المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 23 لسنة 1992 : يشهد الواقع العملي تزايداً متتابعاً في منازعات الحيازة سواء تلك التي تتعلق بأرض زراعية أو مباني. ضاعفت من أهميتها حدة أزمة الإسكان، وتبلغ هذه المنازعات درجة الجريمة الجنائية في بعض الأحيان وتتوقف عند حدود النزاع المدني فقط في أحيان أخري، وكانت هذه المنازعات وتلك تعرض علي النيابة العامة وتصدر فيها قرارات وقتية بمنح الحيازة لأحد المتنازعين أو ترك الأمر علي ما هو عليه وعلى الطرف المتضرر من قرارها أن يلج سبيل التقاضي أمام المحاكم للتظلم منه ، وقد ثار الخلاف في شأن تحديد المحكمة المختصة بنظر التظلم من قرار النيابة في هذا الشأن إستتباعاً للجدل حول تحديد ماهية هذا القرار، وهل هو قرار إداري فيختص بنظر التظلم منه جهة القضاء الإداري أم هو قرار قضائي يندرج تحت ولاية جهة القضاء العادي، وقد أخذت بعض المحاكم بالرأي الأول وأخذ البعض الآخر بالرأي الثاني واتجه رأي ثالث اعتنقه تیار في الفقه إلي أن قرار النيابة الوقتي المتعلق بالحيازة إذا كان صادر في شأن منازعة تشكل جريمة من جرائم انتهاك حرمة ملك الغير فهو قرار قضائي لا تختص جهة القضاء الإداري بنظر التظلم المرفوع عنه باعتبار أن القرارات التي تصدرها النيابة العامة بوصفها أميناً على الدعوى العمومية هي قرارات قضائية تخرج عن اختصاص مجلس الدولة، أما إذا كان قرار النيابة العامة الوقتي سالف الذكر صادرة في شأن منازعة لا تشكل جريمة فأنه يعتبر من قبيل القرارات الادارية مما يختص معه مجلس الدولة دون القضاء العادي بنظر التظلم منه ، وإزاء هذه الآراء المتعددة في شأن تحديد الجهة المختصة بنظر التظلم من قرار النيابة العامة في شأن الحيازة، فقد أضحي الناس في حيرة من أمرهم عندما يرغبون في رفع تظلماتهم من تلك القرارت ، وعندما استشعر المشرع خطر ما آل إليه الواقع أصدر القانون رقم 29 لسنة 1982 الذي استحدث به المادة 373 مکرراً من قانون العقوبات ولكنه لم يتناول بالعلاج إلا جانب جزئي يتعلق بحالة جدية الاتهام بجريمة، وقد كشف التطبيق العملي لهذه المادة منذ صدورها عن صعوبات كثيرة جعلت مسألة التظلم من قرارات الحيازة أكثر عسراً مما كانت عليه قبل صدورها، فأصبح من المتعين علي النيابة أن تحجب نفسها عن اصدار قرارات وقتية في شأن منازعات الحيازة المدنية البحتة التي لا تثير شبهة جريمة من جرائم انتهاك حرمة ملك الغير مع أن هذه المنازعات في كثير من الأحيان تكون مشتعلة بين أطرافها إلي حد يوشك أن ينتقل بها إلي نطاق الجريمة إذا تركت دون حل وقتي عاجل، كما أن المشرع لم يحسم الخلاف الذي ثار بين جهتي القضاء الإداري والقضاء العادي حول تحديد الجهة المختصة منهما بنظر التظلم من قرار النيابة الوقتي حول الحيازة إذا صدر في منازعة مدنية بحتة ليست فيها شبهة اتهام جنائي، لهذه الاعتبارات مجتمعة ، فقد عالج المشروع الأمر علي وجه يحسم الخلاف في شأن هذه المسائل ويسهل الأمر علي القضاة والمتنازعين في جلاء ووضوح، فوضع تنظيماً جديداً لمنازعات الحيازة يكون مجاله قانون المرافعات المدنية والتجارية فنص في المادة الرابعة منه على إضافة مادة جديدة إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية برقم 44 مكرراً أوجب فيها علي النيابة العامة متي عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة أن تصدر فيها قراراً وقتياً واجب التنفيذ فوراً، سواء كانت مدنية بحتة أو جنائية، فشمل ذلك كافة منازعات الحيازة المدنية والجنائية ، وأوكل صدور هذا القرار الذي يصدر بعد سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة إلي عضو من أعضاء النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة علي الأقل وذلك حتى يكون لمصدر القرار الخبرة والدراية اللازمة لما تتسم به هذه المنازعات من أهمية خاصة، ولا يمنع صدور هذا القرار المؤقت النيابة العامة من المبادرة إلى رفع الدعوي الجنائية، إذا شكلت هذه المنازعة جريمة من الجرائم وأوجب إعلان هذا القرار لذوي الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، الذين يكون لهم التظلم منه أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة بدعوي ترفع بالإجراءت المعتادة لرفع الدعوي في ميعاد لا يتجاوز خمسة عشر يوما من يوم إعلانه به بحسبان أن القرار أن صدر من النيابة العامة في شأن منازعة جنائية فهو يتصل بجريمة من الجرائم تدخل في اختصاص جهة القضاء العادي ، كما أن القرار إذا صدر من النيابة العامة في شأن منازعة غير جنائية فإن جهة القضاء العادي هي الأحق بنظر التظلم منه علي اعتبار أن الحيازة متفرعة عن الملكية التي هي رأس المنازعات المدنية وتصدر فيه المحكمة حكمة وقتياً أما بتأييد القرار أو بتعديله أو بالغائه، وبديهي أنه لا يمنع صدور الحكم في التظلم من رفع أية دعاوي سواء كانت مدنية أو جنائية، متعلقة بالحيازة أو أصل الحق، وهكذا فقد حسم المشروع النقاش الذي دار بين جهتي القضاء العادي والاداري وجعله من اختصاص الجهة الأولي سواء كان قرار الحيازة الصادر من النيابة العامة مدنياً أو جنائياً.
كما أجازت هذه المادة للقاضي أن يوقف قرار النيابة لحين الفصل في التظلم وقد اقتضى التعديل السالف إلغاء المادة 373 مكرراً من قانون العقوبات، ونصت علي هذا لإلغاء المادة العاشرة من المشروع.
1ـ النص فى المادة 44 مكرراً من قانون المرافعات المضافة بالقانون رقم 23 لسنة 1992 على أن " يجب على النيابة العامة متى عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة ، مدنية كانت أو جنائية ، أن تصدر فيها قراراً وقتياً مسبباً واجب التنفيذ فوراً بعد سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة ويصدر القرار المشار إليه من عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة على الأقل . وعلى النيابة العامة إعلان هذا القرار لذوى الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره . وفى جميع الأحوال يكون التظلم من هذا القرار لكل ذى شأن أمام القاضى المختص بالأمور المستعجلة بدعوى ترفع بالإجراءات المعتادة فى ميعاد خمسة عشر يوماً من يوم إعلانه بالقرار ، ويحكم القاضى بحكم وقتى بتأييد القرار أو بتعديله أو بإلغائه ، وله بناء على طلب المتظلم أن يوقف تنفيذ القرار المتظلم منه إلى أن يفصل فى التظلم " يدل - وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه - أن المشرع عندما وضع التنظيم الجديد لمنازعات الحيازة قد ارتأى أن يكون اختصاص النيابة العامة فى هذا الخصوص شاملاً كافة منازعات الحيازة سواء كانت المنازعة مدنية بحته أو تضمنت عدوانا على حيازة مما يجرمه القانون وأوجب على النيابة العامة متى عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة أن تصدر فيها قراراً وقتياً واجب التنفيذ وأوكل صدور القرار بشأنها إلى عضو من أعضاء النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل وذلك حتى يكون لمصدر القرار الخبرة والدراية اللازمة لما تتسم به هذه المنازعات من أهمية خاصة .
(الطعن رقم 1810 لسنة 78 جلسة 2008/05/24 س 59 ص 585 ق 103)
2 ـ إذ كان البين من طلبات المطعون ضدهما أنهما يبغيان الحكم برد حيازتهما لقطعة الأرض موضوع النزاع، ومنع تعرض الطاعنة لهما فى هذه الحيازة، ولا يقصدان التظلم من القرار الوقتي الذي أصدرته النيابة العامة برد حيازة تلك الأرض للطاعنة حتى يسوغ القول باختصاص قاضى الأمور المستعجلة بنظر الدعوى ووجوب رفعها خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إعلان القرار المتظلم منه للمتظلم طبقا لما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 44 مكرراً من قانون المرافعات، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحاً فيما قضى به ضمنا فى مسألة الاختصاص ( الاختصاص النوعي للقضاء العادي ).
(الطعن رقم 2369 لسنة 68 جلسة 1999/11/30 س 50 ع 2 ص 1184 ق 232)
الحيازة محل حماية النيابة العامة :
لم يحدد المشرع ماهية الحيازة التي تملك النيابة العامة سلطة حمايتها وفقاً لنص المادة 44 مكرر مرافعات ، كما لم يبين شروطها أو أوصافها.
ومن المعروف - كما قدمنا - أن المشرع المصري يعرف نوعين من الحيازة : الحيازة المادية والحيازة القانونية ولأن المادة 44 مكرر لم تشترط لإعمالها توافر حيازة قانونية ، فيجب تفسير النص بأن حماية النيابة العامة تمتد إلى كل من النوعين ، فيكفى توافر الحيازة المادية . وتتوافر الحيازة المادية ، بالأعمال المادية التي يقوم بها عادة صاحب الحق ، كزراعة الأرض الزراعية أو تسوير الأرض الفضاء أو سكني المنزل . ويمكن أن تتم هذه الأعمال بواسطة الحائز نفسه ، أو بواسطة غيره ممن يأتمر بأمره أو يعمل لحسابه كأحد أولاده أو من يعهد إليه الحائز بحراسة أرضه أو بالقيام بأي عمل فيها.
ويرى البعض أنه لا يلزم توافر الحيازة المادية، فتكفي «الحيازة الفعلية» «أي السيطرة المادية على الشيء» والصحيح أن المشرع المصري المدني لا يعرف - على خلاف المشرع الجنائي - ما يسمى بالحيازة الفعلية كحيازة مختلفة عن الحيازة المادية . ولهذا ، فإنه لا يحمي بالمادة 44 مكرر الحيازة الفعلية أي «السيطرة المادية على الشيء» ما لم تكن هذه الحيازة تتمثل في الأعمال المادية التي يقوم بها عادة صاحب الحق . أي ما لم تتوافر الحيازة المادية بالمعنى الصحيح.
والقول بغير ذلك ، يسمح لأي مقاول ، يقوم بأعمال بياض أو نقاشة أو نجارة أو سباكة في شقة أو يقوم بتركيب معدات ري في أرض تسلمها من حائزها للقيام بتلك الأعمال ، بالإمتناع عن الخروج منها . ويكون على النيابة العامة إصدار قرار لصالحه إذ له السيطرة الفعلية على الشيء عند وقوع النزاع . كذلك لو صح ذلك الرأي ، لوجب على النيابة العامة حماية الحيازة الفعلية للحارس أو للعامل إذ لكل منهما حيازة فعلية ، وهي نتائج خطيرة تؤدي إلى خلخلة الأمن الاجتماعي . ولا يتصور أن يكون المشرع قد قصد إليها . فمثل هؤلاء ليس لهم حيازة مادية بالمعنى الذي يعرفه القانون ، وهي وحدها الحيازة التي تستحق حماية القانون . أما ما يتوافر لكل من هؤلاء فهو مجرد الإحراز ، وليست الحيازة المادية بالمعنى الصحيح.
وهذا المعنى المتقدم هو ما فهمته تماما بعض أحكام القضاء . ففي نزاع على الحيازة بين شركة مالكة وشركة متعاقدة معها على توريد وتركيب محطة تحلية مياه بحر ، حصلت الشركة الأخيرة على قرار من المحامي العام بتمكينها من حيازة المحطة التي تركب المعدات بها على أساس حيازتها الفعلية لها ، فتظلمت الشركة الأولى من هذا القرار . فقضت المحكمة بإلغاء قرار المحامي العام وتمكين الشركة المتظلمة من المحطة باعتبارها الحائزة لها.
وتأييد الحكم في الاستئناف.
أوصاف الحيازة محل حماية النيابة العامة : يجب أن تتوافر في الحيازة المادية التي تحميها النيابة العامة أوصاف الحيازة التي يحميها القانون بدعاوى الحيازة ، أي أن تكون حيازة هادئة وظاهرة ومستمرة وذلك بالمعاني التي سبق بيانها عند إيضاح أوصاف الحيازة محل الحماية بدعاوى الحيازة . على أنه يلاحظ أنه لا يشترط أن تستمر الحيازة لمدة عام إذ القانون لم يشترط هذا الشرط بالنسبة لحماية الحيازة بواسطة النيابة العامة . ويقع على عاتق طالب الحماية إثبات توافر الحيازة المادية له . ويكون له هذا بكافة طرق الإثبات . وإذا ثبتت الحيازة المادية فالأصل أنه قد توافرت فيها الأوصاف التي يجب أن تتصف بها ما لم يثبت الطرف الآخر العكس.
وتقوم النيابة العامة بحماية الحيازة المادية ولو كان الحائز المادي ليس هو صاحب الحق الموضوعي ، أو لم تتوافر له الحيازة القانونية . ذلك أن حماية الحيازة المادية بواسطة النيابة مردها ضرورة إحترام الوضع الظاهر حماية للأمن والنظام العام.
شمول حماية النيابة حيازة العقار والمنقول : حالات المادة 44 مكرر مرافعات محل المادة 373 مكرر عقوبات المتعلقة بجرائم إغتصاب العقارات ، وقد أوردها المشرع بعد نص المادة 44 مرافعات المنظم لدعاوى حيازة العقار ، بما قد يوحي بأن النص الجديد خاص بحماية حيازة العقار.
ومع ذلك فإننا نرى أن سلطة النيابة العامة تشمل المنازعة حول الحيازة سواء كان الشيء محل الحيازة عقاراً أو منقولاً ذلك أن نص المادة 44 مکرر نص عام ، ولا يجوز تخصيصه دون مخصص . وإذا كان صحيحا أن حيازة المنقول تختلط بملكيته ، إذ الحيازة في المنقول سند الحق، كما أن سلب حيازة المنقول يكون جريمة جنائية تكفي العقوبة المقررة لها لحماية مالك المنقول ، إلا أنه يتصور عدم توافر عناصر الجريمة ، كما أنه قد يثور نزاع حول حيازة المنقول مستقلاً عن النزاع عن الملكية . كما لو قام مالك سيارة بغصب سيارته من مستأجرها الذي يحوزها ، قبل نهاية عقد الإيجار ؛ أو قام أحد ورثة مالك سيارة بغصب السيارة معتدياً على حيازة من إستمر في حيازتها بعد وفاة المورث.
على أنه يلاحظ أنه إذا كان للنيابة أن تحمي حيازة العقار أو المنقول ، فليس لها أن تصدر قراراً بحماية العقار بالتخصيص ، بما يؤدي إلى فصله عن العقار المخصص لخدمته . فإذا خصص مالك العقار منقولاً لخدمته ، أصبح هذا المنقول عقارا بالتخصيص ، ويجب أن يخضع لنفس الوضع القانوني الذي يخضع له العقار المخصص لخدمته . فمن يحوز العقار بطبيعته حيازة مادية يعتبر حائزاً للمنقولات المملوكة لمالك العقار والمخصصة لخدمته ، ولو كانت الحيازة المادية لهذه المنقولات لشخص آخر . ولهذا فإنه لا يجوز للنيابة العامة أن تصدر قراراً بشأن حيازة العقار بالتخصيص مختلفاً أو مستقلاً بحيث تخول حيازته لغير من يحوز العقار بطبيعته . إذ مثل هذا القرار يؤدي إلى هدم نظام العقارات بالتخصيص ، ومنع تحقيق الهدف الإقتصادي من هذا النظام وهو تمكين مالك العقار بطبيعته من الإنتفاع بالمنقولات التي يملكها والتي رصدها لخدمة العقار.
الإعتداء المبرر لحماية النيابة العامة : لكي تصدر النيابة العامة قراراً بشأن الحيازة ، يجب - وفقاً لما تنص عليه المادة 44 مكرر مرافعات - أن تكون هناك « منازعة » من منازعات الحيازة . فيلزم لتدخل النيابة أن يدعى الحائز المادي أن إعتداء قد وقع على حيازته ، وأن تتحقق النيابة من توافر هذا الإعتداء . ويجب أن يكون هذا الإعتداء إعتداء مادياً ، أي تعرضاً مادياً لحيازة الحائز . فمجرد التعرض القانوني للحائز المادي لا يكفي لتدخل النيابة العامة .
ومن ناحية أخرى ، فإن الإعتداء المادي يجب أن يكون إعتداء حالاً .
فالإعتداء المحتمل غير كاف إلا إذا كان اعتداء محدقاً بالحيازة ، ويراد من النيابة العامة إتخاذ إجراء وقتي لمنع وقوع هذا الاعتداء .
والمقصود بالاعتداء المادي كل واقعة مادية تتضمن إدعاء يتعارض مع حيازة الحائز فمجرد دخول شخص إلى حديقة الغير وسرقة بعض ثمار أشجارها لا يعتبر إعتداء على حيازته ، ولا يستدعي تطبيق المادة 44 مكرر مرافعات . ويستوي في تكوين الإعتداء أن يكون التعرض المادي ضارا بالحائز أم غير ضار به ، بل هو يعتبر تعرضاً لحيازته ولو كان مفيداً له.
ولا يلزم أن يصل التعرض المادي إلى حد سلب الحيازة فالمشرع لم يوجب أن يبلغ التعرض هذا الحد.
ويكون التعرض المادي - بالمعنى سالف الذكر - موجبا لحماية الحيازة من النيابة العامة ، ولو صدر التعرض من صاحب الحق الموضوعي . فالنيابة العامة تحمي الحيازة المادية ولو كان المعتدي هو المالك ، إذ كونه صاحب حق لا يجيز له الإعتداء على الحيازة ، وإلا جاز لكل صاحب حق إقتضاء حقه بنفسه.
ولأن النيابة العامة تحمي الحائز المادي ، فإنه يتصور أن يقع الإعتداء على حيازته ليس فقط من الغير وإنما أيضاً من الحائز القانوني لنفس المال . كما لو كان هناك مستأجر قد تسلم العين المؤجرة ، وحدثت المنازعة على الحيازة من المؤجر مالك العين . ونرى أنه يجب الأخذ هنا بنفس التفرقة التي سبق بيانها عند الكلام عن دعاوى الحيازة . فيجب التفرقة بين ما إذا كان الحائز المادي يحوز لحساب الحائز القانوني أم يحوز لحساب نفسه . في الحالة الأولى ، كما في حالة الوكيل الذي يحوز نيابة عن موكله ، أو الحارس الذي يحوز نيابة عن صاحب المال ، فإن النيابة العامة لا تمنح حمايتها للحائز المادي وإنما تمنح حمايتها للحائز القانوني إذ تكون الحيازة المادية لحسابه.
وعلى العكس ، إذا كان الحائز المادي يحوز لحساب نفسه كالمستأجر أو المرتهن رهناً حيازياً فإنه يستحق حماية حيازته ولو في مواجهة الحائز القانوني ، إذ الحيازة المادية لا تكون لحسابه . فالحائز المادي يحوز لحساب نفسه .
وتقوم النيابة العامة بحماية الحيازة ، سواء كان الاعتداء مكونة لجريمة أم لا . فوفقاً لنص المادة 44 مكرر تصدر النيابة العامة قراراً بشأن المنازعة في الحيازة سواء كانت «منازعة مدنية أو منازعة جنائية». وهو تعبير غير دقيق ذلك أن المنازعة على الحيازة لا تكون إلا مدنية ونص المادة 44 مكرر إنما ينظم سلطة النيابة في إصدار قرار وقتی بالنسبة للمنازعة المدنية على الحيازة . أما إذا كان الإعتداء على الحيازة مكوناً في نفس الوقت لجريمة ، فإن النيابة تتصرف في هذا الإعتداء بموجب سلطتها المقررة في قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية وهي سلطة مختلفة تماماً عن سلطتها المقررة في المادة 44 مكرر مرافعات .
وإذا لم يتوافر إعتداء على الحيازة بالمعنى سالف الذكر ، أو لم یکن النزاع متعلقاً بالحيازة وإنما بالحق الموضوعي ، فإن النيابة العامة لا تصدر قراراً في الحيازة ، وإنما تصدر قراراً بحفظ الشكوى . وهذا القرار لا يصدر إعمالاً لسلطة النيابة وفقاً للمادة 44 مكرر . ولهذا يجوز التظلم منه - شأنه شأن سائر قرارات النيابة العامة - إلى الجهة الرئاسية حتى النائب العام .
قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق قبل اصدار قرارها : وفقاً للمادة 44 مكرر لا يجوز للنيابة العامة أن تصدر قرارها في الحيازة إلا بعد سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة . ولا يشترط أن يتم سماع أطراف النزاع بواسطة النيابة العامة فيمكن أن يتم ذلك بواسطة من تكلفه من رجال الشرطة ، ويجب أن يمكن الطرفان من تقديم شهودهما وما لديهما من مستندات . وللنيابة في سبيل تحقيق الشكوى أن تقوم أو أن تأمر - ولو من تلقاء نفسها - بأي إجراء من إجراءات الإثبات كأن تنتقل للمعاينة أو تأمر بسماع شهود مجاورين لمحل النزاع ممن لم يطلب الطرفان سماعهم ، أو أن تطلب تحريات من الشرطة.
ويجب أن تنحصر تحقيقات النيابة العامة في العناصر اللازمة لإصدار قرارها . فتتحقق فيمن تتوافر لديه الحيازة المادية بأوصافها للمال محل المنازعة ، وذلك دون نظر إلى توافر الحيازة القانونية أو الحق الموضوعي ، كما تتحقق من الإعتداء على هذه الحيازة ونوع هذا الإعتداء ومداه ومصدره.
ولا يجب أن يقوم بهذه التحقيقات عضو نيابة من درجة معينة ، فيمكن أن يتولاها عضو نيابة أياً كانت درجته أو وظيفته .
على أنه يشترط لصحة التحقيقات توافر الإختصاص المحلي للنيابة العامة التي تتولاها . ويتحدد هذا الإختصاص بموقع المال الذي ثار النزاع حول حيازته بصرف النظر عن موطن أو محل إقامة أي من الطرفين المتنازعين.
عضو النيابة المختص بإصدار القرار : أوجبت المادة 44 مكرر صدور قرار النيابة العامة بشأن الحيازة «من عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة على الأقل» . وذلك حتى يكون لمصدر القرار الخبرة والدراية اللازمة لما تتسم به هذه المنازعات من أهمية خاصة».
ومع ذلك ، وحرصاً على تخويل ضمانة إضافية لأطراف النزاع ، أصدر النائب العام كتاباً دورياً برقم 15 لسنة 1992، أوجب فيه صدور القرار من المحامي العام المختص ؛ كما أوجب على المحامي العام أن يستطلع رأي المحامي العام الأول في منازعات الحيازة الهامة.
ولأن النائب العام لا يجوز له أن يعدل حكم القانون أو يضيف إليه ، فإن قرار النائب العام في هذا الشأن له صفة تنظيمية . ولهذا ، فإن القرار الصادر بشأن منازعة الحيازة يكون صحيحاً لو صدر من عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة ، أو من عضو نيابة بدرجة أعلى من محام عام كما لو صدر من محام عام أول أو من النائب العام المساعد أو من النائب العام نفسه .أما إذا صدر القرار من عضو نيابة بدرجة أقل من رئيس نيابة ، فإنه يكون قراراً باطلاً . وهو بطلان يتعلق بالنظام العام إذ هو يخالف قاعدة اختصاص وظيفي.
