loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

تنص المادة 35 على أنه إذا لم يحضر المدعى عليه ولم تكن محاكم الجمهورية مختصة بنظر الدعوى طبقاً للمواد السابقة تحكم المحكمة بعدم إختصاصها من تلقاء نفسها وهي منقولة عن المادة 867 من القانون الحالي ويبرر حكمها أنه لا يمكن أن يستبان من مجرد عدم حضور المدعى عليه قبوله ولاية هذه المحاكم .

الإحكام

1- إن الحكم بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى لا يترتب عليه انقضاء الحق الذي رفعت به وإلا كان إنكارا لحق المدعيين في العدالة والانتصاف ، وترك الضرر يستقر حيثما وقع دون أن تتحمل الدولة المعتدية مسئولية ما ترتب على عدوانها ، وهو ما يشكل ظلما بينا للمدعيين ، فإن هذا الحكم لا يحول بينهم وبين مطالبة الحكومة المصرية بوصفها الهيئة التنفيذية والإدارية العليا والممثل الوحيد للدولة والمعبر عن سيادتها في علاقتها بأشخاص القانون الدولي ، باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية اللازمة على الصعيد الدولي وسلوك كافة السبل التي توفرها قواعد القانون الدولي بما يكفل الحصول للمدعيين على حقهم في التعويض عن الأضرار التي حاقت بهم من جراء قتْل القوات الفرنسية لمورثهم بعد أسره بالمخالفة لاتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الملحقة بها وقواعد العرف الدولي الآمرة – على ما سلف بيانه – ، ذلك أن السعي الجاد لحماية حقوق المواطنين من عدوان دولة أجنبية لا يدخل في نطاق وظيفتها ومسئوليتها السياسية كسلطة تنفيذية فحسب ، بل يمثل التزاما أخلاقيا وإنسانيا ، فضلا عن أنه التزامٌ دستوريٌ وقانونيٌ على عاتق الدولة ، مما لا سبيل إلى إنكاره أو النكول به ، فهي كما تفرض سيادتها عن طريق أعمال السيادة التي لا تخضع لرقابة القضاء ، يجب أنْ تبْسط حمايتها على مواطنيها من كل عسف أو عدوان على حقوقهم سواء كان المعتدي من داخل الدولة أو خارجها ، وهو ما يأتي في صدارة واجبات الحكومة وأسمى وظائفها .

( الطعن رقم 2703 لسنة 87 ق - جلسة 15 / 6 / 2020 )

2- الاتفاقيات الدولية الجماعية لا تلزم إلا الدول أطرافها في علاقتها المتبادلة ، وهي الدول التي صدقت عليها علي النحو الذي يحدده تشريعها الداخلي وقامت بإيداع هذا التصديق بالطريقة التي توجبها كل اتفاقية ، بما مؤداه ، أن الدول التي لم تنضم إلي اتفاقية جماعية معينة تخضع في علاقاتها المتبادلة وفي علاقاتها مع الدول التي انضمت إليها للقواعد المقررة في القانون الدولي ، دون تلك التي نصت عليها الاتفاقية ، إذ لا يتصور أنْ تنشئ الاتفاقية التزامات أو حقوقا للدول غير الأطراف بدون موافقتها ، احتراما لسيادة تلك الدول ، كما أنه من غير المقبول أن تستفيد دولة من أحكام اتفاقية ليست طرفا فيها .

( الطعن رقم 2703 لسنة 87 ق - جلسة 15 / 6 / 2020 )

3- إذ كان الطاعنون قد أقاموا دعواهم على سفير فرنسا بصفته الممثل القانوني لها ، بطلب التعويض عما لحقهم من أضرار بسبب قتل القوات الفرنسية مورثهم الضابط بالجيش المصري بعد أسره من هذه القوات خلال الحرب العدوانية التي شاركت فيها عام 1956 ، وبرغم أن المستندات المقدمة من الطاعنين وخاصة كتاب مفوض الهيئة الدولية للصليب الأحمر المؤرخ 29 / 4 / 1975 ، وكذلك الصادرة من وزارة الدفاع المصرية والشهادة التي تفيد منْح المورث نجمة الشرف فضلا عما ساقوه من قرائن يقْطع جميعها باستشهاده علي يد القوات الفرنسية بعد أسره ، ... ، وبرغم ثبوت مخالفة القوات الفرنسية لأحكام اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها - على النحو السالف البيان - بما يستوجب مسئولية الدولة الفرنسية عما قارفته قواتها المسلحة في حق مورث الطاعنين ، إلا أن الحصانة القضائية التي تتمتع بها الدولة الفرنسية تعفيها من الخضوع لولاية المحاكم المصرية ، ولا يؤثر في ذلك انضمام الدولة الفرنسية إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية التي نشرتْ وفتحت للتوقيع بموجب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 2 / 12 / 2004 التي نصت في المادة 12 منها علي أنه ... ، لكل ما تقدم بيانه آنفا ، فإن هذه المحكمة لا تملك سوى تقرير عدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى والوقوف عند هذا الحد ، باعتبار ... ، فإن الحكم المطعون فيه إذ انطوى قضاؤه في موضوع الدعوى على قضاء ضمني باختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى ، فإنه يكون معيبا بمخالفة القانون ، بما يوجب نقضَه وإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى .

( الطعن رقم 2703 لسنة 87 ق - جلسة 15 / 6 / 2020 )

4- تمتع الشخص الطبيعى أو الإعتبارى الأجنبى بالحصانة القضائية وعدم الخضوع للقضاء الوطنى يمنع من إختصاص المحاكم المصرية ولائياً بنظر المنازعات الصادر في شأنها هذا الإعفاء ولو كانت لهذا الشخص إقامة في مصر وأن ما ورد في المواد من 29 - 35 من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968من اختصاص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التى ترفع على الأجنبي المقيم في مصر إنما يمثل الإطار العام الوارد في هذا القانون وبديهى أن يخرج عن هذا النطاق ما استثنى منه بقوانين خاصة تعفى الأجنبى من الخضوع للقضاء الوطنى سواء كانت تلك القوانين سابقة أو لاحقة على صدور قانون المرافعات إذ أن المقرر أن القانون العام لا يلغى قانوناً خاصاً إلا إذا نص على ذلك صراحة ومن أمثلة ذلك القوانين الصادرة بالموافقة على الإتفاقات والمعاهدات الدبلوماسىة من الخضوع للقضاء الإقليمى والقوانين الصادرة بالموافقة على الإتفاقيات والمعاهدات الدولية التى تقضى باختصاص القضاء المصرى بنظر الدعاوى التى ترفع على الأجنبى المقيم في مصر أو له محل إقامة مختار بها لما تتمتع به الهيئة المطعون ضدها من إعفاء من الخضوع للقضاء الإقليمى وارد على سبيل الحصر في الاتفاقية المعقودة بينهما وبين سلطة تشريعية في ذلك الوقت فأصبحت قانون المرافعات طالما لم ينص القانون الأخير على إلغائها .

( الطعن رقم 2248 لسنة 53 ق - جلسة 9 / 12 / 1993 )

5- تقوم الحصانة القضائية - التى لا تخضع الدولة بموجبها لولاية القضاء فى دولة أخرى - أساساً على مبدأ استقلال الدولة وسيادتها فى المجتمع الدولى ، فهو من المبادئ المسلمة فى القانون الدولى العام ، ومن مقتضاه أن يمتنع على محاكم دولة أن تقضى فى حق دولة أخرى بالنسبة للأعمال التى تصدر منها وهى تباشر سلطتها بصفتها صاحبة السلطان ، دون التصرفات العادية وأعمال التجارة ، لأن حق الدولة فى القضاء فى المنازعات التى تتعلق بتلك الأعمال - هو حق لصيق بسيادتها لا تستطيع دولة أخرى مباشرته عنها ، واذا إنعدمت ولاية القضاء فى الدولة بالنسبة لدولة أخرى كشخص قانونى مستقل ذى سيادة - فهى تنعدم بالنسبة لممثلى هذه الدولة وممثلى سلطاتها العامة الذين يعبرون عنها داخلياً وخارجياً أو من يقاضون عنها أى شأن من شئونها العامة لأن خضوعهم لقضاء غير القضاء الوطنى بالنسبة إليهم يعنى خضوع الدولة بأسرها لذلك القضاء بما فى ذلك من مساس بسلطة الدولة و سيادتها واستقلالها ، وعلى المحكمة أن تقضى فى هذه الحالة بعدم الاختصاص من تلقاء نفسها ما لم تتنازل الدولة عن تلك الحصانة فتقبل ولاية قضاء دولة أخرى .

