تقرر المادة 33 اختصاص محاكم الجمهورية بالفصل في المسائل الأولية والطلبات العارضة على الدعوى الأصلية المرفوعة إليها في حدود إختصاصها، كما تختص بالفصل في كل طلب مرتبط بهذه الدعوى ويقتضی حسن سير العدالة أن ينظر معها. وهذه كلها أمور مسلمة في فقه القانون الدولي الخاص نص على بعضها في المادة 864 من القانون القائم وينسحب حكمها على الإختصاص في مواد الأحوال العينية رغم عدم النص عليه في المادة 3 من هذا القانون. وذلك تطبيقاً للقواعد العامة .
1- إن الحكم بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى لا يترتب عليه انقضاء الحق الذي رفعت به وإلا كان إنكارا لحق المدعيين في العدالة والانتصاف ، وترك الضرر يستقر حيثما وقع دون أن تتحمل الدولة المعتدية مسئولية ما ترتب على عدوانها ، وهو ما يشكل ظلما بينا للمدعيين ، فإن هذا الحكم لا يحول بينهم وبين مطالبة الحكومة المصرية بوصفها الهيئة التنفيذية والإدارية العليا والممثل الوحيد للدولة والمعبر عن سيادتها في علاقتها بأشخاص القانون الدولي ، باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية اللازمة على الصعيد الدولي وسلوك كافة السبل التي توفرها قواعد القانون الدولي بما يكفل الحصول للمدعيين على حقهم في التعويض عن الأضرار التي حاقت بهم من جراء قتْل القوات الفرنسية لمورثهم بعد أسره بالمخالفة لاتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الملحقة بها وقواعد العرف الدولي الآمرة – على ما سلف بيانه – ، ذلك أن السعي الجاد لحماية حقوق المواطنين من عدوان دولة أجنبية لا يدخل في نطاق وظيفتها ومسئوليتها السياسية كسلطة تنفيذية فحسب ، بل يمثل التزاما أخلاقيا وإنسانيا ، فضلا عن أنه التزامٌ دستوريٌ وقانونيٌ على عاتق الدولة ، مما لا سبيل إلى إنكاره أو النكول به ، فهي كما تفرض سيادتها عن طريق أعمال السيادة التي لا تخضع لرقابة القضاء ، يجب أنْ تبْسط حمايتها على مواطنيها من كل عسف أو عدوان على حقوقهم سواء كان المعتدي من داخل الدولة أو خارجها ، وهو ما يأتي في صدارة واجبات الحكومة وأسمى وظائفها .
( الطعن رقم 2703 لسنة 87 ق - جلسة 15 / 6 / 2020 )
2- الاتفاقيات الدولية الجماعية لا تلزم إلا الدول أطرافها في علاقتها المتبادلة ، وهي الدول التي صدقت عليها علي النحو الذي يحدده تشريعها الداخلي وقامت بإيداع هذا التصديق بالطريقة التي توجبها كل اتفاقية ، بما مؤداه ، أن الدول التي لم تنضم إلي اتفاقية جماعية معينة تخضع في علاقاتها المتبادلة وفي علاقاتها مع الدول التي انضمت إليها للقواعد المقررة في القانون الدولي ، دون تلك التي نصت عليها الاتفاقية ، إذ لا يتصور أنْ تنشئ الاتفاقية التزامات أو حقوقا للدول غير الأطراف بدون موافقتها ، احتراما لسيادة تلك الدول ، كما أنه من غير المقبول أن تستفيد دولة من أحكام اتفاقية ليست طرفا فيها .
( الطعن رقم 2703 لسنة 87 ق - جلسة 15 / 6 / 2020 )
3- إذ كان الطاعنون قد أقاموا دعواهم على سفير فرنسا بصفته الممثل القانوني لها ، بطلب التعويض عما لحقهم من أضرار بسبب قتل القوات الفرنسية مورثهم الضابط بالجيش المصري بعد أسره من هذه القوات خلال الحرب العدوانية التي شاركت فيها عام 1956 ، وبرغم أن المستندات المقدمة من الطاعنين وخاصة كتاب مفوض الهيئة الدولية للصليب الأحمر المؤرخ 29 / 4 / 1975 ، وكذلك الصادرة من وزارة الدفاع المصرية والشهادة التي تفيد منْح المورث نجمة الشرف فضلا عما ساقوه من قرائن يقْطع جميعها باستشهاده علي يد القوات الفرنسية بعد أسره ، ... ، وبرغم ثبوت مخالفة القوات الفرنسية لأحكام اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها - على النحو السالف البيان - بما يستوجب مسئولية الدولة الفرنسية عما قارفته قواتها المسلحة في حق مورث الطاعنين ، إلا أن الحصانة القضائية التي تتمتع بها الدولة الفرنسية تعفيها من الخضوع لولاية المحاكم المصرية ، ولا يؤثر في ذلك انضمام الدولة الفرنسية إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية التي نشرتْ وفتحت للتوقيع بموجب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 2 / 12 / 2004 التي نصت في المادة 12 منها علي أنه ... ، لكل ما تقدم بيانه آنفا ، فإن هذه المحكمة لا تملك سوى تقرير عدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى والوقوف عند هذا الحد ، باعتبار ... ، فإن الحكم المطعون فيه إذ انطوى قضاؤه في موضوع الدعوى على قضاء ضمني باختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى ، فإنه يكون معيبا بمخالفة القانون ، بما يوجب نقضَه وإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى .
( الطعن رقم 2703 لسنة 87 ق - جلسة 15 / 6 / 2020 )
4- إذ كان الثابت بالأوراق أن الشركة الطاعنة دفعت أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بعدم اختصاص محكمة أول درجة محلياً بنظر الدعوى ، وكان طرفا الدعوى قد اتفقا فى البند التاسع من عقد إيجار المخزن على اختصاص محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بنظر ما قد ينشأ بينهما من منازعات ، وهى ذات المحكمة التى يقع بدائرتها مركز إدارة الشركة ، فتكون تلك المحكمة مختصة محلياً بنظر هذا النزاع وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذه الوجهة ورفض هذا الدفع بزعم أن المنازعات الايجارية الناشئة عن تطبيق أحكام قانون إيجار الأماكن من اختصاص المحكمة الكائن بدائرتها العقار بالمخالفة للقواعد المنظمة للاختصاص المحلى بقانون المرافعات ، فإنه يكون قد خالف القانون .
( الطعن رقم 1689 لسنة 72 ق - جلسة 2003/05/12 - س 54 ع 1 ص 774 ق 133 )
5- تمتع الشخص الطبيعى أو الإعتبارى الأجنبى بالحصانة القضائية وعدم الخضوع للقضاء الوطنى يمنع من إختصاص المحاكم المصرية ولائياً بنظر المنازعات الصادر في شأنها هذا الإعفاء ولو كانت لهذا الشخص إقامة في مصر وأن ما ورد في المواد من 29 - 35 من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968من اختصاص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التى ترفع على الأجنبي المقيم في مصر إنما يمثل الإطار العام الوارد في هذا القانون وبديهى أن يخرج عن هذا النطاق ما استثنى منه بقوانين خاصة تعفى الأجنبى من الخضوع للقضاء الوطنى سواء كانت تلك القوانين سابقة أو لاحقة على صدور قانون المرافعات إذ أن المقرر أن القانون العام لا يلغى قانوناً خاصاً إلا إذا نص على ذلك صراحة ومن أمثلة ذلك القوانين الصادرة بالموافقة على الإتفاقات والمعاهدات الدبلوماسىة من الخضوع للقضاء الإقليمى والقوانين الصادرة بالموافقة على الإتفاقيات والمعاهدات الدولية التى تقضى باختصاص القضاء المصرى بنظر الدعاوى التى ترفع على الأجنبى المقيم في مصر أو له محل إقامة مختار بها لما تتمتع به الهيئة المطعون ضدها من إعفاء من الخضوع للقضاء الإقليمى وارد على سبيل الحصر في الاتفاقية المعقودة بينهما وبين سلطة تشريعية في ذلك الوقت فأصبحت قانون المرافعات طالما لم ينص القانون الأخير على إلغائها .
( الطعن رقم 2248 لسنة 53 ق - جلسة 9 / 12 / 1993 )
اختصاص المحاكم المصرية بالمسائل الأولية والطلبات العارضة :
إذا إنعقد الإختصاص للمحاكم المصرية بنظر الدعوي بموجب النصوص المتقدمة جميعاً ، امتد هذا الإختصاص إلي المسائل الأولية والطلبات العارضة أو المرتبطة بالدعوي، طالما كان في ذلك تحقيقاً لحسن سير العدالة حتي لا تتشتت أوصال القضية أو يتعطل الفصل فيها لسبب فرعي يمكن للمحكمة التصدي له حتي لو كان الاختصاص به منعقداً للمحكمة أخري أجنبية.