وإذا صدر القرار ممن له سلطة إصداره . فليس لأحد من رؤسائه في النيابة ، ولو كان النائب العام ، أن يعدله أو يلغيه ، سواء من تلقاء نفسه أو بناء على تظلم ممن صدر ضده القرار . ولأن التحقيقات التي تسبق إصدار القرار تجريها النيابة الجزئية وترفعها مشفوعة بالرأي إلى الرئاسة التي تتبعها ، فإنه يجب ملاحظة أن مجرد إبداء الرأي من عضو النيابة المحقق لا يعتبر قراراً . كذلك لا يعتبر قراراً مجرد تأشيرة رئيس نيابة أو محام عام على مذكرة النيابة الجزئية إلا إذا كانت هذه التأشيرة الأخيرة بالموافقة.
إصدار القرار : تعرض منازعة الحيازة على النيابة العامة في صورة شكوى أو بلاغ من المعتدى عليه يقدم إليها مباشرة أو يقدم إلى الشرطة ويحول إليها ، كما يجوز أن يعرض الأمر عليها من الشرطة مباشرة دون شكوى أو بلاغ من المعتدي عليه . ولم تنص المادة 44 مكرر على شكل خاص يصدر فيه قرار النيابة العامة فيصدر القرار على النحو الذي تصدر به قرارات النيابة العامة في مباشرتها لسلطتها . على أنه يجب ملاحظة أن المادة 44 مكرر توجب أن يكون قرار النيابة في منازعة الحيازة «مسبباً» . فيجب أن يشتمل القرار على أسباب تبرره وأن تكون أسبابه كافية غير مشوبة بالقصور . فيبين القرار بإيجاز وقائع النزاع ودفاع أطرافه الجوهري وما ثبت من وقائع ، والأدلة التي يستند إليها هذا الثبوت ، ويستخلص من هذه الوقائع استخلاصاً سائغاً من تتوافر له الحيازة المادية ومن هو المعتدى على هذه الحيازة ، ثم يبين الأسانيد القانونية التي يستند إليها فيما إنتهى إليه من قرار . فإذا لم يشتمل القرار على أسبابه ، أو كانت أسبابه الواقعية قاصرة ، كان باطلاً.
ولم تحدد المادة 44 مكرر مرافعات مضمون قرار النيابة العامة ، فقد اكتفت بالنص على أنه إذا عرضت على النيابة العامة منازعة من منازعات الحيازة . فإنها تصدر قراراً فيها . وذلك دون تحديد مضمون هذا القرار ولهذا فإن النيابة تكون لها سلطة واسعة في تحديد مضمون القرار بما يحقق الحماية اللازمة ، على أن تأخذ في اعتبارها أن القرار الذي تصدره هو قرار وقتی .
فيجوز للنيابة أن تصدر قراراً باستمرار حيازة الحائز ومنع تعرض المعتدى ، أو بتمكين من فقد حيازته من الحيازة ورد الحيازة التي فقدها إليه ، أو بتمكين الطرفين من الحيازة المشتركة لمحل النزاع . ويمكن أن يصدر القرار لصالح مقدم الشكوى أو البلاغ أو ضده .
تكييف قرار النيابة العامة بحماية الحيازة : تباشر النيابة بالنسبة لمنازعات الحيازة سلطة معينة حددتها المادة 44 مكرر مرافعات . فهي تصدر قراراً وقتياً في الحيازة : فما هي الطبيعة القانونية لهذا القرار ؟
1- ذهب رأي إلى أن نص المادة 44 مكرر «يخلع على النيابة العامة - إستثناءً - إختصاصاً بتولي الفصل قضائية فيما يعرض عليها من منازعات الحيازة» .. فهو «فصل قضائي في منازعة» . وهذا الرأي في تقديرنا محل نظر ، فالنيابة العامة - وفقاً للمادة 44 مكرر - تصدر بشأن الحيازة «قراراً وقتياً» ، فالقانون لم يخولها سلطة الفصل في المنازعة. والقرار الوقتی بطبيعته ليس قراراً فاصلاً في منازعة ولو صدر من المحكمة .
ولا يكفي سندا لهذا الرأي ما يقوله أنصاره من أن نص المادة 44 مكرر قد ورد في الفصل المنظم للاختصاص النوعى للمحاكم مما يعني أنه يخلع على النيابة العامة سلطة قضائية ، وأن النص قد إستوجب أن يكون القرار مسبباً وهو ما يعطيه الصفة القضائية . ذلك أن النص قد ورد بعد المادة 44 مرافعات التي تنظم عدم الجمع بين دعاوى الحق ودعاوى الحيازة ، وهي مادة لا تنظم أية قاعدة من قواعد الإختصاص القضائي . أما وجوب التسبيب فهو ليس سمة من سمات العمل القضائي وحده . فالقرار الإدارى هو الآخر يجب أن يشتمل على أسبابه المبررة له وإلا كان باطلاً . كما أن هناك بعض الأحكام القضائية لا يلزم تسبيبها .
والحقيقة أنه لم يدر بخلد واضعي مشروع نص المادة 44 مكرر مرافعات تخويل النيابة العامة سلطة إصدار قضاء في المنازعة . وهو ما يتضح ليس فقط من المذكرة الإيضاحية وإنما من نفس صياغة النص . فقد تجنب النص إستخدام كلمة «تقضي» أو عبارة تصدر حكماً ، مما قد يوحي بأننا بصدد قضاء ، بل إستخدم عبارة «تصدر قراراً» . كما تجنب النص وصف النعي على قرار النيابة بأنه طعن بل استخدام إصطلاح تظلم . وهو اصطلاح لا يستخدمه المشرع بالنسبة للنعي على أحكام القضاء .
وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا الطبيعة غير القضائية لقرار النيابة العامة بحماية الحيازة المادية مقررة أن قرار النيابة العامة هو إجراء أولي مؤقت له طبيعة تحفظية . وهو قرار لا يستقر إلا بتأييده بعد التظلم منه ، وقرار الجهة القضائية في التظلم هو وحده الذي يعتبر عملاً قضائياً صادراً في حدود ولايتها القضائية في مجال رقابتها لأوامر النيابة العامة الصادرة في منازعات الحيازة .
2- وذهب رأي آخر إلى أن قرار النيابة العامة بشأن الحيازة هو قرار إداري تصدره النيابة العامة معاونة منها للضبطية الإدارية . وهذا ما قررته المحكمة الإدارية العليا في أكثر من حكم لها .
وفي تقديرنا أن قرار النيابة العامة بشأن الحيازة ليس قراراً إدارياً بالمعنى المعروف للقرار الإداري . ذلك أن القرار الإداري بتعريفه هو قرار تصدره السلطة الإدارية في قيامها بوظيفتها الإدارية ويهدف أساساً إلى تحقيق مصلحة الإدارة ويطبق قاعدة قانونية موجهة إلى جهة الإدارة . وقرار النيابة العامة بمنح حماية وقتية للحيازة ليس كذلك ، ولأن قرار النيابة هنا ليس قرارة إدارية ، فإن من يصدر ضده القرار عندما يتظلم منه لا يختصم المحامي العام مصدر القرار . وهو ما كان يجب عليه إذا كان يرفع تظلما من قرار إداري .
ولأن قرار النيابة العامة في منازعات الحيازة ليس عملاً قضائياً يفصل في خصومة ، كما أنه ليس قراراً إدارياً بالمعنى الصحيح ، فإنه لا يخضع القواعد القانونية التي تحكم العمل القضائي . أو لتلك التي تخضع لها القرارات الإدارية . فلأنه ليس عملاً قضائياً ، لا يحوز حجية الأمر المقضى . ولأنه ليس عملاً إدارياً ، لا يجوز لرئيس مصدر القرار أن يعدله أو يلغيه .
والواقع أن نص المادة 44 مكرر مرافعات يرمي إلى هدفين : (أ) إعطاء سند تشریعی لسلطة النيابة العامة التي كانت تباشرها قبل العمل بالقانون 29 لسنة 1982 دون سند تشریعی . وقد منعها القانون 29 لسنة 1982 من مباشرة هذه السلطة عندما قصر سلطة النيابة في إصدار قرار وقتی بشأن الحيازة على حالة توافر إحدى الجرائم التي أشارت إليها المادة 373 مكرر من ذلك القانون . فجاء القانون 23 لسنة 1992 ، ملغياً المادة 373 مكرر عقوبات ومخولاً للنيابة العامة السلطة في إصدار قرار بشأن منازعات الحيازة ولو لم تتوافر إحدى الجرائم.
(ب) حسم الخلاف حول الإختصاص بنظر التظلم من قرارات النيابة بشأن الحيازة ، وجعلها من سلطة القضاء العادي . ذلك أنه في غياب النص الخاص على ذلك ، كان الرأي الغالب هو أن التظلم من هذه القرارات من اختصاص جهة القضاء الإداري . وقد أراد المشرع أن يخول الإختصاص ينظر التظلم من هذه القرارات إلى القضاء المدني ، اعتباراً بأن «الحيازة متفرعة عن الملكية التي هي رأس المنازعات المدنية».
والواضح أن المشرع قد خول - في المادة 44 مكرر - للنيابة العامة للولاية إصدار قرارات وقتية في منازعات الحيازة باعتبارها أقدر من غيرها من السلطات في إصدار هذه القرارات الوقتية بمراعاة توافر الضمانات اللازمة لصحة وعدالة قراراتها . فهي أسرع من المحاكم في إصدار القرار الوقتى ، كما إنها أكثر توفيراً للضمانات لأطراف المنازعة من الشرطة .
وتعتبر سلطة النيابة العامة في هذا الشأن سلطة ذات طبيعة خاصة ، وما تصدره من قرارات في مباشرة سلطتها هذه تخضع للقواعد الخاصة التي تنص عليها المادة 44 مكرر مرافعات ، وتكملها القواعد القانونية المنظمة لعمل النيابة العامة بما لا يتعارض معها .
وجوب إعلان القرار : يجب على النيابة العامة أن تعلن قرارها في منازعة الحيازة «لذوي الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره» (44 مكرر مرافعات) . ولا يترتب على مخالفة هذا الميعاد بطلان أو سقوط ، إذ هو ميعاد تنظيمي . وإنما يترتب على عدم إحترام الميعاد أن يحسب ميعاد التظلم من القرار من تمام الإعلان .
ولأن هذا الإعلان يعتبر الواقعة التى يبدأ منها ميعاد قضائى هو ميعاد التظلم فى القرار ، فإن الإعلان يجب أن يتم على يد محضر بالإجراءات المعتادة لإعلان أوراق المحضرين التي ينص عليها قانون المرافعات . ويقصد بذوي الشأن ، الذين يجب إعلانهم ، المتنازعون على الحيازة التي صدر بشأنها قرار النيابة العامة .
فإذا تبينت النيابة عدم توافر منازعة على الحيازة وأصدرت قراراً بحفظ الشكوى ، فإنها لا تلتزم بإعلان هذا القرار إلى أحد .
التظلم من القرار : وفقاً للمادة 44 مكرر فقرة أخيرة «وفي جميع الأحوال يكون التظلم من هذا القرار لكل ذي شأن أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة بدعوى ترفع بالإجراءات المعتادة في ميعاد خمسة عشر يوماً من يوم إعلانه بالقرار . ويحكم القاضي في التظلم بحكم وقتي بتأييد القرار أو بتعديله أو بإلغائه . وله بناء على طلب المتظلم أن يوقف تنفيذ القرار المتظلم منه إلى أن يفصل في التظلم» .
وعلى هذا ، فإنه يجوز لكل ذي شأن سواء من صدر ضده القرار أو من أضر منه ، ولو لم يكن قد جرى سماعه في التحقيقات أو قدمت الشكوى النيابة ضده ، أن يتظلم من القرار . ويختصم المتظلم كل من صدر لصالحه القرار المتظلم منه . ولا يختصم النيابة العامة إذ الأمر لا يتعلق بقرار إداري.
ويرفع التظلم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى المستعجلة ، ويسرى عليه ما تنص عليه المادة 65 مرافعات وما بعدها من إجراءات خاصة برفع الدعوى وإعلانها .
ويجب أن يرفع التظلم خلال خمسة عشر يوماً من إعلان المتظلم بهذا القرار، وذلك سواء تم إعلان القرار بناء على طلب النيابة العامة أو بناء على طلب من صدر لصالحه القرار . ولا يبدأ الميعاد من صدور القرار ، ولو علم به المتظلم أو تسلم صورة منه من النيابة العامة ، أو أقر صراحة أو ضمناً بعلمه بالقرار . ولكن عدم بدء الميعاد لا يمنع من له صفة من التظلم من القرار قبل إعلانه به .
وإذا لم يرفع التظلم خلال الميعاد ، كان غير مقبول . وتقضي المحكمة بعدم قبوله من تلقاء نفسها .
وتختص بنظر التظلم المحكمة المختصة بالدعاوى المستعجلة وفقا للقواعد العامة . وهي محكمة الأمور المستعجلة داخل المدينة التي بها مقر المحكمة الكلية ، ومحكمة الأمور الجزئية خارج هذه المدينة ، ويمكن أن يرفع التظلم بطريق التبعية لدعوى حيازة موضوعية. مرفوعة بشأن نفس النزاع.
أما الإختصاص المحلى ، فإنه يكون للمحكمة التي يتبعها موطن أحد المدعى عليهم أو المحكمة المطلوب حصول الإجراء في دائرتها وفقاً للقواعد العامة (مادة 59 مرافعات) . ويسري على نظر التظلم القواعد العامة بالنسبة النظر الدعاوى المستعجلة ، من حيث شروط الدعوى وسلطة المحكمة في إصدار الحكم الوقتي .
وللمتظلم أن يطلب من القاضي المختص بنظر الدعوى الأمر بوقف التنفيذ مؤقتاً حتى يفصل في التظلم . ولا يشترط أن يرد هذا الطلب في نفس صحيفة الدعوى ، فيمكن أن يقدم بعد ذلك في صورة طلب عارض إلى القاضي . وإذا أصدر القاضي أمراً بوقف التنفيذ مؤقتاً حتى يفصل في التظلم . فإن هذا الأمر يكون واجب النفاذ فوراً ولا يقبل التظلم منه ، ولكن مصيره يكون معلقاً على الفصل في التظلم . وأياً كان قرار القاضي بالنسبة للأمر الوقتي ، فإنه لا يقيده عند الفصل في التظلم .
ويحكم القاضي في التظلم إما بتأييد القرار المتظلم منه أو بتعديله أو بإلغائه . ويكون الحكم في التظلم - باعتباره صادراً في مادة مستعجلة - قابلاً للإستئناف دائماً بصرف النظر عن قيمة المنازعة .
وأياً كان مضمون القرار ، فإنه لا يمنع ذي الشأن من رفع دعوى الحيازة الموضوعية ، أو دعوى مستعجلة لحماية حيازته ، كما لا يمنعه من رفع دعوى الحق .
تنفيذ قرار النيابة العامة : تنص المادة 44 مكرر على أن قرار النيابة العامة في منازعة الحيازة يكون «واجب التنفيذ فورا» . فهو واجب التنفيذ ولو كان ميعاد التظلم لم ينقض بعد ، أو كان قد رفع تظلم عنه ، ما لم يأمر قاضي التظلم بوقف التنفيذ مؤقتاً .
ولم يبين المشرع القواعد التي يخضع لها هذا التنفيذ ومن الذي يقوم به ، وكيفية المنازعة فيه إلى غير ذلك من المشاكل التي يثيرها التنفيذ الجبري . ولهذا اختلف الرأي في هذا الشأن:
1- يرى بعض الفقهاء أن قرار النيابة العامة يعتبر سندا تنفيذيا بالمعنى المفهوم في قانون المرافعات ، إعمالاً لنص المادة 280 مرافعات والتي تعتبر سندات تنفيذية «الأوراق الأخرى التي يعطيها القانون هذه الصفة» . وباعتبار أن المادة 44 مكرر مرافعات بنصها على أن قرار النيابة العامة في منازعة التنفيذ «واجب النفاذ فورا» قد اعتبرته من ضمن السندات التنفيذية في مفهوم المادة 280 مرافعات .
ويترتب على الأخذ بهذا الرأي ، أن تنفيذ قرار النيابة لا يتم إلا بعد إستخراج صورة تنفيذية منه وفقاً لأحكام قانون المرافعات ، وأنه يجب إعلان هذه الصورة وتكليف المدين بالوفاء قبل إجراء التنفيذ . كما يترتب على هذا الرأي أيضاً أن تنفيذ قرار النيابة العامة يتم بواسطة المحضرين ، وأنه يجوز رفع منازعة وقتية بطلب وقف التنفيذ وفقاً للمادة 312 مرافعات . كما يجوز رفع منازعة تنفيذ موضوعية .. وتخضع هذه المنازعات للإجراءات والقواعد التي ينص عليها القانون بالنسبة لمنازعات التنفيذ بصفة عامة وقتية كانت أو موضوعية . ويخضع تنفيذ قرار النيابة الإشراف قاضي التنفيذ الذي يختص أيضا بمنازعاته الوقتية والموضوعية ، شأن قرار النيابة في هذا شأن أي سند تنفيذي .
2- وفي رأينا أن قرار النيابة العامة لا يعتبر سندا تنفيذيا بالمعنی المفهوم في قانون المرافعات ، ولكنه قرار من النيابة العامة ينفذ بواسطة الشرطة كما تنفذ قرارات النيابة العامة في مباشرتها لسلطاتها ، دون حاجة إلى وضع صيغة تنفيذية على القرار أو إعلان هذه الصورة إلى المنفذ ضده قبل إجراء التنفيذ ، ودون أن يتم التنفيذ تحت إشراف قاضي التنفيذ ، أو يسمح بالمنازعة الوقتية أو الموضوعية فيه .
ولا يكفي النص على أن قرار النيابة «واجب النفاذ فورا» لإعطاء القرار صفة السند التنفيذي بالمفهوم الذي ينص عليه قانون المرافعات . فقرار النيابة العامة في شأن الحيازة واجب النفاذ فوراً شأنه شأن قرارات النيابة العامة الأخرى التي تصدرها في مباشرتها لسلطاتها التي خولها لها القانون . وقد حرص المشرع على النص على نفاذ القرار فوراً حتى لا يفهم أحد من إجازة التظلم منه أمام القاضي أن هذا التظلم يوقف تنفيذه .
والواقع أن إخضاع قرار النيابة العامة في شأن الحيازة لقواعد السندات التنفيذية التي ينظمها قانون المرافعات من شأنه تعطيل الهدف الذي أراده المشرع من تخويل النيابة العامة سلطة إصدار قرار وقتي في منازعة الحيازة . فهذا الهدف يقتضي ليس فقط إجراء سريعا ، بل أيضا تنفيذا سريعاً لا يعرقله مجرد رفع إشكال في التنفيذ .
وهذا الرأي هو الذي كان يجري عليه العمل قبل نص المادة 44 مكرر مرافعات ، سواء في ظل القانون 29 لسنة 1982 أو قبله . وهو الرأي الذي أخذت به محكمة النقض قبل نص المادة 44 مكرر مرافعات ، إذ قضت بأن المنازعات المتعلقة بتنفيذ قرارات النيابة العامة التي تصدرها في شكاوى وضع الحيازة وتأمر فيها بتمكين أحد الطرفين ومنع تعرض الآخر حتى يفصل القضاء المدني في النزاع لا تدخل في عداد منازعات التنفيذ طبقاً لنص المادة 275 مرافعات ، ولا تدخل في اختصاص قاضي التنفيذ لأن اختصاصه قاصر على المنازعات المتعلقة بسند تنفيذي يعطيه القانون هذه الصفة . ولا يمكن أن تكون المادة 44 مكرر مرافعات قد غيرت من طبيعة قرار النيابة العامة الذي تصدره بشأن الحيازة . ولا يكفي إيراد النص على سلطتها في إصدار هذا القرار ضمن مواد قانون المرافعات إلى تغيير طبيعته أو أحكامه . فالتكييف القانوني لعمل ما يستمد من كيانه الذاتي وليس من مجرد تقنينه بسند تشريعي أو من مجرد وضع النص عليه ضمن قانون معين .
وأياً كان الرأي الصائب في هذا الصدد ، فقد اختارت وزارة العدل حلولا أخذت بجانب من كل من الرأيين . وهي حلول لا يسندها تأصيل قانونی واحد ، ولا يستقيم قانوناً الأخذ بها معا.
وقد تضمن هذه الحلول كل من الكتاب الدوري رقم 15 لسنة 92 الصادر من النائب العام في أول أكتوبر 1992 وقد نص على أن «يتم إعلان القرار وتنفيذه وفقاً للأحكام المنصوص عليها في قانون المرافعات» . والكتاب الدورى رقم 6 لسنة 1992 محضرين الصادر 2/ 11/ 1992 من مساعد وزير العدل لشئون المحاكم . وجاء به: «ينبه على أقلام المحضرين بإتباع الآتي:
«.... ثانياً : تنفيذ القرارات الوقتية الصادرة من النيابة العامة في منازعات الحيازة المدنية أو الجنائية يقوم به المحضرون تطبيقاً للمادة 44 مکرراً من قانون المرافعات المضافة بالقانون رقم 23 لسنة 1992 ، على أن تذيل هذه القرارات بالصيغة التنفيذية المنصوص عليها في المادة 280/ 3 مرافعات .
ثالثاً : .... لا يعتبر الإشكال أثناء التنفيذ طريقاً للتظلم ولا يترتب عليه وقف التنفيذ . ولا يجوز في أي حال من الأحوال وقف تنفيذ القرار إلا بأمر من قاضي الأمور المستعجلة المختص بنظر التظلم» .
وعلى هذا ، فإن ما يجري عليه العمل في تنفيذ قرارات النيابة العامة في شأن الحيازة هي القواعد التالية :
1- لا ينفذ قرار النيابة العامة إلا بعد وضع صيغة تنفيذية عليه ، وفقا المادة 208/ 3 مرافعات شأنه شأن أي سند تنفيذي .
2- لا يصح التنفيذ إلا بعد إعلان الصورة التنفيذية إلى المنفذ ضده وتكليفه بالوفاء . ولا يجوز التنفيذ إلا بعد إنقضاء 24 ساعة على الأقل من هذا الإعلان .
3- يتم تنفيذ قرار النيابة بواسطة المحضرين ، تعاونهم الشرطة عند الاقتضاء وفقاً للقواعد العامة في تنفيذ السندات التنفيذية .
4- يجرى التنفيذ تحت إشراف قاضي التنفيذ . ولهذا يختص قاضى التنفيذ بنظر جميع العقبات المتعلقة بتنفيذ قرار النيابة العامة .
5- لا يجوز رفع إشكال بطلب وقف التنفيذ ، وإذا رفع فإنه لا يترتب على مجرد رفعه وقف التنفيذ . كما أنه ليس لقاضي التنفيذ أن يحكم مؤقتاً بوقف التنفيذ ، إذ لا اختصاص له بهذا الطلب . فالقاضي المختص بوقف التنفيذ مؤقتاً هو وحده قاضي الأمور المستعجلة عند نظره للتظلم من القرار ، بناء على طلب المتظلم ، إعمالاً لما تنص عليه المادة 44 مكرر مرافعات . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الأول ، الصفحة : 252 )
اختصاص النيابة العامة بمنازعات الحيازة : تنصرف منازعات الحيازة إلي كل عمل يعتبر تعرضا للحائز، وذلك بسلب حيازته أو التعرض له فيها بمنعه من دخول العقار الذي في حيازته أو منعه من الانتفاع به بأي وجه من أوجه التعرض، وقد تتحقق المنازعة عند البدء في أعمال يترتب على إكتمالها التعرض للحائز، مثال ذلك أن يكون للجار حق ارتفاق بالمطل أو بعدم البناء على عقار جاره ، فيبدأ مالك العقار المرتفق به في البناء بحيث إذا أكتمل البناء أدي إلي عدم انتفاع جاره بالمطل علي النحو الذي تطلبه القانون أو أدي إلي سده ، كما أن البدء في البناء يؤدي إلي المساس بارتفاق عدم البناء ويتحقق به التعرض للجار في حيازته لهذا الحق ولحق المطل، ومن ثم تكون له مصلحة قائمة في طلب إلزام جاره بوقف هذه الأعمال.
