوطُ وَطَنِ الإْقَامَةِ:
تُشْتَرَطُ لاِتِّخَاذِ مَكَانٍ وَطَنًا لِلإْقَامَةِ شُرُوطٌ، مِنْهَا: نِيَّةُ الإْقَامَةِ، وَمُدَّةُ الإْقَامَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَاتِّخَاذُ مَكَانِ الإْقَامَةِ، وَصَلاَحِيَّةُ الْمَكَانِ لِلإْقَامَةِ، وَأَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لِلْمُقِيمِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ وَمَعْرِفَةِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا (ر: صَلاَة الْمُسَافِرِ ف26 - 29)
شُرُوطُ وَطَنِ السُّكْنَى:
لَيْسَ لِوَطَنِ السُّكْنَى إِلاَّ شَرْطَانِ، وَهُمَا: عَدَمُ نِيَّةِ الإْقَامَةِ فِيهِ، وَعَدَمُ الإْقَامَةِ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ- بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ- وَأَنْ لاَ يَكُونَ وَطَنًا أَصْلِيًّا لِلْمُقِيمِ فِيهِ.
(ر: صَلاَة الْمُسَافِرِ ف8)
مَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْوَطَنُ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ لاَ يَنْتَقِضُ إِلاَّ بِالاِنْتِقَالِ مِنْهُ إِلَى مِثْلِهِ، بِشَرْطِ نَقْلِ الأْهْلِ مِنْهُ، وَتَرْكِ السُّكْنَى فِيهِ، فَإِذَا هَجَرَ الإْنْسَانُ وَطَنَهُ الأْصْلِيَّ ، وَانْتَقَلَ عَنْهُ بِأَهْلِهِ إِلَى وَطَنٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ، بِشُرُوطِهِ لَمْ يَبْقَ الْمَكَانُ الأْوَّلُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ، فَإِذَا دَخَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسَافِرًا، بَقِيَ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ، مَا لَمْ يَنْوِ فِيهِ الإْقَامَةَ، أَوْ مَا لَمْ يُقِمْ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقِيمًا، وَيَكُونُ الْمَكَانُ لَهُ وَطَنَ إِقَامَةٍ بِحَسَبِ مَا تَقَدَّمَ .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْوَطَنَ الأْصْلِيَّ لاَ يَنْتَقِضُ بِاتِّخَاذِ وَطَنٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ. قَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: لاَ يَقْصُرُ مَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ وَطَنَهُ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ طَرِيقُهُ إِلَى بَلَدٍ يَطْلُبُهُ .
وَمَنِ اسْتَوْطَنَ وَطَنًا آخَرَ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ وَطَنِهِ الأْوَّلِ، كَأَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ مَثَلاً: الأْولَى فِي وَطَنِهِ الأْوَّلِ، وَالثَّانِيَةُ فِي وَطَنٍ آخَرَ جَدِيدٍ، كَانَ الْمَكَانُ الآْخَرُ وَطَنًا لَهُ بِشُرُوطِهِ، وَلَمْ يَنْتَقِضِ الْوَطَنُ الأْوَّلُ بِذَلِكَ، لِعَدَمِ التَّحَوُّلِ عَنْهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ لِلإْنْسَانِ زَوْجَتَانِ فِي بَلَدَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يُعَدَّانِ وَطَنَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ لَهُ، فَأَيُّهُمَا دَخَلَهَا عُدَّ مُقِيمًا فِيهَا مُنْذُ دُخُولِهِ مُطْلَقًا، وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
وَلاَ يَنْتَقِضُ الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ بِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَلاَ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُ أَعْلَى مِنْهُمَا، فَلاَ يَنْتَقِضُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ وَطَنِهِ الأْصْلِيِّ مُسَافِرًا إِلَى بَلَدٍ، وَأَقَامَ فِيهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، أَوْ نَوَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، لَمْ يَنْتَقِضْ بِذَلِكَ وَطَنُهُ الأْصْلِيُّ، فَلَوْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ عُدَّ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ إِلَيْهِ مُطْلَقًا.
أَمَّا وَطَنُ الإْقَامَةِ، فَيَنْتَقِضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ؛ لأِنَّهُ فَوْقَهُ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ أَيْضًا؛ لأِنَّهُ مِثْلُهُ، كَمَا يَنْتَقِضُ بِالسَّفَرِ، وَلاَ يَنْتَقِضُ وَطَنُ الإْقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُ دُونَهُ.
أَمَّا وَطَنُ السُّكْنَى، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَبِوَطَنِ السُّكْنَى أَيْضًا، أَمَّا الأْوَّلاَنِ فَلأِنَّهُمَا فَوْقَهُ، وَأَمَّا الآْخِرُ فَ لأِنَّهُ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ يَنْتَقِضُ بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ.