1 ـ إذ كان الطاعن قد أقام دعواه الفرعية بمنع تعرض المطعون ضدها الأولى له فى حيازته لشقة النزاع باعتباره حائزاً لها ، وكان استناده لعقد شرائه لها لا يعد من قبيل الاستناد إلى الحق الموضوعى وإنما للاستدلال به على تأييد دفاعه من أنه الحائز الفعلى لها والتحقق من أوصاف تلك الحيازة وشروطها ، ومن ثم لا يتوافر الحظر الوارد فى نص المادة 44 من قانون المرافعات ، ولا يكون الطاعن قد جمع فى دعوى الحيازة بينها وبين المطالبة بالحق .
( الطعن رقم 15901 لسنة 82 ق - جلسة 2014/05/11 )
2 ـ النص فى الفقرة الأولى من المادة 44 من قانون المرافعات على أن " لا يجوز أن يجمع المدعى فى دعوى الحيازة بينها وبين المطالبة بالحق وإلا سقط ادعاؤه بالحيازة " - يدل على أنه لا يجوز للمدعى أن يجمع بين دعوى الحيازة ودعوى أصل الحق ، وذلك لاعتبارات قدرها المشرع هي استكمال حماية الحيازة لذاتها مجردة عن أصل الحق ، فإذا ما لجأ المدعى إلى رفع الدعوى بأصل الحق حين يقع اعتداء على حيازته ، فان ذلك يعد تسليما بحيازة خصمه ونزولاً منه عن الحماية التي قررها له القانون بما يستتبع سقوط الادعاء بالحيازة على مجرد رفع الدعوى بأصل الحق ، كل ذلك ما لم يكن العدوان على الحيازة قد وقع بعد رفع الدعوى بأصل الحق .
( الطعن رقم 4701 لسنة 69 ق - جلسة 2000/10/17 - س 51 ع 2 ص 937 ق 178 )
3 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن النص فى الفقرة الأولى من المادة 44 من قانون المرافعات على أنه "لا يجوز أن يجمع المدعى فى دعوى الحيازة بينها وبين المطالبة بالحق وإلا سقط ادعاؤه بالحيازة" يدل على أنه لا يجوز للمدعى أن يجمع بين دعوى الحيازة ودعوى أصل الحق يستوي فى ذلك أن يطالب فى دعوى الحيازة ذاتها بموضوع الحق أو أن يرفع دعوى الحيازة مستقلة عن دعوى أصل الحق وذلك لاعتبارات قدرها المشرع وهي استكمال حماية الحيازة لذاتها مجردة عن أصل الحق فإذا ما لجاء المدعى إلى رفع الدعوى بأصل الحق حين يقع اعتداء على حيازته فإن ذلك يعد تسليما بحيازة خصمه وتنازلا عن الحماية التى قررها القانون لها بما يستتبع سقوط الادعاء بالحيازة على مجرد رفع الدعوى بأصل الحق كل ذلك ما لم يكن العدوان على الحيازة قد وقع بعد رفع دعوى أصل الحق فحينئذ يجوز للحائز أن يرفع دعوى الحيازة مع قيام الدعوى بأصل الحق.
( الطعن رقم 2315 لسنة 68 ق - جلسة 1999/03/11 - س 50 ع 1 ص 383 ق 73 )
4 ـ النص فى المادة 44 من قانون المرافعات يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن الحظر الذى قصده المشرع من الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق لا يكون إلا إذا أقيمت دعوى اليد ودعوى الحق على شخص واحد أما إذا تعددت طلبات المدعى فى الدعوى واختلف خصومة فيها فإن النزاع فى حقيقة الأمر ينطوى على عدة دعاوى ولو قام المدعى برفعة بصحيفة واحدة فإذا اختصم المدعى أحد الاشخاص فى دعاوى الحق واختصم اخر فى دعوى الحيازة , فإن الحظر الوارد فى نص المادة 44 مرافعات سالفة الذكر لا يكون قائماً لتعدد الدعاوى واختلاف الخصوم فيها، وكان الثابت بالأوراق أن الطاعن أقام دعوى الحق رقم..... إيجارات شمال القاهرة الابتدائية على مالكة العقار الكائن به الشقة محل النزاع وعلى شريكة دون أن يختصم فيها المطعون عليهما - المدعى عليهما فى دعوى الحيازة - ومن ثم لا يتوافر الحظر الوارد فى نص المادة 44 من قانون المرافعات ولا يكون الطاعن قد جمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأقام قضاءه بعدم قبول الدعوى على ما خلص إليه من أن الطاعن قد جمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .
( الطعن رقم 1478 لسنة 58 ق - جلسة 1993/01/13 - س 44 ع 1 ص 209 ق 39 )
5 ـ المقرر- فى قضاء هذه المحكمة - أنه إذا انطوت صحيفة الدعوى على طلبين يستقل كل منهما عن الآخر موضوعاً وسبباً وخصوماً ، فإنهما يكونان مستقلين كل منهما موجه إلى فريق من المدعى عليهم ، وكان الطاعن أقام الدعوى بصحيفة تضمنت طلبين أولهما موجه إلى المطعون ضده الأول برد حيازة الشقة موضوع النزاع على سند من حيازته لها ، والآخر موجه إلى المطعون ضده الثانى بوصفه مؤجراً للعين بإلزامه بتحرير عقد استناداً إلى امتداد عقد الإيجار إليه طبقا لنص المادة 29 من القانون رقم 49 لسنه1977 ، فإن الدعويين تستقل إحداهما عن الأخرى وتختلفان خصوماً وسبباً وموضوعاً ومن ثم فلا ينصرف إليهما حكم المادة 44 من قانون المرافعات .
( الطعن رقم 2652 لسنة 57 ق - جلسة 1992/12/14 - س 43 ع 2 ص 1322 ق 270 )
6 ـ لما كانت دعوى الحيازة التى لا يجوز الجمع بينها وبين المطالبة بالحق وإلا سقط الإدعاء بالحيازة طبقاً لنصالمادة 44 من قانون المرافعات هى تلك التى ترفع من الحائز على المعتدى نفسه ، و كان المطعون ضده الأول قد قصر طلباته أمام محكمة أول درجة على طلب إسترداد الحيازة ، ثم طلب فى الإستئناف - إحتياطياً و بالنسبة للمؤجر فقط ، الحكم بصحة و نفاذ عقد الإيجار فإنه لا يكون قد جمع بالنسبة لمورث الطاعنين بين دعوى الحيازة و بين الدعوى بالحق .
( الطعن رقم 1516 لسنة 51 ق - جلسة 1989/02/14 - س 40 ع 1 ص 470 ق 86 )
7 ـ يدل نص المادة 44 من قانون المرافعات على إن الحظر الذى قصده المشرع من الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق ، لا يكون إلا إذا أقيمت دعوى اليد ودعوى الحق على شخص واحد ، أما إذا تعددت طلبات المدعى فى الدعوى ، وإختلف خصومه فيها ، فإن النزاع فى حقيقة الأمر ينطوى على عدة دعاوى ، ولو قام المدعى برفعه بصحيفة واحدة ، فإذا إختصم أحد الأشخاص فى دعوى الحق ، و إختصم آخر فى دعوى الحيازة ، فإن الحظر الوارد فى نص المادة 44 مرافعات سالف الذكر لا يكون قائماً لتعدد الدعاوى و إختلاف الخصوم فيها .
( الطعن رقم 381 لسنة 49 ق - جلسة 1984/11/08 - س 35 ع 2 ص 1811 ق 344 )
8 ـ مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة 44 من قانون المرافعات - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه لا يجوز للمدعى أن يجمع بين دعوى الحيازة و دعوى أصل الحق يستوى فى ذلك أن يطالب فى دعوى الحيازة ذاتها بموضوع الحق أو أن يرفع دعوى الحيازة مستقلة عن دعوى الملكية ، و العبرة فى تكييف الدعوى هى بحقيقة المطلوب فيها .
(الطعن رقم 653 لسنة 47 جلسة 1981/03/31 س 32 ع 1 ص 1003 ق 186)
9 ـالمقرر فى قضاء محكمة النقض أن النص فى المادة 44/1 من قانون المرافعات على أنه " لا يجوز أن يجمع المدعى فى دعوى الحيازة بينها وبين المطالبة بالحق وإلا سقط ادعاؤه بالحيازة ..... " يدل على أن المناط فى سقوط الحق فى دعوى الحيازة ، هو قيام المدعى برفع دعوى الحق ، إذ يعتبر المدعى برفعه لهذه الدعوى متنازلاً عن دعوى الحيازة ولا يعنى ذلك أنه يمتنع عليه تقديم أوجه الدفاع والأدلة المثبتة لتوافر صفته أو توافر أوصاف الحيازة التى يحميها القانون ، ولو كانت هذه الأدلة تتعلق بأصل الحق ، طالما أن الهدف منها هو إثبات توافر شروط الحيازة فى جانبه ولم يطلب الفصل فى موضوع الحق ذاته .
(الطعن رقم 15901 لسنة 82 جلسة 2014/05/11)
10 ـ المحكمة الإبتدائية تختص بالحكم إبتدائياً فى جميع الدعاوى المدنية و التجارية التى ليست من إختصاص محكمة المواد الجزئية ، و يكون حكمها إنتهائياً إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز مائتين و خمسين جنيهاً على ما تقضى به المادة 47 من قانون المرافعات ، و تختص محكمة الإستئناف بالحكم فى قضايا الإستئناف التى ترفع إليها عن الأحكام الصادرة إبتدائياً من المحاكم الإبتدائية إتباعاً لحكم المادة 48 منه ، و أن تقدير قيمة الدعوى فيما يتعلق بنصاب الإستئناف يكون وفقاً لأحكام المواد من 36 إلى 41 على ما تقضى به المادة 223 منه ، إلا أنه لما كانت دعاوى الحيازة تقدر قيمتها بقيمة الحق الذى ترد عليه الحيازة عملاً بنص الفقرة الرابعة من المادة 37 من ذلك القانون ، و كان الحق مثار النزاع هو حق المطعون عليه فى الإنتفاع بالعين المؤجرة إليه ، و كان القانون رقم 52 لسنة 1961 الذى يحكم واقعة النزاع قد أضفى على عقود إيجار الأماكن التى تخضع لحكمه إمتداداً قانونياً غير محدود المدة مما تعتبر معه قيمة عقد الإيجار ، و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة غير قابلة للتقدير ، و من ثم و عملاً بنص المادة 41 مرافعات تعتبر قيمتها زائدة على مائتين و خمسين جنيهاً ، فإن الحكم الصادر فى الدعوى الماثلة يكون مما يجوز إستئنافه أمام محكمة الإستئناف .
(الطعن رقم 624 لسنة 47 جلسة 1980/04/26 س 31 ع 1 ص 1243 ق 236)
11 ـ إذ كان الواقع فى الدعوى أن الطاعنين أقاماها بطلب الحكم بمنع تعرض المطعون ضدهم لهما فى الانتفاع بقطعة أرض قالا إنهما يملكانها ويضعان اليد عليها ، وأن هذا التعرض أدى إلى صدور قرار من جهة الإدارة بوقف إجراءات الترخيص بإقامة بناء على تلك الأرض - فإن الفصل فى هذا النزاع لا ينطوى على مساس بأمر إدارى يمتنع على المحاكم إلغاؤه أو تأويله أو وقف تنفيذه لأن البحث فيه يتعلق بالتحقق مما إذا كان هناك تعد من المطعون ضدهم على حيازة الطاعنين بإدعاء حق يتعارض مع حق هذين الأخيرين فى وضع اليد ، ومن ثم فإن النزاع فى حقيقته يخرج عن نطاق الأمر الإدارى سالف البيان لأن التعرض المدعى به لا يستند إلى هذا الأمر وإنما هو الذى أدى إلى صدوره ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى باختصاص محاكم القضاء الإدارى بنظر الدعوى فإنه يكون قد خالف القانون فى مسألة اختصاص متعلق بالولاية.
(الطعن رقم 2639 لسنة 62 جلسة 1999/01/26 س 50 ع 1 ص 126 ق 19)
12 ـ الفيصل فى جواز الطعن أو عدم جوازه - فى الأحكام الصادرة فى دعاوى الحيازة - إنما يتوقف على التكييف الصحيح للدعوى التى صدر فيها الحكم المطعون فيه ، و لمحكمة النقض فى سبيل الفصل فى هذه المسألة الأولية أن تراقب محكمة الإستئناف فى تكييفها للدعوى ، و أن تعطيها ما ترى أنه وصفها الحق و تكييفها القانونى الصحيح ، غير متقيده فى ذلك - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بالوصف الذى اسبغته عليها محكمة الإستئناف ، إذ أن الأخذ بهذا التكييف على علته قد يؤدى إلى حرمان المحكوم عليه من حقه فى الطعن بالنقض فى حالة خطأ محكمة الإستئناف فى تكيف الدعوى و اعتبارها من دعاوى الحيازة .
(الطعن رقم 138 لسنة 36 جلسة 1970/06/09 س 21 ع 2 ص 1008 ق 161)
13 ـ لما كان الحكم الصادر فى الدعوى رقم67لسنة1984مدنى مركز شبين الكوم فى دعوى حيازة أقامها الطاعن الثانى فى الطعن الماثل ضد المطعون عليه الأول وآخر بطلب رد حيازته لمساحة12س و3ط وتسليمها له تأسيسا على غصبهما لها وسلب حيازتها منه وقضى له فيها بطلباته فى حين أن الدعوى المطروحة أقيمت من الطاعنين على المطعون عليهم وآخر بطلب بطلان عقد البيع المؤرخ1982/10/11والمسجل برقم5935لسنة1982شبين الكوم بطلانا نسبيا لوقوع خطأ به فى نسبة وحدات تمليك أطيان النزاع وكان لا حجية للحكم الصادر فى دعاوى وضع اليد فى دعوى النزاع على الملك لاختلاف الدعويين موضوعا وسببا ومن ثم فلا يكون للحكم الصادر فى الدعوى رقم67لسنة1984مدنى مركز شبين الكوم الجزئية ثمة حجية فى الدعوى الماثلة المطعون على حكمها ولا يجوز قوة الأمر المقضى بالنسبة لها.
(الطعن رقم 1197 لسنة 61 جلسة 1996/03/10 س 47 ع 1 ص 439 ق 85)
14 ـ من المقرر أن الأحكام التى تصدر فى دعاوى الحيازة بصفة عامة ليست حجة فى دعوى المطالبة بالحق لإختلاف الموضوع و السبب ، بما مفاده أن القضاء فى دعاوى الحيازة يرمى إلى تحديد مركز الخصوم تحديداً مؤقتاً حماية لصاحب الحق الظاهر و إذ كان من المحتمل أن يقضى فى أصل الحق بما يخالف الحكم الصادر فى دعوى الحيازة و بعد تنفيذه ، فإن الحكم الصادر فى دعوى الحيازة أنما يجرى تنفيذه على مسئولية طالب التنفيذ فتترتب مسئوليته إذا ما ثبت فيما بعد بحكم نهائى من محكمة الموضوع أن الحق لم يكن فى جانبه متى كان سىء النية ، و هو يعتبر كذلك منذ إعلانه بصحيفة الدعوى الموضوعية ، لأن هذا الإعلان يتضمن معنى التكليف بالحضور لسماع الحكم فى الدعوى المذكورة فيعتبر بمثابة إعلان له بعيوب حيازته مما يزول به حسن النية طبقاً للمادة 966 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 129 لسنة 47 جلسة 1981/01/28 س 32 ع 1 ص 377 ق 73)
15 ـ إذا كان الحكم الصادر للطاعن فى دعوى منع التعرض ليست له حجية فى النزاع - الخاص بملكية العقار - و كان التمسك به لا يعتبر دفاعاً جوهرياً قد يتغير به وجه الرأى فى الدعوى . فإن إغفال المحكمة الإشارة اليه لا يعيب حكمها بالقصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 750 لسنة 43 جلسة 1978/01/03 س 29 ع 1 ص 66 ق 20)
16 ـ الحكم الصادر من محكمة النقض و الذى يقضى بنقض حكم صادر فى دعوى إسترداد الحيازة التى أقامها المستأجر على مشترى العين المؤجرة مستندا فيها إلى حيازته للعين و أن هذه الحيازة قد سلبت بالقوة ، لا تكون له حجية فى الدعوى الموضوعية التى أقامها المستأجر على المشترى مطالبا إياه بالتعويض عن إخلاله بإلتزامه بتمكينه من الإنتفاع بالعين المؤجرة و بعدم التصرف له فيها و هو الإلتزام الذى يفرضه عليه عقد الإيجار الذى خلف المؤجر الأصلى فيه ، و ذلك لإختلاف الدعويين موضوعا و سببا و لأن الحكم الصادر فى دعوى الحيازة لا يمس أصل الحق و لا يبنى على أساس ثبوته أو نفيه و إنما على أساس توافر الحيازة بشروطها القانونية و عدم توافرها .
(الطعن رقم 368 لسنة 34 جلسة 1971/03/28 س 19 ع 1 ص 655 ق 96)
17 ـ ليس المقصود بدعوى أصل الحق التى لا يجوز الجمع بينها وبين إحدى دعاوى الحيازة دعوى الملكية فقط بل كل دعوى عينية ترد على العقار كما تشمل أيضاً الدعوى بالحق الشخصي وذلك لعموم إشارة النص فى المادة 1/44 من قانون المرافعات إلى دعوى الحق عموماً دون أن يخصها بدعوى الحق العيني.
(الطعن رقم 2315 لسنة 68 جلسة 1999/03/11 س 50 ع 1 ص 383 ق 73)
18 ـ النص فى المادة 1/44 من قانون المرافعات يدل على أن المناط فى سقوط الحق فى دعوى الحيازة ، هو قيام المدعى برفع دعوى الحق ، إذ يعتبر المدعى برفعه لهذه الدعوى متنازلاً عن دعوى الحيازة ، و لا يعنى ذلك أنه يمتنع عليه تقديم أوجه الدفاع و الأدلة المثبتة لتوافر صفته أو توافر أوصاف الحيازة التى يحميها القانون ، و لو كانت هذه الأدلة تتعلق بأصل الحق ، طالما أن الهدف منها هو إثبات توافر شروط الحيازة فى جانبه ، و لم يطلب الفصل فى موضوع الحق ذاته .
(الطعن رقم 2573 لسنة 55 جلسة 1990/01/10 س 41 ع 1 ص 147 ق 32)
19 ـ دعوى الملكية تختلف عن دعوى الحيازة فى أن الأولى ترمى إلى حماية حق الملكية و ما يتفرع عنه من الحقوق العينية الأخرى بطريقة مباشرة و يتناول البحث فيها حتماً أساس الحق المدعى به و مشروعيته ، أما دعوى الحيازة فليس الغرض منها إلا حماية وضع اليد من حيث هو بغض النظر عن كنه أساسه و عن مشروعيته .
(الطعن رقم 447 لسنة 46 جلسة 1979/04/26 س 30 ع 2 ص 202 ق 222)
20 ـ المقرر- فى قضاء هذه المحكمة - أن القانون جعل لكل ذي يد على عقار أن يحمى يده بدعاوى وضع اليد ،ولما كان وضع اليد بمعناه القانوني كما يقع على العقار المفرز يقع على الحصة الشائعة ، ولما كان لا يوجد فى القانون أية تفرقة فى الحماية بين وضع اليد على الشيوع ووضع اليد الخالص لعدم وجود أي مقتضى فانه يكون لكل واضع يد خالصة أو على الشيوع أن يستعين بدعاوى وضع اليد فى حماية يده .فيقبل رفع هذه الدعاوى ضده من الشريك فى الملك الشائع لدفع التعرض الواقع له أياً كان التعرض فان وقع من احد الشركاء فى العقار المشاع فعل من أفعال التعرض فانه يجوز لهؤلاء الشركاء أن يستعينوا بدعوى منع التعرض.
(الطعن رقم 891 لسنة 62 جلسة 1998/01/18 س 49 ع 1 ص 114 ق 26)
21 ـ دعوى استرداد الحيازة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تقوم على رد الاعتداء غير المشروع ويكفى لقبولها أن يكون لرافعها حيازة مادية حالة تجعل يده متصلة بالعقار اتصالا فعليا قائما فى حالة وقوع الغضب ومن ثم يشترط لكى يؤدى هذا الغضب إلى نشأة هذه الدعوى أن يتم نتيجة لعمل لا سند له من القانون ولهذا إذا أدى التنفيذ جبرا إلى فقد الحيازة فإن من فقد الحيازة نتيجة هذا التنفيذ لا تكون له دعوى استرداد حيازة وأنه وإن كان لمحكمة للموضوع السلطة المطلقة فى التحقق من استيفاء الحيازة لشروطها القانونية دون رقابة عليها فى ذلك لمحكمة النقض إلا أن ذلك مشروط بأن تكون الأسباب التى أقامت عليها قضاءها سائغة فإذا أخذت بتقرير الخبير المقدم فى الدعوى وأحالت فى بيان أسباب حكمها إليه وكانت أسبابه لا تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها بحيث لا تصلح ردا على فاع جوهرى تمسك به الخصوم فإن حكمها يكون معيباً بالقصور.
(الطعن رقم 1460 لسنة 61 جلسة 1992/03/18 س 43 ع 1 ص 476 ق 103)
22 ـ الحكم الصادر فى دعوى الحيازة لا يحوز قوة الأمر المقضى فى دعوى الريع و التى تعتبر الملكية عنصراً من عناصرها و ذلك لإختلاف الدعويين سببا و موضوعا ، و من ثم لا يجوز الطعن بالنقض فى الحكم الصادر فى هذه الدعوى الأخيرة لمخالفته الحكم الأول . و لا يغير من ذلك أن يكون الحكم فى دعوى منع التعرض قد فصل فى أسبابه فى ملكية أرض النزاع و قضى بأنها لا تدخل فى مستندات الخصم ، ذلك أن قاضى الحيازة ممنوع من التعرض للملكية و من بناء حكمه على أساس ثبوتها أو نفيها و كل ما يقرره فى شأنها لا يحوز أية حجية لدى المحكمة التى يعرض عليها النزاع على أصل الحق أو نزاع متفرع عنه أو مترتب عليه كالنزاع على الريع و من ثم فلا تتقيد به تلك المحكمة .
(الطعن رقم 26 لسنة 35 جلسة 1969/02/13 س 20 ع 1 ص 333 ق 53)
23 ـ الدفع بعدم قبول الدعوى بالحق من المدعى عليه فى دعوى الحيازة قبل الفصل فى دعوى الحيازة و تنفيذ الحكم الذى يصدر فيها ، أو تخليه عن الحيازة لخصمه من تلقاء نفسه، هو فى حقيقته دفع موضوعى ، و بالقضاء به تكون محكمة الدرجة الأولى قد استنفذت ولايتها فى الفصل فى موضوع الدعوى ، و يطرح الإستئناف المرفوع عن هذا الحكم الدعوى بما احتوته من طلبات و أوجه دفاع على محكمة الإستئناف التى لا يجوز لها إذا ما ألغت الحكم المستأنف و قبلت الدعوى أن تعيدها لمحكمة الدرجة الأولى لنظر موضوعها .
(الطعن رقم 485 لسنة 36 جلسة 1971/04/22 س 22 ع 2 ص 553 ق 87)
24 ـ متى كان الحكم برفض دعوى منع التعرض قد أقام قضاءه على ما ثبت لديه من وقائع الدعوى ومستنداتها من أن حيازة الأطيان محل النزاع لم تكن مقصورة على الطاعن و إنما كانت الحيازة على الشيوع واستمرت كذلك حتى بعد صدور قانون الاصلاح الزراعى الذى ترتب عليه قيام العلاقة بين المستأجر من الباطن والمالك مباشرة بعد انسحاب المستأجر الأصلى نزولا على حكم المادة 37 منه وحصول التعرض المدعى به من المطعون عليه فإنه لا يكون قد خالف القانون إذ لم يفصل الحكم فى الدعوى على أساس بحث الملكية و إنما على أساس بحث الحيازة الذى انتهى منه إلى تقرير أن الحائزين لأطيان النزاع بطريق الاستئجار إنما كانوا يحوزونها لحساب الطاعن و غيره من الملاك و منهم المطعون عليه و لا يعد إستناد الحكم فى ذلك إلى أحكام قانون الإصلاح الزراعى تقريرا لثبوت الحق أو نفيه.
(الطعن رقم 337 لسنة 27 جلسة 1962/12/27 س 13 ع 2 ص 1233 ق 194)
25 ـ إذا كانت الدعوى قد رفعت من الحكومة "المطعون ضدها " بقصد تقرير حقها على الأرض المتنازع عليها بإعتبارها من أموال الدولة العامة وأنه بذلك يكون وضع يد الطاعنين عليها غير مشروع فإن هذه الدعوى تكون دعوى ملكية لا دعوى حيازة .
(الطعن رقم 215 لسنة 33 جلسة 1967/04/27 س 18 ع 2 ص 879 ق 135)
26 ـ لا يقبل من المدعى عليه فى دعوى الحيازة دفعها بالاستناد إلى نفى الحق .
(الطعن رقم 29 لسنة 29 جلسة 1963/11/28 س 14 ع 3 ص 1112 ق 158)
27 ـ أوجبت المادتان 958 ، 961 من القانون المدنى أن ترفع دعوى إسترداد الحيازة و دعوى منع التعرض خلال السنة التالية لفقدها أو من وقوع التعرض و هى مدة سقوط يجب أن ترفع الدعوى خلالها و كانت الدعوى تعتبر مرفوعة بإيداع صحيفتها قلم الكتاب طبقاً لنص المادة 63 من قانون المرافعات و كان الثابت فى الدعوى أن المطعون ضده أقام دعواه بمنع التعرض بصحيفة قدمها لقلم الكتاب فى 1978/6/1 لمنع التعرض الحاصل بتاريخ 1978/4/12 فإن الدعوى تكون قد أقيمت فى الميعاد و لا يغير من ذلك تعديل المطعون ضده لطلباته الحاصل فى 1979/12/4 إلى طلب الحكم بإسترداد حيازته ذلك أن التاريخ الأخير لا يعتبر رفعاً لدعوى جديدة و أن رفع الدعوى بمنع التعرض فى الميعاد و تكييف المحكمة لها أنها دعوى بإسترداد الحيازة أو طلب الحائز الحكم بإعتبارها كذلك لا يؤثر على تاريخ رفعها أياً كان تاريخ تعديل الطالب.
(الطعن رقم 2095 لسنة 50 جلسة 1985/01/06 س 36 ع 1 ص 77 ق 20)
28 ـ دعوى استرداد الحيازة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تقوم على رد الاعتداء غير المشروع ويكفى لقبولها أن يكون لرافعها حيازة مادية حالة تجعل يده متصلة بالعقار اتصالا فعليا قائما فى حالة وقوع الغضب ومن ثم يشترط لكى يؤدى هذا الغضب إلى نشأة هذه الدعوى أن يتم نتيجة لعمل لا سند له من القانون ولهذا إذا أدى التنفيذ جبرا إلى فقد الحيازة فإن من فقد الحيازة نتيجة هذا التنفيذ لا تكون له دعوى استرداد حيازة وأنه وإن كان لمحكمة للموضوع السلطة المطلقة فى التحقق من استيفاء الحيازة لشروطها القانونية دون رقابة عليها فى ذلك لمحكمة النقض إلا أن ذلك مشروط بأن تكون الأسباب التى أقامت عليها قضاءها سائغة فإذا أخذت بتقرير الخبير المقدم فى الدعوى وأحالت فى بيان أسباب حكمها إليه وكانت أسبابه لا تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها بحيث لا تصلح ردا على فاع جوهرى تمسك به الخصوم فإن حكمها يكون معيباً بالقصور.
(الطعن رقم 1460 لسنة 61 جلسة 1992/03/18 س 43 ع 1 ص 476 ق 103)
29 ـ من المقرر فى قضاء هذه المحكمة - أن القانون يحمى واضع اليد من كل تعرض له يستوى فى ذلك أن يكون التعرض إعتداء محضاً من المتعرض أو بناء على حكم لم يكن واضع اليد خصماً فيه، وأن الأحكام لا حجية لها إلا فيما ثار بين الخصوم من نزاع وفصلت فيه المحكمة بصفة صريحة أو ضمنية، أما ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل فلا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضى. وكان الثابت أن الحكم الصادر فى الإستئنافين ..... حين قضى على البائع لمورث الطاعنين بصحة عقد بيع عقار النزاع وألزمه بتسليمه، لم يكن الطرفان قد تناقشا فى أمر إلزام المطعون ضدها الأولى - المتدخلة - بالتسليم ومن ثم فإن ذلك الحكم لا يكون قد قضى بشئ - لا صراحة ولا ضمناً - على المطعون ضدها الأولى - البائعة لمورث المطعون ضدهم - فيما يتعلق بالتسليم فلا يعتبر حجة على باقى المطعون ضدهم، ويعتبر تنفيذ الحكم عليهم وهم ليسوا طرفاً فيه تعرضاً قانونياً لهم، وإذ إنتهى الحكم المطعون فيه إلى نتيجة صحيحة فلا عليه إن أغفل الرد على دفاع الطاعنين فى هذا الشأن.
(الطعن رقم 1371 لسنة 57 جلسة 1991/12/17 س 42 ع 2 ص 1879 ق 295)
30 ـ لما كان الحكم الصادر فى الدعوى رقم67لسنة1984مدنى مركز شبين الكوم فى دعوى حيازة أقامها الطاعن الثانى فى الطعن الماثل ضد المطعون عليه الأول وآخر بطلب رد حيازته لمساحة12س و3ط وتسليمها له تأسيسا على غصبهما لها وسلب حيازتها منه وقضى له فيها بطلباته فى حين أن الدعوى المطروحة أقيمت من الطاعنين على المطعون عليهم وآخر بطلب بطلان عقد البيع المؤرخ1982/10/11والمسجل برقم5935لسنة1982شبين الكوم بطلانا نسبيا لوقوع خطأ به فى نسبة وحدات تمليك أطيان النزاع وكان لا حجية للحكم الصادر فى دعاوى وضع اليد فى دعوى النزاع على الملك لاختلاف الدعويين موضوعا وسببا ومن ثم فلا يكون للحكم الصادر فى الدعوى رقم67لسنة1984مدنى مركز شبين الكوم الجزئية ثمة حجية فى الدعوى الماثلة المطعون على حكمها ولا يجوز قوة الأمر المقضى بالنسبة لها.
(الطعن رقم 1197 لسنة 61 جلسة 1996/03/10 س 47 ع 1 ص 439 ق 85)
31 ـ المقرر أن عدم قبول دعوى الحيازة بعد المطالبة بالحق تقضى به المحكمة من تلقاء ذاتها ويجوز إثارته فى صحيفة الطعن بالنقض لأول مرة حتى ولو لم يكن الطاعن قد نبه إليه محكمة الموضوع بتقدير أنه يقع عليها من تلقاء ذاتها واجب تقصى الحكم القانوني الصحيح المنطبق على الواقعة فيعتبر الأمر مطروحاً عليها ولو لم يتناوله البحث فعلاً.
(الطعن رقم 2315 لسنة 68 جلسة 1999/03/11 س 50 ع 1 ص 383 ق 73)
32 ـ النص فى المادة 3/92 من قانون الزراعة الصادر برقم 53 لسنة 1966 على أنه "ولا يجوز تعديل الحيازة الزراعية إلا بعد موافقة الجمعية التعاونية الزراعية المختصة أو بناء على اتفاق كتابي مصدق على التوقيع عليه من رئيس مجلس إدارة هذه الجمعية وعضوين من أعضائها على أن يتضمن الإتفاق إقرار الحائز الجديد بتحمل الديون المستحقة عن الأرض محل التنازل سواء للحكومة أو للمؤسسات المصرية العامة للإئتمان الزراعي"، لا يفيد أن اتفاق تعديل الحيازة تصرف شكلي لا يتم إلا بأن يفرغ فى الشكل المبين فيه وبالأسلوب الوارد به، إنما يدل على أنه تصرف رضائي لا يجوز إثباته إلا بالكتابة وقصد المشرع من اشتراط الكتابة بهذه الصورة فى هذا النص هو بيان الدليل الذي يقبل فى إثبات تعديل الحيازة.
(الطعن رقم 4158 لسنة 62 جلسة 1999/03/18 س 50 ع 1 ص 429 ق 83)
33 ـ أوجبت المادتان 958 ، 961 من القانون المدنى أن ترفع دعوى إسترداد الحيازة و دعوى منع التعرض خلال السنة التالية لفقدها أو من وقوع التعرض و هى مدة سقوط يجب أن ترفع الدعوى خلالها و كانت الدعوى تعتبر مرفوعة بإيداع صحيفتها قلم الكتاب طبقاً لنص المادة 63 من قانون المرافعات و كان الثابت فى الدعوى أن المطعون ضده أقام دعواه بمنع التعرض بصحيفة قدمها لقلم الكتاب فى 1978/6/1 لمنع التعرض الحاصل بتاريخ 1978/4/12 فإن الدعوى تكون قد أقيمت فى الميعاد و لا يغير من ذلك تعديل المطعون ضده لطلباته الحاصل فى 1979/12/4 إلى طلب الحكم بإسترداد حيازته ذلك أن التاريخ الأخير لا يعتبر رفعاً لدعوى جديدة و أن رفع الدعوى بمنع التعرض فى الميعاد و تكييف المحكمة لها أنها دعوى بإسترداد الحيازة أو طلب الحائز الحكم بإعتبارها كذلك لا يؤثر على تاريخ رفعها أياً كان تاريخ تعديل الطالب.
(الطعن رقم 2095 لسنة 50 جلسة 1985/01/06 س 36 ع 1 ص 77 ق 20)
34 ـ إذ كان الواقع فى الدعوى أن المطعون ضده الأول رفعها بصفته حارساً قضائياً وطلب فيها استرداد حيازة المستشفى محل النزاع بجميع مقوماتها المادية والمعنوية التي وقع عليها الحجز الإداري وتم بيعها بالمزاد العلني الذي رسا على الطاعن بتاريخ 1974/9/14 مستنداً فى ذلك إلى الحكم النهائي الصادر فى الاستئناف رقم 2955 لسنة 93 قضائية القاهرة والذي قضى به فى مواجهة الأخير وبقية المطعون ضدهم ببطلان إجراءات الحجز الإداري الموقع من مصلحة الضرائب على منقولات المستشفى المذكورة وحق الإيجار والاسم التجاري وما ترتب عليه من إجراءات بيع ورسو المزاد على الطاعن . فإن هذه الدعاوى بالنظر إلى الطلبات الواردة بها والأساس الذي أقيمت عليه ليست دعوى استرداد الحيازة قصد بها مجرد حماية حيازة عقار تحت يد المطعون ضده الأول من أعمال غصب تمت من قبل الطاعن وإنما بحسب تكييفها الصحيح دعوى بالحق ذاته الهدف منها رد الأموال المنقولة المملوكة للمستشفى محل النزاع بجميع مقوماتها المادية والمعنوية بما فيها حق الإيجار وتمكين المطعون ضده الأول من المستشفى ، وذلك إعمالاً لأثر الحكم الذي قضى له ببطلان إجراءات الحجز الإداري على هذه المنقولات - وبيعها بالمزاد العلني والذي من مقتضاه عودة الطرفين - الراسي عليه المزاد وورثة المدين - إلى الحالة التي كانا عليها قبل رسو المزاد أي بقاء ملكية المنقولات محل النزاع ضمن تركة المدين التي عين المطعون ضده الأول حارساً عليها ، والذي أصبح هذا التعيين وبحكم القانون نائباً قضائياً عن صاحب الحق فى المال الموضوع تحت الحراسة فتكون له مباشرة إجراءات التقاضي عنه والمحافظة عليه ، ومن ثم فإنه يكون صاحب الصفة فى مقاضاة الطاعن ومطالبته برد هذه المنقولات باعتبار أنه الذي رسا بيعها بالمزاد عليه فيكون ملتزماً بردها بعد القضاء ببطلان هذا البيع إعمالاً للأحكام المقررة لرد غير المستحق دون تلك الأحكام التي خص بها القانون دعوى استرداد حيازة العقار.
(الطعن رقم 1036 لسنة 55 جلسة 1989/11/30 س 40 ع 3 ص 229 ق 358)
35 ـ مقصود الغصب هو إنعدام سند الحيازة وهو لا يعتبر بذلك الا إذا تجرد وضع اليد من الاستناد الى سند قانونى له شأنه فى تبريد يد الحائز على العقار المثار بشأنه النزاع ، وكان البين من مدونات الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه أن ما استند فى قضائه للمطعون ضده بطلباته على إجراء القول بأن الطاعنين لم يقدما دليلاً يبرر وضع يدهما على أطيان النزاع وأن الخبير المنتدب فى الدعوى قد اثبت أنها كانت مسجلة بالجمعية الزراعية الكائن بدائرتها بإسم آخر غير ممثل فى الدعوى حتى سنة 1983 كحائز لها دون أن يلقى بالاً الى ما أثبته الخبيرين المنتدبين فيها وشهد به الشهود ورجال الادارة بالناحية من أنهما مستأجريين لها فى تاريخ سابق على شراء المطعون ضده لها وإستمرارية ذلك الى ما بعد رفع الدعوى مع أن العبرة فى وضع اليد بما يثبت قيامه فعلاً ولم يدل بدلوه فى الدعوى مما يعيبه بالفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 475 لسنة 61 جلسة 1997/05/21 س 48 ع 1 ص 761 ق 150)
36 ـ يدل نص المادة 949/1 من القانون المدنى على أن حيازة حق المرور التى تبيح لصاحبها رفع دعوى منع التعرض يجب أن تكون سيطرة متعدية لا مجرد رخصة ولا عمل يقبل على سبيل التسامح، لما كان ذلك وكان الطاعن قد تمسك فى دفاعه بان لم يكن للمرور بأرضه معالم ظاهرة إذ كان الباب مفتوحا على أرضه الفضاء وقد تحمل المرور فيها على سبيل التسامح، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بمنع تعرض الطاعن تأسيسا على توافر الشروط القانونية فى حيازة الجهة المطعون ضدها أو أغفل الرد على هذا الدفاع من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأى فإنه يكون معيباً بالقصور فى التسبيب الذى أدى به إلى الخطأ فى تطبيق القانون.
(الطعن رقم 3192 لسنة 60 جلسة 1991/12/31 س 42 ع 2 ص 2037 ق 321)
37 ـ المقرر- فى قضاء هذه المحكمة - أن القانون جعل لكل ذي يد على عقار أن يحمى يده بدعاوى وضع اليد ،ولما كان وضع اليد بمعناه القانوني كما يقع على العقار المفرز يقع على الحصة الشائعة ، ولما كان لا يوجد فى القانون أية تفرقة فى الحماية بين وضع اليد على الشيوع ووضع اليد الخالص لعدم وجود أي مقتضى فانه يكون لكل واضع يد خالصة أو على الشيوع أن يستعين بدعاوى وضع اليد فى حماية يده .فيقبل رفع هذه الدعاوى ضده من الشريك فى الملك الشائع لدفع التعرض الواقع له أياً كان التعرض فان وقع من احد الشركاء فى العقار المشاع فعل من أفعال التعرض فانه يجوز لهؤلاء الشركاء أن يستعينوا بدعوى منع التعرض.
(الطعن رقم 891 لسنة 62 جلسة 1998/01/18 س 49 ع 1 ص 114 ق 26)
علة حماية الحيازة :
تحرص التشريعات الحديثة بصفة عامة على تنظيم دعاوى لحماية الحيازة سواء كان الحائز هو صاحب الحق أم لا .
ويرجع هذا الحرص إلى اعتبارين أساسيين :
١- الحائز هو في الغالب صاحب الحق : فالوضع العادي للأمور أن الحق يحاز من قبل صاحبه . ولهذا فإنه بتنظيم دعاوى الحيازة ، يحمي القانون في الغالب صاحب الحق . والتجاء صاحب الحق إلى دعوى الحيازة يتيح له حمایة سريعة لحقه ، ذلك أنه - بغیر دعاوى الحيازة - كان عليه الإلتجاء إلى دعوى الحق وهي تقتضي منه إثبات ملكيته للعقار أو أنه صاحب حق عليه ، وفي هذا عنت كبير عليه . أما بإلتجائه إلى دعوى الحيازة فإنه لا يطلب منه سوى إثبات عناصر بسيطة واضحة اشترطها القانون لنشأة هذه الدعوى . وبكسب المدعي لدعواه في الحيازة يصبح في موقف المدافع - لا المدعي - بالنسبة للحق ، ويقع عندئذ على من ينازعه الحق عبء الإثبات الصعب.
2- حتى في الحالات التي لا يكون فيها الحائز هو صاحب الحق ، فإن دعوى الحيازة تقتضيها ضرورة المحافظة على الوضع الظاهر حماية للأمن والنظام . فالشخص الذي يظهر على الشيء - بحيازته له - بمظهر المالك ، يستحق الحماية حتى يثبت أنه غير مالك . والقول بغير هذا يعني السماح لمن يدعي الملكية بالاعتداء على الحائز بدعوى أن الأخير غير مالك ، وهو ما يؤدي إلى اقتضاء الشخص حقه بنفسه ، مما يعرض الأمن والنظام العام للخطر . والواقع أن الشروط التي يتطلبها القانون في دعاوى الحيازة تجعل من النادر إمكان نشأتها لغير صاحب الحق . فإذا حدث هذا ، فإن صاحب الحق يستطيع دائماً الحصول على حقه برفعه - على الحائز - دعوى الحق.
تنظيم دعاوى الحيازة في التشريع المصري :
على عكس التشريع الفرنسى حرص المشرع المصرى على التمييز بين دعاوى الحيازة واعطاء كل منها اسماً خاصاً .
وقد نظم القانون المصرى دعاوى الحيازة في المجموعة المدنية وخصص لها المواد 958 وما بعدها من هذه المجموعة . وأضاف إلى هذه المواد مادة وحيدة أوردها في مجموعة المرافعات هي المادة 44 من هذه المجموعة ، وفيها قرر قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة (أيا كانت) وبين دعوى الحق.
وفى تنظيم القانون المصرى لدعاوى الحيازة أورد المشرع نصوصاً متميزة تحكم كلاً من الدعاوى الثلاثة التى عرفت فى فرنسا . وهى دعوى منع التعرض ودعوى إسترداد الحيازة ودعوى وقف العمل الجديد .
شروط دعاوى الحيازة :
ترمی دعوى الحيازة - أيا كانت - إلى حماية الحيازة . ويعرف القانون صورة ثلاثة من هذه الدعوى ، وهذه الصور في الواقع تعتبر دعاوی متميزة لأن كلاً منها يناسب نوع الاعتداء الذي يقع على الحيازة والذي يبرر حماية قضائية مختلفة لمواجهة هذا الاعتداء ، على أن بعض التشريعات كالتشريع المصرى لا يميز بين الدعاوى الثلاثة فقط على أساس أن كلاً منها ينشأ عن نوع متميز من الاعتداء على الحيازة ، بل إنه يجعل بعض هذه الدعاوى يحمى «حيازة» تختلف عن «الحيازة» التي تحميها الدعاوى الأخرى.
ومع ملاحظة هذه الفروق بين الدعاوى الثلاثة ، فنحن نؤثر دراسة شروطها مجتمعة وذلك حتى نتمكن من إيضاح أوجه الشبه بينها وهي كثيرة ، مبرزين في نفس الوقت ما يوجد بينها من تباين.
والواقع أننا إذا تأملنا هذه الشروط ، لتبين لنا أنها نفس الشروط التي يجب توافرها لنشأة أية دعوى قضائية ، وهي - كما قدمنا :
1- وجود حق أو مركز قانوني
2- إعتداء
3- صفة في الدعوى .
وتكون دراستنا لشروط دعاوى الحيازة تطبيقاً لهذه الشروط العامة على دعاوی مسماة نظمها القانون . وهذي الشروط هي:
الشرط الأول : حيازة لحق عيني على عقار :
وهذا هو المركز القانوني الذي تحميه دعاوى الحيازة . ولكن أية حيازة تكون محلاً للحماية بدعاوى الحيازة ؟ من المعروف أن هناك نوعين من الحيازة . حيازة قانونية وحيازة مادية.
أما الحيازة القانونية فهي تلك الحيازة التي تنطوي على عنصرين :
1- عنصر مادي وهو القيام بالأعمال المادية التي يقوم بها عادة صاحب الحق ، كزراعة الأرض الزراعية أو تسوير الأرض الفضاء أو سكنى المنزل . فإذا كان العمل المادي ليس من الأعمال التي يقوم بها عادة صاحب الحق ، وإنما من تلك التي يمكن أن يقوم بها صاحب الحق أو أي شخص غيره ، فإنه لا يكفي لتكوين العنصر المادي . ولهذا فإن مجرد مرور الشخص في أرض جاره لا يجعله حائزاً لحق ارتفاق بالمرور ، إذ هذا المرور يمكن أن يقوم به أي شخص على سبيل التسامح الذي يجري به العرف من قبل صاحب الأرض . ولا يجب أن تتم الأعمال المادية بواسطة الحائز بنفسه ، فيمكن أن تتم منه أو من غيره ممن يأتمر بأمره أو يعمل لحسابه كأحد عماله أو أولاده . وذلك كما هو الحال تماماً بالنسبة للأعمال المادية التي يقوم بها صاحب الحق . كما أن العنصر المادي يمكن أن يتوافر فيمن يستمد حقاً من الحائز . فالمالك يبقى حائزاً للعقار ولو كان قد أجره لآخر.
2- عنصر معنوي وهو أن يكون الشخص في قيامه بالأعمال المادية يقوم بها باعتباره صاحب الحق على العقار محل الحيازة فإذا كان يقوم بهذه الأعمال باعتبار آخر فلا يتوافر هذا العنصر ، ولا تتوافر بالتالى الحيازة القانونية.
أما الحيازة المادية فهي التي يتوافر فيها العنصر المادي دون العنصر المعنوي .
ومن المقرر في القانون المصري أنه يجب التفرقة بالنسبة لحماية نوعی الحيازة بين دعاوى الحيازة المختلفة . فكل من دعوى منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة تحمي الحيازة القانونية ، دون الحيازة المادية.
أما دعوى إسترداد الحيازة فإنها تحمي الحيازة سواء كانت قانونية أو مادية ولا يستثني المشرع المصرى من هذه القاعدة إلا المستأجر . فيستطيع المستأجر - رغم أن حيازته حيازة مادية - أن يرفع جميع دعاوى الحيازة (مادة 575 مدنی مصری) . وعلة هذا الاستثناء هو ما للمستأجر من وضع خاص بالنسبة لعلاقته بالعين المؤجرة مما يقتضي إفادته من جميع دعاوى الحيازة حماية له في انتفاعه بهذه العين .
ويقع عبء إثبات توافر حيازة قانونية على عاتق المدعى فى دعوى الحيازة على أن القانون خفف على الحائز عبء الإثبات بسبب صعوبة إثبات العنصر المعنوي ، فأقام قرينة قانونية مؤداها أن الحائز المادي يعتبر حائزاً قانونياً حتى يثبت العكس . (المادة 963 مدنی مصری) . وهكذا يكفي الحائز إثبات العنصر المادي في حيازته ، وهو ما يمكن إقامة الدليل عليه بكافة طرق الإثبات . وعندئذ يعتبر الحائز المادی حائزاً قانونياً حتى يقيم المدعى عليه الدليل على أنه لا تتوافر لدى المدعي العنصر المعنوي.
وأوصاف الحيازة محل الحماية :
لكي تحمي الحيازة - بالتحديد السابق - بدعاوى الحيازة يجب أن تتوافر فيها أوصاف معينة (949 مدنی) هي :
(أ) أن تكون الحيازة مستمرة :
أي أن تستمر الأعمال المكونة للحيازة على النحو الذي يتفق مع طبيعة العقار محل الحيازة . ولا يجب على الحائز أن يستعمل العقار دون انقطاع بل يكفي أن يستعمله كما يستعمله المالك في العادة وعلى فترات متقاربة منتظمة . فإذا كان مدعی الحيازة يستعمله من وقت لأخر على عكس ما يقوم به عادة صاحب الحق، فإنه لا يعتبر حائزاً.
ووفقاً للمادة 961 مدنى مصرى يجب لقبول دعاوى الحيازة أن تستمر الحيازة مدة سنة . وعلة هذا الشرط هو أن الحيازة يجب ألا تحمي إلا إذا كانت قد استقرت لفترة معقولة . وتحسب مدة السنة من وقت بدء الأعمال التي تكون الحيازة القانونية حيث تشترط هذه الحيازة . فإذا كان شخص يحوز العقار باعتباره مرتهناً ثم اشتراه فأصبح يحوزه باعتباره مالكاً ، فإن مدة السنة تبدأ من الوقت الذي بدأت فيه حيازته بهذا الوصف الأخير . ويستطيع الحائز أن يضم إلى مدة حيازته مدة حيازة سلفه (955 مدنی)، فإذا ورث شخص عقاراً فإنه يستطيع أن يرفع دعوى منع التعرض على أساس شرط السنة بضمه مدة حيازته إلى مدة حيازة مورثه . ومن ناحية أخرى . يستطيع الحائز أن يحسب في مدة السنة الفترة التي يحوز فيها بواسطة غيره . فإذا كان شخص يحوز عقاراً وأجره إلى آخر لبضعة شهور فإنه يستطيع أن يرفع الدعوى على أساس ضم المدة التي يحوز المستأجر فيها العقار . ومدة السنة هذه تقبل الانقطاع . فإذا انقطعت ، فلا تحسب السنة إلا من زوال سبب الانقطاع . ولا تدخل في الحساب الفترة التي سبقت قيام هذا السبب . ومن أسباب الانقطاع تخلى الحائز عن حيازته .
ويقع على مدعى الحيازة عبء إثبات استمرار حيازته مدة العام السابق على الاعتداء على الحيازة ، ويكفيه في سبيل هذا أن يثبت بدء حيازته وأنه كان حائزاً عند وقوع الاعتداء ، فتفترض حيازته في الفترة بين الواقعتين.
ويجب توافر شرط السنة بالنسبة لجميع دعاوى الحيازة بما فيها دعوى استرداد الحيازة ، على أنه بالنسبة لهذه الدعوى الأخيرة لا حاجة لهذا الشرط في حالتين (مادة 959) هما :
1- حالة فقد الحيازة بالقوة ، أي بالإكراه ، ويستوي أن تستعمل القوة بالفعل أو يهدد باستعمالها.
2- حالة فقد الحيازة بغير القوة ، ولكن تبين أن حيازة الحائز الذي لم يحز مدة سنة أحق بالتفضيل من حيازة المعتدي . وهي تكون أحق بالتفضيل إذا كانت تستند دون الأخرى إلى سند قانوني أيا كانت أسبقية حيازة أي منهما أو - عند تعادل سندات الخصوم - إذا كانت هي الأسبق في التاريخ ، وذلك سواء كان سندها سابقة على سند الحيازة الأخرى أو لاحقاً له . وعلة هذا الإستثناء بالنسبة لدعوى الاسترداد أن هذه الدعوى ترمي إلى حماية الأمن والنظام الذين يتأذيان بغصب الحيازة أيا كانت مدتها ، خاصة إذا كان هذا الغصب قد تم بالقوة.
(ب) أن تكون الحيازة هادئة :
ومعنى هذا أن تكون الحيازة غير مشوبة بعنف أو بإكراه أو باضطراب. ولهذا ، فإنه إذا كانت الحيازة محل ادعاءات متكررة ، لم تستقر لصاحبها ، فإنها لا تستحق الحماية . وكذلك الأمر إذا كانت الحيازة قد اكتسبت بالقوة ، وظل الحائز مستعملاً القوة للاحتفاظ بها . فإذا كانت الحيازة قد اكتسبت بالقوة ، ولكن احتفظ بها الحائز بعد ذلك بهدوء ، فإنه يمكن قبول دعوى الحيازة .
(جـ) أن تكون الحيازة ظاهرة :
بأن تكون الأعمال المكونة لها علنية وليست خافية . والمقصود بالخفاء هو عدم ظهور أفعال الحائز الدالة على سيطرته على الشيء . وعلة هذا الشرط هي أن يستطيع من يحتج عليه بالحيازة أن يعلم بها فينازعها إن أراد . ولهذا فإنه لا يجب أن يعلم المدعى بالحيازة علم اليقين ، بل يكفي أن تكون من العلانية بحيث يستطيع العلم بها.
على أن الحق قد لا يقبل بطبيعته سوى الحيازة غير المستمرة أو الحيازة الخافية . ومن هذا القبيل الارتفاقات غير المستمرة مثل الارتفاق بالمرور أو بالشرب أو الارتفاقات غير الظاهرة مثل الارتفاق بعدم البناء . وعندئذ لا تكون حيازته محلاً للحماية بدعاوى الحيازة ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا أن تكون هذه الحيازة ثابتة في سند اتفاقی أو قانوني . فإذا كان السند اتفاقياً فإنه يجب أن يكون صادراً من مالك العقار الخادم وأن يكون كافياً لمنح الارتفاق محل الادعاء . أما إذا كان أساس الإرتقاق هو نص القانون ، فيجب أن يتأكد القاضي من توافر الشروط التي يتطلبها القانون لنشأة هذا الارتفاق . ويقوم مقام السند - اتفاقياً أو قانونياً - إقرار صاحب العقار الخادم بوجود الارتفاق ولو كان هذا الإقرار ضمنياً .
(د) أن تكون الحيازة واضحة :
أي خالية من الإلتباس وهذا الوصف يتعلق بالعنصر المعنوي للحيازة ، بمعنى أنه يجب أن يكون من الواضح أن الحائز يقوم بالأعمال المادية المكونة للحيازة لحساب نفسه باعتباره صاحب الحق . ولهذا فإنه إذا توفي شخص وترك عقاراً له في حيازة أحد الورثة ، واستمر الوارث في حيازة العقار فإن هذه الحيازة تكون غامضة إذ لا يعرف ما إذا كان الوارث يحوز العقار باعتباره جزءاً من التركة أم يحوزه بصفته الشخصية باعتباره مالكاً له. وتبدو الحيازة غامضة عادة في حالة الحيازة المشتركة من شخصين ، إذ لا يعرف بالدقة ما إذا كان كل منهما يحوز لحساب نفسه أو لحساب الشخص الآخر أيضاً . على أنه ليس معنى ما تقدم عدم جواز حماية حيازة الملك الشائع . فلمالك العقار على الشيوع إذا وضع يده على جزء مفرز من العقار أن يحمي حيازته في مواجهة الاعتداء الذي يحدث لها سواء من الغير أو من الملاك الآخرين على الشيوع ، أو ممن تلقى الحيازة عنه.
واتصاف الحيازة بالهدوء والظهور والوضوح مسألة نسبية ، بمعنى أنه لا يستطيع أن يتمسك بتعييب الحيازة لعدم اتصافها بأحد هذه الأوصاف إلا الشخص الذي وجد العيب في مواجهته ، ولهذا إذا كانت الحيازة مشوبة بعنف بالنسبة لشخص ، فإن لهذا الشخص وحده التمسك بهذا العيب دون غيره ممن تكون الحيازة هادئة بالنسبة له ، وهكذا بالنسبة لباقي الأوصاف (المادة 949 / 2 مدنی مصری) .
وحيث يجب أن تستمر الحيازة مدة سنة ، لقبول الدعوى ، فإن مدة السنة هذه لا تحسب إلا من الوقت الذي تتوافر في الحيازة الأوصاف سالفة الذكر ، أي من الوقت الذي تصبح فيه هادئة وعلنية وخالية من الالتباس .
والأصل في الحيازة أنها سليمة ، فلا يقع على عاتق الحائز إثبات توافر هذه الأوصاف ، بل يقع على عاتق الطرف الآخر إثبات وجود العيب الذي يدعيه في الحيازة.
وتقدير توافر أوصاف الحيازة يعتبر مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض متى أقامت محكمة الموضوع قضاءها على أسباب سائغة.
محل الحيازة التي يحميها القانون :
لا تحمی دعاوى الحيازة سوى حيازة حق عيني أصلي على عقار . أما حيازة الحق الوارد على المنقول فإنها لا تخضع بذاتها للحماية القانونية بواسطة دعوى خاصة . وعلة هذا من ناحية أنه في غالب الأحيان الحيازة في المنقول سند الحق ، وبهذا تختلط الحيازة بالحق ، ولا يكون هناك محل النوعين من الدعاوى لحماية كل منهما على انفراد . ومن ناحية أخرى ، ففي الحالات التي لا تسري فيها هذه القاعدة كما في حالة سرقة المنقول أو ضياعه ، رأي القانون قصر حماية المنقول على دعوى الحق ، وذلك على أساس قلة هذه الحالات . ولا يحمي المنقول بدعوى الحيازة سواء كان مادية أو معنوية ، وسواء كان منفرداً أو ضمن مجموعة من المال.
وإذا وردت الحيازة على حق عيني على عقار ، فإن دعوى الحيازة يمكن أن تنشأ بالنسبة لأي عقار سواء تعلق الأمر بعقار بطبيعته أو بعقار بالتخصيص أو بعقار يعتبر منقولاً حسب المال. ومن ناحية أخرى، فإن دعاوى الحيازة تحمي الحق العيني الأصلي على العقار أياً كان هذا الحق سواء كان حق الملكية أو الانتفاع أو الارتفاق ... الخ . فالأمر لا يقتصر على حيازة الملكية .
على أنه يشترط في العقار محل الحيازة أن يكون من العقارات التي يمكن أن تكون محلاً للتملك - أو لحق عيني أصلي أيا كان - بوضع اليد من الحائز . ولهذا فإنه لا يجوز رفع دعوى منع التعرض بشأن الأموال العامة أو الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة أو المؤسسات العامة أو الهيئات العامة أو شركات القطاع العام أو الأوقاف الخيرية التي لا يجوز کسب أي حق عيني عليها أو الأراضي الصحراوية التي تشغلها القوات المسلحة كمناطق عسكرية . وعلة هذا المنع أن الحيازة إنما تحمي في الأصل باعتبار الحائز هو في الغالب صاحب الحق . ويترتب على هذا أيضاً أن دعاوى الحيازة لا تنشأ بالنسبة للعقارات التي تعتبر في حكم ملك الله كالمساجد والأضرحة المقامة بها. فهذه لا يجوز للأفراد تملكها، وبالتالي فإن حيازتهم لها لا يمكن أن تكون محلاً للحماية بدعاوى الحيازة . على أنه يلاحظ أن الدولة أو للهيئة العامة أن تحمي حيازتها بدعاوى الحيازة - إذ العلة غير متوافرة بالنسبة لها . ومن ناحية أخرى . فإن لمن منح امتياز من الدولة لإستغلال أرض مملوكة ملكية خاصة أو عامة أو منح ترخيص بالانتفاع بها أن يرفع دعوى الحيازة حالاً محل الدولة .
وقد جرى بعض الفقهاء على التعبير عن هذا الشرط بالقول بأنه يجب أن يكون العقار محل الحيازة مما يمكن تملكه بالتقادم مما يعني أنه إذا منع القانون اكتساب حق عيني على عقار بالتقادم ، فلا يكون العقار محلاً للحماية بدعوى الحيازة ، ولو كان الحق يمكن اكتسابه على هذا العقار بطريق آخر . والواقع أنه ليس في طبيعة دعاوى الحيازة ، ولا في نصوص القانون ما يوجب أن يكون العقار محل الحماية بها من العقارات التي تكتسب بالتقادم . فكل ما يجب هو إمكان تملك العقار أو ترتيب حق عيني عليه . ولهذا يمكن حماية العقار بدعوى الحيازة إذا توافر هذا الشرط ولو كان لا يمكن تملكه بالتقادم .
ولا يحول دون صحة ما نقوله اشتراط توافر العنصر المعنوي في الحيازة . فهذا العنصر لا علاقة له بالحق محل الحيازة . وإنما يتعلق بنية الحائز .. وهو يعني - كما قدمنا - أن يكون الحائز وهو يحوز العقار يحوزه باعتباره صاحب الحق .
ثانياً : الشرط الثاني اعتداء على الحيازة :
يتنوع الاعتداء الذي يحدث للحيازة . فقد يكون الاعتداء حالاً وقد يكون محتملاً ، وفي الحالة الأولى ، قد يكون الاعتداء مجرد تعرض قانوني للحائز في حيازته وقد يكون تعرضاً مادياً . والتعرض المادي قد يصل إلى حد سلب الحيازة من الحائز ، وقد لا يصل إلى هذا المدى . فإذا كان الاعتداء الحال قانونياً ، أو كان مادياً لم يصل إلى حد سلب الحيازة ، كان للحائز أن يحمى حيازته بدعوى منع التعرض . وإن كان التعرض المادي قد وصل إلى حد سلب الحيازة فإن الدعوى التي تحمي الحائز هي دعوى استرداد الحيازة . أما إذا كان الاعتداء غير حال ، ولكنه محتمل ، فإن الحائز له أن يحمي حيازته بدعوى وقف الأعمال الجديدة . وذلك كله على التفصيل التالي :
(أ) الاعتداء الذي ينشئ دعوى منع التعرض :
يجب لنشأة دعوى منع التعرض أن يوجد تعرض . ويعتبر تعرضاً كل واقعة مادية أو قانونية تتضمن مباشرة أو بطريق غير مباشر ادعاء يتعارض مع حيازة الحائز . ومن هذا التعريف يتضح أن التعرض اللازم لنشأة الحق في دعوى منع التعرض قد يكون :
1- تعرضاً مادياً : ويتكون من واقعة مادية تتضمن ادعاء يتعارض مع حيازة الحائز ومن أمثلته: إقامة بناء على الأرض - زراعة الأرض إذا كانت أرضاً زراعية - المرور على الأرض الفضاء أو تسويرها . والتعرض المادي قد يكون مباشرة وقد يكون غير مباشر . ويعتبر التعرض مباشراً إذا كان يتكون من أعمال مادية يقوم بها شخص على العقار الذي يحوزه الحائز . أما التعرض غير المباشر فهو الذي يكون نتيجة أعمال مادية يقوم بها شخص على عقار يحوزه هو وتعتبر اعتداء على حيازة عقار آخر . مثال: إذا کان لعقار ارتفاق على عقار مجاور ، فقام حائز هذا العقار الأخير بأعمال من شأنها منع حائز العقار الأولى من الانتفاع بحيازة حق الارتفاق.
ويثير التعرض المادي كشرط لدعوى منع التعرض مشكلة بالنسبة لمداه .
فهل يمكن أن يصل هذا التعرض إلى حد سلب الحيازة ؟ في رأي كثير من الفقهاء أنه يمكن أيضاً رفع دعوى منع التعرض في هذه الحالة . فهذه الدعوى ترفع حتى في الحالة التي يصل فيها التعرض إلى حد السلب الكامل للحيازة .
ويستند هذا الرأي إلى أن دعوى منع التعرض تعتبر هنا مقبولة من باب أولى . على أننا نرى على العكس أنه في حالة سلب الحيازة ، لا تنشأ للحائز دعوى منع التعرض ، وإنما تنشأ له دعوى أخرى هي دعوى استرداد الحيازة . فالدعوى إنما توجد لحماية الحيازة من الاعتداء عليها ، وهي توجد حسب الحاجة لرد هذا الاعتداء . فإذا حدث سلب للحيازة فإن الحاجة للحماية القضائية تكون في حاجة الحائز لاسترداد حيازته ، وليس لمجرد الحصول على حكم بمنع التعرض .
2- تعرضا قانونياً : ويتكون من عمل قانونی - غير مصحوب بوقائع إعتداء مادية - يتضمن ادعاء يتعارض مع حيازة الحائز . ويستوي أن يكون هذا العمل قضائياً أو غير قضائي . ولهذا يعتبر تعرضاً قانونياً : إرسال انذار لمن يحوز حائطاً بعدم إجراء أي تعديل في حالته بدعوى أنه حائط مشترك ، أو إرسال إنذار من شخص إلى مستأجر لعقار غيره أو المزارع فيه بوجوب دفع الأجرة لمرسل الانذار ، أو رفع دعوى حيازة على الحائز ، فهذه الدعوى تتضمن إدعاء الحيازة من المدعي وهو ما يعني إنكار المدعى لحيازة المدعي عليه . وفي هذا المثال الأخير تنشأ للمدعى عليه هو الآخر دعوى حيازة ضد المدعي . ويفصل القاضي في الدعويين معاً .
وقد اعترض البعض على فكرة التعرض القانوني کسبب لنشأة دعوى منع التعرض وذلك على أساس أن هذا التعرض لا يعتبر إلا اعتداء على العنصر المعنوي في الحيازة ، أما العنصر المادي فلم يصبه أي اعتداء ، والحيازة تتكون من العنصرين معاً . وقد قيل - رداً على هذا الاعتراض - أن كل تعرض قانوني ينطوي على تعرض مادی غير مباشر لأنه ينبئ عن احتمال تعرض مادی . ونحن نعتقد أن هذا الاعتراض لا أساس له في ذاته، لأنه ما دامت الحيازة التي تحمي بدعوى منع التعرض هي الحيازة القانونية بعنصريها المادي والمعنوي ، فإن أي اعتداء ولو انصب على العنصر المعنوي وحده يعتبر اعتداء على الحيازة ويؤدي إلى نشأة دعوى منع التعرض .
وسواء كانت الواقعة مادية أو قانونية ، فإنها لا تعتبر تعرضاً للحيازة إلا إذا تضمنت إدعاء حيازة أو حق يتعارض مع حيازة الحائز . فإذا لم تكن تتضمن مثل هذا الادعاء ، فلا تكفي لنشأة دعوى منع التعرض . ولهذا إذا حدث مثلاً أن دخل شخص حديقة جاره دون إذنه ، وجمع بعض ثمارها فإن هذه الواقعة إن كونت فعلاً ضاراً ينشىء دعوى التعويض ، فإنها لا تعتبر تعرضاً ينشىء دعوى منع التعرض ، ونتيجة لهذا من المقرر:
(أ) أن رفع دعوى الحق على الحائز لا يعتبر تعرضاً قانونياً للحائز . ذلك أن رفع هذه الدعوى لا يتضمن أي ادعاء يتعارض مع حيازة المدعي عليه ، بل على العكس يمكن أن يعتبر تسليماً بحيازته .
(ب) لا يعتبر تعرضاً قانونياً مجرد المزاعم الشفوية التي قد تصدر من شخص بشأن حيازة عقار ما ، أو مجرد التخرصات الفارغة التي لا تنطوي على أي ادعاء جاد يحمل معنى التعرض الحقيقي للحيازة .
على أنه ليس معنى ما تقدم أن الواقعة لا تعتبر تعرضاً إلا إذا ثبت أنها تتضمن إرادة صريحة في معارضة حيازة الحائز ، فالواقعة قد تفصح في ذاتها عن هذه المعارضة ، وعندئذ يكفي ثبوت الواقعة لتوفر ركن الاعتداء . فالمهم إن ليس هو إرادة التعرض وإنما أن تتضمن الواقعة - بطريق مباشر أو غير مباشر - ما يتعارض مع حيازة الحائز .
واستخلاص حصول التعرض أو نفيه مما يستقل به قاضي الموضوع متى كان استخلاصه سائغاً ومؤدياً للنتيجة التي انتهى إليها.
ومن ناحية أخرى، يستوي أن تكون الواقعة قد تمت استعمالاً لحق أو بغير حق . فإذا قام صاحب الحق الموضوعي بأي عمل مما يخوله حقه القيام به ، وكون هذا العمل منازعة لحيازة الحائز ، فإنه يعتبر تعرضاً يخول الحائز دعوى منع التعرض . ولا تستثنى من هذه القاعدة إلا حالتان :
1- الأعمال التي تتم تنفيذاً لحكم قضائي صادر ضد الحائز . وذلك سواء صدر الحكم في دعوى حق أو في دعوى حيازة . وذلك لأن أساس القاعدة هو وجوب حماية الحيازة ضد صاحب الحق احتراماً لمبدأ عدم تقاضي الشخص حقه بنفسه ، فلا يمكن أن تنطبق إذا حصل الشخص على حكم من القضاء . على أنه يجب أن يكون الحائز طرفاً في الخصومة التي انتهت بالحكم . فإذا لم يكن طرفاً فيها ، فإن تنفيذ الحكم ضده يعتبر تعرضاً له في حيازته يخوله الحق في الدعوى .
2- أعمال التعرض المستندة إلى قرار إداري . فهذه لا تنشئ دعوی حيازة لمنع التعرض . وعلة هذا أن دعوى منع التعرض تؤدي إلى الحكم لمصلحة صاحبها بوقف تنفيذ هذا القرار . وهو ما يخرج عن ولاية جهة المحاكم .
وقد يحدث التعرض بأعمال لم تكن تكون تعرضاً لصدورها ممن لا يعارض حيازة الحائز ، ثم تصبح كذلك بإعلان من المتعرض يحوله من مقر بحيازة الحائز إلى معارض لها . وعندئذ يبدأ الاعتداء من لحظة هذا الإعلان ، ولا يجب أن يوجه الإعلان إلى الحائز فيكفي إعلانه إلى الكافة . ذلك أن التعرض إنما يكون للحيازة وليس لشخص الحائز .
وأخيراً ، فإن دعوى منع التعرض تنشأ بحدوث التعرض ، سواء ترتب على هذا التعرض ضرر للحائز أو لم يترتب أي ضرر . والواقع أنه لا علاقة بين واقعة التعرض وواقعة تحقق الضرر، فدعوى منع التعرض ليست دعوى مسئولية ، وإنما هي ترمي إلى حماية الحيازة . وينتج عن هذا أن الضرر ليس شرطاً لازماً ، كما أنه ليس شرطاً كافياً . هو ليس شرطاً لازماً بمعنى أن تحقق التعرض يكفي لنشأة دعوى منع التعرض ، ولو لم يقع أي ضرر للحائز . بل ولو كان التعرض ينطوي على أعمال نافعة له ، كما لو قام شخص بزراعة أرض الحائز . وهو ليس شرطاً كافياً بمعنى أن تحقق الضرر لا يكفي وحده لرفع دعوى منع التعرض ، ما لم يوجد تعرض بالمعنى الذي سبق أن أوضحناه . فإذا وجد كل من التعرض والضرر ، فقد تنشأ دعويان: دعوى منع التعرض ودعوى المسئولية الشخصية إذا توافرت شروطهما.
(ب) الاعتداء الذي ينشئ دعوى وقف الأعمال الجديدة :
يكون للحائز دعوى وقف الأعمال الجديدة ، لحماية حيازته من تعرض محتمل على حيازته . وهذا ما يميز هذه الدعوى عن دعوى الحيازة الأخريين . فهي دعوى وقائية ترمي إلى توقي تعرض لم يحدث بعد . ومثالها: إذا كان الشخص حق ارتفاق بالمطل على عقار جاره ، وبدأ الجار في بناء حائط من شأنه لو ارتفع أن يكون تعرضاً لحيازة المدعي لحق الارتفاق . فيكون للحائز أن يرفع دعوى لوقف هذا البناء.
ومن هذا يبدو أن هذه الدعوى تفترض من ناحية أن يكون العمل الذي يطلب وقفه قد بدأ على عقار المعتدي نفسه وليس على عقار الحائز ، لأنه لو بدأ على عقار الحائز فإن مجرد بدئه يعتبر تعرضاً حالاً للحيازة ينشىء الحق في دعوى منع التعرض ومن ناحية أخرى، فإن دعوى وقف العمل الجديد تفترض أن يكون العمل الذي بدأ من شأنه لو تم أن يكون تعرضاً للحيازة ، فبهذا يكون العمل اعتداء محتملاً على الحيازة . وأخيراً فان هذه الدعوى تفترض بعد نشأتها ألا يتم هذا العمل . ذلك أنه لو تم ، فإنه عندئذ يكون اعتداء حالاً ويكون الحائز في حاجة إلى الحماية بواسطة دعوى منع التعرض التي تنشأ له نتيجة لهذا الاعتداء .
ويقع عبء إثبات بدء العمل الذي يكون اعتداء محتملاً على الحيازة على عاتق المدعي . ولا يكفي إثباته بدء هذا العمل ، بل يجب أن يثبت أنه عند تمامه في المستقبل سيكون تعرضاً لحيازته .
وقد جرى الفقه على اعتبار دعوى وقف الأعمال الجديدة استثناء على ما يشترط في المصلحة في الدعوى من أن تكون مصلحة حالة. فهنا المصلحة محتملة ومع ذلك تعتبر كافية . وقد سبق أن بينا فساد هذا الرأي . فالمصلحة لا يمكن إلا أن تكون مصلحة حالة . وهي هنا مصلحة الحائز الحالة في الحصول على حكم بوقف العمل الجديد . وإنما يرد وصف الاحتمال على الاعتداء الذي ينشىء الحق في الدعوى ، فهنا الاعتداء على الحيازة وهو التعرض لها محتمل لم يحدث بعد .
وتؤدي دعوى وقف العمل الجديد لمواجهة التعرض المحتمل إلى تحقيق حماية لا تحققها للحائز دعوى منع التعرض . إذ لا تكون له هذه الدعوى الأخيرة إلا إذا حدث تعرض بالفعل ، فيضطر الحائز إلى الانتظار حتى يقع التعرض بالفعل . وليس في منح هذه الحماية للحائز أي إضرار بمصلحة الطرف الآخر ، فمن مصلحة المتعرض أن يعرف مقدماً قبل أن يتم عمله ما إذا كان عند إتمامه يعتبر تعرضاً أم لا، وذلك حتى لا يلزم بعد هذا بإزالة العمل بعد إتمامه .
(ج) الاعتداء الذي ينشئ دعوى استرداد الحيازة :
لا يكفي لنشأة دعوى إسترداد الحيازة وقوع تعرض أيا كان لحيازة الحائز ، وإنما يجب أن يبلغ هذا التعرض درجة نزع يد الحائز أي فقد الحيازة .
ففقد الحيازة هو وحده الذي يؤدي إلى نشأة الحق في دعوى لرد هذه الحيازة التي فقدت . والأمثلة كثيرة أبسطها قيام شخص بوضع يده على أرض في حيازة آخر .
ويشترط لكي يؤدي فقد الحيازة إلى نشأة هذه الدعوى ، أن يكون هذا الفقد قد تم نتيجة لعمل لا سند له من القانون، ولهذا إذا أدى تنفيذ الحكم جبراً إلى فقد الحيازة ، فإن من فقد الحيازة نتيجة هذا التنفيذ لا تكون له دعوی استرداد الحيازة .
وإذا توافر هذا الشرط . فلا يشترط بعد هذا أن يكون سلب الحيازة مصحوباً بإيذاء أو تعد على شخص الحائز، كما لا يشترط أن يكون مقترناً بالعنف أو بالإكراه . وقد ذهب البعض إلى وجوب أن يكون فقد الحيازة بالعنف ، أي أن يكون هناك غصب بالقوة للحيازة . ويستند هذا الرأي إلى أن دعوى استرداد الحيازة إنما كانت في القانون السبب لرد الحيازة التي تغتصب بالقوة. وذهب البعض الآخر إلى وجوب أن يكون الفقد بالعنف أو بأية وسيلة أخرى من شأنها أن يقوم لدى المعتدى عليه الحق في الدفاع الشرعي عن ماله.
ولكن الرأي الراجح هو أن نشأة دعوى استرداد الحيازة ترتبط بمجرد فقد الحيازة سواء كان هذا الفقد مصحوباً بالعنف أو بالإكراه أم حدث بالحيلة والخديعة . فالمهم هو أن يكون فقد الحيازة ضد إرادة الحائز ، ولو المفترضة . وهذا هو الرأي الذي أخذت به المجموعة المدنية المصرية بنصها في المادة 959 منها على وجوب أن يكون الحائز قد حاز العقار لمدة سنة قبل سلب الحيازة إلا إذا كانت الحيازة قد فقدت منه بالقوة أو كانت أحق بالتفضيل . وهو ما يفهم منه إمكان نشأة الدعوى ولو تم الفقد بغير قوة مع الخلاف في الشروط.
الشرط الثالث : الصفة في دعوى الحيازة :
تتحدد الصفة في الدعوى - كما قدمنا - بتحديد صاحب الحق في الدعوى ، وتحديد من تنشأ الدعوى في مواجهته .
أما تحديد صاحب الحق في دعاوى الحيازة ، فلم يثر مشكلة: فهو الحائز الذي أعتدي على حيازته أياً كانت صورة الاعتداء . ويجب أن تتوافر فيه صفة الحائز وقت حدوث الاعتداء . وتنتقل الدعوى إلى خلف الحائز أياً كان سبب الخلافة وفقاً لما تخضع له الدعاوى بصفة عامة .
أما تحديد من تنشأ في مواجهته دعاوى الحيازة ، فقد أثار بعض التردد في الفقه . فدعوى الحيازة دعوى عينية ولهذا فإنها ترفع ضد المعتدى على الحيازة وأيضاً ضد أي شخص انتقلت إليه حيازة العقار من المعتدي. فإذا قام شخص ببدء عمل على عقاره من شأنه لو تم أن يعتبر تعرضاً لحيازة جاره ، فإن دعوى وقف الأعمال الجديدة تنشأ ضد هذا الشخص وأيضاً ضد من يشتري منه عقاره . كذلك إذا اغتصب شخص عقاراً من آخر ، فإن لهذا الأخير دعوى استرداد الحيازة ضد المغتصب ، وأيضاً ضد أي شخص تنتقل إليه حيازة العقار ولو كان حسن النية . ومن ناحية أخرى، فكن دعوى الحيازة دعوى عينية ، فإنها لا توجه ضد المغتصب إذا زالت صلته بالعقار ، كذلك لا توجه إلى ورثته ممن لا علاقة لهم بالعقار .
على أن البعض يرى أن دعوى استرداد الحيازة - على خلاف دعاوی الحيازة الأخرى - لا تعتبر دعوى عينية وإنما هي دعوى شخصية ترمي إلى تعويض الضرر الذي أحدثه غصب الحيازة . وأن هذا التعويض يتم بإعادة الحيازة إلى من فقدها . ويترتب على هذا التكييف أن دعوى استرداد الحيازة لا تكون في مواجهة من يحوز العقار ، وإنما في مواجهة المغتصب وورثته ولو لم يبق العقار في حوزتهم . ومن ناحية أخرى، فإنها يمكن أن توجه ضد من قام بسلب الحيازة لحساب شخص آخر . ولكن هذا الرأي الأخير يتنافى مع الطبيعة الحقيقية لدعوى استرداد الحيازة باعتبارها دعوى عينية ترمي إلى حماية الحيازة . وقد تنبه القانون المصري إلى هذا الأمر فنص في المادة 960 من المجموعة المدنية ، على أن دعوى استرداد الحيازة ترفع ضد من انتقلت إليه حيازة العقار المغتصب ولو كان حسن النية . وبهذا أكد طبيعتها کدعوى عينية ، شأنها شأن دعاوى الحيازة الأخرى .
ولأن القانون يخول دعوى استرداد الحيازة أيضاً للحائز حيازة مادية ، فإنه بالنسبة لهذه الدعوى يتصور أن يتم سلب الحيازة ليس فقط من الغير وإنما أيضاً من الحائز القانوني . فهل ينشىء هذا السلب دعوى الحيازة ضد الحائز القانوني ؟ يجب التفرقة حسب ما إذا كان الحائز حيازة مادية يحوز لحساب الحائز القانوني أم يحوز لحساب نفسه . في الحالة الأولى ، كما في حالة الوكيل الذي يحوز نيابة عن المالك ، ليس للحائز المادي رفع الدعوى ضد الحائز القانوني . وعلى العكس في الحالة الثانية حيث للحائز المادی مصلحة شخصية في الحيازة ، كما في حالة مستأجر العقار أو مرتهناً حيازياً ، فإن له رفع دعوى استرداد الحيازة ضد الحائز القانونى .
تقادم خاص بدعاوى الحيازة :
يجب أن ترفع دعوى الحيازة خلال سنة (958 مدنی) . فإذا انقضى هذا الميعاد انقضت دعوى الحيازة بالتقادم . ولا يبقى للحائز سوی رفع دعوی الحق أو دعوى التعويض عن العمل غير المشروع إذا توافرت شروط أي منهما وعلة هذه المهلة القصيرة هي أنه إذا لم يسارع الحائز برفع الدعوى ،فإنه يدل بتأخره على أن التعرض لحيازته ليس خطيراً بحيث يخل بالأمن والسلام . وبهذا لا يكون هناك مبرر لحماية حيازته بدعوى الحيازة . هذا فضلاً عن أن المغتصب يكون قد حاز في الغالب حيازة مستقرة تستحق حماية المجتمع .
وتحسب مدة السنة من وقوع الاعتداء . ولا يحسب اليوم الذي يقع فيه الاعتداء ، وإنما تبدأ السنة من اليوم التالي وتنتهي بإنتهاء اليوم الأخير في السنة . ولا يثير الأمر صعوبة إذا حدث الاعتداء بواقعة واحدة ، سواء كانت واقعة مادية أو قانونية . فعندئذ تحسب السنة من اليوم التالى لهذه الواقعة . ومن أمثلة هذا الاعتداء حدوث تعرض قانوني بإنذار يوجه إلى مستأجر العقار بدفع الأجرة إلى المتعرض . ولكن المشكلة تثور إذا كانت هناك أكثر من واقعة تعدي متتابعة صادرة من شخص واحد . فابتداء من أية واقعة تحسب مدة السنة ؟ إذا كانت كل واقعة من الوقائع المتتابعة لا تكون وحدها اعتداء ، وإنما يتكون الاعتداء من مجموع هذه الوقائع ، فيجب القول بأن مدة السنة تحسب من أخر واقعة .
ولكن ما الحل إذا كانت كل واقعة تكون اعتداء على الحيازة ؟ الرأي الراجح هو أن مدة السنة تبدأ من أول واقعة تعتبر اعتداء . ذلك أنه بانقضاء سنة من هذه الواقعة ، دون أن يرفع المدعي الدعوى ، تتبين عدم الحاجة إلى الحماية القضائية للحيازة ، وعدم خطورة الاعتداء على الأمن والسلام . ومن ناحية أخرى، فإن دعوى الحيازة تنشأ هنا منذ أول تعدى ويجب أن تحسب مدة السنة منذ نشأة الدعوى . على أن هذا الحل يفترض أن الوقائع المتتابعة - وأن كون كل منها اعتداء ينشىء الدعوى - هي وقائع مرتبطة تنشيء حالة اعتداء مستمرة صادرة من شخص واحد وبالتالي تنشیء دعوى واحدة لها صفة مستمرة . أما إذا تباعدت أعمال التعرض واستقل بعضها عن بعض أو صدرت عن أشخاص مختلفين ، فكل عمل من هذه الأعمال يعتبر تعرضاً قائماً بذاته . وتتعدد دعاوی منع التعرض بتعدد هذه الأعمال أو الأشخاص الصادرة منهم ، وتحتسب مدة السنة بالنسبة لكل دعوی من تاريخ وقوع التعرض الذي أنشأ هذه الدعوى. كذلك الأمر إذا كان أحد أعمال الاعتداء أكثر خطورة بحيث أدى إلى فقد الحيازة على نحو تنشأ معه دعوى حيازة مختلفة (دعوى استرداد حيازة) ، فإن مدة تقادم الدعوى الجديدة تبدأ من هذه الواقعة .
وتأخذ هذه المشكلة صورة خاصة بالنسبة لدعوى وقف الأعمال الجديدة . ذلك أن سبب هذه الدعوى ليس هو الاعتداء وإنما احتمال الاعتداء . وقد ذهب البعض إلى أن هذا الاحتمال يبقى مستمرة حتى يتم العمل الذي بدأ ، ولهذا يجب أن تبقى دعوى وقف الأعمال الجديدة حتى تمام العمل . ونحن نعتقد أن هذا الرأي ينقل إلى دعوى وقف الأعمال الجديدة الرأي الذي رفضناه بالنسبة لدعاوى الحيازة عموماً . فهو يقوم على أساس أن الواقعة المنشئة للدعوى واقعة متجددة ، وتبدأ مدة السنة من آخر واقعة فيها . ولهذا فإننا نرى أنه بالنسبة لدعوى وقف الأعمال الجديدة يجب القول أيضاً بأن مدة السنة تبدأ من أول واقعة ، أي من بداية العمل الذي عند تمامه يكون اعتداء . وهذا الرأي هو الذي قننه المشرع المصرى بنصه في المادة 962/ 1 من المجموعة المدنية على أن تحسب مدة السنة من يوم البدء في العمل الجديد . ونعتقد أن المشرع المصرى بهذا النص قد حسم الخلاف حول بداية مدة السنة ليس فقط بالنسبة لدعوى وقف الأعمال الجديدة ، وإنما أيضاً بالنسبة لدعاوى الحيازة الأخرى.
على أنه يلاحظ أنه بالنسبة لدعوى وقف الأعمال الجديدة ، لا يؤدي تقادم هذه الدعوى إلى حرمان الحائز من حماية حيازته ، ذلك أنه باكتمال العمل وتكوينه يعتبر العمل تعرضاً للحيازة تنشأ عنه للحائز دعوى جديدة هي دعوى منع التعرض وتبدأ من هذا الوقت مدة التقادم بالنسبة لهذه الدعوى .
ووفقاً للمادة 958 / 1 مدنی ، لا تبدأ مدة السنة بالنسبة لدعوى استرداد الحيازة في حالة فقد الحيازة خفية إلا من اليوم الذي يكتشف فيه الحائز هذا الفقد . ويرجع هذا الحكم إلى القانون الروماني . ولكن هل يفسر هذا النص على أساس بدء الميعاد من يوم الاكتشاف الفعلي لفقد الحيازة من جانب الحائز أو من اليوم الذي كان يستطيع أن يكتشفه فيه وفقاً للحرص العادي للرجل المعتاد ؟ في تقديرنا أنه يجب أن يكون الاعتبار لليوم الأخير . والقول بغير هذا يعنى ترك مسألة تحديد بدء الميعاد لشخص المدعي الذي يستطيع الزعم بأنه لم يكتشف فقد الحيازة إلا في اليوم الذي يناسبه .
ولكن ما هي طبيعة هذا الميعاد المقرر لرفع دعاوى الحيازة ؟ يذهب رأى إلى أن هذا الميعاد هو من المواعيد الإجرائية وبالتحديد مواعيد السقوط . ولهذا فإنه لا يقف أو ينقطع ، وإن كان لا يسري في مواجهة من يستحيل عليه استحالة مطلقة الإلتجاء إلى القضاء ، وجزاؤه السقوط الذي للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه .
على أننا نرى مع فريق آخر من الفقهاء أن هذا الميعاد ميعاد تقادم . فالفارق بين ميعاد التقادم والميعاد الإجرائي هو أن الأول يؤدي إلى انقضاء الحق في الدعوى ، أما الثاني فإنه يؤدي إلى انقضاء أو سقوط حق إجرائي نشأ أثناء الخصومة أو بسببها . وميعاد السنة محل البحث يؤدي انقضاؤه إلى انقضاء الحق في دعوى الحيازة . ويبدو هذا أيضاً من وظيفة كل من الميعادين . فميعاد التقادم يرمي إلى تأكيد مركز واقعي أو قانوني يتعلق بالقانون الموضوعي ، أما الميعاد الإجرائي فإنه يرمي إلى تنظيم استعمال الحقوق الإجرائية في الخصومة . ويترتب على هذا التكييف الذي نأخذ به أن ميعاد السنة يخضع لما تخضع له مواعيد التقادم من أحكام . فهو يسري في حق جميع الأشخاص (مادة 382/ 2 مدنی مصري) ، وهو يخضع لأسباب الوقف والانقطاع التي ينص عليها القانون . وليس للقاضي أن يحكم بالتقادم من تلقاء نفسه .
قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحق ودعوى الحيازة :
من القواعد الأساسية التي تحكم دعاوى الحيازة قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحق ودعوى الحيازة . وترمي هذه القاعدة إلى إبراز رغبة القانون في حماية الحيازة باعتبارها مركزاً قانونياً مستقلاً عن الحق الموضوعي . فلا يجوز الخلط بين الحماية المقررة للحيازة والحماية المقررة للحق . ولا يجوز أن يؤدي وجود هذه الحماية الأخيرة إلى عدم الانتفاع من حماية الحيازة .
والمقصود بدعوى الحق التي لا يجمع بينها وبين دعوى الحيازة ، ليس فقط دعوى الملكية ، بل أيضاً أي دعوى عينية ترد على نفس العقار بل إنه حيث ترفع دعوى الحيازة من الحائز حيازة مادية (وهو ما يجوز في القانون المصري بالنسبة لدعوى استرداد الحيازة وبالنسبة لجميع دعاوی الحيازة التي ترفع من المستأجر) ، فإن إعمال هذا النص العام يقتضى القول بأن عدم الجمع يعني أيضاً عدم الجمع بين دعوى الحيازة وبين دعوى الحق الشخصي ، ذلك أن النص يشير إلى دعوى الحق عموماً وليس فقط إلى دعوى الحق العيني.
وقد جرى الفقه عند شرح هذه القاعدة على النظر لها من ناحية كل من المدعي والمدعى عليه والمحكمة . على أننا نؤثر هذا الاقتصار على بحثها من ناحيتي المدعى والمدعى عليه مرجئين ما يتعلق بالمحكمة إلى الكلام عن الحكم في دعاوى الحيازة .
ويبدو أثر هذه القاعدة بالنسبة لطرفي الحق في الدعوى على النحو التالي :
(أ) إذا رفع المدعي دعوى الحق :
إذا حدث اعتداء على الحيازة ، فبادر الحائز برفع دعوى الحق ، بأن رفع دعوى استحقاق مثلاً ، فإنه يترتب على مجرد رفع هذه الدعوى عدم قبول دعوى الحيازة التي نشأت نتيجة هذا الاعتداء. فليس له بعد رفعه دعوى الحق ، رفع دعوى الحيازة ولو أمام محكمة أخرى.
ويذهب بعض الفقهاء تفسيراً لهذه القاعدة إلى أن «المدعي حينما حصل له التعرض في حيازته كان أمامه طريقان لدفع التعرض طريق دعوى الحيازة وهو طريق سهل ، وطريق دعوى الحق وهو طريق صعب ، فإختياره للطريق الصعب يعتبر نازلاً عن الطريق السهل.
ولكن هذا التفسير غير مقبول ، ذلك أن محل كل من دعوى الحق، ودعوى الحيازة مختلف ، وكذلك الآثار التي تترتب عليهما . فهما ليسا طریقین لنفس الهدف . ومن الأدق بناء هذه القاعدة على أساس أنه برفع دعوى الحق يعتبر المدعي معترفاً اعترافاً ضمنياً بالحيازة لخصمه ، وبالتالى متنازلاً عن حيازته وعن الحماية التي قررها القانون لها . فيسقط حقه في دعوى الحيازة .
ونتيجة لهذه القاعدة لا يستطيع المدعى بالحق أن يرفع دعوى الحيازة سواء أثناء الخصومة في الحق ، أو بعد صدور الحكم في دعوى الحق . على أنه لكي يترتب هذا الأثر يجب توافر شرطين :
(1) أن تكون هناك دعوی حق قد رفعت بالفعل . فلا يترتب الأثر على الإجراءات السابقة على رفع الدعوى ، كما هو الحال بالنسبة لإنذار المعتدى أو تقديم طلب بالإعفاء من رسوم الدعوى . ومن ناحية أخرى ، لا يترتب هذا الأثر إلا إذا كانت الدعوى هي دعوى حق بمعنى الكلمة ، فلا يترتب الأثر على الدعوى الوقتية التي لا تمس أصل الحق والعبرة في تكييف الدعوى بالمطلوب فيها بصرف النظر عن العبارات المستعملة ويعود إلى قاضي الموضوع تحديد التكييف الصحيح للدعوى ، وذلك تحت رقابة محكمة النقض.
(2) أن يكون الاعتداء الذي يراد رفع دعوى حيازة لرده قد حدث قبل رفع دعوى الحق . فإذا رفع شخص دعوى حق ، وبعد رفعه هذه الدعوى ، حدث اعتداء على حيازته ، فإن سبق رفعه دعوى الحق لا يحول دون رفعه بعد ذلك دعوى حيازة لرد هذا الاعتداء الجديد . ذلك لأنه لا يمكن أن يكون عند رفعه دعوى الحق قد تنازل عن دعوى الحيازة التي لم تكن قد نشأت - عندئذ – بعد.
فإذا توافر هذان الشرطان ، ترتب على رفع دعوى الحق سقوط الحق في دعوى الحيازة . وهذا السقوط يترتب على مجرد رفع الدعوى ، ولو حكم بعد ذلك ببطلان صحيفتها أو بعدم الاختصاص بها أو زالت الخصومة فيها لأي سبب قبل الحكم في موضوعها ذلك أن هذا السقوط هو نتيجة اعتبار مجرد رفع دعوى الحق نزولاً عن دعوى الحيازة . ولهذا أيضاً فإنه يحدث بصرف النظر عن نتيجة رفع دعوى الحق أمام القضاء، فسواء خسر المدعي دعوى الحق أو كسبها فليس له رفع دعوى الحيازة.
ويسقط الحق في دعوى الحيازة فقط بالنسبة للمدعي في دعوى الحق ، أما المدعى عليه في هذه الدعوى ، فإنه يحتفظ بحقه في رفع دعوى الحيازة إذا حدث اعتداء على حيازته . ويستوي أن يكون هذا الاعتداء قد حدث قبل رفع دعوى الحق أو بعده . ذلك أنه لم يصدر منه ما يدل على نزوله عن دعوى الحيازة . على أنه إذا أراد المدعى عليه في دعوى الحق رفع دعوى حيازة فإنه يجب أن يفعل هذا بإجراءات مستقلة عن خصومة الحق.
(ب) إذا رفع المدعي دعوى الحيازة :
إذا بادر المعتدى عليه برفع دعوى الحيازة فهل له بعد ذلك أن يرفع دعوى الحق وهل يستطيع المدعى عليه في دعوى حيازة أن يرفع دعوى الحق قبل الفصل في دعوى الحيازة ؟
1- بالنسبة للمدعي : أجاز المشرع المصرى للمدعي في دعوى الحيازة أن يرفع بعدها دعوى الحق . ورتب على رفع هذه الدعوى الأخيرة زوال دعوى الحيازة التي سبق للمدعي رفعها . وعلى هذا إذا رفع المدعي دعوى الحيازة ، فإنه لا يلتزم بالانتظار إلى حين الفصل فيها أو إلى حين صدور حكم في الدعوى قبل الفصل في موضوعها ، وإنما يستطيع - ودعوى الحيازة قائمة - أن يرفع دعوى الحق . وعندئذ يعتبر برفع دعوى الحق متنازلاً عن دعوى الحيازة التي رفعها وبهذا يكون لرفع دعوى الحق نفس الأثر على دعوى الحيازة سواء كانت هذه الدعوى قد رفعت أم لا.
2- بالنسبة للمدعى عليه : إذا رفعت دعوى حيازة على شخص ، فلاشك أنه يستطيع أن يدافع في هذه الدعوى ، ولكن هل يستطيع أن يرفع دعوى الحق ؟ . وفقاً لنص المادة 44 / 2 مرافعات مصري «لا يجوز من المدعى عليه في دعوى الحيازة أن يدفعها بالاستناد إلى الحق ، ولا تقبل دعواه بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة وتنفيذ الحكم الذي يصدر فيها إلا إذا تخلى بالفعل عن الحيازة لخصمه». ويستفاد من هذا النص.
(أ) ليس للمدعى عليه في دعوى الحيازة أن يدافع في هذه الدعوى مستنداً إلى أنه صاحب حق . فكونه صاحب حق لا يخوله الاعتداء على الحيازة . ويكون دفاعه المستند إلى أنه صاحب حق غير مقبول ، لأنه بفرض أنه حقيقة صاحب الحق فلا أثر لهذا الدفاع في دفع دعوى الحيازة . وأساس هذا الحل هو اختلاف مسألة الحق عن مسألة الحيازة ، بحيث لا يصلح إثبات الحق دفاعاً عن الاعتداء على الحيازة .
(ب) ليس للمدعى عليه في دعوى الحيازة أن يرفع دعوى الحق . وإنما عليه أن ينتظر إلى حين صدور الحكم في دعوى الحيازة ، وقيامه بتنفيذ هذا الحكم بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء ودفعه ما حكم عليه من مصاريف قضائية عن دعوى الحيازة وعندئذ فقط يستطيع أن يرفع دعوى الحق ولا يعفيه من وجوب انتظار صدور الحكم في دعوى الحيازة ، إلا أن يقوم بإزالة اعتدائه بأن يرد الحيازة إلى المدعي .
فإذا رفع المدعى عليه في الحيازة دعوى الحق قبل الفصل في دعوى الحيازة وتنفيذه الحكم ، أو قبل تخليه عن الحيازة لخصمه ، فإن دعواه تكون غير مقبولة وتكون كذلك سواء رفعها في صورة طلب أصلي أو طلب عارض على أن مجرد رفع المدعى عليه دعوى الحق لا يعني في ذاته التسليم بالحيازة لمدعيها.
نظر دعاوى الحيازة والحكم فيها :
إذا رفعت دعوى الحيازة - أياً كانت - إلى المحكمة المختصة بها، فيجب عليها أن تقتصر على نظر الحيازة دون التعرض للحق المدعى حيازته . فالحق يعتبر مسألة خارجة عن القضية المعروضة عليها بدعوى الحيازة . ولهذا ليس للمحكمة أن تفصل فيمن يعتبر صاحب الحق ، كما أنه ليس لها، وإن اقتصرت على الفصل في دعوى الحيازة . أن تستند إلى أدلة تتصل فقط بالحق الموضوعي ويترتب على هذا أنه ليس للمحكمة أن تقبل أية أدلة يراد بها إثبات وجود الحق الموضوعي للمدعى أو للمدعى عليه إذ تعتبر هذه أدلة غير منتجة في الدعوى.
على أنه ليس معنى ما تقدم أن حكم القاضي يعتبر معيباً لمجرد استناده إلى أدلة تتعلق بالحق فهذه الأدلة قد تفيد بالنسبة لإثبات توافر أوصاف الحيازة كما يحميها القانون ، طالما أن الهدف منها هو إثبات توافر أوصاف الحيازة التي يحميها القانون وهكذا يمكن التدليل بعقد بيع لإثبات أن الحائز كان يحوز باعتباره مالكاً ، ويمكن الاستناد إلى تنفيذ حكم قضائي يقضي باستحقاق الحق لإثبات بدء الحيازة ، ويمكن تقديم عقود إيجار صادرة من مدعي الحيازة للغير لإثبات وضوح حيازته وهكذا . فالمهم - كما تقول محكمة النقض المصرية: «... لو دعت ضرورة هذا البحث (في الحيازة) للرجوع إلى مستندات حق المالك . فلا يكون ذلك مقصود، لذاته بل يكون على سبيل الاستئناس وبالقدر الذي يقتضيه التحقق من توافر شروط وضع اليد».
فإذا لم تكن الأدلة لازمة لبحث ما يتعلق بثبوت الحيازة ، فليس للمحكمة أن تبني حكمها عليها . ذلك أن حكمها عندئذ يكون مبنياً لا على أساس ثبوت الحيازة بالأوصاف التي يتطلبها القانون أو عدم ثبوتها ، وإنما على أساس ثبوت الحق أو نفيه . وهي مسألة لا علاقة لها بالحيازة.
ونتيجة لما تقدم ، لا يجوز للمحكمة أن تقضي بقبول دعوى الحيازة على أساس ما ثبت لها من أن المدعي هو صاحب الحق المطلوب حيازته ، كما لا يجوز للمحكمة أن تقضي برفض هذه الدعوى استناداً إلى ثبوت الحق للمدعى عليه دون المدعى وقد نصت المادة 44 / 3 مرافعات على هذه القاعدة كالتالي «لا يجوز الحكم في دعوى الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه».
وما يهم هو عدم بناء الحكم في الحيازة على أسباب تتعلق بالحق ، فإذا بني الحكم على أسباب تتعلق بالحيازة ، فلا يعيب الحكم أن توجد في أسبابه بعض التقريرات المتعلقة بالحق مادام الحكم لم يستند إليها إذ تعتبر هذه تزيداً لا تعيبه .