وتكون المنازعة جنائية إذا كان القانون يعاقب على العمل الذي نشأت عنه کدخول عقار بقصد منع حيازته بالقوة، وتكون مدنية في غير هذه الحالة کالمنازعة المتعلقة بمنع التعرض أو بوقف الإعمال الجديدة.
وسواء كانت المنازعة مدنية أو جنائية، فإن القضاء هو المختص بالتصدي لها عن طريق الدعوى الموضوعية التي لا يستند فيها المدعي إلي أصل الحق وإلا سقط ادعاؤه بالحيازة عملا بالمادة 44 من قانون المرافعات ، أو عن طريق الدعوى المستعجلة متى توافرت شروطها، ورغبة من المشرع في سرعة التصدي لمنازعات الحيازة، فقد أجاز للنيابة العامة أن تصدر قراراً مسبباً واجب التنفيذ فور صدوره حسماً لتلك المنازعات إلى أن تعرض على القضاء أن كان هناك وجه لذلك.
وتظل النيابة العامة مختصة حتى لو كان الشاكي سبق له رفع الدعوى المتعلقة بالمنازعة أمام للقضاء، سواء كانت دعوى مدنية موضوعية أو مستعجلة أو مباشرة أمام محكمة الجنح، لأن منع النيابة من إجراء التحقيقات في الدعاوي المطروحة على القضاء يقتصر على الدعاوى الجنائية عندما يقصد بالتحقيق اعداد الدليل، إذ طالما طرحت الدعوى الجنائية علي المحكمة كانت هي وحدها صاحبة الولاية في التحقيقات التي تجري في شأنها ولا يجوز لها ندب النيابة العامة أو تكليفها باجرائها وإلا كان الاجراء باطلاً .
ولا يسري ذلك بالنسبة للإجراء الذي تتخذه النيابة العامة سواء بالتحقيق أو بإصدار قرار في المنازعة المتعلقة بالحيازة، لأنها بذلك لا تتدخل في ولاية المحكمة ولا تسلب منها تلك الولاية لتعلق الاجراء بالمنازعة وتحديد من يقر القانون حيازته لتمكينه منها دون بحث لأركان الجريمة إلا في حالة إعداد أدلتها للتصرف فيها.
ومفاد ما تقدم، أن الشاكي إذا بادر برفع دعوي ثم حرر محضراً بالمنازعة، كان للنيابة إصدار قرار فيها واجب التنفيذ فور صدوره، ولا تحول الدعوى القائمة ولو كانت مستعجلة من التظلم منه، وحينئذ يجب ضم الدعويين للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، فإن لم يكن تنفيذ القرار قد تم ، جاز للمتظلم أن يطلب وقف تنفيذه إلي أن يفصل في التظلم، فإن كان قد تم ، فيتوقف مصيره على الفصل في التظلم أو في الدعوى.
وتصدر النيابة قرارها بابقاء الحال على ما هو عليه أو بتمكين الشاكي من عقار النزاع ومنع تعرض المشكو في حقه له مما يقتضي نزعه من حائزه ونقل حيازته للشاكي، ويجب أن يصدر القرار بما يتفق ونصوص القانون، فإن كانت شروط الحيازة متوافرة لدى الحائز، بأن كانت هادئة وظاهرة ومستمرة صدر القرار بابقاء الحال على ما هو عليه حتى لو تضمنت الأوراق الدليل على ملكية الشاكي للعقار، إذ يقتصر البحث في منازعات الحيازة علي مدي توافر أو انتفاء شروط الحيازة دون أن يتعدى ذلك إلى أدلة الملكية.
وللنيابة سماع أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة بمعرفتها أو عن طريق الشرطة استيفاء لبعض الأوجه اللازمة لإصدار القرار، فإن كانت التحقيقات التي أجرتها الشرطة كافية، أصدرت النيابة قرارها دون حاجة لاجراء تحقيق أو سماع أقوال أطراف النزاع.
ويجب أن يصدر القرار من رئيس نيابة أو محام عام أو نائب عام مساعد باعتبارهم من أعضاء النيابة الذين أجاز القانون لهم ذلك، فإن صدر من وكيل نيابة أو مساعد أو معاون، كان باطلا ولا يصححه اعتماده من أحد الأعضاء الجائز لهم اصداره، إذ يجب توافر صفة من أصدره وقت صدوره وليس في وقت لاحق، ولا يحول هذا البطلان دون تنفيذ القرار، ويجب التمسك به بطريق التظلم، فإن انقضى ميعاد التظلم، امتنع النعي عليه أو الغاؤه من الرئيس الأعلي لمن أصدره، ولا يكون أمام المتضرر إلا رفع دعوى الحيازة أو دعوي أصل الحق، ولا تتقيد المحكمة في أي منهما بقرار النيابة.
تسبيب القرار الصادر في منازعات الحيازة : يجب علي النيابة أن تقرن قرارها الصادر في المنازعة المتعلقة بالحيازة بالأسباب التي أقامته عليها، حتى يعلم من صدر ضده الأسباب التي أدت إلى إصداره ليقبله أن كان في محله أو يتظلم منه أن كان معيباً ، وحتي تتمكن المحكمة التي تنظر التظلم من الفصل فيه سواء بالتأييد أو التعديل أو الإلغاء.
ويخضع التسبيب لذات الضوابط التي يخضع لها تسبيب الأحكام، مما يتعين معه بیان وقائع المنازعة وأسانيد وحجج الخصوم ثم الرد عليها بما يتفق والقرار، فإذا شابها قصور أو تناقض أدي إلي بطلائه، ويكفي في التسبيب أن يقيم القرار.
ويتقرر البطلان بطريق التظلم من القرار وطلب عدم الاعتداد به ، ومتى قضت محكمة التظلم بعدم الإعتداد بالقرار، فإنها تضمن قضاءها التصدي للمنازعة بإجراء وقتي بإبقاء الحال على ما هو عليه أو بطرد الحائز من العقار ورد الحيازة للمتظلم.
إعلان القرار الصادر في منازعات الحيازة : متى أصدرت النيابة قراراً في منازعة من منازعات الحيازة وجب عليها اعلانه لأطرافه للاحاطة به، ويتم الإعلان لأشخاصهم أو بموطنهم حتى يتحقق علمهم اليقيني أو الظني، فإن مباشرة لجهة الإدارة كان باطلاً إذ لا يتحقق بذلك العلم الظني الإ إذا توجه المحضر إلى الوطن وامتنع من وجد به عن بیان اسمه وصفته أو عن تسلم الصورة أو عن التوقيع بما يفيد استلامها وحينئذ يتعين على المحضر تسليمها لجهة الادارة ويتحقق بذلك العلم الظني.
ويجب أن يتم الاعلان بموجب ورقة من أوراق المحضرين وعلي يد أحدهم، فإن تم بالطريق الإداري كان باطلاً، ولا يعتد بالعلم اليقيني بإقرار الخصم بعلمه بالقرار، ومتي شاب الاعلان البطلان أو تم بغير الطريق الذي تطلبه القانون، فلا يجري ميعاد التظلم ولا يسقط الحق فيه، ولكن يجوز التظلم رغم عدم إعلان القرار باعتبار أن الميعاد مقرر لمصلحة المتظلم ومن ثم يكون له التنازل عنه.
ويجب علي النيابة إعلان ذوي الشأن بالقرار خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، وهذا ميعاد تنظيمي لا يترتب البطلان علي مخالفته ويؤدي التراخي فيه إلي عدم سريان ميعاد التظلم إلا اعتباراً من اليوم التالي لإجرائه.
وإذا تظلم من صدر القرار ضده وتمسك ببطلان إعلانه، أدي ذلك إلي فتح ميعاد التظلم بحيث أن كان قد رفع بعد الميعاد، كان مقبولاً شکلاً.
ويكفي إعلان منطوق القرار دون حاجة لإعلان أسبابه ، ويكون لمن صدر ضده الاطلاع عليها بالنيابة التي أصدرته.
تنفيذ القرار الصادر في منازعات الحيازة : تقتضي منازعات الحيازة التدخل الفوري للسلطة ممثلة في النيابة العامة لتصدر قراراً یكون واجب التنفيذ فوراً ولو باستعمال القوة الجبرية، ويتم التنفيذ عن طريق الشرطة وليس عن طريق المحضرين.
ولا يتوقف التنفيذ علي إعلان القرار وإنما يجب ولو لم يكن قد تم اعلانه، وينحصر أثر الإعلان في سريان ميعاد التظلم، وإذ لم يترتب على التظلم وقف تنفيذ القرار ومن ثم فلا يتوقف التنفيذ على هذا الإعلان، يدل على ذلك ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 44 مکرراً من أنه يجوز بناء على طلب المتظلم أن يوقف القاضي تنفيذ القرار المتظلم منه إلي أن يفصل في التظلم، إن لم يكن التنفيذ قد تم قبل التصدي لهذا الطلب ، فإن كان قد تم فلا يرد عليه الوقف وإنما الالغاء، ويتوقف ذلك على الفصل في التظلم.
ولا يخضع تنفيذ القرار لإشكالات التنفيذ لانحصار ذلك في تنفيذ الأحكام والعقود الرسمية دون القرارات التي تصدرها النيابة في منازعات الحيازة ويكون طلب وقف تنفيذها بطريق التظلم منها أمام قاضي الأمور المستعجلة.
ولا يحول دون تنفيذ القرار أن يكون قد صدر ممن لا يملك إصداره ، کصدوره من وكيل نيابة ، ولا يجوز للرئيس المباشر له أو غيره كالمحامي العام الغاء القرار ولو بطريق التظلم منه، إذ يستوفي القرار عناصره فور صدوره ولكنه يكون مشوباً بالبطلان، وقد حدد المشرع طريق النعي على القرار بالتظلم منه أمام قاضي الأمور المستعجلة، ومتى طلب المتظلم وقف تنفيذه، جاز للقاضي إجابته لهذا الطلب قبل الفصل في التظلم. فان لم يطلب المتظلم وقف التنفيذ، ظل التنفيذ منتجا آثاره إلي أن يقضي في التظلم. وإذا انقضى ميعاد التظلم دون رفعه ، فلا يجوز لأي من أعضاء النيابة أو حتي النائب العام وقف التنفيذ، ولا يبقى إلا رفع دعوى موضوعية بالحيازة أو بأصل الحق أو دعوي مستعجلة أن توافرت شروطها، وحينئذ يتوقف مصير التنفيذ على الحكم الذي يصدر في الدعوى، إذ يحوز القرار حجية مؤقتة إلى أن يصدر حكم من القضاء سواء في التظلم من القرار أو في الدعوى المقامة على نحو ما تقدم .
ولما كان القرار صادراً في منازعة متعلقة بحيازة عقار، وبالتالي يتعلق بحق عيني، فلا ينال منه تغير الخصوم ويظل واجب التنفيذ حتى تتصدى المحكمة للمنازعة.
التظلم من القرار الصادر في منازعات الحيازة : كان القرار الصادر من النيابة العامة في منازعات الحيازة يخضع لسلسلة من التظلمات تنتهي بالتظلم إلى النائب العام، ثم يلجأ المتضرر بعد ذلك إلي قاضي الأمور المستعجلة طالباً عدم الاعتداد بالقرار الصادر من النيابة العامة ورد الحيازة إليه أو تقديم الطلبات التي تتفق ومصلحته.
ورغبة من المشرع في تدارك هذه السلسلة، فقد أضاف المادة 44 مكرراً إلي قانون المرافعات وقصر التظلم علي رفعه إلي قاضي الأمور المستعجلة وخصه وحده بنظره والفصل فيه، مما يحول دون التظلم إلي الرئيس المباشر لعضو النيابة الذي أصدر القرار وإلا كان عليه ارفاق التظلم بالقرار بحيث أن خالف ذلك وأصدر قراراً بالغاء أو تعديل القرار المتظلم منه، كان قراره مشوباً بالبطلان لصدوره بالمخالفة لقواعد الاختصاص مما يجوز معه للمتضرر التظلم منه إلي قاضي الأمور المستعجلة باعتبار القرار صادراً من عضو نيابة في منازعة من منازعات الحيازة ، ويقضي فيه بالإلغاء. ولا يحول هذا القضاء دون المتظلم ورفع تظلم جديد إلي قاضي الأمور المستعجلة أن لم يكن حقه فيه قد سقط ، فيقضي بتأييد القرار أو بتعديله أو بالغائه، ولا يتعارض هذا القضاء مع القضاء السابق لاختلاف الموضوع في كل منهما.
ويرفع التظلم أمام قاضي الأمور المستعجلة بالمحكمة التي يقع عقار النزاع بدائرتها بالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوي وذلك بإيداع صحيفة الدعوى قلم كتاب هذه المحكمة ليقوم بطلب ملف القرار المتظلم منه من النيابة التي أصدرته، ويجب رفع التظلم في ميعاد خمسة عشر يوماً من يوم إعلان القرار للمتظلم، وهذا ميعاد سقوط يوقف بالقوة القاهرة، ويترتب على انقضائه دون رفع التظلم سقوط الحق فيه، ويبدأ الميعاد من اليوم التالي لإعلان المتظلم بالقرار الصادر من النيابة، ولا يغني عن الاعلان أي إجراء آخر أو العلم اليقيني الثابت بإقرار المتظلم بعلمه بصدور القرار، إذ طالما جعل المشرع بدء ميعاد الطعن بالاعلان ، فأنه يقصر هذا البدء على هذا الإجراء وحده وفي الشكل الذي حدده له بأن يكون علي يد محضر وبورقة من أوراق المحضرين مستوفية بياناتها، فإن شابها البطلان إنتفي أثرها في بدء ميعاد التظلم بحيث إذا رفع التظلم بعد انقضاء خمسة عشر يوماً من تاريخ الإعلان، كان التظلم مقبولا شكلا.
ولم يورد المشرع أحكاما خاصة بالتظلم في قرار النيابة العامة، ومن ثم يخضع لذات القواعد التي تخضع لها الدعوى المستعجلة من شطب وانقطاع وسقوط وما يترتب على ذلك من جزاءات کاعتبار التظلم كأن لم يكن أن لم يعجل في الميعاد ولا يحول شطبه أكثر من مرة من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بنظره، شأن التظلم في ذلك شأن سائر الدعاوي المستعجلة لكنه لا يخضع للوقف أنما يفصل فيه بحالته، ويكفي أن تعلن صحيفته أو يحضر المتظلم ضده لانعقاد الخصومة فيه دون حاجة لاعادة الاعلان حتي لو كان الأخير لم يعلن لشخصه ويكون الحكم الصادر فيه واجب التنفيذ فورا لصدوره في مادة مستعجلة عملاً بالمادة 288مرافعات، وتستأنف الأحكام الصادرة في التظلم أمام المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة استئنافية دون اعتداد بقيمة العقار الواردة عليه الحيازة، ويحوز الحكم الصادر في التظلم حجية مؤقتة لا تزول إلا برفع الدعوى الموضوعية مما يحول دون المحكوم عليه ورفع دعوى مستعجلة عن ذات الموضوع الذي صدر في شأنه قرار النيابة والذي تم الفصل فيه في التظلم الذي رفع طعنا في هذا القرار وإلا قضي في الدعوى اللاحقة بعدم جوازها لسبق الحكم فيها، لكن إذا رفع المتضرر المحكوم عليه في التظلم دعوى موضوعية سواء كانت دعوى حيازة أو دعوى بأصل الحق زالت حجية الحكم المستعجل بالنسبة للمحكمة التي تنظر الدعوي الموضوعية، وتظل الحجية سالفة البيان قائمة بالنسبة للطلب المستعجل إذا تعارض معها ولو قدم تبعا للدعوي الموضوعية.
ويقتصر الحكم في التظلم على تأييد القرار أو تعديله أو الغائه، ومن ثم إذا نعي علي القرار بالبطلان لصدوره من عضو غير مختص بإصداره أو لقصور في أسبابه أو لعدم التوقيع عليه أو لأي سبب آخر، أقتصر القضاء في التظلم على إلغاء القرار بعد التصدي في الأسباب لأوجه النعي، فإذا قضي ببطلان القرار كان في ذلك إلغاء له يحول دون الطعن في الحكم لأن الطاعن لن يحقق من طعنه سوى مصلحة نظرية بحتة لا تصلح لقبول الطعن إذ أوجب المشرع لقبول الطعن توافر المصلحة القائمة التي تحقق للطاعن مصلحة حقيقية، كذلك الحال إذا قضى بعدم الاعتداد بالقرار.
وإفترض المشرع توافر الشروط اللازمة لاختصاص قاضي الأمور المستعجلة بنظر التظلم، مما يمتنع عليه بحث هذه الشروط أو القضاء يعدم اختصاصه بنظر التظلم أو إحالته إلى محكمة الموضوع.
ويخضع قاضي التظلم للقواعد التي يلتزم بها قاضي الأمور المستعجلة فلا يجوز له الإستناد في قضائه إلي أصل الحق إلا بالقدر اللازم لإصدار حكمه الوقتي، فإن بحث النزاع بحث موضوعيا فلا يكتسب قضاؤه أية حجية أمام محكمة الموضوع باعتبار أن الأسباب التي وردت في هذا الصدد زائدة عن حاجة الإجراء الوقتي المنوط بقاضي الأمور المستعجلة ولذلك لا تكون لها حجية ولا تتقيد بها محكمة الموضوع.
ويجوز رفع التظلم ولو لم يعلن القرار، كما يجوز التمسك بعدم الاعتداء بالقرار في أية حالة يكون عليها التظلم ولا يسقط الحق في ذلك لعدم إن التمسك به بصحيفة التظلم إذ ينصرف هذا الدفع إلى طلب إلغاء القرار.
والقرار الصادر من النيابة العامة في منازعات الحيازة له حجية وقتية ترتبط بالظروف التي لابست اصداره، ولا يحول هذا القرار دون اللجوء إلى المحكمة المختصة بطلب إسترداد الحيازة أو منع التعرض، وحينئذ لا تتقيد المحكمة بالقرار الصادر من النيابة العامة باعتباره قراراً وقتياً ، وإنما تلتزم بشروط الدعوى المرفوعة إليها.
نطاق منازعات الحيازة : المنازعات التي عنتها المادة 44 مکرراً من قانون المرافعات، هي التي ترد على عقار دون تلك التي ترد علي المنقول إذ تعتبر الحيازة فيه دليل ملكية الحائز متى توافرت الشروط اللازمة لذلك.
وتمتد منازعات الحيازة إلي ملحقات العقار وتشمل حقوق الارتفاق والأشياء المثبتة به والتي لا يمكن فصلها بدون تلف، وملحقات الأرض الزراعية تشمل أيضاً حقوق الارتفاق والمزروعات غير الناضجة والطرق الخاصة، فإن كانت «عزبة» اعتبرت مستغلاً زراعياً وألحق بها المواشي والآلات وغيرها مما يعد عقاراً بالتخصيص والمخازن والزرابي ومساكن الفلاحين، فإن كان العقار حديقة ألحق بها الأشجار المغروسة والثمار التي لم تنضح أما الشتل التي أعدت للنقل فلا تعتبر من ملحقاتها، وأن كان العقار مصنع ألحق به المخازن ومساكن العمال وملاعبهم، وأن كان العقار عين مؤجرة ألحق بها واجهتها و شرفاتها وخوارجها والأجزاء المشتركة كمدخل العقار والسلم والمصعد أن كان مخصصا في الأصل لخدمة العقار والسطح أن كان كذلك والحديقة، وعموما يقصد بملحقات العين المؤجرة كل ما أعد بصفة دائمة لاستعماله طبقا للغرض الذي قصده المتعاقدان وإعداد العين له وطريقة تنفيذ الإيجار في الماضي إذا كان قد بدئ في تنفيذه ومطاوعة تنفيذ الأشياء بالاضافة إلي العرف الساري طالما لم يبين المتعاقدان الملحقات التي يشملها . الإيجار، فإن تضمنها العقد وجب الالتزام بها.
وتختص النيابة العامة بمنازعات الحيازة التي تتعلق بالعقار وملحقاته ، سواء كانت مدنية أو جنائية . ( المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء / الثاني ، الصفحة : 9 )
منازعات تنفيذ قرارات النيابة في الحيازة : كان القرار الصادر من النيابة العامة في منازعات الحيازة يخضع لسلسلة في من التظلمات تنتهي بالتظلم إلى النائب العام، ثم يلجاً المتضرر بعد ذلك إلى قاضي الأمور المستعجلة طالبا عدم الاعتداد بالقرار الصادر من النيابة العامة ورد الحيازة إليه أو تقديم الطلبات التي تتفق ومصلحته.
ورغبة من المشرع في تدارك هذه السلسلة، فقد أضاف المادة 44 مكرراً إلي قانون المرافعات وقصر التظلم علي رفعه إلي قاضي الأمور المستعجلة وخصه وحده ونظره والفصل فيه، مما يحول دون التظلم إلي الرئيس المباشر لعضو النيابة الذي أصدر القرار وإلا كان عليه ارفاق التظلم بالقرار بحيث أن خالف ذلك وأصدر قراراً بالغاء أو تعديل القرار المتظلم منه ، كان قراره مشوباً بالبطلان لصدوره بالمخالفة لقواعد الاختصاص مما يجوز معه للمتضرر التظلم منه إلي قاضي الأمور المستعجلة باعتبار القرار صادراً من عضو نيابة في منازعة من منازعات الحيازة ، ويقضي فيه بالإلغاء. ولا يحول هذا القضاء دون المتظلم ورفع تظلم جديد إلي قاضي الأمور المستعجلة أن لم یکن حقه فيه قد سقط ، فيقضي بتأييد القرار أو بتعديله أو بالغائه، ولا يتعارض هذا القضاء مع القضاء السابق لاختلاف الموضوع في كل منهما .
ويرفع التظلم أمام قاضي الأمور المستعجلة بالمحكمة التي يقع عقار النزاع بدائرتها بالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوي وذلك بإيداع صحيفة الدعوى قلم كتاب هذه المحكمة ليقوم بطلب ملف القرار المتظلم منه من النيابة التي أصدرته، ويجب رفع التظلم في ميعاد خمسة عشر يوماً من يوم إعلان القرار للمتظلم، وهذا ميعاد سقوط يوقف بالقوة القاهرة، ويترتب على انقضائه دون رفع التظلم سقوط الحق فيه، ويبدأ الميعاد من اليوم التالي الإعلان المتظلم بالقرار الصادر من النيابة، ولا يغني عن الاعلان أي إجراء آخر أو العلم اليقيني الثابت باقرار المتظلم بعلمه بصدور القرار، إذ طالما جعل المشرع بدء ميعاد الطعن بالاعلان، فأنه يقصر هذا البدء على هذا الإجراء وحده وفي الشكل الذي حدده له بأن يكون علي يد محضر وبورقة من أوراق المحضرين مستوفية بياناتها، فإن شابها البطلان إنتفي أثرها في بدء ميعاد التظلم بحيث إذا رفع التظلم بعد انقضاء خمسة عشر يوماً من تاريخ الإعلان، كان التظلم مقبولاً شکلاً.