( الطعن رقم 1996 لسنة 52 ق - جلسة 1986/11/26 - س 37 ع 2 ص 875 ق 181 )

6- قواعد القانون الدولى المتمثلة فى العرف الدولى والواجبة التطبيق بإعتبارها مندمجة فى القانون الداخلى لمصر فيما لا إخلال فيه بنصوص وأن أستقرت على أن الأصل هو أن تتمتع الدولة الأجنبية بالحصانة القضائية وهو ما ينبنى عليه عدم خضوعها لقضاء دولة أخرى إلا أنه لما كانت الحصانة غير مطلقة وإنما تقتصر على الأعمال التى تباشرها الدولة الأجنبية بما لها من سيادة فلا يندرج فيها المعاملات المدنية والتجارية وما يتفرع عنها من منازعات مما تنحسر عنه هذه الحصانة .

( الطعن رقم 1412 لسنة 50 ق - جلسة 1986/04/29 - س 37 ع 1 ص 495 ق 106 )

7- لئن كانت الحصانة الدبلوماسية التى يتمتع بها المبعوث الدبلوماسى مقررة أصلاً لصالح دولته لا لصالحه الشخصى بلا يملك كأصل التنازل عنها والخضوع للقضاء الوطنى إلا بموافقة دولته أو إذا كانت قوانينها تبيح له ذلك إلا أنه إذا تناول المبعوث الدبلوماسى بالفعل عن تلك الحصانة صراحة أو أمكن إستخلاص ذلك ضمناً من الظروف دون لبس أو إبهام ، فإنه يتعين الإعتداد بهذا التنازل بالنسبة للتصرف الذى تم بشأنه وما قد يؤول إليه أمر المنازعة فيه متى تم التنازل فى تاريخ لاحق لتمتع المبعوث بالحصانة ، أى بعد إعتماده فى الدولة الموفد إليها ، بإعتبار أن الأصل لا يصدر هذا التنازل إلا موافقاً لقانون دولته أو فى القليل بإذن منها فتكون إرادة المبعوث المعلنة فى هذا الشأن قد توافقت وإرادة دولته ، إذ لا يتصور أن يخالف تشريعاتها فيما يمس سيادتها وهو رمز لها وممثلها فى دولة أخرى ، وإذ كان مؤدى ما تقدم إنتفاء الحصانة عن المبعوث بصدد التصرف الذى تم بشأنه التنازل فإن لازم ذلك خضوعه للقضاء الوطنى فى الدولة الموفد لديها وجواز إعلانه ولو بغير الطريق الدبلوماسى ، بإعتبار أن وجوب إلتزام طريق معين فى الإعلان تابع من تمتعه بالحصانة وقد تنازل عنها .

( الطعن رقم 295 لسنة 51 ق - جلسة 1982/03/25 - س 33 ع 1 ص 330 ق 61 )

شرح خبراء القانون

عدم حضور المدعي عليه في الدعاوى التي لا تختص بها المحاكم المصرية :

يكفي لانعقاد الاختصاص للمحاكم المصرية بدعاوي الأجانب قبول المدعي عليه لهذا الاختصاص صراحة أو ضمناً متى كانت غير مختصة بنظرها. وينعقد هذا الإختصاص إعمالاً للإرادة الصريحة أو الضمنية التي تستخلص من مسلك المدعي عليه أثناء نظر الدعوى ، فإن لم يحضر امتنع هذا الاستخلاص ولا يكون هناك قبول منه ومن ثم لا ينعقد الاختصاص للمحاكم المصرية وتقضي تبعاً لذلك ومن تلقاء نفسها بعدم إختصاصها دولياً بنظر الدعوى.

وتصدي المحكمة للاختصاص الدولي من تلقاء نفسها لا يعني تعلق هذا الاختصاص في جميع الدعاوي بالنظام العام إنما يرجع لتقدير رآه المشرع حتى لا تقحم المحاكم المصرية نفسها في منازعات لا شأن لها بها.

فإذا حضر المدعى عليه ، ولم تكن المحاكم المصرية مختصة بنظر الدعوي، ودفع بعدم اختصاصها، تعين الأخذ بهذا الدفع والقضاء به دون التعرض للموضوع، فإن حضر ولم يبد هذا الدفع ثم تغيب بعد ذلك، وكان لم يقبل اختصاص المحاكم المصرية صراحة، تعين علي المحكمة الوقوف على ما اذا كان قد توافر القبول الضمني من عدمه وفقاً للمادة 32 فإن تبين لها من مسلكه في الدعوي عند نظرها أنه وقف منها موقفاً سلبياً بعدم تحدثه عنها أو دفعها أو إبداء طلبات أو أوجه دفاع، أعتبرت ذلك رفضاً لإختصاصها وقضت بعدم إختصاصها من تلقاء نفسها إذ يتساوى الحضور السلبي مع عدم الحضور لتعذر إستخلاص القبول من هذا المسلك السلبي.  

واستخلاص القبول الضمني من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع دون رقابة من محكمة النقض طالما كان استخلاصها سائغاً . ( المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء الأول/ الصفحة : 487 )

ينبغي على المحاكم المصرية وفقاً للمادة 35 مرافعات - محل التعليق - ، أن تحكم بعدم الإختصاص من تلقاء نفسها إذا ما عرض عليها بنزاع يتجاوز حدود ولايتها، إذ أن قواعد الاختصاص القضائي الدولي في مصر تعتبر من النظام العام، وقد مضت الإشارة إلى ذلك عند تعليقنا على المادة 32 مرافعات آنفاً .  

الضابط السلبي لولاية القضاء المصری (( الحصانة القضائية أو الدبلوماسية )) : 

لا شك في أن كافة القواعد التي تعرضنا لها آنفا إنما توضح لنا الضوابط الإيجابية لولاية القضاء الوطني، إن هذه القواعد تتضمن ضوابط لإختصاص المحاكم الوطنية وكلما توافر ضابط من هذه الضوابط، فإن ولاية القضاء الوطني تنبسط على المنازعة التي تتضمن عنصراً أجنبياً، ولكن فضلاً عن هذه الضوابط الإيجابية لولاية القضاء الوطني، فإن هناك ضابطاً سلبياً لهذه الولاية، وتوافر هذا الضابط يؤدي إلى إعفاء الأجنبي من الخضوع لولاية القضاء الوطني، أي أن ولاية هذا القضاء لا تنبسط على المنازعة التي تتضمن عنصراً أجنبياً ، وهذا الضابط السلبي يتمثل فيما يعرف بالحصانة القضائية أو الحصانة الدبلوماسية ( انظر  للمؤلف  تحديد نطاق الولاية القضائية والإختصاص القضائي الرسالة المشار إليها ص 225 ) وما بعدها والمراجع المشار إليها فيها. 

إذ يترتب على تمتع الشخص الأجنبي بالحصانة القضائية، إعفائه من الخضوع لولاية القضاء الوطني، وهذه الحصانة لا يتمتع بها إلا الدول الأجنبية كأشخاص قانونية، والمنظمات والهيئات الدولية ورؤساء الدول الأجنبية، وأعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية، والقوات الحربية الأجنبية، ولكن مدى الحصانة التي يتمتع بها كل شخص من هؤلاء الأشخاص ليس واحداً، كذلك من أسباب هذه الحصانة ومبرراتها تختلف من شخص لآخر، وهذا ما يدفعنا إلى ضرورة إلقاء الضوء على حصانة كل فئة من هذه الفئات على حدة، وذلك على النحو التالي  :

 أولاً : حصانة الدولة الأجنبية :

أصبح من المبادئ المستقرة الآن تمتع الدولة بالحصانة القضائية في مواجهة القضاء الوطني للدول الأجنبية فلا تختص المحاكم الوطنية في دولة معينة بالدعاوى التي ترفع ضد دولة أجنبية أخرى، وفضلاً عن ذلك فإنه لا يجوز الحجز على أموال دولة معينة موجودة في دولة أخرى حجزاً تحفظياً أو تنفيذياً ( محمد حافظ غانم - مبادئ القانون الدولي العام - طبعة سنة 1972 - بند 107 ص 294 ) .

ويرى البعض أن أساس تمتع الدولة بالحصانة القضائية هو فكرة المجاملة ( باتيفول - مطول القانون الدولي الخاص - الطبعة الثالثة باريس 1959 بند 705 ص 782 ، محمد عبد الخالق عمر - القانون الدولي الخاص الليبي - المرجع السالف الذكر - بند 233 ص 166 ) .

ولكن الرأي الغالب والراجح هو أن هذه الحصانة تقوم على أساس مبدأ استقلال الدولة وسيادتها في العائلة الدولية ( نيبوييه - مطول القانون الدولي الخاص - باريس سنة 1949 - ج 6 ص 342 وما بعدها، عز الدين عبدالله - القانون الدولي الخاصة - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 201 ص 759، هشام على صادق - طبيعة الدفع بالحصانة - مقالة بمجلة العلوم القانونية والاقتصادية - السنة الحادية عشر - يناير سنة 1969 - العدد الأول - ص 313 محمد حافظ غانم - مبادئ القانون الدولي العام - المرجع السابق - طبعة سنة 1972 - بند 107 ص 294 ، عبد الباسط جمیعی - مبادئ المرافعات - المرجع السابق - ص 126 ) ، وقد أوضح أن أساس عدم إختصاص المحاكم بالدعاوى التي ترفع ضد دولة أجنبية هو فكرة السيادة التي تقتضي عدم خضوع أية دولة لقضاء دولة أخرى، إذ تعتبر الحصانة إمتيازاً ممنوحاً للدولة، بغرض المحافظة على سيادتها وإستقلالها إزاء الدول الأخرى ( هشام على صادق - طبيعة الدفع بالحصانة - المقالة السالفة الذكر - ص 315 ) .

والدولة ومرافقها العامة المركزية هي التي تتمتع بالحصانة القضائية دون الأشخاص العامة المحلية كالقرى والمدن والمحافظات (محمد عبد الخالق عمر - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - بند 233 ص 167)، حتى ولو كان للقري أو المدن أو المحافظات شخصية قانونية مستقلة عن شخصية الدولة ( عز الدين عبد الله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 201 ص 759 ) .

ولكن إذا كان للدولة الأجنبية حصانة في مواجهة القضاء الوطنی فهل هذه الحصانة مطلقة أم أن هناك قيوداً ترد عليها ؟

لقد كان مبدأ الحصانة القضائية للدولة الأجنبية في بادئ الأمر مطلقاً ( هشام على صادق - طبيعة الدفع بالحصانة - المقالة السابقة  ص 319 ، عز الدين عبدالله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 201 ص 760 ) ، لا يرد عليه أي قيد أو إستثناء، فكان يحق للدولة أن تدفع بحصانتها أمام قضاء الدول الأخرى في جميع الأحوال، وسواء تعلق النزاع بنشاطها كشخص دولی ذی سیادة أي يتعلق بعمل من أعمال السلطة العامة أو كان للنزاع طبيعة خاصة أي يتعلق بعمل من الأعمال الخاصة التي تصدر عن الدولة لا بوصفها صاحبة سلطان وسيادة، وإنما تماثل ما يصدر عن الأفراد من تصرفات خاصة .

وقد كان أساس هذا الإطلاق في الحصانة، يمكن في الإعتقاد بأن الدولة هي الدولة دائماً صاحبة السلطان، تتجمع تصرفاتها حول فكرة السيادة مما يصعب معه وصف تصرف من تصرفاتها بأنه تصرف خاص (نیبوايیه - مطول القانون الدولي الخاص - المرجع السابق – ج6 - بند 1760، عز الدين عبد الله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 201 ص 760 ) .

وفي مصر يتجه القضاء نحو تقييد حصانة الدول الأجنبية ( انظر استئناف مختلط 29 مارس سنة 1943- المنشور في مجلة التشريع لتر والقضاء السنة 55 ص 114 ) ، وقد جاء بهذا الحكم أن الحصانة القضائية التي تتمتع بها الدول الأجنبية تقتصر على الأعمال التي تباشرها بما لها من سيادة، دون التصرفات العادية وأعمال التجارة .

( حكم محكمة الإسكندرية المدنية الصادر في 12 مايو سنة 1951 - مشار إليه في مرجع محمد حافظ غانم - مبادئ القانون الدولي العام - السابق الإشارة إليه ص 296 ) . 

( حكم محكمة الجيزة الإبتدائية بتاريخ 10 مارس سنة 1960  مشار إليه في مرجع محمد حافظ غانم - السالف الذكر - ص 297 ) .

( حكم محكمة إستئناف القاهرة الصادر في 4 مايو سنة 1966 - مشار إليه في مرجع عبد العزيز محمد سرحان - قواعد القانون الدولي في أحكام المحاكم وما جرى عليه العمل في مصر - طبعة سنة 1973 – ص 65 وما بعدها ) وقد جاء في هذا الحكم إنه يتعين عند الأخذ بنظرية الحصانة القضائية للدولة الأجنبية التفرقة بين التصرفات التي تصدر من الدول الأجنبية بوصفها صاحبة السلطات، أي أعمال السيادة وأعمال السلطة العامة، وفي هذه الحالة تتمتع الدولة الأجنبية بمبدأ الحصانة القضائية، وبين التصرفات الأخرى التي تمارسها الدولة الأجنبية العادية منها والتجارية والتي هي في نطاق القانون الخاص فتلك الأخيرة لا تسري عليها الحصانة القضائية، وذلك بقصر هذه الحصانة على التصرفات التي تباشرها الدولة الأجنبية بوصفها صاحبة السلطان أي أعمال السلطة العامة، وعدم تمتعها بهذه الحصانة بالنسبة للتصرفات التي تباشرها في ميدان القانون الخاص، سواء كانت هذه التصرفات في محيط نشاطها التجاري أم خارج محيط هذا النشاط التجاري .

كما يتجه الفقه المصري - بحق - نحو هذا التقيد ( عز الدين عبد الله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 201 ص 767 وص 768، هشام على صادق - طبيعة الدفع بالحصانة - المقالة السابقة - ص 320 و ص 321 ) ، وذلك أساس الطبيعة الاستثنائية لفكرة الحصانة، وأن الحكمة من تمتع الدول الأجنبية بالحصانة القضائية لا تبدو واضحة إلا في حدود الأعمال المبادرة منها بوصفها شخص دولی ( هشام على صادق - طبيعة الدفع بالحصانة - المقالة السابقة - ص 221 ) .

وينبغي ملاحظة أنه يمكن للدولة أن تتنازل عن حصانتها وتخضع بإرادتها لولاية المحاكم الأجنبية (نيبواييه - مطول القانون الدولي الخاص - المرجع السادس - الجزء السابق - الجزء السادس - ص 356، هشام على صادق - عز الدين عبد الله - القانون الدولي الخاص - المرجع السالف الذكر - بند 201 ص767 وص 768) ، إن الحصانة تعتبر امتیازاً ممنوحاً للدولة، بغرض المحافظة على سيادتها واستقلالها إزاء الدول الأخرى كما سبق أن ذكرنا، ولذا فإن النتيجة المنطقية المترتبة على كون الحصانة كذلك، أنه يجوز للدولة أن تتنازل عنها ( هشام على صادق - طبيعة الدفع بالحصانة - المقالة السابقة - ص 315 ) .

وقد يكون تنازل الدولة الأجنبية عن حصانتها القضائية تنازلاً صريحاً ، كما قد يستفاد هذا التنازل من سلوك الدولة الأجنبية مسلكاً يستدل منه على تنازلها عن حصانتها القضائية، كأن تقوم الدولة الأجنبية برفع دعوى أمام القضاء الوطني لدولة أخرى ( عبد الباسط جميعي - مباديء المرافعات - المرجع السابق - ص 127 ، عز الدين عبدالله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 201 ص 767، هشام على صادق - طبيعة الدفع بالحصانة - المقالة السابقة - ص 315 ) ، فإن ذلك يعتبر دلالة قاطعة على قبولها للخضوع لولاية القضاء الوطني وتنازلها عن حصانتها القضائية، أو أن تسكت الدول الأجنبية المدعى عليها عن الدفع بالحصانة ( عز الدين عبدالله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 201 ص 768، هشام على صادق - طبيعة الدفع بالحصانة - المقالة السابقة  ص 315 و ص 316 ) ، وتترافع في موضوع الدعوى المرفوعة عليها مباشرة، فإن هذا المسلك منها يفيد تنازلها عن حصانتها القضائية .

 ثانياً :  حصانة المنظمات والهيئات الدولية   :

ثمة دور هام للمنظمات والهيئات الدولية في مجال العلاقات الدولية، إذ يزداد نشاط هذه المنظمات والهيئات يوماً بعد يوم، كما يزداد عددها، ومن أمثلة هذه المنظمات الدولية الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وما يتبع كل منهما من هيئات، ولا شك في أن هذه المنظمات والهيئات الدولية تثير التساؤل عن مدى تمتعها بالحصانة القضائية، باعتبارها أشخاصاً قانونية من أشخاص القانون الدولي، إذ تكون هي والدول العائلة الدولية، كما يثور التساؤل عن مدى تمتع ممثلو الدول في هذه المنظمات والهيئات الدولية وموظفوها بالحصانة القضائية.