من ناحية أخرى، فإن المحكمة وهي تنظر دعوى الحيازة ليست ملزمة بالرد على ما يثيره الخصوم من وقائع لا تتسع لها دعوى الحيازة . وتطبيقاً لهذا قضى بأنه لا يعيب الحكم - في دعوى منع تعرض - إغفال الرد على دفاع الخصم الذي يثير واقعة احتجاز أكثر من مسكن إذ لا تتسع دعوی الحيازة لهذه الواقعة، أو الذي يتعلق ببطلان سند ملكية البائع للخصم لما في ذلك من مساس بالحق يحظر على قاضي الحيازة التعرض له.
وإذا رأت المحكمة أن شروط دعوى الحيازة المرفوعة إليها متوافرة ، فإنها تقبل الدعوى ، وتصدر حكماً باجابة المدعى إلى طلبه . ويختلف مضمون الحكم باختلاف الدعوى المرفوعة :
(أ) فإذا كانت الدعوى هي دعوى وقف الأعمال الجديدة فإن المحكمة تأمر بوقف هذه الأعمال ، وليس لها أن تتجاوز هذا الأمر إلى الأمر بإزالة ما تم من أعمال . ذلك أن ما تم لا يكون تعرضاً للحيازة وإنما هو لا يعدو أن يكون تعرضاً محتملاً . ويكفي لحماية الحائز أن يقف العمل ، وبالتالي لا يتم التعرض.
وفي هذا الصدد : تنص المادة 962 / 2 مدنی مصری علی أنه «... يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة تكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضماناً لإصلاح الضرر الناشيء من هذا الوقف ، متى تبين بحكم نهائي أن الاعتراض على استمرارها كان على غير أساس ، وتكون في حالة الحكم باستمرار الأعمال ضماناً لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها اصلاحاً للضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي في مصلحته».
ومفاد هذه المادة أن للمحكمة التي تفصل في دعوى وقف العمل الجديد أن تلزم المحكوم له - سواء كان المدعى أو المدعى عليه - بدفع كفالة تقوم هي بتقديرها فإذا كانت قد حكمت لمصلحة مدعى الحيازة بوقف العمل الجديد وألزمته بالكفالة ، فإن هذا الحكم لا ينفذ إلا بعد ايداع الكفالة منه ، وتبقى الكفالة مودعة حتى يفصل نهائياً في النزاع حول الحق . فإن حكم في هذا النزاع لمصلحة مدعي الحيازة استرد ما أودعه ، وأن حكم ضده كان للطرف الآخر أن يرجع على هذه الكفالة للحصول على تعويض الضرر الذي أصابه من جراء وقف العمل الجديد بغير حق . فإذا حكمت محكمة الحيازة لمصلحة المدعى عليه ، فقضت بالاستمرار في العمل الجديد ، وألزمته بدفع كفالة ، فإن الكفالة تبقى أيضاً مودعة حتى يفصل نهائياً في النزاع حول الحق . فإن حكم فيه لمصلحة المدعى عليه في الحيازة استرد ما أودعه ، وإن حكم ضده كان للطرف الآخر أن يرجع على هذه الكفالة للحصول على تعويض الضرر الذي أصابه من جراء الاستمرار في العمل الجديد بغير حق.
وهذا النص معيب لأنه يتجاهل طبيعة دعاوى الحيازة كدعاوی موضوعية تحقق حماية نهائية للحيازة كمركز قانونی يختلف عن الحق . ولا يستقيم هذا النص إلا مع اعتبار دعوى الحيازة دعوى وقتية مساعدة لدعوى الحق ، وهو اعتبار لم يأخذ به القانون المصري.
ولا يستقيم ما يذهب إليه البعض في مصر - تأييداً لنص المادة 962 / 2 مدني - من أن دعوى وقف الأعمال الجديدة في القانون المصري هي دعوى وقتية المطلوب فيها هو الحكم بإجراء وقتي إلى حين الفصل في الموضوع ، وأن الموضوع المقصود هنا هو موضوع الحيازة وليس موضوع الحق . فهذا الرأي يتجاهل أن دعوى وقف الأعمال الجديدة في مصر لا تقبل إلا بعد ثبوت الحيازة لرافعها ، فهي لا يفصل فيها قبل الفصل في موضوع الحيازة.
(ب) وإذا كانت الدعوى هي استرداد حيازة ، فإن المحكمة - إذا توافرت شروط الدعوى - تحكم برد الحيازة إلى الحائز.
(ج) أما إذا كانت الدعوى هي دعوى منع التعرض ، فإن الحكم لصالح المدعي يختلف مضمونه حسب نوع التعرض : فإن كان تعرضاً قانونياً ، فانه يكفي لحماية الحيازة مجرد صدور حكم بمنع التعرض . وهو حكم تقريري يؤكد الحيازة للحائز . أما إذا كان التعرض مادياً ، فإن الحكم بمنع التعرض فضلاً عن تأكيده للحيازة يأمر باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإزالة التعرض . فإن كان التعرض قد حدث بوقائع مادية مستمرة صادرة من المتعرض فإن المحكمة تستطيع أن تلزمه بغرامة تهديدية ضماناً لاحترام أمرها له بالكف عن تعرضه . وإذا كان المتعرض قد بني حائطاً أو زرع أشجاراً أو أقام مبنى في العقار ، فإن المحكمة تأمر بإزالة هذا الحائط أو بقلع الأشجار أو بهدم المبنى.
ويلاحظ أن المحكمة في قضائها بحماية الحيازة لا تتقيد بالتكييف الذي يعطيه المدعى لدعواه ، فإن تبين للمحكمة أن ما يطلبه المدعي هو في الواقع دعوى حق وليس دعوى حيازة ، فإنها تنظر في الطلب باعتباره كذلك ومن ناحية أخرى، إذا طلب المدعي منع التعرض وتبين لها أن الدعوى هي دعوى استرداد حيازة وأن شروط هذه الأخيرة متوافرة ، فإنها لا تقضي برفض الدعوى وإنما تحكم برد الحيازة.
وأيا كانت دعوى الحيازة . فإن المحكمة تستطيع - بناء على طلب المدعي - أن تقضي إلى جانب حكمها بحماية الحيازة بالتعويض لصالح الحائز إذا توافرت شروط المسئولية عن العمل الضار.
حجية الحكم في دعاوى الحيازة :
تطبيقاً للقواعد العامة في حجية الأمر المقضى ، للحكم الصادر في دعوى الحيازة حجية الأمر المقضى بالنسبة لما فصل فيه . ونتيجة لهذا إذا رفع شخص دعوى منع التعرض بالنسبة لتعرض معين وخسر الدعوى ، فإنه لا يستطيع أن يعود فيرفع نفس الدعوى مرة أخرى وتقتصر الحجية على الدعوى التي فصل فيها الحكم . ولهذا :
(أ) لا حجية لحكم في دعوى الحيازة بالنسبة لدعوى حيازة أخرى إلا فيما يتعلق بالتقرير الذي يتضمنه هذا الحكم . فإذا حكم في الدعوى الأولى بتوافر الحيازة القانونية أو بعدم توافرها فإن لهذا التقرير حجية في الدعوى الثانية التي ترفع على أساس توافر هذه الحيازة أما إذا كانت الدعوى الثانية تستند إلى حيازة مادية فإنها يمكن أن تقبل رغم سبق الحكم بعدم توافر الحيازة القانونية . كذلك إذا حكم في دعوى على أساس أن الحيازة لا تتوافر فيها الأوصاف التي يتطلبها القانون ، فإن لهذا الحكم حجيته ، فلا يجوز رفع دعوى حيازة جديدة لحماية نفس هذه الحيازة أما إذا حكم برفض دعوى استرداد الحيازة على أساس أن الحيازة لم تسلب ، فلا يوجد ما يمنع من رفع منع تعرض على أساس وجود تعرض لم يصل إلى حد سلب الحيازة.
(ب) ليس للحكم في دعوى الحيازة أية حجية بالنسبة لدعوى الحق سواء كان حقاً عينياً أو شخصياً ، ذلك أن دعوى الحق تختلف في محلها عن دعوى الحيازة ولهذا فإن للمحكمة أن تقضى بالحق لمن خسر دعوى الحيازة . ومن ناحية أخرى، فإن للمحكمة وهي تنظر دعوى الحق أن تتجاهل كل ما قرره قاضي الحيازة بالنسبة للاقرارات وغيرها من الأدلة المثبتة للحيازة . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الأول ، الصفحة : 202 )
الأحكام المشتركة بين دعاوى الحيازة الثلاث :
تشترك دعاوي الحيازة الثلاث، في أنها تحمي الحائز سواء كان مالكاً أو غير مالك بالشروط المتعلقة بكل دعوى، وليس للمدعي في إحداها إلا أن يثبت حيازته للعقار محل الدعوى دون أن يطلب منه إثبات ملكيته بما يترتب علي ذلك الإثبات الأخير من تعقيدات، فمتى أثبت المدعي أنه كان حائزاً للعقار كان له أن يسترد حيازته إذا سلبت منه بدعوى استرداد الحيازة، كما له أن يدفع تعرض الغير له بموجب دعوى منع التعرض «م 961»
وأن تمثل الاعتداء علي الحيازة في البدء بأعمال لما تتم فللحائز أن يوقفها بموجب دعوى وقف الأعمال الجديدة «م 962»، ويلجأ الحائز لأي من هذه الدعاوى لحماية حيازة حق الملكية أو حق الانتفاع أو حق الارتفاق أو حق الرهن الحيازي أو حق المستأجر ومتى أثبت الحائز لأي من هذه الحقوق حيازته تعين حمايتها وفقاً لشروط الدعوى التي أقامها وعلى النحو الذي سوف نتناوله فيما بعد.
ودعاوي الحيازة قاصرة على العقار، فيخرج عن نطاقها المنقول لتعذر فصل الحيازة فيه عن الملكية لأن الحيازة في المنقول سند الملكية ويأخذ حكمه المجموع من المال كالتركة ككل، أما عقاراتها فتحمي بدعاوي الحيازة، ولا فرق في اللجوء لدعاوى الحيازة بين مستأجر العقار المملوك للأفراد والمستأجر لعقار مملوك للدولة ملكية خاصة أو المرخص له من الدولة باستعمال مال عام. فلكل هؤلاء حماية حيازتهم بدعاوى الحيازة متى وقع التعرض من شخص لا تربطه بالحائز علاقة تعاقدية فالتعرض الذي يقع من أحد المتعاقدين تحكمه شروط العقد على نحو ما سوف نوضحه بصدد كل من دعاوى الحيازة. ولا تقبل دعوى الحيازة . في حالة الايجار أو الترخيص - إلا من المستأجر أو المرخص له أو من المستأجر من الباطن في حالة موافقة المؤجر على هذا الإيجار وكذلك في حالة التنازل عن الايجار إذا كان المؤجر قد أقره وأيضاً في حالة امتداد الإيجار إلي الزوجة والأولاد والوالدين.
ويترتب على ذلك أن المؤجر إذا تعرض لغير هؤلاء أو سلب منه حيازة العين المؤجرة فإن دعوى هذا الغير تكون غير مقبولة لرفعها من غير ذي صفة فقد أجيزت دعاوى الحيازة استثناء للحائز العرضي وهو من تلقي حقاً شخصياً من شخص يجيز له القانون التصرف في هذا الحق، فيعتبر حائزاً عرضياً المستأجر والمستعير والمرخص له، ومن ثم فلا يجوز لمن ليس له حق شخصي علي هذا النحو أن يلجأ لدعاوي الحيازة، فلا حماية لحيازته سواء بموجب تلك الدعاوي أو بموجب نصوص قانون العقوبات التي لا تحمي إلا الحائز القانوني أو الحائز العرضي صاحب الحق الشخصي. أما عدا هؤلاء فلا تقبل دعواه إلا إذا توافرت بالنسبة له شروط دعاوي الحيازة. ويلحق بحقوق الارتفاق القيود الواردة على الملكية فتحمي بدعاوى الحيازة، كالقيود المتعلقة بالري والصرف من شرب ومجري ومسيل وحق المرور والمطلات فمتى حصل عليها الجار وفقاً لأحكام القانون فأنه يستطيع أن يحمي حيازته لها بجميع دعاوي الحيازة، كما تحمي بها المنشآت أو الغراس المقامة على الأرض أن - كانت ملكيتها منفصلة عن ملكية الارض باعتبار المنشآت أو الغراس عقاراً مستقلاً عن الأرض.
ويجوز للمدعي أن يجمع في صحيفة واحدة بين دعوى استرداد الحيازة ودعوى منع التعرض علي أن يوضح أساس كل منهما، كما له تعديل وصف دعواه من استرداد حيازة الى منع تعرض أو العكس. ولا يكون للحكم الصادر في دعوى استرداد الحيازة قوة الأمر المقضي. ومن ثم يجوز من بعده اللجوء لدعوى منع التعرض.
ويجب ألا يتقيد القاضي بتكييف المدعي لدعواه، إذ له أن يسبع عليها وصفها الحق وتكييفها الصحيح فلا يتعجل بالقضاء بعدم القبول، كما أن لقاضي الأمور المستعجلة الحق دائماً في تحوير الطلبات لمجابهة الخطر المحدق.
تقدير قيمة دعوى الحيازة :
تقدر قيمة دعوى الحيازة بقيمة الحق الذي ترد عليه الحيازة، فان تمثل هذا الحق في حق ملكية أو حق انتفاع أو حق ارتفاق أو حق رهن حيازي ، قدرت قيمة الدعوى بقيمة هذا الحق، فإن تعلقت الدعوى بحماية حيازة حق الملكية قدرت قيمتها بقيمة العقار وفقاً للبندين الأول والثاني من المادة 37 ، وإن تعلقت بحق ارتفاق أو انتفاع قدرت قيمتها وفقاً للبندین سالفي الذكر، أما أن تعلقت بحق رهن حيازي قدرت قيمتها بقيمة العقار وفقاً للبند الأول ، ولما كان حق المستأجر حقاً شخصياً وكانت حيازته للعين المؤجرة حيازة عرضية، إلا أن القانون أجاز له حماية حيازته بأي من دعاوى الحيازة ، وكانت قيمة هذه الدعوى تقدر بقيمة الحق الذي ترد عليه الحيازة وهو الحق الشخصي للمستأجر، ومن ثم لا تقدر هذه القيمة بقيمة العين المؤجرة - فيما عدا دعوى استرداد الحيازة فتقدر قيمتها بقيمة العين المؤجرة . وانما بقيمة الحق الشخصي الذي ترد عليه الحيازة، وذلك بالنظر إلى مدة العقد، فإن كان محدد المدة فتقدر دعوى الحيازة بقيمة المدة الباقية منه، أما إن كان غير محدد المدة كما هو الحال في عقود إيجار الأماكن الخاضعة لقانون ايجار الأماكن كانت دعوى الحيازة غير مقدرة القيمة عملاً بنص المادة 41 من قانون المرافعات.
الاختصاص وطرق الطعن في دعاوى الحيازة :
كان قانون المرافعات الملغي يجعل الاختصاص في دعاوى الحيازة دائماً للقاضي الجزئي أياً ما كانت قيمة الحق الذي ترد عليه الحيازة على أساس أن دعاوي الحيازة لا شأن لها بالملكية أو بأصل الحق وتتفق مع الدعاوي المستعجلة من حيث الحجية، وهو ما نصت عليه المادة 47 من هذا القانون، وعند صدور قانون المرافعات الجديد نص في المادتين 37 / 4 ، 42 منه على أن تقدر قيمة دعاوى الحيازة بقيمة الحق الذي ترد عليه الحيازة، ومن ثم أخضعها للقواعد العامة بالنسبة للاختصاص القيمي أو النوعي، فيختص بها القاضي الجزئي إذا كانت قيمة الحق لا تتجاوز أربعين ألف جنيه، فإن تجاوزت القيمة هذا النصاب انعقد الاختصاص بها للمحكمة الابتدائية، أما إذا توافر شرط الاستعجال في هذه الدعاوي جاز رفعها إلى قاضي الأمور المستعجلة لا باعتبارها دعوى حيازة وإنما باعتبارها إجراء وقتياً يخشى عليه من فوات الوقت وذلك عملاً بالمادة 45 من قانون المرافعات ويكون الحكم المستعجل قابلاً للاستئناف أياً ما كانت قيمة الحق الذي ترد عليه الحيازة عملاً بالمادة 220 من ذات القانون وحتى لو كانت تلك القيمة داخلة في النصاب الانتهائي للقاضي الجزئي، ويكون الاستئناف أمام المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة استئنافية ، وإذا رفعت الدعوى المستعجلة أمام المحكمة الابتدائية بطريق التبعية لأصل الحق، فلا يعتبر ذلك جمعاً بين دعوى الحيازة ودعوى الحق لأن الطلب المستعجل لا يعتبر دعوى حيازة كما سبق القول، فإذا ما صدر الحكم في الشق المستعجل وحده كان استئنافه جائزاً ويرفع الي محكمة الاستئناف حتي لو كانت قيمته أقل من النصاب الانتهائي للمحكمة الابتدائية ، أما الحكم الموضوعي الصادر في دعوى الحيازة فيخضع في استئنافه للقواعد العامة، فان كان صادراً من محكمة المواد الجزئية ، فانه يكون إنتهائياً إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز خمسة آلاف جنيه ، فلا يجوز إستئنافه إلا بسبب بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم، أما أن تجاوزت قيمة الدعوى النصاب الانتهائي، - جاز الطعن في الحكم أمام المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة استئنافية. أما إن كان الحكم الموضوعي صادراً من المحكمة الابتدائية فإنه يكون انتهائياً إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز أربعين ألف جنيه. ويكون ميعاد الاستئناف أربعين يوماً . للحكم الموضوعي وخمسة عشر يوماً للحكم المستعجل وتخضع الأحكام الصادرة في دعاوى الحيازة سواء كانت أحكاماً موضوعية أو مستعجلة للقاعدة العامة المقررة في الطعن بالنقض، فلا يقبل الطعن إلا الأحكام الصادرة من محكمة الاستئناف، أما الأحكام الصادرة من المحكمة الابتدائية أو الجزئية فلا تكون قابلة للطعن بالنقض إلا إذا صدر الحكم انتهائياً خلافاً لحكم سابق بين نفس الخصوم وحاز قوة الأمر المقتضي.
وقد أخضع المشرع دعاوي الحيازة للقواعد العامة في الاختصاص النوعي وفي الطعن على نحو ما تقدم. كما يكون الاختصاص المحلي للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار «م 50 مرافعات» وهذا الاختصاص غیر متعلق بالنظام العام فيجب الدفع به قبل إبداء أي طلب أو دفاع وإلا سقط الحق فيه ، ولا يجوز الجمع في دعوى الحيازة بينها وبينه المطالبة بالحق وإلا سقط الادعاء بالحيازة كما لا يجوز رفع دعوى الحيازة بالاستناد إلى الحق «م 44 مرافعات» .
. وإن كانت الدعوى متعلقة باسترداد الحيازة، قدرت قيمة الدعوى بقيمة العين ، حتى لو كانت مرفوعة من الحائز العرضي کالمستأجر.
انتفاء حجية الحكم الصادر في دعوي الحيازة بالنسبة لدعوى الحق :
لكل حق دعوى تحميه ، وتستقل دعوى الحيازة عن دعوى حق الملكية، . فلكل منهما نطاقه وموضوعه ، إذ تنصرف دعوى الحيازة إلي حماية الحائز من سلب حيازته أو التعرض له فيها، وبالتالي تنحصر حجية الحكم الصادر فيها في هذا النطاق ، فإن كان حكماً موضوعياً ، كان وقتياً لا يمتد إلى الحق محل تلك الحيازة فيبقى هذا الحق ليتناضل فيه الأطراف بعد ذلك في دعوى الحق التي لا يجوز دفعها بالحكم الصادر فى دعوى الحيازة، إذ لم يتصد الحكم الأخير إلا للشروط اللازمة للفصل في دعوى الحيازة سواء تعلقت بالاسترداد أو منع التعرض أو وقف الأعمال.
لا حجية للحكم الجنائي وقرارات النيابة في الحيازة :
أناط المشرع بالنيابة العامة إصدار قرارات في دعاوى الحيازة تكون واجبة النفاذ، وذلك على التفصيل الذي أوضحناه ببند، حماية الحيازة باللجوء إلى النيابة العامة ، فيما يلي، وتلك القرارات وقتية الحجية ، تظل نافذة حتى تطرح المنازعة على المحكمة، سواء كانت المحكمة التي تنظر دعوى الحق أو دعوى الحيازة، وتزول تلك الحجية بالفصل في المنازعة.
والحكم الصادر في دعوى دخول عقار بقصد منع حيازته بالقوة والقاضي بالإدانة وبالتعويض المؤقت لا حجية له في دعوى الحق، لاختلاف الدعويين موضوعاَ وسبباَ.
عدم الجمع بين دعوى الحق ودعوى الحيازة :
المقرر أن لكل حق دعوى تحميه ، وقد يجد صاحب الحق أن يسلك سبيلاً میسراً محقق به الغاية من حماية حقه، وبالتالي يفضل هذا السبيل عن رفع دعوى الحق التي تتطلب إجراءات معقدة وإثبات قد يكون صعباً، وحينئذ يلتزم بالطريق الأيسر، فلا يجمع معه دعوى الحق، إذ يترتب على هذا الجمع، سقوط حقه في الطريق الأيسر لما يترتب على اللجوء إلى دعوى الحق، السير فيها وفقاً للأدلة التي رأي رافعها توافرها لديه لحسم النزاع، مثال ذلك أن القانون أجاز لصاحب حق الملكية أن يكتفي في إثبات ملكيته. بحيازته المادية للعقار، وتلك مسألة سهلة الإثبات، وبالتالي فأنه يحمي حق الملكية بإثبات وضع يده المادي على العقار، وحينئذ تقوم قرينة قانونية على توافر حيازته القانونية ، ثم تقوم قرينة قانونية أخري تدل على أن هذه الحيازة الاخيرة ، قرينة على الملكية، عملاً بالمادتين 963، 964 من القانون المدني. فإذا اكتفي المالك بحماية ملكيته بدعاوى الحيازة، نقل الي خصومة عبء إثبات ما يناقض تلك القرينة، لكن إذا لجأ إلى دعوى الملكية القي علي نفسه عبء إثبات ملكيته، وبالتالي لا يكون ثمة محل للاستمرار في دعوى الحيازة إذا كان قد رفعها أو اللجوء إليها إذا كان لم يرفعها بعد، فإن كان قد رفع دعوى الملكية وهو واضع اليد علي العقار، فتقوم قرينة على أنه المالك له، وبالتالي يجوز له حماية وضع يده بجميع دعاوى الحيازة، ولا يترتب على ذلك سقوط حقه في دعوى الملكية، فقد رفعت بالفعل قبل نشوء سبب دعوى الحيازة، وبالتالي يجوز له أن يجمع بين الدعويين في هذه الحالة .
فلمن نزع عقاره أن يرفع دعوى استرداد الحيازة، وعليه کمدعي الاستمرار فيها حتى يصدر حكم بشأنها، كما له أن يرفع دعوى الملكية، أن كان مالكاً، وهي دعوى الاستحقاق ، علي أنه لا يجوز له وفقاً للمادة 44 مرافعات الجمع بين الدعويين . كما لا يجوز له ذلك بالنسبة لدعوتي الحيازة الاخريين . فإن جمع بينهما سقطت دعوى الحيازة وتعين القضاء بعدم قبولها، وإن كان قد رفع دعوى الحق فيمتنع عليه رفع دعوى الحيازة أو الاستمرار فيها أن كان قد رفعها قبل رفع دعوى الحق بشرط أن يكون سبب دعوى الحيازة قد نشأ قبل رفع دعوى الحق، أما أن كان سببها نشأ بعد رفع دعوى الحق جاز اللجوء لجميع دعاوى الحيازة والجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق کمن يرفع دعوى تثبيت ملكيته لعقار في حيازته فيقوم المدعى عليه بعد رفع هذه الدعوى بنزع العقار من المدعي أو يتعرض له فيه أو يبدأ في القيام بأعمال فيه، ففي هذه الحالات يجوز للحائز رفع دعوى استرداد الحيازة أو منع التعرض أو وقف الأعمال الجديدة لأن سبب أي من هذه الدعاوى نشأ بعد رفع دعوى الحق فيستمر في الدعويين في وقت واحد، فإن صدر الحكم في دعوى الحق أولاً كان حجة في دعوى الحيازة، أما إن صدر أولاً الحكم في دعوى الحيازة فينفذ ولا يكون حجة عند نظر دعوى الحق إذ أن حجيته مؤقتة وقاصرة على الحيازة.
كذلك لا يجوز للمدعي عليه في دعوى الحيازة أن يجمع بين الدعويين فيجب أن ينحصر دفاعه في الحيازة فيدفع بعدم ثبوت شروطها أو أنها غير ثابتة للمدعي . أم أن دفع دعوى الحيازة بدفع يؤدي إلي الجمع بينها وبين الحق كن يدفع بأنه المالك، فإن هذا الدفع لا يكون مقبولاً، كما لا يستطيع رفع دعوى الملكية إلا بعد الحكم نهائياً في دعوى الحيازة وقيامه بتنفيذ هذا الحكم وإلا كانت دعواه غير مقبولة، لكن له التخلي عن الحيازة بعد رفع الدعوى ومن ثم يتعين قبولها.
ولا ينحصر الحظر في المدعي والمدعى عليه، وإنما يمتد إلى المحكمة التي تنظر دعوى الحيازة، وبالتالي يمتنع عليها أن تقيم قضاءها في تلك الدعوى على سند من ثبوت الحق أو نفيه، لأنها في هذه الحالة تكون قد فصلت في دعوى الحيازة علي أساس الحق، وهو ما يتحقق به الجمع بين دعوى الحق ودعوى الحيازة، إذ يجب عليها أن تفصل في دعوى الحيازة على سند من الشروط التي تطلبها القانون لقبولها، فلا تقيم قضاءها فيها استناداً إلى الحق في العقار محل هذه الحيازة، فقد تكون مستندات الملكية واضحة وجليه ومع ذلك تتوافر شروط الحيازة بالنسبة للخصم الأخر، فيقضي لصالحه في دعوى الحيازة.
والمحكمة ليس محظور عليها الاستناد إلى مستندات الملكية علي وجه الإطلاق، وإنما المحظور عليها أن تقيم قضاءها على تكوين عقيدتها في الدعوى على ما استخلصته من تلك المستندات لما في ذلك من جمع بين دعوى الحق ودعوى الحيازة،، أما إذا أقامت قضاءها علي ما استخلصته من توافر شروط الحيازة بما يكفي للحكم في دعوى الحيازة، فإنها إذا أشارت بعد ذلك إلى مستندات الملكية أو ما يمس حق الملكية، فإن هذا يكون نافلة لا يؤدي إلي بطلان حكمها فقد كونت عقيدتها من قبل ذلك وأن الاشارة إلى المستندات كان لمجرد الاستئناس وليس للتعويل عليها في قضائها.
وترمي دعوى الملكية إلي حماية حق الملكية وما يتفرع عنه من حقوق كحق الانتفاع وحق الارتفاق، وذلك بطريقة مباشرة توجه لذات الحق، ويتناول بحث المحكمة أساس الحق وكيفية اكتسابه وأدلته والدفوع وأوجه الدفاع الموجهة إليه لتخلص إلي تقريره للمدعي بالقضاء بثبوت حق الملكية أو إستحقاق المدعي للعقار .
أما دعوى الحيازة، فلا يقصد منها إلا حماية وضع اليد في ذاته بصرف النظر عن أساسه ومشروعيته ، فقد يكفي لإجابة المدعي إلي طلباته فيها أن تكون له حيازة مادية بحتة ، ولو لم يكن لهذه الحيازة سبب غير وضع اليد.
وطالما كان المطلوب في الدعوى هو الفصل في أصل الحق المتنازع عليه ، كانت الدعوى من دعاوى الحق حتى لو طلب المدعي فضلاً عن تقرير الحق، منع تعرض المدعى عليه في هذا الحق أو كف منازعته له في الانتفاع بالعين ، وحينئذ لا يساغ القول بأن المدعي قد جمع بين أصل الحق والحيازة، وبالتالي فإنه يتعين على المحكمة أن تقضي له بهذه الطلبات.
وأن دعاوي وضع اليد أساسها الحيازة المادية بشروطها القانونية ولا محل فيها لبحث الملكية ولا مستنداتها إلا على سبيل الاستئناس بها في شأن وضع اليد وبالقدر الذي تقتضيه دعوى اليد دون التعرض إلي أمر الملكية بأي حال، فعلي المحكمة أن تقيم حكمها في هذه الدعاوي علي الحيازة المادية بشروطها التى تقضي بقبولها أو برفضها بناء على توافر تلك الشروط أو عدم توافرها . أما إذا هي أسست قضاءها على الملكية ومستنداتها فإنها تكون بذلك قد اقحمت دعوى الملك على دعوى اليد، وأغفلت أمر وضع اليد وخالفت المادة 29 من قانون المرافعات.
وأن الشرط الأساسي لدعوى اليد هو حيازة المدعي بشروطها القانونية للعقار الذي يطلب منع التعرض له فيه، ولا محل فيها لبحث الملكية ومستنداتها إلا علي سبيل الاستئناس للتحقق من صفة وضع اليد لا لتأسيس الحكم عليها. فإذا كان الطاعن ينازع في حيازة المطعون عليه للحارة المخصصة للمنفعة قطع التقسيم التي يملك هو إحداها، وكانت المحكمة قد حققت شطراً من دفاع الطاعن وأوردت في حكمها أن الدعوى رفعت قبل مضي سنة من حصول التعرض ولم تلق بالاً إلى تحقيق الشطر الآخر المتضمن منازعة الطاعن في توافر حيازة المطعون عليه للحارة المذكورة.
طبيعة السنة التي يجب رفع الدعوى خلالها :
المدة التي يحددها القانون إما أن تكون مدة تقادم وإما أن تكون ميعاد سقوط، وأن اتحد الأثر المترتب على كل منهما، إلا أن الأحكام المتعلقة بهما تختلف ، فمدة التقادم يرد عليها الوقف والانقطاع ولا تسري في حق الغائب وناقص الاهلية إلا بشروط حددها القانون، أما ميعاد السقوط فلا يرد عليه الوقت ولا الانقطاع ويسري في حق الكافة بمن فيهم الغائب وناقص الاهلية ويظل في سريانه حتى ينقضي بانقضاء اليوم الأخير المحدد، ولكن إذا صادف هذا اليوم عطلة رسمية امتد لأول يوم عمل يلي هذه العطلة وفقاً للمبدأ العام المقرر في شأن جميع المدد والمواعيد.ويري السنهوري ورمزي سيف أن السنة ميعاد سقوط ويترتب على انقضائها سقوط الحق في إقامة الدعوى .
وازاء هذا الخلف، نرى أنه بالرجوع إلى نصوص القوانين المختلفة، نجد أن المشرع عندما يقصد الي التقادم، فإنه يورد النص متضمناً لفظ يتقادم أو يسقط أو تسقط الدعوى بينما عندما يقصد ميعاد السقوط نجده يحدد ميعاداً لمباشرة الإجراء خلاله كما فعل بالنسبة لمواعيد الطعن ورفع دعوى الشفعة وإعلان الرغبة فيها. وإذ يجري نص المادة 958 بأن لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه فإن مفاد ذلك أن المشرع حدد ميعاداً لرفع دعوى الحيازة وبالتالي فإن السنة المشار إليه تكون ميعاد سقوط يترتب على انقضائه سقوط الحق في رفع دعوى الحيازة ولا يتبقى أمام الحائز إلا اللجوء لدعوى الحق .
الرأي الأول في قضاء النقض :
النص في المادة 961 من القانون المدني على جواز رفع دعوى منع التعرض خلال السنة التالية من وقوع التعرض وإلا كانت غير مقبولة ، يدل على أنه وإن كان هذا الميعاد ميعاد سقوط مما لا يسري عليه وقف أو انقطاع، إلا أن رفع الدعوى خلاله أمام محكمة غير مختصة مجز في تحقق الشرط الذي يتوقف عليه قبول الدعوى إذ أن المشرع في المادة 110 من قانون المرافعات يلزم المحكمة غير المختصة كما يلزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها مما يجعل رفع الدعوى أمام المحكمة غير المختصة مؤدياً بذاته إلي نظرها وكأنه إجراء من إجراءات رفعها أمامها فتعتبر الدعوى وكأنها قد رفعت منذ البداية أمامها وتكون العبرة في تاريخ رفعها هو برفع الدعوى أمام المحكمة غير المختصة ، ومن المقرر في قضاء النقض أن على المحكمة المحال إليها الدعوى أن تنظرها بحالتها التي أحيلت بها، ومن ثم فإن ما تم صحيحاً قبل الإحالة يبقى صحيحاً بما في ذلك إجراءات رفع الدعوى، وتتابع سيرها أمام المحكمة المحال إليها الدعوى من حيث انتهت الإجراءات أمام المحكمة التي احالتها. ( نقض 21/11/1982 طعن 17س 48 ق ) .
أوجبت المادتان 958، 961 من القانون المدني أن ترفع دعوى استرداد الحيازة ودعوى منع التعرض خلال السنة التالية لفقدها أو من وقوع التعرض وهي مدة سقوط يجب أن ترفع الدعوى خلالها وكانت الدعوى تعتبر مرفوعة بإيداع صحيفتها قلم الكتاب طبقاً للمادة 63 من قانون المرافعات وكان الثابت في الدعوى أن المطعون ضده أقام دعواه بمنع التعرض بصحيفة قدمت لقلم الكتاب في 1/6/1978 لمنع التعرض الحاصل بتاريخ 12/4/1978 ، فإن الدعوى تكون قد أقيمت في الميعاد ولا يغير من ذلك تعديل المطعون ضده لطلباته الحاصل في 4/12/1979 إلى طلب الحكم باسترداد حيازته ذلك أن التاريخ الأخير لا يعتبر رفعاً لدعوى جديدة وأن رفع الدعوى بمنع التعرض في الميعاد وتكييف المحكمة لها أنها دعوى باسترداد الحيازة أو طلب الحائز الحكم باعتباره كذلك لا يؤثر على تاريخ رفعها أيا كان تاریخ تعديله الطلب. ( نقض 6/1/1985 طعن 2095 س 50 ق ) .
الرأي الثاني في قضاء النقض :
المقرر فى قضاء محكمة النقض أن مدة السنة المعينة لرفع دعوى الحيازة هي مدة تقادم خاص تسري عليه قواعد الوقف والانقطاع التي تسري علي التقادم المسقط العادي، وكان التقادم لا يتعلق بالنظام العام ويجب التمسك به أمام محكمة الموضوع فلا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. ( نقض 26/3/1987 طعن 681 س 54 ق، نقض 13/5/1993 طعن723 س 59 ق ). .
ومن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه فيما يتعلق بالمدة المعينة لرفع دعوى استرداد الحيازة فإن مدة السنة التي اشترط المشرع في المادة 958 من القانون المدني عدم مضيها على فقد الحيازة هي مدة تقادم خاص تسري عليها قواعد الوقف والانقطاع التي تسري على التقادم المسقط العادي وأن رفع واضع اليد دعواه أمام القضاء المستعجل طالباً استرداد الحيازة يعتبر بمبناه ومعناه طلباً برد الحيازة يقطع مدة تقادم دعوى وضع اليد ولو قضت المحكمة المستعجلة بعدم اختصاصها لأن رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة يقطع المدة. ( نقض 25/11/1990 طعن 2008س 57 ق ) .
والأخذ بالرأي الأول، يجعل مدة السنة تسري في حق الكافة بمن فيهم الغائب الذي يحول غيابه عن علمه باعتداء الغير على ملكه، كما تسري في حق ناقص الأهلية ولا يقف سريانها الا بالسبب الاجنبي.
أما الأخذ بالرأي الثاني، فإن مدة السنة يرد عليها الوقف والانقطاع وفقاً للقواعد العامة المقررة في هذا الصدد، وقضت محكمة النقض بأن التقادم لا يسري كلما وجد مانع يتعذر معه علي الدائن أن يطالب بحقه عملاً بالمادة 382 من القانون المدني، وأن المانع من المطالبة الذي يقف به سريان التقادم كما يكون مرجعه أسباب تتعلق بشخص الدائن، قد يرجع إلى ظروف عامة يتعذر معها المطالبة بحقه ، وفي هذا النطاق فإن الجهل باغتصاب الحق قد يكون من الأسباب الموقفة للتقادم إذا لم يكن ناشئاً عن اهمال صاحب الحق ولا تقصيره. ( نقض 4/7/1991 طعن ۱ س 58 ق ) .
أثر رفع الدعوى بعد انقضاء سنة :
إذا حدد القانون ميعاداً لرفع الدعوى، فإنه يكون قد علق الحق في رفعها علي الالتزام بهذا الميعاد، وبالتالي يكون شرطاً لقبولها، بحيث إذا رفعت خلاله، وجب علي المحكمة التصدي لها، أما إذا رفعت بعد إنقضائه ، فإن الحق في رفعها يكون قد سقط، وهو ما تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، كما في دعوى الشفعة وأيضاً دعوى الحيازة، ولا تثريب على المحكمة إن قضت بعدم قبول الدعوى بدلاً من القضاء بسقوط الحق في رفعها، وحينئذ لا يكون أمام المحكوم عليه إلا رفع دعوى الحق.
ورفع دعوى الحيازة خلال سنة من فقدها شرط لتوافر شرط استمرار الحيازة، بحيث إذا انقضت سنة، فإن مدة الحيازة السابقة على سلبها لا تحتسب عند احتساب مدة التقادم المكسب.
جهل الحائز باغتصاب عقاره :
مفاد المادة 958 من القانون المدني، أن لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه، فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت أن ينكشف الاعتداد ، وأوضحنا فيما تقدم طبيعة هذه السنة ، كما أوضحنا عندما تناولنا شروط الحيازة، أن الخفية تنصرف إلي عدم ظهور الإعتداء ، فإن كان ظاهراً على نحو يتمكن معه الحائز من الوقوف عليه بمعيار الشخص العادي، توافر شرط الظهور وانتقت الخفية عن الاعتداء حتى لو لم يعرف الحائز أن الغير تعدي علي حيازته إذ يرجع ذلك إلى تقصير الحائز وإهماله، إذ كان يجب عليه التردد علي عقاره أو خفارته، فان لم يتخذ الوسائل الكفيلة بتحقق علمه لمدة سنة ووقع اعتداء على حيازته، امتنع عليه، بسبب هذا التقصير والاهمال، اللجوء لدعاوي الحيازة ولم يعد أمامه إلا اللجوء لدعوى الحق، وهي دعوى الملكية، فيرفع دعوى الاستحقاق ضد المغتصب ، على التفصيل الذي تناولناه بصدد تلك الدعوى. ومتى اكتملت سنة على التعدي امتنع اللجوء لدعاوى الحيازة
مناط اللجوء لدعاوى الحيازة :
شرعت دعاوى الحيازة لحماية حائز العقار من أي اعتداء يقع علي حيازته ، ومن ثم فإن توافر الاعتداء هو مناط اللجوء إلى تلك الدعاوى ، والاعتداء المعني في هذا الصدد، هو الاعتداء على الحيازة وليس على حق الملكية ، فقد يكون الحائز مغتصباً للعقار وتوافرت لديه الحيازة التي يحميها القانون، وبالتالي فإن أي إعتداء على حيازته يكون غير مشروع حتى لو كان صادراً من المالك ، إذ يتعين على الأخير أن يلجأ لدعوى الملكية وهي دعوى الاستحقاق لاسترداد العقار من حائزه.
ولا يجوز لواضع اليد أن يلجأ دائماً إلى دعاوى الحيازة إلا إذا توافرت لديه شروط الدعوى التي يرفعها، ونوضح فيما يلي الحالات التي يجوز فيها اللجوء لدعاوى الحيازة، والحالات التي لا يجوز فيها ذلك.
الحالات التي يجوز فيها اللجوء لدعاوى الحيازة :
1 - الحائز العرضي : الحيازة، قد تكون عرضية ، كحيازة المستأجر للعين المؤجرة، وحيازة الحارس للأعيان الموضوعة تحت الحراسة القضائية ، وحيازة الدائن المرتهن للعين المرهونة رهناً حيازياً ، وحيازة المودع لديه وحيازة المرخص له في الانتفاع بأملاك الدولة. إذ تنحصر حيازة كل من هؤلاء في العنصر المادي المتمثل في وضع اليد، أما الحيازة الأصيلة ، فيلزم لها توافر العنصر المعنوي المتمثل في نية التملك.
وبالتالي لا يجوز للحائز العرضي إلا اللجوء لدعوى إسترداد الحيازة عملاً بنص المادة 958 من القانون المدني، الذي يدل على أن دعوى إسترداد الحيازة إنما شرعت لحماية الحائز، أيا كان وصف حيازته، سواء كانت عرضية أو أصيلة، ولم يتطلب النص لقبولها إلا أن يكون لرافعها حيازة مادية أي أن يكون له وضع يد متصل بالعقار اتصالاً فعلياً يجعل العقار تحت تصرفه المباشر، وأن تكون هذه الحيازة حالية أي يتوافر وضع اليد وقت وقوع الغصب.
وإذ أجازت المادة 575 من القانون المدني، للمستأجر أن يرفع باسمه علي المتعرض جميع دعاوى الحيازة ، فأنه يخرج بموجب هذا النص عن نطاق المادة 958 سالفة البيان، فلا ينحصر حقه في رفع دعوى إسترداد الحيازة ، وإنما يجوز له رفع دعوى منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة، طالما كان التعرض صادراً من غير المؤجر، فإن كان صادراً من الأخير، وجب على المستأجر اللجوء إلى دعوى عقد الإيجار .
2 -الشريك في الشيوع : إذ ملك إثنان أو أكثر عقاراً غير مفرزة حصة كل منهم فيه ، فهم شركاء على الشيوع. فإن كان العقار مملوكاً لشخص واحد، كانت ملكيته له مفرزة، وسواء كانت ملكية العقار شائعة أو مفرزة، فان الحيازة ترد عليه، فيكون الشريك في الشيوع حائزاً لحصته ، سواء كان المال الشائع تحت يد أحد الشركاء بصفته مديراً للشيوع، أو تحت يد مستأجر له، وبالتالي يجوز للشريك أن يحمي حيازته بجميع دعاوى الحيازة، سواء ضد. باقي الشركاء أو ضد الغير، إذ لا يلزم أن يكون الشريك واضعاً اليد على حصته لقبول دعواه. فإن كان واضعاً اليد ، جاز له كذلك حماية حيازته بدعاوي الحيازة ضد باقي الشركاء أو ضد الغير.
3 -صاحب حق الانتفاع : حق الانتفاع من الحقوق العينية العقارية المتفرعة عن حق الملكية، ويكتسب بتصرف قانوني أو بالشفعة أو بالتقادم عملاً بالمادة 958 من القانون المدني ، فإن كان المدعي في دعوى الحيازة يستند إلي حيازته للعقار محل حق الانتفاع بموجب تصرف قانوني، سواء كان مشهراً أو غير مشهر، أو يستند إلى وضع اليد بنية التملك قبل اكتمال مدة التقادم المكسب لهذا الحق، كانت دعواه مقبولة، إذ يجوز له إسترداد حيازته ومنع تعرض من الغير له فيها ووقف الأعمال الجديدة التي يباشرها الغير، ويجوز له كل ذلك إذا تسلم العقار المشفوع فيه حتى ولو لم يكن حكم الشفعة قد أشهر، إذ يكون هذا الحكم بمثابة عقد بيع غير مشهر فهو يجيز للمشتري الذي تسلم العقار المبيع اللجوء لتلك الدعاوي ليحمي بها حيازته ضد غير البائع له.
فإن كان واضع اليد على العقار لم يصدر له من مالكه تصرف قانوني يجيز له الانتفاع به ، ومع ذلك توافر لديه العنصر المعنوي للحيازة، وكان حق الانتفاع مما يجوز تملكه بالتقادم ، جاز له اللجوء لجميع دعاوى الحيازة، سواء بالنسبة للمالك أو غيره، أما إن كان حق الانتفاع لا يجوز تملكه بالتقادم، كحق الانتفاع الوارد على أملاك الدولة الخاصة، فإن واضع اليد عليها لا يستطيع أن يحمي حيازته للعقار، أما تلك الجهة، فإنها تلجأ لإسترداد ملكها من المغتصب إلى القرار الإداري الذي تقوم بتنفيذه بالطريق المباشر، ويخرج عن ولاية القضاء العادي الذي لايجوز له التصدي لهذا القرار بالإلغاء أو التأويل إلا في حالة واحدة عند إنعدام القرار الإداري، وهو ما لا يتوافر بالنسبة للقرار بطرد الغاصب من العقار المملوك للدولة، سواء كانت ملكيتها له خاصة أو عامة ، وذلك عملاً بالمادتين 970، 87 من القانون المدني. وراجع فيما يلي الحالات التي لا يجوز اللجوء بصددها لدعاوى الحيازة.
4 - صاحب حق الارتفاق : الارتفاق حق يحد من منفعة عقار لفائدة عقار غيره يملکه شخص آخر، ویکتسب بتصرف قانوني أو بالميراث أو بالتقادم، ولصاحب هذا الحق حمایته بدعوى منع التعرض أو بدعوى وقف الأعمال الجديدة، فان كان الارتفاق بالمطل أو بعدم البناء، جاز لصاحب حق الارتفاق أن يرفع دعوى بمنع جاره من إتمام الأعمال التي يترتب عليها المساس بحقه، فاذا تمت الأعمال وأدت الي تعطيل حق الارتفاق. جاز لصاحبه اللجوء لدعوى منع التعرض له في حيازته لحق الارتفاق، وحينئذ تتسع ولاية قاضي الحيازة لازالة الأعمال المخالفة.
5- مالك الرقبة : إذا كانت ملكية الرقبة لشخص، وملكية حق الانتفاع لشخص آخر، فإن حيازة الرقبة تكون لمالكها وينوب عنه فيها مالك حق الانتفاع الذي يحوز بدوره الحق الأخير.
فإذا قام مالك حق الانتفاع بالتعدي على حيازة حق الرقبة، سواء بهدم أو تعديل أو بناء، جاز لمالك الرقبة اللجوء لدعوى منع التعرض في حالة الهدم أو التعديل، ولدعوى وقف الأعمال الجديدة في حالة البناء ، لمساس ذلك بحيازته لحق الرقبة.
ولجوء مالك الرقبة لدعوى الحيازة، يفترض معه عدم وجود عقد بينه وبين صاحب حق الإنتفاع، كما لو كان مالك العقار، تصرف في الرقبة لشخص، وفي حق الإنتفاع لشخص أخر. أما إن أبقي لنفسه الرقبة وتصرف في حق الإنتفاع، فلا يجوز لأي منهما اللجوء لدعوى الحيازة.
6 -حائز العقار : أوضحنا فيما تقدم، أن لحائز العقار أن يلجأ لدعاوى الحيازة، سواء كانت حيازته أصيلة أم عرضية. عدا الحائز الذي تتخذ ضده إجراءات التنفيذ العقاري
7 -المشتري بعقد غير مسجل : عقد البيع غير المسجل، يرتب للمشتري جميع الحقوق والدعاوي المتعلقة بالمبيع بما في ذلك نفي حق الارتفاق الذي يدعيه الجار وطرد الغاصب، فاذا تسلم المشتري العقار المبيع واستند في دعواه إلي عقد البيع، كانت الدعوى متعلقة بأصل الحق وليست من دعاوى الحيازة .
لكن إذا استند إلي وضع يده على العقار المبيع، فإن الدعوى تكون من دعاوى الحيازة التي يجوز له رفعها، فيسترد بموجبها حيازته التي سلبها منه الغير، أو يمنع تعرضه، أو يوقف أعماله الجديدة. إذ يكفي لقبول هذه الدعاوي الحيازة التي توافرت له، وهي حيازة قانونية، إذ توافر له عنصرها المادي بوضع يده على المبيع، وكذلك عنصرها المعنوي بتوافر نية التملك لديه .
ويجب لقبول أي من هذه الدعاوي، أن يكون المشتري قد رفعها علي غير البائع له، أما رجوعه علي البائع ، فيكون بموجب أي من الدعاوي المتعلقة بعقد البيع، وبالتالي بأصل الحق، كطلب تسليم المبيع أو ضمان التعرض والاستحقاق.
الحالات التي لا يجوز فيها اللجوء لدعاوي الحيازة
۱ -سلب الحيازة بالتنفيذ الجبري : الحائز، سواء كانت حيازته أصيلة أو عرضية ، أو كان يستند في حيازته إلي حکم صادر له باسترداد حيازته أو بمنع التعرض له ، لا يجوز له اللجوء إلى أي دعوى من دعاوى الحيازة إذا سلبت حيازته بناء علي تنفيذ حكم قضائي بطرده من العقار وتسليمه للمحكوم له، كما لا يجوز له ذلك في حالة تنفيذ قرار إداري بالطريق المباشر، ويشترط لذلك أن يكون الحائز طرفاً في الحكم سند التنفيذ الجبري، إذ تتعدى إليه حجيته في هذه الحالة ، فان لم يكن طرفاً في الحكم، فلا يحاج به عملاً بالأثر النسبي لحجية الأحكام، وبالتالي يجوز له حماية حيازته باللجوء لدعاوى الحيازة. فضلاً عن حقه في رفع إشكال في تنفيذ الحكم ولا يحاج بأي حكم يصدر في إشكال لم يختصم فيه باعتباره هو الملتزم الحقيقي في السند التنفيذي مما يوجب اختصامه في الحكم الموضوعي المتعلق بالعقار ، فإن لم يختصم فلا يحاج به، كما لا يحاج بأي إشكال مرفوع من الغير الذي كان طرفاً في الحكم الموضوعي، وبالتالي إذا رفع الحائز إشكالاً، وإن كان لا يعتبر إشكالاً ، إلا أن قاضي التنفيذ يوقف التنفيذ دون إعتداء برفع إشكال سابق من كان مختصاً في الحكم الموضوعي.