ولم يورد المشرع أحكاماً خاصة بالتظلم في قرار النيابة العامة، ومن ثم يخضع لذات القواعد التي تخضع لها الدعوى المستعجلة من شطب وانقطاع وسقوط وما يترتب على ذلك من جزاءات كاعتبار التظلم كأن لم يكن أن لم يعجل في الميعاد ولا يحول شطبه أكثر من مرة من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بنظره، شأن التظلم في ذلك شأن سائر الدعاوي المستعجلة لكنه لا يخضع للوقف أنما يفصل فيه بحالته، ويكفي أن تعلن صحيفته أو يحضر المتظلم ضده لانعقاد الخصومة فيه دون حاجة لاعادة الاعلان حتي لو كان الأخير لم يعلن لشخصه ويكون الحكم الصادر فيه واجب التنفيذ فوراً لصدوره في مادة مستعجلة عملاً بالمادة 288 مرافعات، وتستأنف الأحكام الصادرة في التظلم أمام المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة إستئنافية دون اعتداد بقيمة العقار الواردة عليه الحيازة، ويحوز الحكم الصادر في التظلم حجية مؤقتة لا تزول إلا برفع الدعوى الموضوعية مما يحول دون المحكوم عليه ورفع دعوى مستعجلة عن ذات الموضوع الذي صدر في شأنه قرار النيابة والذي تم الفصل فيه في التظلم الذي رفع طعناً في هذا القرار والإ قضى في الدعوى اللاحقة بعدم جوازها لسبق الحكم فيها، لكن إذا رفع المتضرر المحكوم عليه في التظلم دعوى موضوعية سواء كانت دعوى حيازة أو دعوى بأصل الحق زالت حجية الحكم المستعجل بالنسبة للمحكمة التي تنظر الدعوي الموضوعية، وتظل الحجية سالفة البيان قائمة بالنسبة للطلب المستعجل إذا تعارض معها ولو قدم تبعاً للدعوي الموضوعية.
ويقتصر الحكم في التظلم على تأييد القرار أو تعديله أو الغائه، ومن ثم إذا نعي علي القرار بالبطلان لصدوره من عضو غير مختص بإصداره أو لقصور في أسبابه أو لعدم التوقيع عليه أو لأي سبب آخر، اقتصر القضاء في التظلم على إلغاء القرار بعد التصدي في الأسباب لأوجه النعي، فإذا قضي ببطلان القرار كان في ذلك الغاء له يحول دون الطعن في الحكم لأن الطاعن لن يحقق من طعنه سوى مصلحة نظرية بحتة لا تصلح لقبول الطعن إذ أوجب المشرع لقبول الطعن توافر المصلحة القائمة التي تحقق للطاعن مصلحة حقيقية ، كذلك الحال إذا قضى بعدم الاعتداد بالقرار.
وإفترض المشرع توافر الشروط اللازمة لإختصاص قاضي الأمور المستعجلة بنظر التظلم، مما يمتنع عليه بحث هذه الشروط أو القضاء بعدم اختصاصه بنظر التظلم أو إحالته إلى محكمة الموضوع.
ويخضع قاضي التظلم للقواعد التي يلتزم بها قاضي الأمور المستعجلة فلا يجوز له الاستناد في قضائه إلي أصل الحق إلا بالقدر اللازم لإصدار حكمه الوقتي، فإن بحث النزاع بحث موضوعية فلا يكتسب قضاؤه أية حجية أمام محكمة الموضوع باعتبار أن الأسباب التي وردت في هذا الصدد زائدة عن حاجة الإجراء الوقتي المنوط بقاضي الأمور المستعجلة ولذلك لا تكون لها حجية ولا تتقيد بها محكمة الموضوع.
وتسري القواعد سالفة البيان علي التظلم الذي يرفع اعتباراً من أول أكتوبر 1992 تاريخ العمل بالقانون رقم 23 لسنة 1992 بتعديل قانون المرافعات أما التظلم الذي رفع قبل ذلك، فيظل خاضعاً للقواعد التي كانت مقررة في شأنه. والعبرة برفع التظلم وليس بصدور قرار النيابة ، فإن صدر هذا القرار قبل العمل بالقانون رقم 23 لسنة 1992 فإن التظلم إذا رفع اعتباراً من أول أكتوبر 1992 يكون خاضعا لنص المادة 44 مكرراً مما يتعين معه رفعه أمام قاضي الأمور المستعجلة بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى خلال خمسة عشر من يوماً من تاريخ إعلان القرار، ويكون القرار خاضعاً للاعلان فور العمل بالمادة المشار إليها وإن لم يكن خاضعاً للإعلان فور العمل بالمادة المشار إليها وإن لم يكن خاضعاً له وقت صدوره، ذلك لأن المقرر وفقاً للمادة الأولي من قانون المرافعات أن التعديل الذي يرد علي نصوصه أو ما يستحدث منه يسري علي ما لم يكن قد تم من الاجراءات وعلي ما يستحدث منها، وكانت المادة 44 مکرراً قد استحدثت إجراءين يتمثلان في إعلان القرار والتظلم منه ومن ثم يخضعان لأحكامها متي يتم إتخاذهما وقت العمل بها، ولا يسري علي التظلم الاستثناء الذي نصت عليه المادة الأولى سالفة البيان لإنحصاره في استحداث طريق من طرق الطعن في الأحكام.
ويجوز رفع التظلم ولو لم يعلن القرار، كما يجوز التمسك بعدم الاعتداء بالقرار في أية حالة يكون عليها التظلم ولا يسقط الحق في ذلك لعدم التمسك به بصحيفة التظلم إذ ينصرف هذا الدفع إلى طلب إلغاء القرار.
والقرار الصادر من النيابة العامة في منازعات الحيازة له حجية وقتية ترتبط بالظروف التي لابست اصداره، ولا يحول هذا القرار دون اللجوء إلى المحكمة المختصة بطلب إسترداد الحيازة أو منع التعرض، وحينئذ لا تتقيد المحكمة بالقرار الصادر من النيابة العامة باعتباره قراراً وقتياً، وانما تلتزم بشروط الدعوى المرفوعة إليها . ( المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء التاسع، الصفحة : 399 )
نطاق إختصاص النيابة العامة بمنازعات الحيازة : استهدف المشرع من إستحداث نص المادة 44 مكرراً سالف الذكر تلافي المشاكل التي أثارها في العمل نص المادة 373 مكرراً من قانون العقوبات، فرد الحماية الوقتية للحيازة إلى القاضي المختص بمنح الحماية الوقتية وهو، قاضي الأمور المستعجلة، وقد نص في المادة 11 من قانون 23 لسنة 1992 على إلغاء المادة 373 مكررا من قانون العقوبات .
وطبقا للتنظيم المنصوص عليه في المادة 44 مكرراً ، إذا ثار نزاع حول الحيازة، فإن لأي من الأطراف الالتجاء إلى النيابة العامة لحماية حيازته، وذلك سواء كان الاعتداء المدعي بوقوعه يكون إحدى الجرائم التي ينص عليها القانون، أو لا يكون جريمة، ويعتبر بالتالي نزاعاً مدنياً ، وقد وصف النص المنازعة بأنها، «مدنية كانت أو جنائية»، وهي صبغة معيبة إن وصف المنازعة لا يطلق إلا على المنازعة المدنية، أما حيث تقع جريمة فلاتكون بصدد منازعة بالمعنى القانوني إذ المنازعة تفترض تعارض بين مصلحتين . ( فتحى والى - الوسيط في قانون القضاء المدني - طبعة 1993 - بند 64 مكرراً - ص 108 وهوامشها ) .
ولم يتطلب نص المادة 44 مكرراً أن تكون المنازعة متعلقة بحق عینی عقاري ومع إطلاق عبارة النص ووضحها لايمكن الرجوع إلى الإرادة المفترضة لواضعى النص والمستمدة من استبدال النص الجديد بنص المادة 373 مكرراً عقوبات المتعلقة بالاعتداء على حيازة عقار، أو المستمدة من وضع النص الجديد برقم 44 مكرراً من قانون المرافعات بعد المادة 44 المتعلقة بدعاوى الحيازة التي تحمي حيازة الحق العيني العقارى، ولهذا يرى البعض أن نص المادة 44 مكرراً ينطبق على الحيازة سواء كانت حيازة عقار، أو كانت حيازة منقول ، ( فتحى والى - بند 64 مكرراً - ص 109 ) .
ولكننا نرى أن نص المادة 44 مكررا ينطبق فقط على منازعات حيازة العقار وملحقاته دون المنقول، لأن حيازة المنقول دليل ملكية الحائز طالما توافرت الشروط القانونية اللازمة مادة 976 مدنی، كما أن المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 23 لسنة 1993 تحدثت عن منازعات الحيازة على العقار، سواء تلك التي تتعلق بأراض أو مبان ولا يستفاد منها نص المادة 44 مكررا ليشمل منازعات حيازة المنقول .
وينبغي ملاحظة أن الحيازة التي تحميها النيابة لايشترط أن تكون الحيازة في مفهوم القانون المدني والتي بحميها بدعاوى الحيازة الثلاثة وإنما يقصد بها الحيازة الفعلية الجديرة بالحماية القانونية المؤقتة بصرف النظر عن الملكية أو الحيازة القانونية أو الأحقية في وضع اليد - ومؤداها أن تكون يد الحائز متصلة بالشيء اتصالا فعليا بجعل الشيء تحت سيطرته المباشرة، وأن يكون هذا الاتصال قائما وقت المنازعة على الحيازة والحكمة من حماية الحيازة الفعلية هي رغبة المشرع في منع الإخلال بالنظام العام من الأشخاص الذي يدعون بحق لهم على العين، ويحاولون أن بستأدونه بأنفسهم، وعلى ذلك يجوز حماية المستأجر رغم أنه يحوز لحساب المؤجر .
ويتعين أن تكون الحيازة الفعلية الجديرة بالحماية المؤقتة صحيحة خالية من العيوب، فيجب أن تكون ظاهرة وهادئة وواضحة لايشوبها لبس أو غموض، وأن تكون مستمرة غير متقطعة ولايشترط فيها فترة معينة من الزمن، ولا يمنع من استمرارها أن يكون واضع اليد ينتفع بالعقار في فترات متقاربة أو متباعدة حسب طبيعة الأشياء، إنما يشترط في هذه الأفعال الدالة على وضع اليد، أن تتجدد في الأوقات والظروف المناسبة ( الدناصورى وعكاز ص 610 ) .
ومن البديهي أنه إذا كانت الحيازة الفعلية معيبة وقائمة على الغصب فعندئذ لاتكون مثل هذه الحيازة الفعلية جديرة بالحماية القانونية المؤقتة.
وقد استقر الرأي فقها وقضاء على أنه إذا كان الحائز قد تسلم عين النزاع على يد محضر تنفيذاً لحكم قضائي فإن حيازته تكون فعلية وجديرة بالحماية المؤقتة حتى ولو لم يكن منازعة في الحيازة طرفاً في هذا الحكم، أو كان محضر التسليم مشوبا بما يبطله، إلا أن هذا القول - في تقديرنا - ليس صحيحا على إطلاقه، لأنه قد ثبت من الممارسة العملية أن كثيراً ما يلجأ الخصم الذي يبني الحصول على الحيازة من أن يصطنع دليلاً ليشد أزره بأن يتواطأ مع غيره على استصدار حكم بأحقيته في الحيازة، وينفذ الحكم تنفيذا صورياً وغالباً ما يتم تحرير محضر التسليم في هذه الحالة في مكتب المحضر أو الخصم دون الانتقال للعين خوفاً من افتضاح أمره ثم يدعى الحيازة بعد ذلك في مواجهة الحائز الحقيقي متخذا من محضر التسليم سنداً له .
كذلك فإن كثيراً من محاضر التسليم كانت تشوبها الصورية رغم صحة الحكم المنفذ به، وكانت غالبية المحاكم بمجرد تقديم هذا المحضر إليها تستند إليه كدليل على الحيازة الفعلية ولاتعير التفاتاً لدفع الحائز الحقيقي بصوريته رغم تقديمه الدليل في غالب الأحيان، لذلك فالرأي الراجح أنه إذا أثير أمام النيابة صورية محضر التسليم الذي حرر تنفيذاً للحكم سواء كان الحكم صورياً أو حقيقياً يتعين عليها أن تحقق هذا الموضوع سواء بنفسها أو بالشرطة وأن تصدر قرارها على هدى ما يتبين لها في أمره إن صورية أو صحة فإن لم تفعل ذلك أو لم يدفع به أمامها الحائز الحقيقي وأبدى هذا الطلب أمام القاضي المستعجل الذي ينظر التظلم تعين عليه بدوره أن يبحث هذا الأمر، غير أنه لا يجوز له إحالة القضية للتحقيق وإنما يقتصر بحثه من ظاهر الأوراق وقد يجد فيها الدليل على صحة هذا الدفع، كما إذا كان قد أجرى أخيراً تحقيق إداري أو قضائي شهد فيه رجلاً الحفظ اللذين استوقعهما المحضر على محضر التسليم بأن المحضر تحرر في غير مكان التنفيذ، وأن المحضر لم ينتقل للعين ( الدناصورى وعكاز - ص 611 ) .
وبالنسبة للتسليم الذي تجريه الشرطة فإن المحاكم تعتبره بدوره دليلاً على الحيازة الفعلية حتى لو لم يكن مدعي الحيازة طرفاً في النزاع الذي صدر فيه القرار، مع أن كثيراً منها يتم تحريره في مركز الشرطة أو القسم أو النقطة، لذلك فإننا نرى أن يطبق عليه ما يطبق على محضر التسليم الذي يحرره المحضر عند الدفع عليه بالصورية .
وقد لا يلجأ الحائز الحقيقي في الحالات السابقة إلى الطعن بالصورية على محضر التسليم الذي حرره المحضر أو رجل الشرطة، وإنما بسلك وسيلة اشد عنفا بأن يطعن عليه بالتزوير إذا كان دليله حاضراً ، وفي هذه الحالة تطبق القواعد آنفة البيان، سواء أمام النيابة أو قاضي الأمور المستعجلة .
وبالنسبة للتسليم الحكمي فأمره مختلف، إذ أنه لا ينقل الحيازة نقلاً فعلياً وبالتالي لا يستأهل الحماية المؤقتة .
ويلاحظ أنه لا محل لحماية الحيازة الفعلية التي انتزعت اغتصاباً أو نتيجة تعد، لذلك اعتبرت محكمة النقض الشخص الذي انتهز فرصة غياب المستأجر الحائز الذي هيأ الأرض للزراعة وقام خلسة ببذر الأرض، إعتبرته غاصباً على سند من أن مجرد إلقاء البذور في غفلة من الحائز، لا يترتب عليه اعتباره حائزاً وإنما هو مجرد غش لا يحميه المشرع . ( نقض 24/1/1929 ، منشور في مجلة المحاماة 10 عدد 6 ) .
إجراءات إصدار قرار النيابة في منازعة الحيازة وإعلانه وتنفيذه ومدى جواز تقديم إشكال لقاضي التنفيذ بشأن تنفيذه والتظلم منه : إذا ما ثار نزاع بشأن الحيازة وعرض على النيابة العامة فإنها تقوم بإجراء التحقيق بالنسبة للمنازعة المعروضة عليها، سواء كانت منازعة مدنية أو مكونة لجريمة ويمكن أن يجري هذا التحقيق بواسطة عضو نيابة أياً كانت درجته، وقد أوجب النص على النيابة سماع أقوال أطراف النزاع، ومن المفهوم أنه يكفي تمكين الأطراف من تقديم دفاعهم، فلا يعيب قرار النيابة عدم إدلاء أحد الطرفين بأقواله مادام قد تمكن من ذلك ولم يفعل، كما لايعيب قرار النيابة أن تكون التحقيقات اللازمة وسماع أقوال الأطراف قد تمت أمام من تندبهم النيابة لذلك من رجال الشرطة ( فتحی والی - بند 64 مكرراً ، ص 109 ) .
وبعد انتهاء التحقيقات وسماع أقوال الطرفين، فإن النيابة العامة تصدر قرارها بالنسبة للحيازة، ويمكن أن يكون القرار بأي مضمون تراه وفقاً لسلطتها سواء بحفظ الشكوى أو بإبقاء الحال على ماهو عليه، أو بتمكين من انتزعت حيازته من الحيازة وتسليمه المال المتنازع على حيازته .
وقد أوجب المشرع أن يصدر القرار من رئيس نيابة على الأقل، وفي ذلك ضمانة للخصوم، وبديهي أنه يجوز أن يصدر القرار المحامي العام أو المحامي العام الأول أو مساعد النائب العام أو النائب العام نفسه، أما إذا صدر القرار من عضو نيابة أقل في درجته من درجة رئيس نيابة كان القرار باطلا ويجب أن يكون قرار النيابة مسببا تسبيباً كافياً ، وذلك ببيان الوقائع والأسانيد القانونية التي ينبني عليها القرار، والتي ركنت إليها النيابة في إصداره كما أوجب المشرع على النيابة إعلان قرارها للخصوم خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، ولا يجوز الاكتفاء بتوقيعهم أو بعضهم بالعلم بالقرار وتاريخ صدوره وذلك عملا بالمبادئ المقررة في قانون المرافعات من أن العلم بالحكم لايغني عن إعلانه وأن موعد الطعن فيه - في الحالات التي يوجب فيها القانون الإعلان - لا يبدأ إلا من تاريخ الإعلان .
فينبغي على النيابة العامة أن تعلن قرارها - أياً كان مضمونه - إلى ذوي الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، وهذا الميعاد تنظیمی لا يترتب على تجاوزه أی بطلان والهدف منه حث النيابة على سرعة القيام بالإعلان، ولم يبين النص طريقة هذا الإعلان، ولكن يجب أن يتم الإعلان وفقا لقانون المرافعات بواسطة قلم المحضرين ذلك أنه وفقا للمادة السادسة مرافعات كل إعلان يجب أن يكون بواسطة المحضرين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، ولم تنص المادة 44 مكرراً على وسيلة أخرى لإعلان قرار النيابة العامة هذا فضلا عن أن الإعلان بواسطة المحضرين يوفر ضمانات هامة للمعلن إليه لا يوفرها الإعلان بالطريق الإداري وإذا كانت المادة 6 مرافعات تنص على أن الإعلان بواسطة المحضرين يكون بناء على طلب الخصم أو قلم الكتاب أو أمر المحكمة والنيابة العامة ليست من هؤلاء، إلا أنه يمكن القول بأن نص المادة 44 مكرراً بدخول النيابة العامة هذه السلطة إضافة إلى من ذكرهم نص المادة السادسة ( فتحى والى بند 64 مكرراً ص 110 ) .
ويجوز لمن صدر لصالحه قرار النيابة العامة أن يقوم هو بإعلان خصمه بالقرار لبدء ميعاد التظلم، ويكون إعلانه أيضا وفقا للإجراءات العادية بواسطة ورقة محضرين ولم يبين النص جزاء عدم إعلان القرار خلال مبعاد الثلاثة أيام ولذا فإن مخالفة هذا الميعاد أو بطلان الإعلان لايؤثر في القرار الذي صدر صحيحا في ذاته، وإنما يترتب على ذلك عدم بدء ميعاد التظلم الذي لا يبدأ إلا من إعلان صحيح للقرار ( فتحی والی ۔ الإشارة السابقة ) .
ويلاحظ أن المشرع ألزم النيابة بإصدار قرار في أي نزاع على الحيازة سواء شكل هذا النزاع جريمة أم كان مدنيا صرفا، وعلى ذلك لايجوز للنيابة أن تحفظ الأوراق وتكلف المتضرر بالالتجاء إلى القضاء، كما كانت تفعل قبل ذلك، وكذلك لايجوز لها من باب أولى أن تقيم الدعوى الجنائية على أحد الطرفين أو كلاهما، وتكتفي بهذا الإجراء بل لابد لها من إصدار قرار بشأن الحيازة .
ويجوز للنيابة العامة رغم إصدار قرارها في الحيازة ألا تقف عند هذا الحد، بل لها أن تقيم الدعوى الجنائية على أحد الخصوم سواء بتهمة انتهاك حرمة ملك الغير أو غيرها كجريمة سرقة صاحبت دخول العقار أو تزوير، وهذا الوضع الأخير منصور كما إذا قدم أحد الخصوم سندا للتدليل على حيازته وتبين لها أنه مزور ويجب على النيابة أن تحمي من يتضح من الأوراق الدليل أنه كان يحوز العقار حيازة فعلية وقت النزاع ذلك أنه قد يكون للمتعرض الحق في الحيازة لكن الحيازة الفعلية لغيره، وحاول المتعرض سلبها بالقوة فلايجوز تمكينه من ذلك ( عز الدين الدناصورى وحامد عكاز - شرح القانون رقم 23 لسنة 1992 - ص 30 ) .
ويشترط لسلامة قرار النيابة وفقاً لنص المادة 44 مكررا توافر أربعة شروط أساسية : الشرط الأول أن تكون المنازعة التي صدر بصددها القرار من منازعات الحيازة، إذ الحيازة الجديرة بالحماية هي مجرد الحيازة المادية الفعلية، أي السيطرة المادية على الشيء قبل وقوع النزاع، متى كانت تلك السيطرة ظاهرة هادئة ومستمرة، ولا يلزم أن تستمر المدة التي تستلزمها الحماية بإحدى دعاوى الحيازة الثلاثة وفقاً لأحكام المواد 958 حتى 967 من التقنين المدني، وإنما يكفي أن تستمد بالقرار الذي يكفي لتحقيق معنى الاستقرار، إذ يتوافر الظهور والهدوء والاستمرار على النحو السالف، ويكون الإعتداء عليها مما يعكر السكينة العامة ويخل بالأمن فتكون جديرة بالحماية التي تبرر تدخل النيابة العامة بالإجراء الوقتي الملائم لهذه الحماية على نحو يمنع تعكير السكينة العامة والإخلال بالأمن، إلى أن يحسم القضاء النزاع حول ما يدعيه كل من الطرفين من حقوق، ويكفي تدخل النيابة باتخاذ الإجراء الذي تراه مناسباً لحماية الحيازة أن تتوافر لهذه الحيازة الفعلية أي السيطرة المادية تلك العناصر الثلاثة من ظهور وهدوء واستمرار دون حاجة لبحث الحق الذي تستند إليه الحيازة أو المركز القانوني الذي تخوله أو أحكام العلاقة العقدية التي قد تربط الطرفين بالالتزامات الناشئة عنها أو مدى توافر نية التملك أو حسن النية أو سوء النية، إذ أن ذلك كله مما يتصل بأصل الحق، أو في القليل بشروط دعاوى الحيازة المدنية، وهو أمر يخرج بشقيه عن دور النيابة العامة الذي دفعها قبل العمل بالقانون 29 لسنة 1982 إلى التصدى لفض منازعات الحيازة تحقيقا للسكينة العامة وحفظا للأمن بمنع المواطنين من التصدي بأنفسهم لاستخلاص مايدعونه من حقوق قبل الغير، وهو نفس الدور الذي قصد النص المستحدث دور النيابة عليه مع منحها السند التشريعي الذي كانت تفتقر إليه ( كمال عبدالعزيز ص 363 وص 364 ) وفي ضوء ذلك فلو أن مستأجرا امتنع عن رد العين المؤجرة التي بضع اليد عليها وضع يد ظاهر هادیء مستمر برغم انتهاء مدة إجارته يحاول المالك المؤجر انتزاعها منه عنوة كانت حيازة المستأجر هي الجديرة بحماية النيابة، وعلى العكس فلو أن مستأجراً سدد مقدم الأجرة وحل موعد استلامه العين المؤجرة فلما امتنع المؤجر عن تسليمها حاول انتزاعها منه عنوة كانت حيازة المؤجر هي الجديرة بحماية النيابة ولو أن شخصاً وضع يده على عين وضع يد ظاهر هادیء مستمر دون سند من المالك فحاول الأخير انتزاعها منه عنوة كان الحائز الظاهر هو الجدير بحماية النيابة وهكذا يخرج عن اختصاص النيابة التعرض لأصل الحق الذي تستند إليه أو تستنفذ كل من أطراف النزاع، وإن كان ذلك لا يمنعها بطبيعة الحال من أن تسترشد بذلك في التعرف على توافر عناصر الحيازة الجديرة بالحماية على النحو السالف ( الدناصورى وعكاز في الحيازة المؤقتة ص578 و 579 وكمال عبدالعزيز الإشارة السابقة ) وقارن عزت حنورة في بحثه المنشور بمجلة القضاة، العدد الثاني من السنة 25 ص 322 ، حيث يرى أن النص منح النيابة اختصاصا قضائيا فلايجوز أن تقتصر مهمتها على مع الإخلال بالأمن أو مايهدد به أو على منع تغيير الوضع الذي كان قائما قبل النزاع فتأمر بإبقاء الحال على ماهو عليه إذا لم تكن الحيازة قد سلبت أو أن تعيد الحيازة إلى من سلبت منه حتى لو كان من سلبها هو الأحق بها قانونا لأن قصر مهمة النيابة في هذا المجال الضيق لا يخدم الصالح العام فلم يعد من الجائز أن تكتفي بتكريس الوضع السابق على المنازعة، وإنما يجب عليها البحث عن الأجدر بالحيازة قانوناً ، وواضح أن هذا الرأي يخرج بمنازعات الحيازة عن نطاقها ويخول النيابة سلطة الفصل في الحقوق القانونية وهو ما لا يسعف به النص كما أن النص منح النيابة نفس نطاق السلطة حيال كافة منازعات الحيازة، سواء أكانت تشكل جريمة او لاتشكل جريمة ومن المستقر عليه أنه في الحالة الأولى تتوافر الجريمة بالعمل على تغيير الحيازة القائمة الظاهرة الهادئة المستقرة، ولو كان الجاني أحق بالحيازة قانوناً .