ونظراً لكون هذه المنظمات والهيئات الدولية تنشأ باتفاقات دولية ، فإنه يتعين الرجوع في شأن الحصانة القضائية لهذه المنظمات والهيئات باعتبارها أشخاصاً إعتبارية، وفی شأن الحصانة القضائية لممثلى هذه المنظمات والهيئات وموظفيها، إلى نصوص الاتفاق المنشيء لكل منها، أو أي اتفاق لاحق ( عزالدين عبدالله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 204 ص 782 ومابعدها، هشام على صادق - طبيعة الدفع بالحصانة - المقالة السالفة الذكر - ص 335 وهامشها) .

إذ تتحدد الحصانة الخاصة بكل منظمة أو هيئة دولية في الاتفاق الخاص بإنشاء هذه المنظمة أو الهيئة الدولية، كما قد تتحدد هذه الحصانة في اتفاق آخر لاحق للاتفاق المنشئ، ومن ثم فإن حدود الحصانة القضائية تختلف من منظمة إلى أخرى، ولن يتسع المجال للتعرض للاتفاقيات الخاصة بإنشاء كافة المنظمات والهيئات الدولية أو الاتفاقيات اللاحقة التي تحدد الحصانة القضائية لكل منها (ومن أمثلة الإتفاقيات التي أقرت الحصانة القضائية للهيئات والمنظمات الدولية إتفاق الأمم المتحدة ) المعقود في 13 فبراير سنة 1946 والخاص بالامتيازات والحصانات تطبيقاً لنص المادة 105 من ميثاق الأمم المتحدة، وتقضي المادة الثانية من هذا الاتفاق بأن تتمتع منظمة الأمم المتحدة، وأموالها أياً كان مقرها وأياً كان حائزها، بالحصانة القضائية، إلا إذا تنازلت المنظمة عنها صراحة في حالة خاصة، ومن المفهوم أن هذا التنازل لايتناول إجراءات التنفيذ، وتقضى المادة 11 من هذا الاتفاق بأن يتمتع ممثلوها الأعضاء أي الدول أعضاء الأمم المتحدة لدى الفروع الرئيسية والتكميلية للأمم المتحدة في المؤتمرات التي تدعو إليه أثناء أداء وظائفهم، وفي ذهابهم وعودتهم من مقر الاجتماع، بالحصانات الآتية بالحصانة من كل قضاء، وذلك فيما يختص بما يصدر منهم من أعمال بما فيها الأقوال والمكاتيب بوصفهم ممثلين  وتقضى المادة 18 منه بأن موظفي منظمة الأمم المتحدة يتمتعون بالحصانة القضائية لما يصدر منهم بصفتهم الرسمية من أعمال بما فيها الأقوال والمكاتيب، وتنص المادة 19 منه بأن السكرتير العام والسكرتيرين المساعدين يتمتعون فيما يخصهم وما يخص زوجاتهم وأولادهم القصر بالمزايا والحصانات والإعفاءات والتسهيلات المقررة للمبعوثين السياسيين وفقاً للقانون الدولی .

ومن أمثلة هذه الاتفاقات أيضاً مزایا وحصانات جامعة الدول العربية التي أقرها مجلسها في 10 مايو سنة 1953، وتقضى المادة الثانية منها بأن تتمتع أموال جامعة الدول العربية ثابتة كانت أو منقولة وموجوداتها أينما تكون وأياً يكون حائزها بالحصانة القضائية ما لم يقرر الأمين العام التنازل عنها صراحة، على ألا يتناول هذا التنازل إجراءات التنفيذ ، وتنص المادة 11 منها على أن يتمتع ممثلو الدول الأعضاء في الهيئات الرئيسية أو الفرعية في جامعة الدول العربية والمؤتمرات التي تدعو إليها أثناء قيامهم بأعمالهم وسفرهم إلى مقر اجتماعاتهم وعودتهم منها بالمزايا والحصانات الآتية  الحصانة القضائية فيما يصدر عنهم قولاً أو كتابة أو عملاً بوصفهم ممثلين لدولهم ، وتنص المادة 17 على أن يتمتع المندوبون الدائمون للدول مدة تمثيلهم لدولهم في مئات الجامعة العربية بما يتمتع به الممثلون الدبلوماسيون ، وتنص المادة 20 على أن يتمتع موظفي الأمانة العامة بجامعة الدول العربية بصرف النظر عن جنسيتهم بالمزايا والحصانات الآتية  الحصانة القضائية  عما يصدر عنهم بصفتهم الرسمية  .

ويلاحظ أنه في حالة ما إذا لم تتفق الدول التي أنشأت الهيئة أو المنظمة على تقرير الحصانة القضائية، فإن الهيئة أو المنظمة وممثلي الدول فيها وموظفيها لايتمتعون بأية حصانة قضائية ( عز الدين عبد الله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 204 ص 785 ) ، ومن ثم فإن ولاية قضاء كل دولة من هذه الدول تنبسط على الدعاوى التي ترفع على الهيئة أو المنظمة وممثليها وموظفيها، بحيث لايمكن الدفع بالحصانة في هذه الحالة .

ثالثاً : حصانة رؤساء الدول الأجنبية  :

يتمتع رؤساء وملوك الدول الأجنبية بالحصانة القضائية، فلا يجوز مقاضاتهم أمام القضاء الوطني، وأساس هذه الحصانة وفقاً للرأي الراجح فقهاً في فرنسا هو فكرة المجاملة لشخص رئيس الدولة وليس فكرة استقلال الدولة وسيادتها في العائلة الدولية (نيبواييه - مطول القانون الدولي الخاص - المرجع السالف الذكر - الجزء السادس - بند 1785، عز الدين عبد الله - القانون الدولي الخاص - المرجع الثانی - بند 202 ص 769) ولكن حصانة رؤساء الدول الأجنبية ليست مطلقة وهذا هو المتبع في فرنسا، ولكن الأمر على النقيض من ذلك في انجلترا، إذ القاعدة العامة في القانون الإنجليزي أن الأجانب ذوي السيادة يتمتعون بالحصانة القضائية في صورة في الأصل مطلقة، والمقصود بالأجانب ذوي السيادة الدول الأجنبية ورؤسائها، وتشمل الحصانة القضائية أشخاصا ذوي السيادة وأموالهم، ومع ذلك يوجد اتجاه في الفقه الإنجليزى نحو إيجاد استثناءات من هذا الإطلاق - ( راجع في ذلك عزالدين عبدالله - القانون الدولي الخاص - المرجع السالف الذكر - الجزء الثاني - بند 201 ص765 ) إذ ينبغي التفرقة بين التصرفات التي يباشرها رئيس الدولة بوصفه كذلك أى التصرفات المتعلقة بالحياة العامة، وبين التصرفات الخاصة، أي التصرفات المتعلقة بحياته الخاصة، فيقتصر نطاق الحصانة على التصرفات التي يباشرها رئيس الدولة بوصفه كذلك أى التصرفات المتعلقة بالحياة العامة، أما التصرفات المتعلقة بحياته الخاصة فلا تندرج في نطاق هذه الحصانة، بل يخضع رئيس الدولة الأجنبية لولاية الفضاء الوطني في الدعاوى التي ترفع عليه بشأن هذه التصرفات الخاصة .

فعلى سبيل المثال يتمتع رئيس الدولة الأجنبية بالحصانة القضائية بالنسبة للمنازعات المتعلقة بأثاث اشتراه لمقر الرئاسة، بينما لا يتمتع بالحصانة القضائية بالنسبة للمنازعات المتعلقة بملابس اشتراها لنفسه أو لأفراد عائلته ( نیبواییه - مطول القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء السادس - بند 1787 ، عز الدين عبد الله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 202 ص 770 ) ، ومن ذلك أيضاً أن رئيس الدولة الأجنبية يخضع للقضاء المحلي بشأن الدعاوی المتعلقة بعقارات أو منقولات موجودة في إقليم الدولة تخص هذا الرئيس ( إبراهيم محمد العناني - القانون الدولي العام - الطبعة الأولى - سنة 1975 - 1976 - ص 200 ) ، مشيراً إلى أن مجمع القانون الدولي قرر ذلك سنة 1891 ومن ذلك أيضاً أن رئيس الدولة الأجنبية يخضع للقضاء المحلي بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالتركات إذا كان له شأن بها ( ابراهيم محمد العناني - القانون الدولي العام - المرجع السابق - ص 200 ، مشيراً إلى أن مجمع القانون الدولي قرر ذلك سنة 1891 )  .