والدعوى التي ترفع بذلك ، هي دعوى تنفيذ، مما يوجب رفعها أمام قاضي التنفيذ في جميع الحالات ، بطلب وقف التنفيذ إن لم يكن التنفيذ قد تم فإن كان قد تم ، فإن واضع اليد لم يكن طرفاً في إجراءات التنفيذ وبالتالي لا يلجأ إلي قاضي التنفيذ وإنما إلى المحكمة المختصة بنظر دعواه المتعلقة باسترداده لحيازة العين يختصم فيها من قام بالتنفيذ الذي أدي إلي سلب الحيازة، ولا تعتبر الدعوى في هذه الحالة من منازعات التنفيذ. ولكن يجوز له رفع اشکال على نحو ما تقدم.
2- طرد الغاصب لأملاك الدولة والوحدات الاقتصادية : مفاد نص المادتين 87، 970 من القانون المدني، أن أملاك الدولة ، سواء المملوكة لها ملكية عامة أو خاصة ، وكذلك أملاك الوحدات الاقتصادية والأوقاف الخيرية، لا يجوز تملكها بالتقادم، ويترتب على ذلك انتفاء نية تملكها لدى الحائز لها، وانحصار حيازته في العنصر المادي المتمثل في وضع اليد.
وقد حدد القانون شروط التصرف في الأملاك الخاصة، بحيث إذا توافرت، كان للمتصرف إليه حماية حيازته بدعاوى الحيازة ضد غير الجهة التي تصرفت له، إذ ينحصر حقه في الرجوع علي هذه الجهة، في دعوى العقد المبرم بينهما، فان تمثل في عقد بیع، أو في عقد إيجار ، كان للحائز اللجوء لدعاوى الحيازة لحماية حيازته من إعتداء الغير، أما الإعتداء الواقع من الجهة الصادر منها التصرف فإنه يخضع لأحكام العقد، سواء ما تضمنه العقد أو نصوص القانون المكملة له.
فإذا انتفي التعاقد على النحو الذي تطلبه القانون ، فإن واضع اليد لا يكتسب حقاً على العقار حتى لو كان يدفع مقابلاً لانتفاعه، باعتبار أن هذا المقابل هو تعويض عن الغصب وهو ما يتضمن إقراراً بالغصب وانتفاء التعاقد، بحيث إذا قامت الجهة صاحبة العقار بطرد الغاصب بموجب قرار إداري ، فلا يجوز له أن يلجأ إلي أي من دعاوى الحيازة، مما يوجب القضاء بعدم قبولها لعدم تحقق شروطها، إذ لا يجوز للقضاء العادي التعرض للقرار الاداري بالالغاء أو التأويل إلا في حالة واحدة عندما يكون القرار منعدماً، وهو ما يتوافر في حالة طرد الغاصب، ويعاقب واضع اليد عملاً بالمادة 372 مکرراً من قانون العقوبات.
وإذ تعتبر الأرض التي نزعت ملكيتها للمنفعة العامة، مملوكة للدولة ملكية عامة، وبالتالي لا يجوز اللجوء بشأنها لدعاوي الحيازة .
فإن كان واضع اليد مرخصاً له في الانتفاع بالمال العام، فأنه يجوز له أن يحمي حيازته بالنسبة لغير الجهة الصادر منها الترخيص ، بدعاوى الحيازة،.. وهذا الذي سبق أن انفردنا به ، أخذت به محكمة النقض ، أما بالنسبة للجهة المشار إليها، فلا يجوز للمرخص له رفع دعوى الحيازة ضدها، إذ يجوز لها في أي وقت، إعادة المال إلى المنفعة العامة التي كان عليها قبل الترخيص، باعتبار أن الترخيص مؤقت بطبيعته. كما لا يجوز للغير اللجوء لدعاوى الحيازة ضد المرخص له حتى لو كانت بينهما شركة.
وجود عقد :
تستند دعاوى الحيازة إلي الحيازة المجردة ، وهي محل حماية تلك الدعاوي ، بحيث إذا وجد عقد بين الطرفين، فإن أحكامه هي التي تنتظم علاقتهما، فلا يجوز لأحدهما اللجوء لدعاوى الحيازة في حالة الإعتداد الصادر من المتعاقد الأخر، سواء تمثل هذا الإعتداء في سلب الحيازة أو التعرض فيها أو البدء في أعمال يترتب على إكتمالها تحقق التعرض، وإنما يجب اللجوء لدعوى العقد استناداً إلي شروط هذا العقد ونصوص القانون التي تنتظمه وهي نصوص مقررة لإرادة الطرفين تكون واجبة التطبيق في حالة عدم تضمين العقد ما يخالفها، فإن وجد عقد بيع، التزم البائع بتسليم المبيع وعدم التعرض للمشتري ، فإذا امتنع البائع عن التسليم، رفع المشتري دعوى بصحة ونفاذ العقد والتسليم، وإذا تم التسليم وتعرض البائع للمشتري، رفع الأخير عليه دعوى استناداً إلى التزامه بضمان عدم التعرض، وينتقل التزام المتعاقد التي خلفه العام، فيلتزم هذا الخلف بالتسليم وبالضمان على نحو ما كان يلتزم به سلفه.
ويكفي أن تتعدى آثار العقد إلي من وقع منه الاعتداء على الحيازة ولو لم يكن له توقيع على العقد إذ يعتبر طرفاً فيه، مثال ذلك الشريك في العقار الشائع عندما تكون الادارة لشريك آخر قام بإبرام عقد إيجار المستأجر، فإن التعرض الذي يقع من شريك غير المدير، لا يجوز للجوء في شأنه لدعاوى الحيازة وإنما لدعوى عقد الإيجار .
وكذلك اذا تم بيع المال الشائع بمعرفة الأغلبية إذ يعتبر البيع صادراً من جميع الشركاء ، وإذا رفع أحد المتعاقدين دعوى الحيازة ضد المتعاقد الآخر، وجب القضاء بعدم قبولها، حتي لو تمسك المدعي ببطلان العقد، باعتبار أن دعوى الحيازة ينحصر نطاقها في بحث شروط الحيازة ووصفها لإصدار حكم لا يمس أصل الحق محل تلك الحيازة، وبالتالي لا تتسع ولاية قاضي الحيازة التصدي لبطلان العقد.
وسائل حماية الحيازة :
الحيازة، سبب من أسباب كسب الملكية، ترد على العقار والمنقول، فإن وردت على منقول، كانت دليلاً على ملكية الحائز له، باعتبار أن الحيازة سند الحائز في تملكه . أما إن وردت علي عقار ، فلا تؤدي إلى تلك الحائز له إلا إذا توافرت شروطها المكسبة للملكية. وقرر القانون الوسائل الكفيلة بحماية الحيازة إذا توافرت لها شروط تلك الحماية.
وقد تكون الحماية جنائية أو مدنية، عن طريق دعاوي الحيازة أو بقرارات تصدرها النيابة العامة، فإذا تعلقت الحيازة بالترع والمصارف ، كان الاختصاص للقاضي الجزئي أو لتفتيش الري.
وذلك على التفصيل التالي :
حماية الحيازة بدعاوي الحيازة
دعاوى الحيازة :
كانت دعاوى الحيازة ينظمها قانون المرافعات القديم، باعتبارها من إجراءات التقاضي التي يتعين تنظيمها وفقاً لقواعد القانون الإجرائي، ولما صدر القانون المدني الحالي، تولي تلك الدعاوى لاتصالها الوثيق بحق الملكية الذي ينظمه هذا القانون الأخير، فنص في المادة 958 منه على دعوى إسترداد الحيازة ، وفي المادة 961 علي دعوى منع التعرض، وفي المادة 962 على دعوى وقف الأعمال الجديدة، وذلك علي التفصيل الذي سوف نتناوله فيما يلي بالنسبة لكل من هذه الدعاوى.
وتخضع دعاوى الحيازة لنصوص القانون المدني فيما يتعلق بشروط قبولها وما يترتب علي رفعها من آثار، كطلب قضائي، وتخضع لقانون المرافعات كاجراء من إجراءات التقاضي، فترفع بصحيفة تودع قلم كتاب المحكمة، وتنعقد الخصومة فيها بالمواجهة، سواء تمت هذه المواجهة بالإعلان الصحيح أو بالحضور، وتخضع للدفع باعتبارها كأن لم تكن لعدم إعلان صحيفتها في الميعاد عملاً بالمادة 70 من قانون المرافعات، أو لعدم تجديدها من الشطب في الميعاد المنصوص عليه في المادة 82 من ذات القانون. كما تخضع لكافة القواعد التي تنظم الدعاوى والمنصوص عليها في قانون المرافعات.
دعوى الحيازة ودعوى الملكية :
الغاية من دعوى الحيازة، حماية وضع اليد من أي إعتداء، طالما استوفى الشروط اللازمة لقبول الدعوى ، دون اعتداد بأساس وضع اليد أو مشروعيته فقد لا يوجد للحائز سبب قانوني يجيز له وضع يده على العقار، وحينئذ فإن الحيازة وحدها تكفي لتبرير وضع اليد، وقد يستند وضع اليد إلي الغصب، وهو سبب غير مشروع، ومع ذلك يسبغ القانون حمايته عليه متى توافرت الشروط اللازمة لتلك الحماية. فالحيازة المجردة هي السبب في دعاوى الحيازة عندما يقع إعتداء عليها دون اعتداد بالحق الذي تحميه تلك الدعاوي بطريق غير مباشر، فحائز العقار، عندما يرفع دعوى الحيازة، يبغي بها حماية حيازته بطریق مباشر، وفي نفس الوقت يحمي بها ملكيته بطريق غير مباشر، إذ عندما تثبت له الحيازة المادية ، تقوم قرينة قانونية على توافر حيازته القانونية، ويتوافر تلك الحيازة الأخيرة، تقوم قرينة قانونية أخري علي ملكيته للعقار الذي يحوزه. وبذلك يثبت ملكيته بطريق غير مباشر رغم أنه لم يتمسك بالملكية وإنما بالحيازة.
أما دعوى الملكية، فتنصرف إلى القضاء بالملكية بطريق مباشر، وقد تكون دعوى باستحقاق العقار إذا وجد في حيازة المدعي عليه، أو تكون دعوى تثبيت الملكية عندما يكون العقار في حيازة المدعي، ويجب علي الأخير إثبات ملكيته للعقار حتي لو كان حائزاً له، وذلك باقامة الدليل على أنه قد توافر له سبب من أسباب كسب الملكية. كالعقد المسجل أو التقادم أو غير ذلك . من أسباب كسب الملكية، فإذا عجز عن هذا الإثبات، رفضت دعواه، ولا يترتب على هذا الرفض اعتبار المدعي عليه مالكاً ، كما لا يترتب عليه سقوط حق المدعي في رفع دعوى جديدة ، طالما كان الرفض بسبب عدم إقامة الدليل على الملكية، وبالتالي يجوز تقديم هذا الدليل في دعوى جديدة.
ومتي لجأ صاحب الحق إلى دعوى الملكية ، فإنه لا يتقيد بمدة السنة وإنما يجوز له رفعها في أي وقت مراعياً عدم اكتمال مدة التقادم المكسب.
الصفة في دعاوى الحيازة :
تتحقق الصفة، بوجود صلة بين الخصم والحق الذي تحميه الدعوى، ولما كانت دعوى الحيازة تتعلق بوضع اليد في ذاته أي مجرداً عن حق الملكية ، فإن الصفة فيها تتحقق بوجود صلة بين الخصم ووضع اليد، فالمدعي إذا كان له وضع يد على العقار ، تكون له صفة في الدعوى، إذ تتحقق بذلك صلته بالحق الذي تحميه الدعوى. فإن لم يكن له وضع يد فلا تكون له صفة حتي لو إدعي ملكيته للعقار، لأن دعوى الحيازة تحمي وضع اليد الحال أي المتوافر وقت الاعتداء، ولا تحمي الملكية إلا بطريق غير مباشر عندما يتوافر لدى واضع اليد سبب من أسباب كسب الملكية، وبالتالي يكون لواضع اليد صلة بالحق الذي تحميه دعوى الحيازة فتتوافر صفته ، خلافاً للمالك الذي ليس له وضع يد حال ، إذا لاتكون له صلة بوضع اليد والمدعى عليه، تتحقق له تلك الصلة إذا قام بالاعتداء علي الحيازة بسلبها أو بالتعرض للحائز أو بالبدء في إقامة أعمال جديدة ، فإذا إنتفت تلك الصلة ، انتفت صفته في دعوى الحيازة.
وعملاً بالمادة الثالثة من قانون المرافعات، فان الصفة أصبحت متعلقة بالنظام العام تتصدى لها المحكمة من تلقاء نفسها.
تكييف دعوى الحيازة :
تنحصر دعاوى الحيازة، في دعوى إسترداد الحيازة، ودعوى منع التعرض، ودعوى وقف الأعمال الجديدة ، ولكل منها شروطه ، فإذا انحصر الاعتداء في سلب الحيازة فقط، وجب اللجوء إلي دعوى إسترداد الحيازة ، أما إذا قام المغتصب الذي سلب الحيازة بالبناء في العقار أو إجراء هدم أو تعديل فيه ، فإن هذه الأعمال يتحقق بها التعرض للحائز، مما يوجب عليه اللجوء إلى دعوى منع التعرض، فان كان قد أقام الدعوى فور سلب الحيازة ، باعتبارها دعوى إسترداد حيازة، وجب عليه تعديل طلباته فيها إلى منع التعرض إذا توافرت لديه شروطها، فان لم يقم بهذا التعديل، قامت المحكمة ومن تلقاء نفسها بتكييف الدعوى بإنزال الوصف الصحيح عليها وأن تعتبرها، دعوى منع تعرض، ولا تملك الفصل فيها على هذا الأساس، التزاماً منها بسبب الدعوى الذي تضمنته الصحيفة ولا يجوز لها تغييره من تلقاء نفسها، وبالتالي يجب عليها الفصل فيها وفقاً للتكييف الذي خلصت إليه، وليس وفقاً للتكييف الذي أسبغه المدعي على دعواه ، ولما كانت شروط دعوى إسترداد الحيازة تختلف عن شروط دعوى منع التعرض، ولم يعدل المدعي طلباته ، فأنه يتعين على المحكمة أن تقضي بعدم قبول الدعوى بحالتها، ولا يحول هذا القضاء دون المدعي ورفع دعوى منع التعرض إذا كانت شروطها متوافرة وقت رفعها وليس وقت رفع الدعوى السابقة، إذ لا تعتبر الدعوى الجديدة استمراراً للدعوى السابقة، وإذا ترتب على رفع الدعوى الموضوعية السابقة خلال سنة، قطع مدة سقوطها أو مدة تقادمها، فيستمر هذا الانقطاع طالما ظلت الدعوى منظورة، وبالتالي إذا قام المدعي بتعديل طلباته إلي منع تعرض، فأنه يكون قد حفظ حقه حتي لو تم هذا التعديل بعد سنة من أعمال التعرض ، وإذ تختلف شروط دعوى إسترداد الحيازة عن شروط دعوى منع التعرض، اذ يلزم للدعوى الأخيرة توافر نية التملك بينما تكفي الحيازة المادية بغير قصد التملك في دعوى إسترداد الحيازة، كما يجب أن تستمر الحيازة لمدة سنة في دعوى منع التعرض ولا يلزم هذا الشرط في دعوى استرداد الحيازة ، ولذلك تقضي المحكمة بعدم قبول الدعوى على نحو ما تقدم اذا خلصت إلى عدم توافر شروط الدعوى التي تتفق مع التكييف الصحيح، أما اذا خلصت إلى توافر شروطها، فصلت فيها وفقاً للتكييف الذي أعطته للدعوى ولو من تلقاء نفسها.
فإن كانت الدعوى مرفوعة بمنع التعرض، دون أن تتوافر شروطها، وعندما كيفتها المحكمة تبين أنها دعوى استرداد حيازة مستوفية لشروطها، فإن المحكمة تفصل فيها على هذا الأساس ولو من تلقاء نفسها إذ كان علي المدعي رفعها وفقاً لهذا التكييف ، وبالتالي لا تقضي المحكمة بعدم القبول لأن محل ذلك أن تكون المحكمة اعتبرت الدعوى بمنع التعرض ولم تتوافر شروطها ولكنها اعتبرتها دعوى استرداد حيازة توافرت شروطها.
وكانت المادة السادسة من القانون رقم 56 لسنة 1959 جعلت الاختصاص في استئناف أحكام المحاكم الجزئية الصادرة في دعاوى الحيازة منعقداً لمحاكم الاستئناف ونص على أن الأحكام الصادرة من المحاكم الأخيرة في دعاوي الحيازة لا تقبل الطعن بطريق النقض، وبالتالي كان الفيصل في جواز الطعن أو عدم جوازه، يتوقف علي التكييف الصحيح للدعوى، وكانت محكمة النقض تراقب التكييف الذي تسبغه محكمة الاستئناف لدعوى الحيازة، إذ قد يؤدي الخطأ فيه إلي حرمان المحكوم عليه من الطعن بالنقض عندما تعتبر محكمة الاستئناف الدعوى من دعاوى الحيازة، ووفقاً لقانون المرافعات الحالي فان دعاوى الحيازة تخضع للقواعد العامة في الاختصاص وطرق الطعن .
أثر التكييف على تخلف شروط الدعوى :
أوضحنا فيما تقدم أن التكييف قد يطرح علي المحكمة دعوى غير التي رفعها المدعي، فإذا رفع المدعي دعوى استرداد حيازة وتمت أعمال التعرض ، أصبحت الدعوى ، دعوى منع تعرض، مما يوجب على المحكمة التصدي لها، فإذا كانت شروط دعوى إسترداد الحيازة متوافرة، بينما لم تتوافر شروط دعوى منع التعرض التي أصبحت مطروحة على المحكمة، كما لو كانت حيازة المدعي مادية ولم تتوافر لديه نية التملك، أو كانت حيازته لم تستمر سنة كاملة ، وهما من شروط دعوى منع التعرض ، ففي هذه الحالة تقضي المحكمة بعدم قبول الدعوى، وحينئذ لا يكون أمام المدعي إلا اللجوء لدعوى المسئولية التقصيرية، إذ فقدت حيازته الحماية ولم يكن له حق في العقار يجيز له رفع دعوى الحق، أما إن توافرت شروط دعوى منع التعرض، تصدت لها المحكمة.
دعوى استرداد الحيازة
شروط دعوى استرداد الحيازة :
تنص المادة 958 من القانون المدني، على أن لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه. فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت أن ينكشف ذلك. ويجوز أيضاً أن يسترد الحيازة من كان حائزاً بالنيابة عن غيره .
مفاده، أن دعوى استرداد الحيازة، هي الدعوى التي يرفعها حائز العقار الذي سلبت حيازته طالباً رد العقار إليه. وهي دعوى موضوعية يتناول فيها القاضي بحث أصل الحيازة وصفائها القانونية، فإن توافر شرط الاستعجال ، جاز اللجوء لقاضي الأمور المستعجلة لرد الحيازة كإجراء وقتي لحين اللجوء لمحكمة الموضوع
ويشترط لقبول دعوى استرداد الحيازة :
1 -الحيازة المادية بشروطها القانونية : يكفي توافر الحيازة المادية الحالية بأن تكون للمدعي حيازة ثابتة وقت حصول الإعتداء عليها، ويكفي فيها أن تكون حيازة مادية ولو لم تكن بقصد التملك، على أن تكون حيازة هادئة وظاهرة ويجوز لمن كان نائباً عن غيره في الحيازة رفع هذه الدعوى کالمستأجر والمستعير والحارس والمرتهن رهن حيازة ولمن يضع اليد على أموال الدولة مادامت تکفي الحيازة المادية التي لا يكون القصد منها اكتساب الملكية بالتقادم وأيضاً للمرخص له في استعمال المال العام فله استرداد حيازته، ونطاق ذلك، ألا تكون الادارة هي التي سلبت الحيازة ، إنما يكون الغير هو الذي سلبها، لأن التعرض المستند إلى قرار إداري اقتضته مصلحة عامة لا يصلح أساساً لرفع دعاوى الحيازة لمنع هذا التعرض، لما يترتب على الحكم فيها لمصلحة الحائز من وقف تنفيذ القرار الإداري، وهو ما لا يجوز قانوناً، على نحو ما أوضحناه فيما تقدم بالنسبة للحالات التي لا يجوز فيها اللجوء إلى دعاوى الحيازة.
ويجب أن تكون للمدعي وقت سلب الحيازة ، حيازة مادية وقت وقوع الاعتداء، بأن تكون يده متصلة بالعقار إتصالاً مادياً وقت سلب حيازته بأن تتوافر سيطرته عليه ولا يلزم أن يكون متواجداً به في ذلك الوقت، وإنما يكفي بسط سيطرته عليه، أما اذا فقد هذه السيطرة، قبل سلب الحيازة، فلا تكون له حيازة حالية، وبذلك يفقد شرط من شروط قبول الدعوى ، مثال ذلك أن يقضي بطرد الحائز للعقار ويتم تنفيذ هذا الحكم، فيفقد الحائز سيطرته المادية على العقار بحيث إذا سلبت حيازته بعد ذلك ، فلا يجوز له رفع دعوى إسترداد الحيازة لأنه لم تكن له حيازة مادية حالية وقت سلب الحيازة، أما أن كانت للحائز حيازة مادية حالية وقت سلبها، توافرت شروط قبولها.
كما يشترط ألا يوجد عقد بين الحائز وبين من سلب الحيازة إذ يجب في هذه الحالة اللجوء لدعوى العقد لمنع تعرض المتعاقد فاسترداد الحيازة لا يكون إلا عند انتفاء التعاقد، ولمن قامت حيازته علي عمل من أعمال التسامح أن يحمي حيازته حتى من المالك الذي سمح له بالحيازة ، ولا يشترط أن يكون الحائز حسن النية فللحائز سيء النية استرداد حيازته، كذلك لا يشترط أن تكون الحيازة استمرت مدة معينة ، خلافاً لدعويين الحيازة الآخريين، فللحائز الذي ثبتت له الحيازة الهادئة والظاهرة ولو لأية مدة أن يسترد حيازته إذا سلبت منه بالقوة.
2- فقد الحيازة :
بأن يحرم الحائز حرماناً كاملاً من الانتفاع بالعين بالقوة ولكن لا يلزم أن يتوفر ذلك بالإكراه المادي فيكفي أن يكون رغم إرادة الحائز على نحو لا سبيل له إلى دفعه بأن كان إيثاراً للعافية ولو لم يقع اعتداء مادي، أو كان وليد غش أو تدليس أو تحيل، فكل عمل غير مشروع يعد اكراهاً مادام أن من شأنه الإخلال بالنظام والأمن العام فمن يدعي حقاً على العقار يكون سبيله لاسترداده اللجوء للقضاء وإلا أعتبر معتدياً وتعين رد العقار إلي حائزه ثم يلجأ من يدعي حقاً عليه للمطالبة به قضائياً فليس للإنسان أن يأخذ حقه بيده ، وتستوي الخلسة مع الإكراه، فمن يستولي على حق بطريق الخفية يكون مغتصباً وللحائز أن يسترد العقار منه، وإذا نزع العقار من الحائز تنفيذاً لحكم قضائي لم يكن الحائز طرفاً فيه اعتبر هذا التنفيذ غصباً حتى لو كان القصد من التنفيذ تسلم العقار لحارس قضائي ومن ثم يكون للحائز استرداد العقار من انتقل إليه تنفيذاً لهذا الحكم، وقد يقوم النصب على الغش والخديعة والتحايل، فإن كانت الحيازة لم تفقد بالقوة أو الإكراه ، بل تم التخلي عنها طواعياً وبدون غش أو تحيل، فان استردادها لا يكون عن طريق دعوى الحيازة وإنما عن طريق دعوى الحق، وهي دعوى طرد الغاصب أو دعوى الإستحقاق.
فإن وجد عقد فليس لأي من طرفيه اللجوء لدعوى استرداد الحيازة وإنما لدعوى العقد لالزام المدعي عليه بمراعاة شروط العقد فالمستأجر يلجأ لدعوى منع التعرض إذا تعرض له المؤجر وفقاً للمادتين 571 و 572 مدني ومثل المستأجر أي متعاقد أخر.
3- يجب رفع الدعوى خلال سنة من سلب الحيازة :
إذا وقع الغصب بالغش والتحايل، كمن يدخل عقاراً تسامحاً من حائزه، بينما كان من دخل العقار ينتوي اغتصابه إلا أنه لم يفصح من مكره إلا عندما طلب إليه الحائز ترکه فامتنع، فإن مدة السنة تبدأ من هذا الوقت الذي جهر فيه المغتصب بقصده دون اعتداد بالمدة السابقة حتى لو توافرت خلالها نية الغصب ، إذ يكون الغصب في هذه الحالة خفياً فلا يحاج الحائز به وفقاً لنص المادة 957 ورفع الدعوى خلال سنة من سلب الحيازة. شرط لقبول الدعوى. على نحو ما أوضحناه ببند «أثر رفع الدعوى بعد انقضاء سنة» فيما تقدم.
ولا يشترط لقبول دعوى إسترداد الحيازة، أن يكون المدعي قد وضع يده على العقار مدة سنة سابقة على سلب الحيازة، إذ يكفي أن يكون له حيازة ظاهرة وهادئة ولو لم تستمر مدة سنة كاملة خلافاً لدعويي منع التعرض ووقف الأعمال الجديدة إذ تطلب القانون لقبولهما أن تكون الحيازة قد استمرت سنة كاملة قبل التعرض أو البدء في الأعمال.
التزام المحكمة ببيان شروط الدعوى :
يجب على المحكمة أن تبين في مدونات حكمها الوقائع التي تستخلص منها توافر شروط دعوى إسترداد الحيازة أو عدم توافرها، فتوضح ما إذا كان المدعي قد توافرت له الحيازة المادية بأن كان له وضع يد علي العقار وقت أن سلبت حيازته، والأدلة على ذلك ، استيفاء لتوافر شرط الحيازة المادية الحالة، ثم تبين أن المدعي قد فقد تلك الحيازة بأن سلبها منه المدعى عليه الذي أصبح يضع يده على العقار والكيفية التي سلبت بها الحيازة والتي لا تستند إلى سبب قانوني ، ثم تبين أن الدعوى رفعت خلال سنة من سلب الحيازة.
فإن لم تبين المحكمة ذلك كله، واكتفت بالقول بتوافر شروط الدعوى ، كان حكمها مشوباً بالقصور المبطل.
شرط الاستعجال :
متي توافرت شروط دعوى استرداد الحيازة على نحو ما سلف ، وكان الاعتداء يستدعي اتخاذ إجراء وقتي بشأنه وكان يخشي على مصالح الحائز من فوات الوقت، فله أن يلجأ لقاضي الامور المستعجلة ليرد إليه حيازته كإجراء وقتي ، لحين اللجوء لمحكمة الموضوع. وقد افترض المشرع توافر شرط الاستعجال في دعوى استرداد الحيازة، ولذلك لا يتناول قاضي الأمور المستعجلة بحث هذا الشرط. ولا تعتبر الدعوى المستعجلة من دعاوى الحيازة وانما مجرد إجراء وقتي، تحكمه قواعد الدعوى التي ترفع إلي قاضي الأمور المستعجلة وفقاً للمادة 45 من قانون المرافعات.
الآثار المترتبة على الحكم برد الحيازة :
يترتب علي الحكم برد الحيازة، أن تعتبر الحيازة مستمرة منذ بدء وضع اليد وحتى تنفيذ الحكم بردها ، فإذا كانت بنية التملك، احتسبت مدة الغصب ضمن مدة التقادم، وكأنها لم تنقطع ، وإن كان الحائز ينوب عن غيره ، احتسبت مدة الغصب ضمن مدة التقادم بالنسبة للأصيل. فإن كان المؤجر يحوز عقاراً بنية التملك، وبعد تأجيره سلبت حيازته من المستأجر، فإن استرداد الأخير له. يؤدي إلي إعتبار أن حيازة المؤجر مستمرة منذ بدء وضع يده وحتي تمسكه بالتقادم طالما لم ينقطع التقادم.
أما إن لم ترفع دعوى الحيازة خلال سنة من سلبها، فإن وضع اليد السابق علي سلب الحيازة يعتبر كأن لم يكن ، فلا يحتسب ضمن مدة التقادم إذا تمسك به من سلبت حيازته ، إذ تحتسب تلك المدة اعتباراً من تاريخ وضع يده اللاحق لسلب حيازته.
دعوى طرد الغاصب ودعوى استرداد الحيازة : دعوى طرد الغاصب ، يقصد بها حماية الحق وتمكين المدعي فيها من إستعمال هذا الحق وفقاً لطبيعة الشيء الوارد عليه ، فهي دعوى تتعلق بأصل الحق المغتصب لاسترداده. ويلجأ إليها المالك إن لم ينازعه الغاصب في ملكية العقار، فإن كان ينازعه ، وجب على المالك رفع دعوى باستحقاقه العقار، ولما كانت عارية الإستعمال ترد على العقار، فإنها تنشئ التزامات شخصية بين طرفيها ، يترتب عليها التزام المستعير برد العقار عند إنتهاء العارية، أو عند طلب المعير ذلك ، فتكون دعوى طرد المستعير لإنتهاء العارية ، دعوى شخصية ولو كان محل العارية عقار، خلافاً لدعوى الاستحقاق فهي دعوى ملكية، ويستند المدعي في دعوى طرد الغاصب في حالة العارية، إلى عقد العارية المنشئ للالتزام بالرد، وبالتالي لا تبحث الملكية، فقد يكون المعير مالكاً أو غير مالك، فإن لم يوجد عقد بين الطرفين، فلا يكون أمام المدعي إلا دعوى الاستحقاق أو دعوى إسترداد الحيازة إذا توافرت له شروطها.
ولما كان عقد البيع غير المسجل، يجيز للمشتري رفع جميع الدعاوى المتعلقة بالمبيع، ومن ثم يجوز له رفع الدعوى بطرد الغاصب، باعتبار أن عقد البيع ولو لم يكن مسجلاً ، ينقل له كافة الحقوق فيما عدا حق الملكية، ومن هذه الحقوق، الحق في الانتفاع بالمبيع وإتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك ومنها دعوى طرد الغاصب، وهي بذلك تتعلق بأصل الحق.
أما دعوى استرداد الحيازة فأنها تستند إلى الحيازة وأن للمدعي وضع ید على العقار الذي سلبت حيازته، فلا يبحث فيها أصل الحق، وبالتالي يجوز رفعها من مالك أو غير مالك.
دعوى منع التعرض :
شروط دعوى منع التعرض :
تنص المادة 961 من القانون المدني، على أن من حاز عقاراً واستمر حائزاً له سنة كاملة ثم وقع له تعرض في حيازته، جاز أن يرفع خلال السنة التالية دعوى بمنع هذا التعرض.
مفاد ذلك، أن لحائز العقار اللجوء لدعوى منع التعرض في كل صور التعرض للحيازة، وهي دعوى موضوعية يتناول فيها القاضي بحث أصل الحيازة وصفاتها القانونية ليستخلص ما إذا كانت بنية التملك أم كانت عرضية أو على سبيل التسامح مما تنتفي معه نية التملك، وله في سبيل ذلك إحالة الدعوى إلى التحقيق ولو من تلقاء نفسه للوقوف على وصف الحيازة وماهية التعرض الذي تقبل معه دعوى منع التعرض، وبالتالي لا يجوز التصدي لها إلا بعد بحث، أصل الحيازة وصفاتها القانونية، وهو ما يحول دون رفعها أمام قاضي الأمور المستعجلة..
ويشترط لقبول دعوى منع التعرض أن تتوافر الشروط التالية :
1 -توافر الحيازة القانونية للمدعي بعنصريها المادي والمعنوي : بمعني أن تكون الحيازة أصيلة أي بنية التملك، فلا تكفي الحيازة العارضة لمنع التعرض الواقع على حق الملكية ومن ثم لا تقبل الدعوى إذا أقامها حائز لم تنصرف نيته إلي تملك العقار أو صاحب حق الانتفاع أو صاحب حق الارتفاق أو المرتهن رهن حيازة أو المستأجر فحيازة هؤلاء بالنسبة لحق الملكية هي حيازة عارضة ينوبون فيها عن المالك. فالملك وحده هو صاحب الحيازة الاصيلة الذي تقبل به دعوى منع التعرض، ولكن يعتبر هؤلاء حائزين أصليين بالنسبة للحق المقرر لهم على العقار، فالمستأجر يعتبر حائزاً أصيلاً بالنسبة لحقه في الانتفاع بالعين ومن ثم يحق له رفع دعوى منع التعرض ضد كل من يتعرض له في هذا الانتفاع.
ويجب لتوافر نية التملك، أن تكون حيازة المدعي . أن لم يكن مالکاً متعدياً قصد بها کسب ملكية العقار على التفصيل الذي أوضحناه ببند شروط الحيازة المكسبة للحق فيما تقدم، فإن لم تكن الحيازة متعدية، فلا تتوافر نية التملك وبالتالي تفقد دعوى منع التعرض أحد شروط قبولها، كما لو كانت الحيازة على سبيل التسامح، کفتح مطل على أرض فضاء أو حديقة للجار خاصة إذا كان المطل على الحديقة في الطوابق العليا، وأيضاً السماح بالمرور.
ولا يتوافر العنصر المعنوي للحيازة إلا بتوافر العنصر المادي المتمثل في وضع اليد ، فإذا تمسك المدعي عليه بعدم توافره ، تعين على المحكمة إحالة الدعوى إلي التحقيق وتكلف المدعي إثباته بكافة الطرق المقررة قانوناً باعتباره واقعة مادية.
فإن كان العقار لا يجوز تملكه بالتقادم عملاً بالمادة 970 فلا يجوز اللجوء لدعوى منع التعرض، على التفصيل الذي أوضحناه ببند طرد الغاصب الأملاك الدولة والوحدات الاقتصادية ، فيما تقدم.
ولما كان المشتري للعقار بعقد لم يسجل بعد، تتوافر في حيازته للعقار نية التملك، ومن ثم يجوز له اللجوء لدعوى منع التعرض ، إذ لا يشترط أن تكون الملكية قد انتقلت إليه إلا إذا لجأ كدعوى الملكية لدعوى استحقاق العقار أو تثبيت ملكيته له.
2- يجب أن تكون الحيازة قد استمرت للمدعي لمدة سنة كاملة :
علي الأقل ظاهرة هادئة غير غامضة ويقع على المدعي إثبات ذلك، ولكن لا يشترط أن يكون حسن النية ، وللخلف أن يضم مدة سلفه «م 955 ».
فإن لم تكن الحيازة قد استمرت للمدعي سنة كاملة، وانتزعت منه ، فإن لم يستردها خلال سنة ، فإن الحيازة تكون قد استمرت للمدعى عليه مدة سنة ويصبح هو الحائز الذي تحمي حيازته. فإذا أراد المدعي استرداد حيازته خلال السنة ، وكان هو ومن سلب الحيازة لم تمضى على حيازة أي منهما سنة كاملة، قضي لصالح من كانت حيازته أحق بالتفضيل وفقاً للمادة 959 من القانون المدني، والحيازة الأحق بالتفضيل هي التي تقوم على سند من القانون، فإن تعادلت السندات ، كانت الحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة الأسبق في التاريخ. وينحصر ذلك في دعوى الحيازة دون دعوى الحق، ذلك أن المقرر أن البيع التالي للوحدة السكنية يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً حتى لو سجل، فيكون المشتري الأول هو عماد الحيازة الأحق بالتفضيل إذا سلبها منه المشتري الثاني الذي يعتبر عقده کأن لم يكن لبطلانه المطلق، وإذا لجأ المشتري الأول لدعوى الحق، قضي له ببطلان عقد البيع الثاني بطلاناً مطلقاً وتسليمه الوحدة السكنية.
فلا تقبل دعوى منع التعرض إلا إذا استمرت حيازة المدعي سنة كاملة ، فإن لم تكتمل، فلا تحمي الحيازة برفع الدعوى، وإنما بدعوى استرداد الحيازة.
3 -أن يكون العقار أو الحق العيني موضوع الحيازة مما يمكن اكتساب ملكيته بمضي المدة :
ومن ثم لا تقبل دعوى منع التعرض التي يقيمها مغتصب المال المملوك للدولة سواء كان مالاً عاماً أو خاصاً إذ لا يجوز تملكه بالتقادم «م 970» وكذلك أموال الجهات الواردة بهذا النص، فإن كانت الحيازة واقعة علي حق ملكية لأحد الأفراد أو حق انتفاع أو حق ارتفاق ظاهر فيجوز اللجوء بصدده لدعوى منع التعرض لإمكان اكتسابه بالتقادم، أما حقوق الارتفاق غیر الظاهرة فلا تكتسب بالتقادم «م 1016/2 مدني» فلا يحمي الانتفاع بها بدعاوي الحيازة لأن حيازتها بعيبها عيب الخفاء أو شبهة الانتفاع بها علي سبيل التسامح ما لم يكن الارتفاق مقرراً بنص القانون أو باتفاق الخصوم، وأعمال التسامح لا تكسب حيازة «م 949».
وذلك على التفصيل الذي أوضحناه ببند طرد الغاصب لأملاك الدولة والوحدات الاقتصادية ، فيما تقدم. "
4 -أن يقع تعرض للحائز :
بعمل مادي أو قانوني يتضمن إدعاء ينطوي على منازعة للحائز في حيازته، ويتم التعرض المادي بأي فعل مادي يتوفر به الاعتداء على العين فيحرم الحائز من الانتفاع بها كلياً أو جزئياً كسلب الحيازة أو زراعة الأرض أو تمهيدها للزراعة أو حرثها أو ريها أو اقامة بناء أو حفر مسقي أو قطع أشجار أو فتح نافذة غير قانونية لما في ذلك من ادعاء لحق ارتفاق على عقار الحائز، أو سد مطل اکتسبه صاحبه بالتقادم.
أما التعرض القانوني، فيكون بادعاء المدعي عليه لحق يعارض به حيازة المدعي ، كما إذا أنذر المدعى عليه مستأجر العقار بدفع الأجرة له دون المدعي ، وكما إذا وجه المدعي عليه انذاراً للمدعي بعدم البناء في الأرض التي في حيازة الأخير، وكذلك إذا أنذر الجار جاره بعدم هدم الجدار لأنه مشترك بينهما.
فإن لم يقع التعرض علي نحو ما تقدم، فلا تكفي الخشية من وقوعه في المستقبل، وهو أمر قد لا يتحقق ويتعلق بحق سلبي لا يجوز اللجوء في شأنه إلى دعوى منع التعرض، مثال ذلك أن توجد أرض فضاء بين عقارين خصصت كمطل لهما وحظر على المالكين البناء بها، فتتوافر لكل منهما الحيازة القانونية ، ولا يجوز لأي منهما اللجوء إلي دعوى منع التعرض إلا إذا وقع تعرض من المالك الآخر، فإن لم يقع التعرض، فلا تقبل دعوى منع التعرض لمجرد رغبة رافعها في الزام المدعي عليه بعدم البناء، لأن هذه الغاية متحققه بالفعل بموجب الاتفاق المبرم بين المالكين على ترك الأرض فضاء لتكون مطلاً للعقاريين .
5- أن ترفع الدعوى خلال سنة من حصول التعرض : فإن انقضت هذه المدة سقط حق الحائز في رفع دعوى منع التعرض ولا يكون له إلا رفع دعوى الحق، وإذا تعددت أعمال التعرض وكانت مستقلة فتتعدد دعاوى منع التعرض وتحتسب السنة من بداية كل عمل وأن كان التعرض بمثابة عمل أقيم في ملك المدعي عليه فلا تبدأ السنة إلا من الوقت الذي يتحقق به التعرض بهذا العمل للمدعي فمن يقيم بناء في ملکه يؤدي إلي سد مطل، فإن التعرض لصاحب المطل لا يتحقق إلا بوصول البناء إلي مطله فتبدأ السنة من هذا الوقت وأن كان له أن يلجأ لدعوى وقف الأعمال الجديدة، وفي حالات التسامح لا تبدأ السنة إلا من وقت مجابهة المتعرض للحائز وليس من وقت وضع اليد الذي تم على سبيل التسامح، كما لا تبدأ السنة إلا من وقت علم الحائز بالتعرض إن لم يكن قد بدأ في مواجهته ، وذلك على التفصيل الذي أوضحناه ببند، انقضاء الحيازة بالمانع إذا إستمر سنة كاملة بعلم الحائز، فيما تقدم
وقررنا بصدد دعوى إسترداد الحيازة، أن الحائز إن لم يرفع هذه الدعوى خلال سنة من سلب حيازته ، فإن مدة وضع اليد السابقة علي سلب حيازته تعتبر كأن لم تكن فلا تحتسب له عند تمسكه بالتقادم، وهو لا يتحقق في دعوى منع التعرض، إذ تظل الحيازة للمدعي وينحصر الجزاء في سقوط الحق في اللجوء لهذه الدعوى ولا يبقى إلا اللجوء لدعوى الحق.
وثار الخلاف حول طبيعة تلك السنة، فذهب رأي إلي اعتبارها مدة تقادم خاص، بينما ذهب رأي آخر إلي اعتبارها میعاد سقوط لا يرد عليه وقف أو انقطاع، على التفصيل الذي أوضحناه ببند، طبيعة السنة الواجب رفع الدعوى خلالها، فيما تقدم.
ولا يجوز اللجوء لدعوى منع التعرض إذا وجد تعاقد بين الخصمين بل يجب اللجوء لدعوى هذا العقد لالزام المدعي عليه بتنفيذ شروطه كالمستأجر إذا تعرض له المؤجر فإنه يتعين عليه اللجوء لدعوى منع التعرض وفقاً للمادتين 571 و 572 ومثل المستأجر أي متعاقد آخر، فتنحصر دعوى منع التعرض في الحالات التي ينتفي فيها التعاقد بين الخصمين.
لا ولاية للقضاء المستعجل في دعوى منع التعرض :
تتطلب دعوى منع التعرض ، أن تبحث المحكمة أصل حيازة المدعي وصفاتها القانونية لتتحقق مما إذا كان يجوز له حماية حيازته من الاعتداء الواقع عليها، وإذا نازعه المدعي عليه فيها، تصدت لأي من الحيازتين أحق بالتفصيل، وهو ما يتطلب بحث موضوع الحيازة لإصدار حكم قاطع فيها، مما يحول دون اتخاذ إجراء وقتي في شأنها، فإذا رفعت إليه بطريق الخطأ، قضي بعدم اختصاصه وبإحالتها لمحكمة الموضوع.
اتساع ولاية قاضي منع التعرض للإزالة والتسليم :
ينشأ طلب الحائز بازالة أعمال التعرض ، عندما يتحقق هذا التعرض بالفعل، أما قبل ذلك فلا يكون لهذا الطلب محل، ولذلك لا يطرح طلب الإزالة إلا على المحكمة التي تنظر دعوى منع التعرض، فدعوي إسترداد الحيازة ترمي إلى رد الحيازة، فلا يثور فيها طلب الإزالة إلا إذا قام المدعى عليه باقامة بناء بالعقار، وحينئذ يتحقق التعرض بإقامة البناء، مما يوجب على المدعي أن يعدل طلباته إلي منع تعرض والإزالة، وأيضاً إذا بدأ الجار في إقامة بناء يترتب على الاستمرار فيه سد مطل لجاره، فيرفع الأخير دعوى بوقف الأعمال الجديدة، لأن التعرض لم يتم بعد، فإذا استمرت أعمال البناء حتى وصلت إلى الحد الذي يترتب عليه سد المطل، تحقق بذلك التعرض، مما يوجب على المدعي تعديل طلباته إلى منع التعرض والإزالة.
يدل ذلك، على أن إزالة الأعمال التي أدت إلى تحقيق التعرض للحائز، لا تطرح إلا في دعوى منع التعرض دون دعوى استرداد الحيازة ووقف الأعمال الجديدة، والطلب المتعلق بذلك موضوعي لمساسه بأصل الحيازة وصفاتها ، ولذلك تختص به محكمة الموضوع التي تنظر دعوى منع التعرض ، ويخرج عن ولاية قاضي الأمور المستعجلة، بحيث إذا طرح عليه هذا الطلب مع دعوى منع التعرض، تعين عليه أن يقضي بعدم اختصاصه، ولا يقف عند هذا الحد، وإنما يأمر بإحالة الدعوى إلي محكمة الموضوع المختصة، باعتبار أن الطلبات المطروحة عليه موضوعية وقد رفعت إليه بطريق الخطأ.
ذلك أن الحائز ، سواء كان مالكاً أو غير مالك، إذ سلب الغير حيازة عقاره، وأقام بناء به، توافر بذلك التعرض، سواء في الملك أو في الحيازة، مما يجوز معه اللجوء إلى دعوى الحق بموجب أحكام الالتصاق المنصوص عليها في المادة 924 من القانون المدني، فيطلب إزالة البناء على نفقة من أقامه مع التعويض وذلك في ميعاد سنة من اليوم الذي يعلم فيه بإقامة البناء، أو أن يطلب إستبقاء البناء مقابل دفع قيمته مستحق الإزالة ، أو دفع مبلغ يساوي ما زاد في ثمن الأرض بسبب هذا البناء. كما يجوز للحائز أن يلجأ لدعوى الحيازة ، برفع دعوى بمنع تعرض المدعى عليه وإزالة البناء وتسليم الأرض خالية مما يشغلها، وحينئذ تقضى محكمة الحيازة بذلك ، وهي بهذا القضاء تعيد الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعرض ، التزاماً بسبب الدعوى الذي لا يجوز لها تعديله، وهو ما يحول دونها ودون المدعى عليه بالتمسك بأحكام المادة 924 من القانون المدني، لما في ذلك من تغيير لسبب الدعوى واستبدال دعوى الحق بدعوى الحيازة التي رفعها الحائز
وتنحصر طلبات الحائز في دعوى الحيازة، في منع التعرض والازالة والتسليم، دون أن يكون له الحق في طلب استبقاء البناء مقابل دفع قيمته مستحق الإزالة، أو دفع مبلغ يساوي مازاد في ثمن الأرض بسبب هذا البناء، لتعلق هذه الطلبات بدعوى الحق وليس بدعوى الحيازة.
وتعتبر الازالة تنفيذاً عينياً لالتزام المدين يجبر عليه، علي أنه إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين ، جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدي ، إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً ، وفقاً لما تنص عليه المادة 203 من القانون المدني، وما قررته الفقرة الثانية من المادة 1018 منه في حالة الاعتداء على حقوق الارتفاق التبادلية. ذلك أن التنفيذ العيني والتنفيذ بطريق التعويض قسيمان يتقاسمان تنفيذ التزام المدين، بحيث إذا تعلق الارتفاق بعدم البناء ، أو أنه قد ترتب علي البناء سد مطل. ثم تبين لقاضي الحيازة أن نفقات البناء المخالف باهظة، مما يوجب القضاء بالتعويض بدلاً من التنفيذ العيني المتمثل في الازالة. وهو ما يخرج عن ولايته، باعتبار أن القضاء بالتعويض في هذه الحالة، هو قضاء في دعوى الحق التي لا شأن لقاضي الحيازة بها، ومن ثم يتعين عليه القضاء بعدم قبول دعوى الحيازة رغم أن المدعي لم يطلب التعويض، إذ يعتبر هذا الطلب مطروحاً فيها إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين.
ذلك أن القاعدة التي تقرر أن التنفيذ العيني والتنفيذ بطريق التعويض قسيمان يتقاسمان تنفيذ التزام الدين، تثار في دعوى الحق حتى تكون للقاضي ولاية في إعمالها، ولا محل لها في دعوى الحيازة حتى لا يجمع القاضي بينها وبين دعوى الحق.
والعبرة بقيمة تكاليف البناء المخالف، بوقت الحكم وليس بوقت رفع الدعوى، فإن كانت تلك القيمة يسيرة وقت رفع الدعوى، ثم أصبحت باهظة وقت الحكم، وجب اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض، سواء كان الحكم ابتدائياً أو إستئنافياً ، على أن يراعي تعسف المدين عند تقدير التعويض.
وتثبت التكلفة بمعرفة أهل الخبرة أو بالمستندات التي تطمئن إليها المحكمة.
دعوى وقف الأعمال الجديدة
شروط دعوى وقف الأعمال الجديدة :
تنص المادة 962 من القانون المدني على أن من حاز عقاراً واستمر حائزاً له سنة كاملة وخشي لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته ، كان له أن يرفع الأمر إلى القاضي طالباً وقف هذه الأعمال، بشرط ألا تكون قد تمت ولم ينقض عام على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث الضرر.
وقد تضمن هذا النص الشروط الواجب توافرها لقبول دعوى وقف الأعمال الجديدة، وتتفق دعوى وقف الأعمال الجديدة مع دعوى منع التعرض من حيث استلزام توافر الحيازة القانونية الواضحة الهادئة الظاهرة، وفي استمرارها مدة سنة، وأن ترد الحيازة علي عقار أو حق عيني مما يكسب بالتقادم، فنحيل بالنسبة لهذه الشروط إلى ما أوضحناه فيما يتعلق بشروط دعوى منع التعرض .
وتختلف الدعويان من حيث سبب كل منهما، ففي الدعوى الأولي يكون العمل لم يصل لحد التعرض إنما يكون شروعاً فيه ومن ثم فلا يقع هذا العمل إلا بعقار المدعى عليه إذ لو وقع بعقار المدعي لكان تعرضاً كمن يبني في ملکه مما قد يؤدي عند استكمال البناء إلى سد مطل فيسارع صاحب المطل ويقيم دعوى يطلب فيها وقف أعمال البناء حتى لا تؤدي إلى سد مطله ، كما تختلف الدعويان من حيث سقوط الحق في رفع الدعوى فيسقط الحق في رفع الدعوى الأولى بمضي سنة على الشروع في العمل أو بتمامه فيصيح تعرضاً للحائز ويكون للأخير رفع دعوى منع التعرض من وقت حصول التعرض .