الشرط الثاني سماع أقوال الطرفين وتحقيق الواقعة : ويجوز للنيابة أن تقوم بذلك بنفسها بواسطة أحد أعضائها أيا كانت درجته، كما يجوز لها أن تندب كله أو بعضه أحد رجال الضبطية القضائية أو التكليف به أو بإجراء منه أحد رجال الشرطة، كما يجوز لها أن تكتفي في ذلك بما يرد في محضر جمع الاستدلالات ( فتحی والی بند 64 مكرراً والدناصورى وعكاز في الحيازة المدنية 581 كمال عبدالعزيز ص 366 ) وقارن خيري أحمد الكباش في مقاله نحو أسلوب موحد في تطبيق المادة 44 مكرراً من قانون المرافعات بمعرفة النيابة العامة وقاضي الأمور المستعجلة المنشور بمجلة القضاة، العدد الثاني السنة 25 ص 345 و 346 حيث يرى أنه يجب على النيابة تحقيق المنازعة ولا تكتفي بمحاضر الشرطة ولا يعني شرط سماع الطرفين إمتناعها عن إصدار قرارها إذا امتنع أحدهم عن الإدلاء بأقواله أو تغيب، وإنما يعني حرصها على تحقيق مبدأ المواجهة بإخطار الطرفين بالمنازعة وإتاحة الفرصة لهما للإدلاء بأقوالهم .
الشرط الثالث أن يصدر القرار من رئيس نيابة على الأقل : فإن كانت النيابة الجزئية المختصة ليس بها عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة أرسلت الأوراق إلي النيابة الكلية لتصدر فيها القرار الذي تراه من رئيس النيابة وليس ثمة مايمنع أن يصدر القرار من عضو بدرجة أعلى كالمحامی أو المحامي العام الأول ولكنه يمتنع صدوره من عضو بدرجة أدني من رئيس نيابة، وإن كان يجوز أن يتولى التحقيق أو يأمر في شأنه مما يراه من إجراءات استیفاءات أحد أعضاء النيابة أيا كانت درجته ويتحدد الاختصاص المحلي للنيابة التي وقعت بدائرتها المنازعة على الحيازة، وإذا صدر القرار من عضو نيابة تقل درجته عن رئيس نيابة وقع القرار باطلاً بطلاناً يتعلق بالنظام العام ولا يصححه اعتماد من يجوز له إصدار القرار إذ يتعين أن يتوافر في القرار صفة من أصدره وقت صدوره.
الشرط الرابع أن يكون القرار مسبباً تسبيباً كافياً : ببيان تاريخ ومكان صدوره واسم وصفة من أصدره وعرض لمجمل وقائع النزاع وطلبات أطرافه وخلاصة موجزه لأوجه دفاعهم ثم الأسانيد التي تساند إليها القرار ( حنورة في البحث السابق ص 324 ) ، والجوهري أن يكون التسبيب كافياً ينصب على مقطع النزاع من جهة، وأن يتضمن من جهة أخرى ما يطمئن المطلع عليه إلى أن مصدر القرار لم يصدره إلا بعد الاطلاع على الأوراق والإلمام بما تضمنته من طلبات ودفوع ودفاع، وأنه استخلص ما انتهى إليه من واقع الأوراق والأدلة المقدمة فيها ( نقض 19/4/1983 ، في الطعن 1805 سنة 49 قضائية ) ، فلا يكفي مجرد القول بأن الحيازة كانت لأحد الطرفين من مدونات محضر الضبطية والمعاينة ( الدناصورى وعكاز في التعليق ) ويخضع قرار النيابة في هذا الصدد لضوابط تسبيب الأحكام فيترتب على مخالفتها أن يقع باطلا لانعدام أو قصور التسبيب ( كمال عبدالعزيز ص367) .
ويجب على النيابة أن تصدر قرارها في النزاع سواء شكل جريمة أو لم يشكل جريمة وتكون لها الحرية في اتخاذ القرار الذي تراه ملائما سواء كان بحفظ الأوراق إذا لم يكن هناك ما يستاهل اتخاذ إجراء ما، أو بإبقاء الحال على ما هو عليه إذا كان واضع اليد الفعلي عند الشكوى هو الحائز الجدير بالحماية وفقا للمعايير السالفة، أو بتمكين الطرف الآخر من الحيازة ( فتحی والی بند 64 مكررا، كمال عبدالعزيز ص 367 وقارن الدناصورى وعكاز ص 582 ) ، حيث يريان أنه لا يجوز للنيابة إصدار قرار بحفظ الأوراق مع تكليف المتضرر باللجوء إلي القضاء.
وإذا تخلف أحد هذه الشروط بأن كانت المنازعة التي صدر فيها القرار تخرج عن المقصود بمنازعات الحيازة، أو صدر القرار دون تحقيق أو الإخلال بمبدأ المواجهة أو صدر من عضو أدنى من درجة رئيس نيابة أو غير مسبب تسبيباً كافياً ، وقع القرار باطلا متعلقا بالنظام العام ( الدناصورى وعكاز في الحيازة ص 581، كمال عبدالعزيز ص 368 ) .
ويلاحظ أنه لا يخضع قرار النيابة للتبعية التدريجية التي تحكم قرارات أعضاء النيابة إذ بمجرد صدوره تنتهي بالنيابة لكل أعضائها بالنسبة إلى النزاع فلايجوز لها العودة إليه أو إصدار قرار آخر فيه سواء من العضو الذي أصدره أو من عضو آخر بدرجة أعلى منه وبالتالي لا يجوز التظلم من القرار إلى جهة رئاسية بالنسبة إلى من أصدره كالمحامي العام أو المحامي العام الأول، أو مساعد النائب العام، أو النائب العام بحسب الأحوال، وإلا كان القرار الذي يصدر في التظلم باطلاً لصدوره في أمر لا إختصاص به فيه ( الدناصورى وعكاز 583- فتحی والی بند 64 مكرراً - خيرى الكباش في بحثه السابق ص 348 ) ، ويرجع ذلك إلى أن مصدر القرار إنما يستمد سلطته من المشرع مباشرة وليس من مجرد تبعيته للنائب العام، فيكون لقراره حجية تمنع من العودة إليه ( عزت حنورة في بحثه السابق ص 352 كمال عبدالعزيز - الإشارة السابقة ) فضلاً عن أن الأعمال التحضيرية للنص تؤكد ذلك حيث صرح به وزير العدل في بيانه بصدد المادة أمام مجلس الشعب الذي ذكرناه فيما سبق .
تنفيذ قرار النيابة : قرار النيابة واجب التنفيذ فوراً وفقاً لإجراءات التنفيذ الجبري في قانون المرافعات، وفي رأينا يجوز الاستشكال فيه أمام قاضي التنفيذ، ولكن وفقاً للكتاب الدوري لوزارة العدل لا يجوز الاستشكال فيه أمام قاضي التنفيذ لقرار النيابة بمجرد صدوره قوة تنفيذية، وقد ذهب رأی مرجوح أن قرار النيابة يكون تنفيذه وفقاً لإجراءات تنفيذ قرارات النيابة العامة، وليس وفقاً لإجراءات التنفيذ الجبري في قانون المرافعات، حتى ولو كانت المنازعة مدنية وعلة ذلك أن الحكمة في إضفاء سلطة منع الحماية الوقتية للحيازة للنيابة العامة هي الاستفادة من الإجراءات السريعة الحاسمة التي تتمتع بها النيابة العامة في إصدار وتنفيذ قراراتها ( فتحى والي - الإشارة السابقة ) .
وطبقاً لنص المادة 44 مكرراً به محل التعليق - يكون قرار النيابة العامة واجب التنفيذ فوراً ومفاد هذا أنه يكون واجب التنفيذ بمجرد صدوره ولو قبل إعلانه لذوى الشأن أو قبل انقضاء ميعاد الثلاثة أيام المحددة لهذا الإعلان.
ويرى البعض أنه نتيجة لأن الأمر لا يتعلق بسند تنفيذي بالمعنی المفهوم في قانون المرافعات، فإنه لا يلزم إعلانه وتكليف المنفذ ضده بالوفاء قبل إجراء التنفيذ كما لا يجوز رفع إشكال في تنفيذه أمام قاضى التنفيذ، أو أمام السلطة العامة عند قيامها بتنفيذ الأمر ( فتحی والی - بند 44 مكررا ص 109 وص 110 ) .
ولكننا نرى أن تنفيذ قرار النيابة في شأن الحيازة يكون بإجراءات التنفيذ الجبرى المنصوص عليها في قانون المرافعات، وتتم بواسطة المحضرين وبموجب صورة تنفيذية تحمل الصيغة التنفيذية، وتعلن إلى ذوي الشأن قبل الشروع في التنفيذ وفق أحكام المادة 281 مرافعات من هذا الرأي أيضا عزت حنورة - بحثه السابق ص 326 ، وخيرى الكباش مقاله سالف الذكر – ص347، كما نرى جواز الإشكال في قرار النيابة العامة الصادر في الحيازة أمام قاضي التنفيذ، لأن المشرع منح قرار النيابة العامة قوة تنفيذية، فنص في المادة 4 ؛ مكرر مرافعات على أنه واجب التنفيذ فورا، كما أن السندات التنفيذية وفقاً للمادة 280 مرافعات لم ترد على سبيل الحصر، وطالما أن المشرع منح قرار النيابة قوة تنفيذية فلا مانع من إعتباره سنداً تنفيذياً وجواز تقديم إشكال بشأنه أمام قاضي التنفيذ، خاصة وأن تنظيم هذه القرارات ورد في نص المادة 44 مكرراً من قانون المرافعات ومن ثم تسري عليها القواعد العامة في المرافعات فيما يتعلق بالتنفيذ.
كما أنه من الناحية العملية فإنه لجواز تقديم الإشكال في قرار النيابة أمام قاضي التنفيذ أهمية قصوى، لتحقيق رقابة قضائية سريعة على هذه القرارات، ولا يكفى وقف تنفيذ القرار بناء على تظلم لقاضي الأمور المستعجلة، لأن الإشكال يوقف التنفيذ فوراً، ومن ثم يمنح الصادر ضده القرار حماية عاجلة من أى تعسف ومن آثار تنفيذ هذه القرارات تنفيذا فورياً رغم أنها قد تكون خاطئة، ولاشك في أن التظلم طريق بطيء وقد يحتاج الصادر ضده القرار إلى وقفه بصفة عاجلة وسريعة، مما يتيحه له الإشكال أمام قاضي التنفيذ الذي يوقف التنفيذ فوراً ، إذ غالباً ما يسرع الصادر لصالحه القرار في تنفيذه قبيل تقديم تظلم من الخصم، ومن ثم فإن العدالة تقتضى إحداث نوع من التوازن بين مصلحة الطرفين، فإذا كان قرار النيابة وفقاً لنص المادة 44 مكرراً واجب التنفيذ فوراً وفي ذلك رعاية المصلحة الصادر لصالحه القرار، فإن في جواز تقديم إشكال في هذا القرار القاضي التنفيذ رعاية المصلحة خصمه، إذ سيتمكن هذا الخصم من وقف تنفيذ القرار الواضح البطلان فورا بناء على الإشكال وقد أصدر السيد المستشار وزير العدل الكتاب الدوري رقم 6 لسنة 1992 بتاریخ 2/11/1992 ، وقد تم تبليغه للمحاكم للعمل به ومضمون هذا الكتاب يعني أن تنفيذ قرارات النيابة التي تصدر وفقاً للمادة 44 مكرراً يكون بإجراءات التنفيذ الجبرى المنصوص عليها في قانون المرافعات، وقد نص هذا الكتاب الدوري على مايأتي :
بعد الاطلاع على القانون رقم 23 لسنة 1992 بإضافة المادة 44 مكرراً من قانون المرافعات المدنية والتجارية ينبه على أقلام المحضرين باتباع الآتي :
أولاً : يقوم المحضرون بإعلان القرارات الوقتية الصادرة من النيابة العامة في منازعات الحيازة المدنية أو الجنائية إلى ذوى الشأن خلال المواعيد المحددة وفقا لأحكام قانون المرافعات .
ثانياً : تنفيذ القرارات الوقتية الصادرة من النيابة العامة في منازعات الحيازة المدنية أو الجنائية، يقوم به المحضرون تطبيقاً للمادة 44 مكرراً من قانون المرافعات المضافة بالقانون رقم 23 لسنة 1992 على أن تزيل هذه القرارات بالصيغة التنفيذية المنصوص عليها في المادة 380/3 مرافعات.
ثالثاً : يكون التظلم من تنفيذ القرارات الوقتية الصادرة من النيابة العامة في منازعات الحيازة بدعوى ترفع بالإجراءات المعتادة أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة في الميعاد المحدد ولا يعتبر الإشكال أثناء التنفيذ طريقاً للتظلم ولا يترتب عليه وقف التنفيذ.
ولا يجوز في أي حال من الأحوال وقف تنفيذ القرار إلا بأمر من قاضي الأمور المستعجلة المختص بنظر التظلم .
رابعاً : إن وقف تنفيذ القرارات الوقتية الصادرة من النيابة العامة في منازعات الحيازة يكون بطلب يقدم من ذوي الشان إلى قاضي الأمور المستعجلة - المختص - بعد رفع الدعوى بالإجراءات المعتادة وهو أمر جوازي يقره القاضي.
وعلى قلم المحضرين تنفيذ هذه التعليمات بكل دقة ووفقاً للكتاب الدوري الصادر من وزارة العدل والمشار إليه آنفاً، فإن المعمول به أن قرار النيابة بشأن الحيازة يعتبر سنداً تنفيذياً، ولا يجوز الإستشكال فيه وفقاً للكتاب الدوري، كما أنه ينفذ وفقا لإجراءات التنفيذ الجبري المنصوص عليها في قانون المرافعات، وفي رأينا أنه يجوز الاستشكال فيه أمام قاضي التنفيذ ويترتب على الإشكال فيه وقف تنفيذه، ويجوز رفع الإشكال بصحيفة تودع قلم الكتابة أو بإبدائه أمام المحضر، وقد أوجب الكتاب الدورى أن توضع الصيغة التنفيذية على نسخة منطوق القرار، ومن ثم اعتبره ضمن السندات التنفيذية المقصودة بعبارة «والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون هذه الصفة، المنصوص عليها في المادة 280 مرافعات التي عددت السندات التنفيذية وأوجبت أن توضع عليها الصيغة التنفيذية، كما أوجب الكتاب إعلان الصورة التنفيذية إلي ذوي الشأن قبل إجراء التنفيذ بما يتفق وحكم المادة 281 مرتفعات التي أوجبت إعلان السند التنفيذي قبل الشروع في التنفيذ، ثم إن الكتاب أوجب إجراء التنفيذ بواسطة المحضرين وفقاً للمادة 279 مرافعات التي تنص على أن يجري التنفيذ بواسطة المحضرين .
التظلم من قرار النيابة أمام قاضي الأمور المستعجلة وطلب وقف تنفيذه، وجواز الجمع في رأينا بين طلب وقف التنفيذ أمام قاضي الأمور المستعجلة والإشكال في التنفيذ أمام قاضي التنفيذ وجواز إستئناف حكم قاضي الأمور المستعجلة الصادر في التظلم والاستشكال فيه يجوز لذوي الشأن التظلم من قرار النيابة، سواء من صدر ضده القرار، أو أي شخص آخر من الغير ممن أصير بالقرار، ويتم التظلم لقاضي الأمور المستعجلة بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى أمام القضاء المستعجل، ولا يجوز التظلم لرئيس مصدر القرار كالمحامي العام أو المحامي العام الأول أو مساعد النائب العام أو النائب العام، لأن المشرع جعل الاختصاص بنظر التظلم فقط لقاضي الأمور المستعجلة دون غيره ويجب أن يتم التظلم خلال خمسة عشر يوماً من إعلان القرار إلى المتظلم والا سقط حقه في التظلم وتقضي المحكمة بهذا السقوط من تلقاء نفسها المتعلقة بالنظام العام فإذا كان المتظلم شخصاً من الغير ولم تعلنه النيابة العامة بقرارها أو لم يعلنه به من صدر القرار لصالحه، فإن له التظلم في أي وقت، فميعاد التظلم بالنسبة للمتظلم لا يبدأ إلا من يوم إعلانه هو بالقرار، وذلك وفقاً للمادة 44 مكرراً - محل التعليق .
ومن البديهي أنه يمكن لكل ذي شان أن يتظلم من القرار بمجرد صدوره ولو لم يعلن به فلا يلتزم بانتظار إعلانه به أو انقضاء ثلاثة أيام من صدور القرار ويرفع التظلم إلى القاضي المختص بالأمور المستعجلة كما ذكرنا والمقصود محكمة الأمور المستعجلة داخل المدينة التي بها مقر المحكمة الإبتدائية، أو القاضي الجزئي خارج هذه المدينة فلا يختص به قاضى التنفيذ .
وللمتظلم أن يطلب من القاضي المستعجل الذي ينظر تظلمه، وقف تنفيذ قرار النيابة المتظلم منه على أن يفصل في التظلم، ويمكن أن يقدم هذا الطلب في نفس صحيفة التظلم، كما يمكن أن يقدم كطلب إضافي على أنه لا يجوز تقديم طلب وقف التنفيذ إلى غير القاضي الذي ينظر التظلم .
ولا يعتبر هذا الطلب إشكالاً في التنفيذ، فلا يترتب على مجرد إبدائه وقف التنفيذ ( فتحی والی - بند 64 مكرراً ص 110 وص 111 ) .
وقرار القاضي بوقف التنفيذ أو برفض الوقف يعتبر قراراً صادراً في طلب وقتي، ولهذا فإنه يقبل الطعن فيه بالاستئناف فورا دون انتظار الحكم الصادر في التظلم مادة 212 مرافعات .
ويفصل القاضي المستعجل في التظلم إما برفضه وتأييد قرار النيابة العامة، أو بقبوله وإلغاء القرار المتظلم منه أو بتعديله وفقا لما يراه القاضی محققا لحماية من يستحق الحماية الوقتية لحيازته .
وعند فصل قاضي الأمور المستعجلة في الطلب، فإنه يتقيد بالقواعد التي تحكم سلطة القضاء المستعجل ويكون حكمه حكما وقتيا يقبل الطعن فيه بالاستئناف شأنه شأن الأحكام الصادرة في الدعاوى المستعجلة، كما يجوز رفع إشكال في تنفيذه، ويرفع أمام قاضي التنفيذ شأنه شأن باقي الأحكام القضائية .
ويلاحظ أنه أي كان مضمون حكم القاضي في التظلم فإنه لاحجية له بالنسبة لدعاوى الحيازة الموضوعية، كما أنه لاحجية له بالنسبة للحق الموضوعي .
وقد مضت الإشارة إلى أن الطريق الوحيد للتظلم من قرار النيابة العامة بشأن الحيازة هو التظلم أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة وقد عبر المشرع عن ذلك بنصه على أنه «وفي جميع الأحوال يكون التظلم أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة، فلا يجوز التظلم من القرار أمام الجهة الرئاسية المصدر القرار بالنيابة العامة، كما أنه لا يجوز الطعن في القرار أمام جهة القضاء الإداري، ولكن صدور قرار النيابة العامة في شأن الحيازة، لا يمنع الحائز من رفع دعوى الحيازة حماية لحيازته، كما لا يمنع صاحب الحق، من رفع دعوى الحق ( فتحى والى - بند 64 مكرراً ص 112 ) .
ويلاحظ أنه من الناحية العملية قد تصدر النيابة قراراً في الحيازة فيتظلم منه الصادر ضده، وفي الوقت نفسه تقدمه لمحكمة الجنح بتهمة انتهاك حرمة ملك الغير، وحينئذ لن يستطيع القاضى المستعجل أن يفصل في التظلم قبل ضم ملف الحيازة الذي قيد جنحة أصبحت منظورة أمام القضاء الجنائي الذي سيحجم عن إرسال الجنجة لقاضي الإستعجال مادام أنه لم يفصل فيها، وقد يترتب على ذلك مضى وقت ليس بالقصير حتى يتمكن من الفصل في التظلم، لذلك فإن خير وسيلة للمتظلم في هذه الحالة تقديم صورة رسمية من ملف الحيازة للقاضي المستعجل، ( الدناصورى وعكاز - شرح القانون رقم 23 لسنة 1992 - ص 40 ) .
كما يلاحظ أيضاً أنه في التطبيق العملي قد تثار حالة ما إذا أصدر رئيس النيابة قراراً في أمر الحيازة، وفي الوقت نفسه أحال أحد الخصوم إلى محكمة الجنح، وصدر عليه حكم، وكان هذا الخصم قد تظلم من قرار - النيابة أمام قاضي الأمور المستعجلة، ففي هذه الحالة يجب التفرقة بين ما إذا كانت النيابة قد أقامت الدعوى الجنائية بتهمة انتهاك حرمة ملك الغير الأمر المعاقب عليه بالمادة 367 عقوبات، وبين ما إذا كانت أقامتها بتهمة أخرى كسرقة أو تزوير، ففي الحالة الأولى فإن الحكم الصادر من محكمة الجنح بقيد القاضي المستعجل بشرط أن يكون قد أصبح باتاً أما إذا لم يصبح كذلك فإنه لايقيده ومؤدى ذلك أنه إذا صدر حكم بيت بمعاقبة المتهم بتهمة انتهاك حرمة ملك الغير فإن هذا القضاء يكون قاطعاً في أن الحيازة الفعلية كانت للمجني عليه وأن المتهم سلبها منه بالقوة أو بدا منه ما يدل على إستعمال القوة في سلبها، ومن ثم فإن القضاء المستعجل يتقيد به لأن الأحكام الجنائية حجة على الكافة ويلتزم بها القضاء المدني والقضاء المستعجل فرع من فروعه، ولان ذلك لا يتنافى مع طبيعته، أما في الحالة الثانية فإن الحكم الجنائي لايقيد القاضي المستعجل، ( الدناصورى وعكاز - شرح القانون رقم 22 لسنة 1992 - ص 33 وص 34 ) .