فحصانة رؤساء الدول الأجنبية تقتصر فقط على التصرفات المتعلقة بالحياة العامة، كما أنها تقتصر أيضاً على التصرفات التي تصدر منهم أثناء توليهم الرئاسية دون غيرها ( نيبواييه - مطول القانون الدولي الخاص - المرجع السابق الجزء السادس - بند 1789 ، عز الدين عبد الله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - بند 202 ص 771 ) ، أما التصرفات التي تصدر منهم بعد انتهاء مدة توليهم الرئاسة فإنها تخضع لولاية القضاء الوطني  .

ويجوز لرئيس الدولة الأجنبية أن يتنازل عن حصانته القضائية ( نيبواييه - مطول القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء السادس - بند 1789 ، ابراهيم العناني - القانون الدولي العام - المرجع السابق - ص 200 ، عز الدين عبد الله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثانی بند 202 ص 770 و 771 ، هشام على صادق - طبيعة الدفع بالحصانة - المقالة السابقة - ص 316 و ص 317 ) ، ولكن ينبغي أن يكون هذا التنازل مقروناً بموافقة حكومة دولته ( نيبواييه - مطول القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - بند 1789 ، هشام على صادق - طبيعة الدفع بالحصانة - المقالة السابقة ص 316 و ص 317، وانظر عكس ذلك عز الدين عبد الله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 202 ص 771 ) ، لأنه لا يتمتع بالحضانة القضائية بصفته الشخصية وإنما بوصفه ممثلاً لدولته .

رابعاً : حصانة المبعوثين الدبلوماسيين :

يتمتع المبعوثون الدبلوماسيون بالحصانة القضائية، وهذه الحصانة أقدم وجوداً من حصانة الدول الأجنبية وحصانة رؤسائها ( عز الدين عبدالله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثاني - بند 203 ص 771 ) ، وهي إحدى الحصانات المقررة للمبعوثين الدبلوماسيين، ومازال الرأی مختلفاً بشأن أساس هذه الحصانات، إذ تضاربت نظریات الفقه في هذا الصدد، وسوف نلقي الضوء على هذه النظريات بإيجاز، حتى نعرف أساس هذه الحصانات التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي والتي تعتبر الحصانة القضائية أهمها . 

وأولى هذه النظريات نظرية إمتداد الإقليم ( راجع في عرض هذه النظرية وتحليلها ونقدها على صادق أبو هيف - القانون الدبلوماسي - طبعة سنة 1977 - بند 72 و ص 122 و ص 123 ، محمد حافظ غانم - مبادىء القانون الدولي العام - المرجع السابق - طبعة سنة 1972 - بند 242 ص 592 وص 593 ) ، وهي تقرر أن المبعوث الدبلوماسي حينما يوجد في إقليم دولة أخرى يعتبر كأنه لايزال في إقليم دولته، أي يعتبر خارج نطاق السلطان الإقليمي للدولة المبعوث لديها، ويفترض أن إقامته في الدولة التي يباشر فيها مهمته هي في حكم إمتداد لإقامته في موطنه، أي أن مقر البعثة الدبلوماسية الذي يقوم فيه بإعمال وظيفته يعتبر كإمتداد لإقليم دولته، ومن ثم لايكون خاضعاً لما يسري في إقليم الدولة التي يعمل فيها من قوانين ولايخضع لقضاء هذه الدولة، وإنما يخضع القانون وقضاء دولته الأصلية التي يفترض أنه لم يغادرها .

ويعيب هذه النظرية أنها قائمة على إفتراض لا أساس له من الحقيقة كما أنها تؤدي إلى نتائج وحلول غير مقبولة ، أما قيامها على افتراض فإنه يتضح إذا ما عرفنا أنه من حيث الواقع يتعين على المبعوث الدبلوماسي التزام لوائح البوليس في الدولة المبعوث لديها، وأنه إذا تملك عقارات في الدولة التي يمارس فيها مهمته خضع في شأن هذه العقارات لقوانين تلك الدولة المعتمد لديها، ولا شك في أن ذلك لا يستقيم مع القول باعتبار مقر البعثة أو إقامة المبعوث امتداد لإقليم دولته أو إمتداد لإقامته في وطنه، أما من حيث النتائج والحلول التي تؤدي إليها هذه النظرية، فإن اعتبار مقر البعثة مكان أجنبي عن إقليم الدولة التي توجد فيها يعني أن كل جريمة تقع داخل هذا المقر تخضع دائماً لقوانين وقضاء الدولة صاحبة البعثة أياً كانت جنسية المتهم، وهذا يتعارض مع سيادة الدولة صاحبة الإقليم ولايمكن أن تقبله ، أضف إلى ذلك أنه في الماضي أستند سفراء بعض الدول للمطالبة بإعفاءات تتناول كل الحي أو المنطقة التي توجد فيها السفارات، ولاشك في أن ذلك كان يتعارض تعارضاً صارخاً مع سيادة الدولة الوطنية .

وثاني هذه النظريات هي نظرية الصفة النيابية ( انظر عرضاً وتحليلاً ونقداً لهذه النظرية على صادق أبو هيف - القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - بند 73 ص 123 وص 124، محمد حافظ غانم - مبادىء القانون الدولي العام - المرجع السابق - بند 242 ص593 ) ، وتذهب هذه النظرية إلى أن الحصانات المقررة للمبعوثين الدبلوماسيين تستند إلى صفتهم النيابية باعتبارهم يمثلون دولهم نيابة عن رؤسائها، وهذا يقتضي ضرورة إحتفاظهم بإستقلالهم في أداء مهمتهم وتجنب أي اعتداء عليهم أو على كرامتهم صيانة لكرامة وهيبة الدولة التي يمثلونها وإحتراماً لسيادتها.

وهذه النظرية منتقدة أيضاً، لأنها تضيق عن تفسير ما يتمتع به الممثل الدبلوماسي من حصانات خارج نطاق عمله، وعن تفسير كثير من الأوضاع الجاري عليها العمل فعلاً ، وذلك كالحصانات التي يتمتع بها المبعوث أثناء وجوده في دولة ثالثة رغم أنه ليست له قبلها صفة تمثيلية، على العكس فقد يخضع المبعوث الدبلوماسي لبعض الإجراءات التي قد تفرضها الدولة المبعوث لديها للصالح العام كحظر إستيراد أشياء معينة أو حظر التجول أو غير ذلك، كما تعجز هذه النظرية عن تفسير إخضاع أملاك المبعوث الدبلوماسي العقارية لقوانين الدولة التي توجد فيها، وعن إعتبار إعفائه من أداء الرسوم الجمركية على ما يستورده للإستعمال الشخصي من قبيل المجاملة فقط وبشرط المعاملة بالمثل، وفضلاً عن ذلك فإنه من المسلم به أن الممثل الدبلوماسي لا يتمتع بنفس المركز من حيث الحصانات كرئيس الدولة، الذي تفترض هذه النظرية أن المبعوث الدبلوماسي ينوب عنه، وكل ذلك يوضح لنا أن هذه النظرية لا تصلح كأساس لحصانات المبعوث الدبلوماسي   .

وآخر هذه النظريات التي نادي بها الفقه كأساس لحصانات المبعوثين الدبلوماسيين هي نظرية مقتضيات الوظيفة ( راجع في عرض وتحليل هذه النظرية على صادق أبو هيف - القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - بند 74 ص 124 و ص 125 و ص 126، محمد حافظ غانم - مبادىء القانون الدولي العام - المرجع السالف الذكر - بند 242 – ص 593 وص594 ) ، وهذه النظرية تربط بين الحصانات وبين وظيفة المبعوث الدبلوماسي، وتقرر أن أساس الحصانات هو تمكين المبعوث من مباشرة وظيفته وأداء عمله بدون عائق، بحيث يتمكن من القيام بمهام وظيفته في جو من الطمأنينة بعيد عن مختلف المؤثرات في الدولة المعتمد لديها، فالحصانات وفقاً لهذه النظرية المقررة للوظيفة ذاتها وليست لفائدة المبعوث الشخصية، وتعتبر هذه النظرية أصلح النظريات في تبرير الحصانات التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون، إذ فضلاً عن أنها تقدم أساساً منطقياً لهذه الحصانات فإنها تحدد في نفس الوقت نطاق هذه الحصانات، الذي ينحصر في متطلبات وظيفة المبعوث فقط، بحيث لا يوجد أدنى مبرر لتمتع المبعوثين الدبلوماسيين بالحصانات المقررة لهم ومن أهمها الحصانة القضائية خارج مقتضيات وظيفتهم .