فإذا لجأ الحائز، بعد تمام الأعمال إلي دعوى منع التعرض وطلب الازالة، وتبين للمحكمة أن البناء باهظ التكاليف، قضت بعدم قبول الدعوى . ولو من تلقاء نفسها، وحينئذ يرفع الحائز دعوى تعويض أمام المحكمة المختصة بدعوى الحق عملاً بالمادتين 203 ، 1018 من القانون المدني، والعبرة بهذه التكاليف عند الحكم في دعوى الحيازة وليس عند رفعها.
ويشترط في العمل المطلوب وقفه أن يكون قد بدء فيه دون أن يتم وإلا كان تعرضا، وأن تتوفر الاسباب المعقولة للقول بأن هذا العمل لو تم لتضمن تعرضاً للحائز وتلك مسألة واقع يقدرها قاضي الموضوع للفصل في النزاع وله أن يستعين بخبير أو بإجراء معاينة.
ويجب أن ترفع الدعوى خلال سنة من البدء في الأعمال المطلوب وقفها حتى لو أوقف المدعى عليه العمل مؤقتاً ، فإن انقضت السنة سقط حق المدعي في الدعوى ولا يكون أمامه إلا اللجوء لدعوى منع التعرض إذا كانت الأعمال قد وصلت إلى الحد الذي يتوافر به التعرض ، ومن هذا الوقت يجب على الحائز رفع دعوى منع التعرض خلال سنة من هذا الوقت، بحيث إذا انقضت تلك السنة، سقط حق الحائز في رفع دعوى منع التعرض ولا يبقى أمامه إلا رفع دعوى الحق بطلب الإزالة والتعويض إن توافر الضرر بالحائز، فإن كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين، استحال التنفيذ العيني إلى تنفيذ بطريق التعويض على نحو ما أوضحناه بصدد التنفيذ العيني لإلتزام المدين.
فيبدأ الحق في إقامة دعوى وقف الأعمال الجديدة عندما يبدأ الجار، مثلاً ، في أعمال الحفر لتشييد بناء من شأنه إذا وصل لإرتفاع معين أدي إلي سد مطل، فتبدأ السنة من تاريخ البدء في هذه الأعمال حتى لو توقفت مؤقتاً ، فإن لم تكن هذه الدعوى قد رفعت في موعدها، ووصلت أعمال البناء إلي الإرتفاع الذي أدي إلي سد المطل وجب رفع دعوى منع التعرض خلال سنة من وصول أعمال البناء لهذا الارتفاع.
وان ترتب علي البدء في أعمال الحفر تحقق التعرض للجار، كما لو ألقيت الأتربة بممر مشترك بين الجارين، جاز في صحيفة واحدة طلب وقف الأعمال الجديدة ومنع التعرض طالما لم يترتب على القاء الأتربة المنع الكلي من استعمال الممر، وإلا تحقق التعرض ومن ثم يكون اللجوء لدعوى منع التعرض وحدها.
فان رفع الحائز دعوى وقف الأعمال الجديدة وحدها وقبل الفصل فيها تحقق التعرض له بوصول البناء إلي ما يتجاوز المطل مما أدي الي سده ، وحينئذ تنتفي مصلحة الحائز من الدعوى ، فان كانت موضوعية، وجب عليه تعديل طلباته فيها إلى منع التعرض وحينئذ تتسع ولاية قاضي الحيازة إلى الحكم بالازالة، فان كانت قد رفعت كدعوى مستعجلة، قضي فيها بعدم الإختصاص دون إحالة لمساس الحكم بأصل الحق ولم تمتد إلي طلب موضوعي
وقد ثار الخلاف حول طبيعة هذه السنة، فذهب رأي إلي اعتبارها مدة تقادم خاص يرد عليها الوقف والانقطاع، بينما ذهب رأي أخر إلي اعتبارها میعاد سقوط، لايرد عليه وقف أو إنقطاع ويسري في حق الكافة بمن فيهم الغائب وناقص الأهلية. وذلك على التفصيل الذي أوضحناه ببند، طبيعة السنة الواجب رفع الدعوى خلالها، فيما تقدم.
شرط الكفالة :
تنص الفقرة الثانية من المادة 962 من القانون المدني علي أنه، وللقاضي أن يمنع إستمرار الأعمال أو أن يأذن في استمرارها، وفي كلتا الحالتين يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة تكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضماناً لإصلاح الضرر الناشئ من هذا الوقف، متى تبين بحكم نهائي أن الاعتراض على إستمرارها كان على غير أساس ، وتكون في حالة الحكم باستمرار الأعمال ضماناً لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها إصلاحاً للضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي في مصلحته.
مفاده أنه يجوز عند الحكم بوقف العمل أو بالاستمرار فيه أن يقضي بكفالة علي من حكم لمصلحته، وتبقي مودعة حتى يفصل بحكم نهائي في دعوى الحق، فإن تبين منها أن المدعي كان غير محق وكان هو الذي حكم لمصلحته في دعوى الحيازة ، فإن الكفالة التي دفعها تكون ضماناً لتعويض المدعى عليه ، أما إذا حكم لمصلحة المدعى عليه برفض الدعوى، ثم تبين من الحكم النهائي الصادر في الحق أن المدعي كان محقاً في طلبه وقف الأعمال، فإن الكفالة التي أودعها المدعى عليه تنفق في ازالة الأعمال كلها أو بعضها على نحو ينتفي به التعرض، أما إن لم يرفع المدعي عليه دعوى الحق «إنكار حق الارتفاق» جاز للمدعي رفعها لحسم النزاع، حتى يتمكن من إسترداد الكفالة، وتكون دعواه هو بإقرار حق الارتفاق.
ويجوز الأمر بالكفالة، سواء كان الحكم صادراً من قاضي الأمور المستعجلة أو من محكمة الموضوع، وتخضع الكفالة للمواد 288 ، 293 وما بعدها من قانون المرافعات.
شرط الاستعجال :
دعوى وقف الأعمال الجديدة ، هى دعوى موضوعية يتناول فيها القاضي بحث أصل الحيازة وصفاتها القانونية من أنها بنية التملك وظاهرة وهادئة وأنها استمرت سنة كاملة، ولذلك فان الحكم الذي يصدر فيها يحسم النزاع بالنسبة للحيازة.
لكن إذا توافر شرط الاستعجال مع شروط تلك الدعوى، جاز للحائز رفع دعوى مستعجلة أمام قاضي الأمور المستعجلة بطلب وقف الأعمال الجديدة، ولا تعتبر تلك الدعوى من دعاوي الحيازة وإنما مجرد إجراء عاجل لا يمس موضوع الحيازة.
ويتحدد نطاق دعوى وقف الأعمال الجديدة بالأعمال التي لم تصل إلى تحقق التعرض، كالبدء في إقامة بناء يترتب على الاستمرار فيه سد مطل للحائز، ولذلك لا يطلب فيها الإزالة ، لكن إذا استمرت أعمال البناء وأدت إلى سد المطل، فإن التعرض يكون قد تحقق للحائز، وحينئذ لا يرفع دعوى وقف الأعمال الجديدة، وإنما يرفع دعوى منع التعرض ويطلب فيها منع التعرض وإزالة البناء الذي أدي إلي سد المطل، والمقرر أن دعوى منع التعرض دعوى موضوعية لا يجوز رفعها أمام قاضي الأمور المستعجلة، بحيث إذا رفعت أمامه، وجب عليه أن يقضي بعدم إختصاصه نوعياً بنظر الدعوى، ولا يقف عند هذا الحد، وإنما يأمر بإحالتها إلى محكمة الحيازة . ( المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء الأول/ الصفحة : 649 )
دعاوى الحيازة :
ينظم القانون المدني ثلاث دعاوى للحيازة في المواد 958 - 962، وهذه الدعاوی هي دعاوی استرداد الحيازة ودعوى منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة وهي في حقيقتها ثلاث صور لدعاوی الحيازة، و أساس التمييز بين هذه الدعاوى هو صورة المصلحة العملية التي نبرر قبولها، وتتمثل في مدى جسامة الاعتداء على الحيازة، فإذا وصل الاعتداء على الحيازة إلى حد فقد الحيازة تماماً ترفع دعوى استرداد الحيازة، أما إذا كان تعرضاً للحيازة لم يصل إلى حد فقدها فترفع دعوى منع التعريض بينما ترفع دعوى وقف الأعمال الجديدة في حالة احتمال الاعتداء على الحيازة، واختلاف جسامة الاعتداء على الحيازة يؤدي إلى اختلاف الإجراءات اللازمة لحماية الحيازة، ورد هذا الاعتداء، ولذا نظم المشرع لكل صورة منها دعوی اختصها بقواعد خاصة ( وجدي راغب مبادئ القضاء المدني – ص163 ) ، فأنواع الاعتداء التي تصور المشرع - باستقراء الواقع - احتمال وقوعها على الحيازة هي :
أ- التعرض للحائز في حيازته، ويدفع بدعوى تسمى دعوى منع التعرض.
ب - سلب الحيازة من الحائز، ويدفع بدعوى تسمى دعوى استرداد الحيازة .
ج - تهديد الحيازة، بمعنى الشروع في أعمال جديدة بحتمل أن تكون متى تمت تعرضاً للحيازة أو سلباً لها ويدفع هذا الخطر المحتمل على الحيازة بدعوى تسمى دعوى وقف الأعمال الجديدة.
والواقع أن هذه الدعاوى تمثل تدرج الاعتداء على الحيازة، من مجرد الاحتمال، إلى التعرض فعلاً ، إلى بلوغ التعرض أقصى حدوده بسلب الحيازة، ولهذا كانت دعوى منع التعرض هي دعوى الحيازة بالمعنى الصحيح، وكانت الدعويان الأخريان تمثلان إما خطر التعرض، وإما منتهى التعرض ( احمد مسلم - أصول المرافعات - بند 324 - ص 366 ) .
ويتعين ملاحظة أن هناك فروق بين الدعاوى الثلاث، ففي حين أن دعوى منع التعرض، ودعوى وقف الأعمال الجديدة تحميان الحيازة القانونية والمستقرة، فإن دعوى استرداد الحيازة تمنح لكل حائز ولو كان حائزاً عرضياً ، ولو لم تدم حيازته، مادامت هذه الحيازة انتزعت منه في ظروف معينة سوف نشير إليها، ومن ناحية أخرى فإن دعوى منع التعرض تتميز عن دعوى وقف الأعمال الجديدة في نوع الاعتداء الذي يقع على الحيازة ( إبراهيم سعد - القانون القضائي الخاص ج 1 - بند 82 ص 200 ) .
وسوف نوضح الآن هذه الدعاوى الثلاث فيما يلي :
أولاً دعوى منع التعرض :
تعريف دعوى منع التعرض : تحمی دعوى منع التعرض حيازة الحائز من أي اعتداء يقع عليها، إذ دعوى منع التعرض هى الدعوى التى يتمسك فيها المدعى بحيازته القانونية، التي يتعرض لها المدعى عليه، طالباً الحكم بمنع هذا التعرض وإزالة مظاهره .
ويتضح من هذا التعريف أنها دعوى حيازة موضوعية، تتخذ أساساً صورة دعوى الإلزام، فهي تقوم على الاعتداء على الحيازة، وترمي إلى تحقيق حماية جزائية لها تتمثل في إلزام المدعى عليه بإزالة مظاهر تعرضه للحيازة وهذا جزاء عيني يؤدي إلى إعادة الشئ إلى أصله، ولكنها ترمي أيضاً إلى تحقيق حماية وقائية بمنع هذا التعرض مستقبلاً ، وقد نص المشرع على هذه الدعوى في المادة 961 مدنى، وهي تعتبر - في الفقه - دعوى الحيازة العادية، ولذا يشترط لها ما يشترط في دعوى الحيازة بشأن قانونية الدعوى والمصلحة العملية والصفة وميعاد رفع الدعوى، وعدم الجمع بينها وبين دعوى الحق، وهي تتميز أساساً بصورة المصلحة العملية التي تبرر قبولها، وهي التعرض ( وجدي راغب - ص 169 و 170 ) .
شروط قبول دعوى منع التعرض :
يشترط لقبول دعوى منع التعرض توافر الشروط الآتية :
1- الشرط الأول : أن يكون المدعي حائزاً حيازة قانونية وقد جرى الفقه والقضاء على تعريف الحيازة بأنها حالة واقعية مادية تنشأ من سيطرة فعلية لشخص على شيء أو استعماله لحق عيني باعتباره مالكاً للشئ أو صاحب هذا الحق العيني ويتضح من هذا التعريف أن الحيازة - التي تنتج آثارها، وتكون سبباً لكسب الملكية - تشتمل على عنصرين :
أ- العنصر المادي وهو السيطرة المادية على الشيء، وتتحقق هذه السيطرة بأن يحرز الحائز الشيء في يده إحرازاً مادياً ، ويباشر فيه من الأعمال المادية ما يباشره المالك عادة في ملكه، أو صاحب الحق للاستفادة من هذا الشئ طبقاً لما تسمح به طبيعته فإذا كان الشئ أرضاً زراعية، فالحائز هو الذي يحتلها ويزرعها بنفسه أو بواسطة غيره، وفي هذه الحالة فإنه يسيطر عليها بواسطة الغير كالمستأجر مثلاً أما السيطرة المادية على أي حق عینی آخر خلاف الملكية، فتكون عن طريق الأعمال التي يقتضيها استعماله، فإذا كان حق ارتفاق بالمرور كانت السيطرة المادية عليه بالمرور فعلاً في المكان المراد استعمال الحق فيه ( عبدالرزاق السنهورى - الوسيط ج 9 بند 259 ص 792 ، إبراهيم سعد - ج 1 بند 84 - ص 200 وص 201 ) .
وقد تكون السيطرة المادية بالوساطة ، أي أن الحائز يباشر السيطرة المادية بواسطة الغير، ومثال ذلك خدمه وأتباعه الذين يتبعونه، ويأتمرون بأوامره وإذا كان الحائز شخصاً معنوياً ، فيباشر هذه السيطرة المادية المديرون والأشخاص الذين يفوضون في ذلك، وقد يحوز الحائز مالاً شائعاً مع غيره، فسيقوم بالأعمال المادية للحيازة، بشرط ألا يحول قيامه بهذه الأعمال دون أن يقوم الحائزون على الشيوع معهم أيضاً ويلاحظ أن هذه الحيازة لا تحمى إلا على أساس أنها حيازة على الشيوع، فكما تحمى حيازة أحد الشريكين أيضاً حيازة الآخر على اعتبار أن حيازة كل منهما شائعة . ( عبدالرزاق السنهورى - الوسيط ج 9 - ص 799 - رقم 262 إبراهيم سعد - ج 1- بند 84 - ص 201 وص 202 ) .
ب- العنصر المعنوي وهو قصد التملك أو نية الحائز في استعمال الشيء أو مباشرة الحق العيني باعتباره مالكا له أو صاحبه، فيجب أن يتوافر لدى الحائز قصد التصرف كمالك، أي أن تكون الأعمال المادية التي يقوم بها مصحوبة بقصد ( أحمد أبو الوفا - المرافعات - ص 217۔ رقم 130، رمزی سیف ص 151 - رقم 120 ، أحمد مسلم ص 358 ۔ رقم 318، فتحي والي ص 175 - رقم 77 ، إبراهيم سعد - ج ۱- بند 84 ص 202 و ص 203 ) .
ويستفاد هذا القصد من الظهور بمظهر المالك أو صاحب الحق موضوع الحيازة وهذا ما استقر عليه القضاء المصري، وقالت في ذلك محكمة النقض أن «أساس دعوى منع التعرض هو الحيازة المعتبرة قانوناً بتوافر نية التملك، فيجب على المحكمة عند الحكم فيها أن تبين في حكمها جميع الشرائط القانونية الواجب توافرها في وضع اليد أي الحيازة، وأهمها أن يكون بنية التملك ( نقض 18/1/1945 - مجموعة أحكام النقض في 25 عاما - الجزء الأول - بند 154 ص 647، إبراهيم سعد - بند 84 ص 203 ط )
فإذا لم يتوافر العنصر المعنوي، فلا بعنبر الحائز حائزاً حيازة قانونية، وإنما يعتبر حائزاً حيازة مادية أو عرضية، فالحائز العرضي هو كل شخص انتقلت إليه من الحائز السيطرة المادية على الشئ ليباشرها باسم الحائز ولحسابه، وذلك بمقتضى عقد كالمستأجر أو المرتهن رهن حيازة، أو بحكم القضاء أو القانون لتأدية مهمة معينة كالحارس، ومصفي التركة والسنديك ويلتزم الحائز العرضي برد الشيء إلى مالكه ( عبد الرزاق السنهوري - الوسيط ج 9- بند 270 ص 829 ، إبراهيم سعد - بند 84 ص 203 و 204 ) .
وعلى ذلك إذا لم تتوافر جميع العناصر المكونة للحيازة القانونية لا تقبل دعوى منع التعرض، فالحائز العرضي له الحق في رفع دعوى استرداد الحيازة إذا انتزعت منه الحيازة، ولكن لا يستطيع أن يحمي حيازته العرضية بدعوى منع التعرض، ومع ذلك فقد استثنى المشرع من هذه القاعدة حالة المستأجر، فتمنح المادة 575/1 من القانون المدني له الحق في رفع جميع دعاوى الحيازة إذا حصل له تعرض في حيازته ويلاحظ أن هذه الدعاوى تحمی في الواقع حيازته لحقه الشخصي كمستأجر، ولكنه لا يستطيع أن يحمي حيازته لحق ملكية العين المؤجرة بدعاوى الحيازة، فهذه الدعاوى لا يمكن أن ترفع إلا باسم المؤجر، ( إبراهيم سعد - ج ۱ - بند 84 - ص 204 )
2 - الشرط الثاني أن يكون قد وقع تعرض مادي أو قانونی لحيازة المدعی وقد عرفت محكمة النقض التعرض بأنه «هو الإجراء الموجه إلى واضع اليد على أساس ادعاء حق يتعارض مع حق واضع اليد» ( نقض مدني 3/11/1932 - مجموعة عمر - ج ۱ رقم 66 - ص 138 )
ويقع التعرض للحيازة إما بأعمال مادية تخل بصفة مستمرة بحق الحائز في سلامة حيازته، واستئثاره بها، وإما بمنازعة قانونية لحق الحائز في حيازته، بادعاء حق يتعارض مع الاستسلام للحيازة، أو بإنكار الحيازة أو ادعائها، سواء اقترن ذلك بأعمال مادية أم لا على أنه إذا اقترنت الادعاءات بأعمال مادية بلغنا صورة التعرض المادي
فالحائز لأرض زراعية مثلاً يقع التعرض لحيازته بمحاولة شخص آخر حرث هذه الأرض أو ريها لزراعتها لنفسه، دون سند من إذن الحائز أو رضائه أو بمنع الحائز، أو محاولة منعه من زراعتها أو حصادها
والحائز لأرض فضاء في مدينة يقع التعرض المادي لحيازته مثلاً بفتح جاره لمطلات عليها دون أن يكون له عليها حق ارتفاق بالمطل، أو بمحاولة إقامة بناء على هذه الأرض، أو بمنع الحائز من إقامة بناء عليها أو استعمالها
أما التعرض القانوني فيكون بإنذار الحائز لعقار مبنى بإخلائه مثلاً بحجة أن المنذر هو مالكه، وأنه ينوي استعماله بنفسه، وأنه لا سند للحائز في حيازته، وقد يكون بإنذار المستأجر للعقار من الحائز بعدم دفع الأجرة إلى الحائز بحجة أن دفعها واجب إليه هو .
وقد يكون بإنكار وجود حيازة الحائز، وتجاهلها والتصرف على هذا الأساس، فالذي يقوم بتأجير العقار الموجود تحت يد الحائز للغير، أو بيعه يعتبر تصرفه هذا تعرضاً قانونياً للحائز، إذ يتضمن إنكار الحيازة وتجاهلها .
وقد يكون بادعاء الحيازة، فتكون إزاء شخصين كل منهما يدعی حيازة العقار، وكل منهما يعتبر ادعاء الآخر تعرضاً لحيازته ( احمد مسلم - بند 325 ص 367 و ص 368 ) .
3- الشرط الثالث أن ترفع الدعوى خلال سنة من التعرض : ويشترط لقبول دعوى منع التعرض أن ترفع خلال سنة من تاريخ حصول التعرض، وإلا سقط الحق فيها وقد نصت على هذا الشرط المادة 961 من القانون المدني بقولها «من حاز عقاراً ثم وقع له تعرض في حيازته جاز أن يرفع خلال السنة التالية دعوى بمنع هذا لتعرضه وإذا فدعوى منع التعرض التي ترفع بعد مضي السنة تعتبر غير مقبولة لرفعها بعد الميعاد، أي بعد سقوط الحق فيها
وحكمة إيجاب رفع الدعوى خلال سنة من حصول التعرض أن الحيازة مركز واقعی يتأثر بالاعتبارات الواقعية دون حاجة إلى سند آخر غير الواقع، فالتعرض الذي يسكت عليه الحائز سنة يكون قد أصبح بدوره مركزاً واقعياً لا يقل جدارة عن الحيازة بالسكوت عنه، ولا نقول حمايته، فضلاً عن أن إهمال الحائز دفع التعرض سنة كاملة يبرر تقدير رضائه به مما يزيل عنه وصف الاعتداء غالباً ، أو يبرر تجريد الحائز من الحماية بالنسبة لهذا التعرض على كل حال ( أحمد مسلم بند 326 - ص 368 )
مدى جواز رفع دعوى منع التعرض في التعرض الذي نتج عن الأشغال العامة : أحياناً تقوم الإدارة بأعمال يطلق عليها اسم أشغال عامة، وقد تشكل هذه الأعمال تعرضاً لحيازة الأفراد، فإذا كانت هذه الأشغال تؤدي إلى نزع ملكية الفرد كلياً أو جزئياً دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية، فقد ذهب رأى السنهورى - الوسيط - ج 9 ص 921 وما بعدها إلى أن قاضي الحيازة يختص بإثبات قيام الحيازة إذا كانت محل نزاع، ويجوز له أيضاً أن يأمر بعدم المضي في القيام بالأشغال العامة، غير أنه لا يختص بأن يأمر بهدم هذه الأشغال أو إعادة الأرض إلى حالتها الأصلية، إذ أن ذلك يتضمن تعطيلاً لتنفيذ قرار إداري لا يملكه إلا القضاء الإداري أما إذا كانت الأشغال العامة تؤدي بطريق غير مباشر إلى نزع الملكية، كما إذا كان القانون يخول جهة الإدارة الاستيلاء نهائياً على أملاك الأفراد دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية، فإنه يدخل في إختصاص قاضي الحيازة تقرير حيازة المدعي، وأنها استمرت لمدة سنة، باعتبار أن ذلك أساس يمكن الاستناد إليه في طلب التعويض، إلا أن قاضي الحيازة لا يختص بالأوامر بهدم الإشغال، لأن ذلك تعطيلاً لتنفيذ قرار إداري، الأمر المحرم على جهة القضاء العادي، إذ أن القضاء الإداري هو جهة الاختصاص الوحيدة بوقف تنفيذ القرار الإداري أو إلغائه أو تأويله ( الدناصورى وعكاز- ص 309 ص 310 )
جواز رفع دعوى منع التعرض عن إشغال خاصة رخصت بها الإدارة : إذا صدر من جهة الإدارة عمل من أعمال التعرض عن أشغال خاصة رخصت بها، كما إذا كانت قد أعطت ترخيصاً لشخص بإدارة محل مضر بالصحة أو مقلق للراحة أو من المحلات الخطرة، فإن هذا التعرض يخضع للقواعد العامة، فيختص بنظره القضاء العادي لا الإداري، ويجوز له أن يقضي بمنع التعرض، وبإزالة الأعمال التي تمت، والتي نتج عنها التعرض، ولا يقدح في ذلك صدور ترخيص إداري في القيام بهذه الأعمال، إذ أن هذا الترخيص لا يخرج عن كونه تقريراً بأن الأعمال المرخص بها لا تتعارض مع مصلحة عامة، كما أنه لا يصادر حق المرخص له أو غيره في المطالبة بما يصيبه من ضرر نتيجة هذه الأعمال، ويترتب على ذلك أنه يجوز لأي شخص يقع تعرض لحيازته ينجم عن أشغال خاصة رخصت فيها الإدارة أن يرفع دعوى منع التعرض على الجهة التي قامت بهذه الأشغال أمام جهة القضاء العادي التي تملك الحكم بإزالة ما تم من الأعمال التي نشأ عنها التعرض، وإعادة الحال إلى ما كانت عليه، وإذا كان التعرض قد نتج عن إشغال قامت بها الدولة، أو أی شخص معنوي من أشخاص القانون العام أجريت في الأموال الخاصة المملوكة لأيهما، فإنه يجوز وقع التعرض لحيازته أن يخاصم الجهة التي قامت بالتعرض أمام القضاء العادي بدعوى منع التعرض، وأن يطلب إزالة ما تم من أعمال نجم عنها التعرض، وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه كما لو بنت الدولة على أرض مملوكة له أو فتحت مطلات على أرض الجار، أو تجاوزت حدود ملكها عند إقامة البناء، وتعرضت للجار ( الدناصورى وعكاز - ج- 3 - ص 310 )
لا يجوز رفع دعوى منع التعرض لتنفيذ عقد : إن القاعدة أنه لا يجوز رفع دعاوى الحيازة بهدف تنفيذ عقد، فإذا حدث تعرض بشأن عدم تنفيذ عقد تعين على الحائز أن يطلب تنفيذ العقد استناداً إلى العقد نفسه لا بدعوى منع التعرض، فإذا أخل المؤجر بما تضمنه عقد الإيجار من شروط، كما إذا حال دون انتفاع المستاجر بالعين المؤجرة، فلا يجوز للمستأجر أن يلجأ لدعوى منع التعرض، وإنما يتعين عليه رفع الدعوى الشخصية الناشئة عن عقد الإيجار، وبطلب فيها إلزام المؤجر بتنفيذ ما ورد بالعقد ( الدناصورى وعكاز - ص 310 )
رفع دعوى منع التعرض لحماية حق سلبی : اختلف الرأي فيما إذا كان يجوز رفع دعوى منع التعرض لحماية حق سلبي، كما إذا اتفق على عدم إقامة منشئات في طريق خاص أو عدم إقامة بناء على أرض فضاء مجاورة للطرفين ، فذهب رأی في الفقه الفرنسي إلى عدم جواز ذلك، إلا أن محكمة النقض أصدرت حكماً قديماً أجازت فيه رفع الدعوى، شريطة أن يكون الحق مستنداً إلى عقد صادر من مالك العقار المرتفق عليه، وأن يكون مقتضى هذا العقد قد نفذ مدة سنة على الأقل من قبل المالك بامتناعه عن كل عمل يخالف هذا الاتفاق . ( نقض 3/2/1938 ، طعن رقم 43 لسنة 7 قضائية )
الخصوم في دعوى منع التعرض : دعوى منع التعرض ترفع من الحائز كما ذكرنا، وترفع على المتعرض نفسه الذي صدرت منه أعمال التعرض حتى لو كان يعمل لحساب غيره أو بأمر منه، فإذا صدر التعرض من المستأجر أو الوكيل بأمر من المؤجر أو الموكل أو لصالحه، فإنه يكون الخصم الأصلي في الدعوى، ويجوز للمدعي أن يدخل في الدعوى المؤجر أو الموكل فيها باعتباره ضامناً .
وفي حالة وفاة المتعرض فإن ورثته يحلون محله باعتبار أنهم خلفه العام فتوجه إليهم الدعوى .
وإذا طالب المدعي في دعوى منع التعرض إخلاء العقار أو إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التعرض، فإنه يجوز له أن يدخل فيها الغير الذي انتقل إليه العقار حتى لو كان حسن النية، ويوجه إليه ما يعن له من الطلبين السابقين شأنه في ذلك شان المتعرض، غير أنه لا يحق للمدعي أن يطالب الغير بتعويض عن الضرر الذي أصابه إلا إذا أثبت أنه سيئ النية أي أنه يعلم بالتعرض
وإذا كان من المقرر أن دعوى منع التعرض أكثر عينية من دعوى استرداد الحيازة، وكانت الدعوى الأخيرة يجوز رفعها على الغير حسن النية، فإن هذا الأمر يطبق من باب أولى على دعوى منع التعرض ( الدناصورى وعكاز - ص 310 )
المحكمة المختصة محلياً بنظر دعوى منع التعرض : نصت الفقرة الأولى من المادة 50 من قانون المرافعات على أنه في الدعاوى العينية العقارية، ودعاوى الحيازة يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار أو أحد أجزائه إذا كان واقعاً في دائرة محاكم متعددة»،
وبذلك يكون المشرع قد استثنى دعاوى الحيازة من الخضوع للقواعد العامة في الاختصاص، وأوجب رفعها أمام المحكمة التي يقع في دائرتها العقار ، فإذا كان العقار واقعاً في دائرة محاكم متعددة كان الاختصاص للمحكمة التي يقع فيها أحد أجزاء العقار صغر هذا الجزء أو كبر، أي بصرف النظر عن مساحته .
المحكمة المختصة نوعياً بنظر دعوى منع التعرض : دعوى منع التعرض دعوى موضوعية بحتة تختص بها المحكمة الجزئية أو الابتدائية حسب قيمتها، وتقدر قيمتها وفقاً لما تقضي به الفقرة الرابعة من المادة 37 من قانون المرافعات - بقيمة العين محل الحيازة، ووفقاً للفقرة الأولى من المادة 37 المعدلة بالقانون 18 لسنة 1999 ، فإن كان العقار مبنياً تقدر قيمته باعتبار خمسمائة مثل من قيمة الضريبة الأصلية المربوطة عليه أما إذا كان من الأراضي يكون التقدير باعتبار أربعمائة مثل لقيمة الضريبة المربوطة عليه، وتأسيساً على ذلك فإن المحكمة الجزئية تختص بنظر الدعوى إذا كانت قيمة العقار وفقاً للقواعد المتقدمة لا تجاوز مبلغ عشرة آلاف جنيه، وذلك عملاً بالفقرة الأولى من المادة 42 مرافعات بعد تعديلها، أما إذا زادت قيمة العقار عن عشرة آلاف جنيه، فإن الاختصاص ينعقد للمحكمة الابتدائية، وفي حالة عدم فرض ضريبة على العقار محل الحيازة تولت المحكمة تقدير قيمته، ولها أن تستعين في ذلك بخبير، وإذا تنكب المدعي الطريق السليم، وأقام دعوى منع التعرض أمام القضاء المستعجل، فإن قضاءه بعدم اختصاصه بنظرها يكون أمراً محترماً ، ويتعين عليه أن يقف في قضائه عند هذا الحد، ولا يجوز له أن يحيل الدعوى إلى المحكمة الموضوعية لأن لم يتبق أمامه ما يصح عرضه على القضاء الموضوعي ( الدناصورى وعكاز - ص 312 )
ثانياً دعوى وقف الأعمال الجديدة :
تعريف دعوى وقف الأعمال الجديدة : لقد أمعن المشرع في حماية الحيازة، فلم يكتف بحمايتها من السلب، ولم يقنع بحمايتها من التعرض، وإنما نظم فضلاً عن ذلك وقايتها من التعرض قبل حصوله، متى تهيأت الأسباب لاحتمال وقوعه، وذلك بتنظيمه دعوى وقف الأعمال الجديدة ، وهي الدعوى التي يتمسك فيها المدعى بحيازته القانونية، التي تهددها أعمال جديدة يقوم بها المدعى عليه من شأنها لو تمت أن تمس حيازته، طالباً الحكم بوقف هذه الأعمال .
وهي دعوى الحيازة الوقائية التي ترمي إلى منع الاعتداء على الحيازة قبل وقوعه، ومثالها التقليدي هو البدء في بناء حائط يؤدي لو اكتمل البناء إلى سد مطل للجار، فيرفع حائز المطل دعوى وقف الأعمال الجديدة يطلب فيها الحكم بوقف البناء
وقد نظم المشرع هذه الدعوى في المادة 962 مدنی، فنص في فقرتها الأولى أن «من حاز عقاراً ، واستمر حائزاً له سنة كاملة، وخشي لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته، كان له أن يرفع الأمر إلى القاضي طالباً وقف هذه الأعمال، بشرط ألا تكون قد تمت، ولم ينقض عام على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث لضرره
فالمقصود بهذه الدعوى منع الاستمرار في عمل شرع فيه، ولو تم لأصبح تعرضاً للحيازة، فترفع على من شرع في العمل بقصد منعه من إتمام هذا العمل، وذلك لتفادي التعرض الذي قد ينتج من إنهاء هذا العمل ومثال ذلك أن يبدأ شخص بناء حائط في حدود أرضه أو إقامة بناء، لو أنه استمر فيه إلى نهايته لسد النور والهواء على جاره أو لسد مطلاً له، ولنجم عن ذلك تعرض لحيازة الجار للعقار المجاورة
ففي هذه الحالة التعرض احتمالی ، ولم يقع بعد لذلك قيل أن هذه الدعوى من الدعاوى الوقائية، والمصلحة في مثل هذه الدعاوى لیست مصلحة محتملة، بل هي مصلحة قائمة للحائز في درء التعرض قبل حصوله، لأنه ليس من المنصور حرمان الحيازة من الحماية إلى أن يقع عليها الاعتداء بتمام التعرض ( أحمد أبوالوفا - المرافعات - بند 147 - ص 235 ) .
ووصف الاحتمال إنما يرد على الاعتداء الذي ينشئ الحق في الدعوى ( فتحى والى - مبادئ - بند 147 - ص 235، إبراهيم سعد - بند 88 ص 214 و ص 215 ) .
شروط قبول دعوى وقف الأعمال الجديدة : يتضح من المادة 962 / 1 المشار إليها آنفا أن التفرقة بين دعوى منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة تفرقة دقيقة، فلا تختلف شروطها إلا من حيث طبيعة التعرض ذاته وبدء سريان المدة التي يجب في خلالها رفع الدعوى.
إذ بينما تحمی دعوى منع التعرض الحيازة من تعرض وقع بالفعل، إذ بدعوى وقف الأعمال الجديدة تحمي الحيازة من تعرض احتمالی أو مستقبل على وشك الوقوع، وكانت هناك من الأسباب المعقولة ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه الأعمال لو تمت لكانت تعرضاً كاملاً لحيازة المدعي.
وبما أن المقصود من هذه الدعوى منع تمام العمل، فيشترط ألا يكون هذا العمل قد تم وقت رفع الدعوى، لأنه لو تم فإنه يعتبر تعرضاً بمعنی الكلمة، ولا يكون هناك مجال لرفع دعوى وقف الأعمال الجديدة، بل يجب رفع دعوى منع التعرض ( إبراهيم سعد - بند 88 - ص 216 ) .
وتنبني على ذلك نتيجة هامة، وهي أن العمل الذي يبرر رفع هذه الدعوى يقع دائماً على عقار غير عقار المدعي، لأنه لو وقع على عقار الحائز اعتبر تعرضاً يصلح سبب لرفع دعوى منع التعرض لذلك تقع هذه الأعمال عادة على عقار المتعرض المدعى عليه أما إذا وقعت على عقار الغير، فكانت تعرضاً لهذا الغير وقد يكون الغير راضياً بهذه الأعمال أو متواطئاً مع المدعى عليه في شأنها، وفي هذه الحالة يكون هذا الغير شريكاً للمدعى عليه، ويستوي عندئذ أن تكون هذه الأعمال قد تمت في عقار المدعى عليه أو في عقار الغير. ( عبدالرزاق السنهورى - الوسيط ج 9 - بند 341 ص– 945-946 إبراهيم سعد - الإشارة السابقة ) .
كما أنه يشترط أن ترفع دعوى وقف الأعمال الجديدة في خلال سنة تحتسب من تاريخ البدء في العمل، وليس من تاريخ تمامه لأنه لو تم لأصبح تعرضاً فعلياً ، فإذا لم يقم المدعى برفع هذه الدعوى في السنة التالية للبدء في العمل الجديد، فلا تقبل دعواه، وعدم قبول دعوى وقف الأعمال الجديدة لا يمنع الحائز من رفع دعوى منع التعرض إذا تمت هذه الأعمال، وأصبحت تعرضاً لحيازته وعندئذ يكون له أن يرفع هذه الدعوى الأخيرة في خلال سنة من وقوع التعرض، أي من وقت تمام الأعمال الجديدة ( إبراهيم سعد - بند 88 - ص 217 ) .
ويجب ملاحظة أن دعوى وقف الاعمال الجديدة هى دعوى مستعجلة لتوافر ظروف الاستعجال، ولأن المطلوب بها إجراء وقتي، وهو وقف الأعمال مؤقتاً ، حتى يفصل في الموضوع أى الحيازة ( احمد مسلم - بند 336 - ص 377 و 378 ) ، ولذلك ترك المشرع للقضاء سلطة تقديرية في إجابة الطلب أو عدم إجابته حسبما يقدر من قوة احتمال حصول التعرض أو ضعفه، بل وأجاز الحكم على المدعى أو المدعى عليه بتقديم كفالة مناسبة كشرط لإجابته إلى طلبه أو لرفض طلب خصمه، حتی تكون ضماناً لإصلاح الضرر الذي يسببه الحكم الوقتي، إذا اتضح بحكم نهائي أن ذلك الحكم قرر حماية لمن اتضح في النهاية أنه لم يكن الجدير بها .
وهكذا نصت الفقرة الثانية من المادة 962 مدني على أن للقاضي أن يمنع استمرار الأعمال، أو أن بأذن في استمرارها، وفي كلتا الحالتين يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة تكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضماناً لإصلاح الضرر الناشيء من هذا الوقف، متى تبين بحكم نهائي أن الإعتراض على استمرارها كان على غير أساس، وتكون في حالة الحكم باستمرار الأعمال ضماناً لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها إصلاحاً للضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي في مصلحته.
حجية الحكم الصادر بوقف الأعمال الجديدة : قضاء محكمة الحيازة بوقف الأعمال الجديدة إنما هو قضاء مؤقت تتوقف حجينه على القضاء في دعوى الملكية أو في دعوى موضوع الحق، فإذا حكم في أيهما لصالح المدعى عليه، فإنه يحق له أن يمضي في هذه الأعمال حتى يتمها، أما إذا حكم فيها لصالح المدعي، وأصبح الحكم نهائياً فلا يزول حكم وقف الأعمال الجديدة.
تحول دعوى وقف الأعمال الجديدة إلى دعوى منع تعرض : إذا أقام الحائز دعوى وقف الأعمال الجديدة عند بدايتها أمام محكمة الموضوع، إلا أن الدعوى استغرق نظرها زمناً تمت في أثنائه الأعمال، فلا شك أن الدعوى في هذه الحالة تتحول إلى دعوى منع تعرض، ويتعين على قاضي الحيازة أن يكيفها على هذا الأساس حتى ولو لم يطلب المدعي ذلك، وفي هذه الحالة يجوز له أن يأمر بإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل أن يبتدأ المدعى عليه في الأعمال، ويترتب على هذا الحكم إزالة الأعمال الجديدة لا وقفها ذلك أن دعوى منع التعرض يجوز فيها كما سبق لقاضي الحيازة أن يقضي الإزالة.
أما إذا رفعت الدعوى أمام القضاء المستعجل، فإنه وإن كان يجوز للقاضى المستعجل أن يحول طلبات الخصوم، ويصدر حكماً بالإجراء الوقتى الملائم إلا أنه في خصوصية دعوى وقف الأعمال الجديدة لايستطيع أن يحولها إلى دعوى منع تعرض في حالة إتمام الأعمال الجديدة لأن الدعوى الأخيرة موضوعية بحتة لا يختص بنظرها . ( الدناصورى وعكاز - ص 336 وص 337 ) .
أوجه الخلاف بين دعوى وقف الأعمال الجديدة، ودعوی منع التعرض : يتضح لنا مما تقدم أن دعوى وقف الأعمال الجديدة تختلف عن دعوى منع التعرض في أربعة أمور، أولها أن دعوى منع التعرض أساسها أن يكون ما قام به المدعى عليه يعتبر تعرضاً بالفعل في حيازته، أما في دعوى وقف الأعمال الجديدة، فإن أساسها أن ما قام به المدعى عليه من عمل لو تم لأصبح تعرضاً ، والثاني إن الحق في رفع دعوى وقف الأعمال الجديدة يسقط بمضي سنة على الشروع في العمل أو بتمام العمل، ولو تم في بضعة أيام لأنه بتمامه بصبح تعرضاً ، أما بالنسبة لدعوى منع التعرض فإنها ترفع في خلال سنة تبدأ من صيرورة العمل تعرضاً ، والثالث إنه في دعوى وقف الأعمال الجديدة تبدأ الأعمال في عقار المدعى عليه، أما في دعوى منع التعرض فقد تكون في عقار المدعى عليه أو في عقار المدعى أو عقار الغير، والرابع إنه في دعوى وقف الأعمال الجديدة، فإن قاضي الحيازة يقضي بوقف الأعمال الجديدة دون إزالتها، أما في دعوى منع التعرض فإنه يجوز أن يقضي بإزالة هذه الأعمال ( الدناصورى وعكاز - ص 327 ) .
دعوى وقف الأعمال الجديدة يجوز رفعها بصفة موضوعية، ويجوز رفعها بصفة مستعجلة : يجوز رفع دعوى وقف الأعمال الجديدة أمام محكمة الموضوع إذا توافرت فيها الشروط السالفة الذكر، ومن ناحية أخرى يجوز رفعها أمام القضاء المستعجل، وذلك بشرط أن يتوافر فيها - فضلاً عن الشروط التي سبق توضيحها - ثلاثة شروط، أولها أن يتوافر ركن الاستعجال في الدعوى، وثانيها ألا يطلب من القاضي المستعجل إزالة ما تم فعلاً من أعمال، وثالثها ألا تكون هذه الأعمال الجديدة قد تمت، وانقلبت إلى تعرض فعلاً إذ لا يجوز للقاضي المستعجل في هذه الحالة أن يقضي في الدعوى باعتبارها دعوى منع تعرض - كما هو الشأن في المحكمة الموضوعية لأن دعوى منع التعرض دعوى موضوعية بحتة لا تدخل في اختصاص القضاء المستعجل بالمرة.
وقد جرت عادة الكثرة الغالبة ممن يحدث اعتداء على حيازتهم بأعمال جديدة أن يلجأوا أولاً لقاضي الأمور المستعجلة بطلب وقف هذه الأعمال علهم يستطيعون الحصول على حكم في وقت قريب فإن أجيبوا لطلبهم قنعوا بهذا الحكم أما إذا قضي بعدم الاختصاص فإنهم يطرقون قضاء محكمة الموضوع.
ويلاحظ أن دعوى وقف الأعمال الجديدة الموضوعية تختلف عن الدعوى المستعجلة في الأمور الآتية :
أ- لا محل لإعمال القاعدة المقررة في المادة 44 مرافعات التي تقضي بعدم جواز الجمع بين دعوى اليد والحق في شأن الدعوى المستعجلة، إذ أن هذه القاعدة لا تطبق إلا على دعاوى الحيازة الموضوعية التي ترفع أمام محكمة الموضوع.
ب - إن قاضي الأمور المستعجلة يختص بنظر دعوى وقف الأعمال الجديدة التي ترفع إليه أيا كانت قيمة الحق الذي ترد عليه الحيازة، أما الدعوى الموضوعية فتقدر بقيمة الحق وفقاً لنص الفقرة الرابعة من المادة 37 مرافعات .
ج - يتبع في الطعن في الحكم المستعجل الصادر في دعوى وقف الأعمال الجديدة نفس الطرق المقررة للطعن في الأحكام المستعجلة فيجوز استئنافه أمام المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة استئنافية، ولا يجوز الطعن فيه بطريق النقض إلا إذا كان الحكم قد صدر على خلاف حكم سابق، أما الحكم الصادر من المحكمة الموضوعية فإن الأمر يختلف عما إذا كان صادراً من المحكمة الجزئية أم الكلية، فإن كان صادراً من المحكمة الابتدائية فإن الطعن عليه يكون أمام محكمة الاستئناف، ويجوز الطعن على الحكم الصادر منها أمام محكمة النقض، أما إذا صدر الحكم من المحكمة الجزئية فإن الطعن قد يرفع أمام المحكمة الابتدائية بهيئة استئنافية، ولا يجوز الطعن فيه بالنقض إلا إذا صدر على خلاف حكم سابق .
د - إن قاضى الموضوع إذا تبين له أن الأعمال الجديدة قد تمت فإنه يكيف الدعوى بأنها تعرض ويقضي فيها على هذا الأساس على عكس القاضى المستعجل الذي يتحتم عليه في هذه الحالة أن يقضي بعدم الاختصاص.
هـ - إن الحكم الصادر من قاضي الأمور المستعجلة في دعوى وقف الأعمال الجديدة يكون مشمولاً بالنفاذ المعجل بقوة القانون، أما الحكم الموضوعي فلا يجوز تنفيذه إلا إذا أصبح نهائياً ، أو إذا أمر القاضي بذلك لتوافر شرط من شروط النفاذ المعجل المنصوص عليها في المادة 290 مرافعات.
( انظر فيما تقدم السنهورى - ج 9 ص 943، وما بعدها، محمد عبداللطيف التقادم - ص 300 ، وما بعدها، الدناصورى وعكاز - ص 337 وص 338 ) .
ثالثاً دعوى استرداد الحيازة :
تعريف دعوى استرداد الحيازة : دعوى استرداد الحيازة هي الدعوى التى يتمسك فيها المدعى بحيازته التي سلبت منه، طالباً الحكم بإلزام المدعى عليه بتسليم العقار اليه.
وهذه الدعوى دعوى حيازة موضوعية تتخذ صورة دعوى الإلزام، حيث يدعى فيها المدعي الاعتداء على الحيازة، ويطلب الحكم بجزاء هنا الاعتداء، وهو جزاء عيني يتمثل في إعادة الشئ إلى أصله، وذلك بتسليم العقار إلى حائزه ( وجدي راغب - ص 163 ) .
وقد نظم المشرع القواعد الخاصة بهذه الدعوى في المواد 958، 959 ، 960 مدنی.
فإذا بلغ التعرض للحائز في حيازته مبلغ الحرمان التام منها، كان هذا سلباً للحيازة، والدعوى التي ترفع لكف هذا الاعتداء، واستعادة الحيازة المسلوبة تعرف بدعوی استرداد الحيازة، وقد نصت عليها المادة 958/1 مدنی بقولها لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب ... ردها إليه .
ودعوى استرداد الحيازة تأخذ حكم الدعاوى العينية العقارية، لا من حيث الاختصاص القضائي فحسب، ولكن من حيث أن الحائز الذي سلبت حيازته بتتبع بها العقار حيثما كان، سواء لدى من سلب الحيازة أو لدى من انتقلت إليه هذه الحيازة بعد ذلك، ولو كان هذا الأخير حسن النية ( احمد مسلم - بند 329 ص 370 وص 371 ) ، فالمادة 960 مدنی تنص على أن للحائز أن يرفع دعوى استرداد الحيازة على من انتقلت إليه حيازة الشيء المغتصب منه، ولو كان هذا الأخير حسن النية.
فقد شرعت دعوى استرداد الحيازة لحماية الحائز من أعمال الغصب وليسترد حيازته ممن سلبها منه، فهي تقوم أساساً على رد الاعتداء غير المشروع ( نقض مدنى – 26/6/1933 ، مجموعة المكتب الفني الأحكام النقض في 25 عاما، جزء أول، ص 648 - رقم 161، نقض 5/6/1947 - مجموعة المكتب الفني لأحكام النقض في 25 عاما - جزء أول ص 648 - رقم 166، إبراهيم سعيد - بند 89 ص 217 ، رمزی سيف - بند 131 - ص 165 ) وقد لا تتصور ثمة فائدة من تقرير دعوی مستقلة لاسترداد الحيازة، مادام الحائز يستطيع دائماً أن يرفع دعوى منع التعرض لاسترداد هذه الحيازة، إلا أن سلب الحيازة يعتبر أشد صور التعرض للحيازة، وأكثرها خطراً على النظام والأمن العام ( إبراهيم سعد - بند 89 ص 121 ) لذلك تقررت هذه الدعوى بشروط أكثر تيسيراً من شروط باقی دعاوى الحيازة.
شروط دعوى استرداد الحيازة :
الشرط الأول أن يكون المدعي حائزاً حيازة مادية :
استقر الفقه والقضاء على أنه يكفي لرفع دعوى استرداد الحيازة أن يكون المدعي حائزاً حيازة مادية بمعنى أن تكون يده متصلة بالعقار اتصالاً فعلياً يجعل العقار تحت تصرفه المباشر ( نقض 26/6/1933 مشار إليه آنفا ) ، كما يشترط أن يكون هذا الاتصال قائماً في حال وقوع الغصب ( إبراهيم سعد - بند 90 ص 217 ) .
فقد تساهل القانون في طبيعة وشروط الحيازة التي تحميها دعوى الاسترداد، وذلك نظراً لجسامة الاعتداء على الحيازة فيها.
وتكفي الحيازة العرضية، إذ تنص المادة 958/2، على أنه يجوز أن يسترد الحيازة من كان حائزاً بالنيابة عن غيره ويستفاد من هذا أنه لا يشترط أن تكون الحيازة قانونية حتى يكون الحائز جديراً بالحماية، بل تقبل دعوى الاسترداد من الحائز العرضي باسمه كالمستأجر، والوصي والحارس ( رمزی سیف - بند 132 - ص 166، وجدى راغب - ص 164 ) .
وهكذا تكفي الحيازة المادية بشرط أن تكون مستمرة هادئة ظاهرة واضحة.
ولا يلزم أن تستمر الحيازة مدة سنة، فرغم أن الأصل أن تستمر الحيازة مدة سنة حتى تكون جديرة بالحماية بدعوى الحيازة ولكن القانون أجاز الاستغناء عن هذا الشرط في دعوى استرداد الحيازة في حالتين :
الحالة الأولى - إذا كانت الحيازة قد سلبت بالقوة، فنص على أنه للحائز في جميع الأحوال أن يسترد حيازته من المعتدى م 959/2 مدنی وهكذا يجوز للحائز أن يرفع دعوى لاسترداد حيازته، ولو كانت حيازته لمدة شهرين مثلاً ، طالما أن الحيازة قد سلبت بالقوة والمقصود بالقوة سلب الحيازة بالإكراه، وذلك سواء كان الإكراه مادياً أو معنوياً أي أن الحيازة تعتبر قد سلبت بالقوة، ولو لم يستخدم القوة المادية، وإنما لجأ المعتدي إلى الإرهاب والتخويف، ويجيز القانون حماية الحائز في هذه الحالة - ولو لم تكتمل حيازته مدة سنة - رغبة منه في رد القوة على أعقابها نظراً لما في استخدامها من خطورة على الأمن العام .