ويلاحظ أنه من المقرر أن القاعدة التي تقضي بأن يوقف القضاء المدني الدعوى المدنية في حالة ما إذا كانت الدعوى الجنائية التي تكون الأساس المشترك بين الدعويين قد أقيمت لاتطبق بالنسبة للقضاء المستعجل لأنها تتنافى مع طبيعته، ولأن في وقف الدعوى يترتب عليه أن قرار النيابة يظل نافذاً حتى يفصل من محكمة الجنح وهو مالم يرده المشرع .
كما يلاحظ أنه إذا صدر حكم جنائي نهائي ببراءة المتهم من جريمة التعدي على الحيازة فإنه يجب التفرقة بين صورتين، الأولى إذا أسست المحكمة الجنائية البراءة على نفي التعدي على الحيازة باعتبار أن الحيازة له أصلا ولم تخرج من يده وأن خصمه كان يحاول إنتزاعها منه عنوة، وأنه كان يدفع هذا التعدي، فإن هذا الحكم يحوز حجية ويتعين على قاضي الأمور المستعجلة أن يتقيد به، ويعتبر الوقائع التي وردت به ثابتة، ويسير في دعواه على هذا الأساس، أما إذا كان سبب البراءة هو عدم كفاية الأدلة على التعدي على الحيازة فقد ذهب الرأي الراجح في الفقه الذي أيدته محكمة النقض إلى أن القاضي المدني يرتبط بالحكم الجنائي كما هو الشأن في الحالة السابقة.
وفي حالة ما إذا كان الحكم بالبراءة مبنياً على الفصل في الواقعة أساس الدعوى دون الفصل في نسبتها إلى المتهم، ففي هذه الحالة لا يتقيد القاضى المستعجل بالحكم، كما إذا كان حكم البراءة راجعاً إلى موت المتهم أو بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم .
وفي حالة إذا قدم المتهم للمحاكمة في دعوى واحدة بتهمة التعدي على الحيازة، وتهمة أخرى أو أكثر كإتلاف وسرقة وقضت المحكمة في تهمة التعدي على الحيازة بالبراءة، وفي دعوى السرقة والتزوير بالإدانة أو العكس، فلا شك أن الحكم الذي يقيد القاضى المستعجل أو الموضوعي هو ذلك الذي بصدر في تهمة الإعتداء على الحيازة، أما ماعدا ذلك من تهم نسبت إلى المتهم فإن الحكم الصادر فيها لايقيد المحكمة المدنية سواء كان بالإدانة أو البراءة، ( الدناصورى وعكاز - ص 34 ) .
وإذا أصدرت النيابة قراراً في الحيازة، فليس هناك من إلزام عليها بتحريك الدعوى الجنائية في خلال ستين يوماً، كما كان الأمر في النص الملغي إذ أصبح لها الحق في إقامتها في أي وقت تشاء إلى أن تنقضي الدعوى الجنائية، كما أن لها ألا تقيمها، كذلك ليس هناك مايمنع الخصم الأخر من تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر
وإذا أقامت النيابة الدعوى الجنائية على أحد الخصوم بتهمة التعدي على حيازة خصمه، إلا أنه أقام دعوى موضوعية بأحقيته في الحيازة وقضى في الدعوى الجنائية بالإدانة، فإن هذا الحكم يقيد قضاء الموضوع مادام أنه قد أصبح باتا لأن موضوع الحيازة يكون الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية، أما إذا قضى بالبراءة فتطبق القواعد سالفة الذكر
وفي حالة ما إذا صدر حكم من القضاء المستعجل في شأن الحيازة وأصبح نهائياً، ثم صدر حكم من محكمة الجنح في الحيازة على خلاف ما قضى به القضاء الأول وأصبح باتاً من شأنه تقييد القضاء المدني، فإنه يجب التفرقة بين ما إذا كان الحكم المستعجل قد نفذ أو لم ينفذ، ففي الحالة الأولى يجوز لمن صدر ضده الحكم المستعجل أن يستشكل في التنفيذ ويؤسس إشكاله على أن أمراً جديداً قد طرأ بعد صدور الحكم ولم يكن مطروحاً على القضاء المستعجل، وفي هذه الحالة فإنه يتعين على قاضي الإشكال وقف تنفيذ الحكم، أما إذا كان الحكم قد نفذ فلا مناص من أن يرفع الصادر ضده الحكم دعوى موضوعية بأحقيته للحيازة ويتعين على قضاء الموضوع التقيد بحجية الحكم الجنائي إذا توافرت شروطها، أما إذا لم ترفع هذه الدعوى فإنه لا يجوز المساس بالحكم المستعجل، ذلك أنه رغم أن حجيته مؤقتة إلا أنها تظل قائمة واجبة الإحترام طالما لم يلغ بقضاء مدنی موضوعي، ويجوز في الحالة الأولى لمن صدر ضده الحكم المستعجل أن يلجأ لمحكمة الموضوع بدلاً من أن يستشكل في التنفيذ ( الدناصورى وعكاز - شرح القانون رقم 23 لسنة 1992 - ص 34 وص 35 ) .
ويلاحظ أنه إذا كان المشرع بمقتضى المادة 44 مكرراً قد جعل التظلم من قرار النيابة في الخيانة مقصوراً على قاضى الأمور المستعجلة، إلا أن ذلك لايمنع من صدر ضده القرار من أن يلجأ مباشرة لقاضي الموضوع مطالبة بحقه في الحيازة وفقاً لدعاوى الحيازة التي بينها القانون المدني وهذه الدعوى تختلف عن التظلم من قرار النيابة في الأوجه الآتية :
أولاً: إن التظلم من قرار النيابة مدته خمسة عشر يوماً في حين أن الدعوى الموضوعية ليس لها موعد معين سوى ما أوجبته المادة 958 مدنی من وجوب رفعها خلال سنة.
ثانياً : إن التظلم من قرار النيابة لايختص به سوی قاضي الأمور المستعجلة حالة أن الدعوى الموضوعية يتحدد الاختصاص فيها حسب قيمة الدعوى، وقد تكون المحكمة الجزئية وقد تكون المحكمة الابتدائية.
ثالثاً : إن القاضي المستعجل عند نظره التظلم من قرار النيابة لا يجوز له المساس بأصل الحق، بينما إن قاضي الموضوع يتغلغل في بحث الحيازة، ويتعمق في فحص أدلتها ليصل إلى الرأي الصائب فيمن تكون حيازته أحق بالتفضيل ( الدناصوري و عكاز ص 575 ) .
ويثور التساؤل عن ما إذا كان يجوز لمن نوزع في حيازته أن يلجأ القاضي الأمور المستعجلة مباشرة دون أن يسلك طريق النيابة . لاشك أن الأصل طبقا للقواعد العامة أن دعوى منع التعرض دعوى موضوعية لايجوز أن ترفع أمام القضاء المستعجل، أما دعوى استرداد الحيازة فيختص القضاء المستعجل بنظرها إذا توافر شرطا اختصاصه وهما الاستعجال وعدم المساس باصل الحق، أما بالنسبة للتظلم المستعجل استنادا لهذه المادة فإنه لايشترط في التظلم الذي يرفع طعنا على قرار النيابة توافر شرط الاستعجال كما تقدم، ومؤدى ذلك أنه إذا اختار ذلك الذي فاته التظلم من قرار النيابة الالتجاء للقضاء المستعجل مباشرة فإنه يتعين عليه أن يلتزم بالقواعد العامة على النحو السالف بيانه ( الدناصورى وعكاز ص 576 ).
إذن لايجوز قرار النيابة أو الحكم الصادر في التظلم فيه أية حجية أمام محكمة الموضوع، أو بالنسبة إلى أصل الحق، فيجوز لصاحب الشأن ولو كان طرفا في القرار أن يرفع إلى محكمة الموضوع دعاوى الحيازة التي يراها كفيلة بحماية إدعائه بتقرير أن حجية القرار أو الحكم في التظلم هي حجية مؤقتة لاتقيد محكمة الموضوع، وقد ذهب رأي إلى أنه لايجوز له رفع تلك الدعاوى أمام القضاء المستعجل متى كان طرفا - في القرار إذ أن الدعوى التي يتصور أن يرفعها أمام القضاء المستعجل هی دعوى استرداد الحيازة التي تدور حول الحيازة المادية وهو مافصل فيه القرار أو الحكم السالفان أما إذا لم يكن طرفاً في القرار المذكور فإنه وإن كان له أن يتظلم منه إلا أنه يجوز له كذلك أن يرفع دعوى استرداد الحيازة دون أن بحاج بالقرار أو الحكم الصادر في التظلم المرفوع عنه من غيره - ( كمال عبدالعزيز ص 374 ) - ومن جهة أخرى فإن الأمر أو الحكم تكون له حجية أمام القضاء المستعجل بالنسبة لأطرافه تمنعهم من العودة إلى المنازعة مرة أخرى، إلا أنها حجية مؤقتة مرهونة ببقاء المراكز القانونية والواقعية فإن تغيرت جاز اللجوء إلى القضاء المستعجل في ظل المراكز المتغيرة .
ويجوز لصاحب الشان ولو كان طرفا في القرار أو الحكم أن يرفع دعوى أصل الحق لاختلاف الموضوع والسبب.
ضرورة تقديم صورة رسمية من ملف الحيازة للقاضي المستعجل في حالة محاكمة المتظلم أمام محكمة الجنح في نفس الوقت : من الناحية العملية قد تثار مشكلة في حالة صدور قرار النيابة العامة في الحيازة، فيتظلم منه الصادر ضده وفي الوقت نفسه تقدمه لمحكمة الجنح بتهمة انتهاك حرمة ملك الغير وحينئذ لن يستطيع القاضى المستعجل أن يفصل في التظلم قبل ضم ملف الحيازة الذي قيد جنحة أصبحت منظورة أمام القضاء الجنائي الذي سيحجم عن إرسال الجنحة لقاضي الاستعجال مادام أنه لم يفصل فيها، وقد يترتب على ذلك مضى وقت ليس بالقصير حتى يتمكن من الفصل في التظلم، لذلك فإن خير وسيلة للتظلم في هذه الحالة تقديم صورة رسمية من ملف الحيازة للقاضي المستعجل، ( الدناصورى وعكاز - ص 354 و ص 355 ) .
الحكم الصادر من القاضى المستعجل في تظلمات الحيازة يجوز الاستشكال فيه، أما قرار النيابة فالإستشكال فيه محل خلاف ونرى جوازه أوضحنا فيما تقدم أن الحكم الصادر من قاضي الأمور المستعجلة في التظلم المرفوع إليه من قرار النيابة يجوز رفع إشكال عنه، ويرفع أمام قاضي التنفيذ شانه شان باقي الأحكام وفقاً للقاعدة العامة المنصوص عليها بالمادتين 312 ، 275 مرافعات وتطبق عليه مايطبق على الإشكالات من قواعد وأحكام .
السند التشريعي لإختصاص النيابة العامة في حالة النزاع على مسكن الحضانة أو الزوجية تنص الفقرة الخامسة من المادة 18 مكرراً ثالثاً من القانون 100 لسنة 1985 بتعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية على مايلي :
وللنيابة العامة أن تصدر قراراً فيما يثور من منازعات بشان حيازة مسكن الزوجية المشار إليه حتى تفصل المحكمة فيها .
ويلاحظ أن حيازة مسكن الزوجية المشار إليه بهذه الفترة يشمل مسكن الحضانة باعتبار أن معظم المنازعات التي تثور حول المسكن بين الزوجين، إنما تكون بعد الطلاق وهو ما عناه المشرع واكدته المناقشات التي حدثت عند نظر القانون بمجلس الشعب .
وثمة تساؤل عما إذا كانت المادة 44 مكرراً من قانون المرافعات التي تصدت للنزاع على الحيازة قد نسخت ضمناً الفقرة الخامسة من المادة 18 مكرراً ثالثاً باعتبار أنها صدرت في تاريخ لاحق عليها، أم أن المادة 18 مكرراً فقرة خامسة مازالت سارية ؟. لاشك في أن المادة 44 مكررا مرافعات لم تنسخ حكم المادة 18/5 مكرر ثالثاً باعتبار أن قانون الأحوال الشخصية قانون خاص على خلاف قانون المرافعات فهو قانون عام والقاعدة العامة في هذا الصدد تقضي بأن القانون الجديد إذا كان عاماً لا يلغي القانون الخاص السابق عليه إلا إذا أشار صراحة إلى الحالة التي يحكمها القانون الخاص وجاءت عباراته قاطعة الدلالة على سريان حكمه في جميع الحالات وهو مالم يحدث في المادة 44 مكرراً مرافعات ، ويترتب على ذلك النتائج الآتية :
أ- إنه يجوز أن يصدر القرار من عضو النيابة بدرجة وكيل نيابة بخلاف ما أوجبته المادة 44 مكرراً مرافعات من ضرورة صدوره من رئيس نيابة على الأقل .
ب - إنه يجوز التظلم منه أمام رئيس مصدر القرار على خلاف الصادر إستناداً لنص المادة 44 مكرراً مرافعات من عدم جواز ذلك .
ج- إن الطعن فيه ينعقد للمحكمة الإبتدائية دائرة الأحوال الشخصية على خلاف ما تقضى به المادة 44 مكرراً مرافعات من أن التظلم في القرار من إختصاص قاضي الأمور المستعجلة .
د- إن الطعن علي القرار ليس محدداً بميعاد معين على خلاف الصادر طبقاً للمادة 44 مكرراً مرافعات .
هـ - إن إصدار النيابة للقرار جوازي لها على خلاف ما تقضي به المادة 44 مكرراً مرافعات من وجوب إصداره .
ويلاحظ أن القرار الصادر من النيابة في النزاع على مسكن الحضانة أو الزوجية مؤقت ومعلق على نتيجة الفصل فيه من محكمة الموضوع وهي المحكمة الابتدائية ، ولا يجوز الإستشكال فيه لأن قرارات النيابة في مسائل الحيازة - لا تدخل في عداد منازعات التنفيذ المشار إليها في المادة 275 مرافعات، كما مضت الإشارة، ومن ثم لا يختص قاضى التنفيذ بنظرها، كذلك لا يختص القاضي المستعجل بعدم الإعتداد بها أو إسترداد حيازة العقار ممن أمرته النيابة بتسليم المسكن ( الدناصورى وعكاز – ج1 ص 358 و ص 359 ) .
نقدنا لنص المادة 44 مكرراً مرافعات وضرورة تعديله واضح من نص المادة 44 مكرراً المستحدث بالقانون 23 لسنة 1992 أن المشرع منح النيابة العامة اختصاصاً شبه قضائى لحسم منازعات الحيازة حسماً مؤقتاً ، وقد كان هذا الاختصاص مقبول في المجال الجنائي، إلا أن ثمة تحفظات لنا عليه في المجال المدني أي فيما يتعلق بالمنازعات المدنية المتعلقة بالحيازة، فواضح من نص المادة 44 مكرراً أن المشرع أراد بهذا النص المستحدث أن يشبه قرار النيابة العامة بالحكم القضائي، رغم أنه لم يفصح عن ذلك صراحة، بل إن المشرع بالغ في ذلك بأن جعل قرار النيابة واجب التنفيذ فوراً، وكأنه حكماً قضائياً مشمولاً بالنفاذ المعجل، ولاشك أن ذلك سوف يثير مشاكل عملية كثيرة خاصة وأن ثمة فوارق عديدة بين الحكم القضائي وبين قرار النيابة العامة سواء من حيث ضمانات وإجراءات إصداره أو حجيته وأثاره وكيفية تنفيذه والطعن فيه وغير ذلك .
ولذلك فإنه من الأفضل تعديل نص المادة 44 مكرراً بتقييد سلطات النيابة العامة في المنازعات المدنية المتعلقة بالحيازة وهي بطبيعتها المدنية لاتمثل جريمة جنائية، فينبغي ألا يكون قرار النيابة واجب التنفيذ فوراً بل يسمح لذي الشأن بالتظلم منه للرئيس الأعلى لمصدر القرار خلال فترة زمنية أطول من المدة المنصوص عليها في المادة 44 مكرراً وهي ثلاثة أيام بأن تكون هذه المدة أسبوعين مثلاً ، ولا يتم التنفيذ إلا بعد الفصل في التظلم، مع السماح لذوي الشأن بعد ذلك بالالتجاء للقضاء المستعجل .كما أنه من الأفضل النص صراحة في التشريع على جواز الاستشكال في قرار النيابة العامة الصادر في الحيازة أمام قاضي التنفيذ لتحقيق رقابة قضائية عاجلة على هذه القرارات التي قد تصدر خاطئة أو باطلة ولإيجاد توازن بين مصلحة كل من الخصمين، وقد سبق لنا توضيح مبررات رأينا في جواز الاستشكال في قرار النيابة العامة الصادر في منازعات الحيازة أمام قاضي التنفيذ فيما مضى . ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / الأول ، الصفحة : 1103 )
إستحدث المشرع هذه المادة ومؤداها أنه في حالة ما قام نزاع مدني أو جنائي علي الحيازة بين الخصوم وعرض علي النيابة العامة فإنه يتعين عليها أن تصدر فيه قراراً وقتياً مسبباً ، وهو وقتي معلق علي نتيجة التظلم منه أمام قاضي الأمور المستعجلة أو علي رفع دعوى أمام محكمة الموضوع إذا اختار صاحب الشأن ذلك.
والحيازة التي تحميها النيابة ليست الحيازة في مفهوم القانون المدني والتي يحميها بدعاوى الحيازة الثلاثة ، وإنما يقصد بها الحيازة الفعلية - بصرف النظر عن الملكية أو الحيازة القانونية أو الأحقية في وضع اليد - ومؤداها أن تكون يد الحائز متصلة بالشيء إتصالاً فعلياً يجعل الشيء تحت سيطرته المباشرة وأن يكون هذا الإتصال قائماً وقت المنازعة على الحيازة. والحكمة من حماية الحيازة الفعلية هي رغبة المشرع في منع الإخلال بالنظام العام من الأشخاص الذي يدعون بحق لهم علي العين ويحاولون أن يستأدونه بأنفسهم ، وعلى ذلك يجوز حماية المستأجر رغم أنه يحوز لحساب المؤجر.
ويتعين أن تكون الحيازة الفعلية الجديرة بالحماية المؤقتة صحيحة خالية من العيوب على النحو الذي فصلناه في شرح شروط الحيازة ، فيجب أن تكون ظاهرة وهادئة وواضحة لا يشوبها لبس أو غموض وان تكون مستمرة غير متقطعة ولا يشترط فيها فترة معينة من الزمن ، ولا يمنع من إستمرارها أن يكون واضع اليد ينتفع بالعقار في فترات متقاربة أو متباعدة حسب طبيعة الأشياء ، إنما يشترط في هذه الأفعال الدالة على وضع اليد ، أن تتجدد في الأوقات والظروف المناسبة.
وقد استقر الرأي فقها وقضاء علي أنه إذا كان الحائز قد تسلم عين النزاع علي يد محضر تنفيذاً لحكم قضائي فإن حيازته تكون فعلية وجديرة بالحماية المؤقتة حتى ولو يكن منازعة في الحيازة طرفاً في هذا الحكم أو كان محضر التسليم مشويا بما يبطله ، إلا أن هذا القول - في تقديرنا - ليس صحيحاً على إطلاقه ، لأنه قد ثبت لنا من الممارسة العلمية أن كثيراً ما يلجأ الخصم الذي ينبغي الحصول على الحيازة من أن يصطنع دليلاً ليشد أزره بأن يتواطأ مع غيره على استصدار حكم بأحقيته في الحيازة وينفذ الحكم تنفيذاً صورياً وغالباً ما يتم تحرير محضر التسليم في هذه الحالة في مكتب المحضر أو الخصم دون الانتقال للعين خوفا من افتضاح أمره ثم يدعي الحيازة بعد ذلك في مواجهة الحائز الحقيقي متخذاً من محضر التسليم سنداً له.
كذلك فإن كثيراً من محاضر التسليم كانت تشوبها الصورية رغم صحة الحكم المنفذ به ، وكانت غالبية المحاكم بمجرد تقديم هذا المحضر إليها تستند إليه كدليل على الحيازة الفعلية ولا يعبر التفاتاً لدفع الحائز الحقيقي بصوريته رغم تقديمه الدليل في غالب الأحيان ، لذلك فالرأي عندنا أنه أثير أمام النيابة صورية محضر التسليم الذي حرر تنفيذاً للحكم سواء كان الحكم صورياً أو حقيقياً يتعين عليها أن تحقق هذا الموضوع سواء بنفسها أو بالشرطة وأن تصدر قرارها علي هدي ما يتبين لها في أمره إن صورية أو صحة فإن لم تفعل ذلك أو لم يدفع به أمامها الحائز الحقيقي وأبدي هذا الطلب أمام القاضي المستعجل الذي ينظر التظلم تعين عليه بدوره أن يبحث هذا الأمر ، غير أنه لا يجوز له إحالة القضية للتحقيق وإنما يقتصر بحثه من ظاهر الأوراق وقد يجد فيها الدليل علي صحة هذا الدفع كما إذا كان قد أجري أخيراً تحقيق إداري أو قضائي شهد فيه رجلاً الحفظ اللذين استوقعهما المحضر على محضر التسليم بأن المحضر تحرر في غير مكان التنفيذ وأن المحضر لم ينتقل للعين.
وبالنسبة للتسليم الذي تجريه الشرطة فإن المحاكم تعتبره بدوره دليلاً علي الحيازة الفعلية حتى ولو لم يكن مدعي الحيازة طرفا في النزاع الذي صدر فيه القرار مع أن كثيراً منهما يتم تحريره في مركز الشرطة أو القسم أو النقطة ، لذلك فإننا نرى أن يطبق عليه ما يطبق علي محضر التسليم الذي حرره المحضر عند الدفع عليه بالصورية.
وقد لا يلجأ الحائز الحقيقي في الحالات السابقة إلى الطعن بالصورية على محضر التسليم الذي حرره المحضر أو رجل الشرطة وإنما يسلك وسيلة أشد عنفا بأن يطعن عليه بالتزوير إذا كان دليله حاضراً وفي هذه الحالة تطبق القواعد آنفة البيان أمام النيابة أو قاضي الأمور المستعجلة.
وبالنسبة للتسليم الحكمي فأمره مختلف إذ أنه لا ينقل الحيازة نقلاً فعلياً وبالتالي لا يستأهل الحماية المؤقتة.
ويتعين أن يكون القرار الصادر من النيابة في الحيازة مسبباً بمعنى أنه يجب علي النيابة أن تبين الأسانيد التي ركنت إليها في إصدار القرار فلا يصح التسبيب المبتسر أو القاصر فلا يجوز لها مثلاً إن تسبب القرار بأنه ثبت لها من محضر الضبط أو التحقيق الذي أجرته أن " فلاناً " هو واضح اليد على العقار ويجوزه حيازة قانونية وأن " الخصم الآخر " ينازعه بغير حق وأن ذلك تأيد بالمعاينة فمثل هذا التسبيب لا يقنع المطلع عليه بل يجب أن يبين مؤدي أقوال الشهود الذين أيدوا من صدر القرار لصالحه وما أسفرت عنه المعاينة وإذا كان ذلك كافيا لدحض دفاع الصادر ضده القرار فلا لزوم للرد عليه أما إذا كان دفاعاً جوهرياً فيتعين الرد والجزاء علي عدم التسبيب أو التسبيب القاصر هو البطلان لأنه أمر يتعلق بحقوق الخصوم وضماناً لهم وبالتالي فهو في تقديرنا أمر يتعلق بالنظام العام ومن ثم لا يشترط أن يتمسك به الخصوم.