ولاشك في أن تمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية يؤدي إلى ضمان إستقلاله تماماً في تصرفاته، إذ لا يتحقق هذا الإستقلال إلا إذا كان المبعوث الدبلوماسي بمنأى عن كل مؤثرات السلطان الإقليمي، ومن أهم مظاهر هذا السلطان ولاية القضاء فإذا تجرد المبعوث الدبلوماسي من حصانته القضائية، فإنه يكون عرضة لأن تتخذ قبله كافة الإجراءات القضائية التي تتخذ قبل عموم الأفراد، مما يؤدي إلى المساس باستقلاله والإخلال بطمأنينته وعرقلة مهام وظيفته، أما تمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية وما ينطوي عليه ذلك من إعفاء من الخضوع لولاية القضاء في الدولة المعتمد لديها، فإن ذلك يؤدي إلي استقلاله في تصرفاته وحسن أدائه لمهامه.

بيد أن عدم خضوع المبعوث الدبلوماسي للقضاء الإقليمي في الدولة التي يمارس فيها مهام وظيفته لايعني إفلاته من سلطان القانون إذا أخل به وإمتناع محاكمته أو مقاضاته عن أعماله وتصرفاته ( علی صادق أبو هيف - القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - طبعة سنة 1977 - بند 90 من 164 ) ، بل إنه يظل خاضعاً لقانون دولته ولولايتها القضائية، ويمكن مساءلته أمام محاكمها عما يمتنع على قضاء البلد المعتمد لديها النظر فيه نتيجة لحصانته القضائية وقد نصت على ذلك الفقرة الرابعة من المادة 31 من إتفاقية فيينا الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية، والتي وقعت في فيينا في 18/4/1961 ، وصدر القرار الجمهوري رقم 469 لسنة 1964 بالموافقة على انضمام مصر إليها، وقد نصت المادة المذكورة على أن تمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية في الدولة المعتمد لديها لا يعفيه من قضاء الدولة المعتمدة .

ولتوضيح مدى الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون فإنه ينبغي التفرقة بين المسائل الجنائية والمسائل المدنية والإدارية، ففي المسائل الجنائية لا يخضع المبعوثون الدبلوماسيون لولاية المحاكم في الدولة الموفدين إليها بالنسبة لما يرتكبونه من جرائم على إختلاف أنواعها، ولا يجوز اتخاذ أي إجراء قضائي من قبض وتحقيق وتوجيه اتهام ضد أحدهم ( محمد حافظ غانم - مبادىء القانون الدولي العام - المرجع السابق - بند 246 ص 604، علي صادق أبو هيف - القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - بند 92 ص 167 ، إبراهيم محمد العناني - القانون الدولي العام - المرجع السابق - ص 229 ) ، إذ لو جاز أن تتخذ ضدهم هذه الإجراءات لأصبحوا تحت رحمة الحكومات المعتمدين لديها ولما أمكنهم أن يحتفظوا باستقلالهم في القيام بمهامهم، كذلك فإن أسرار حكوماتهم ستكون عرضة لأن تنتهك بدعوى التحرى عن الجرائم التي قد تنسب إليهم.

أو تقع في مقرهم علی صادق أبوهيف - القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - بند 92 ص167، كما أن محاكمتهم أمام القضاء الجنائي قد تكون وسيلة للتشهير بهم أو للانتقام من حماسهم ونشاطهم في الدفاع عن مصالح دولهم نجاه حكومة الدولة المعتمدين لديها، ولذلك فإنه لايجوز اتخاذ أي إجراء قضائي ضدهم كما ذكرنا، فإذا ارتكب المبعوث الدبلوماسي جريمة فإن الدولة المعتمد لديها تقوم بإبلاغ الدولة المعتمدة بذلك وتتطالبها بسحبه، أو تقوم بطرده وترحيله إذا اقتضى الأمر ذلك باعتباره شخصاً غير مرغوب فيه ( إبراهيم محمد العناني - القانون الدولي العام - المرجع السابق - ص 229 ) ، ولكن ليس معنى ذلك أن المبعوث الدبلوماسي لا يسأل عن الجرائم التي تقع منه في الدولة المعتمد لديها، إذ امتناع تقديمه للمحاكمة أمام قضاء تلك الدولة نظراً لما يتمتع به من حصانة لاينفي بقاءه مسئولاً عما يقع منه من جرائم ووجوب محاكمته عنها أمام محاكم دولته ( على صادق أبو هيف - القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - بند 92 ص 171 ) .

وحصانة المبعوث الدبلوماسي في المسائل الجنائية حصانة مطلقة لايرد عليها أي استثناء ( إبراهيم محمد العناني - القانون الدولي العام -  المرجع السابق - ص 231 ، على صادق أبو هيف - القانون الدبلوماسی - المرجع السابق - بند 92 ص 170 ) ، وذلك على خلاف حصانته في المسائل المدنية كما سيتضح لنا ذلك بعد قليل، ويلاحظ أنه في حالة انتهاء الصفة الدبلوماسية للمبعوث فإن الراجح هو جواز محاكمته أمام القضاء الجنائي للدولة الموفد إليها عن جرائم ارتكبها قبل دخوله السلك الدبلوماسي ما لم تسقط الجريمة بالتقادم ( محمد حافظ غانم - مباديء القانون الدولي العام - المرجع السابق و بند 246 ص 604 ) .

هذا بالنسبة لحصانة المبعوث الدبلوماسي في المسائل الجنائية، أما في المسائل المدنية والإدارية فإن حصانته ليست مطلقة ( على صادق أبو هيف - القانون الدبلوماسی - المرجع السابق - بند 93 ص 180 ، محمد حافظ غانم - مبادىء القانون الدولي العام - المرجع السابق - بند 246 ص 605، إبراهيم العناني - القانون الدولي العام - المرجع السالف الذكر - ص 231 ) ، فوفقاً لنص المادة 31 من إتفاقية فيينا سنة 1964، الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية لا يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية فيما يتعلق بقضاء الدولة المعتمد لديها المدني والإداري في حالات ثلاث.

الحالة الأولى :

الدعاوى العينية المتعلقة بالأموال العقارية الخاصة الكائنة في إقليم الدولة المعتمد لديها، ما لم تكن حيازته لها بالنيابة عن الدولة المعتمدة لاستخدامها في أغراض البعثة.

الحالة الثانية :

الدعاوى المتعلقة بشئون الإرث والتركات والتي يدخل فيها بوصفه منفذاً أو مديراً أو وريثاً أو موصى له، وذلك بالأصالة عن نفسه لا بالنيابة عن الدولة المعتمدة.

الحالة الثالثة :

الدعاوى المتعلقة بأي نشاط مدني أو تجاري يمارسه في الدولة المعتمد لديها خارج وظائفه الرسمية.

وهذه الإستثناءات الثلاث لها ما يبررها ( على صادق أبو هيف  القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - بند 93 ص 180 ) مشيراً إلى تعليق للجنة القانون الدولي للأمم المتحدة منشور في الكتاب السنوي لهذه اللجنة سنة 1958، فخضوع الدعاوى العينية المتعلقة بالأموال العقارية الخاصة الكائنة في إقليم الدولة المعتمد لديها المبعوث لقضاء هذه الدولة يرجع إلى مطالبة الدول كافة بالإحتفاظ بولايتها القضائية بصفة عامة على العقارات الموجودة في إقليمها، وانتفاء الحصانة القضائية عن المبعوث الدبلوماسي في حالة الدعاوى المتعلقة بشئون الإرث والتركات يرجع إلى ضرورة عدم تعطیل الإجراءات الخاصة بالإرث والتركات أما خضوع الدعاوى المتعلقة بنشاط مدني أو تجاري يزاوله المبعوث الدبلوماسي خارج نطاق وظيفته لولاية القضاء الوطني فيرجع ذلك إلي أن مزاولة المبعوث لهذا النشاط خارج نطاق مهام وظيفته يتنافى مع واجباته ومع صفته الرسمية، ولا يبرر حرمان الأشخاص الذين تعامل معهم من الوسائل العادية لإستیفاء حقوقهم في مواجهته.

وفي هذه الحالات الاستثنائية الثلاث التي يخضع فيها المبعوث الدبلوماسي لقضاء الدولة المعتمد لديها ، فإنه يجوز إتخاذ الإجراءات التنفيذية ضده، ولكن يشترط لذلك أن تتخذ هذه الإجراءات دون المساس بالحصانة الخاصة بشخصه أو محل إقامته ( محمد حافظ غانم - مباديء القانون الدولي العام - المرجع السابق - بند 246 ص 606 ) .