والمسألة الأولية، هي التي تثار أثناء نظر الدعوي ويتوقف علي الفصل فيها الفصل في الدعوي ، مثال ذلك، دعوي المطالبة بالحصة الميراثية، فإنه يشترط لقبولها أن يكون المدعي وارثاً، فإذا أثير نزاع حول هذه الصفة ، كان ثبوت صفة الوارث للمدعي، مسألة أولية يجب الفصل فيها أولاً حتي يمكن الفصل في الدعوي، فإن ثبتت له قضي له بطلباته وإلا قضي بعدم قبول دعواه لرفعها من غير ذي صفة. وتخضع المحكمة في تصديها لهذه المسألة لطرق الإثبات المقررة في قانونها عملاً بالمادة 22 من القانون المدني بإعتبار أن الاثبات من إجراءات التقاضي التي تخضع لقانون القاضي.
أما الطلب العارض، فهو كل طلب يعترض سير الخصومة ويبدي من أي من الخصوم أثناء نظر الدعوي، فقد يلجأ إليه المدعي لتعديل طلباته، أو يلجأ إليه المدعي عليه لمواجهة طلبات المدعي، كما لو طلب اجراء المقاصة أو غير ذلك من الطلبات العارضة، وقد يقدم الطلب العارض من الغير الذي يتدخل هجومياً أو انضمامياً في الدعوي، وقد يقدم ضد الغير الذي يدخله الخصم في الدعوي.
والطلب المرتبط بالدعوي ، هو كل طلب كان يمكن للمدعي إستبداله بالطلب الأصلي عندما أقام دعواه دون أن يغير من وقائعها، فدعوي المطالبة بالأجر يرتبط بها طلب فسخ عقد العمل أو عقد الوكالة لعدم الوفاء بالإلتزام المقابل. أما اذا قام المدعي بتغيير الوقائع والطلبات، فإن ذلك ينطوي علي دعوي جديدة يجب رفعها بالطريق المقرر لذلك بصحيفة تودع قلم الكتاب ، وحينئذ يتحدد الاختصاص الدولي من جديد وعلي هدي ذلك، وإذا كان المدعي عليه قد قبل اختصاص المحاكم المصرية في الدعوي قبل إبداء الطلب المرتبط، فلا يعتد بهذا القبول طالما تضمن هذا الطلب دعوي مغايرة حتي لو قضي بعدم قبول الدعوي لهذا السبب لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون ، فقام المدعي برفعها من جديد. ( المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء / الأول ، الصفحة : 483 )
إذا رفعت للمحاكم المصرية دعوى داخلة في اختصاصها، فإن هذه المحاكم تكون مختصة أيضاً بالفصل في المسائل الأولية والطلبات العارضة على الدعوى الأصلية، وذلك وفقاً للمادة 33 مرافعات - محل التعليق - ويقوم الإختصاص بنظر المسائل الأولية والطلبات العارضة على أساس تمكين القضاء من أداء وظيفته ومراعاة حسن أداء العدالة .
وينبغي ملاحظة أنه بالرغم من أن ولاية القضاء المصري يمكن أن تمتد إلى المسائل الأولية والطلبات العارضة إذا كانت الدعوى تدخل أصلاً في ولاية هذا القضاء، فإنه لايجوز سلب إختصاص محاكم الجمهورية بالدعوى لصالح محكمة أجنبية إستناداً إلى أن هذه المحاكم تختص بها وفقاً لقانونها بوصفها مسألة أولية أو طلباً عارضاً في دعوى أصلية قائمة لديها، وذلك لعدم إنتقاص ولاية القضاء الوطني ( عز الدين عبدالله - ج 2 بند 195 ص 731 و ص 732، للمؤلف - تحديد نطاق الولاية القضائية والاختصاص القضائي ص 222 ) .
وأيضاً طبقاً للمادة 33 مرافعات - محل التعليق - فإنه إذا رفعت للمحاكم المصرية دعوی داخلة في إختصاصها فإن هذه المحاكم تكون مختصة أيضاً بالفصل في كل طلب يرتبط بهذه الدعوى ويقتضی حسن سير العدالة أن ينظر معها، ومن أوضح صور الإرتباط هو وجود وحدة في السبب أو في الموضوع أو الخصوم ( فؤاد عبدالمنعم رياض وسامية راشد - الوجيز في القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 324 ص 365 ) ، فإذا تحقق مثل هذا الإرتباط فإنه يجب على المحكمة أن تفصل في الطلب حتي ولو لم يكن يدخل في إختصاصها إذا رفع إليها إبتداءً ، ولكن يلاحظ أن الفقه والقضاء يميلان إلى التوسع في مدلول الإرتباط، حتى أصبح يكفي فيه قيام صلة وثيقة بين دعويين تجعل من المناسب ومن حسن القضاء جمعهما أمام محكمة واحدة، وليس من اللازم لتوافر الارتباط وحده السبب أو الموضوع أو الخصوم في الدعويين، بل يكفى توافر تلك الصلة الوثيقة بينهما. ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / الأول ، الصفحة : 798 )