وقد أوجب المشرع أن يصدر القرار من رئيس النيابة علي الأقل وهذه ضمانة للخصوم فإن أصدره عضو نيابة أقل من ذلك درجة كان باطلاً والبطلان هنا في تقديرنا يشبه الإختصاص النوعي للمحاكم وبالتالي يتعلق بالنظام العام ولا ينال من هذا الرأي القول بأنه بطلان نسبي على سند من اختلاف الأحكام التي تنظم إختصاص النيابة عن تلك التي تبين اختصاص المحاكم الأن أمر النيابة في هذه الحالة تكون له حجيته إلي أن يلغي من القضاء المستعجل أو العادي على النحو الذي سنبينه.
وغني عن البيان أنه يجوز أن يصدر القرار المحامي العام أو المحامي العام الأول أو مساعد النائب العام أو النائب العام نفسه.
وإشترط المشرع أن يسبق صدور القرار سماع أقوال أطراف النزاع و إجراء التحقيقات اللازمة كسماع الشهود وإجراء المعاينة ، إلا أنه يشترط أن تجري النيابة ذلك بنفسها إلا إذا رأت لزوماً لذلك فإن لم تر لزوما للتحقيق فإنه يجوز لها أن تعتمد في ذلك علي محضر جمع الشرطة لإجرائه أو استيفائه أو تقوم بالتحقيق جميعه. كما إذا قدمت لها الشكوى ابتداء ورأت لأهمية النزاع أن تحققه بنفسها أو تحقق جزءاً منه.
وأوجب المشرع على النيابة إعلان قرارها للخصوم خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره ولا يجوز الاكتفاء بتوقيعهم أو بعضهم بالعلم بالقرار وتاريخ صدوره وذلك عملاً بالمبادئ المقررة في قانون المرافعات من أن العلم بالحكم لا يغني عن إعلانه وأن موعد الطعن فيه - في الحالات التي يوجب فيها القانون الإعلان - لا يبدأ إلا من تاريخ الإعلان.
ولم تحدد المادة طريقة الإعلان وقد يفسر البعض ذلك بعدم لزوم أن يتم بإعلان علي يد محضر والاكتفاء أن يتم بمعرفة رجال الإدارة إلا إننا نناهض هذا القول لأن إغفال المشرع النص على طريقة الإعلان لا يحمل إلا معنى واحد هو الرجوع إلى المبادئ العامة المقررة في قانون المرافعات فضلاً عن الإعلان بمعرفة رجال الإدارة يفتح مجال التلاعب مما يترتب عليه ضياع حقوق الخصوم.
وقد أصدر السيد مساعد وزير العدل قرار يؤيد هذا الذي إنتهينا إليه . سنعرض له فيما بعد.
ولا يترتب على تجاوز میعاد الإعلان بإجرائه بعد الثلاثة أيام التي حددتها المادة أي بطلان إذ أنه لا يعدو أن يكون ميعاداً تنظيمياً قصد به حث النيابة علي سرعة القيام به.
ومن المقرر أن النيابة هي المكلفة بالإعلان إلا أنه ليس هناك ما يمنع الخصم الذي صدر لصالحة القرار أن يقوم به إن أراد سرعة حسم النزاع. وقد ألزم المشرع النيابة بإصدار قرار في أي نزاع على الحيازة سواء شكل هذا النزاع جريمة أم كان مدنياً صرفاً وسواء إستعملت القوة في سلب الحيازة أم لم تستعمل . وعلى ذلك لا يجوز للنيابة أن تحفظ الأوراق وتكلف المتضرر بالإلتجاء إلى القضاء كما كانت تفعل قبل ذلك وكذلك لا يجوز لها من باب أولي أن تقيم الدعوى الجنائية علي أحد الطرفين أو كلاهما وتكتفي بهذا الإجراء بل لها إصدار قرار بشأن الحيازة.
ونظر لأن النص قد ورد عاما ومن ثم يتعين علي النيابة إصدار قرارها سواء كان المتنازع عليه عقاراً أو منقولاً.
ويجوز للنيابة العامة رغم إصدار قرارها في الحيازة ألا تقف عند هذا الحد بل لها أن تقيم الدعوى الجنائية علي أحد الخصوم سواء بتهمة انتهاك حرمة ملك الغير أو غيرها كجريمة سرقة صاحبت دخول العقار أو تزویر وهذا الوضع الأخير متصور كما إذا قدم أحد الخصوم سنداً للتدليل علي حيازته وتبين لها أنه مزور . ويجب علي النيابة أن تحمي من يتضح من الأوراق أنه كان يحوز العقار حيازة فعلية وقت النزاع سواء كان هو الشاكي أو المشكو ذلك أنه قد يكون المتعرض الحق في الحيازة لكن الحيازة الفعلية لغيره ويحاول المتعرض سلبها بالقوة فلا يجوز تمكينه من ذلك ، وبالتالي فلا يجوز لها أن تبحث نية التملك عند وضع يده ولا شروط الحيازة القانونية الموضوعية وإنما تمكن صاحب السيطرة الفعلية على الشيء.
ولا يجوز لأحد ذوي الشأن أن يلجأ لرئيس مصدر القرار كالمحامي العام أو المحامي العام الأول أو مساعد النائب العام تظلماً من قرار رئيس النيابة في الحيازة باعتبار أنه رئيس مصدر القرار وأن العمل قد جري علي ذلك بالنسبة للنيابة العامة لأن هذا القول سنده أن قانون الإجراءات الجنائية قد خوله هذا الحق أما في حالة صدور قرار في الحيازة فإن المشرع سلب التظلم من أي جهة - خلاف قاضي الأمور المستعجلة - وعلى ذلك إذا حدث تظلم لرئيس مصدر القرار فإنه يحسن به إحالة التظلم الذي ورد إليه لقاضي الأمور المستعجلة إن كان قد تظلم أمامه وإلا بحفظ التظلم وتفهيم الشاكي بالالتجاء إلى جهة القضاء المختصة إذا شاء ، أما إذا فات عليه ذلك فإنه يتعين التفرقة بين ما إذا كان القرار الجديد الذي أصدره مؤيداً للأول أو مخالفا له فإن كان مؤيدا الأول فإنه تحصيل حاصل ولا أثر له علي ميعاد التظلم منه أمام القضاء المستعجل الذي يبدأ من تاريخ صدور القرار الأول إما إذا كان الثاني فإنه يجوز للصادر ضده التظلم منه أمام القضاء المستعجل ويبدأ ميعاد التظلم من تاريخ إعلانه بالقرار الجديد ، وجدير بالذكر أن القرار في هذه الحالة باطل بطلاناً مطلقاً لأن مصدره انتزاع أختصاص ليس له.
وقد حدد المشرع الموعد الذي يتعين رفع التظلم فيه بخمسة عشرة يوماً من تاريخ إعلانه به فإن رفع بعد هذا الميعاد تعين علي قاضي الأمور المستعجلة أن يقضي من تلقاء نفسه بعدم قبوله لأن هذا الموعد يتعلق بإجراءات التقاضي وهو يشبه مواعيد الطعن في الأحكام إذ قصد به العمل علي سرعة إنهاء الخصومة حتى لا يظل النزاع سيفا مسلطا علي رقبة الخصوم ، وبالتالي فلا يلزم أن يكون الإعلان مرفقاً بملف الدعوى حتى يمكن التحقق من تجاوز الميعاد ويغني عنه إقرار رفع التظلم بتاريخ إعلانه به سواء كان هذا القرار في صحيفة التظلم أم شفوية بالجلسة إذا تبين أنه وفقاً لهذا الأثر تجاوز الميعاد، ولا يغني عنه العلم اليقيني بصدور القرار وتاريخ صدوره مادام أن الإعلان لم يتم كما إذا كان وقع في محضر النيابة بعلمه به.
وغني عن البيان أن التظلم في قرار النيابة إنما يرفع بصحيفة تودع قلم كتاب محكمة الأمور المستعجلة وهي الطريقة المعتادة لرفع الدعوى والتي نصت عليها المادة 63 مرافعات وليس هناك ما يمنع الصادر ضده القرار أن يرفع تظلمه قبل أن يعلن به ، بل أن هذا الإجراء أشد نفعاً وأقل خطراً.
وقد أجازت هذه المادة القاضي المستعجل بناء على طلب المتظلم أن يوقف تنفيذ قرار النيابة لحين الفصل في الدعوى وفي تقديرنا أن ذلك مشروط بأربعة أمور أولها أن يطلب المتظلم ذلك في صحيفة دعواه أو بطلب عارض فلا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها وثانيها أن يكون من شأن تنفيذ القرار إلحاق ضرر جسيم بالمتظلم أما إذا كان تنفيذ القرار لا يصيب المتظلم بضرر جسيم فلا يوقف التنفيذ، وثالثها ألا يكون تنفيذ القرار قد تم ، أما إذا كان قد تم تنفيذه علي القاضي أن يقضي بعدم قبول الطلب.
ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن العبرة بقبول الطلب وهو تقديمه قبل التنفيذ ، فإذا قدم قبل أن ينفذ إلا أنه نفذ قبل نظره أو أثناء نظره ، فلا أثر لذلك علي قبوله ، وإلا لو قيل بغير هذا الأمكن لمن صدر لصالحه القرار إن يغل يد المحكمة عن نظر وقف التنفيذ بمبادرته بتنفيذ قرار النيابة قبل الفصل فيه لأن التظلم فيه لا يوقفه كما سنبين.
والشرط الرابع لقبول طلب وقف تنفيذ قرارات النيابة ألا تكون الدعوى مهيأة للفصل في موضوعها ، ولم يضع المشرع في النص القيود الثلاثة الأخيرة إلا أن أصول التقاضي وإجراءات العدالة تقضيان إعمالها.
ويثور البحث عما إذا كان وقف التنفيذ يصدر بقرار من المحكمة أم بحكم لأنه إذا صدر بقرار فلا يلزم تسيبيه كما لا يجوز الطعن عليه فور صدوره استقلالاً أما إذا كان حكما فيلزم أن تدون له أسباب كما يجوز الطعن علیه استقلالا باعتبار أنه أنهي النزاع في شق من الخصومة.
وفي تقديرنا أن الرأي الثاني أقرب إلى الصواب وحجتنا في ذلك واضحة ولن يعيينا بيانها ، ذلك أن الشارع لم يستعمل في المادة 44 مكرر مرافعات عبارة أن تأمر بوقف تنفيذ القرار والتي أوردها في المادة 292 مرافعات التي أجازت للمحكمة الاستئنافية أن تأمر بوقف النفاذ المعجل المشمول به الحكم المستأنف عند التظلم فيه ، وإذ كان الأصل أن ما يصدر من المحكمة في الخصومة من إعطاء أحد طرفيها شيء أو حجبه عنه لا يكون إلا بحكم إلا إذا خرج المشرع علي ذلك الأصل العام بنص صريح وإذا كان المشرع قد أغفل عبارة أن تأمر وأورد بدلاً منها عبارة أن توقف فإن ذلك لا يكون إلا بحكم وإلا لو قيل بغير هذا لكان مؤداه أن المشرع يخلط بين الحكم والقرار وهو ما ينبغي تنزيهه عنه هذا فضلاً عن أن الأصل أن وقف التنفيذ لا يكون إلا بحكم إلا ما استثناه المشرع بنص خاص.
وإذا كانت المادة 45 مرافعات قد جعلت اختصاص قاضي الأمور المستعجلة مشروط بأمرين أولهما الاستعجال وثانيهما عدم المساس بأصل الحق إلا أن المشرع خرج علي هذا الأصل بالنسبة للشرط الأول - بخصوص هذا التظلم - وبذلك لم يصبح الاستعجال شرطاً لاختصاصه أما بالنسبة للأمر الثاني فإنه يتعين الالتزام به بدليل أن النص قد صرح بأن قضاء الأمور المستعجلة مؤقت ، وعدم تقيد القاضي المستعجل بشرط الاستعجال استثناء لا يجوز القياس عليه ولا التوسع في تفسيره.
وقد خولت المادة لقاضي الأمور المستعجلة أن يصدر حكمه بأحد أمور ثلاثة :
الأول : تأييد القرار.
الثاني : بتعديله.
الثالث : بإلغائه.
ويجب أن يكون حكم القاضي المستعجل مسيبا وإلا كان باطلاً ويجب أن يشمل التسبيب علي الوقائع ودفاع الخصوم والأدلة على الرأي الذي خلص إليه ، فإذا أصدر حكماً بتأييد قرار النيابة فإنه لا يجوز له أن يؤسس حكمه علي أن قرار النيابة في محله ويؤيده لأسبابه لأن النيابة ليست درجة تقاضي بل لابد له من إنشاء أسباب جديدة تحمل قضاءه وإلا كان مشوباً بالقصور في التسبيب.
والأمر الثاني مثاله أن يصدر رئيس النيابة قراراً بتمكين أحد الخصوم من طريق ( مشاية ) قام عليه نزاع بين خصمين فيري القاضي أن ذلك من شأنه أن يحرم الطرف الآخر من حق المرور مع أهميته له ومع عدم وضوح الحق في جانب أحدهما فإنه يقضي بتعديل القرار إلى تمكين الطرفين من المرور أو يعهد بهذه المهمة إلي شخص ثالث يختاره لهذا الغرض .
وأما إلغاء القرار فمثاله صدور قرار النيابة بنزع العين المتنازع عليها من يد حائزها وتسليمها إلى الخصم الآخر فيلغي القاضي المستعجل القرار وبذلك تعود العين لحائزها.
وقد ذهب رأي في الفقه إلا أنه في حالة ما إذا حكم القاضي المستعجل بإلغاء قرار النيابة فلا يجوز له أن يصدر قراراً جديداً ( التنظيم القانوني الجديد لمنازعات الحيازة للمستشار مصطفى هرجه ص 31 ) إلا أن هذا القول في تقديرنا تحصيل حاصل ، ذلك أن تعديل قرار النيابة قد يتضمن أحياناً شقين أولهما يعد إلغاء القرار وثانيهما إصدار حكم كما هو الشأن فيما إذا قررت النيابة تسليم عين النزاع إلي أحد الخصمين فعدله القاضي بتسليمها إلى شخص أجنبي . فإن الشق الأول يتضمن إلغاء القرار ويتضمن الثاني حكماً جديداً بتسليمها لهذا الأجنبي.
والحكم الصادر في التظلم في الحالات الثلاث المتقدمة حكم مؤقت لا يمس أصل الحق وحجيته موقوتة ولا يعتد به أمام محكمة الموضوع ولا يمنعها إذا ما عرض عليها النزاع أن تلغيه أو تقضي بغيره.
وليس هناك من شك في أنه بمجرد عرض التظلم على المحكمة يجوز للخصوم إدخال خصوم جدد أو التدخل فيه شأنه في ذلك شأن الدعاوى العادية.
ويثور التساؤل عما إذا كان يجوز استئناف حكم قاضي الأمور المستعجلة الصادر في التظلم وفي تقديرنا أن النص لم يمنع ذلك إذ لو أراد المشرع منعه لأورد كلمة " نهائي " في عجز عبارة " كان " أما ولم يذكرها فإنه يكون قد أخضع حكمه في هذا الشأن للمبادئ العامة يضاف إلي ذلك أن القرار الذي تصدره النيابة لا يعد - كما سبق القول - صادرة من إحدى درجات التقاضي.
وإذا كان الحكم الصادر من القاضي المستعجل في الحيازة حجية مؤقتة إلا أن هذه الحجية تظل قائمة ويتعين احترامها إذا أصبح نهائيا إما لتأييده وإما لفوات ميعاد الطعن فيه وطالما أن محكمة الموضوع لم تصدر حكما خلافه.
وهناك فرض آخر نادر ما يحدث ولكن وقوعه متصور وهو أن تصدر محكمة الموضوع حكمها بحسم النزاع قبل أن يصدر قاضي الأمور المستعجلة حكمه في نزاع الحيازة . في هذه الحالة لا يجوز له أن يقضي بعدم الاختصاص لأن المشرع جعله مختصا في جميع الأحوال وإنما يتعين في تقديرنا أن يقضي بانتهاء الدعوى لحسم النزاع موضوعا.
ويتعين على قاضي الأمور المستعجلة الفصل في التظلم حتى ولو تبين له أن النزاع قد طرح على قضاء الموضوع سواء كان قد رفع إليه بعدم التظلم أو كان معروضاً عليه قبل التظلم وذلك عملاً بصريح نص المادة.
ويدق البحث في حالة ما إذا كان رئيس النيابة قد أصدر قراراً في أمر الحيازة وفي الوقت نفسه أحال أحد الخصوم إلي محكمة الجنح وصدر عليه حكما وكان هذا الخصم قد تظلم من قرار النيابة أمام قاضي الأمور المستعجلة . وفي تقديرنا أنه يجب التفرقة بين ما إذا كانت النيابة فقد أقامت الدعوى الجنائية بتهمة انتهاك حرمة ملك الغير الأمر المعاقب عليه بالمادة 369 عقوبات وبين ما إذا كانت أقامتها بتهمة أخرى لسرقة أو تزوير ففي الحالة الأولي فإن الحكم الصادر من محكمة الجنح يقيد القاضي المستعجل بشرط أن يكون قد أصبح بات أما إذا لم يصبح كذلك فإنه لا يقيده ومؤدي ذلك أنه إذا صدر حكم بات بمعاقبة المتهم بتهمة إنتهاك حرمة الغير فإن هذا القضاء يكون قاطعاً في أن الحيازة الفعلية كانت للمجني عليه وأن المتهم سلبها منه بالقوة أو بدا منه ما يدل علي إستعمال القوة في سلبها ومن ثم فإن القضاء المستعجل يتقيد به لأن الأحكام الجنائية حجة علي الكافة ويلتزم بها القضاء المدني والقضاء المستعجل فرع من فروعه لأن ذلك لا يتنافى مع طبيعته.
أما في الحالة الثانية فإن الحكم الجنائي لا يقيد القاضي المستعجل.
ومن المقرر أن القواعد التي تقضي بأن يوقف القضاء المدني الدعوى المدنية في حالة ما إذا كانت الدعوى الجنائية التي تكون الأساس المشترك بين الدعويين قد أقيمت لا تطبق بالنسبة للقضاء المستعجل لأنها تتنافى مع طبيعته ولأن وقف الدعوى ، سيترتب عليه أن قرار النيابة يظل نافذاً حتى يفصل من محكمة الجنح وهو ما لم يرده المشرع.
وإذا صدر حكم جنائي ببراءة المتهم من جريمة التعدي على الحيازة فإنه يتعين التفرقة بين صورتين الأولي إذا أسست المحكمة الجنائية البراءة على نفي التعدي على الحيازة بإعتبار أن الحيازة له أصلاً ولم تخرج من يده وأن خصمه كان يحاول إنتزاعها منه عنوة وأنه كان يدفع هذا التعدي فإن هذا الحكم يحوز حجية ويتعين على قاضي الأمور المستعجلة أن يتقيد به ويعتبر الوقائع التي وردت به ثابتة ويسير في دعواه على هذا الأساس إما إذا كان سبب البراءة هو عدم كفاية الأدلة على التعدي على الحيازة فقد ذهب الرأي الراجح في الفقه الذي أيدته محكمة النقض إلي أن القاضي المدني يرتبط بالحكم الجنائي كما هو الشأن في الحالة السابقة.
وفي حالة ما إذا كان الحكم بالبراءة مبنيا على الفصل في الواقعة أساس الدعوى دون الفصل في نسبتها إلي المتهم ففي هذه الحالة لا يتقيد القاضي المستعجل بالحكم كما إذا حكم بالبراءة راجعاً إلي موت المتهم أو بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم . وإذا أسس حكم البراءة على أن المتهم سلب الحيازة بغير استعمال القوة فإن ذلك لا يمنع قاضي التظلم من نظر الدعوى لأن اختصاصه ليس مقيداً باستعمال القوة ، كما لو كان سلب الحيازة قد تم بطريق الغش أو الخديعة أو بتنفيذ حكم لم يكن الحائز طرفاً فيه.
وفي حالة إذا قدم المتهم في دعوى واحدة بتهمة التعدي علي الحيازة ، وتهمة أخرى أو أكثر كإتلاف وسرقة وقضت المحكمة في تهمة التعدي على الحيازة بالبراءة وفي دعوي السرقة والتزوير بالإدانة أو العكس فلا شك أن الحكم الذي يقيد القاضي المستعجل أو الموضوعي هو ذلك الذي يصدر في تهمة الاعتداء علي الحيازة أما ما عدا ذلك من تهم نسبت إلى المتهم فإن الحكم الصادر فيها لا يقيد المحكمة المدنية سواء كان بالإدانة أو البراءة.
وإذا تناول الحكم الجنائي أمر الحيازة وشروطها غير اللازمة للفصل في الجريمة كأن يتحدث عن سبب الحيازة ومدتها واستمرارها وظهورها ويثبت الحيازة أو ينفيها لأي من طرفي الخصومة قبل وقوع الجريمة بمدة ، فإن هذا يعد تزيداً منه غير متعلق بالجريمة وليس ركن من أركانها وبالتالي لا يلزم القاضي المدني ومثال ذلك أن يستطرد الحكم الجنائي إلي بحث مدة الحيازة وسببها لو دفع المتهم الدعوى بأن الحيازة كانت له قبل حيازة المجني عليه لها حيازة فعلية أو أدعي المتهم أنه كان يحوز العين لمدة سنة فأكثر سابقة على حيازة المجني عليه حيازة هادئة ومستمرة وإن ذلك كان بسبب صحيح وبنية التملك فإن هذا لا يعد دفعا للدعوى الجنائية إذ يكفي لقيام الجريمة أن تكون الحيازة الفعلية للمجني عليه وأن تكون قد سلبت منه بالقوة بغض النظر عن حق المتهم في الحيازة وقد استقر علي ذلك قضاء النقض.
وغني عن البيان أن صدور حكم في التظلم لا يمنع من صدر ضده من رفع دعوي منع التعرض أو دعوى استرداد الحيازة الموضوعية أمام المحكمة المختصة وعليه أن يثبت أن المجني عليه في واقعة سلب الحيازة كان قد حصل علي هذه الحيازة بطريقة معيبة ( مادة 973 مدني ) وأن يثبت أنه كان يحوز العين حيازة ظاهرة ومستمرة لمدة سنة وبنية التملك وأنه رفع دعواه قبل مضي سنة من تاريخ حيازة المجني عليه للعين وفي هذه الحالة تكون دعواه مقبولة ويقضي له بطلباته.
وجدير بالذكر أن تقيد قاضي التظلم بالحكم الجنائي مشروط باتحاد الخصوم في الدعويين فإذا حصل نزاع على الحيازة من شخص آخر خلاف ذلك الذي صدر عليه الحكم الجنائي فلا يقيده.
ومن ناحية أخرى فإنه يشترط لقيد قاضي التظلم بالحكم الصادر في الدعوى المدنية الموضوعية اتحاد الخصوم والموضوع والسب أما إذا كان هناك خلاف في الموضوع أو الخصوم أو السبب فإن ذلك لا يمنعه من الحكم في الدعوى.
وإذا أصدرت النيابة قراراً في الحيازة فليس هناك من إلزام عليها بتحريك الدعوى الجنائية في خلال ستين يوماً كما كان الأمر في النص الملغي إذ أصبح لها الحق في إقامتها في أي وقت تشاء إلي أن تنقضي الدعوي الجنائية كما أن لها ألا تقيمها وليس لذلك أدني تأثير على القرار الذي أصدرته بشأن الحيازة كذلك ليس هناك ما يمنع الخصم الأخر من تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر.
وإذا أقامت النيابة الدعوى الجنائية على أحد الخصوم بتهمة التعدي علي حيازة خصمه إلا أنه أقام دعوي موضوعية بأحقيته في الحيازة وقضي في الدعوي الجنائية بالإدانة فإن هذا الحكم يقيد قضاء الموضوع ما دام أنه قد أصبح باتاً لأن موضوع الحيازة يكون الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية أما إذا قضى بالبراءة فتطبق القواعد التي سبق أن بيناها.
كذلك من المسائل الدقيقة التي يتعين التعرض لها إذا صدر حكم من المستعجل في شأن الحيازة وأصبح نهائياً ثم صدر حكم من محكمة الجنح في الحيازة على خلاف ما قضى به القضاء الأول وأصبح باتا من شأنه تقيد القضاء المدني فما هو الحل لهذه المشكلة. في رأينا أنه يتعين التفرقة بين ما إذا كان الحكم المستعجل لم ينفذ أم أنه نفذ ففي الحالة الأولي يجوز لمن صدر ضده الحكم المستعجل أن يستشكل في التنفيذ ويؤسس أشكاله علي أن أمراً جديداً قد طرأ بعد صدور وقف تنفيذ الحكم أما إذا كان الحكم قد نفذ فلا مناص من أن يرفع الصادر ضده الحكم دعوى مستعجلة جديدة استناداً إلى تغير الظروف.
وإذا كان المشرع بمقتضى المادة 44 مكرراً قد جعل التظلم من قرار النيابة في الحيازة مقصوراً علي قاضي الأمور المستعجلة إلا أن ذلك لا يمنع من صدر ضده القرار من أن يلجأ مباشرة لقاضي الموضوع مطالبة بحقه في الحيازة وفقاً للدعاوي التي بينها القانون المدني وهذه الدعوى تختلف عن التظلم من قرار النيابة في الأوجه الآتية :
أن التظلم من قرار النيابة مدته خمسة عشر يوما في حين أن الدعوى الموضوعية ليس لها موعد معين سوى ما أوجبته المادة 958 مدني ومن وجوب رفعها خلال سنة.
ثانياً : أن التظلم من قرار النيابة لا يختص به سوي قاضي الأمور المستعجلة حالة أن الدعوى الموضوعية يتحدد الاختصاص فيها حسب قيمة الدعوى وقد تكون المحكمة الجزئية وقد تكون المحكمة الإبتدائية.
ثالثاً : أن القاضي المستعجل عند نظره التظلم من قرار النيابة لا يجوز له المساس بأصل الحق على النحو السالف بيانه حالة أن قاضي الموضوع يتغلغل في بحث الحيازة ويتعمق في فحص أدلتها ليصل إلى الرأي الصائب فيمن تكون حيازته أحق بالتفضيل.
ولا يجوز التظلم من قرار النيابة العامة أمام المحكمة الابتدائية بإبدائه بطريق التبعية للطلب الموضوعي المطروح عليها بشأن الحيازة لأن المشرع حدد طريقاً خرج به علي القواعد العامة في تحديد الجهة التي يتم التظلم أمامها منه.
كذلك من المسائل التي تثير ما إذا كان يجوز لمن نوزع في حياته أن يلجأ القاضي الأمور المستعجلة مباشرة دون أن يسلك طريق النيابة.
في تقديرنا أن الأصل طبقاً للقواعد العامة أن دعوى منع التعرض دعوى موضوعية لا يجوز أن ترفع القضاء المستعجل ، أما دعوى إسترداد الحيازة. فيختص القضاء المستعجل بنظرها إذا توافر شرطاً اختصاصه وهما الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق أما بالنسبة للتظلم المستعجل استناداً لهذه المادة فإنه لا يشترط في التظلم الذي يرفع طعناً على قرار النيابة توافر شرط الاستعجال كما تقدم ، ومؤدي ذلك أنه إذا اختار ذلك الذي فاته التظلم من قرار النيابة الالتجاء للقضاء المستعجل مباشرة فإنه يتعين عليه أن يلتزم بالقواعد العامة علي النحو السالف بيانه.
والحكم الصادر من المحكمة الابتدائية بهيئة استئنافية طعنا على الحكم المستعجل الصادر في التظلم من قرار النيابة لا يجوز الطعن عليه بالنقض إلا بالشروط المنصوص عليها في المادة 249 مرافعات.
تنفيذ قرارات النيابة في الحيازة والاستشكال فيها : لا جدال في أن قرارات النيابة في الحيازة تكون قابلة للتنفيذ الجبري فور صدورها إلا أن الخلاف ثار بين الشراح حول إجراءات تنفيذها فذهب الرأي الأول إلى : " أن تنفيذها يكون وفقاً للإجراءات المتبعة في تنفيذ سائر قرارات النيابة العامة التي تستعين فيها بالشرطة فلا يخضع تنفيذها لإجراءات التنفيذ الجبري المنصوص عليها في قانون المرافعات ولا يتم تنفيذها بواسطة المحضرين ومن ثم لا يجوز الاستشكال في تنفيذها . ( الدكتور فتحي والي والمستشار أنور طلبة).
ونادى الرأي الأخر بأن : تنفيذ قرارات النيابة التي تصدر وفقا لنص المادة 44 مكرر يكون بإجراءات التنفيذ الجبري المنصوص عليها في قانون المرافعات فيتم بواسطة المحضرين وبموجب صورة تنفيذية تعلن إلي المنفذ ضده قبل الشروع في التنفيذ وفق ما تقضي به المادة 281 مرافعات (المستشار عزت حنورة والأستاذ خيري الكباش ).
وقد سایر السيد المستشار وزير العدل الرأي الثاني بإصدار الكتاب الدوري رقم 6 لسنة 1992 بتاریخ 2 / 11 / 1992 وقد تم تبليغه للمحاكم للعمل به وقد نص على ما يأتي :
بعد الاطلاع على القانون رقم 23 لسنة 1992 بإضافة المادة 44 مكرر من قانون المرافعات المدنية والتجارية ينبه على أقلام المحضرين بإتباع الآتي :
أولاً : يقوم المحضرون بإعلان القرارات الوقتية الصادرة من النيابة العامة في منازعات الحيازة المدنية أو الجنائية إلي ذوي الشأن خلال المواعيد المحددة وفقاً لأحكام قانون المرافعات.
ثانيا : تنفيذ القرارات الوقتية الصادرة من النيابة العامة في منازعات الحيازة المدنية أو الجنائية يقوم به المحضرون تطبيقاً للمادة 44 مكررًا من قانون المرافعات المضافة بالقانون رقم 23 لسنة 1992 علي أن تذيل هذه القرارات بالصيغة التنفيذية المنصوص عليها في المادة 3 / 380 مرافعات.
ثالثاً : يكون التظلم من تنفيذ القرارات الوقتية الصادرة من النيابة العامة في منازعات الحيازة بدعوى ترفع بالإجراءات المعتادة أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة في الميعاد المحدد ولا يعتبر الأشكال أثناء التنفيذ طريقاً للتظلم ولا يترتب عليه وقف التنفيذ.
ولا يجوز في أي حال من الأحوال وقف تنفيذ القرار إلا بأمر من قاضي الأمور المستعجلة المختص بنظر التظلم.
رابعاً : أن وقف تنفيذ القرارات الوقتية الصادرة من النيابة العامة في منازعات الحيازة يكون بطلب يقدم من ذوي الشأن إلي قاضي الأمور المستعجلة - المختص - بعد رفع الدعوى بالإجراءات المعتادة وهو أمر جوازي يقدره القاضي.
وعلى قلم المحضرين تنفيذ التعليمات هذه التعليمات بكل دقة .
وقد ذهب الأستاذ كمال عبد العزيز إلي أن مؤدي ما ورد بكتاب مساعد وزير العدل خضوع تنفيذ قرارات النيابة في شأن الحيازة لكافة الأحكام التي يخضع لها التنفيذ الجبري الذي يجري وفق قانون المرافعات ورتب على ذلك جواز الأشكال في تنفيذها وخضوع هذا الأشكال لكافة الأحكام المقررة في هذا الصدد وفقاً للمواد 312 مرافعات وما بعدها بما يترتب علي رفعها أو الحكم فيها من آثار.
وللوصول إلى نتيجة صحيحة في هذا الأمر ينبغي التعرف على كنه القرار الذي تصدره النيابة وطبيعته. ونرى أن قرار النيابة هو من قبيل الأوامر الولائية خولها المشرع إصداره. وهي تصدره بصفتها القضائية ويكون التظلم منه أمام قاضي الأمور المستعجلة وفقاً لنص المادة 44 مكرر من قانون المرافعات .
وقد شمله المشرع بالنفاذ المعجل كما ورد في نص المادة 44 مكرر من قانون المرافعات إذا وصفه بأنه قرار واجب التنفيذ فوراً.
ولا يقدح في كونه أمراً ولائياً ما أوجبه المشرع من تسبيبه إذ أن المشرع كثيراً ما يشترط تسبيب بعض الأوامر الولائية كما ورد في نص المادة 195 من قانون المرافعات ويقطع أيضا بأنه أمر ولائي قضائي أنه يصدر في نزاع بين أفراد وإن التظلم منه يكون أمام قاضي الأمور المستعجلة.
وما دام الأمر كذلك فإن قرار النيابة يعتبر سنداً تنفيذياً يخضع للقواعد التي تخضع لها السندات التنفيذية كالأحكام والأوامر والمحررات الموثقة ومحاضر الصلح ، ومن ثم يجب أن توضع عليه الصيغة التنفيذية ويجب إعلانه للصادر ضده القرار وتنفيذه تنفيذاً جبرياً بواسطة المحضرين.
ويجب أن يجرى التنفيذ تحت إشراف قاضي التنفيذ وفقاً لنص المادة 274 من قانون المرافعات.
ومقتضى ذلك أن تكون المنازعة الوقتية في تنفيذ هذا القرار جائزة ومقبولة إذا توافرت شروط قبولها ويترتب على رفع الأشكال أن كان هو الإشكال الأول وقف تنفيذ القرار إلي أن يفصل في الأشكال.
وإذا كان المشرع أجاز لقاضي الأمور المستعجلة إذا ما رفع إليه تظلم في القرار أن يوقف تنفيذ القرار مؤقتاً إذا طلب ذلك المتظلم وكان لذلك مقتض إلي أن يصدر حكم في التظلم إلا أن هذا الإجراء لا يتعارض مع الاستشكال في التنفيذ وما يرتبه من آثار فالمختص بالإشكال في التنفيذ هو قاضي التنفيذ أما طلب وقف التنفيذ مؤقتاً من القاضي الذي ينظر التظلم هو أمر آخر تختلف مقوماته وأسسه عن الأسس التي يبني عليها الإشكال .
فالفرض أن يقوم الإشكال علي أمور تالية لقرار النيابة وتكون متعلقة بسير التنفيذ أما التظلم فيقضي بوقف التنفيذ أو رفضه علي ما يستبين للقاضي من احتمالات لإلغاء القرار وخطر عاجل من التنفيذ لا يمكن تدارکه .
وهذا هو ما نظمه المشرع في المادة 292 من قانون المرافعات والتي أجاز بمقتضاها للمحكمة المرفوع إليها الإستئناف أو التظلم أن تأمر بناءاً على طلب ذي الشأن وقف النفاذ المعجل إذا كان يخشى وقوع ضرر جسيم إلي أخر ما جاء في هذه المادة إلا أن حق المستأنف في طلب وقف النفاذ أمام محكمة الإستئناف لا يحرمه من حقه في الاستشكال في التنفيذ وفقاً لما ورد في المادة 312 من قانون المرافعات وما بعدها . وكذلك الأمر بالنسبة لنص المادة 244 من قانون المرافعات والتي جرى نصها على أنه يجوز للمحكمة التي تنظر الالتماس أن تأمر بوقف التنفيذ متى طلب ذلك وكان يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم . يتعذر تداركه وكذلك ما ورد في المادة 251 من قانون المرافعات .
فتخويل المشرع محكمة الطعن إذا كان الحكم واجب النفاذ بقوة القانون أو بأمر من المحكمة التي أصدرت الحكم ( النفاذ المعجل ) أن تأمر بوقف التنفيذ إذا ما طلب منها ذلك لا يمنع من الاستشكال في تنفيذ السند التنفيذي مع ما للإشكال شروط ونتائج أهمها وقف التنفيذ بمجرد رفع الأشكال الأول إلي أن يفصل فيه .
خلاصة القول : أننا نري أن قرار النيابة وبمجرد صدوره هو بمثابة سند تنفيذي يخضع لما يخضع له كل السندات التنفيذية ومنها أنه يجب إعلانه قبل التنفيذ وأن التنفيذ يتم بواسطة المحضر وتحت إشراف قاضي التنفيذ .. وأن الأشكال في تنفيذه جائز ويترتب عليه ما يترتب على الاستشكال في أي سند تنفيذي.
وعلى ذلك فنحن نتفق مع الأستاذ كمال عبد العزيز في كل ما ذهب إليه إلا أنه بالنسبة للكتاب الدوري رقم 6 لسنة 1992 الصادر بتاريخ 2/ 11/ 1992 من السيد المستشار مساعد وزير العدل فإنه ما كان لسيادته أن يصدر هذا الكتاب لأن فيه افتئات علي اختصاص قاضي التنفيذ ولا يجوز إصدار تعليمات أو كتب دورية من وزارة العدل تتصل بتفسير قانون أو تأويلية أو توجيه القائمين على تنفيذه .
ومع ذلك فإن كتاب السيد المستشار مساعد وزير العدل صادف صحيح القانون فيما يختص بضرورة أن يقوم المحضرون بإعلان القرارات الصادرة من النيابة وأن التنفيذ يقوم به المحضرون وأن يكون قرار النيابة مذيلاً بالصيغة التنفيذية قبل تنفيذه وأن رفع التظلم أمام قاضي الأمور المستعجلة المختص في الميعاد يكون بالإجراءات التي رسمها المشرع لرفع الدعوى إلا أن سيادته أخطأ عندما قرر أن الإشكال في تنفيذ قرار النيابة يكون غير مقبول وأنه لا يترتب عليه وقف التنفيذ.
ذلك أنه ما دام أن قرار النيابة قد ذيل بالصيغة التنفيذية ويعلن قبل تنفيذه وينفذ بواسطة المحضرين فإنه بالضرورة يعتبر سندا تنفيذيا يتم بتنفيذه تحت إشراف قاضي التنفيذ ويترتب على الإشكال فيه وقف تنفيذه وأنه يجوز رفع الإشكال بصحيفة تودع قلم الكتاب وإما بإيدائه أمام المحضر.
وإذا كان لنا من تعقيب على المذكرة الإيضاحية وإذا كان المولى عز وجل أمر عباده بالتحدث عن نعمته لذا كان لزاماً علينا أن نشير أننا بفضل من الله وتوفيقه كنا أول من حمل لواء المناداة بأن قرار قاضي الحيازة والذي كان يصدره في منازعات الحيازة عملا بالمادة 373 مكرراً عقوبات قبل إلغائها قرار جنائي ويصدر منه في حدود اختصاصه الولائي وبالتالي لا يجوز الطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري ، وقد أصدرت كل من محكمة النقض والمحكمة الدستورية حكما من أحدث أحكامها أخذت فيه بهذا الرأي وقد نشرناهما في الطبعة السابعة من التعليق علي قانون المرافعات ص 231 وما بعدها ).
مسألتان هامتان :
أولهما : تتعلق بحجية القرارات التي تصدرها النيابة العامة في منازعات الحيازة :
لا شك أن هذه القرارات بطبيعتها قرارات وقتية لا تؤثر في أصل الحق وتزول بالفصل في موضوعه فإذا قضت محكمة الموضوع على خلاف قرار النيابة زال هذا القرار واعتبر كأن لم يكن وقد قضت محكمة النقض بذلك وقد أوردنا حكمها تحت بند رابعاً.
والثانية : وإن كانت لا تتعلق بالقانون إلا أنها ستثير مشاكل في العمل وذلك في الحالة التي تصدر فيها النيابة قراراً في الحيازة فيتظلم منه الصادر ضده وفي الوقت نفسه تقدمه النيابة لمحكمة الجنح بتهمة انتهاك حرمة ملك الغير وحينئذ لن يستطيع القاضي المستعجل أن يفصل في التظلم قبل ضم ملف الحيازة الذي قید جنحة أصبحت منظورة أمام القضاء الجنائي الذي سيحجم عن إرسال الجنحة لقاضي الأمور المستعجلة ما دام أنه لم يفصل فيها وقد يترتب علي ذلك مضي وقت ليس بالقصير حتى يتمكن من الفصل في التظلم لذلك فإن خير وسيلة للمتظلم في هذه الحالة تقديم صورة رسمية من ملف الحيازة للقاضي المستعجل .
الحكم الصادر من القاضي المستعجل في تظلمات الحيازة يجوز الاستكشاف فيه وكذلك الشأن بالنسبة لقرار النيابة :
سبق أن بينا أن الحكم الصادر من قاضي الأمور المستعجلة في التظلم المرفوع إليه من قرار النيابة يجوز رفع إشكال عنه ، ويرفع أمام قاضي التنفيذ شأنه شأن باقي الأحكام وفقاً للقاعدة المنصوص عليها بالمادتين 312 ، 375 مرافعات وتطبق عليه ما يطبق على الإشكالات من قواعد وأحكام.
وبالنسبة لقرار النيابة فقد سبق أن بينا أنه يجوز بدوره الإستشكال فيه وبينا سندنا في ذلك بإسهاب ولا يجوز الاعتراض على ذلك بحكم النقض الذي أوردناه عقب الشرح مباشرة لأن هذا الحكم تعرض لمنازعات الحيازة قبل : العمل بالمادة 44 مكرراً التي غيرت من الأوضاع التي كانت سائدة وأتت بقواعد جديدة تختلف عنها تماما على النحو الذي فصلناه.
السند التشريعي لاختصاص النيابة العامة في حالة النزاع على مسكن الحضانة أو الزوجية :
نصت الفقرة الخامسة من المادة 182 مکرر ثالثاً من القانون 100 لسنة 1985 بتعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية على ما يلي :
"وللنيابة العامة أن تصدر قراراً فيما يثور من منازعات بشأن حيازة مسكن الزوجية المشار إليه حتى تفصل المحكمة فيها ".
ولا شك في أن حيازة مسكن الزوجية المشار إليه بهذه الفقرة يشمل مسكن الحضانة باعتبار أن معظم المنازعات التي تثور حول المسكن بين الزوجين إنما تكون بعد الطلاق وهو ما عناه المشرع وأكدته المناقشات التي حدثت عند نظر القانون بمجلس الشعب.
ويثور البحث عما إذا كانت المادة 44 مكرراً من قانون المرافعات التي تصدت النزاع علي الحيازة ضمناً الفقرة الخامسة من المادة 18 مکرراً ثالثاً باعتبار أنها صدرت في تاريخ لاحق عليها أن المادة 178 مکرر فقرة خامسة ما زالت سارية.
في تقديرنا أن المادة 44 مكرراً مرافعات لم تنسخ حكم المادة 18 / 5 مكرر ثالثاً باعتبار أن قانون الأحوال الشخصية قانون خاص على خلاف قانون المرافعات فهو قانون عام والقاعدة العامة في هذا الصدد تقضي بأن القانون الجديد إذا كان عاما لا يلغي القانون الخاص السابق عليه إلا إذا أشار صراحة إلى الحالة التي يحكمها القانون الخاص وجاءت عبارته قاطعة الدلالة علي سريان حكمه في جميع الحالات وهو ما لم يحدث في المادة 44 مكرراً مرافعات ، ويترتب على ذلك النتائج الآتية :
1- أنه يجوز أن يصدر القرار من عضو النيابة بدرجة وكيل النيابة بخلاف ما أوجبته المادة 44 مكررا من ضرورة صدوره من رئيس نيابة علي الأقل.
2- أنه يجوز التظلم منه أمام رئيس مصدر القرار على خلاف القرار الصادر استنادا لنص المادة 44 مكررا مرافعات من عدم جواز ذلك .
3- أن الطعن فيه ينعقد للمحكمة الابتدائية دائرة الأحوال الشخصية على خلاف ما تقضي به المادة 44 مكرراً من أن التظلم في القرار من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة .
4- أن الطعن على القرار ليس محددا بميعاد معين على خلاف الصادر طبقاً المادة 4 مكرراً مرافعات.
5- أن إصدار النيابة للقرار جوازي لها على خلاف ما تقضي به المادة 33 مكرراً مرافعات من وجوب إصداره.
ولا شك أن القرار الصادر من النيابة في النزاع علي مسكن الحضانة أو الزوجية مؤقت ومعلق على نتيجة الفصل فيه من محكمة الموضوع وهي المحكمة الابتدائية كما سلف القول ، ولا يجوز الاستشكال لأن قرارات النيابة في مسائل الحيازة التي تصدرها في مسائل الأحوال الشخصية ، لا تدخل في عداد منازعات التنفيذ المشار إليها في المادة 275 مرافعات ومن ثم لا يختص قاضي التنفيذ بنظرها كذلك لا يختص القاضي المستعجل بعدم الاعتداد بها أو استرداد حيازة العقار ممن أمرته النيابة بتسليم المسكن . ( التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الدناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء الثاني ، الصفحة : 641 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع عشر ، الصفحة / 72
مَنْ يَمْلِكُ التَّنْفِيذَ:
يَخْتَلِفُ مَنْ لَهُ سُلْطَةُ التَّنْفِيذِ بِاخْتِلاَفِ الْحَقِّ الْمُرَادِ تَنْفِيذُهُ:
فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ الْمُنَفَّذُ عُقُوبَةً كَالْحَدِّ، وَالتَّعَازِيرِ وَالْقِصَاصِ، فَلاَ يَجُوزُ تَنْفِيذُهُ إلاَّ بِإِذْنٍ مِنَ الإْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. لأِنَّ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى الاِجْتِهَادِ، وَالْحَيْطَةِ، وَلاَ يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ وَالْخَطَأُ، فَوَجَبَ تَفْوِيضُهُ إلَى نَائِبِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ؛ وَلأِنَّهُ «صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ»، وَكَذَا خُلَفَاؤُهُ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِيفَاءٌ).
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، تَنْفِيذُ الْعُقُوبَةِ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ لأَِنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْكُلُّ مَأْمُورٌ بِهِ.
أَمَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ الْمُنَفَّذُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَالِيَّةِ، فَالتَّنْفِيذُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَإِذَا امْتَنَعَ بِلاَ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ نَفَّذَهُ الْحَاكِمُ بِقُوَّةِ الْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (اسْتِيفَاءٌ - وَحِسْبَةٌ).
الأْمْرُ بِتَنْفِيذِ حُكْمِ الْقَاضِي :
إذَا طُلِبَ مِنَ الْقَاضِي تَنْفِيذُ حُكْمٍ أَصْدَرَهُ هُوَ نَفَّذَهُ وُجُوبًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ إذَا كَانَ ذَاكِرًا أَنَّهُ حُكْمُهُ. أَمَّا إذَا نَسِيَ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ أَنَّهُ حُكْمُهُ، فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ تَنْفِيذِهِ لِمَا حَكَمَ بِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ تَنْفِيذُهُ حَتَّى يَتَذَكَّرَ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَنَّهُ حُكْمُهُ، أَوْ رَأَى وَرَقَةً فِيهَا أَنَّهُ حُكْمُهُ؛ لأِنَّهُ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْعِلْمِ وَالإْحَاطَةِ بِالتَّذَكُّرِ فَلاَ يَرْجِعُ إلَى الظَّنِّ؛ وَلإِمْكَانِ التَّزْوِيرِ فِي الْخَطِّ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَنَّهُ حُكْمُهُ لَزِمَهُ قَبُولُهَا، وَإِمْضَاءُ الْحُكْمِ، وَقَالُوا: لأِنَّهُ لَوْ شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمِ غَيْرِهِ قُبِلَ، فَكَذَلِكَ هُنَا.