وفيما عدا هذه الحالات الاستثنائية السالفة الذكر فإن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بالحصانة القضائية في المسائل المدنية والإدارية، فلا يخضع في شأنها لقضاء الدولة المعتمد لديها، ونتيجة لذلك فإنه لايجوز إعلان أية أوراق إليه عن طريق المحضرين ، أو بأي طريق قضائی آخر، سواء كانت هذه الأوراق تتضمن مجرد الإخطار بأمر ما أو كانت تتضمن تكليفاً بالوفاء ،أو كانت من أوراق التنفيذ، وإذا حدث أي إعلان من هذا القبيل فإنه يعتبر باطلاً ولا تترتب عليه أية آثار قانونية ولا يمكن الاحتجاج به لسريان ميعاد قانوني أو لقطع التقادم ( على صادق أبو هيف - القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - بند 93 ص 178 ) .

ويلاحظ أن جميع المبعوثين الدبلوماسيين يتمتعون بالحصانة القضائية في الحدود التي أوضحناها آنفاً، وذلك ابتداء من رئيس البعثة الدبلوماسية، السفير أو الوزير المفوض، إلى سائر مرؤوسيه كالمستشارين ، وكذلك سائر موظفي البعثة كالسكرتير والكتبة ( عز الدين عبد الله - القانون الدولي الخاص - المرجع السابق - الجزء الثانی بند 203 ص 773 )  .

كذلك ينبغي ملاحظة أن المبعوث الدبلوماسي لا يملك كقاعدة عامة التنازل عن الحصانة القضائية والخضوع للقضاء إلا بموافقة دولته ( علي صادق أبو هيف - القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - بند 95 ص 183 ) ، إذ الحصانة القضائية التي يتمتع بها مقررة أصلاً لصالح دولته لا لصالحه الشخصي، وقد تكون موافقة دولته سابقة على أي نزاع أو دعوی يكون المبعوث طرفاً فيها بناء على تعليمات عامة أو نص تشریعی يسمح للمبعوث بقبول اختصاص القضاء الإقليمي في حالات معينة، فيكون للمبعوث في مثل هذه الحالات أن يتصرف في حدود النص أو التعليمات وفقاً لما تمليه عليه الظروف ودون حاجة للرجوع لدولته في ذلك، ولكن إذا لم يوجد مثل هذا الترخيص السابق، فلا يجوز خضوع المبعوث للقضاء الإقليمي في أي أمر من الأمور التي يتمتع بشأنها بالحصانة القضائية إلا بناء على تصريح خاص من دولته بذلك ( على صادق أبوهيف - القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - بند 95 ص 183 ) .

ويجب أن يكون تنازل الدولة عن الحصانة القضائية للمبعوث الدبلوماسي تنازلاً صريحاً في جميع الأحوال « مادة 32 / 2 من إتفاقية فيينا، وفي حالة حدوث هذا التنازل وقيام المبعوث الدبلوماسي برفع دعوى أمام القضاء الإقليمي فإنه لا يجوز له الاحتجاج بالحصانة القضائية بالنسبة لأي طلب عارض يتصل مباشرة بالطلب الأصلي مادة 32 / 2 من إتفاقية فيينا، إذ يظل هذا التنازل سارياً في جميع مراحل الدعوى وبالنسبة لكل الطلبات والدفوع الفرعية المتصلة بها، فلا يحق للمبعوث الدبلوماسي بعد رفعه للدعوى أن يتمسك بحصانته ليحول دون تقديم هذه الطلبات أو الدفوع، أو ليمنع النظر في الطعن المقدم من خصمه في الحكم الذي قد يصدر لصالحه، وذلك حتى يتم الفصل نهائياً في الدعوى ( على صادق أبوهيف - القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - بند 95 ص 185 ) .

كذلك فإنه وفقاً للمادة 32 / 4  من اتفاقية فيينا، فإن التنازل عن الحصانة القضائية بالنسبة إلى أية دعوى مدنية وإدارية لاينطوي على أي تنازل عن الحصانة بالنسبة إلى تنفيذ الحكم، بل لابد في هذه الحالة الأخيرة من تنازل مستقل.

خامساً : حصانة المبعوثين القنصليين :

ثمة إختلاف بين طبيعة مهمة المبعوث القنصلي وطبيعة مهمة المبعوث الدبلوماسي ( على صادق أبو هيف - القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - بند 153 ص 281 ) ، فالمبعوث القنصلي وإن كان ينوب رسمياً عن دولته في أداء الأعمال الموكولة إليه، فإنه ليست له الصفة التمثيلية العامة التي للمبعوث الدبلوماسي، وليس لمنصبه الطابع السياسي الذي يتميز به منصب المبعوث الدبلوماسي.

إذ يمثل المبعوث الدبلوماسي دولته في عموم علاقاتها الدولية بالدولة الموفد إليها، فهو ينوب نيابة عامة عن رئيس أو حكومة الدولة الموفدة له في مواجهة رئيس أو حكومة الدولة المعتمد لديها، وهو يعتبر لسان دولته والمعبر عن إراداتها قبل الدولة المعتمد لديها .

بينما ينوب المبعوث القنصلي عن دولته نيابة محددة بشئون معينة بالذات يغلب فيه العنصر الاقتصادي والإداري، وهو لا شأن له كمبدأ عام بالمسائل السياسية أو بالعلاقات العامة بين دولته والدولة المعتمد لديها.

وهذا الاختلاف بين المهمة القنصلية والمهمة الدبلوماسية يفسر التفرقة في المعاملة من الناحية الدولية بين الممثلين الدبلوماسيين والممثلين القنصليين ( على صادق أبو هيف - القانون الدبلوماسي - المرجع السابق - بند 153 ص 281 ) ، فنتيجة لطبيعة عمل المبعوثين القنصليين ولإختصاصهم المحدود، فإنهم لا يتمتعون بكافة الحصانات والمزايا التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون، وبصفة خاصة لايتمتع المبعوث القنصلي بنفس الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي.

إذ يخضع المبعوث القنصلى للقضاء الجنائي في الدولة المعتمد لديها ( محمد حافظ غانم - مبادىء القانون العام - المرجع السابق - بند 262 من 633، إبراهيم محمد العناني - القانون الدولي العام - المرجع السابق – ص 257 ) ، فتجوز محاكمته عن الجرائم التي يرتكبها وتنفيذ الأحكام الجنائية النهائية ضده، ويجب أن تم هذا الخضوع في حدود الحرية الخاصة بذات المبعوث القنصلي، وبالطريقة التي تعوق إلى أقل حد ممكن ممارسة الأعمال القنصلية ( إبراهيم محمد العناني - القانون الدولي العام - المرجع السابق – ص257 ) ، فيجب إبلاغ رئيس البعثة القنصلية في حالة القبض على أحد أعضاء بعثته أو حجزه أو اتخاذ إجراءات جنائية ضده، أما إذا كانت الإجراءات موجهة ضد رئيس البعثة نفسه فيجب إخطار الدولة الموفدة ( محمد حافظ غانم - مبادىء القانون الدولي العام - المرجع السابق - بند 262 ص 633 ) ، ولكن ذلك لا يعني أن للمبعوث القنصلي أية حصانة قضائية بالنسبة للقضاء الجنائي، بل إنه يخضع خضوعاً تاماً لهذا القضاء في الدولة المعتمد لديها.

سادساً : حصانة القوات الحربية الأجنبية :

من المبادىء المستقرة أن أفراد القوات الحربية الأجنبية يتمتعون بالحصانة القضائية فيما يتعلق بالقضاء الجنائي الوطنی ( على صادق أبو هيف - القانون الدولي العام - الطبعة الحادية عشرة - سنة 1975 - بند 186 ص 337 ومابعدها، محمد عبدالخالق عمر - القانون الدولي الخاص الليبي - المرجع السالف الذكر - بند 238 ص 171 ) إذ جرى العرف على أن تظل القوات الحربية التابعة لدولة ما، أثناء مرورها أو وجودها في إقليم دولة أخرى بتصريح من هذه الدولة، خاضعة لقضاء دولتها ، وذلك فيما قد يقع من الأفراد التابعين لهذه القوات من أفعال مخالفة للقانون أثناء قيامهم بعملهم الرسمي، أو داخل المنطقة المحددة لهم ( على صادق أبو هيف - القانون الدولي العام - الطبعة الحادية عشرة - المرجع السابق - بند 186 ص 337 ) ، وعلة ذلك أن حفظ النظام وردع الجنود هو بالدرجة الأولى من اختصاص قيادتهم العسكرية المسئولة عنهم ( محمد عبدالخالق عمر- القانون الدولي الخاص الليبي - المرجع السالف الذكر - بند 238 ص 171 ) ، ولكنهم مع ذلك يخضعون للقضاء المدني الوطني بالنسبة للمنازعات ذات الصبغة المدنية البحتة، إذ لايوجد مبرر لعدم خضوعه لهذا القضاء بالنسبة لتلك المنازعات.