الحالة الثانية - إذا كانت حيازة المدعى أفضل من حيازة المعتدي راعى المشرع في حالة سلب الحيازة تماماً أننا نكون في واقع الأمر أمام حائزين أحدهما هو المدعي يطالب باسترداد الحيازة، والآخر هو المدعى عليه الذي سلب الحيازة، ولذا فإن رفض دعوى الاسترداد لأن حيازة المدعي لم تكن قد استمرت مدة سنة، يؤدي في الواقع إلى تفضيل حيازة المعتدى رغم أنه بدوره يحوز مدة أقل من سنة ( وجدي راغب - ص 164 وص 165 ) .
ولذلك إذا كانت مدة حيازة المدعي في دعوى الاسترداد لم تبلغ بعد سنة كاملة، والفرض أنها لم تبلغ ذلك عند المدعى عليه، فإن القانون يفاضل في هذه الحالة بين الحيازتين، ويحمي المدعى لو كانت حيازته أفضل من حيازة خصمه، ولم يترك القانون المفاضلة لتقدير القاضي، ولم يحددها بأى الخصمين يحوز مدة أطول من غيره وإنما قدم معايير أخرى للتفضيل هي :
المعيار الأول : الحيازة الأحق بالتفضيل هي التي تقوم على سند قانوني، وهذا يعني أنه إذا قدم المدعى سنداً قانونياً كعقد بيع أو عقد إيجار، ولم يقدم خصمه سنداً لحيازته كانت حيازته أفضل .
ولكن يلاحظ أنه إذا قدم الخصمان سندات متعادلة، فإن قاضی الحيازة لا يحقق هذه السندات أو يفصل فيها، لأنه يصبح بذلك قاضياً للحق، ولا يجوز الجمع بين دعوى الحيازة الحق وإنما يترك هذا المعيار للتفضيل إلى المعيار الآخر، وكذلك إذا لم يقدم أي من الخصمين سنداً قانونياً لحيازته .
المعيار الثاني الحيازة الأحق بالتفضيل هي الأسبق في التاريخ، وهذا المعيار احتياطي لا يلجأ إليه القاضي إلا إذا فشل المعيار الأول بسبب تعادل سندات الخصمين أو عدم وجودها ويؤدي هذا المعيار غالباً إلى ترجيح حيازة المدعي، إلا إذا كان بدوره قد سلب الحيازة من قبل من المدعى عليه ( وجدي راغب - ص 165 - 166 ) .
الشرط الثاني أن يكون هناك سلب للحيازة :
والمقصود بهذا الشرط أن يؤدي الاعتداء إلى فقد الحيازة من المدعي وحرمانه الكامل من الانتفاع بها، وسلب الحيازة الذي يبرر رفع دعوى استرداد الحيازة هو سلب الحيازة بغير إرادة الحائز ( فتحی والی - بند 83 ص 192 و ص 193 ، إبراهيم سعد - بند 91 ص 219 ) ، وبطريق غير مشروع، ولا يشترط أن يكون فقد الحيازة مصحوباً بالقوة أو بالإكراه بل قد يقع بالخداع والحيلة ( رمزی سيف - بند 433، ص 167 وص 168، أحمد أبوالوفا ۔ بند 154 ص 421 فتحى والي - الإشارة السابقة، إبراهيم سعد، الإشارة السابقة ) ، وهذا ما يفهم من نص المادة 959/2 التي لا تشترط مرور سنة على الحيازة لو سلبت بالقوة، مما يفترض قيام الدعوى، ولو تم سلب الحيازة بغير إكراه أو عنف ( إبراهيم سعيد - بند – 91 ص 219 ) .
3- الشرط الثالث أن ترفع الدعوى في خلال سنة من تاريخ سلب الحيازة :
وفقاً للقاعدة الخاصة بجميع دعاوى الحيازة يجب أن ترفع الدعوى في خلال سنة من وقوع الاعتداء على الحيازة إلا أن المشرع المصرى أورد نصاً خاصاً بالنسبة لدعوى استرداد الحيازة نظراً لخطورة الاعتداء فتنص المادة 957/1 من القانون المدني أنه إذا كان فقد الحيازة خفية ، بدأ سريان السنة من اليوم الذي يكتشف فيه الحائز هذا الفقد .
إذ يشترط لقبول دعوى استرداد الحيازة ما يشترط لقبول دعوى منع التعرض من وجوب رفعها خلال سنة من فقد الحيازة، فإذا كان فقد الحيازة خفية - كما مضت الإشارة آنفا - بدأ سريان السنة من وقت أن ينكشف ذلك المادة 957/2 مدنی، وإذن فالدعوى التي ترفع بعد هذا الميعاد تعتبر غير مقبولة لذلك .
وحكمة إيجاب رفعها خلال سنة من فقد الحيازة هي حث الحائز على المبادرة بدفع الاعتداء الواقع على حيازته، لأن الحيازة مركز واقعی نتأثر بالاعتبارات الواقعية، فإذا مضت أكثر من سنة على سلب الحيازة، فعادة يكون معنى ذلك أن المغتصب للحيازة قد استمرت حيازته هذه سنة فأصبح إزاء الحائز الأول المهمل أولى - واقعياً - بالرعاية، بل إن المشرع يعتبر في هذه الحالة أن حيازة الأول قد انقضت، فتكون الدعوى المرفوعة منه على الحائز الجديد غير مقبولة لسببين لرفعها بعد الميعاد، ولزوال الصفة المرفوعة بها، إذ لم يعد رافعها حائزاً في نظر القانون ( أحمد مسلم - بند 330- ص 371 وص 372 ) ، ويستفاد هذا الحكم من نص المادة 957 مدنی إذ تقرر أنه «لا تنقضي الحيازة إذا حال دون مباشرة السيطرة الفعلية على الحق مانع وقتي، ولكن الحيازة تنقضي إذا استمر هذا المانع سنة كاملة، وكان ناشئاً من حيازة جديدة، وقعت رغم إرادة الحائز أو دون علمه، وتحسب السنة ابتداء من الوقت الذي بدأت فيه الحيازة الجديدة إذا بدأت علناً ، أو من وقت علم الحائز الأول بها إذا بدأت خفية .
المقارنة بين دعوى الحيازة المستعجلة والموضوعية :
يلاحظ أنه إذا كان الأصل العام أن دعوى استرداد الحيازة تدخل في اختصاص القضاء المستعجل، وإن غالبية من هذه الدعاوى ترفع أمامه، غير أن ذلك لا ينفي - كما سبق أن ذكرنا - اختصاص محكمة الموضوع بنظرها، ذلك أن الحائز قد يجد أن من مصلحته طرق باب القضاء الموضوعي ليحصل على حكم في موضوع النزاع يحوز حجية دائمة بين الخصوم على خلاف الحكم المستعجل الذي لا يحوز إلا حجية مؤقتة، ويظل مهدداً بالزوال نتيجة حدوث تغيير أو تعديل في الوقائع المادية أو المراكز القانونية .
وإذا كان لا جدال في أن للحائز أن يسلك إما طريق القضاء المستعجل، وإما طريق القضاء الموضوعي، إلا أن الجدير بالذكر أن التجاءه لأحد الطريقين لا يسلبه حقه في الالتجاء إلى الآخر، ومؤدى ذلك أنه إذا رفع الحائز دعوى الحيازة المستعجلة، وأخفق فيها فلا جناح عليه إذا رفع بعد ذلك الدعوى الموضوعية، والعكس صحيح تماماً .
وقد جرت العادة على أن يلجا الحائز أولاً إلى الدعوى المستعجلة باعتبار أن الإجراءات فيها أسهل، وأن الحكم يصدر فيها أسرع فإذا جانبه التوفيق فيها فإنه يطرق باب محكمة الموضوع، حيث يستطيع إثبات حيازته بكافة وسائل الإثبات، ومنها شهادة الشهود والخبرة على خلاف القضاء المستعجل الذي يتعين أن يثبت أمامه الحق واضحاً من ظاهرة المستندات . ( عز الدين الدناصورى - وحامد عكاز - ج ۱ ص 294 ) .
إذا حكم القاضي المستعجل في الدعوى المستعجلة بعدم الاختصاص فلا يجوز له الإحالة : في حالة ما إذا رفعت الدعوى لقاضي الأمور المستعجلة، وتبين له عدم توافر ركن الاستعجال، فلا يجوز له إحالة الدعوى لمحكمة الموضوع لأنه لم يبق أمامه ما يصح عرضه على القضاء الموضوعي .
النفاذ المعجل في كل من الدعويين المستعجلة والموضوعية : من المقرر أن الأحكام الصادرة من القضاء المستعجل مشمول بالنفاذ المعجل بقوة القانون، وبغير كفالة ما لم يأمر القاضي في الحكم بتقديم كفالة، وذلك عملاً بالمادة 288 مرافعات، وبالتالي فإذا لم ينص في الحكم على تقديم الكفالة فمعنى ذلك أن المحكمة لم تستعمل سلطتها التي خولها المشرع في فرض الكفالة .
أما الحكم الصادر في الدعوى الموضوعية فإنه يخضع للقواعد العامة في النفاذ المعجل، وبالتالي لا يجوز تنفيذه إلا بعد أن يصبح نهائياً ما لم تأمر المحكمة بالنفاذ المعجل إذا توافرت إحدى حالات المادة 290 مرافعات في نطاق ما تخوله لها هذه المادة ( الدناصورى وعكاز - ج ۱ ص 294 و 295 ) .
ولاية قاضي الحيازة الموضوعي تتسع لإزالة الأفعال المادية التي يجريها المدعى عليه : إذا أقام الحائز دعوى منع تعرض أو دعوى استرداد حيازة موضوعية، فإن له أن يطلب إزالة الأفعال المادية التي أجراها المدعى عليه في العقار، وتجييه المحكمة لطلبه، وأساس ذلك أن القضاء بها من قبيل إعادة الحال إلى ما كانت عليه، وأن من حق الحائز لمدة لا تقل عن سنة أن يطلب إعادة العقار إلى أصله بأن يطلب إزالة ما يحدثه المتعرض من تغيير سواء بإزالة ما أقامه من مبان أو بإعادة ما هدمه منها ( الدناصورى وعكاز - ص 332 وص 333 ) .
قاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق : من القواعد المستقر عليها فقهاً وقضاء قاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق، وتعني هذه القاعدة عدم جواز قيام الدعويين في وقت أمام نفس المحكمة أو أمام محكمتين مختلفتين، والحكمة من هذه القاعدة هي استكمال الحيازة ذاتها مجردة عن أصل الحق، فالمشرع يحمي الحيازة ذاتها، إذ يقتضي الترتيب الطبيعي ألا ترفع دعوى الحق قبل أن يفصل في دعوى الحيازة، لأن تنظيم مراكز الخصوم في دعوى الحق تحكمه الحيازة، فإن كانت الحيازة محل نزاع وجب أن يفصل في هذا النزاع أولاً قبل رفع دعوى الحق، هذا فضلاً عن أن إثارة النزاع على الحق أثناء قيام دعوى الحيازة معطل للحماية التي قررها المشرع للحيازة ذاتها ( رمزی سيف - بند 138 ص 171 ) ، فهذه القاعدة ترمي إلى إبراز رغبة القانون في حماية الحيازة باعتبارها مركزاً قانونياً مستقلاً عن الحق الموضوعي، فلا يجوز الخلط بين الحماية المقررة للحيازة، والحماية المقررة للحق، ولا يجوز أن يؤدي وجود هذه الحماية الأخيرة إلى عدم الانتفاع من حماية الحيازة ( سوليس وبيرو - القانون القضائي الخاص - ج 1 بند 170 ص 153، فتحی والی - الوسيط بند 60 - ص 101 ) .
وليس المقصود من نص المادة 44 - محل التعليق - هو منع الجمع بين دعوى الحيازة، ودعوى الحق في جميع الصور، وإنما المقصود هو منع الجمع بينهما في الحالات المقررة في المادة فقط، وإنما يحقق الغرض المقصود من قاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة، ودعوى المطالبة بأصل الحق، وهو استكمال حماية الحيازة لذاتها مجردة عن أصل الحق، لأن التعرض لأصل الحق قد يؤدي إلى الحكم على الحائز على الرغم من ثبوت حيازته، اعتماداً على ملكية خصمه، وهذا يتنافى مع تحقيق الغرض المقصود من دعوى الحيازة، وهو رد الاعتداء، وإعادة الخصوم إلى ما كانوا عليه قبل الاعتداء على الحيازة ( أحمد أبوالوفا - التعليق ص 297 ) .
كما أنه ليس المقصود بدعوى الحق التي يحظر الجمع بينها وبين دعوى الحيازة، دعوى الملكية فقط، بل أيضاً أي دعوى عينية ترد على نفس العقار، بل إنه حيث ترفع دعوى الحيازة من الحائز حيازة مادية، وهو ما يجيزه القانون بالنسبة لدعوى استرداد الحيازة، وبالنسبة لجميع دعاوى الحيازة التي ترفع من المستأجر، فإن إعمال قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحق، ودعوى الحيازة يقتضى القول بأن عدم الجمع يعني أيضاً عدم الجمع بين دعوى الحيازة، وبين دعوى الحق الشخصي، وأساس ذلك أن نص المادة 44 - محل التعليق - يشير إلى دعوى الحق عموماً ، وليس فقط إلى دعوى الحق العيني ( فتحى والى - الوسيط - بند 60 ص 101 ) .
ومن المعروف أن دعاوى الحيازة هي ما كان موضوعها حماية الحيازة في ذاتها بصرف النظر عن أساس الحق الذي تستند إليه، ويقصد بالحيازة حيازة الشئ، والانتفاع به، إذ لا تتناول دعوى الحيازة غير واقعة الحيازة المادية، ومن ثم فهي لا تكفل غير حماية الحيازة على العقارات المادية، والحقوق العينية العقارية، والعقارات المادية هي ما كانت حائزة لصفة الاستقرار بخلقتها أو بصنع صانع بحيث لا يمكن نقلها دون أن يعتريها خلل أو تلف مادة 82 مدنی، أما العقارات بالتخصيص فلا تصلح محلاً لدعوى الحيازة إلا إذا وقع عليها الاعتداء، وهي متصلة بالعقار بطبيعته ومخصصة له، والحقوق العينية العقارية في حق الانتفاع، وحق الاستعمال، وحق السكنى وحقوق الارتفاق، وتحمى الحيازة ثلاثة أنواع من الدعاوى، هي دعوى استرداد الحيازة، ودعوى منع التعرض، ودعوى وقف الأعمال الجديدة .
وقد يحدث الجمع بين دعوى الحيازة، ودعوى الحق من جانب مدعی الحيازة فيما يبديه من طلبات، وقد يحدث من جانب المدعى عليه فيما يبديه من دفوع في دعوى الحيازة، وقد يحدث من جانب القاضي في حكمه في الحيازة، فالجمع بين الدعوىين قد يكون طلباً أو دفعاً أو حكماً ، وقد نظم المشرع حظر هذا الجمع بنفس المادة 44 - محل التعليق - وسوف نوضح ذلك تفصيلاً فيما يلي :
أولاً بالنسبة للمدعي في دعوى الحيازة : نصت الفقرة الأولى من المادة 44 - محل التعليق - على أنه لا يجوز أن يجمع المدعى فى دعوى الحيازة بينها وبين المطالبة بالحق، وإلا سقط ادعاؤه بالحيازة،
ووفقا لهذا النص إذا طالب مدعى الحيازة بالحق، فإن ادعاءه بالحيازة يسقط، فإذا حدث اعتداء على حيازة الحائز وجب عليه أن يسلك سبيل حماية الحيازة - وهو سبيل سهل - فإن طالب بأصل الحق اعتبر متنازلاً عن السبيل السهل لحماية الحيازة، ومن ثم كلما ثبت هذا النزول أو افترض وجب الحكم بعدم قبول دعوى الحيازة، أما إذا لم يثبت هذا أو ذلك، فلايجوز الحكم بعدم القبول.
فقد حظر المشرع في الفقرة الأولى من المادة 44 أن يجمع المدعى بين المطالبة بالحيازة وبالحق، ومن المتصور حدوث هذا الجمع في الأحوال الآتية :
(أ) أن يطالب المدعي في دعوى الحيازة بأصل الحق : وفي هذه الحالة تسقط دعوى الحيازة، وعلة ذلك أن الطلب بأصل الحق يتضمن نزولاً من المدعى عن دعوى الحيازة، فعندما حدث تعرض للمدعي في حيازته كان أمامه طريقان لدفع التعرض، طريق دعوى الحيازة وهو طريق سهل، وطريق المطالبة بالحق وهو طريق صعب، فباختياره الطريق الصعب يعتبر نازلاً ضمناً عن الطريق السهل وهو طريق دعوى الحيازة . ( رمزي سيف - ص 172 ، أحمد أبو الوفا - المرافعات سنة 1990 بند 1660 ص 173 ) .
وفي هذه الحالة يفصل القاضي في طلب الحق، طالما كان مختصاً به، ولا يفصل في دعوى الحيازة .
وإذا ما رفع المدعي دعوى المطالبة بالحيازة، فليس له أن يستند إلى أصل الحق ليطالب بحماية حيازته ( نقض 15/5/1947 - مجموعة أحكام النقض في 25 عاما – ج1 - رقم 126 ص 643 ) ، فالمدعى ممنوع من بناء دعواه بالحيازة على أسباب تتعلق بأصل الحق لأن دعوى الحيازة تختلف موضوعاً وسبباً عن دعوى الحق.
ب- أن يرفع المدعي دعوى الحيازة ودعوى باصل الحق في نفس الوقت : وفي هذه الحالة أيضاً تسقط دعوى الحيازة، لأن رفع دعوى بأصل الحق يتضمن نزولاً من المدعى عن دعوى الحيازة .
ويلاحظ أنه في هذه الحالة وفي غيرها من حالات الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق، يشترط حتى تسقط دعوى الحيازة أن تكون دعوى المطالبة بالحق مرفوعة على ذلك المدعى عليه في دعوى الحيازة وأن تكون مرفوعة بصفة أصلية ( أحمد أبو الوفا - المرافعات - سنة 1990 - ص 174، نقض 14/2/1989 ، في الطعن رقم 1516 لسنة 5 قضائية ).
ج- أن يرفع المدعي دعوى الحيازة وقبل الفصل فيها يرفع دعوى الحق : فإذا بادر المدعى برفع دعوى الحيازة فإنه ليس ثمة ما يمنعه من رفع دعوى الحق إذ يجوز له ذلك، وتكون دعواه بالحق مقبولة، ولكن يترتب على رفع دعوى الحق سقوط دعوى الحيازة، وذلك إعمالاً للفقرة الأولى من المادة 44 محل التعليق .
فلا يلتزم المدعى في دعوى الحيازة بالانتظار إلى حين الفصل فيها، وإنما يستطيع أن يرفع دعوى الحق أثناء قيام دعوى الحيازة ولكن عندئذ يعتبر برفع دعوى الحق متنازلاً عن دعوى الحيازة التي رفعها ( رمزی سيف - بند 139 - ص 172، فتحی والی - بند 63 - ص 103 ) ، ولأن المدعي في دعوى الحيازة يعتبر برفعه دعوى الحق متنازلاً عن دعوى الحيازة .
د- أن يرفع المدعي دعوى أصل الحق، وقبل أن يفصل فيها يرفع دعوى حيازة : وفي هذه الحالة لا تقبل دعوى الحيازة، لأن رفع دعوى الحق يتضمن نزولاً عن دعوى الحيازة واعترافاً ضمنياً بالحيازة للخصم .
ويكفي أن ترفع دعوى الحق لكي يعتبر رفعها نزولاً عن دعوى الحيازة، ولو رفعت أمام محكمة غير مختصة، أو ترك المدعى الخصومة بعد رفع الدعوى ( سوليس وبيرو ج 1 بند 176 ص 157، أحمد أبوالوفا - المرافعات - بند 160 ص 173، فنسان من المرافعات بند 58 ج 78 ، فتحي والي - الوسيط - بند 62 ص 102، إبراهيم سعد ج ۱ ص 224، نقض 13/6/1981 ، الطعن رقم 2098 لسنة 50 قضائية، نقض 3/11/1982 ، الطعن رقم 419 لسنة 49 قضائية، نقض 2/12/1982 الطعن رقم 161 لسنة 49 قضائية ) .
ويشترط لزوال دعوى الحيازة في هذه الحالة أن ترفع دعوى الحق بالفعل، فلا يكفي إنذار المعتدي، أو تقديم طلب بالإعفاء من رسوم الدعوى ( استئناف مختلط 30/1/1930 - مجلة التشريع والقضاء 42 ص 245، والعبرة في تكييف الدعوى بأنها دعوى بالحق في بحقيقة المطلوب فيها بصرف النظر عن العبارات التي يصاغ بها الطلب نقض 17/3/1932 - مجموعة أحكام النقض في 25 عاما ج ۱- رقم 132 ص 643، رمزی سيف - بند 139 ص 174، فنحى والی - بند 62 ص 102، إبراهيم سعد - ج ۱ ص 223 ) ويخضع تكييف الدعوى لرقابة محكمة النقض .
( نقض 9/11/1933 - المحاماة سنة 14 - العدد الأول - 95-57 ).
كما يشترط لزوال دعوى الحيازة في هذه الحالة أن يكون سببها راجعاً إلى تاريخ سابق على رفع دعوى الحق، فدعوى الحيازة التي تسقط هي التي ينشأ الحق في رفعها قبل رفع دعوى المطالبة بالحق، أما إذا حصل اعتداء على الحيازة بعد رفع دعوى المطالبة بالحق، وأثناء نظرها، فلا يمكن أن يفترض نزول الخصم عن دعوى الحيازة، لأن سبب هذه الدعوى لم ينشا إلا بعد رفع دعوى المطالبة بالحق.
( نقض 9/5/1940، منشور في المحاماة 21-230-108، نقض 2/12/1982 ، في الطعن رقم 161 لسنة 49 قضائية) .
ثانياً : بالنسبة للمدعى عليه فى رفع دعوى الحيازة : وفقاً للفقرة الثانية من المادة 44 - محل التعليق - يمتنع على المدعى عليه في دعوى الحيازة أن يدفعها بالاستناد إلى اعتبارات تتصل بأصل الحق، كما يمتنع عليه أن يرفع دعوى الحق إلا بعد الفصل في دعوى الحيازة، وتنفيذ الحكم الصادر فيها، أو بعد التخلى فعلاً من الحيازة، ولا يكفي في هذا المجال مجرد إقراره بالحيازة لخصمه .
إذ يتضح من نص المادة 44 في فقرتها الثانية أنه يمتنع على المدعى عليه في دعوى الحيازة أمران :
(أ) - الأمر الاول : أنه يمتنع على المدعى عليه في دعوى الحيازة دفعها بالاستناد إلى أنه صاحب حق يخوله الحيازة، فمثلاً إذا رفعت دعوى استرداد الحيازة على من سلبها من حائزها فلا يقبل من المدعى عليه أن يدفع هذه الدعوى بأنه هو المالك للعين، لأن القانون يحمي الحيازة متی توافرت شروطها لذاتها بصرف النظر عن كون الحائز صاحب الحق أم لا ولأن الحكم في دعوى الحيازة يجب أن يبنى على اعتبارات متعلقة بالحيازة دون الحق ( رمزي سيف – بند 140 ص 176 ) .
فليس للمدعى عليه في دعوى الحيازة أن يدافع في هذه الدعوى مستنداً إلى أنه صاحب حق ( نقض 28/11/1963 - السنة 14 ص 1112 ) ، فكونه صاحب حق لا يخوله الاعتداء على الحيازة، ويكون دفاعه المستند إلى أنه صاحب حق غير مقبول، لأنه بفرض أنه حقيقة صاحب الحق فلا أثر لهذا الدفاع في قبول دعوى الحيازة ( فتحی والی - بند 62 ص 104 ) .
وما دام المدعی ممنوعاً من بناء دعواه على أسباب تتعلق بأصل الحق لأن دعوى الحيازة تختلف موضوعاً وسبباً عن دعوى الحق ، فإن المدعى عليه هو الآخر يمتنع عليه أن يدفع دعوى الحيازة بالاستناد إلى الحق . ( نقض 15/5/1947 ، مجموعة القواعد القانونية 5 ص 440 ) .
ب- الأمر الثاني : إنه يمتنع على المدعى عليه في دعوى الحيازة أن يطالب بالحق، ويطلب الحكم له به إلا بعد الفصل في دعوى الحيازة وتنفيذ الحكم الصادر فيها، أو بعد التخلي فعلاً عن الحيازة لحائزها قبل الاعتداء عليها، لأن كون المتعرض للحيازة صاحب الحق موضوع الحيازة لا يمنع من أن تعرضه للحائز اعتداء يجب أولاً إزالته بتسليم الحيازة لحائزها حتى يمكن النظر في دعوى الحق ( رمزی سيف سند 140 ص 176 وص 177 ) ، ولا يجعل دعوى الحق المرفوعة من المدعى عليه أثناء قیام دعوى الحيازة مقبولة إلا أخذ أمرين الأول أن يتخلى المدعى عليه فعلاً عن الحيازة لخصمه فلا يكفي مجرد الإقرار بالحيازة لخصمه، الثاني أن ينتظر الفصل في دعوى الحيازة، وتنفيذ الحكم الصادر فيها.
فقد أراد المشرع بنص الفقرة الثانية من الماد 44 - محل التعليق - أن يعاقب المغتصب، فعليه أولاً وقبل كل شئ رد ما استولى عليه، واعادة الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء على الحيازة، هذا حتى ولو كان هو بالفعل المالك الحقيقي، لأن القانون يحمي الحيازة لذاتها.
ثالثاً بالنسبة لقاضي الحيازة :
تنص المادة 44 - محل التعليق - في فقرتها الثالثة على أنه لا يجوز الحكم في دعاوى الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه .
والمقصود بهذا النص أنه يمتنع على قاضي الحيازة أن يتعرض لأصل الحق موضوع الحيازة، وهذا المنع تقتضيه القواعد العامة، لأن دعوى الحيازة تختلف عن دعوى المطالبة بالحق من ناحية سببها وموضوعها ( أحمد أبوالوفا - المرافعات - طبعة 1990 - بند 162 - ص 176 وص 177 ، رمزى سيف - بند 141 ص 177 ، إبراهيم سعد - ج ۱ بند 96 ص 226 ) ، فدعوى الحيازة ترمي إلى حماية مركز واقعي يعترف به القانون، إذ يرفعها الحائز لحماية حيازته بصرف النظر عن ثبوت حقه في الملكية، لذلك قد يتصور رفعها على المالك الحقيقي، وقد يتصور الحكم في دعوى الحيازة لمصلحة الحائز، ولو كان خصمه هو المالك، لأن نفي ملكية مدعي الحيازة لا ينفي حقه في التعرض لحيازته، ولذلك يقتصر البحث في دعوى الحيازة على توافر شروط الحيازة، وأوصافها دون التعرض لأصل الحق .
بينما دعوى الحق تهدف إلى حماية هذا الحق، والبحث فيها يتناول حتماً أساس هذا الحق ومشروعيته.
وبناء على ذلك فإن قاضى الحيازة يتقيد بقاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة، ودعوى الحق من ناحيتين :
( أ ) الناحية الأولى في نظر الدعوى وتحقيقها وإثباتها إذ ينبغي على القاضي أن يقتصر في دعوى الحيازة على البحث عن توافر شروط الحيازة، وأوصافها دون التعرض لأصل الحق ذاته، فالحق يعتبر مسألة خارجة عن القضية المعروضة على القاضي بدعوى الحيازة، ويجب على قاضي الحيازة رفض أي طلب مقدم من الخصوم يهدف إلى إثبات الحق ذاته كطلب إجراء تحقيق أو معاينة يقصد منها ثبوت الحق ذاته ( جابيو - المرافعات - بند 120 ص 109، إبراهيم سعد - ج ۱ بند 96 ص 227 وص 228 ) ، أو ندب خبير لفحص مستندات الخصوم المتعلقة بالحق بقصد تحديد المالك الحقيقي ( استئناف مختلط – 27/3/1930 - مجلة التشريع والقضاء - السنة 44 ص 391 ، نقض 10/1/1952 منشور في المحاماة 32 ص 1123 ) ولكن ينبغي ملاحظة أن عدم تعرض قاضی الحيازة لأصل الحق لا يعني الحظر المطلق للرجوع على مستندات الحق، وإنما - وعلى حد قول محكمة النقض - إذا دعت ضرورة البحث في الحيازة للرجوع إلى مستندات الحق، فلا يكون ذلك مقصوداً لذاته، بل يكون على سبيل الاستئناس وبالقدر الذي يقتضيه التحقق من توافر شروط وضع اليد» ( نقض 27/10/1932 - مجموعة أحكام النقض في 25 عاما- ج 1 - رقم 133 ص 643، نقض 17/1/1964 - نفس المجموعة - رقم 139- ص 644، نقض 10/1/1952 - نفس المجموعة - رقم 140 ص 645، نقض 28/11/1963 مجموعة أحكام النقض - السنة 14 ص 1112 ) ، وهذا يعني أنه يجوز للقاضي في دعوى الحيازة فحص مستندات الحق ليستخلص منها كل ما كان متعلقاً بالحيازة ووصفها، وليسترشد بها في التعرف على طبيعة الحيازة، واستيفاء شروطها، إذ أن هذا الفحص لايعني البحث في الحق ذاته ( سوليس وبيرو - ج 1 - بند 172 ص 155، أحد أبو الوفا - المرافعات بند 164 ص 179 وص 180 ، فتحى والى - بند 63 ص 105، إبراهيم سعد - بند 69 ص 227 ) .
إذن يمنع على قاضي الحيازة فحص مستندات الخصوم المتعلقة بأصل الحق، وإنما يجوز له فحص هذه المستندات على سبيل الاستئناس، وبالقدر الذي يقتضيه التحقيق من توافر شروط الحيازة، الأمر الذي يجب أن يجعله القاضی مناط تقصده، فإن جاوز هذا الحد تجاوزاً يمس أصل الحق، فإنه يكون قد خالف القانون .
( نقض 16/6/1955 ، الطعن رقم 27 لسنة 22 ق - مجموعة أحكام النقض في 25 عاما- ج 1 -رقم 128 ص 643، نقض 22/11/1945 ، مجموعة القواعد القانونية 5 ص 7 ، ونقض 17/1/1946 ، نقض المجموعة 5 ص 60، ونقض 17/10/1932، نفس المجموعة 1 ص 137 ، ونقض 27/1/1981 ، الطعن رقم 998 لسنة 47 قضائية ) .
ب- الناحية الثانية في إصدار الحكم : وفقاً للفقرة الثالثة من المادة 44 - محل التعليق - لا يجوز للقاضي في دعوى الحيازة الحكم على أساس ثبوت الحق أو نفيه، فلا يستطيع القاضي في دعوى الحيازة أن يفصل في الحق ذاته، أو أن يحكم بتقريره أو نفيه، أو أن يبني حكمه أساساً على أسباب يستمدها من أصل الحق، وموضوعه، ولا يجوز للقاضي في منطوق حكمه في دعوى الحيازة أن يمس موضوع الحق.
( نقض 16/6/1955 - مشار إليه آنفا، نقض 28/3/1968- السنة 19 - ص 655 ) ، لأن كل ذلك غير مطلوب من قاضي الحيازة الذي ينبغي أن ينصب حكمه في دعوى الحيازة على الحيازة ذاتها التي يحميها القانون مجردة عن الحق.
ومن البديهي أنه مادام المدعى في دعوى الحيازة يمتنع عليه بناء دعواه على اعتبارات تتصل بأصل الحق، والمدعى عليه يمتنع عليه دفع الدعوى بالاستناد إلى الحق، وذلك لأن دعوى الحيازة تختلف موضوعاً وسبباً عن دعوى الحق، فإن قاضي الحيازة هو الآخر يمتنع عليه أن يحكم فيها على أساس ثبوت الحق أو نفيه، وهذا يعني أن قاضي الحيازة يمتنع عليه أن يحكم بالملكية في منطوق حكمه، كان يشتمل المنطوق على قضاء باعتبار العقار موضوع الحيازة من الأموال العامة كما يمتنع عليه أن يوقف الدعوى، ويطلب من الخصوم استصدار حكم في الملكية، أو يرفض الحكم في دعوى الحيازة بحجة أن الفصل فيها يستلزم التعرض لأصل الحق . ( نقض 13/1/1955 ، طعن رقم 417 لسنة 21 قضائية، ونقض 20/2/1958 ، السنة 9 ص 149 ) .
إذن يمتنع على قاضي الحيازة بناء حكمه على نتيجة بحثه لأصل الحق، كان يقضي للحائز مستنداً إلى حكم سابق قضى له بالملكية، وإذا استند القاضي إلى أسباب تتصل بالحق، وأسباب تتصل بالحيازة فيجب أن تكون الثانية كافية في ذاتها لإقامة الحكم عليها، وإلا اعتبر الحكم باطلاً لقصور الأسباب. ( نقض 4/12/1952 ، المحاماة 34 ص 1232، ونقض 4/12/1952 ، المحاماة 34 ص 1240 ) .
ومما سبق يتضح أن القضاء في دعاوى الحيازة، كالقضاء في المواد المستعجلة، يرمي إلى تحديد مركز الخصوم تحديداً مؤقتاً حماية لصاحب الحق الظاهر، وأن موقف قاضي الحيازة بالنسبة لما يتصل بأصل الحق كموقف قاضي الأمور المستعجلة بالنسبة لحقوق الخصوم الموضوعية فكلاهما ممنوع من التعرض لأصل الحق، ومن بناء حكمه على أسباب تتعلق به، وأن الحكم الصادر في الحيازة كالحكم الصادر في المواد المستعجلة يقوم على وقائع قابلة بطبيعتها للتغيير، والتعديل، فهو لذلك يحوز حجية مؤقتة، مما يجيز لمن أصدره أن يعدل عنه إذا تغيرت الظروف القائم عليها، كما لا تتقيد به المحكمة التي يعرض عليها النزاع على أصل الحق ( نقض 28/3/1968 - السنة 19 ص 655، نقض 15/6/1976 - السنة 18 ص 1269 ) ، ولو كانت هي نفس المحكمة التي أصدرته ( استئناف مختلط 6/12/1928 ، مجلة التشريع والقضاء 41 ص 77، واستئناف مختلط 27/3/1930 ، مجلة التشريع والقضاء 42، ص 391، أحمد أبوالوفا - المرافعات - بند 118 ص 182 و ص 182 ، محمد حامد فهمي - المرافعات - بند 371 ) ولكن ليس معنى هذا أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة تسري عليه القواعد المتعلقة بالأحكام المستعجلة - من حيث رفع الاستئناف أو ميعاده أو نظره - اللهم إلا إذا كان الحكم في دعوى الحيازة صادراً من محكمة الأمور المستعجلة ( أحمد أبوالوفا - التعليق - ص 300 وص 301 ) .
ورغم أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة حجية الأمر المقضى بالنسبة لما فصل فيه، إلا أنه يلاحظ أن هذا الحكم ليس له أية حجية بالنسبة لدعوى الحق كما مضت الإشارة، لأن دعوى الحق تختلف في محلها عن دعوى الحيازة ( 28/3/1968 - السنة 19 ص 655 ) ، فما يقرره قاضي الحيازة في شأنها لا يقيد المحكمة التي تنظر النزاع في أصل الحق أو نزاعاً متفرعاً عنه أو مترتباً عليه ( نقض 12/2/1969 - السنة 20 ص 333، نقض 15/6/1967 - السنة 18 ص 1269، نقض 28/3/1968 ) - مشار إليه آنفا فللمحكمة التي تنظر دعوى الحق أن تتجاهل كل ما قرره قاضي الحيازة، بل إن لها أن تقضي بالحق لمن خسر دعوى الحيازة، إذ تختلف دعوى الحق عن دعوى الحيازة موضوعاً وسبباً كما ذكرنا آنفا . ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / الأول ، الصفحة : 989 )
علة منع المدعي في دعوى الحيازة ، من المطالبة بالحق هي أن اختيار الطريق الصعب لحماية الحيازة وهو المطالبة بأصل الحق يعد من جانب الحائز نزولاً ضمنياً عن مباشرة الطريق السهل الذي حاباه به الشارع وهو طريق رفع دعوى الحيازة .
ودعوى الحيازة التي تسقط هي الدعوى التي ينشأ الحق في رفعها قبل رفع دعوى المطالبة بالحق أما إذا نشأ الحق في رفع دعوى الحيازة بعد رفع دعوى الحق فلا يمكن أن يفترض نزوله عن دعوى الحيازة . ولا تعتبر دعوى الشفعة من دعاوى الحق التي تسقط الحق في رفع دعوى الحيازة .
وقد اختلف الرأي فيما إذا ترك المدعى الخصومة في دعوى الحق فذهب رأي إلى أن ذلك يعيد إليه حقه في رفع الحيازة ولكن الراجح أن مجرد رفع دعوى الحق يسقط الحق في رفع دعوى الحيازة ولو قضي بترك الخصومة فيها أو قضي فيها بعدم الاختصاص أو ببطلان صحيفة افتتاح الدعوى أو عدم قبولها أو باعتبارها كأن لم تكن .
والجمع بين الحيازة وأصل الحق يثور في حالات ثلاثة :
الحالة الأولى :
أن يرفع المدعي طالباً بالحيازة والملكية معاً فإذا كانت المحكمة مختصة بنظر الطلبين فإن المحكمة تقضي بعدم قبول دعوى الحيازة لأن رفع دعوى الملكية يتضمن نزول المدعي عن الحيازة وتقضي في دعوى الملكية حسبما يستبين لها من أدلة المدعي ومستنداته سواء بالقبول أو الرفض ويجوز للمحكمة أن تصدر حكماً فرعياً بعدم قبول دعوى الحيازة وتستمر في نظر طلب الملكية ثم تصدر حكمها فيها بعد ذلك ويجوز لها أن تقضي في الطلبين معاً على النحو السالف بيانه .
الحالة الثانية :
أن يرفع المدعي دعوى الحيازة وقبل أن تفصل فيها المحكمة يرفع دعوى الملكية فإن ذلك يعد نزولاً منه عن دعوى الحيازة فتقضي المحكمة بعدم قبولها وتنظر دعوى الملكية.
الحالة الثالثة :
أن يرفع المدعي دعوى الملكية وقبل أن يفصل فيها يرفع دعوى الحيازة فإن المحكمة تقضي بعدم قبول دعوى الحيازة حتى ولو أقر صراحة بتركه الخصومة في دعوى الملكية ، ذلك أن رفع الدعوى الأخيرة في مبدأ الأمر يتضمن نزولاً عن دعوى الحيازة .
ومن البديهي أنه لا يتصور أن يفصل في دعوى الملكية ثم يقيم المدعي دعوى الحيازة بعد ذلك لأنه إذا فصل لصالحه في الأولى كان في غنى عن الثانية ، أما إذا قضي فيها لغير صالحه فلا يجديه أن يرفع دعوى الحيازة لأنه لا يلجأ لدعوى الملكية إلا إذا كانت حيازته غير ثابتة.
ومؤدي ما تقدم أنه يتعين على المدعي أن يقتصر على رفع دعوى الحيازة أو علي رفع دعوى الملكية فإذا توافرت في حقه شروط الأولي بادر برفعها فإذا قضي له فيها بقي علي حيازته ، ولا يكون أمام خصمه من سبيل إلا أن يلجأ لدعوى الملكية ، إذا لم يتوافر في شروطه دعوى الحيازة فلا مناص من أن يقيم دعوى الملكية على الحائز . ويقع عليه عبء إثبات الملكية لا الحيازة ولا يعتبر رفعا لدعوى الملكية طلب المعافاة من الرسوم القضائية توطئة لرفع دعوى الملكية ما دامت هذه الدعوى لم ترفع بالفعل إذا الدعوى طبقاً للمادة 63 مرافعات لا ترفع إلا بصحيفة تعلن صورتها للخصم.
ومجرد رفع دعوى الملكية يتضمن نزولاً عن دعوى الحيازة حتى لو رفعت أمام محكمة غير مختصة.
ويشترط لسقوط الحق في رفع دعوى الحيازة أن تكون مرفوعة من الحائز ذاته علي المعتدي نفسه بالنسبة إلى ذات العين المعتدى عليها لذلك إذا رفع المدعي دعوى الحيازة ضد شخص معين ورفع دعوى الملكية ضد شخص أخر فإن ذلك ليس من شأنه سقوط دعوى الحيازة.
قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية تسري أيضاً على المدعى عليه :
وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة فإن المدعى عليه بدوره يلتزم بعدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية من ناحيتين الأولى أنه إذا أقيمت عليه دعوى حيازة فلا يجوز له أن يدفعها إلا بدفع مستمد من الحيازة ذاتها بصرف النظر عن موضوع الحق ، فلا يصح له أن ينازع المدعي في حيازته بادعاء أنه المالك ، إذ يجب أن تكون لديه الحيازة ، إذ أن في هذا الدفع جمعاً بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية، إلا أنه لا جدال في أن له أن يواجه دعوى الحيازة بأن الحيازة غير ثابتة للمدعي ، أو لم يتوافر فيها الشروط القانونية وغير ذلك من الدفوع التي تستند إلي الحيازة لا إلي الملكية.
الناحية الثانية أنه لا يجوز للمدعي عليه أن يطالب بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة وقبل تنفيذ الحكم الصادر فيها إذا كان صادراً عليه إلا إذا تخلى بالفعل عن الحيازة لخصمه ، وترتيباً على ذلك إذا أقيمت عليه دعوى الحيازة فلا يستطيع قبل أن يفصل في هذه الدعوى أن يرفع هو دعوى الملكية على المدعي في دعوى الحيازة ، بل يتعين عليه أن ينتظر حتى يفصل في دعوى الحيازة حتى لا يجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية ، فإذا حكم في دعوى الحيازة لصالح المدعي وجب عليه أن ينفذ الحكم كاملاً وألا يضيع على خصمه الحيازة التي قضي له بها وبعد أن يسترد خصمه الحيازة يستطيع هو أن يرفع عليه دعوى الملكية فإن رفعها قبل أن يفصل في دعوى الحيازة أو قبل أن ينفذ الحكم الصادر لمصلحة خصمه فيها فإن دعوى الملكية يكون مصيرها الحتمي عدم القبول اللهم إلا إذا تخلى بالفعل عن الحيازة لخصمه.
ومما هو جدير بالذكر أن عکس القاعدة السابقة غير صحيح بمعنى أن المدعى عليه في دعوى المطالبة بأصل الحق يجوز له أن يرفع دعوى الحيازة لأنه لم يصدر منه ما يفيد نزوله عن دعوى الحيازة فإذا كانت الدعوى المرفوعة هي دعوى الملكية جاز للمدعي عليه فيها وقبل الفصل فيها أن يقيم دعوى الحيازة سواء كان سبب دعوى الحيازة سابقاً على رفع دعوى الملكية أو لاحقاً له ومن الممكن تعليل التفرقة في دعوى الملكية ما بين المدعي والمدعى عليه، بأن الأول هو الذي أقام دعوى الملكية باختياره ، فيعد هذا منه نزولاً ضمنياً عن دعوى الحيازة ، على عكس المدعى عليه الذي لم يرفع دعوى الملكية فلا يجوز - بالتالي للمدعي أن يحول بينه وبين حقه في رفع دعوى الحيازة .
يتقيد القاضي أيضاً بعدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية :
مؤدي ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة أن قاضي الحيازة لا يجوز له وهو يبحث دعوى الحيازة أن يبحث في الحق ذلك لأنه إذا ثبت له من بحثه هذا أن مدعي الحيازة ليس صاحب الحق فلا يمنع ذلك من الحكم له باعتباره حائزاً ولا يجوز له أن يحكم بالحق لخصمه ولو طلب ذلك ويترتب على هذه القاعدة أمران أولهما أن القاضي لا يستطيع أن يبني حكمه في دعوى الحيازة على أسباب يستمدها من موضوع الحق سواء كان حكمه بإجابة المدعي إلي طلبه أو رفضه ، بل يتعين عليه أن يؤسس حكمه علي أسباب تستند إلى الحيازة ذاتها ، فإن استند في حكمه الذي قضي فيه للمدعي بطلبه علي أنه هو المالك ، أو علي أن حيازته ثابتة من سند ملكيته ، أو أن حيازته ثابتة من القضاء له بالملكية بموجب حكم سابق ، اعتبر هذا جمعاً بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية وهو أمر محرم عليه ، كذلك إذا رفضت المحكمة دعوى الحيازة برغم ثبوتها للمدعي بشروطها القانونية محتجة في ذلك أن المدعى عليه كان يستعمل حقاً ثابتاً له أو أن المدعي لم يلحقه أي ضرر من تعرض المدعى عليه له فإن ذلك يعد أيضاً جمعاً بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية ممنوع عليه قانوناً .
والأمر الثاني أن قاضي الحيازة لا يجوز له في منطوق حكمه في دعوى الحيازة أن يمس موضوع الحق أو أن يجعل الحيازة مرتبطة بالملكية أو أن يوقف الفصل في دعوى الحيازة وقفاً تعليقياً وفقاً للمادة 109 مرافعات حتى يفصل في دعوى الملكية ، بل يتعين عليه أن يقصر حكمه علي الحيازة وحدها فإن جاوز ذلك وقضي للمدعي بحقوق تجاوز الحيازة استناداً لموضوع الحق كان حكمه معيباً بمخالفة القانون ، غير أن ذلك لا يعني منع قاضي الحيازة من كل بحث في المستندات المتعلقة بالحق لا ليفصل في أصل الحق ولا ليبني حكمه في دعوى الحيازة على ثبوت الحق أو نفيه وإنما ليسترشد بها في التعرف علي طبيعة الحيازة ومداها للتأكد من توافر شروط الحيازة أو عدم توافرها .
وإذا استندت المحكمة في ثبوت الحيازة لسند الملكية وحده فلا جدال في أن هذا الحكم يكون خاطئاً .
وإذا أقام المدعي دعوى منع التعرض والإزالة والتسليم فلا يعد ذلك جمعاً بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية لأن الإزالة هي من قبيل إعادة الحال إلي ما كانت عليه قبل حصول التعرض بإزالة الأفعال المادية التي أجراها المتعرض كتسوير الأرض أو وضع أخشاب فيها أو إقامة مبان أو منشات وغيرها مما يعد وجودها في ذاته تعرضاً لحيازة واضع اليد ، أما التسليم فلاشى أنه يعتبر من مستلزمات منع التعرض وإعادة يد الحائز إليه .
كذلك لا يعد مخالفة لقاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية أن يحكم القاضي في دعوى الملكية بإجراء وقتي للمحافظة على الشيء محل النزاع كفرض الحراسة القضائية عليه إذا توافرت شروطه إذ يجوز إبداؤه كطلب موضوعي أمام المحكمة التي تنظر دعوى الملكية ( راجع مؤلفنا في المستعجل وقضاء التنفيذ الطبعة الخامسة ص 15 وما بعدها ).
ويجوز للمدعي في دعوى الحيازة إذا كان قد أقام دعواه أمام محكمة الموضوع أن يطلب أيضاً القضاء له بتعويض بسبب الضرر الذي أصابه نتيجة أعمال التعرض أو اغتصاب الحيازة ولكن لا يجوز له أن يؤسس طلب التعويض على حرمانه من الانتفاع بحق الملكية لأن هذا الطلب مجاله إنما هو دعوى الملكية لا دعوى الحيازة .
ومن البديهي أنه إذا كانت دعوى الحيازة مرفوعة أمام القضاء المستعجل فإنه لا يجوز للمدعي أن يطلب بتعويض لأن ذلك طلب موضوعي بحت محرم علي القضاء المستعجل أن يقترب منه كذلك لا يجوز للمحكمة في دعوى الملكية أن تفصل في طلب عارض يكون في حقيقته دعوی حيازة كما إذا أقام دعوى أصلية بالملكية وأبدي طلباً بتسليم العين استناداً للحيازة غير أنه لا جدال في أن يجوز له أن يؤسس طلب التسليم علي ملكيته للعين محل النزاع باعتبار أنه طلب مترتب عليه وأثر من آثاره .
مدى حجية الحكم الصادر في دعوى الحيازة بالنسبة للملكية :
لما كان الحكم الصادر في دعوى الحيازة لا يجوز أن يستند إلى أسباب تتعلق بالملكية أو أصل الحق لذلك كان من الطبيعي ألا يكون الحكم الصادر في دعوى الحيازة حجية أمام المحكمة التي تنظر دعوى الملكية أو دعوی موضوع الحق ، وذلك حتى بالنسبة إلى الحيازة ذاتها، فقاضي أصل الحق لا يتقيد بحكم قاضي الحيازة حتى فيما يتعلق بثبوت الأعمال المادية المكونة للحيازة ، أو فيما يتعلق بثبوت الصفات المنسوبة إليها فإذا أسس قاضي الحيازة حكمه على أن الحائز كان يضع يده على الأرض بأن يزرعها بنفسه أو أن حيازته كانت هادئة وظاهرة ومستمرة فإن ذلك لا يقيد قاضي الملكية إذ له أن ينتهي في حكمه إلى أن حيازة الحائز لم تكن هادئة ولا ظاهرة ولا مستمرة.
كذلك فإن الحكم الصادر في دعوى الحيازة لا يجوز قوة الأمر المقضي في الريع والتي تعتبر الملكية عنصراً من عناصرها لاختلاف الدعويين سبباً وموضوعاً .
ويشبه كثير من الفقهاء اختصاص قاضي الحيازة بالنسبة لأصل الحق باختصاص القاضي المستعجل بطلبات الخصوم الموضوعية إذ لا يجوز لأي منهما التعرض لأصل الحق أو بناء حكمه على أسباب تتعلق به ، كما أن الحكم الصادر من كليهما حجية مؤقتة لأنه يقوم على وقائع قابلة للتغيير والتبديل .
وقد استثني الفقه والقضاء من القاعدة المتقدمة حالتين الأولى أنه إذا فصل قاضي الحيازة في دعوى الملكية أو في دعوى موضوع الحق خطأ بالرغم من عدم اختصاصه وأصبح هذا الحكم باتاً إما لاستنفاد جميع طرق الطعن وإما لفوات مواعيد الطعن فإن الحكم يحوز قوة الأمر المقضي عملاً بالمادة 101 من قانون الإثبات التي نصت على أن " الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق ، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجة ، ولكي لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً " وقد استقرت محكمة النقض في أحكامها الكثيرة المتواترة على أن حجية الأحكام تسمو على قواعد النظام العام .
والحالة الثانية إذا صدر حكم من قاضي الحيازة لخصم بأنه هو الحائز فإنه تكون له حجية بصدد ثبوت الحيازة ، ويجعله في مركز المدعى عليه في دعوى الملكية وأصل الحق ، فإذا أقيمت عليه الأولى وثبت حسن النية فإنه لا يلزم برد الثمار إلا منذ أن أقيمت ضده الدعوى الأخيرة .
عدم جواز الجمع بين الحيازة وأصل الحق في حالاته الثلاث تقضي به - المحكمة من تلقاء نفسها :
من المقرر أن عدم جواز الجمع بين الحيازة وأصل الحق في حالاته الثلاث التي سبق بيانها تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ويجوز إثارته في صحيفة الطعن بالنقض لأول مرة حتى ولو لم يكن الطاعن قد نبه إليه محكمة الموضوع بتقدير أنه يقع عليها من تلقاء ذاتها واجب تقصي الحكم القانوني الصحيح المنطبق على الواقعة فيعتبر الأمر مطروحاً عليها ولو لم يتناوله البحث فعلاً .
حماية الحيازة :
نص المشرع على ثلاث دعاوى لحماية الحيازة ذاتها وهي :
1- دعوى استرداد الحيازة.
2- دعوى منع التعرض .
3- دعوى وقف الأعمال الجديدة .
وقد نظم المشرع دعاوى الحيازة في المواد من 958 إلى 964 من القانون المدني وهذه الدعاوى الثلاث يجمعها الخصائص المشتركة الآتية :
الأولى أنها تحمي الحيازة في ذاتها بصرف النظر عما إذا كان الحائز يملك الحق الذي يحوزه أو لا يملكه ، إذ لا يطلب منه في مباشرته لهذه الدعاوي إلا أن يثبت أمراً واحداً هو أنه يحوز الأرض حيازة مستوفاة لشرائطها القانونية ومن ثم غير مكلف بإثبات ملكيته للأرض ، إذ أن الملكية محلها دعوى الاستحقاق وهي تختلف عن دعوى الحيازة بإجراءاتها الطويلة وطرقها المعقدة وبوسائل إثبات أكثر صعوبة وأشد عسراً من. طرق إثبات الحيازة ، ذلك أن حائز الأرض سواء كان مالكها لها أو غير مالك يستطيع أن يحمي حيازته بدعاواها الثلاث.
ولا يقتصر دعاوى الحيازة على إثبات الحيازة في الملكية بل تحمي الحقوق الأخرى كحائز حق الانتفاع أو حائز حق الارتفاق أو حائز رهن الحيازة أو حائز حق الاستئجار ، ذلك أن حائز أحد هذه الحقوق لا يكلف إلا بإثبات شيء واحد هو حيازته لهذا الحق ، فإذا أثبت ذلك كانت حيازته جديرة بالحماية دون ما حاجة لأن يطلب منه أن يثبت أنه صاحب هذا الحق .
الميزة الثانية لدعاوي الحيازة أنها تحمي حيازة العقار ولا شأن لها بالمنقول ، ذلك أن العقار مستقر ثابت من السهل فيه تمييز الحيازة عن الملكية وهذا على خلاف حائز المنقول إذ أن وضع يد الحائز عليه تختلط بيد المالك ، وبالتالي فإن الحيازة فيه تختلط بالملكية ، ولازم ذلك أن دعوى الملكية على خلاف دعاوى الحيازة تحمي ملكية المنقول ، وحيازته معاً .
كذلك فإنه لا يجوز الاحتماء بدعاوى الحيازة في حالة المجموع من المال كالتركة ، ذلك أن الحائز لمجموع من المال كالوارث إنما يحمي في حيازته العقار معين من هذا المجموع ولا يحمي في حيازته لمجموع من المال ذاته لأن دعاوي الحيازة شرعت لحماية حيازة العقار فقط .
ولما كانت دعاوي الحيازة تحمي كما سبق أن بينا حيازة العقار المعين بالذات ، فإنها تحمي كذلك جميع الحقوق العينية التي تقع على العقار مما يكون قابلاً للحيازة وترتيباً على ذلك فإنها تحمي الحقوق الآتية :
1- حيازة العقار إذن تحمي حيازة حق الملكية في العقار ما دام أن العقار قابل للحيازة ويدخل في ذلك العقارات المملوكة للدولة أو الأشخاص العامة ملكية خاصة ، أما الأشخاص الذين يحوزون عقارات مملوكة للدولة ملكية عامة فإنه يجوز لهم الاحتماء بدعاوى الحيازة ضد الغير وذلك عدا الجهة الإدارية التي منحته الترخيص ، إذ يجوز لها إنهاء الترخيص في أي وقت ، كما يجوز للدولة أن تحمي حيازتها للعقارات المملوكة لها ملكية خاصة بجميع دعاوي الحيازة كذلك فإنه يجوز لها الالتجاء لدعاوي الحيازة لحماية المنشآت المقامة في الأرض، سواء كانت بناء أو غراساً إذا كانت ملكية هذه المنشآت مستقلة عن الأرض على سند من أنها تعتبر في هذه الحالة عقاراً مستقلاً عن الأرض وبالتالي فإن حيازتها تحمي كما هو الشأن في حماية حيازة الأرض نفسها .
2- حيازة حق الانتفاع وحق الاستعمال وحق السكنى المتعلقة بعقار.
3- حيازة حقوق الارتفاق في الحدود التي يمكن فيها حيازة هذه الحقوق ، أي حقوق الارتفاق الظاهرة المشار إليها في المادة 1016/ 2 مدني ، ويلحق بها القيود التي ترد على الملكية كالمتعلقة بالري والصرف من شرب ومجرى ومسيل ، وحقوق المرور والمطلات فإذا كان الحائز يحوز حقاً من هذه الحقوق حصل عليه بالطريق الذي رسمه القانون فإن من حقه أن يلجأ لدعاوي الحيازة لحمايته .
4- حيازة حق الحكر .
5- حيازة حق رهن الحيازة العقاري .
ورغم أن حق المستأجر حق شخصي إلا أنه يجوز حمايته بدعاوى الحيازة شريطة أن يكون متعلقاً بعقار .
والميزة الثالثة لدعاوى الحيازة أنها فيما عدا دعوى منع التعرض يجوز رفعها أمام القضاء المستعجل إذا توافر فيها شرط الاستعجال أما إذا رفعت موضوعياً فإنه تكون من اختصاص المحكمة الجزئية أو الابتدائية حسب قيمتها التي تقدر بقيمة العقار المتنازع على حيازته على النحو الذي سنوضحه :
وسنتناول بالشرح والتفصيل كل دعوى من الدعاوي الثلاث :
أولاً : دعوى استرداد الحيازة
هي الدعوى التي يرفعها حائز العقار الذي فقد حيازته طالباً فيها ردها إليه وهي إما أن ترفع أمام قاضي الموضوع وإما أن تقام أمام قاضي الأمور المستعجلة . وقد ذكرنا في شرحنا الاختصاص للنيابة العامة في منازعات الحيازة ( المادة 44 مكرر ) أنه يجوز لمن سلبت حيازته بدلاً من عرض شكواه على النيابة العامة أن يلجأ لرفع دعوى استرداد حيازة موضوعية كما أن له أن يقيم دعوى استرداد حيازة مستعجلة إذا توافرت شروطها ، كما أنه في حالة ما إذا عرض الأمر على النيابة وأصدرت قراراً ورفع تظلم عنه ، فيحق لمن صدر ضده الحكم في التظلم أن يقيم دعوى استرداد حيازة موضوعية ، إلا أنه لا يجوز له أن يقيم دعوى استرداد حيازة مستعجلة ، لأن الحكم الصادر في التظلم يحوز حجية حتى يقضى بإلغائه أو بما بنقضه بحكم موضوعي ومن ثم يكتسب حجية أمام القضاء المستعجل الذي يتقيد به ولا يجوز له أن يقضي على خلافه .
وسنتناول بالشرح أولاً الدعوى الموضوعية ثم ننتقل إلى الدعوى المستعجلة .
أولاً : الدعوى الموضوعية :
يشترط لقبولها أربعة شروط :
الشرط الأول : حيازة المدعي للعقار :
يتعين أن تكون الحيازة ثابتة لرافع الدعوى وقت حصول الاعتداء ، ولا يشترط فيها أن يكون حائزاً أصيلاً أي يجوز لحساب نفسه وإنما يكفي فيه أن يكون حائزاً حيازة مادية أو عرضية أي لحساب غيره فيطالب باسترداد حيازة حق الملكية في حين أنه يكون صاحب حق انتفاع أو مرتهناً رهناً حيازياً أو مستأجراً أو حارساً قضائياً . وقد صرحت بذلك الفقرة الثانية من المادة 960 مدني بقولها " ويجوز أيضاً أن يسترد الحيازة من كان حائزاً بالنيابة عن غيره".
كذلك يجوز لمن قامت حيازته على عمل من أعمال التسامح - وهو مثل الحائز العرضي مجرداً من عنصر القصد في الحيازة وليس لديه إلا السيطرة المادية - أن يرفع دعوى استرداد الحيازة ، كما يجوز رفعها ممن يجوز على الشيوع أي يحوز العقار مع شركاء آخرين وكذلك ممن حصل على ترخيص من الجهة الإدارية في الانتفاع بعقاره سواء كان مملوكاً للدولة ملكية عامة أم خاصة ، ولا يقدح في ذلك أن حيازته للعقار المملوك للدولة ملكية عامة مهددة بحق الجهة الإدارية في إلغاء الترخيص في أي وقت واستردادها لحيازة العقار.
ويجب أن يكون المدعي حائزاً للعقار حيازة قانونية أي حيازة مادية حالية صحيحة بمعنى أن تكون يد الحائز متصلة بالعقار اتصالاً فعلياً مؤداها أن يكون العقار تحت تصرفه المباشر ، ذلك أن العبرة في هذا الصدد بالحيازة الفعلية وليست مجرد تصرف قانوني قد يطابق أو لا يطابق الحقيقة ، ويترتب على ذلك أن الحيازة الرمزية كالمتمثلة في حيازة مفتاح المكان لا تكفي لأنها ليست بذاتها دليلاً قطعياً على الحيازة .
ويجب أن تكون سيطرة الحائز على العقار قائمة ومتصلة وقت وقوع الغصب وهذا ما يعبر عنه بالحيازة الحالية.
ويتعين أن تكون الحيازة صحيحة بمعنى أن تكون خالية من عيوب الحيازة وهي الخفاء والغموض والإكراه كما يجب أن تكون مستمرة غير متقطعة.
ولا يشترط لرفع هذه الدعوى أن يكون الحائز حسن النية ، إذ ليس هناك ما يمنع الحائز سيء النية من أن يقيمها .
ويخرج عن الحيازة المادية الانتفاع بالاتفاق على ملك الغير لأن هذا لا يعدو أن يكون حائزاً حيازة معنوية للارتفاق وعلى هذا لا تقبل دعوى استرداد الحيازة على الاعتداء الواقع على حيازة معنوية كأن يكون المعتدي قد هدم مسقى في حيازته هو يروي منها الجار أرضه.
والشرط الثاني : أن تكون حيازة المدعي قد سلبت :
وترفع الدعوى على الشخص الذي انتزع الحيازة من الحائز وأن يكون ذلك قد تم بالقوة أو الغصب علناً أو خفية فيتعين أن يكون قد صدر اعتداء منه وقد يشكل هذا الاعتداء جريمة ، ولكن ليس من المحتم أن يكون كذلك ، بل يكفي أن يكون عملاً غير مشروع من الناحية المدينة يتمثل في اعتداء إيجابي يقع على حيازة الحائز ، ولا يلزم أن يكون الاعتداء منطوياً على استعمال القوة والعنف - وإن كان هذا هو الذي يحدث في غالب الأحيان - بل يكفي أن يحصل على غير إرادة الحائز ورغم اعتراضه على نحو لا سبيل له دفعه، ولذلك يعتبر سلباً للحيازة بالقوة أن يستولى المعتدي على العقار غصباً وقهراً أو خلسة دون علم الحائز ، أو نتيجة لتنفيذ حكم قضائي ليس الحائز طرفاً فيه.
ويجب لقبول هذه الدعوى أن يؤدي الاعتداء على الحيازة إلى فقدها بمعنى الحرمان الكامل من الانتفاع ، بحيث لا يصبح في إمكان الحائز أن يستعيد هذه الحيازة دون أن يقف هذا العمل أمامه عقبة تحول دون ذلك ، ولا يشترط أن يكون المدعي عليه هو الذي وقع منه الاعتداء بنفسه بل يكفي أن يكون قد وقع بأمره من عماله أو إجرائه أو أقاربه ، ولا يلزم أن يكون سيء النية بل يجوز أن يكون معتقداً أنه صاحب حق وحتى لو كان محقاً في اعتقاده فليس له أن يستأدي حقه بيده بدلاً من الالتجاء إلى القضاء ، ومن ثم فإن اعتداءه في هذه الحالة لا يمنع من رد العقار لمن كان في حيازته.
ولا تقبل دعوى استرداد الحيازة إذا كان رافعها مرتبطاً مع المعتدي بعقد وكان انتزاع الحيازة يدخل في نطاق هذا العقد ، إذ يتعين على المعتدي عليه أن يرفع دعوى العقد لإلزام المدعى عليه بإتباع شروط العقد وفي حالة انتقال حيازة العقار المغتصب إلى الغير فإن خلف المغتصب الذي انتقل إليه الحيازة هو الذي يتعين اختصامه في دعوى استرداد الحيازة سواء كان الغير خلفاً عاماً كالوارث أو خلفاً خاصاً كالمشتري حتى ولو كان حسن النية بأن كان لا يدري أن سلفه قد اغتصب الحيازة.
وقد نصت على هذا الحكم صراحة المادة 960 مدني بقولها " للحائز أن يرفع فى الميعاد القانون دعوى استرداد الحيازة على من انتقلت إليه حيازة الشيء المغتصب منه ولو كان هذا الأخير حسن النية " وهذا يؤدي إلى القول أن دعوى استرداد الحيازة تنطوي على شيء من العينية فهي فضلاً عن أنها جزاء على الاغتصاب في حد ذاته تعتبر أيضاً حماية للحيازة فيجوز عن طريقها للحائز أن يسترد حيازته ، ليس من المغتصب فقط بل أيضاً من الغير الذي انتقلت إليه الحيازة من المغتصب ، وفي تقديرنا أنه الأجدر بالمدعي أن يرفع الدعوى على المغتصب ومن انتقلت الحيازة منه سواء كان خلفاً عاماً أم خاصاً وذلك على سبيل الاحتياط خشية عدم استطاعة الحائز إثبات انتقال الحيازة من المغتصب إلى الغير.
ويجوز للحائز أن يرفع الدعوى ضد الشريك على الشيوع الذي كان يحوز معه العقار شيوعاً إذا اغتصب حيازته وأصبح يستأثر بحيازة العقار جميعه .
ويلجأ بعض الملاك إلى اغتصاب الحيازة عن طريق تأجير العقار المؤجر المستأجر أخر يعمد إلى نزع الحيازة من المستأجر الأول الحائز ، فلا جدال في أنه يجوز للمستأجر الأول أن يرفع دعوى حيازة على المستأجر المغتصب ، ولا يجوز في هذه الحالة إدخال المؤجر في الدعوى لأنه كما سبق أن بينا تربطه علاقة عقدية بالحائز ولا يجوز رفع الدعوى ضده شأنه شأن أي متعاقد ، أما إذا أراد اختصام المؤجر فليس أمامه إلا أن يطرق دعوى تسليمه العين المؤجرة أو تمكينه منها تنفيذاً لعقد الإيجار كما يجوز له أن يطلب مع هذا الطلب إلزام المؤجر بتعويض عما أصابه من ضرر بسبب سلب الحيازة وأساس التعويض هنا هو المسئولية العقدية أيضاً .
الشرط الثالث لقبول الدعوى أن تستمر الحيازة لمدة سنة :
يشترط لقبول دعوى استرداد الحيازة أن يكون حائز العقار لمدة سنة سابقة على سلب حيازته وقد صرحت بهذا الشرط الفقرة الأولى من المادة 959 مدني بقولها " إذا لم يكن فقد الحيازة قد انقضت على حيازته سنة وقت فقدها ، فلا يجوز له أن يسترد الحيازة إلا من شخص لا يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل .
والحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة التي تقوم على سند قانوني . فإذا لم يكن لدى أي من الحائزين سند أو تعادلت سنداتهم ، كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ " كما نصت الفقرة الثانية من المادة على ما يلي " أما إذا كان فقد الحيازة بالقوة فللحائز في جميع الأحوال أن يسترد خلال السنة التالية حيازته من المعتدي " ومقتضى هذه المادة أن القانون استثنى حالتين لا تشترط فيها الحيازة لمدة سنة.
الحالة الأولي : إذا كان فقد الحيازة بالقوة فمن فقد حيازته بالقوة يجوز له استردادها ولو لم يكن انقضت على حيازته سنة ، وقد كان في استطاعة المدعي في هذه الحالة أن يلجأ لدعوى منع التعرض لأن حيازته لم تستمر سنة ، ولكنه لجأ إلى دعوى استرداد الحيازة لأن الاعتداء على حيازته لم يقتصر على مجرد التعرض له ، بل انتهى إلى انتزاعها منه عنفاً أو غصباً أو اختلاساً ، فلم يكن هناك مناص من رفع دعوى استرداد الحيازة وبإعادة العقار إلى الحائز بالحالة التي كان عليها وقت الغصب فإن كان قد أقام فيه بناء قضى بهدمه، وقد ذهب الدكتور السنهوري إلى أنه يجوز للقاضي بناء على طلب الحائز أن يحكم على المدعى عليه بغرامة تهديدية ليجبره على تنفيذ ما قضى به عليه ، إلا أن هذا الرأي في تقديرنا محل نظر ذلك أن الغرامة وفقاً لنص المادة 213 من القانون المدني لا يقضي بها إلا إذا كان تنفيذ الالتزام عيناً غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين ورد الحيازة . وإزالة ما أقيم على العقار المغتصب دائماً يجوز تنفيذه بالقوة الجبرية دون حاجة إلى تدخل المعتدي على الحيازة ، كذلك يجوز للحائز أن يطلب بالإضافة على طلب رد حيازته التزام المدعى عليه بأن يؤدي به تعويضاً عما أصابه من أضرار بسبب سلب الحيازة استناداً لقواعد المسئولية التقصيرية .
ويرى العلامة الدكتور السنهوري أنه في حالة ما إذا كان المدعى عليه قد أقام بناء بالعقار جاز للمدعي أن يطلب رد حيازته للعقار بالحالة التي كان عليها وقت الغصب وفي هذه الحالة يحكم القاضي بهدم البناء وهذا الرأي قد أخذت به محكمة النقض ومؤدي ذلك أنه إذا قضت المحكمة برد حيازة المدعي للعقار بحالتها التي كان عليها قبل سلب الحيازة فإن حكمها يكون صحيحاً ذلك أن إزالة ما أقيم على العقار من منشآت والأمر بتسليمه هو من قبيل إعادة الحالة إلى ما كانت عليه وهو أمر لازم لرد الحيازة والحكم الصادر برد الحيازة وإعادة الحال إلى ما كانت عليه يتضمن قضاء بإزالة الأعمال التي يثبت من الحكم أنها أنشئت على العقار موضوع الحيازة ويصلح بذاته سنداً لهدم هذه المباني.
وإذا صدر الحكم برد الحيازة للمدعي فإنه تعتبر لم تنقطع مدة انتزاعها منه ، ونظراً لأن مدة حيازته قبل سلبها كانت أقل من سنة ، فعندما ترد إليه الحيازة تعتبر هذه الحيازة دائمة لم تنقطع فتكون قد دامت أكثر من سنة ، ويترتب على ذلك أنه يجوز له أن يحتمي بجميع دعاوي الحيازة لأن حيازته دامت أكثر من سنة ، وبالتالي يحق له أن يرفع دعوى استرداد الحيازة من جديد إذا انتزعت منه الحيازة مرة أخرى.
ومن المقرر أن الحكم الذي يصدر برد الحيازة في هذه الحالة يقتصر على رد الحيازة المادية إلى المدعي مؤقتاً ، دون أن يحسم النزاع فيمن له الحيازة القانونية ، ومن ثم يجوز للمدعى عليه بعد أن يرد الحيازة إلى المدعي أن يعود فيقيم دعوى استرداد الحيازة على الأخير بشرط رفعها في خلال سنة وأن يثبت أن المدعي كان قد سبق له أن سلبه حيازته.
والحالة الثانية التي استثناها المشرع من مدة السنة هي ما إذا كانت حيازة الحائز الذي لم تنقض على حيازته سنة أحق بالتفضيل وفقاً لما قررته الفقرة الأولى من المادة 959 والتي أوردنا نصها أنفا ويستخلص من هذا النص أنه في حالة المفاضلة بين حيازتين فإن فروضاً أربعة يمكن تصور طرحها في الدعوى .
الفرض الأول أن تقوم كل من الحيازتين على سند قانوني ، بأن يستند المدعي إلى عقد بيع صادر له من شخص معين ويستند المدعى عليه إلى عقد بيع صادر له من شخص آخر ، في هذه الحالة تعادلت الحيازتان من حيث السند فتكون الحيازة الأحق بالتفضيل هي الأسبق في التاريخ ، والفرض الثاني أنه لم تقم أي من الحيازتين على سند قانوني ففي هذه الحالة أيضاً تفضل الحيازة الأسبق في التاريخ والفرض الثالث أن تقوم إحدى الحيازتين على سند قانوني بينما الحيازة الأخرى مجردة من السند ، في هذه الحالة لا جدال في تفضيل الحيازة الأولى سواء كانت سابقة على الحيازة الأخرى أو لاحقة لها ، فإذا لم يثبت المدعى عليه أنه كان يحوز العقار حيازة أحق بالتفضيل من حيازة المدعي ، فلم يثبت أن حيازته تقوم على سند قانوني في حين أن حيازة المدعي لا تقوم على سند مقابل ، أو لم يثبت أن حيازته أسبق في التاريخ في حين أن كلا من الحيازتين تقوم على سند قانوني أو لا تقوم أي منهما على هذا السند ، كسب المدعي الدعوى وقضى برد الحيازة إليه وبإعادة العقار إلى أصله والتعويض كما هو الشأن في الفرضين الأول والثاني وذلك بشرط أن يطلب المدعي ذلك طبقاً للقواعد المتقدمة أما إذا لم يطلب إلا الحكم بأحد هذه الطلبات أو بعضها فلا يقضي له إلا بما طلبه فإذا قضت له بما لم يطلبه كان حكمها مشوباً بالبطلان ، وفي حالة رد الحيازة إلى المدعي ، بقيت مستقرة عنده لأن المدعى عليه لم يثبت أنه كان يحوز العقار حيازة أحق بالتفضيل ، وإذا رغب في استرداد العقار من المدعي ، كان الطريق الوحيد أمامه هو رفع دعوی الملكية على المدعي باعتبار أن الأخير هو الحائز وبذلك يختلف الوضع القانوني في هذه الحالة عن الحيازة إذ يصبح المدعي عليه في دعوى استرداد الحيازة مدعيا في دعوى الملكية، ويتحمل في هذه الحالة لا عبء إثبات الحيازة بل عبء إثبات ملكيته للعقار ، وبقي الفرض الرابع أو الأخير وهو الذي لم تدم فيه حيازة المدعي سنة كاملة ولم تنزع بالقوة ولكن المدعي عليه يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل على المدعي الذي يستطيع أن يسترد منه الحيازة ، وهذا الفرض يختلف عن باقي الفروض السابقة إذ لا يستطيع المدعي فيه أن يسترد الحيازة حتى لو كانت الحيازة قد انتزعت منه غصباً أو خلسة ، مادامت لم تنتزع منه بالقوة ومادامت حيازة المدعي عليه أحق بالتفضيل.
ونلفت النظر إلى أن البعض يخلط بين الغصب واستعمال القوة حالة أنهما مختلفان تماماً ذلك أن الغصب هو استيلاء الشخص على الحيازة بدون الالتجاء إلى الطريق الذي رسمه القانون فيجوز أن يقع بغير قوة كما إذا حدث نتيجة أفعال الغش أو التدليس وبغير رضاء من اغتصب منه العقار أما استعمال القوة فقد سبق أن شرحناه بتفصيل.
ومن الجدير بالذكر التنويه أن المدعى عليه هو الذي يحمل عبء إثبات أن حيازته أحق بالتفضيل ، فإذا ركنت كل من الحيازتين إلى سند قانوني أو لم تقم أي منهما على هذا السند ، كان عليه أن يثبت أن حيازته أسبق في التاريخ من حيازة المدعي ، كما أ حيازته تكون أحق بالتفضيل إذا هو أثبت أنها تقوم على سند قانوني ، ولم يثبت المدعي أن حيازته تقوم أيضاً على سند قانوني.
الشرط الرابع لاسترداد الحيازة أن ترفع خلال سنة :
وقد نصت على هذا الشرط الفقرة الأولى من المادة 958 مدني آنفة البيان، ومقتضاها أنه يجب رفع دعوى استرداد الحيازة خلال سنة واحدة تسري من وقت انتزاع الحيازة من الحائز إذا حدث علانية أو بالغصب أو بالقوة ، إذ من الطبيعي أن يعلم الحائز في هذه الحالات بوقت انتزاع الحيازة منه ، أما إذا وقع انتزاع الحيازة خلسة دون أن يعلم به الحائز وقت وقوعه فإن السنة التي يجب أن ترفع خلالها تسري من وقت أن يعلم الحائز بسلب الحيازة منه ، أما إذا لم يرفع الحائز الدعوى خلال سنة وظل مغتصب الحيازة محتفظاً بها ، أصبح في هذه الحالة حائزاً يصح أن يحتمي بدعاوي الحيازة الثلاث لأن حيازته استمرت سنة كاملة.
ومدة السنة التي ترفع الدعوى خلالها مدة سقوط لا مدة تقادم فإذا رفعت الدعوى بعد انقضائها تعين على المحكمة أن تقضي بعدم قبولها حتى لو لم يدفع الخصوم بذلك لأن شرط رفعها خلال سنة شرط لقبول الدعوى بعد انقضائها تعين على المحكمة أن تقضي بعدم قبولها حتى لو لم يدفع الخصوم بذلك لأن شرط رفعها خلال سنة شرط لقبول الدعوى يتعين على المحكمة أن تتحقق منه من تلقاء نفسها وليس شرطاً موضوعياً يتعين أن يدفع به الخصوم.
ويترتب على اعتبار مدة السنة مدة سقوط أنها تسري على غير كاملي الأهلية سواء كان قاصراً أو محجوراً عليه أو غائباً ، كما يترتب على ذلك أيضاً ألا تسري عليها مدة الوقف أو الانقطاع
ثانياً : الدعوى المستعجلة
يختص القاضي المستعجل برد الحيازة إذا حدث نزاع عليها ولم تبلغ النيابة العامة وبالتالي لم تتخذ إجراء وقتياً بحماية الحيازة لأنه إذا أصدرت قراراً وقتياً فإن الطريق الوحيد لإلغائه وتعديله هو التظلم منه أمام القاضي المستعجل أو رفع دعوى موضوعية كما سبق القول.
واختصاص القاضي المستعجل بهذه الدعوى مشروط بأن يستبين له من ظاهر المستندات توافر ركني الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق ، فإذا اتضح له أن المدعي قد سلبت حيازته بالقوة قضی به برد الحيازة لأن ذلك رد اعتداء غير مشروع دون النظر إلى وضع اليد ذاته أو إلى سببه ، فإذا طرد المؤجر المستأجر من العين المؤجرة بالقوة أو بالغش أو بالخديعة كان المستأجر أن يلجأ للقاضي المستعجل لرد هذا العدوان ، ولا يكون ذلك إلا بتمكينه من العين المؤجرة.
وقد ذهب رأي في الفقه إلى أنه يشترط في دعوى استرداد الحيازة المستعجلة عدا توافر ركني الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق توافر شروط دعوى استرداد الحيازة على الوجه الذي يتطلبه القانون المدني وهي الشروط الأربعة التي شرحاها في الدعوى الموضوعية (قضاء الأمور المستعجلة للأستاذين راتب ونصر الدين كامل الطبعة الرابعة ص 602).
أما الرأي الآخر فنادي بأن دعوى رد حيازة العقار الذي سلبت حيازته بالقوة أمام القضاء المستعجل ليست من دعاوى اليد بل هي من الإجراءات الوقتية الحماية مركز قانوني ووضع مادي إذا توافر للدعوى ركنا الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق دون التقيد بشروط دعوى الحيازة ( المستشار محمد عبد اللطيف في القضاء المستعجل الطبيعة الرابعة ص 271 وما بعدها ) ، ولقد أخذت محكمة النقض بهذا الرأي الأخير ، ترتيبا عليه لا يشترط في دعوى طلب رد الحيازة بصفة مستعجلة توافر أركان الحيازة وشروطها اللازمة لرفع الدعوى الموضوعية فلا يبحث نية التملك عند وضع اليد ، ولا شروط الحيازة القانونية الموضوعية ، وإنما يكفي بأن يتضح للقاضي من ظاهر الأوراق أن المدعي هو صاحب السيطرة الفعلية على العقار وأن حيازته قد سلبت بالقوة أو الغش أو الخديعة وألا تكون الدعوى قد فقدت ركن الاستعجال كما إذا تراخي المدعي فترة طويلة بعد سلب حيازته حتى رفع الدعوى.
ولا يشترط أن يكون رافع الدعوى مالكا للعقار بل يصح ممن ينوب عن غيره في الحيازة أو ممن كانت حيازته عن تسامح.
والمراد بالقوة المستعملة لسلب الحيازة هي كل فعل يترتب عليه فقدان سيطرة الحائز على العقار لا فرق في ذلك بين القوة المادية أو المعنوية ، ولا يقتصر استعمال القوة على الإيذاء أو التعدي بالضرب ، بل يكفي أن تمتد يد الغاصب إلى العقار ذاته وحتى ولو لم يقع عدوان على وضع اليد ، ويعد استعمال القوة الغش والتدليس والخداع وغير ذلك من أعمال التهديد والوعيد . وإذا نزعت الحيازة من يد صاحبها نفاذا لحكم قضائي لم يكن طرفا فيه جاز له أن يركن إلى دعوى الحيازة للوصول إلى إعادة وضع يده على العين.
ورفع دعوى استرداد الحيازة خلال السنة التالية لوقوع التعدي وإن كان شرطا لقبولها أمام القضاء الموضوعي إلا أنه ليس شرطا لقبول الدعوى المستعجلة ، غير أنه إذا مضت سنة على سلب الحيازة واستقرت الحيازة لمن سلبها هادئة طوال هذه الفترة فإن هذا يؤدي إلى انتفاء ركن الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق ، ذلك أنه من أستقرت له الحيازة لمدة سنة ، حتى لو كان قد سلبها بالقوة يكون قد اكتسب مركزا قانونيا يجابه به خصمه ويزيل عن الدعوى المستعجلة ركن الاستعمال كما أن التصدي للحيازة وبحثها في هذه الحالة فيه مساس بأصل الحق ( راجع القضاء المستعجل وقضاء التنفيذ في ضوءه الفقه والقضاء للمؤلفين ص 394 وما بعدها ).
الاختصاص المحلي بنظر الدعوى :
يختص بنظر الدعوى المحكمة التي يقع في دائرتها العقار فإذا كان العقار واقعا في دائرة محاكم متعددة كان الاختصاص للمحكمة التي يقع فيها أحد أجزاء العقار صغر هذا الجزء أو كبر وذلك كله وفقا للمادة 1 / 50 من قانون المرافعات وبذلك يكون المشرع قد استثنى دعاوى الحيازة من الخضوع للقواعد العامة في الاختصاص المحلي المنصوص عليه في المادة 49 مرافعات والتي تعقد الاختصاص لمحكمة موطن المدعي عليه أو موطن أحد المدعي عليهم إذا تعددوا .
الاختصاص النوعي : سبق أن ذكرنا أن دعوى استرداد الحيازة إما أن ترفع أمام قضاء المستعجل وإما أن تقام أمام قاضي الموضوع فإذا رفعت للأول اختص بها قاضي الأمور المستعجلة مهما تكن قيمتها أما إذا أقيمت أمام الثاني فإنها ترفع إما إلى المحكمة الجزئية وإما أن ترفع إلى المحكمة الابتدائية فتكون من اختصاص الأولى إذا كانت قيمة العين محل الحيازة لا تزيد على عشرة آلاف جنيه وذلك عملا بالمادة 42 / 1 من قانون المرافعات المعدل بالقانون رقم 18 لسنة 1999 ويكون حكمها انتهائيا إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز ألفي جنيه عملا بنص المادة ، وإما أن ترفع إلى المحكمة الابتدائية إذا كانت قيمتها تزيد على عشرة آلاف جنيه ويكون حكمها انتهائيا إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز عشرة آلاف جنيه عملا بالمادة 1 / 47 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 18 لسنة 1999. والحكم الصادر في الدعوى المستعجلة يجوز استئنافه مهما تكن قيمة الدعوى.
المقارنة بين دعوى الحيازة المستعجلة والموضوعية :
إذا كان الأصل العام أن دعوى استرداد الحيازة تدخل في اختصاص القضاء المستعجل وأن الغالبية العظمى من هذه الدعاوي ترفع أمامه، غير أن ذلك لا ينفي - كما سبق أن ذكرنا- اختصاص محكمة الموضوع بنظرها، ذلك أن الحائز قد يجد أن من مصلحته طرق باب القضاء الموضوعي ليحصل على حكم في موضوع النزاع يجوز حجية دائمة بين الخصوم على خلاف الحكم المستعجل الذي لا يجوز إلا حجية مؤقتة ويظل مهددا بالزوال نتيجة حدوث تغيير أو تعديل في الوقائع المادية أو المراكز القانونية.
وإذا كان لا جدال في أن للحائز أن يسلك إما طريق القضاء المستعجل وإما طريق القضاء الموضوعي ، إلا أن الجدير بالذكر أن التجاءه لأحد الطريقين لا يسلبه حقه في الالتجاء إلى الآخر ، ومؤدي ذلك أنه إذا رفع الحائز دعوى الحيازة المستعجلة وأخفق فيها فلا جناح عليه إذا رفع بعد ذلك الدعوى الموضوعية والعكس صحيح تماما.
وقد جرت العادة على أن يلجأ أولا إلى الدعوى المستعجلة باعتبار أن الإجراءات فيها أسهل وأن الحكم يصدر فيها أسرع فإذا جانبه التوفيق فيها فإنه يطرق باب محكمة الموضوع حيث يستطيع إثبات حيازته بكافة وسائل الإثبات ومنها شهادة الشهود والخبرة على خلاف القضاء المستعجل الذي يتعين أن يثبت أمامه الحق واضحا من ظاهرة المستندات.
إذا حكم القاضي المستعجل في الدعوى المستعجلة بعدم الاختصاص فلا يجوز له الإحالة :
في حالة ما إذا رفعت الدعوى لقاضي الأمور المستعجلة وتبين له عدم توافر ركن الاستعجال فلا يجوز له إحالة الدعوى لمحكمة الموضوع لأنه لم يبق أمامه ما يصح عرضه على القضاء الموضوعي .
النفاذ المعجل في كل من الدعويين المستعجلة والموضوعية :
من المقرر أن الأحكام الصادرة من القضاء المستعجل مشمولة بالنفاذ المعدل بقوة القانون وبغير كفالة ما لم يأمر القاضي في الحكم بتقديم كفالة وذلك عملا بالمادة 284 مرافعات والتالي فإذا لم ينص في الحكم على تقديم الكفالة فمعنى ذلك أن المحكمة لم تستعمل سلطتها التي خولها المشرع في فرض الكفالة .
أما الحكم الصادر في الدعوى الموضوعية فإنه يخضع للقواعد العامة في النفاذ المعجل وبالتالي لا يجوز تنفيذه إلا بعد أن يصبح نهائيا . مالم تأمر المحكمة بالنفاذ المعجل إذا توافرت إحدى حالات المادة 290 مرافعات في نطاق ما تخوله لها هذه المادة .
يجوز لقاضي الموضوع إذا رفعت إليه دعوى رد حيازة أن يقضي فيها بإعادة العقار إلى أصله ولا يجوز ذلك للقضاء المستعجل :
من المقرر أنه إذا رفعت دعوى الحيازة المعتادة أمام محكمة الموضوع فإنه يجوز لها أن تقضي بإعادة العقار إلى أصله وذلك بإزالة ما أحدثه المتعرض من تغيير سواء بإزالة ما أقامه من مبان أو بإعادة ما هدمه منها غير أن هذا الأمر لا يسري بالنسبة للقضاء المستعجل إذا رفعت إليه دعوى استرداد حيازة إذ أن حكمه برد الحيازة لا يعتبر قضاء في وضع يد وإنما قضاء بإجراء تحفظي يراد منه رد عدوان الغاضب محافظة على الأوضاع المادية الثابتة لضمان استقرار الأمن، ولا جدال في أن إزالة المباني أو إعادة بناء ما هدم منها يعتبر قضاء موضوعيا يخرج عن اختصاص القضاء المستعجل . ( نقض 25 / 1 / 1984 سنة 35 الجزء الثاني ، ص 189 وقد أوردناه في نهاية شرح دعوى منع التعرض ). ( التعليق على قانون المرافعات، للمستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : الأول ، الصفحة : 535 )
لا يجوز رفع دعوى استرداد الحيازة لفقدان الحيازة نتيجة التنفيذ الجبري :
من المقرر كما سبق أن ذكرنا أن دعوى استرداد الحيازة تقوم على رد الاعتداء غير المشروع وتأسيسا على ذلك لا يجوز رفع هذه الدعوى إذا فقدت الحيازة نتيجة التنفيذ الجبري لأنه تصرف قانوني خوله القانون للدائن سواء في قانون المرافعات أو في قانون الحجز الإداري أو غير ذلك من القوانين الخاصة التي تبيح اتخاذ هذا الإجراء .
الدعوى الثانية : دعوى منع التعرض
دعوى منع التعرض هي دعوى الحيازة الرئيسية أو كما يطلق عليها بعض الشراح دعوى الحيازة المثلى ، ذلك أنها تحمي الحيازة في ذاتها وهي الحيازة الأصلية دون الحيازة العرضية وبشرط أن تستقر مدة سنة كاملة على الأقل ، وهي دعوى موضوعية بحتة بطبيعتها وقد نص عليها المشرع في المادة 961 من القانون المدني بقوله " من حاز عقارا واستمر حائزا له سنة كاملة ، ثم وقع له تعرض في حيازته ، جاز أن يرفع خلال السنة التالية دعوى بمنع التعرض " . ومن ثم فإنه يتعين أن يتوافر فيها الشروط الآتية :
الشرط الأول : حيازة المدعي للعقار :
فيتعين أن يكون المدعي حائزا حيازة قانونية وأن يتوافر لديه عنصراها المادي والمعنوي دون أن تكون مشوبة بغموض أو إبهام وقد يكون أحد العنصرين للحائز والعنصر الآخر لنائبه كالمستأجر ، وقد يجتمع العنصران معا لدي نائب عن الحائز كما هو الشأن بالنسبة للوصي أو القيم عند حيازته لعقارات القاصر أو المحجور عليه فيجب على الحائز أن يثبت أنه في الوقت الذي وقع له فيه التعرض كان حائزا للعقار حيازة خالية من العيوب، أي حيازة تتسم بالعلانية والهدوء والاستمرار.
ويجب على الحائز أن يثبت أيضا أن حيازته أصلية لا عرضية ، أي أنه يحوز الحساب نفسه لا لحساب غيره ، فإذا وقع تعرض لحق الملكية ، فلا يجوز أن يرفع دعوى منع التعرض إلا من كان حائزا لحق الملكية لحساب نفسه ومن ثم فلا تقبل في هذه الحالة من صاحب حق الانتفاع أو صاحب حق الارتفاق أو المرتهن رهن حيازة أو المستأجر ، إذ أن المالك هو الذي يحق له أن يرفع الدعوى في هذه الحالة باعتباره حائزا لحق الملكية لحساب نفسه ويباشر السيطرة المادية على العقار بواسطتهم ، غير أن هذا لا يحول دون صاحب حق الانتفاع وصاحب حق الارتفاق والمرتهن رهن حيازة والمستأجر من أن يقيم دعوى منع التعرض إذا حدث التعرض للحق الذي يباشر استعماله لحساب نفسه ، ذلك أنه أصيل في حيازته له لأنه يحوزه لحساب نفسه.
ويجوز للشريك على الشيوع أن يرفع وحده دعوى منع التعرض ضد الغير دون حاجة إلى مشاركة شركائه له في رفعها أو تدخلهم فيها ، أكثر من هذا فإن له أن يقيم هذه الدعوى ضد شركائه أنفسهم إذا تعرضوا لحيازته في الشيوع بأعمال تتعارض مع هذه الحيازة.
ولا يجوز للمستأجر أن يرفع دعوى منع التعرض على المؤجر له مادام أنه يربطهما عقد بل له أن يطلب المؤجر بتنفيذ ما التزم به في العقد وما يترتب على العقد من آثار إذ القاعدة أنه لا يجوز الالتجاء لدعوى منع التعرض إذا ثار النزاع بشأن عقد مبرم بين الطرفين.
وفي حالة ما إذا كان الحائز حيازته من ترخیص صادر من جهة الإدارة فإن الحيازة تكون عرضية بالنسبة له وبالتالي لا يجوز رفع الدعوى ضدها إذ يحق لها إلغاء الترخيص في أي وقت تراه حتى لو تعسفت في الإلغاء وإن كان هذا لا يحرم الحائز من الالتجاء للقضاء للمطالبة بالتعويض بسبب هذا التعسف الذي أصابه بضرر.
وإذا كانت الحيازة تقوم على عمل من أعمال التسامح فلا يجوز للحائز أن يرفع دعوى منع التعرض على المالك لأن حيازته لا تعدو أن تكون حيازة عرضية.
ويستطيع الحائز على سبيل التسامح أو بترخيص من جهة الإدارة أن يرفع دعوى منع التعرض إذا تعرض له غير المالك أو غير جهة الإدارة لأنه لا يجوز أن يتمسك بعرضية الحيازة إلا المالك المتسامح أو جهة الإدارة التي أصدرت الترخيص لأن هذه العرضية نسبية لا مطلقة.
ولا يشترط في الحيازة أن تكون بحسن نية ، فيجوز للحائز سيء النية رفع دعوى منع التعرض.
وينبغي أن تكون حيازة المدعي ظاهرة بمعنى أن يباشر الحائز انتفاعه بالحق بحيث يستطيع أن يراه كل من يحتج في وجهه بالحيازة وأن تكون هادئة أي لا تكون قد اكتسبت بإكراه مادي أو أدبي، وإذا استمر الإكراه ظلت الحيازة مشوبة ومتى زال الإكراه صارت هادئة من وقت زوال الإكراه.
والإكراه الذي يعتد به هو الذي يقع على الحائز أو من يعمل لحسابه بقصد الاستيلاء على الحيازة أما أعمال العنف والقوة التي تصدر من الحائز بقصد المحافظة على حيازته فلا تعتبر إكراها متى كان قد اكتسبت الحيازة بغير عنف.
الشرط الثاني : استمرار الحيازة لمدة سنة :
ويجب أن تكون الحيازة مستقرة بأن تكون قد استمرت مدة سنة كاملة بدون انقطاع قبل حصول التعرض ولا استثناء في ذلك كالاستثناء الوارد في دعوى رد الحيازة ومؤدي ذلك أنه يتعين أن تكون الحيازة قائمة وقت التعرض وأن تكون قد دامت سنة كاملة على الأقل منذ أن بدأت إلى وقت وقوع التعرض .. ويقع على المدعي عبء إثبات حيازته للعقار مدة سنة ، إلا أنه يكفيه أن يثبت أنه قد حاز العقار قبل وقوع التعرض بسنة وأنه يجوز فعلا وقت وقوع التعرض ، وبذلك يفترض أنه استمر حائزا له في الفترة ما بين الزمنين ما لم يثبت المدعى عليه عكس ذلك وذلك تطبيقا لنص المادة ۹۷۶ مدني التي تقرر بأنه : " إذا ثبت قيام الحيازة في وقت سابق معين وكانت قائمة حالا ، فإن ذلك يكون قرينة على قيامها في المدة ما بين الزمنين ما لم يقم الدليل على العكس ".
فإذا أثبت المدعي تخلف الحيازة في أي فترة بين الزمنين فإن المدعي هو الذي يحمل عبء إثبات أن حيازته قد دامت سنة كاملة على التفصيل الذي بيناه.
ويجوز للحائز عند احتساب سنة الحيازة أن يضم مدة حيازة سلفه إلى مدة حيازته سواء كان المدعي قد تلقى منه الحيازة كخلف عام أو كان خلفا خاصا.
الشرط الثالث : وقوع تعرض من الغير:
ويتعين أن يقع تعرض للمدعي في حيازته أي أن يقع تعدي يبرر رفع الدعوى سواء أكان تعرضا ماديا أم قانونيا ومثال التعرض المادي أن يزرع شخصا أرضا في حيازة غيره أو يبني عليها ، أو أن يدخل أرضا يحوزها المدعي عليه من غير إذنه أما إذا كان المدعي قد أذنه بالدخول فلا تعرض . وإقامة المدعي عليه في أرضه حائطا يسد به مطلا لجاره الذي حاز حق الارتفاق بالمطل لمدة سنة يعتبر تعرضا ، كذلك يعتبر من أعمال التعرض رعي المدعى عليه مواشيه في أرض جاره دون إذن منه ، أما إذا كانت المواشي سائبة ودخلت الأرض الترعى فيها دون علم صاحبها فإن ذلك وإن كان لا يعد تعرضا إلا أنه يعرضه للمساءلة بدعوى المسؤولية التقصيرية لوقوع خطأ منه لتركه ماشيته ترعى في أرض غيره وبشرط إثبات باقي عناصر المسئولية.
ويدخل في أعمال التعرض مرور المدعى عليه بأرض جاره مدعيا أن له عليها حق ارتفاق بالمرور، أو دخوله دارا في حيازة المدعي زاعما أن لها عليها حق انتفاع أو أنه استأجرها من صاحبها ، أو أن يزيل سلما يستعمله المدعى عليه في الوصول لمنزله بمقتضی حق ارتفاق بالمرور مقرر له. وإذا كان هناك ممر بين عدة شركاء فأقام أحدهم حوائط حول عقاره من شأنها تضييق الممر كان هذا تعرضا لباقي الشركاء.
ولا يشترط في التعرض الصادر من المدعى عليه أن يكون قد أصاب المدعي بضرر كما أنه لا يلزم اعتبار العمل الصادر من المدعى عليه تعرضا لمجرد أنه أحدث ضررا بالمدعي إذ ليس هنالك تلازم بين الأمرين فقد يقع أحدهما دون الأخر ، وإن كان معظم أفعال التعرض يترتب عليها حدوث ضرر للمدعي ، وفي هذه الحالة يجوز له أن يضيف لطلب منع التعرض طلبا بالتعويض عما أصابه من ضرر طبقا لقواعد المسئولية التقصيرية ، أما إذا ترتب على الاعتداء الذي بدر من المدعى عليه على حيازة المدعي حدوث ضرر دون أن ينكر عليه حيازته أو يعارضها فلا يجوز للمدعي أن يرفع إلا دعوى التعويض دون دعوى منع التعرض.
ولا يشترط في التعرض أن يستند فيه مدعيه إلى حق غير ثابت له ، ذلك أنه يتعين على المدعي عليه حتى لو استند في تعرضه لحق ثابت له ألا يستأدي حقا بالتعرض ، وترتيبا على ذلك إذا رفع عليه المدعي دعوى منع التعرض فإنه يجاب لطلبه، ذلك أن قاضي الحيازة - كما سبق أن كررنا- لا شأن له بموضوع الحق ، ودعوى منع التعرض لا تحمي إلا الحيازة في ذاتها إذا توافرت شروطها دون ما بحث فيما إذا كان للحائز حق يستند إليه في حيازته أو أنه مجرد من هذا الحق.
ولا يلزم أن يتوافر في المدعى عليه سوء النية فحتى لو كان حسن النية بأن كان يعتقد أن له حقا في تعرضه على خلاف الحقيقة فإنه يقضي عليه بمنع تعرضه وليس بلازم أن تكون أعمال التعرض قد وقعت رأسا في العقار الذي يحوزه المدعي ، فليس هناك ما يمنع من أن تقع هذه الأفعال في عقار يحوزه الغير أو يحوزه المدعي عليه نفسه ، كما إذا كان لعقار على آخر حق ارتفاق بالمطل وبني صاحب العقار ما يحجب الرؤية على صاحب حق الارتفاق فإن هذا يعد تعرضا لحيازة حق الارتفاق.
ولا يشترط في أعمال التعرض أن تكون قد اقترنت بالعنف أو ارتكبت علنا ، فيجوز أن تحدث خلسة وفي خفية عن المدعي ، وتعد مع ذلك تعرضا يجوز للمدعي أن يدفعه بدعوى منع التعرض.
ومن المقرر أن قاضي الموضوع هو الذي يقدر ما إذا كانت الأفعال التي صدرت من المدعى عليه تكون تعرضا ماديا أم لا ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض بشرط أن يبني حكمه على أسباب سائغة وجائزة في العقل والمنطق وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها .
أما التعرض القانوني فهو كل تصرف يصدر من المدعى عليه يعلن به نيته في معارضته لحيازة المدعي ، وقد يصدر خارج مجلس القضاء ، كما إذا أنذر المدعى عليه مستأجرا بأن يدفع الأجرة له لا للمؤجر زعما منه بأنه مالك العين المؤجرة فيكون هذا تعرضا لحيازة المؤجر للعين المؤجرة ، وكما إذا وجه المدعى عليه للمدعي إنذارا بعدم البناء في الأرض التي يحوزها الأخير ، فإن هذا يعد تعرضا لحيازة المدعي للأرض ، وإذا قامت جهة الإدارة كمجلس الحي ومجلس المدينة أو مجلس القرية أو أي جهة إدارية أخرى بتحرير محضر الحائز العقار عن أعمال نسبتها إليه متعلقة بحيازته للعقار فإن ذلك يعد تعرضا قانونيا.
ويجوز أن يقع التعرض عن طريق نزاع في الحيازة يرفع أمام القضاء ، كأن يرفع شخص دعوى ضد الحائز ينكر عليه رافعها فيها حقه في الحيازة ، أو بتقديم طلبات في دعوى يعارض فيها المدعى عليه حيازة المدعي ، كما يعد تعرضا تنفيذ حكم قضائي على شخص لم يكن طرفا في الخصومة.
هل يجوز رفع دعوى منع التعرض أو استرداد الحيازة في التعرض الذي نتج عن الأشغال العامة ؟
تقوم الإدارة أحيانا بأعمال يطلق عليها اسم أشغال عامة وقد تشكل هذه الأعمال تعرضا لحيازة الأفراد ، فإذا كانت هذه الأشغال تؤدي إلى نزع ملكية الفرد كليا أو جزئيا دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية ، فقد ذهب العلامة الدكتور السنهوري بأن قاضي الحيازة يختص بإثبات قيام الحيازة إذا كانت محل نزاع ، ويجوز له أيضا أن يأمر بعدم المضي في القيام بالأشغال العامة ، غير أنه لا يختص بأن يأمر بهدم هذه الأشغال أو إعادة الأرض إلى إحالتها الأصلية ، إذا أن ذلك يتضمن تعطيلا لتنفيذ قرار إداري لا يملكه إلا القضاء الإداري ، أما إذا كانت الأشغال العامة يؤدي بطريق غير مباشر إلى نزع الملكية كما إذا كان القانون يخول جهة الإدارة الاستيلاء نهائيا على أملاك الأفراد دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية فإنه يدخل في اختصاص قاضي الحيازة تقرير حيازة المدعي وأنها استمرت لمدة سنة ، باعتبار أن ذلك أساس يمكن الاستناد إليه في طلب التعويض ، إلا أن قاضي الحيازة لا يختص بالأمر بهدم الأشغال لأن ذلك تعطيلا لتنفيذ قرار إداري الأمر المحرم على جهة القضاء العادي ، إذ أن القضاء الإداري هو جهة الاختصاص الوحيدة بوقف تنفيذ القرار الإداري أو إلغائه أو تأويله.
أما في حالة ما إذا أدت أعمال الأشغال العامة إلى سلب حيازة الفرد لعقاره وأدخل في الملك العام بتخصيصه للمنفعة العامة فلا يجوز له رفع دعوى استرداد حيازة أو منع تعرض لأن دعاوى الحيازة لا يجوز التعرض فيها لبحث الملكية ومستنداتها إلا على سبيل الاستئناس.
جواز رفع دعوى منع التعرض عن أشغال خاصة رخصت بها الإدارة :
إذا صدر من جهة الإدارة عمل من أعمال التعرض عن أشغال خاصة رخصت بها ، كما إذا كانت قد أعطت ترخيصا لشخص بإدارة محل مضر بالصحة أو مقلق للراحة أو من المحلات الخطرة ، فإن هذا التعرض يخضع للقواعد العامة ، فيختص بنظره القضاء العادي لا الإداري ، ويجوز له أن يقضي بمنع التعرض وبإزالة الأعمال التي تمت والتي نتج عنها التعرض ، ولا يقدح في ذلك صدور ترخيص إداري في القيام بهذه الأعمال ، إذ أن هذا الترخيص لا يخرج عن كونه تقريرا بأن الأعمال المرخص بها لا تتعارض مع مصلحة عامة ، كما أنه لا يصادر حق المرخص له أو غيره في المطالبة بما يصيبه من ضرر نتيجة هذه الأعمال ، ويترتب على ذلك أنه يجوز لأي شخص يقع تعرض لحيازته ينجم عن أشغال خاصة رخصت فيها الإدارة أن يرفع دعوى منع التعرض على الجهة التي قامت بهذه الأشغال أمام جهة القضاء العادي التي تملك الحكم بإزالة ما تم من الأعمال التي نشأ عنها التعرض وإعادة الحال إلى ما كانت عليه وإذا كان التعرض قد نتج عن أشغال قامت بها الدولة أو أي شخص من أشخاص القانون العام أجريت في الأموال الخاصة المملوكة لأيهما فإنه يجوز لمن وقع التعرض لحيازته أن يخاصم الجهة التي قامت بالتعرض أمام القضاء العادي بدعوى منع التعرض وأن يطلب إزالة ما تم من أعمال نجم عنها التعرض وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه كما لو بنت الدولة على أرض مملوكة له أو فتحت مطلات على أرض الجار أو تجاوزت حدود ملكها عند إقامة البناء وتعرضت للجار.
لا يجوز رفع دعوى منع التعرض لتنفيذ العقد :
سبق أن بينا أن القاعدة أنه لا يجوز رفع دعاوى الحيازة بهدف تنفيذ عقد ، فإذا حدث تعرض بشأن عدم تنفيذ عقد تعين على الحائز أن يطلب تنفيذ العقد استنادا إلى العقد نفسه لا بدعوى منع التعرض ، فإذا أخل المؤجر بما تضمنه عقد الإيجار من شروط كما إذا حال دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة فلا يجوز للمستأجر أن يلجأ لدعوى منع التعرض وإنما يتعين عليه رفع الدعوى الشخصية الناشئة عن عقد الإيجار ويطلب فيها إلزام المؤجر بتنفيذ ما ورد بالعقد.
هل يجوز رفع دعوى منع التعرض لحماية حق سلبي :
اختلف الرأي فيما كان يجوز رفع دعوى منع التعرض لحماية حق سلبي كما إذا اتفق على عدم إقامة منشآت في طريق خاص أو عدم إقامة بناء على أرض فضاء مجاورة للطرفين فذهب رأي إلى عدم جواز ذلك ( رأي في الفقه الفرنسي ) إلا أن محكمة النقض أصدرت حكما قديما أجازت فيه رفع الدعوى ، شريطة أن يكون الحق مستندا إلى عقد صادر من مالك العقار المرتفق عليه ، وأن يكون مقتضى هذا العقد قد نفذ مدة سنة على الأقل ، من قبل المالك بامتناعه عن كل عمل يخالف هذا الاتفاق في الحكم رقم 4).
الخصوم في دعوى منع التعرض :
لاشك أن دعوى منع التعرض ترفع من الحائز كما سلف وترفع على المتعرض نفسه الذي صدرت منه أعمال التعرض حتى لو كان يعمل لحساب غيره أو بأمر منه ، فإذا صدر التعرض من المستأجر أو الوكيل بأمر من المؤجر أو الموكل أو لصالحه فإنه يكون الخصم الأصلي في الدعوى ويجوز للمدعى أنه يدخل في الدعوى المؤجر أو الموكل فيها باعتباره ضامنا.
وفي حالة وفاة المتعرض فإنه ورثته يحلون محله باعتبار أنهم خلفه العام فتوجه إليهم الدعوی.
وإذا طالب المدعي في دعوى منع التعرض إخلاء العقار أو إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التعرض فإنه يجوز له أن يدخل فيها الخير الذي انتقل إليه العقار حتى لو كان حسن النية ويوجه إليه ما يعن له من الطلبين السابقين شأنه في ذلك شأن المتعرض ، غير أنه لا يحق للمدعي أن يطالب الغير بتعويض عن الضرر الذي أصابه إلا إذا أثبت أنه سيء النية أي انه لا يعلم بالتعرض.
وإذا كان من المقرر أن دعوى منع التعرض أكثر عينية من دعوى منع التعرض أكثر عينية من دعوى استرداد الحيازة وكانت الدعوى الأخيرة يجوز رفعها على الغير حسن النية فإن هذا الأمر يطبق من باب أولى على دعاوى منع التعرض.
الشرط الرابع : رفع الدعوى خلال سنة :
من المقرر طبقا لنص المادة 961 مدني التي سبق أن أوردنا نصها أن دعوى منع التعرض يتعين رفعها خلال سنة من الوقت الذي يحدث فيه التعرض ، فإذا كان التعرض أعمالا متعاقبة سرت مدة السنة من تاريخ أول عمل من هذه الأعمال يدل بوضوح أنه يتضمن معارضة لحيازة المدعي.
وفي حالة ما إذا كانت إعمال التعرض المتعاقبة قد حدثت مستقلة . بمعنى أن كل عمل منها بعد تعرضا قائما بذاته ، أو صدرت عن أشخاص مختلفين فكل عمل من هذه الأعمال يعتبر تعرضا قائما بذاته وتتعدد فيها دعاوى منع التعرض بتعدد هذه الأعمال ، وفي هذه الحال فإن مدة السنة تبدأ بالنسبة إلى كل دعوى منها منذ وقوع العمل الذي أنشأها ، وبالتالي فإن سريان هذه المدة بالنسبة للدعوى الأخيرة يبدأ من وقت آخر فعل من أفعال التعرض المستقلة.
المحكمة المختصة محليا بنظر الدعوى :
نصت الفقرة الأولى من المادة 50 من قانون المرافعات على انه " في الدعاوى العينية العقارية ودعاوي الحيازة يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار أو أحد أجزائه إذا كان واقع في دائرة محاكم متعددة " . وبذلك يكون المشرع قد استثنى دعاوى الحيازة من الخضوع للقواعد العامة في الاختصاص وأوجب رفعها أمام المحكمة التي يقع في دائرتها العقار فإذا كان العقار واقعا في دائرة محاكم متعددة كان الاختصاص للمحكمة التي يقع فيها أحد أجزاء العقار صغر هذا الجزء أو كبر.
المحكمة المختصة نوعياً بنظر الدعوى :
لا جدال في أن دعوى منع التعرض دعوى موضوعية بحتة تختص بها المحكمة الجزئية أو الابتدائية حسب قيمتها وتقدر قيمتها وفقا لما تقضي به الفقرة الرابعة من المادة 37 من قانون المرافعات - بقيمة العين محل الحيازة ووفقا للفقرة الأولى من المادة 37 المعدلة بالقانون ۱۸ لسنة ۱۹۹۹ فإن كان العقار مبنيا تقدر قيمته باعتبار خمسمائة مثل من قيمة الضريبة الأصلية المربوطة عليه . أما إذا كان من الأراضي يكون التقدير باعتبار أربعمائة مثل القيمة الضريبة المربوطة عليه ، وتأسيسا على ذلك فإن المحكمة الجزئية تختص بنظر الدعوى إذا كانت قيمة العقار وفقا للقواعد المتقدمة لا تجاوز مبلغ عشرة آلاف جنيه وذلك عملا بالفقرة الأولى من المادة 46 من مرافعات بعد تعديلها ، أما إذا زادت قيمة العقار عن عشرة آلاف جنيه فإن الاختصاص ينعقد للمحكمة الابتدائية وفي حالة عدم فرض ضريبة على العقار محل الحيازة تولت المحكمة تقدير قيمته ولها أن تستعين في ذلك بخبير وإذا تنكب المدعي الطريق السليم وأقام دعوى منع التعرض أمام القضاء المستعجل فإن قضاءه بعدم اختصاصه بنظرها يكون أمرا محتوما ويتعين عليه أن يقف في قضائه عن هذا الحد ولا يجوز له أن يحيل الدعوى إلى المحكمة الموضوعية لأن لم يتبق أمامه ما يصح عرضه على القضاء الموضوعي.
الحكم الذي يصدر في دعوى منع التعرض وحجيته :
إذا تبين للمحكمة أن المدعي محق في دعواه فإنها تقضي بمنع تعرض المدعى عليه في حيازته ويقتضي ذلك إزالة كل عمل مادي أو قانوني حال دون انتفاع الحائز بحيازته أو عرقل انتفاعه بها أو كان مؤديا لإنكار حيازته، فيقضي الحكم بهدم بناء قد أقيم أو إقامة بناء قد هدم ، وبإعادة الشيء إلى أصله ، سواء أكانت أعمال التعرض قد حدثت في عقار المدعي أو في عقار المدعى عليه أو في عقار الغير فإذا أقام المدعي عليه حائطا في طريق محمل بحق ارتفاق المرور للحائز منعه من المرور فإن الحكم بمنع التعرض يقتضي بهدم هذا الحائط حتى يتمكن الحائز من المرور على النحو السابق على التعرض وإذا قام المدعى عليه بتسوير أرض يحوزها المدعي فإن الحكم بمنع التعرض يقتضي إزالة هذا السور.
ويستثنى من هذه القاعدة حالة ما إذا كانت أعمال التعرض عبارة عن أشغال عامة أقامتها الجهة الإدارية إذا كان هذا الحكم يترتب عليه إلغاء قرار إداري أو تعطيل تنفيذه كما بينا آنفا.
ولما كان قاضي الحيازة لا شأن له بالملكية ومحرم عليه بحثها لذلك كان من المتعين عليه أن يقضي بمنع التعرض حتى ولو كانت الأوراق تنطق بأن كفة المتعرض في دعوى الملكية أو دعوی موضوع الحق هي الراجحة، إلا أنه التخفيف ما يترتب على ذلك من أضرار قد تحيق بالمدعى عليه أجازت محكمة النقض لقاضي الحيازة أن يمنحه أجلا لرفع دعوى الملكية أو دعوى أصل الحق بحيث لا يجوز تنفيذ حكم الإزالة أو إعادة الشيء لأصله إلا بعد انتهاء هذا الأجل ، كما انها ترتب على رفع الدعوى ألا ينفذ الحكم إلا بعد أن تفصل محكمة الموضوع في النزاع.
ولا جدال في أنه يجوز لقاضي الحيازة أيضا - بناء على طلب المدعي - أن يحكم على المدعى عليه بتعويض عن الضرر الذي لحق المدعي نتيجة تعرضه وهذا التعويض لا يكون إلا وفقا لقواعد المسئولية التقصيرية إذ لا يتصور تأسيسه استنادا لقواعد المسئولية العقدية لأننا سبق أو أوضحنا أن دعوى منع التعرض لا يجوز إقامتها إذا حدث التنازع على الحيازة بين طرفي العقد . ويجوز للمدعي أن يطلب التعويض عند رفع الدعوى مضمنا صحيفتها طلب منع التعرض وطلب التعويض كما يجوز إبداؤه بعد رفع الدعوى كطلب عارض بمذكرة تقدم للمحكمة أو شفاهة أمام المحكمة وإثباته في محضر الجلسة ويجوز للمدعى عليه أن يقيم دعوى فرعية ضد المدعي طالبا أن يقضي به - بعد رفض الدعوى - بتعويض عما أصابه من ضرر نتيجة مخاصمة المدعي له في دعوى الحيازة ، كذلك يجوز له ألا يكتفي بطلب رفض الدعوى بل أن يطلب بدعوى فرعية القضاء بمنع تعرض المدعي له باعتبار أن حيازته هي القانونية وأن معارضة المدعي له ما هي إلا إنكار لحيازته ويجوز له أن يضيف إلى هذا الطلب التعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء مخاصمة المدعي له وكذلك بسبب إنكار حيازته.
وفي حالة ما إذا أقام المدعى عليه دعوى فرعية على سند من أنه هو الحائز للعقار بحث القاضي دفاع الطرفين فإن تبين له أن حيازة المدعي عليه لا تتعارض مع حيازة المدعي قضى باستبقاء كل منهما لحيازته و يمنع التعرض الآخر في حيازته ، أما إذا أيقن أن الحيازتين متعارضتان فإنه ينتقل للمفاضلة بينهما ويقضي لمن كانت حيازته أحق بالتفضيل على النحو الذي فصلناه آنفا في شرح الشرط الثالث في دعوى استرداد الحيازة ، أما إذا كانت الحيازتان متعادلتين ولم يتمكن من تفضيل إحداهما على الأخرى جاز له أن يقضي بأن تظل الحيازة مشتركة بين الخصمين ، كذلك لا يجوز له أن يكلف الخصمين أو أحدهما بإقامة دعوى الملكية أو دعوی موضوع الحق ، وله في هذه الحالة بناء على طلب أحد الخصوم أن يفرض الحراسة القضائية على العقار المتنازع على حيازته.
ولما كانت دعوى منع التعرض كما سبق أن كررنا دعوی موضوعية بحتة ومن ثم فإن الحكم الصادر فيها متى أصبح نهائيا يكون حجة فيما فصل فيه من الحقوق عملا بالمادة ۱۰۱ من قانون الإثبات فهو حجة على الخصوم بمعنى أنه لا يجوز لأيهما طرح ذات الطلبات من جديد على المحكمة بقصد الحصول على حكم جديد معدل للحكم الأول فإذا فعل تعين على المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها لأن حجية الأحكام ليست من النظام العام فحسب كما قضت بذلك المادة ۲ / ۱۰۱ من قانون الإثبات بل أنها تسمو على قواعد النظام العام كما صرحت بذلك محكمة النقض في أحكامها المتواترة.
ونلفت النظر إلي أن حجية الحكم الصادر في الحيازة قاصر على موضوع الحيازة فقط فإذا قضي بعد ذلك من القضاء الموضوعي في دعوى الملكية أو في دعوی موضوع الحق فإن حكم الحيازة تزول عنه حجيته.
قاضي الحيازة الموضوعي ولايته تتسع لإزالة الأفعال المادية التي يجريها المدعى عليه :
إذا أقام الحائز دعوى منع تعرض أو دعوى استرداد حيازة موضوعية فإن له أن يطلب إزالة الأفعال المادية التي أجراها المدعى عليه في العقار وتجيبه المحكمة لطلبه ، وأساسي ذلك أن القضاء بها من قبيل إعادة الحال إلى ما كانت عليه وأن من حق الحائز لمدة لا تقل عن سنة أن يطلب إعادة العقار إلى أصله بأن يطلب إزالة ما يحدثه المتعرض من تغيير سواء بإزالة ما أقامه من مبان أو بإعادة ما هدمه منها .
الدعوى الثالثة : دعوى وقف الأعمال الجديدة
هي التي عرفها المشرع في المادة 962 مدني بقوله :
1- " من حاز عقارا واستمر حائزا له سنة كاملة ، وخشي لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته ، كان له أن يرفع الأمر إلي القاضي طالبا وقف هذه الأعمال بشرط ألا تكون قد تمت ، ولم ينقض عام على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث الضرر.
٢- وللقاضي أن يمنع استمرار الأعمال أو أن يأذن في استمرارها ، وفي كلتا الحالتين يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة ، تكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضمانا لإصلاح الضرر الناشئ من هذا الوقف متى تبين بحكم نهائي أن الاعتراض على استمرارها كان على غير أساس ، وتكون في حالة الحكم باستمرار الأعمال ضمانا لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها إصلاحا للضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي لمصلحته ".
ووفقا لما ورد پهذه المادة فإنها دعوی يرفعها حائز العقار أو الحائز لحق عيني على من شرع في عمل لو تم لأصبح تعرضا للحائز في حيازته فالغرض منها ليس منع تعرض وقع بالفعل ولكن تفادي التعرض قبل حصوله ولذلك فهي دعوى وقائية المصلحة ليست قائمة وإنما محتملة فقط ومثلها حالة ما إذا شرع جار في بناء حائط في ملكه لو تم يترتب عليه حجب الضوء عن مطل في عقار جاره أو قيام جار بالبناء في نهاية ملكه وفتح مطلات على عقار جاره دون أن يترك المسافة القانونية التي حددها المشرع في القانون المدني أو في قوانين المباني لأن فتح المطلات على هذا النحو يعد تعرضا للجار واستمراره يكسب فاتح المطلات حق ارتفاق على أرض جاره بالمدة الطويلة المكتسبة للملكية ، ذلك أن قوانين المباني تحدد عادة أبعادا ومسافات للمناور التي يفتح عليها مطلات تزيد عن تلك التي بينها المشرع في القانون المدني ولا جدال في أن منشئ البناء ملزم بمراعاة هذه القيود وهي قيادة آمرة متعلقة بالنظام العام فإذا فتح شخص مطلات على منور غير مستوفي الأبعاد القانونية وكان المنور متصلا بأرض فضاء للجار فإن استمرار ذلك يؤدي على اكتسابه مطل قانوني على أرض الجار وفقا لما حدده قانون المباني من اتساع ومن ثم فإن البدء في البناء على هذا النحو يعتبر في حالة استمراره تعرضا لحيازة الجار الذي يجوز له أن يلجأ دعوى وقف الأعمال الجديدة .
ولم يتقيد المشرع بمعيار معين يحدد فيه ماهية الأعمال الجديدة التي تنذر بخطر يهدد حيازة المدعي عند تمامها حتى يقضي القاضي بوقفها ، إذ يتعين عليه أن يبحث كل حالة على حدة وأن يقدر مدى خطورة العمل فإذا ما تبين له من الظروف ومن الملابسات المحيطة بالدعوى أن هذا العمل قد يهدد حيازة المدعي عند تمام هذا العمل قضى برفض الدعوى.
شروط الدعوى :
يشترط أن يتوافر في الحائز نفس الشروط التي يتعين توافرها فيه في دعوى منع التعرض فيجب أن يكون حائزا للعقار وأن تكون حيازة أصلية لا عرضية ، وأن تكون خالية من العيوب أي حيازة مستمرة وعلنية وهادئة وغير غامضة ، وإذا كانت الحيازة ترتكن إلى عمل من أعمال التسامح أو على ترخيص من جهة الإدارة، فإنها وإن كانت تعتبر عرضية بالنسبة إلى المالك المتسامح أو إلى جهة الإدارة التي أصدرت الترخيص ، إلا أنها تعتبر أصيلة بالنسبة لمن عداهما ويجوز للحائز أن يرفع دعوى وقف الأعمال الجديدة ، وقد استثنى المشرع من ذلك المستأجر فأجاز له في المادة 575 مدني أن يرفع ضد الغير وباسم المؤجر جميع دعاوى الحيازة ومنها دعوى وقف الأعمال الجديدة .
ويتعين أن تستند دعوى وقف الأعمال الجديدة - باعتبارها من دعاوى اليد - إلى الحيازة لا إلى عقد ، فإذا كان هناك عقد يربط طرفي النزاع ، وكان إيقاف الأعمال الجديدة مما يدخل في نطاق هذا العقد ، فإنه يتعين على المدعي في هذه الحالة أن يلجأ إلى الدعوى التي يخولها له العقد طالبا إلزام المدعي عليه بتنفيذ شروطه وليس له أن يرفع دعوى وقف الأعمال الجديدة أو أي دعوى أخرى من دعاوي الحيازة ، وترتيبا على ذلك جرى القضاء على أنه إذا قام المؤجر بأعمال جديدة من شأنها أن تحول دون استعمال المستأجر للعين أو تقلل من انتفاعه بها ، كما إذا أحدث بها أو بملحقاتها بناء أو تغييرا يخل بالانتفاع بها، فإنه يجوز للمستأجر أن يخاصم المؤجر ويطلب إلزامه بوقف ما يجريه من هذه الأعمال مستندا في ذلك إلى عقد الإيجار والذي يلزمه بالامتناع عن التعرض المادي له وفق ما تقضي به المادة 571 / 1 من القانون المدني ، أما إذا أقام المستأجر دعواه ضد المؤجر وركن إلى الحيازة فإن دعواه يكون مصيرها الحتمي القضاء بعدم قبولها باعتبار أن حيازته عرضية لا تصلح لرفع أي دعوى من دعاوى الحيازة.
ويتعين أن تكون حيازة المدعي قد استمرت سنة كاملة على الأقل ، ويصح له سواء كان خلفا عاما أم خاصة أن يضم إلى مدة حيازته مدة حيازة سلفه ، ولا يشترط في الحائز أن يكون حسن النية فليس هناك ما يمنع الحائز سيء النية من الالتجاء إليها .
ويتعين أن يتوافر في الأعمال التي طلب وقفها بالدعوى شرطان أولهما أن تكون هذه الأعمال قد بدأت ولكنها لم تتم ، ويجب أن تكون هناك أسباب معقولة تدعو للاعتقاد بأن هذه الأعمال لو تمت لنتج عنها تعرض فعلي لحيازة المدعي والشرط الثاني أن تكون الأعمال التي بدأها المدعى عليه قد حدثت في عقاره هو ، ذلك أن الأعمال لو بدأت في عقار المدعي أو الغير لنشأ عنها تعرض حال لا مستقبل ، وهو ما يترتب عليه أن الدعوى التي يتعين رفعها هي منع التعرض الا وقف الأعمال ، اللهم إلا إذا كان الغير قد ارتضي هذه الأعمال أو تواطأ مع المدعي عليه على إقامتها، وفي هذه الحالة لا مناص من اعتباره شريكا المدعى عليه ، سيان أن بدأت الأعمال في عقاره هو أو في عقار المدعى عليه .
ويجب رفع الدعوى خلال سنة تسري من وقت البدء بالأعمال . فإذا كانت أعمالا متعاقبة سرت المدة من وقت البدء في أول عمل منها فإذا رفعت الدعوى بعد مضي سنة يتعين علي المحكمة أن تقضي بعدم قبولها ولو كانت الأعمال الجديدة لم تتم ، وليس للمدعي في هذه الحالة إلا أن ينتظر حتى تتم هذه الأعمال ، فإذا تمت تمثل تعرضا حالا علي حيازته ، الأمر الذي يجيز له رفع دعوى منع التعرض خلال سنة من وقت إتمام الأعمال الجديدة إذ يبدأ من وقت إتمامها ميعاد رفع الدعوى .
ومدة السنة التي يتعين رفع دعوى وقف الأعمال الجديدة في أثنائها شأنها شأن دعوى استرداد الحيازة ودعوى منع التعرض مدة سقوط لا مدة تقادم ومن ثم تسري علي ناقص الأهلية والغائب ولا يسري عليها الوقف ولا الانقطاع ، وإذا رفعت الدعوى أكثر من سنة فإن المحكمة تقضي فيها بعدم الاختصاص لعدم توافر ركن الاستعجال .
وإذا رفعت دعوى وقف الأعمال الجديدة وتبين لقاضي الحيازة أن المدعي محق في دعواه أجابه لطلبه بوقف الأعمال الجديدة بعدم الاستمرار فيها، حتى ترفع دعوى الملكية أو دعوى أصل الحق ويفصل فيها ، وحينئذ يجوز للقاضي أن يكلف المدعي بتقديم كفالة مناسبة تكون ضمانا لإصلاح الضرر الناشئ عن هذا الوقف ، فإذا قضت بعد ذلك محكمة الموضوع في دعوى الملكية أو أصل الحق بأن اعتراض المدعي على الاستمرار في الأعمال الجديدة لم يكن له سند من ناحية موضوع الحق لا من ناحية الحيازة ، كان على المدعى عليه أن يلجأ للمحكمة الموضوعية طالبا أن تقضي بالتعويض المناسب لجبر الضرر الذي ألم به بسبب وقف الأعمال التي لم تتم ، وفي هذه الحالة فإن مصير الكفالة التي قدمها المدعي يتحدد بأن تصبح ضمانا لهذا التعويض الذي يقضي به ، كما يجوز له أن يطالب بالتعويض مع الطلب الموضوعي الذي يبديه بأصل الحق.
وفي حالة ما إذا تيقن قاضي الحيازة أن شروط وقف الأعمال الجديدة منتفية ، فإن لازم ذلك أن يقضي برفض الدعوى ، مما يترتب عليه أن يستمر المدعى عليه في الأعمال التي كان قد بدأها إلي أن ترفع دعوى الملكية أو دعوى موضوع الحق ويفصل فيها ، فإنه يجوز له أيضا أن يكلف المدعى عليه بتقديم كفالة مناسبة ، فإذا حكمت بعد ذلك محكمة الموضوع في دعوى الملكية أو أصل الحق بأن المدعي كان على حق وأن اعتراضه علي استمرار المدعي عليه في الأعمال الجديدة كان له سنده الصحيح من ناحية موضوع الحق لا من ناحية حيازته ، جاز بعد ذلك الالتجاء لمحكمة الموضوع للحكم بإزالة هذه الأعمال كلها وفي هذه الحالة تصبح الكفالة التي قدمها المدعي عليه بتكليف من قاضي الحيازة ضمانا لنفقات هذه الإزالة . وقد ذهب رأي في الفقه إلي أن قاضي الحيازة لا يكلف المدعي أو المدعي عليه بتقديم الكفالة المناسبة إلا إذا دق الأمر عليه إلي حد لا يستطيع معه التكهن فيما إذا كانت الأعمال الجديدة ستهدد الحيازة عند تمامها أم لا كما لو أبدي المدعي أسبابا تفيد في ظاهرها بأن حيازته ستصبح في خطر عند إتمام هذه الأعمال ، ولكن المدعي رد علي هذه الأسانيد بأسباب أخرى معقولة تنفي هذا الخطر (محمد عبد اللطيف ص 305).
حجية الحكم الصادر بوقف الأعمال الجديدة :
لا شك أن قضاء محكمة الحيازة بوقف الأعمال الجديدة إنما هو قضاء مؤقت تتوقف حجيته علي القضاء في دعوى الملكية أو في دعوى موضوع الحق ، فإذا حكم في أيهما لصالح المدعي عليه فإنه يحق له أن يمضي في هذه الأعمال حتى يتمها ، أما إذا حكم لصالح المدعي وأصبح الحكم نهائيا فلا يزول حكم وقف الأعمال الجديدة .
تحول دعوى وقف الأعمال الجديدة إلى دعوى منع تعرض :
إذا قام الحائز وقف الأعمال الجديدة عند بدايتها أمام محكمة الموضوع إلا أن الدعوى استغرق نظرها زمنا تمت في أثنائه الأعمال فلا شك أن الدعوى في هذه الحالة تتحول إلى دعوى منع تعرض ويتعين على قاضي الحيازة أن يكيفها علي هذا الأساس حتى ولو لم يطلب المدعي ذلك وفي هذه الحالة يجوز له أن يأمر بإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل أن يبدأ المدعي عليه في الأعمال ويترتب على هذا الحكم إزالة الأعمال الجديدة لا وقفها ذلك أن دعوى منع التعرض يجوز فيها كما سبق لقاضي الحيازة أن يقضي الإزالة .
أما إذا رفعت الدعوى أمام القضاء المستعجل فإنه وإن كان يجوز للقاضي المستعجل أن يحور طلبات الخصوم ويصدر حكما بالإجراء الوقتي الملائم إلا أنه في خصوصية دعوى وقف الأعمال الجديدة لا يستطيع أن يحولها إلي دعوى منع تعرض في حالة إتمام الأعمال الجديدة لأن الدعوى الأخيرة موضوعية بحتة لا يختص بنظرها .
أوجه الشبه بين دعوى وقف الأعمال الجديدة ودعوى منع التعرض :
يبين من الشرح التفصيلي لكل دعوى وقف الأعمال الجديدة ودعوى منع التعرض أن الأولى تختلف عن الثانية في أربعة أمور أولها أن دعوى منع التعرض أساسها أن يكون ما قام به المدعى عليه يعتبر تعرضا بالفعل في حيازته أما في دعوى وقف الأعمال الجديدة فإن أساسها أن ما قام به المدعى عليه من عمل لو تم لأصبح تعرضا والثاني أن الحث في رفع دعوى وقف الأعمال الجديدة يسقط بمضي سنة علي الشروع في العمل أو بتمام العمل ولو تم في بضعة أيام لأنه بتمامه يصبح تعرضا أما بالنسبة لدعوى منع التعرض فإنها ترفع في خلال سنة تبدأ من صيرورة العمل تعرضا والثالث أنه في دعوى وقف الأعمال الجديدة تبدأ الأعمال في عقار المدعى عليه ، أما في دعوى منع التعرض فقد تكون في عقار المدعى عليه أو في عقار المدعي أو عقار الغير والرابع في دعوى وقف الأعمال الجديدة فإن قاضي الحيازة يقضي بوقف الأعمال الجديدة دون إزالتها أما في دعوى منع التعرض فإنه يجوز أن يقضي بإزالة هذه الأعمال .
دعوى وقف الأعمال الجديدة يجوز رفعها بصفة موضوعية ويجوز رفعها بصفة مستعجلة :
لا جدال في أن دعوى وقف الأعمال الجديدة يجوز رفعها أمام محكمة الموضوع إذا توافرت فيها الشروط التي سبق أن شرحناها بتفصيل ، ومن ناحية أخرى يجوز رفعها أمام القضاء المستعجل وذلك بشرط أن يتوافر فيها - فضلا عن الشروط التي سبق أن بيناها - ثلاثة شروط أولها أن يتوافر ركن الاستعجال في الدعوى وثانيها ألا يطلب من القاضي المستعجل إزالة ما تم فعلا من أعمال وثالثها ألا تكون هذه الأعمال الجديدة قد تمت وانقلبت إلي تعرض فعلا إذ لا يجوز للقاضي المستعجل في هذه الحالة أن يقضي في الدعوى باعتبارها دعوى منع تعرض - كما هو الشأن في المحكمة الموضوعية - لأن دعوى منع التعرض كما ذكرنا آنفا دعوى موضوعية بحتة لا تدخل في اختصاص القضاء المستعجل بالمرة.
وقد جرت عادة الكثرة الغالبة ممن يحدث اعتداء ممن يحدث اعتداء علي حيازتهم بأعمال جديدة أن يلجئوا أولا لقاضي الأمور المستعجلة بطلب وقف هذه الأعمال علهم يستطيعون الحصول علي حكم في وقت قريب فإن أجيبوا قنعوا بهذا الحكم أما إذا قضي بعدم الاختصاص فإنهم يطرقون قضاء محكمة الموضوع.
ومما هو جدير بالذكر أن دعوى وقف الأعمال الجديدة الموضوعية تختلف عن الدعوى المستعجلة في الأمور الآتية :
1- لا محل لإعمال القاعدة المقررة في المادة 44 مرافعات التي تقضي بعدم جواز الجمع بين دعوى اليد والحق في شأن الدعوى المستعجلة ، إذ أن هذه القاعدة لا تطبق إلا علي دعاوي الحيازة الموضوعية التي ترفع أمام محكمة الموضوع.
2- أن قاضي الأمور المستعجلة يختص بنظر دعوى وقف الأعمال الجديدة التي ترفع إليه أيا كانت قيمة الحق الذي ترد عليه الحيازة ، أما الدعوى الموضوعية فتقدر بقيمة الحق وفقا لنص الفقرة الرابعة من المادة 37 مرافعات.
3- يتبع في الطعن في الحكم المستعجل الصادر في دعوى وقف الأعمال الجديدة نفس الطرق المقررة للطعن في الأحكام المستعجلة فيجوز أمام المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة استئنافية ولا يجوز الطعن فيه بطريق النقض إلا إذا كان الحكم قد صدر على خلاف حکم سابق أما الحكم الصادر من المحكمة الموضوعية فإن الأمر يختلف عما إذا كان صادرا من المحكمة الجزئية أم الكلية فإن كان صادرا من المحكمة الابتدائية فإن الطعن عليه يكون أمام محكمة الاستئناف ويجوز الطعن علي الحكم الصادر منها أمام محكمة النقض إما إذا صدر الحكم من المحكمة الجزئية فإن الطعن قد يرفع أمام المحكمة الابتدائية بهيئة استئنافية ولا يجوز الطعن إلا إذا صدر على خلاف حكم سابق.
4- أن الحكم الصادر من قاضي الأمور المستعجلة في دعوى وقف الأعمال الجديدة يكون مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون أما الحكم الموضوعي فلا يجوز تنفيذه إلا إذا أصبح نهائيا أو إذا أمر القاضي بذلك لتوافر شرط من شروط النفاذ المعجل المنصوص عليها في المادة ۲۹۰ مرافعات .
5- أن قاضي الموضوع إذا تبين له أن الأعمال الجديدة قد تمت فإنه يكيف الدعوى بأنها تعرض ويقضي فيها علي هذا الأساس علي عكس القاضي المستعجل الذي يتحتم عليه في هذه الحالة أن يقضي بعدم الاختصاص .
تقدير دعاوى الحيازة الموضوعية :
كانت دعاوى الحيازة الموضوعية في ظل قانون المرافعات السابق تخضع للاختصاص الاستثنائي للقاضي الجزئي وبالتالي فقد كان يختص بها مهما كانت قيمتها وحينما صدر القانون الحالي 13 لسنة 1968 أخرجها من هذا الاختصاص وأصبحت تختص بها محكمة المواد الجزئية أو الإبتدائية حسب قيمتها وطبقا للمادة 37/ 4 منه بعد تعديلها بالقانون 23 لسنة 1992 كانت دعاوى الحيازة تقدر بقيمة الحق الذي ترد عليه الحيازة فإذا كانت الدعوى تتعلق بحيازة عقار وكان رافع الدعوى يؤسسها علي أنه يحوز العقار بنية التملك فقد كانت تقدر باعتبار ثلاثمائة مثل من قيمة الضريبة الأصلية المربوطة عليه إذا كان العقار مبنيا فإذا كان من الأراضي يكون باعتبار مائتي مثل لقيمة الضريبة الأصلية أما إذا كان العقار غير مربوط عليه ضريبة قدرت المحكمة قيمته وكل ذلك عملا بالفقرة الأولي من المادة 37 إلا أن المشرع عدل المادة 37 من قانون المرافعات بالقانون 18 لسنة 1999 الذي يسري من 17/ 7/ 1999 وبمقتضاه أصبحت الدعاوى التى يرجع في تقديرها إلي قيمة العقار تقدر باعتبار خمسمائة مثل قيمة الضريبة الأصلية المربوطة عليه إذا كان العقار مبنيا . فإذا كان من الأراضي يكون التقدير باعتبار أربعمائة مثل من قيمة الضريبة الأصلية وأبقى المشرع على الحالة التي لا تكون هناك ثمة ضريبة مربوطة علي العقار من أن المحكمة تقدر قيمته .
وإذا كانت دعوى الحيازة متعلقة بحق ارتفاق قدرت بقيمة هذا الحق أي بربع قيمة العقار المقرر عليه الحق وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة ۳۷ أنفة البيان.
وإذا طلب مع دعوى الحيازة تعويض عن الاعتداء على الحيازة ضمان قيمة التعويض لقيمة دعوى الحيازة إعمالا لنص المادة 38 مرافعات .
وإذا ثار نزاع حول الانتفاع بعين مؤجرة وكان عقد الإيجار قد امتد وفقا لأحكام القانون 52 لسنة 1969 فإن عقد الإيجار طبقا لما استقر عليه قضاء النقض يكون غير قابل للتقدير ومن ثم عملا بالمادة 41 مرافعات تعتبر قيمة زائدة علي عشرة آلاف جنيه ويكون من اختصاص المحكمة الابتدائية.
بحث ختامي في دعاوى الحيازة
أولا : يجوز لمن يضع يده علي الشيوع الاستعانة بدعاوى اليد في حماية يده
من المقرر أن وضع اليد بمعناه القانوني كما يقع على العقار المفرز يقع على الحصة الشائعة ومن ثم فلا يوجد تفرقة في الحماية بين وضع اليد علي الشيوع ووضع اليد الخالص إذ لكل ذي يد علي عقار أن يحمي يده بدعاوی وضع اليد القانوني وبالتالي فإن لكل واضع يد علي الشيوع أن يحمي حيازته برفع دعاوى اليد لدفع التعرض الحاصل له كما هو الشأن بالنسبة لوضع اليد الخالص .
ثانيا ً: تنفيذ الحكم الصادر في إحدي دعاوى الحيازة إنما يكون على مسؤولية طالب التنفيذ :
من المقرر تنفيذ الحكم الصادر في أي دعوى من دعاوى الحيازة الثلاث إنما يكون على مسؤولية طالب التنفيذ، شأنه في ذلك شأن الأحكام غير النهائية المشمولة بالنفاذ المعجل ، وعلى ذلك إذا نفد الحكم الصادر في دعوى الحيازة وثبت عدم أحقية طالب التنفيذ فيه بحكم موضوعي نهائي كدعوى الملكية ، فإنه يكون ملزما بما ترتب على التنفيذ من ضرر أصاب المنفذ عليه متى ثبت سوء نية طالب التنفيذ ومن هذه الأضرار ربع العين عن المدة التي ظلت فيها في وضع يده . ومما هو جدير بالذكر أن سوء النية لا يفترض وعلي مدعية أن يثبت قيامه ويجوز إثباته بجميع طرق الإثبات ومنها شهادة الشهود والقرائن . وقد اعتبر القانون الحائز سيء النية من تاريخ عمله بالعيب الذي يشوب سند حيازته ، ومن ذلك إعلانه بصحيفة الدعوى الموضوعية كدعوی استحقاق العقار، ويتعين على المحكمة أن تقيم الدليل علي سوء النية فإن قضت بالتعويض دون أن تقوم باستخلاصها كان حكمها مشوبا بالخطأ فى القانون والقصور في التسبيب . ( التعليق على قانون المرافعات، للمستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزءالثاني ، الصفحة : 591 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع عشر ، الصفحة / 44
التَّنَاقُضُ فِي الدَّعْوَى:
يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهَا تَنَاقُضٌ، فَلِذَلِكَ لاَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى الَّتِي يَقَعُ فِيهَا التَّنَاقُضُ؛ لأِنَّ كَذِبَ الْمُدَّعِي يَظْهَرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَمِنْ أَمْثِلَةِ وُقُوعِ التَّنَاقُضِ فِي الدَّعْوَى: الاِدِّعَاءُ بِالْمِلْكِيَّةِ بَعْدَ اسْتِشْرَاءِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوِ اسْتِئْجَارِهِ وَنَحْوِهِ.
وَكَمَا يَمْنَعُ التَّنَاقُضُ أَصْلَ الدَّعْوَى يَمْنَعُ دَفْعَ الدَّعْوَى أَيْضًا فَعَلَيْهِ إِذَا أَقَرَّ الْكَفِيلُ بِأَنَّهُ مَدِينٌ بِكَذَا دِرْهَمًا مِنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ إِقْرَارِهِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الأْصِيلَ قَدْ أَوْفَى الدَّيْنَ أَوْ أَنَّ الدَّائِنَ قَدْ أَبْرَأَنِي قَبْلَ الإْقْرَارِ فَلاَ يُقْبَلُ لِلتَّنَاقُضِ.
وَإِذَا حَصَلَ تَنَاقُضٌ بَيْنَ دَعْوَيَيْنِ فَتَكُونُ الدَّعْوَى الثَّانِيَةُ مَرْدُودَةً، وَلَكِنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُعَقِّبَ دَعْوَاهُ الأْولَى؛ لأِنَّ الدَّعْوَى الثَّانِيَةَ لَمْ تُسْتَمَعْ بِسَبَبِ ظُهُورِ كَذِبِهَا، أَمَّا الدَّعْوَى الأْولَى فَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهَا.
وَكَمَا يَمْنَعُ التَّنَاقُضُ الدَّعْوَى لِنَفْسِ الْمُدَّعِي الْمُنَاقِضِ لِنَفْسِهِ يَمْنَعُهَا لِغَيْرِهِ، فَمَنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِغَيْرِهِ فَكَمَا لاَ يَمْلِكُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ لاَ يَمْلِكُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ بِوِصَايَةٍ.
وَقَدْ فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ الْقَوْلَ فِيمَا يَرْتَفِعُ بِهِ التَّنَاقُضُ وَالْحَالاَتُ الَّتِي يُعْفَى التَّنَاقُضُ فِيهَا وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَوْضُوعِ وَيُنْظَرُ فِي (دَعْوَى).
تَنْفِيذٌ
التَّعْرِيفُ:
التَّنْفِيذُ فِي اللُّغَةِ: جَعْلُ الشَّيْءِ يُجَاوِزُ مَحَلَّهُ.
يُقَالُ: نَفَذَ السَّهْمُ فِي الرَّمِيَّةِ تَنْفِيذًا: أَخْرَجَ طَرَفَهُ مِنَ الشِّقِّ الآْخَرِ. وَنَفَذَ الْكِتَابُ أَرْسَلَهُ: وَنَفَذَ الْحَاكِمُ الأْمْرَ أَجْرَاهُ وَقَضَاهُ.
وَالاِصْطِلاَحُ الشَّرْعِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَالنَّفَاذُ تَرَتُّبُ الآْثَارِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْحُكْمِ.
وَقَدْ يُطْلَقُ لَفْظُ «تَنْفِيذٍ» عَلَى إحَاطَةِ الْحَاكِمِ عِلْمًا بِحُكْمٍ أَصْدَرَهُ حَاكِمٌ آخَرُ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ، وَيُسَمَّى اتِّصَالاً. وَيُتَجَوَّزُ بِذِكْرِ (الثُّبُوتِ) (وَالتَّنْفِيذِ) قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا هَذَا غَالِبًا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَفَاذِ الْحُكْمِ أَوِ الْعَقْدِ وَتَنْفِيذِهِمَا هُوَ: أَنَّ النَّفَاذَ صِحَّةُ الْعَقْدِ أَوِ الْحُكْمِ وَتَرَتُّبُ آثَارِهِ الْخَاصَّةِ مِنْهُ، كَوُجُوبِ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَانْتِقَالُ مِلْكِيَّةِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَالثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ. أَمَّا التَّنْفِيذُ فَهُوَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ أَوِ الْحُكْمِ وَإِمْضَاؤُهُ بِتَنْفِيذِ عُقُوبَةِ الْحَدِّ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي، وَالثَّمَنِ لِلْبَائِعِ مِنَ الْعَاقِدِ طَوْعًا أَوْ بِإِلْزَامٍ مِنَ الْحَاكِمِ. قَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّ التَّنْفِيذَ لَيْسَ بِحُكْمٍ، إنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بِحُكْمٍ سَابِقٍ وَإِجَازَةٌ لِلْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ.
وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْحُكْمَ بِالْمَحْكُومِ بِهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْقَضَاءُ:
الْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ: الْحُكْمُ وَمِنْهُ قوله تعالى (وَقَضَى رَبُّك أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ).
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالتَّنْفِيذِ أَنَّ التَّنْفِيذَ يَأْتِي بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءُ سَبَبٌ لَهُ
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
يَجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ، أَوِ الْوَرَثَةِ تَنْفِيذُ وَصَايَا الْمَيِّتِ بِشُرُوطِهَا، وَعَلَى الْحَاكِمِ، أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ تَنْفِيذُ الْعُقُوبَاتِ عَلَى مَنْ حُكِمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَنِ الْتَزَمَ حُقُوقًا مَالِيَّةً بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ أَلْزَمَهُ الشَّارِعُ حَقًّا تَنْفِيذُ مَا لَزِمَهُ مِنْ حُقُوقٍ، وَعَلَى الْحَاكِمِ التَّنْفِيذُ جَبْرًا عَلَى مَنِ امْتَنَعَ عَنِ التَّنْفِيذِ طَوْعًا إذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَقَّهُ.
مَنْ يَمْلِكُ التَّنْفِيذَ:
يَخْتَلِفُ مَنْ لَهُ سُلْطَةُ التَّنْفِيذِ بِاخْتِلاَفِ الْحَقِّ الْمُرَادِ تَنْفِيذُهُ:
فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ الْمُنَفَّذُ عُقُوبَةً كَالْحَدِّ، وَالتَّعَازِيرِ وَالْقِصَاصِ، فَلاَ يَجُوزُ تَنْفِيذُهُ إلاَّ بِإِذْنٍ مِنَ الإْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. لأِنَّ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى الاِجْتِهَادِ، وَالْحَيْطَةِ، وَلاَ يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ وَالْخَطَأُ، فَوَجَبَ تَفْوِيضُهُ إلَى نَائِبِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ؛ وَلأِنَّهُ «صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ»، وَكَذَا خُلَفَاؤُهُ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِيفَاءٌ).
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، تَنْفِيذُ الْعُقُوبَةِ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ لأَِنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْكُلُّ مَأْمُورٌ بِهِ.
أَمَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ الْمُنَفَّذُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَالِيَّةِ، فَالتَّنْفِيذُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَإِذَا امْتَنَعَ بِلاَ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ نَفَّذَهُ الْحَاكِمُ بِقُوَّةِ الْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (اسْتِيفَاءٌ - وَحِسْبَةٌ).
الأْمْرُ بِتَنْفِيذِ حُكْمِ الْقَاضِي:
إذَا طُلِبَ مِنَ الْقَاضِي تَنْفِيذُ حُكْمٍ أَصْدَرَهُ هُوَ نَفَّذَهُ وُجُوبًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ إذَا كَانَ ذَاكِرًا أَنَّهُ حُكْمُهُ. أَمَّا إذَا نَسِيَ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ أَنَّهُ حُكْمُهُ، فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ تَنْفِيذِهِ لِمَا حَكَمَ بِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ تَنْفِيذُهُ حَتَّى يَتَذَكَّرَ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَنَّهُ حُكْمُهُ، أَوْ رَأَى وَرَقَةً فِيهَا أَنَّهُ حُكْمُهُ؛ لأِنَّهُ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْعِلْمِ وَالإْحَاطَةِ بِالتَّذَكُّرِ فَلاَ يَرْجِعُ إلَى الظَّنِّ؛ وَلإِمْكَانِ التَّزْوِيرِ فِي الْخَطِّ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَنَّهُ حُكْمُهُ لَزِمَهُ قَبُولُهَا، وَإِمْضَاءُ الْحُكْمِ، وَقَالُوا: لأِنَّهُ لَوْ شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمِ غَيْرِهِ قُبِلَ، فَكَذَلِكَ هُنَا.