ومن كل ما تقدم يتضح لنا حالات خضوع الأجانب لولاية القضاء الوطني، وأيضاً حالات إنحسار ولاية القضاء الوطني عن بعضهم، إذ تحتجب ولاية القضاء الوطني عن الأجانب الذين يتمتعون بالحصانة القضائية كما ذكرنا آنفاً، وبذلك يتضح لنا مدى إنبساط ولاية القضاء على الأجانب بصفة عامة . ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء / الأول  ،  الصفحة :  801 )

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 328

 الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ وَلاَ لَهُ إِلاَّ بِحُضُورِ نَائِبِهِ حَقِيقَةً أَوْ شَرْعًا.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لاَ يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ - أَيْ بِالْبَيِّنَةِ - سَوَاءٌ أَكَانَ غَائِبًا وَقْتَ الشَّهَادَةِ أَمْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ التَّزْكِيَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ أَمْ عَنِ الْبَلَدِ.

أَمَّا إِذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي فَيُقْضَى عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ؛ لأِنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي الْبَيِّنَةِ دُونَ الإْقْرَارِ؛ وَلأِنَّ الْقَضَاءَ بِالإْقْرَارِ قَضَاءُ إِعَانَةٍ، وَاذَا أَنْفَذَ الْقَاضِي إِقْرَارَهُ سَلَّمَ إِلَى الْمُدَّعِي حَقَّهُ، عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ عَقَارًا، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الدَّيْنِ يُسَلِّمُ إِلَيْهِ جِنْسَ حَقِّهِ إِذَا وُجِدَ فِي يَدِ مَنْ يَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّهُ مَالُ الْغَائِبِ الْمُقِرِّ، وَلاَ يَبِيعُ فِي ذَلِكَ الْعَرْضَ وَالْعَقَارَ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ فَلاَ يَجُوزُ.

وَمِثْلُهُ مَا وَرَدَ فِي مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْخَصْمَيْنِ حِينَ الْحُكْمِ.. وَلَكِنْ لَوِ ادَّعَى وَاحِدٌ عَلَى الآْخَرِ شَيْئًا فَأَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ غَابَ عَنِ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْحُكْمِ كَانَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ فِي غِيَابِهِ بِنَاءً عَلَى إِقْرَارِهِ.

وَاسْتَثْنَوْا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ مَا إِذَا كَانَ نَائِبُهُ حَاضِرًا فَيَقُومُ مَقَامَ الْغَائِبِ، وَالنَّائِبُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً كَوَكِيلِهِ وَوَصِيِّهِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ فَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنِ الْبَاقِينَ وَكَذَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَصْكَفِيُّ.

وَكَمَا يَصِحُّ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي حُضُورِ نَائِبِهِ حَقِيقَةً يَصِحُّ فِي حُضُورِ نَائِبِهِ شَرْعًا كَوَصِيٍّ نَصَبَهُ الْقَاضِي، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ، كَمَا إِذَا بَرْهَنَ عَلَى ذِي الْيَدِ أَنَّهُ اشْتَرَى الدَّارَ مِنْ فُلاَنٍ الْغَائِبِ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَى ذِي الْيَدِ الْحَاضِرِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ أَيْضًا.

وَصَرَّحُوا بِأَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي أُقِيمَتْ فِي مُوَاجَهَةِ وَكِيلِهِ إِذَا حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الأْمْرُ بِالْعَكْسِ.

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ الْبَعِيدِ جِدًّا بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَتَزْكِيَتِهَا، وَذَلِكَ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ مِنَ الْمُدَّعِي، أَمَّا قَرِيبُ الْغَيْبَةِ فَكَالْحَاضِرِ عِنْدَهُمْ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: وَقَرِيبُ الْغَيْبَةِ كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةِ مَعَ الأْمْنِ حُكْمُهُ كَالْحَاضِرِ فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَةِ، وَالْغَائِبُ الْبَعِيدُ جِدًّا يُقْضَى عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَتَزْكِيَتِهَا بِيَمِينِ الْقَضَاءِ مِنَ الْمُدَّعِي، أَنَّ حَقَّهُ هَذَا ثَابِتٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مَا أَبْرَأَهُ، وَلاَ وَكَّلَ الْغَائِبُ مَنْ يَقْضِيهِ عَنْهُ، وَلاَ أَحَالَهُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ فِي الْكُلِّ وَلاَ الْبَعْضِ.

وَالْعَشَرَةُ الأْيَّامُ مَعَ الأْمْنِ وَالْيَوْمَانِ مَعَ الْخَوْفِ كَذَلِكَ، أَيْ يُقْضَى عَلَيْهِ فِيهَا مَعَ يَمِينِ الْقَضَاءِ فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ، وَأَمَّا فِي دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ فَلاَ يُقْضَى بِهِ بَلْ تُؤَخَّرُ الدَّعْوَى حَتَّى يَقْدَمَ لِقُوَّةِ الْمُشَاحَّةِ فِي الْعَقَارِ، وَيَمِينُ الْقَضَاءِ وَاجِبَةٌ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ لاَ يَتِمُّ الْحُكْمُ إِلاَّ بِهَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزٌ إِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَادَّعَى جُحُودَهُ، فَإِنْ قَالَ: هُوَ - أَيِ الْغَائِبُ - مُقِرٌّ، لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالأْصَحُّ أَنَّهَا تُسْمَعُ لأِنَّهُ قَدْ لاَ يَعْلَمُ جُحُودَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَيَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتِ حَقِّهِ فَتُجْعَلُ غَيْبَتُهُ كَسُكُوتِهِ، وَالثَّانِي لاَ تُسْمَعُ لأِنَّ الْبَيِّنَةَ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا عِنْدَ الْجُحُودِ.

وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ: أَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَلَوِ ادَّعَى وَكِيلٌ عَلَى غَائِبٍ فَلاَ تَحْلِيفَ عَلَى الْوَكِيلِ بَلْ يَحْكُمُ بِالْبَيِّنَةِ وَيُعْطِي الْمَالَ الْمُدَّعَى بِهِ إِنْ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَاكَ مَالٌ.

ثُمَّ قَالُوا: الْغَائِبُ الَّذِي تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهِيَ الَّتِي لاَ يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرًا إِلَى مَوْضِعِهِ لَيْلاً، وَقِيلَ: مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَأَمَّا مَنْ هُوَ بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ فَكَحَاضِرٍ لاَ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ وَلاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُضُورِهِ إِلاَّ لِتَوَارِيهِ أَوْ تَعَزُّزِهِ، وَعَجَزَ الْقَاضِي عَنْ إِحْضَارِهِ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُضُورِهِ.

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ مَنِ ادَّعَى حَقًّا عَلَى غَائِبٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَطَلَبَ مِنَ الْحَاكِمِ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمَ بِهَا عَلَيْهِ، فَعَلَى الْحَاكِمِ إِجَابَتُهُ إِذَا كَمُلَتِ الشَّرَائِطُ وَذَلِكَ فِي حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ لِحَدِيثِ زَوْجَةِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» فَقَضَى لَهَا وَلَمْ يَكُنْ أَبُو سُفْيَانَ حَاضِرًا.

وَقَالُوا: إِنْ قَدِمَ الْغَائِبُ قَبْلَ الْحُكْمِ وُقِفَ الْحُكْمُ عَلَى حُضُورِهِ، فَإِنْ خَرَجَ الشُّهُودُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَلْزَمُ الْمُدَّعِيَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ بَيِّنَتِهِ الثَّابِتَةِ أَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ، وَالاِحْتِيَاطُ تَحْلِيفُهُ، وَإِذَا قَضَى عَلَى الْغَائِبِ بِعَيْنٍ سُلِّمَتْ إِلَى الْمُدَّعِي، وَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ وَوُجِدَ لَهُ مَالٌ وَفَّى مِنْهُ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يُدْفَعَ إِلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلاً أَنَّهُ مَتَى حَضَرَ خَصْمُهُ وَأَبْطَلَ دَعْوَاهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَخَذَهُ.